روايات

رواية ميراث الندم الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الجزء الثالث والعشرون

رواية ميراث الندم البارت الثالث والعشرون

ميراث الندم
ميراث الندم

رواية ميراث الندم الحلقة الثالثة والعشرون

لم يكن غضبًا هذا الذي يكتسحه من الداخل، لفد تعدى الانفعال، تعدى السخط ، تعدى المقت والكراهية لكل من تسبب في حرمانه منها بعدما كان على مسافة بعض أمتار صغيرة، وكأنه عاد لنفس النقطة التي كان يقف عليها منذ خمس سنوات، قلة الحيلة والعجز عن تحقيق ما يتمناه بالقرب منها.
وما فائدة الإنجاز الاَن؟ وقد فقد الغاية التي من أجلها فعل الكثير وتحمل الأكثر، حتى يحصل عليها، بمكانة تليق به معها، لا يصدق انها باعته بهذه السهولة، كان واثقا من عشقها، واثقا من ولاءها له، واثقا منها وقد انتظرت دون كلل او ملل ، ماذا حدث الاَن لتتبخر من بين يديه بهذه السهولة؟ كيف استطاع هذا الملعون اقناعها ونزع قلبها الموشوم باسمه من صدرها لتدعسه بأقدامها .
زمجرة بصوت وحشي مرعب ، خرجت منه اثناء اندفاعه لداخل غرفته، يدفع كل شيء تطاله يداه، او أقدامه، حتى أنه القى بكوب الماء الزجاجي على المرأة ليتحطم مع الزجاج الذي تهشم، ليسقط بصورة افزعت شقيقته، والتي دلفت من خلفه لتلحق به، كي تسأله عن سر وجومه وتجهمه، بعد العودة من موعده الهام، لتلتصق بالحائط سائلة بجزع:
– مالك يا عمر؟ حصل ايه لدا كله؟
التف اليها بحدة هادرًا:
– بيجولي اتخطبت يا جميلة، وبيلومني عن سبب انتظاري سنين على ما اتجدملها، طب انا كان ايه بيدي؟ مش كنت مسافر، كنت بجمع الجرش اللي يكفيني بجوازي منها، صبرت خمس سنين وجات ع اليومين مجدرتش تستحمل…..
ابتعلت شقيقته تلتزم محلها لبعض الوقت ، تطالعه بصمت، حتى وهو يستجدي تأيدًا لم تطاوعها نفسها عليه، ليصرخ ضائقًا من صمتها:
– ساكتة ليه؟ ما تتكلمي، صاحبتك خدعت اخوكي وخليت بيه على اخر لحظة يا جميلة .
حاولت ان تهادنه بتردد:
– ما تلومش عليها يا عمر، دي برضك في الاخر ولية مكسورة الجناح، هي أكيد مغصوبة…….
– مش مغصوبة يا جميلة، وروح بالذات دونًا عن كل الحريم مش مكسورة الجناح، انا عارفاها اكتر ما انتي عارفاها، انا كنت متأكد منها .
قالت في محاولة لمجاراته؛
– طب ما يمكن يكون الكلام كدب، وهي مش مخطوبه ولا……
صرخ مقاطعًا لها:
– انا سامعها بوداني يا جميلة، وهي بتتكلم مع المحروس اخوها ع الشبكة اللي رايحة بكرة تشتريها مع عريس الهنا، واد عمها عارف، تصدجيها دي؟ عارف اللي فسخت خطوبتها منه وسابته مركون جمبها بالسنين عشاني، جاية دلوك تجبل بيه!
طب هي بتعمل كدة ليه؟ كانت بتعلب بيا مثلا؟ انا هتجن، نفسي اعرف ازاي ده حصل؟
توقف وصوت انفاسه التي تصعد وتهبط بقوة يصل لخارج الغرفة، ليُكمل بهياج:
– انا خدت جلم النهاردة مخدتهوش في عمري كله يا جميلة، اخوها يجولي جيت متأخر، ومفيش حاجة مضمونة في الزمن ده، مين اللي مش مضمونة؟ دا انا كنت ضامنها أكتر من نفسي.
نزل بثقله على طرف التخت يتمتم بصوت ضيف:
– انا كنت بعمل كل ده ليه؟ مش عشانها ، اخوها شغال يلوم فيا النهاردة عشان اشتريت اللي يسترنا ويعلينا وسط الخلج، هو مستكتر على حد غيرهم يملك ويكبر!
الى هنا وقد وضحت الصورة جليًا لشقيقته، حسب ما توصل اليه تفكيرها، لتتسمر محلها حتى استكان امامها وهدأ قليلًا، فتقدمت تخطو نحوه تتجنب خطواتها الدعس على الزجاج المكسور بصعوبة ، حتى وصلت اليه لتجلس جواره على طرف التخت تهون عليه:
– كل شيء نصيب يا واد ابوي، وبرضك احنا لسة متأكدناش…..
رفع وجهه الذي كان يدفنه بين يديه، ليردد خلفها بيقين سكن بداخله:
– لا انا اتأكدت يا جميلة، مش صوتها بس اللي خلاني اتأكد، نظرة اخوها ليا، كانت كلها كره وشماتة، بيحملني مسؤلية انها جعدت بسببي، طب ما هو انا جيت اها، وجيت وانا شايل ومحمل، جيت وانا عامل حسابي اجيبلها كل اللي بتتمناه، انا دلوك كدها وكد نسبهم، بيرفضني ليه؟ كيف عرف يقنعها تسيبني؟
اطرقت رأسها لتتمتم بأسى:
– بصراحة يا واد ابوي هو برضوا عنده حج، المدة طالت جوي
رمقها بأعين نارية كادت ان توقفها، ولكنها تجسرت هذه المرة لتبوح بما كانت تكتمه بصدرها:
– سامحني يا عمر ، بس انا ياما زنيت عليك تنزل ونخلص…..
– انا كان عندي الظروف اللي تمنعني يا جميلة.
هتف بها يجفلها بانفعاله، مما جعلها ترتد بجذعها عنه ، بخوف غريزي من هيئته التي توحشت أمامها وهو يتابع:
– محدش شاف المر اللي شوفته، هي صبرت بس كانت عايشة برنسيسة هنا وسط اهلها، انا دفعت تمن وصالها غالي جوي، وفي الاخر برضوا موصلتش.
ارتفع كفيها تلوح بهما امامه، مع اهتزاز رأسها بتشنح لتهادنه:
– خلاص متزعلش نفسك طيب، انا مصدجاك يا عمر ، مصدجاك والله.
– خلاص جومي
– ها
– بجولك جومي يا جميلة.
باغتها بصرخته حتى انتفضت من جواره على الفور، تنصاع لرغبته، ولكنها تذكرت الزجاج:
– طب دجيجة بس الم اللي في الأرض ده
– ملكيش دعوة بالزفت، اطلعي يا جميلة.
بصرخته الأخيرة خرجت على الفور، تتبع نفس طريقها الأسبق، بحرص، لتتجنب الإصابة، حتى اذا وصلت لمخرج الباب التفت اليه ترمقه بحزن ، تعلم جيدًا بحجم خسارته لعشق طفولته وحلم صباه، ولكنها لا يمكن ان تعفيه من الذنب فيما تسبب به لنفسه ولصديقتها.
ترى ماذا سيكون رد فعله حينما يحدث بالفعل ما يخشاه، وتصبح بالفعل زوجة لأحد غيره؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي
تجهزت سليمة بعد ان ارتدت عبائتها، لتهبط الدرج في طريقها للخروج، وكانت المفاجأة، حينما وقعت عينيها على هذه الفتى المريب ، جالسًا بجوار جدته سكينة التي تتخذ مدخل المنزل في البقعة المشمسة ركنًا لها، في هذا الوقت من الصباح، والتي ما ان وقعت عينيها عليها ، هتفت تناديها :
– تعالي يا سليمة، دا مش حد غريب، دا مالك واد ولدي .
– هو محتاج تعريف دا انا عرفته من جفاه، شكلي بجيت موعودة بيه هو وابوه.
غمغمت بها داخلها قبل ان تتقدم لتخطو نحوهما بعد ان التف اليها ، مرددة بزوق:
– عرفاه يا مرة عمي طبعًا، هو انا هتوه عنه؟ منور يا مالك.
قابل ردها بزوق هو الاخر:
– دا نورك يا مرة ابوي، انا جيت بس اطمن على جدتي، اسف لو هزعجك يعني.
اومأت لتميل رأسها للاسفل بنظرة كاشفة ، لا تخلو من سخرية مبطنة، مرددة بعدم اسنيعاب، ان يخرج هذا الرد من ذرية شربات وفايز:
– تزعجني! …. لا يا ولدي مفيش ازعاج، دا بيت جدك ، وانت بتجول جاي تطمن عليها جدتك.
زاد من دهشنها حينما فرد كفيه على عظام صدره بتهديب مبالغ فيه يعبر عن امتنانه:
– تشكري يا مرة ابوي، ما دا عشمنا فيكي برضوا.
بالطبع اثار بفعله الحنين بقلب المرأة العجوز، لتدعمه بطيبتها تخاطب سليمة:.
– مالك باينه كبر وعجل جوي يا سليمة، ايه رأيك يجعد يتغدا معانا النهاردة.
بهتت لسذاجة المرأة، بأن تفتح امامها بابًا، قد يأتي من خلفه المصائب، وامام ترددها سبقها مالك بقوله:
– مفيش داعي للغدا يا جدة، عمتي سليمة لابسة عبايتها وشكلها طالعة،
ذكاء تعقيبه، لم يثنيها ان تحتج بفظاظه، تغلق الطريق من أوله:
– صح يا ولدي، انا فعلا ورايا مشوار، واكيد انت كمان وراك مشوار، مينفعش تتأخر اكتر من كدة لامك تجلج عليك ولا ابوك ياجي يدور عندينا، احنا مش ناجصين طلعته البهية.
اجفل مالك بردها الخالي من أي لباقة نحوه، ليتلجم عن معارضتها، امام حرج سكينة التي دمدمت تصلح له:
– معلش يا ولدي، هي بس خايفة من الفضايح والكلام والحديث ما انت عارف ابوك وعمايله.
اومأ رأسه على مضض يظهر تفهما لم تقتنع به سليمة والتي تحركت تغادر قائلة بعدم اكتراث:
– انا رايحة اشوف واد ولدي وأمه يا مرة عمي، هرجع ان شاء الله جبل الضهر عشان نتغدى مع بعض، منور يا مالك.
❈-❈-❈
وفي مكان آخر
وامام مراَتها كانت تلتفت يمينًا ويسارًا، لتتأمل جمال قدها بهذا الفستان الذي ترتديه مكشوف الذراعين، والقصير حتى الركبتين بقماشه الملتصق بمنحانياتها، تنتشي داخلها بمظهرها، بعدما اطلقت شعرها الاصفر الحريري خلف ظهرها، وأضاف الحمرة والألوان الصاخبة لبشرة وجهها، لتبدوا وكأنها امرأة اخرى، امام تلك الجالسة تفترش التخت متربعة، وابنها الصفير بحجرها ترضعه، حتى اذا التفت اليها تطلب رأيها:
– ها ايه رأيك بجى يا عزيزة؟ انا ولا اللي بياجوا في التلفزيون؟
تطلعت لها المذكورة بانبهار تجيبها بموافقة :
– ما شاء الله عليكي، لا طبعا يا ست فتنة، انتي احلى منبهم كلهم، دا كفاية الشعر الصفر ولا الدرعات البيضة زي الحليب، دا انتي لهطة جشطة زي ما بيجولوا .
اطلقت فتنة ضحكة مدوية مائعة، وقد اطربتها كلمات الغزل، لتقترب نحوها بخطوات مائلة، تشاركها الجلوس على التخت، واضعًا قدما فوق الأخرى، تقول بزهو:
– والله كلامك دا ما جديد عليا، طول عمري حاسة بنفسي وعارفة اني استاهل دنية تانية غير الدنيا دي، وبلد تانية غير البلد دي، بس الحظ بجى، والجوازة الفجرية هي اللي كانت كابتة طموحي وكابسة على نفسي.
ارتسمت الدهشة على وجه عزيزة ، تطالعها بعدم استيعاب، حتى خرج منها السؤال الملح:
– جوازة ايه اللي كانت كابسة على نفسك يا فتنة؟ انتي كنتي واخدة الكبير، كبير العيلة والبلد كلها ، دا غازي الدهشان.
رددت خلفها باستهزاء تقلدها:
– وافرضي يا ختي غازي الدهشان وكبير البلد والدنيا كلها حتى، ما انا برضك فتنة.
قالت الأخيرة تترافق مع دفع الخصلات الكثيفة لشعرها للخلف، وهزه بكتف ذراعها تتابع في التمجيد بجمالها:
– ولا انتي مش واخدة بالك؟ انا مفيش مني في البلد كلها يا حبيبتي، يعني هو الخسران مش انا .
واصلت عزيزة بعدم تصديق:
– هو انتي مش زعلانة خالص يا فتنة؟ دا انا جاية النهاردة وحاطة يدي على جلبي لتكوني شايلة الهم ولا تعبانة بعد اللي حصل، وجال ايه جاية اخفف عنك
شهقة ساخرة صدرت منها لتردف بتعالي مرددة:
– أشيل الهم واتعب كمان؟! ليه يا حبيبتي؟ كنت ميتة في دلاله مثلاً؟ طب على ايه يا حسرة؟ دا كل عيشته نكد في نكد ولا بيعرف يتحدت ولا يدلع زي باجي الرجال، ولا ممكن ابكي يعني على عشرته معايا؟ في داهية……. دا انا بكرة اتجوز سيد سيده، وهتشوفي بنفسك، لما يتحصر عليا العمر كله .
– العمر كله!
دمدمت عزيزة بذهول شديد، لا تصدق هذه القوة التي تتحدث بها، هذه المتغطرسة والتي لا تفعل حساب أي شيء سوى نفسها.
– بصراحة يا فتنة، لو انا مكانك، وربي المعبود لكنت شيلت الطين، اهو عزب بيطلع عيني على أجل غلطة ويحاسبني حساب الملكين، وامي وابويا لو زمجت بس ساعة، في نفس اليوم بيروحوني غصب عني، وبكون كارهة، لكن بصراحة لما اعيد واراجع نفسي، بجول كدة احسن ، برضك الواحدة في بيتها مع جوزها ووسط عيالها تسوى الدنيا.
كانت تتحدث بعفوية وبلاهة لم تتنبه اليها الا بعد لحظات، حينما رأت امتقاع وجه الأخرى، وهذا الشرر المنبعث من عينيها بغضب نحوها:
– الكلام دا يسري عليكي انتي يا ماما ، ابوكي وامك ما صدجوا خلصوا ورموكي في جفا واحد يشيل مسؤليتك انتي وعيالك، انما انا لأ يا حبيبتي، انا ابويا واجف دايما في ضهري، ومبديني على كل اخواتي، انا اللي اتجلعت دونًا عنهم كلهم.
قاسية، ولا تتوانى عن جرح الآخرين، وقد اتخذت منهاج التجربح لكل من يحاول معها بنصيحة لا تتقبلها، او التلويح عن خسارتها الفادحة، كما فعلت عزيزة، والتي شعرت بحجم غباءها، لتنهض فجأة تعبر عن رغبتها في الذهاب.
– ربنا يخليهولك، هو في أحسن من الأب برضوا، اما اجوم انا اشوف ورايا ايه؟
أدركت فتنة لتعمد الأخرى الذهاب بعدما بالغت بحدتها في الرد عليها، فتعمدت هذه المرة ان تناديها ببعض اللطف:
– ايه يا عزيزة، هو انتي لحجتي تجعدي، ولا احنا لحجنا نتكلم حتى، يا شيخة خليكي ونسيني شوية.
جذبتها من كفها تمنعها من النهوض، وتابعت تتملقها بالكذب:
– دا انا ما صدجت اشوفك يا بت، وحشتني الجعدة معاكي، وحشتني حكاويكي ودمك الخفيف يا مضروبة.
ظهر تأثير الكلمات على ملامح الأخرى، وقد ارتخت تعابيرها ، لترد بعتب:
– ما انا كنت جيالك عشان كدة اصلا، بس كمان محبش اكون تجيلة على حد وبرضك اما احس اني غلطت بلم نفسي وامشي من غير كلام .
بامتعاض داخلها اجبرت فتنة نفسها على ترضيتها، فهي الوحيدة التي أصبحت تتحملها هذه الأيام، بالإضافة لغباء تفكيرها المناسب لواحدة مثلها، سوف تحتاجها كثيرًا في الفترة القادمة .
– انتي عمرك ما كنتي تجيلة يا عزيزة بالعكس، وانتي عارفة اني بحبك من زمان، يعني حتى غلطتي، برضك لازم افوتلك عشان انتي صاحبتي.
كالعادة رضخت عزيزة في الأخير، تتجاهل غضبها منها، حتى تندمج في الحديث وتعود لأسئلتها الفضولية:
– بس انتي مجولتيش يا فتنة، جبتيه منين الفستان ده.
ضحكت الأخيرة تعود لزهوها السابق، تجيبها بتفاخر:
– جيبته من أغلى محل في مصر، طلبتهم عن طريج الانترت بعد ما شوفته وكنت هتهبل عليه، مجدرتس امنع نفسي ورحت طالباه وجالي عن طريج الشحن، بس ايه رأيك يستاهل صح؟
بتأمل مكشوف عبرت عزيزة عن دهشتها؛
– هو فعلا يستاهل، بس انتي شارياه ليه؟ دا مينفعش تطلعي بيه اساسًا
– عارفة يا ختي.
تمتمت لتمصمص بشفتيها مرددة بغرور:
– بلد فجرية ملهاش في الموضة، بس انا جيبته عشان ادلع نفسي يا حبيبتي، ولسة كمان لما تخلص العدة الزفت، هطلع واعيش حياتي بالطول والعرض، انا خلاص حصلت على حريتي .
المبالغة في الأخيرة جعلت عزيزة تزبهل بنظرها اليها لتعقب خلفها باستدراك:
– انتي بجيتي تتكلمي زي اللي بياجوا في التلفزيون يا فتنة .
– ايوه يا اختي، فاكراني مش مثقفة اياك، لا يا ماما، انا مفتحة وعارفة كل حاجة في الدنيا.
❈-❈-❈
من خلف الزجاج الداخلي للنافذة، وقفت على غير اردتها تتابع المشهد الغريب، غازي الدهشان الرجل المهيب، مرتديًا ملابسه رياضية العادية، مشمر البنطال حتى الركبة ، ويسابق الأطفال الصغار من أبناء نادرة ووجدان شقيقات روح، وبناته اللاتي أتين في هذا اليوم الاستثنائي، لتعح الحديقة بصرخاتهم الصاخبة ،
وقد جمعهم جميعهم في فريق واحد، وهو ومعتز في فريق اخر،
يناورهم ويدابعهم مع طفلها الذي كان ينطلق ويركض بتوافق معه يثير الضحكات من القلب، حركته الصغيرة مع الخطوات العملاقة من الاخر، والذي كان يرفعه عن الارض في تسديد الضربات الناجحة بحصد الاجوال، في جولات عبثية هدفها هو الضحك وتقضية الوقت الجميل مع الأطفال، والذي بدا ولأول مرة امامها وكأنه طفل مثلهم، بهذه الروح الجديدة منه
وبعدما كانت تريد فقط القاء نظرة على طفلها، تسمرت تتابع وتبتسم لضحكاتهم وكأنها معهم تشاركهم الصخب الدائر في ارض الملعب، او أرض الحديقة على الأصح
❈-❈-❈
– وفي موقع الحدث نفسه
كان صياحه في التشجيع بين الاثنان الذان حصرت الكورة بينهما بأمر منه، اصغر فتياته ضد معتز نظرا لتقاربهما في العمر .
– ياللا يا معتز، يا للا يا دنيا ، ياللا يا بابا، حركي رجلك شوية يا بت.
يواصل التشجيع جالسًا على ركبتيه غير عابئ بنظافة الملابس او مظهره امام رجاله، يصفق للصغيرين يتجاهل عن قصد همهمات البقية وضجرهم .
– يا بابا عايزين نلعب، العيال دي معرفاش تلعب اساسًا.
هتفت الوسطى من صغاره، ليعقب على قولها بضحكة ساخرة:
– لا وانتي اللي حريفة يا شروق، اصبري يا مضروبة ولا اعتبريها فترة راحة، ياللا يا عيال.
زاد بالتصفيق مع ازدياد الحماس بحركة الأطفال التي تقدمت قليلًا حتى قطعها معتز، بترك الملعب راكضًا نحو جدته التي وصلت للتو:
– تيتة
اعتدل غازي لينتفض منتصبًا بحرج امام المرأة التي تلقفت حفيدها ترفعه عن الارض، بضمة قوية له
– ااهلا يا حجة سليمة، نورتينا.
ردد مرحبًا بها، يكتنفه خجل شديد لمظهره المذري أمامها، ولكنها قابلت فعله بابتسامة جميلة منها تقول:
– والله يا ولدي دا نورك انت، والعيال الحلوة ومعتز باشا، ياريتني كنت اعرف بالمبارة الهامة، كنت بدرت عشان اشجع معاكم
اجبرته بعفويتها على الابتسام ، حتى اشرق وجهه يجاري:
– دا انتي كنتي هتنبسطي خالص، معتز باشا دخل كذا جون.
سمعت منه توجه سؤالها للاَخير بمرح:.
– صح يا واد؟ وجيبت كام جون على كدة؟
وكان رد الصغير، هو أن رفع كفيه الاثنان أمامها:
– تدة يا تيتة، تدة .
بفعله الطريف اجبر جدته على الاندماج مهللة له:
– عشر اجوان، جيبت عشر اجوان يا بطل.
شاركها غازي المزاح بالحديث عن بطولات حفيدها الهمام بمساعدته في القضاء على الفريق الاخر، باكتساحهم بعدد الاجوال التي دخلت في مرماهم، بالإضافة لصد الهجمات المرتدة والمضادة.
البساطة كانت بين الاثنان، وكأن المعرفة التي تجمعهما منذ زمن وليس بفترة لا تتعدى الشهور، يحمل لها احترامًا، وتحمل له امتنانًا بلاد حدود، وقد رفع عن كاهلها الهم الأكبر، وهو حفظ أمان حفيدها ووالدته، والتي ظهرت فجأة أمامهما، وقد خرجت تستقبلها، بوجه مضيء نافس الشمس بنورها، وورد الوجنتين خجلت منهما زهور الحديقة ، وابتسامة الفرح بالترحاب بسليمة، زادت على الجمال، جمال
لترهق قلبه المعذب وهو لا ينقصه،
صدرت صوت حمحمنه المفاجئة ليترك الاثنان بلقائهم، عائدًَا للإطفال واستكمال اللعب معهم، وكي يشغل هذه الأحمق بصدره يرهقه باللهاث ركضًا ، خير من تفكير لا طائل منه:
– يا للا يا عيال هنستأنف اللعب، مين هياخد مكان معتز معايا؟
❈-❈-❈
– نجي اللي تعجبك يا روح .
تنتقي ما يعجبها، وما هو الذي يعجبها؟ مجموعة من المصوغات وضعت امامها، داخل الإطار المخملي، كل قطعة تغلب الأخرى بجمالها المختلف والمميز، والمطلوب منها أن تختار، وهي بالفعل اختارت، تعود لنفس الرباط الذي التف حول رسغها منذ الصغر.
ليس هذا الذي دفعت من أجله سنوات من الصبر، قبل أن يضيع كل شيء منها على اخر لحظة، ويتسرب الحلم الذي عاشت عليه طويلًا من بين يديها وكأنه لم يكن، والمطلوب منها الاَن ان تختار.
حديث نفسها وشرودها الذي طال، حتى انها لم تعد تشعر بالوقت ولا بملل شقيقتها وابنة عمها شقيقة عارف ، حتى التهيا بالحديث مع بعضهما إلى حين أن تنتهي العروس من الأنتقاء من المجموعة التي أمامها.
، فلم تنتبه لنظرات عامل المحل الذي كان قريبًا منها بحكم عمله المكلف به، في عرض القطع امامها، فشرد هو الاخر يهيم بحسنها الافت، غافلين بمن دلف عائدًا من الخارج بعد انتهاء مكالمته الهامة مع أحد الأشخاص، ليفاجأ بهذا المشهد وتشتغل الدماء برأسه:
– انتوا لسة مخلصتوش؟
هتف يجفلهما بالنظر نحوه بتساؤل عما به، وقد قست ملامحه،، ليتقدم حتى وصل اليها، يلتصق بها امام
العارض الزجاجي، موجهًا السؤال لها، بعد ان حدج هذا الأحمق بنظرة نارية جعلته ينزل عينيه عنها باضطراب، ليشغل نفسه بأي شيء بعيدًا عنها، كي يتجنبه.
– كل دا ولسة بتنجي؟ لو ما عجبكيش المحل، نطلع ونشوف غيره، محلات الضاغة مالية السوج
انسحبت الدماء منها بحرج شديد، وقد أربكها بفظاظة فعله امام العامل المسكين وصاحب المحل، والذي تكفل بالرد نيابة عنها:
– ليه العصبية دي بس يا عارف بيه؟ دا احسن محل في السوق، وانتوا زباينا من زمان، هي بس كانت محتارة تختار الأحسن من المجموعة اللي قدامها، وبيرم كان واقف معاها بيساعدها.
سمع منه، ف انتقلت عينيه للاَخير بشرار عينيه الحارق، ليصب بقلب الفتى الزعر ، قبل ان يعلق بسخرية:
– لا ما انا مجدر جوي مساعدته دي، وعشان كدة بجولوا متشكرين، هات يا مايكل اي مجموعة بزوجك، انا عايزك انت اللي تجف معانا
انصاع الرجل لتلبية طلبه، ليقترب بعد ان انزاح بيرم يترك مكانه له، وقد اتخذها الاخر فرصة ليهرب من امامه.
ظلت روح على صمتها، لا تجد ردًا مناسب، او اظهار الإعتراض امام الرجل الذي انشغل معه بعملية، يخرج له مجموعة أرقى من السابقة، انتقى لها واحدة منهم ، ليباغتها بمسك يدها دون استئذان، يضع اصبعها داخل دبلته، يلقي عليها نظرة خاطفة قبل ان يوجه خطابه للرجل بألية؛
– زينة دي يا مايكل، احنا رسينا عليها، شوف اللي بعده .
– تمام يا فندم، اختيار ممتاز، حالا حجهز البقية
قالها الرجل كرد له، قبل ان يبتعد وينشغل مع عامله، وتجد هي فرصتها اخيرًا، لتحتج نحوه بصوت هامس
– ايه هو اللي زين؟ انت بتلبسني الدبلة وتجول أمين من غير ما تاخد رأيي يا عارف،؟ وكمان بتحرجني جدام الناس الغريبة
طب انا بجى مش عجباني….
قالت الأخيرة تحاول نزعها عن اصبعها، قبل ان تفاجأ به يقبض على كفها بالكامل يتمتم بحدة وصوت لا يسمعه سواهما.
– انا جولت اوفر عنك الحيرة، بدل ما انتي جاعدة بجالك ساعة بنتجي ومش عارفة تختاري، والواد واجف جدامك بياكلك بعنيه وانتي مش حاسة عشان سرحانة.
افتر فاهاها، لتُبهت بتشتت، لا تقدر على ايجاد رد مناسب، أو مواجهة عينيه المشتعلة، لتسبل أهدابها عنه باستسلام،، بعد ان كشفها بفراسته،
حتى خفف الضغط ليصلها صوته الجامد بتساؤل:
– الدبلة زينة ولا عفشة نغيرها؟
سمعت منه، لتتطلع نحو ما التف حول اصبغها الصغير، لا تنكر الرقي والزوق العالي به، فلم تملك سوى الإيماء برأسها ترد بصوت ضعيف:
– زينة مش وحشة.
– كويس.
تفوه بها ليعود بالضغط على كفها مرة أخرى، يردد لها بهيمنة:
– كدة يبجى نجول الف مبروك، وصباعك ده……. إياك الاجيه فاضي تاني من غير الدبلة، سمعاني؟
يسألها! وكيف لا تسمع وهي ترى هذه الحدة التي ارتسمت على ملامحه بشكل جلي؟ خطاب عينيه التي تطالعها بتحدي ان ترفض أمره.
– نزغرد بجى ولا نستنى على ما تكملوا باجي الشبكة بالمرة.
هتفت بها وردة شقيقة عارف بحماس انتظار الفرصة للأنطلاق مع نادرة ابنة عمها والتي تكبح نفسها بصعوبة مثلها.
تبسم لمشهدهم عارف، يعطي لهم الضوء الاخضر:
– بالهداورة بس، عشان ما نعملش ازعاج في المنطقة.
عقبت وردة بمرح:.
– وهي تحلى غير بالازعاج، ياللا يا نادرة، هو انتي لسة هستني؟ زغرطي يا بت لولولي.
❈-❈-❈
تحدثت جليلة بمودة صادقة نحو المرأة التي فاجئتهم بمجيئها:
– نورتينا يا سليمة، ليكي وحشة يا مرة .
تبسمت الأخيرة تعقب ردًا لها :
– والله وانتوا اكتر، امال اما انا جيت النهاردة ليه؟ الشوج غلبني ليكم انتوا والباشا اللي بيسجل اجوان ده.
قالت الأخيرة يالإشارة نحو معتز والذي اتخذ الارض ساحة له في اللعب بمفرده بجانبهم، والذي انتبه لقولها، ليصدر بفمه صوت الحماس، وقدمه في الأسفل تدفع نحو الكرة التي تحركت في المسافة بكسل، ليصرخ مهللًا لهم:.
– زووون.
استطاع بعفويته ان يدخل البهجة بقلوبهن، يقهقهن بضحك مستمر، حتى اذا توقفوا أخيرًا، عائدين للجدية
سألتهما سليمة بتذكر:
– امال فين روح؟ مش بعادة تنجصها جاعدة حلوة زي دي
– روح النهاردة راحت تنجي شبكتها، اصلها هتتجوز جريب من ابن عمها عارف، راجل ابن أصول ويستاهلها.
قالتها نادية بلهفة الفرحة من أجل صديقتها، وكانت النتيجة ابتسامة رائعة من سليمة تعبر عن سعادتها هي الأخرى بالخبر السعيد ، لكن سرعان ما تبدل كل ذلك، حينما اردفت:
– كد ما انا فرحانالها انها هتتجوز اللي يستاهلها، كد ما انا زعلانة عشان هتبعد عني ، مش عارفة هجعد كيف تاني هنا من غيرها؟ انا بجول اجي بيتي احسن.
سألتها سليمة قاطبة امام دهشة والدتها:
– اي بيت فيهم يا نادية؟ جصدك على بيت ابوكي؟ ولا جصدك….
– عندك….
هتفت بها تتابع موضحة:
– انا شايفة ان الدنيا هديت ، عماتي وعيالهم سابوا البيت، وعمي فايز باينه اتهد، يعني مسمعاش انه بيعمل مشاكل، نيجي انا ومعتز نونسكم انتي وجدتي.
راقها العرض سليمة، حتى سرحت باشتياق تتمنى ان يحدث هذا الأمر وعلى الفور، ان تنعم بقرب حفيدها وحبيبة الراحل.
كان هذا مجرد طيف مر بذهنها، قبل ان تعود لوعيها سريعًا ترفض قاطعة:
– لا يا نادية اياكي تاجي، خليكي مكانك احسن، لزوموا ايه تسيبي هنا من الأساس؟
أمام صدمة الاَخيرة، سألتها جليلة بحيرة:
– ليه بتجولي كدة يا ست سليمة؟ ما هي الحال اتصلحت زي ما جالت نادية….
– مين اللي جالكم انها اتصحلت؟
هتفت مقاطعة بحدة، لتستطرد بحزم:
– هو احنا عرفنا باللي اتسبب في اللي فات، عشان تدي امان لي جاي؟ انا هنا مطمنة عليكم أكثر، معتز امانة ولازم تحافظي عليها زي عنيكي.
اتجهت بالاَخيرة نحو نادية التي ردت بدفاعية رغم تعجبها لهذا التصلب المبالغ فيه، والذي تجده منها:
– ويعني انا مجصرة في حاجه مثلا؟ هو انتي بتوصيني على ولدي ياما.
على عكس المتوقع، رددت خلفها سليمة بإصرار:
– ايوة هوصيكي يا نادية، وانتي مش من حجك تزعلي مني، تبعيني وريحي جلبي، ومتخطيش اي خطوة خارج البيت ده، غير بحساب.
– طب لحد إمتى؟ لحد امتى هنفضل كدة انا وولدي بعيد عن بيوتنا، زي بجيت الخلج اللي عايشة عيشة طبيعية.
– لحد ما يحلها الحلال.
خرج الرد من سليمة كإجاية عن سؤال الأخرى، وداخلها تستكمل مغمغمة:
– ويبان اللي عليه الامان، انا واثقة انه هيبان!
❈-❈-❈
جلست معه على طاولة جمعتهما الاثنان وحدهما، في هذا المطعم الفاخر، بعد اصراره على تناول وجبة الغذاء به قبل العودة إلى البلدة، وتصميم شقيقته وشقيفتها الا يكونا كعزولين بينهما، ليتخذا جلستهما بطاولة أخرى بعيدة في الجانب الاَخر بالمطعم:
لتعقب ساخرة على موقفها:
– عليا النعمة اختي واختك ، الاتنين اجن من بعض، يارتني كنت جيبت وجدان، اهي كبيرة وكانت وردة هتخاف منها، مش نادرة اللي اخف منها اصلا.
– انتي بتسمي الأدب والزوق خفة؟
تراجعت برأسها تعطيه انتباهاها، حتى ردت مصححة، حينما التمست هذه الحدة في قوله:
– انا مش جصدي اغلط فيهم يا عارف، انا شايفة بس اني تصرفهم فيه مبالغة.
– مش محتاجة توضحي، انا فاهم جصدك في ان وضعنا مش زي اي خطاب على وش جواز عادي.
كان مائلًا بجسده نحوها، مستندًا بمرفقيه على سطح الطاولة، عينيه منصبة على خاصتيها بوضع أربكها في البداية، قبل ان تتدارك لتردف باحتجاج؛
– عارف، بلاش اسلوبك ده، انا مش هعيد وازيد، عشان ااكدلك على اتفاجنا، جولتلك ان هبدأ معاك صفحة جديدة يبجى انت كمان حاول معايا، متجوفليش ع الواحدة.
اومأ راسه بهزة غير مفهومة مع ابتسامة بزغت بزواية شفتيه الممطوطتين، وكأنه يقصد ان يستفزها، همت ان تنفجر به، حتى يخفف عنها ضغطه، يكفيها ما تعانيه بداخلها.
ولكن مجيء النادل اوقفها ، والذي دفع بكراسة قائمة الطعام امامها وأمامه بعد القاء التحية عليهم بزوق،
سأله عارف في البداية:
– روحت للجماعة اللي هناك وخدت طلباتهم
تطلع الشااب نحو الطاولة التي يشير نحوها عارف بذقنه، فخرج رده على الفور:
– روحت يا فندم ، ودونت على كل اللي أمروا بيه؟.
– تمام.
غمغم بها ليعود الى القائمة ينتقي من الأصناف ما يريده، واتجه النادل نحوها:
– الهانم اختارت ايه؟
رفعت ابصارها اليه تجيبه بابتسامة عفوية منها:
– بصراحة مختارتش، انا شايفة اصناف كتير، بس الظاهر كدة ان مليش نفس من الأساس.
تشجغ النادل ليتناول منها القائمة، يخاطبها بحماس مبالغ فيه:
– يا فندم حتى لو ملكيش نفس، احنا نجيبلك الأصناف اللي تفتح نفسك ، طب عندك مثلا،
اشار لها على احد الاسماء المدونة بداخل القائمة التي رفعها امامها:
– اهو دا بقى نوع مكرونة إيطالي، بتتسمى باستا ودي بتتعمل مع…..
– هاااي.
صدرت الزمجرة الغاضبة من الناحية الأخرى، ليتوقف النادل على الفور، امام امر الاخر:
– ملكش دعوة بالهانم، انا هديك انواع الأصناف اللي هتجيبهالنا احنا الاتنين وبس على كدة، فااااهم؟
– طيعا يا فندم فاهم .
دمدم بها الشاب بطاعة قبل ان يدون الأصناف اللي اشار عليها الاخر، ثم انصرف ليأتي بهم، فخرج صوتها باعتراض:
– انت مش ملاحظ انك مزودها يا عارف، المرة التانية هتشبط في ناس غلابة، عشان بس بتتصرف معايا بعفوية….
– عفوية مين؟
تسائل مقاطعًا لها، ليكمل بحدة:
– ياريت متاخديش الحديث ما بينا في الاتجاه ده، عشان اللي انتي بتجولي عليهم ناس غلابة دول، لو ناس محترمين هيراعوا لجمة عيشهم، ومش هيرفعوا عينهم فيكي، وعشان نبجى واضحين، العفوية بتاعة حضرتك والابتسامة لأي حد مهما كان صفته متنفعش من أساسه، حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض.
يناقشها بالهدوء والمنطق ، بكلمات مقصودة، على قدر ما تشعل رأسها بالغضب، على قدر ما تشعرها بالعجز، في البحث عن رد مناسب.
اشاحت بوجهها لنناحية الأخرى تزفر بضيق،
لم يخفى عليه فعلها، ومع ذلك لم يكترث او يتراجع فيما ينتوى عليه برأسه:
– رووح ، بصي في وشي عيب تبصي للناحية التانية وانا بتكلم .
التفت نحوه تقارعه
– انا بس بعمل هدنة أو اعتبره وقت مستقطع عشان ما نشبطتش في بعض يا عارف .
راقه ردها، لتلوح على جانب فمه ابتسامة ماكرة، يعقب لها:
– حلو حكاية الهدنة دي، طب حيس كدة بجى نلطف شوية، وتسمحيلي أسألك سؤال؟
اثار اهتمامها لتجيبه بانتباه:
– اسال طبعًا .
– تمام، تجدري تجوليلي بجى انا عيوني لونها ايه؟
قطبت تطالعه باندهاش مرددة:
– ايه السؤال الغريب ده؟ هو انا متعرفة بيك جديد.؟
– لا مش متعرفة بيا من جديد ، بس انتي دايمًا بتهربي بعيونك عني، ودا من زمان من ساعة ما كبرتي، ومن جبل ما اخطبك اول مرة على فكرة، انا كنت حاسه في البداية كسوف، لكن دلوك بصراحة مش عارف
الجمها برده، حتى تجمدت امامه بحيرة، تجد بعض الصدق في كلماته، ولكنها أيضا لم تكن بالمغيبة عن معرفة صفاتة الشكلية:
– هو فعلا كسوف على فكرة، وانا مش لازم ابص في وشك مباشرة، عشان تعرف اني مش متعمدة او بهرب منك حسب ما انت فاكر.
– طب لونها ايه يا روح ؟
– عسلي .
اجابته ببساطة لم يقتنع بها ليردف:
– يا سلام اهي دي بجى غلطة لوحديها، عشان انا عيوني على كد صغرها لكن ليها لون مختلف ، ما يبانش غير للقريب.
– لون ايه دا كمان؟
– جربي وانتي تشوفي بنفسك.
قالها قاصدًا أن يضغط عليها بتحدي ، جعلها ترضخ على غير إرادتها لتقترب منه، كي تنظر لعيناه عن قرب حتى تكتشف اللون المقصود، ولكنها لم تجد بهم سوي لون العسل المعروف بهما، تراجعت قليلًا برأسها لتردف بهذه بالملحوظة، لتفاجأ بهذا القرب وابتسامة الخبث التي ارتسمت على ملامحه، لتغزو السخونة وجنتيها، والخجل الفطري جعلها تتراجع على الفور تمتمتم بسخط وارتباك ملحوظ:
– ما جولنا عسلي، ولا انت جاصد تلاعبني وبس؟

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميراث الندم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى