روايات

رواية ميراث الندم الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الجزء الحادي والثلاثون

رواية ميراث الندم البارت الحادي والثلاثون

ميراث الندم
ميراث الندم

رواية ميراث الندم الحلقة الحادية والثلاثون

دلفت اليه داخل الغرفة، وقد كان جالسًا متربع القدمين على الفراش يشاهد بتركيز شديد، بالشاشة العملاقة الملعقة امامه على الحائط، إحدى مباريات المصارعة الحرة، قبل ان تجذب انتابهه بقولها الساخر:

– اخيييييه ع الجرف، ولا الريحة المعفنة، خبر ايه يا ناجي؟ هو انت اتسبحت في الطين بجلبيتك اياك؟ ييييي.

تطلع نحو ما تمسكه بيداها وتشير عليه، جلبابه الذي توسخ بالطين داخل حوض البرسيم والذي وقع بثقله داخله، بدفعة غاشمة لهذا الثور بسيوني، يذكر انه قد خلعها مع جميع ما كان يرتديه، بسلة الملابس ، قبل ان يستحم.

ردد مقلدًا نبرة صوتها بسخرية وحنق يتسائل:
– ييييييي! ولما انتي جرفانة جوي كدة، سحبتيها ليه من سلة الغسيل وجاية ماسكاها بطرف يدك، ايه اللي غاصبك؟

قابلت صيحة انفاعله ببرود ، لتضيف عليه بسماجة:
– يعني دي جزاتي يا واد ابوي، اني عايز اطمن واعرف ايه اللي حصل وخلاك تتبهدل كدة؟ اتكعبلت في حوض مروي جديد من غير ما تاخد بالك يعني؟ ولا اتزحلجت في زيطة في الشارع ؟ ولا ديب طلع عليك ومرضغك…..

– ديب لما ياكلك ويكسر عضمك كسير، ما تغوري يا فتنة، انا دماغي بتاكلني من الصبح، ونفسي الاجي حد افش غلي فيه، غوري بغتاتك دي.

أتت رئيسة على صياحه العالي لترى ما الذي اصابه :
– مالك يا ناجي بتزعج ليه؟ وانتي ايه الجلبية الزوبطة اللي مسكاها في يدك دي يا بت؟

توجهت بالاَخيرة نحو فتنة بالإشارة على الجلباب الذي تمسكه بيداها، ليسبقها ناجي في الرد :

– بتك بتستهزأ بيا ياما، جاي تتمسخر على جلبيتي اللي اتربرت في الطين لما كنت بجري على شوية عيال حرامية، نزلوا من الجبل امبارح، وانا لما لمحتهم نزلت فريت وراهم ليسرجوا حد من البلد.

قصة لطيفة اختلقها فجأة، صدقتها رئيسة حتى اشفقت عليه، لتسأله بقلق:
– لا اله الا الله، طب وليه مبلغتش ابوك ولا جماعة من العيلة ، يطلعوا معاك لحد ما تهججوا العيال دي
وتوجفوهم من أولها، انت تجري وراهم لوحدك غلط يا ناجي.

– اهو اللي حصل عاد.
ردد بها متقمصًا دوره، حتى اثار ابتسامة شقيقته، والتي عقبت تدعي الأسف:
– وه يا واد ابوي، كل ده حصلك؟ انا مسكت الجلبية وجيت اهزر معاك، لكن مكنتش اعرف ان كل دا حصلك، دا انت على كدة بطل.

رمقها بسخط، فرائحة السخرية المبطنة في كلماتها، تجعله يود القفز من محله، حتى يهجم عليها ويخرسها بالقبضة القاتلة، كما يرى الاَن أبطاله المفضلين على شاشة التلفاز، ولكنه اضطر للسكوت، معطيًا الدفة لوالدته في توبيخها، والتي وللعجب تقبلته صامتة بأدب القرود مما زاد من دهشته، حتى فاجئته بقولها فور خروج والدته، حاملة معها الجلباب من أجل تنظيفه:

– يعني انت متأكد انهم كانوا حرامية مش حد من رجالة غازي الدهشان ، ولا من الكلاب اللي مكلفهم بحراسة المحروسة هي وولدها؟

– اديكي جولتي كلاب.
اوقعته بلسانه لتضحك مغيظة له بملئ فمها، لتضاعف من إغاظته بقولها:
– وكان عليك من دا كله بإيه بس؟ بتصدر عربيتك جدامها وتوجفها زي العيال التلامزة في نص الطريج، طب بذمتك دي عمايل كبار؟ بتوجف حالك من الجواز وتجيب لنفسك الأذية، عشان واحدة زي دي؟ ايه جيمتها دي؟

قالت الأخيرة بازدراء يثير الدهشة، حتى بزغت ابتسامة متلاعبة على جانب فمه، يقلب الامر عليها، وقد وجد ضالته في استفزازها هو الاخر، بعدما كشفته، وعلمت بما اصابه لتتخذها بابًا للاستهزاء به:

– وهي دي محتاجة سؤال يا فتنة؟ بتسألي على جيمتها، على أساس يعني ان انتي متعرفيش جيمتها، وهي عاملة كيف رغيف الرغفان اللي طالع من الفرن حالا، ملهلهب كدة ويطلب الاكال، العيون الكحيلة الممتوحة لورا بوسعها والرموش الطويلة، ولا البياض ولا خدود التفاح اللي تغري الواحد انه ي…..

ضغط بوقاحته، وذكر مميزات الأخرى عنها حتى اجبرها على الصراخ به كي توقفه:

– اهدى شوية يا حبيبي، وكفياك تريل عليها أحسن تضر نفسك ، لا اخوها هيعتجك لو سمع كلامك ده، ولا الأهطل التاني، اللي عاملي فيها حامي الحمى عشان يتجوزها، فاكر كدة انه ممكن يغيظني، ميعرفش انه بيغيظ نفسه، لما يحط واحدة زيها في مكاني اناا،

برغم حالة الرضى التي تلبسته فور سماعه لنعتها لغريمه بالاهطل، إلا انها لا ينكر ذهوله الدائم من كم الغرور الذي تتمتع به شقيقته، لا تكف ابدًا عن ابهاره في هذا الشأن الذي أضاع منها زوجها، والاَن تتسبب بغبائها في ضياع المرأة الوحيدة التي تعجبه بحق في هذه البلدة:

– يعني انتي شايفاه هو لما يتجوز نادية هيبجى بيغيظ نفسه؟! طب ياريت اتجوزها انا، وتيجي انتي تغيظيني حتى لو كل يوم ، ما تفوجي لتفسك يا فتنة، وخفي شوية من بصك على المراية لا تتلبسي..

نهض عن التخت وقبل أن يصل لباب الغرفة ليخرج توقف يتابع:
– ولا اجولك على فكرة احسن، انتي اسأليها زي اللي في القصة المعروفة دي، وجوليلها يا مرايتي يا مراية، مين أحلى واحدة في الكون، أنا ولا بنت هريدي؟ واجعدي كرري كدة كتير لحد ما يطلعلك اللهم يحفظنا وياخدك معاه.

ختم بضحكات سمجة زادت باشتعالها لتصرخ به ساخطة:
– دمك تجيل يا ناجي، حتى هزار مش عارف تهزر

❈-❈-❈

كان يهبط من طابقه الثاني، واصوات الضحك والمزاح مع صغيراته، تصل لخارج المنزل، وقد باتوا ليلتهم السابقة معه، بعدما بعث اليهم، فور ان حطت قدميه داخل المنزل بعد عودته من القاهرة، يحمل أصغرهم والاثنتان الأخرتان تعلقن بجلبابه كالعادة، كان مندمجًا بمداعباته لهم، حتى أجفلته بعض الاصوات الصادرة في الأسفل، ليفاجأ بها ، جالسة بجوار جدته على الاَريكة:

– يا صباح الجمال.
غمغم بها داخله كم ود ان يتفوه بها امامها، معبرًا عن امتنانه لها، ان يلتقي بوجهها الحسن على بكرة الصباح ، لهو شيء يستحق الاحتفال،

– صباح الخير يا جماعة.
القي بالتحية بصوت عالي، على أسماعها واسماع جدته والتي ردت على الفور بابتسامتها السعيدة بحضوره، وحنانه نحو صغيراته:

– صباح الفل يا عين جدتك، صاحي بدري اكيد بسبب مضاريب الدم التلاتة، طب مش كنت خدت راحتك في النوم يا ولدي؟

– يا ستي انا راحتي بلجاها معاهم، ما هي الراحة مش نوم وبس.
قالها قبل ان يجلس بهم على إحدى الاَرائك القريبة، ثم توجه بخطابه نحو تلك الصامتة بوجوم، تقلم اظافر جدته، تتخذها حجة للإنشغال عن النظر اليه:

– ازيك يا ناادية عاملة ايه؟
خطفت نحوه نظره سريعة من عيون الريم، لتجيبه باقتضاب:
– حمد لله زينة، تشكر.

– تشكر!
غمغم بالكلمة داخله، يتمعن النظر بملامحها الشفافة والتي تحمل غضبًا مستترًا منه، يعلم سببه جيدًا، ليتابع محاولاته في فك جمودها منه:

– انا شايف ان نادية خدت المهمة من روح، حتى جصجيص الضوافر يا فاطنة، مش كفاية المحشي والوكل الزين بتاعها.

وكأنها ليست المقصودة بالكلمات، لم تتأثر او حتى ترفع بصرها نحوه، تتابع ما تفعله بتركيز شديد مع المرأة والتي راقها الوصف لترد ضاحكة:

– طب ما هي صح في مكانة روح يا واد، يعني تعملي اللي عايزاه وتاجي وجت اما اطلبها حتى لو بالأمر، صح ولا يا به؟

توجهت بالاَخيرة نحوها، لتجبرها على الابتسام مرددة بطاعة:
– صح طبعًا يا جدتي، وانا اجدر برضوا ارفضلك أمر.

– لا طبعا متجدريش، ولا حتى امك كمان تجدر.
رددت بها فاطمة بانفعالها المحبب، لتتوسع الابتسامة بفمها حتى اشرقت بوجهها، لتلهب قلب محبوبها، والذي كان يطالعها بوله، حتى انتبه لحاله، يستدرك سائلًا لها:

– امال الواد معتز فين؟ مش شايفه يعني؟
تكفلت فاطمة بالرد:
– معتز بيلعب برا مع بسيوني، دا كمان عجله أصغر منه، اللي يشوف الجتة الكبيرة ما يشوف المخ الصغير .

– وماله يا جدة، ياريت بس كل اللي عجلهم صغير، طيبين زيه.
عقب بها ضاحكًا خلفها، قبل ان ينتبه على مطلب اكبر صغيراته:
– انا كمان ضوافري كبيرة يا ابوي ، وعايزة اجصها

تطلع نحو كفي صغيرته التي فردتهم امامه، ليعلق بمكر:
– خلاص شوفي خالتك ناادية ان كانت ترضى، ولو مجبلتش اجصهم انااا.

استفزها بقوله، لتردد باستهجان من خلفه:
– كيف مجبلش يعني؟ تعالي يا اَية اجصهم ولو عايزة منكير امكرهم كمان.

هللت الأخيرة لتركض نحوها على الفور، مما اثار الغيرة بقلب الوسطى ، لتردف هي الأخرى:

– طب وانا يا خالة نادية
– تعالي انتي كمان يا شروق
قالتها بترحيب جعل الطفلة تتبع شقيقتها، ليتابعهم هو برضا، ثم همس لأصغرهم لتلحق بهما، حتى يأخذ راحته في تأملها، قبل ان ترحل وتترك الجلسة بحضوره كالعادة، ولكن صوت الهاتف قطع عليه، والذي ما أن نظر برقم الطالب، حتى تذكر ما ينتظره، لينسحب مضطر من امامهم، ذاهبًا نحو ركن ما بعيدًا عنهم، حتى لا يفضحه الشجار المتوقع مع الاَخر:

❈-❈-❈

– الووو… ايوة يا يوسف.
– يوسف مين يا حبيبي؟ توك ما افتكرت ترد على يوسف؟ انت تعرف حد أساسًا اسمه يوسف؟ من امبارح ارن، ومتعبرنيش، لدرجة اني روحتلك شقتك وملاقتكش، اختفيت فين يا غازي؟ ها، رد عليا

صوت صياحه العالي اجبر غازي لإبعاد الهاتف عن أسماعه قليلًا قبل ان يعود لمهادنة العاصفة الهوجاء لهذا الأحمق عليه:

– يا بني اديني فرصة ارد عليك، انا عارف اني اختفيت، واكيد جلجتلك لما مردتش ع التليفون، اللي انا اساسًا مكنتش واخد بالي انه على وضع الصامت، لما نزلت من الشغل على مشمي، وركبت عربيتي ونزلت البلد……

– يا نهارك اسود ، يعني انت نزلت البلد من غيري؟ نزلت البلد من غيري يا غازي؟
صرخ بها مرددًا بمقاطعة، ليجبر الاَخر على الرد بعدم انتباه:

– يا يوسف انا نزلت على حاجة مهمة، يعني نسيت ما ابلغك، فيها ايه يعني؟!
– طبعا يا حبيبي تنساني، ما انا لو في دايرة اهتمامك، مكنتش نستني، مكنتش نستني يا غازي.

– يخرب مطنك هو انت مرتي، خبر ايه يا جزين؟ ما تعجل كدة

– هو انت خليت فيها عقل يا غازي؟ انا مش منبه عليك تديني فكرة عشان انزل معاك، المشروع والحاجات اللي منتظرين نحققها في جناين الفاكهة ، كل ده مالوش قيمة عندك؟ كل ده.

– يخرب بيتك، انا مش فاكر أساسًا اي شيء من اللي جولتها….

– كمان نسيت؟ كمان نسيت يا غازي؟ طب اقفل السكة، اقفل السكة عشان منخسرش بعض، او اقفل انا احسن، سلام يا غازي..

قالها ينهي المكالمة على الفور، ليغمغم غازي بذهول:
– يخرب بيت جنانك يا شيخ، كل الصراخ والزعيج ده وبرضوا مفهمتش حاجة، رابح جاي يجولي اللي اتفقنا عليه، طب انا نفسي مش فاكر على ايه اتفقنا، ولا فاكر
كان جالي ايه بالظبط؟

❈-❈-❈

صدح صوت زغروطة الفرح الكبيرة من إجلال، فور ان اطمأنت من ابنتها ورأت بعينيها ، ما أثلج صدرها، لتضمها اليها بعد ذلك بفخر، مرددة بعبارات التهليل والابتهاج:

– يا الف هنا يا الف نهار مبروك، ايوة كدة ريحتي جلبي، دا ابوكي هيفرح جوي لما يعرف.

– ابويا كمان هيعرف؟
قالتها بازبهلال اضحك والدتها والتي أكدت لها بضرورة اخباره ، من أجل أن يرفع رأسه بحسن تربيته لها، وقد ظهر دليل عفتها، كانت تردد بلهفة قبل ان تنتبه على التغير الذي بدا واضحًا لحال ابنتها، لتشاكسها بالمزاح كالعادة:

– انت مالك كدة يا به؟ لحجتي تسرحي ومخك يروح لبعيد؟ بس ليك عذرك برضوا.
قالتها ثم انطلقت بالضحك وحدها، وقد شاركتها الأخرى بابتسامة بسيطة، لفتت انتباه الام، لتعقب بمرح ما ذهب به عقلها:

– لاه دا انتي مش معايا خالص، ايه العجل اللي هب عليكي فجأة كدة؟ لا دا باين عمر سره باتع.

– مين اللي جاب سيرة عمر؟
تفوه يقتحم الغرفة على الاثنتان، لترد إجلال بمزاحها:
– بتشكر فيك يا سيدي، لحست عجل البت من يوم واحد؟

تبسم بزهو يرد بالمزاح هو الأخر، ينقل بأنظاره كل لحظة نحو تلك التي ظلت على وجومها، رغم مشاركتها الابتسام على تعليقاتهم، تدعي الاندماج، حتى دلفت جميلة تسحب جارتها مغادرتان، ويخلو المكان الا منهما:

– ايه؟ انت لسة واجفة مكانك متسمرة؟
هتف بها يخاطبها، فور ان دلف الغرفة معها، بعد توصيله للمرأتان حتى باب المنزل، واقترب حتى حاوطها بذراعه، وقد ارتفعت يده الأخرى ليداعب الوجنتين الناعمتين، يخاطبها بمزاج رائق:

– ايييه؟ فوجي كدة وصحصحي معايا، حتى امك خدت بالها.
ختم ضاحكا، فخرج صوتها في الرد له:
– انت جولتلي امبارح خافي مني، وانا فعلا خايفة منك دلوك؟

اطلق ضحكة جلجلت في قلب الغرفة ليعقب بمرح :
– وانتي بتسمعي الكلام جوي يا هدير، اما شغل عيال صح زي ما بيجولوا…..، دا انا شكل ايامي معاكي فل.
تفوه الأخيرة بصوت متحشرج، قبل يأخذها اليه، وينهل منها، ما يخدر به عقله، ويطفئ رغبته بها.

❈-❈-❈

خرجت من غرفة السيدة فاطمة، بعدما ساعدتها ختى وصلت لتختها لتتسطح عليه، تشعل لها التلفاز، حتى تغفى لاستراحة القيلولة.

قطعت طريقها بالطرقة المؤدية للمخرج، وقبل ان تنتهي منها، تنبهت عليه يسير بالاتجاه المعاكس أمامها، كانت تظنه سوف يمر بجوارها قاصد غرفة جدته، ولكنها تفاجأت به يقف متصدر بجسده الضخم امامها ،

حركت قدميها لتتخطاه متجنبة النظر اليه، فتحركت قدميه يرافق خطواتها حتى اجبرها لرفع ابصارها اليه ، بتسأؤل لا يخلو من حدة، ف التقط نظرتها بانتصار غارقًا في بحر سواداوتيها الصافيتان بابتسامة خبيثة يسألها ببرائة

– هو انتي زعلانة مني يا نادية؟

– وه، ايه شغل العيال الصغيرين ده؟!
غمغمت بها داخلها، قبل ان يخرج ردها اليه بحنق مرددة:
– وانت متصدر جدامي عشان تسألني زعلانة ولا لأ؟

بقدر سعادته بحديثها المباشر اليه بعد أن اجبرها باستفزازه على الرد اخيرًا، لكنه لا ينكر سلطتها عليه،
بعد ما محاولات يائسة للفت انتباهاها، فقال يجيبها بمكر ، يكبت ابتسامته بصعوبة:

– طب وفيها ايه؟ ما انتي بصراحة متباعدة ومبيناها جوي يا ناادية، وطبعًا السبب انا عارفه من غير توضيح، بس حتى لو فاكراني بتحكم يعني؟ مش عشان مصلحتك برضوا؟

– مصلحتي! مصلحتي كيف ان شاء الله؟
هتفت بها حادة بشراسة اجبرته على الابتسام بوجهها ليواصل التوضيح بمراوغته:

– انا جصدي على أمان معتز يا ناادية، هو انتي فهمتي ايه بالظبط؟

ردت بحدة:
– لاه مفهمتش حاجة، وبصراحة بجى، مش عارفة ايه لزوم الجلج الزايد عن اللزوم ده منك ومن امي سليمة، انا شايفة الدنيا هديت وكل واحد راح في طريجه، وانا بجى عايزة ارجع بيتي.

على قدر ما اوجعه رغبتها في الرحيل وتركه، على قدر ما زاد عليه هو همها الدائم في الابتعاد، ورفضها لفتح باب قلبها او مواربته ولو قليلًا له، طريقه طويل وهو ابدًا لن ييأس.

– طب انتي جولتي بنفسك اها ، ان حماتك المرة العاجلة اللي بعدتكم عن البيت، هي نفسها اللي رافضة رجوعك وجلجانة زينا وأكتر، يعني شايفة اللي انتي مش واخده بالك منه، او يمكن مش شايفاه من الأساس.

جذب انتباهاها بحديثه، فتابع يواصل اقناعها :
– انا مش عايز افتح ولا اعيد ولا ازيد في كلام انتي عارفاه، بس رفضك للواقع مخليكي بتعاندي حتى وانتي عارفة بالخطر المحاوط ولدك الصغير، من مجهول لسة متكشفش، ياريت يا ناادية، تغلبي تفكير العجل عن العاطفة، دا غير اني بسببك دلوك كان ممكن ارتكب جريمة.

تحولت تعابيرها لهلع امتزج باستنكارها، تريدها تفسيرًا
لم يتأخر هو عنه، ليوضح:
– ايوة يا نادية، حركة الواد ناجي انه اتعرضلك لما كنتي ماشية لوحدك، لما عرفت بيها الدم غلي في نفوخي، لدرجة اني جيت من سفري عليه، وكنت ناوي اربيه عليها، بس حظه نجده اني ملحجتهوش.

– بس هو مل…….
– جفلي ع السيرة دي الله يخليكي.

هتف بمقاطعة حادة يوقف جدالها من البداية، ثم
استئنف مخففًا:.
– اطمني انا هديت شوية عن امبارح، يعني هجدر اشغل عجلي دلوك، واتصرف بحكمة في موضوعه، بس طبعا لا يمكن اعديها من غير حساب.

سألته باهتمام وتفهم:
– يعني هتعمل ايه؟
اعجبه التعاطي معه في الاخذ والرد، ثقيل هو رفع الحواجز بينهما، ولكنه ليس مستحيلًا، وهو اقسم على اقتحام حصونها.

– انا جولتلك اطمني عاد، خدي كلامي عن ثقة

❈-❈-❈

داخل المندرة الفسيحة بمنزل يامن، حيث جلسة السهر والسمر مع شقيقه، وبعض من رجال وشباب العائلة التي تاتي وتحضر احيانًا، لتنضم اليهم في الحديث عن شئون العائلة والضحك والمزاح أحيانًا ، دلف اليهم يفاجئهم بحضوره بعد فترة طويلة من الانقطاع، ليقابل بالترحيب والتهليل من عمه والحاضرين، قبل ان. ب
يدعوه للمشاركة:.

– اجعد يا ولدي، هتفصل واجف كدة كتير، جعمز وجضي السهرة معانا، وحشنا هريجك وهزارك يا واد .
عقب عبد البر الابن الأكبر يشاكسه:
– سيبه يا بوي، دا تلاجيه جاي بالصدفة كان معدي جصاد البيت وطالع تاني، هو مدام صاحبه مش جاعد، هتجيه مرارة يجعد مع ناس غلابة زينا.

تبسم غازي استجابة للمزاح، ليرد بكلماته المقصودة :
– ليه بس يا عم عبده؟ ايه اللي يخليني استكبر بس عن الجعدة معاكم ، الا اذا نفسي غمت تشارك الهوا
مع اشباه الرجال .

ارتفعت رؤوس الجميع بإجفال جعل سعيد يهتف مهاجمًا صفاقته، وقد ذهب ظنه انه هو المقصود بالعبارة،

– احترم نفسك يا واد، انت جاي تهزجنا في مطرحنا ولا ايه؟
– لا مش جاي اهزجكم يا عم ، ومش انت المجصود من أساسه،
اردف بها حازمة قبل ان ينقل بنظره نحو الذي اصفر وجهه وانسحبت الدماء منه برعب فضح فعله،

– انا اللي اجصده عارف نفسه زين يا عم، ما هو اللي يتعرض لحرمة في الطريج، ووجفها بفعله الناجص عشان يعرض عليها الجواز من تاني، بعد ما اكدنا انها اتخطبت……..، أكيد يعني مش هفضحه واجول اسمه كدة جدامكم، وازيد على خزاه سواد الوش كمان.

انا بس جاي أشهدكم، ان الفعل دا لو اتكرر تاني محدش يلومني في رد فعلي، المرة ادي كان الطين من نصيب الجلبية يزبطها، اما المرة الجاية، هدفس راسه نفسها فيه.

كان واضحًا بقوله امامهم، حتى لم يعد هناك شك عن هوية المقصود، رغم عدم علمهم بما حدث، حتى اغلق فم سعيد عن الجدال، امام هيئة ابنه الذي تعرق وتجمد عن الدفاع عن نفسه امام نظرات الاتهام الموجهة له من الجميع، ليبادر يامن بالتلطيف كالعادة، بعد أن حدج المكشوف بنظرة نارية، كباقي الافراد:

– طب اجعد يا غازي وفهمنا اللي حصل بالظبط، وان كان معاك حج احنا نجيبهولك، وبعدها نتراضى، بلاش منه الكلام المرسل ده، من غير ما تحدد الغلطان .

افتر فاهها بابتسامة، يردد خلفه بسخرية:
– لا بلاش احدد الغلطان يا عم ، انا كفاية عليا الكلام المرسل، عشان المرة الجاية لما احدد مش يبجى له وجود اساسًا.

تغضنت ملامحه بشراسة، ليُنهي محذرا بسبابته والابهام
– انا دلوك شهدت وحذرت، وخلص الكلام على كدة، المرة الجاية بجى………… اظن مهيبجاش فيه مرة جاية، انا كدة وضحت، ومش محتاجة شرح تاني، سلام عليكم بجى

ختم والتف مغادرًا على الفور لتلتف رؤوس الجميع نحوه باستفهام اختلط بازدرائهم، فخرج صوت ناجي اخيرًا بادعاء عدم الفهم، واستهبال مفضوح:

– ايه مالكم بتبصولي كدة ليه؟ هو جال اسمي .

– والنبي يا عين امك، أنت مستنيه يجول اسمك كمان؟
غمغم بها سعيد داخله، يحدجه بناريتيه، قبل ان يتمتم له بحركة الشفاه، بكتنفه الحرج الشديد من مواجهة الحضور:
– اسفخس عليك وع اللي رباك، عيل زوبط، دايما جايبلي الكلام والحديت .

❈-❈-❈

بعد مرور عدة ابام.

رايحة فين يا سليمة؟
اوقفها الصوت المتحشرج، لتلتف نحو صاحبه، والذي كان واقفًا مستندًا بذراعه على الاَريكة الخشبية، خارج المنزل، اسفل شجرة المانجو العتيقة، يطالعها بنظرة متفحصة كالعادة لتزيد من حنقها، فقال ساخرًا حينما حدجته بنظرة كاشفة فهمها

– معناتها ايه النظرة دي يا بت عمي؟ لا هو انا مش من حجي اسأل برضوا؟.
– لاه مش من حجك.
خرجت منها بحدة تزيد عليه:
– ولا من حجك تجف كدة تلصص كيف الحرامية خشم الباب وتخلعني؟

– استقام يردد خلفها باستنكار:
– وه اخلعك كمان ، ليه يا بوي؟ هو انا عفريت؟ ولا كمان حكاية ان مش من حجي دي، انتي مش شايفة انها مش في محلها ، انا جوزك ومن حجي ان أسألك ، ولا انتي بتقري في القراَن، ومعارفاش احكامه؟

– لاه يا فايز، انا بقرا وعارفة احكامه زين، انت بجى اللي مش واخد بالك، انك جاي تنفخ في جربة جطعتها انت بنفسك، جاي متأخر جوي تسأل على حاجة عفى عنها الزمن، من كتير جوي.

تمتم بها، ثم افتر فاهه بنصف ضحكة وهو يزيد من اقترابه حتى أصبح مقابلًا لها:
– بس برضك لساتني جوزك، دا معناه ان ليا كل الحجوج عليكي، من اول سؤالك راحة فين؟ ولا جايا منبن؟ لحد ا……
توقف يرمقها بنظرة شاملة طافت عليها من أعلى لأسفل فهمت عليها لتعقب بتجهم كسى ملامحها فجأة؛

– المرة دي مش هجولك جاي متأخر، انا بس هسألك سؤال وعايزة اجابتك عليه:

– اشمعنا دلوك يا فايز؟ افتكرت ان ليك مرة، وعرفت حجوجك عليها بس بعد ابوك اللي جوزهالك ما راح؟ سليمة اللي كنت بتزيع في الدنيا كلها عن كهرهك ليها، محليتش في عينك غير دلوك بس بعد ولدها ما مات؟
ولا انت استريحت بموته؟

– إيه اللي بتجوليه دا يا ولية؟
نهرها بحمائية غاضبة ولكنها كانت مصرة، وقد وجدت فرصتها اخيرًا:

– انا بجول الحجيجة يا فايز، انت فعلا استريحت بموت الغالي، حتى لو انكرت من هنا للصبح، انا بجولها في وشك، انت مشميتش نفسك غير بموت اللي كنت شايفه واخد حظك من الدنيا، محبة واخلاق وزاد عليه كتابة البيت باسمه….. صح ولا انا غلطانة؟

– لاه غلطانة، عشان مفيش حد بيكره ولده؟
هدر بها حازمًا، وقد ذهب عنه الهزل وحل محله غضب اظلم وجهه، وكلماتها المباشرة كانت أكثر من قاسية بالنسبة له، ليتبع بما اوغر به صدره:

– انتي اللي استغنيتي بيه، زي ما عمل ابويا وكبره عليا من وهو عيل صغير، كان بيفر ويفتخر به، كانه هو اللي خلفه، مش انا، وخلاه خد مكاني في مجلس العيلة، وكأني اني مليش وجود او مت، جبل ما يتمها بكتابة البيت باسمه كمان.

اربد وجهها بسحابة من يأس، فاقدة الأمل من استفاقته، لتردف ردًا له:

– وانا كنت هتوقع ايه منك يعني؟ ما دا فكرك من زمان، يعني مش جديد عليك، ع العموم كل واحد حر في تفكيره.

همت لتستدير مغادرة ولكنه أوقفها:
– طب بالمرة كمان مدام سألتي، يبجى الدور عليكي تجاوبي على سؤالي انا كمان….. مطلبتيش الطلاج مني لحد دلوك ليه يا سليمة؟ رغم اني في ايدك تخلعيني كمان؟

فاجئته برد فعلها، ان بزغت على فمها ابتسامة لتعقب باستدراك:
– اه بجى، ودا اللي مخلي الأمل مشعشع في جلبك.

زاد اتساع ابتسامتها قبل ان تجيبه بتسلية ليست مفهومة على الإطلاق:
– تجدر تعتبره مزاج يا فايز، ان ابجى على زمتك وجاعدة كدة زي البيت الوجف، استحليتها!

قالت بالاَخيرة والتفت تغادر بعدم اكتراث، تزيد من تشتت عقله في المغزى من خلف الإجابة الغريبة، ليوقفها للمرة الثانية هاتفًا بغرض الرد على كل تفوهت به:

– طب اتا كنت عايزة ابلغك بس جبل ما تروحي للمحروسة هي وولدها، في بيت الدهشان، ما تنسيش تباركيلها ، اصلها هتتجوز الكبير اللي خدها بيته بحجة انه يحطها تحت حمايته ورعايته.

اردف يزيد بخبثه مستمعتًا بامتقاع وجهها:
– الخبر مالي البلد، ع السهونة اللي دخلت بالحنجل والمنجل وخلت الراجل يطلج مرته ويرمي بناته لاجل ما يتجوزها……. عشان بس تعرفي ان الدنيا ماشية، مش عايزاها تبجى واجفة زيك.

❈-❈-❈

جاء اليها بطليها، اخيرًا بعدما ابتعد بمسافة ليست بالهينة، كي يأتي اليها بكوب المثلجات الذي تعشقه بطعم الفواكة المتعددة، على قدر ما كان سعيدًا، بأن اتي بمطلبها، على قدر ما تحولت سعادته لغضب متعاظم، بعدما انتبه لزوج العيون التي تترصدها، وهي جالسة على الرمال مع احد الاطفال، تلعب وتضحك بسجيتها كالعادة، غير منتبهة انها ملفته للنظر ولا بضحكتها التي تأسر اعين الناظر لها:

– روح جومي من ع الرملة.
ضحكت اليه مهللة تخاطب الطفل:

– الله دا الايس كريم جالنا كمان، عمو جابلنا طلبنا.
قرب إليها طبق المثلجات يأمرها، قبل ان بحدج الرجل الواقف بالقرب منهما يتابعها بنظرة نارية جعلته يلتف مغادرًا على الفور:

– ادي الايس الكريم للولد وحصليني حالا.

قالها وتحرك على الفور حتى اضطرت لترك الطفل تلحق به على الفور، اسفل المظلة على الطاولة خاصتهم،
– عارف انت زعلان؟
رمقها بشرار عينيه المتقدة:
– زعلان دي كلمة بسيطة، انا بغلي من جوايا يا روح، بغلي

– ليه يعني؟ ايه السبب؟
قالتها ببساطة زادت من غضبه ليردف كازا على اسنانه؛
– السبب هو اسلوبك ده، كل حاجة عندك ببساطة، مش واخدة بالي بالبشر ولا بنظرتهم ليكي، انا راجل وبفهم نظرة اي راجل ليكي، ان كانت بريئة ولا ان كان وراها حاجة تانية، ممكن تريحي جلبي وتخفي الضحك والعفوية بتاعتك دي.

اومأت بطاعة تهادنه:
– من عيوني حاضر، بس مكنتش اعرف ان غيرتك صعبة كدة، طول عمرك هادي،ومش باين عليك

ارتخت ملامحه، ليتناول كفها يضغط عليها فوق الطاولة بقوة ما يشعر به في هذه اللحظة قائلا بتملك:

– زمان كان شيء ، ودلوك بعد ما طولتلك واتحجج الحلم شيء تاني، انتي دلوك ملكي فعل وقول، لازم تحطي بالك، ان لا يمكن اتساهل مع اي حد يبص لملكي ولو بنظرة حتى فاهمة يا روح .

اومأت بطاعة من أجل ارضاءه:
– فاهمة اكيد

❈-❈-❈

– طب انتي بتبكي ليه دلوك؟
سألت جليلة ابنتها، والتي دخلت بنوبة حارقة من البكاء المستمر، بعدما وصلها الذي اشيع في البلدة، كاشتعال النار في الهشيم، ما يجرح كرامتها، ويزيد على جروحها
التي ما زالت مفتوحة، ولم تطيب من الأساس .

– ببكي على حظي ياما، ما هو طول ما الكلام وصل لاخواتي البنتة وعيالهم، يبجى عبا الدنيا وملى البلد، يعني انا سيرتي اتجابت على كل لسان، الحربابة اللي خربت على بت عمها، عشان تخطف حوزها، ويا عالم بيزودا ايه تاني من مخهم؟ يا مرك يا نادية، يارتني كنت مت ولا شوفت اليوم ده، يارتني روحت معاك يا حجازي، ياريتك ما سيبتي يا حبيي للمرار ده…..

خطفتها جليلة لتضمها بقوة اليها، وقد توجع قلبها بكل ما تفوهت به صغيرتها، ألا يكفي ما اصابها، حتى يزيد عليها البشر بسهام ألسنتهم الحادة، باختلاق القصص وظلمهم لها.

– اهدي، اهدي، ما تفتحيش باب يدخلك منه الشيطان
بكلامك ده، كل شيء قدر ومكتوب، ما حدش بياخد اكتر من نصيبه يا حبيبتي، يعني متخليش مخك يروح لبعيد بالفكر العفش ده، انتي سمعتك زي البرلنت، الناس كلها عارفة اخلاجك، واللي يظن غير كدة، يبجى داهية تاخده.

– متحاوليش تخففي ياما، بتك اللي كانت جافلة عليها بابها، ومحدش حتى يعرف اسمها، دلوك بجيت حيكوة وسيرة الناس تتسلى بيها.
قالتها وانطلقت بنشيج يقطع نياط قلب والدتها، التي ظلت متشبثة بضمها لها، حتى استلت نفسها الأخرى ، تفاجئها بفعلها

– انا لا يمكن استنى في البيت ده دجيجية تاني، لازم امشي دلوك حالا .

هتفت جليلة لتلحق بها داخل غرفة النوم التي هرعت اليها على الفور:
– مش تستني لما نشور ولا نفهم الاول، هتمشي تروحي فين بس؟

صرخت بها وهي تفتح ابواب خزانة الملابس ؛
– هروح بيتكم ياما، ولا معدتش ليا مكان وسطيكم، زي ما مشتني سليمة من بيتي،، انتوا كمان مشوني، لو عايزني اهج بولدي، واسيبلكم البلد وارحل، عشان نريحكم منينا خالص.

كانت بحالة من الهياج الذي يقارب الجنون، حتى تلجمت جليلة عن الجدال معها، لتغلق فمها مضطرة، كي تمتص غضبها في هذا الوقت، تراقبها وهي تدفع في ملابسها وملابس طفلها داخل الحقيبتين الصغيرة والكبيرة، بسرعة جنونة، وكأنها تريد اللحاق بميعاد القطار ، ثم ارتدت عبائتها السوداء على عجالة تجر الحقيبة الكبيرة، وتعلق الأخرى على كتف ذراعها، قبل ان سحب صغيرها بملابسه البيتية العادية لتذهب به ، غير عابئة برجاء والدتها:

– يا بت حن عليكي تبعيني اللحضة دي بس، ناخد شورة اخوكي، ولا حتى نتصل بيه ياخدنا بعربيته النص نجل ، بدل ما انتي شايلة الشنطة، وبتجري التانية وولدك معاها.

صاحت بها بعدم تقبل:
– كفاية متحاوليش معايا ياما، انا جولت ماشية دلوك، يعني ماشية دلوك، مفيش رجوع من قراري تاني:

– هو ايه اللي مفيش منه رجوع من تاني؟ ماشية على فين يا ناادية؛
هتف الصوت القوي، مرددًا بالسؤال لها ، حتى انتفضت ووقعت الحقيبة من يدها، قبل ان تستحضر روح العناد سريعًا في الرد عليه:

– ماشية بيتنا، فيها حاجة دي؟ ولا انت حد جالك، ان معنديش بيت اروحله؟
اقترب بخطواته البطيئة نحوها كالفهد، يخاطبها بهدوء ما يسبق العاصفة:

– سمعيني تاني كدة؟ كنتي بتجولي ايه بجى؟ عايزة تروحي فين؟
قالها ثم تكتف بذراعيه، يطالعها بسكون البركان الخامد وقد اقترب وقت اشتعاله، ليبث بشرار عينيه الرعب بقلبها، لتبتلع في ريقها الجاف من الاساس تعقب بصوت مهتز، وشجاعة تدعيها:

– إيه بجى؟ هو انا هكرر فيها كام مرة؟ جولتلك ان رايحة بيتي، هي فزورة؟
خرج عن طوره الهاديء، في الرد عليها:
– لاه مجولتيش، وانا عايز اعرف دلوك، انه بيت بالظبط اللي تجصديه؟ وكيف تقرري من نفسك من غير ما ترجعيلي، كيس جوافة انا ولا مليش كلمة عليكي؟

– لاه ملكش كلمة عليا، عشان انا حرة اخد قراري في الوجت اللي انا عايزاه، ومن غير ما ارجع لحد ،

صرخت بها توجهه اليه، غير دارية باستفزازه، وما فعلته العبارة به، ليفاجئها بما جفف الدماء بعروقها:

– يعني انتي شايفة نفسك حرة وانا مليش كلمة عليكي، تحبي اجيب المأذون يعجد عليك دلوك؟ عشان تعرفي تكرريها الكلمة دي تاني جدامي؟

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميراث الندم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى