رواية ميراث الندم الفصل التاسع 9 بقلم أمل نصر
رواية ميراث الندم الجزء التاسع
رواية ميراث الندم البارت التاسع
رواية ميراث الندم الحلقة التاسعة
– مشت! مشت كيف يعني، ايه اللي بتجوليه دا ياما؟ معجول؟
هتف بها سند متسائلًا أمام اعين الجميع، بعد ما أخبرتهم هويدا بحديثها المشتعل منذ قليل مع سليمة،
لتضيف على قولها بتهكم:
– ومش معجول ليه يا جلب امك؟ هتكون مدسية في الأوضة فوج مثلا وبتلاعبنا الغميضة، دي بتجول مشت من امبارح عشية، يعني غفلتنا واتسحبت في الليالي، سليمة شجعتها وانتهى الأمر.
– انتهى الأمر كيف؟
صرخ بها سند ليتدخل عيسى ايضًا يدلي بدلوه:
– مرة خالي خربطت كل الترتيب، كان لازم نحسب حسابها من الأول، المرة دى كانها مجنونة، دي بدل ما تجف معانا لاجل حفيدها ما يجعد في حضنها، تجلب البت علينا وتعصيها.
تلقت هويدا احتجاجهم صامتة بوجه متجهم، عاقدة الحاجبين بشدة، ونتيجة الشجار مع سليمة ما زالت تحمل اثارها على ملامحها.
صاح سند يجفلها:
– ما تردي ياما، سكتي ليه؟ مش انتي سبب الوحلة اللي اتوحلناها دي، اقنعتينا كلنا نتبع جدي عشان المصلحة، اديها جلبت فوج روسنا كلنا.
هتفت بدفاعية عن موقفها:
– ويعني انا كنت مغسل وضامن جنة، انا كل اللي كان في دماغي، هو ان الزفت فايز يتحرم من ملكية البيت، مكنتش عايزاه يشم ريحته، لكن الملعون حظه طلع احسن مننيا كلنا، ورث بموت الواد، وبجى وصي على ولده.
– المهم انه ما هيجدرش يتصرف في البيت ولا يوجعه زي ما كان مخطط، برضك دي متنسوهاش
علقت بالكلمات نعيمة والدة عيسى، بعد فترة من الصمت، التزمت بها هي ووالدتها سكينة والتي كانت تغمغم بالذكر على سبحتها، وكأن الأمر لايعنيها، غير غابئة بالتدخل معهم في النقاش الدائر.
قلل عيسى يعارض قولها:
– برضك دا ما دا مش حل ياما، احنا كدة وكاننا واجفين ارض طرية ممكن تغطس بينا في اي وجت، خالي فايز ممكن في دجيجة نلاجيه واجف وسطينا هنا مع مرته الحرباية وعيالها العجارب، لازم الراجل ده تتجطع رجله وما يبجاش له دخلة من أساسه.
ضربت هويدا ببطن كفها على سطح الأخرى سائلة بنزق:
– ودي هنعملها كيف؟ وليه؟ اذا كان صاحبة الشأن نفسها، بتجول مش عايزاها الوصاية، سليمة حطت العجدة في المنشار عشان توجف الحال، وليه مخلوله اتنازلت عن حجها في جوزها زمان ودلوك مش سائلة في البلوة اللي هتجع على راسها، لما تخش عليها بت التنح السعرانة اللي ما بتشبعش ابدا من الصرف، الواحد مش عارف يجول ايه والله.
تركها سند ليتجه بخطابه نحو جدته سائلًا لها:
– وانتي يا ستي، مش ناوية تجولي رأيك معانا في اللي حاصل، ولا هتعملي نفسك غريبة انتي كمان، طب حتى افتكري معتز، ريحة الغالي، ولا انتي كمان مستغنية زي مرت ولدك؟
قالها بخبث يغلفه الإستفزاز، ليجعل المرأة تلتف إليه مجبرة، ترمقه بنظرة حانقة، قبل ان يخرج ردها:
– وانا إيه في يدي يا واد هويدا؟ هو انا كان ليا شورة ولا جولة في الموضوع دا من اساسه؟ انتوا اللي بتخططوا وتدبروا، وانا جاعدة ومستنية النتيجة، لا جادرة انهيكم، ولا جادرة اكون معاكم، هموت على حبة عيني معتز، وبنفس الوجت مش عاجبني عمايلكم.
تدخل عيسى يجادلها:
– مش عجباكي عمايلنا، لكن عجباكي عمايل مرت ولدك؟ خبر ايه يا جدة؟ ما تساعدي معانا واقنعي المرة الهبلة دي، توافج، انا متأكد ان ليها كلمة على نادية.
اشاحت سكينة وجهها عنه مرددة بعدم اكتراث:
– انا جولت من الأول مليش دعوة، متدخلونيش في اي حكيوة من مواضيعكم، كفاية عليا مصيبتي في اللي راح، ولا لوعة جلبي ع اللي جاعد في المستشفى، ما بين الحيا والموت، ربنا يجومك منها يا عبد المعطي….
قالتها لتذرف الدموع، بتأثر، ثم تجففها بطرف شالها، ومن خلفها صفق عيسى يضرب بكفيه مرددًا بسخط:
– يا باي على شغل الحريم اللي لا يحل ولا يربط، نجعد احنا زيكم نندبوا بجى ونسيبها تطربج على راسنا، يا سااتر.
عقب سند على قوله بتصميم:
– لا طبعا مش هنندبوا، إحنا لازم نتصرف بسرعة، توافج سليمة على شروتنا ونادية تبجى لواحد منينا، ساعتها بجى نفضى لخالي… عشان نمضيه غصب عنه ع التنازل
❈-❈-❈
وفي منزل هريدي الدهشان
خرج من غرفته مجفلًا على نداء أحد ابناءه، ليفاجأ بناجي يقف بقلب الصالة وعدد من اقفاص الفاكهة، موزعة في الأسفل حوله حتى غطت مساحة كبيرة كبيرة من الأرضية، ليبادره بابتسامة ملأ شدقيه قائلًا وهو يتقدم نحوه:
– أبو محمود، توك ما صاحي يا راجل.
رفع كفه يباغته بمصافحة رجولية مبالغ فيها، مما زاد من ارتياب عزب، الذي تلقف مصافحته بابتسامة مضطربة، ليُحاول أن يجاريه بترحاب مفتعل:
– اهلا اهلا يا ناجي، نورت البيت يا واد عمي، بس ايه الحكاية، والفاكهة دي كلها بتاعة مين؟
– بتاعة مين؟
ردد بها من خلفه ليتابع بضحكة ساخرة؟
– يعني هكون جايبهم عندك امانة مثلًا؟ خبر ايه يا عم عزب؟ دا حاجة بسيطة من خير الأرض، جولت ادوجهم منها، هي فين خالتي جليلة، فين بجيت العيال عشان يفرحوا بالطرح الجديد؟
– يا خالة جليلة.
خرجت له المرأة على النداء تتلقفه بابتسامة مرحبة، رغم تعجبها هي الأخرى لفعله:
– انا هنا يا ولدي، جيت اها، بسم الله ماشاء الله، ايه دا كله؟
اشرق وجهه برؤية الصغير الذي كان ممسكًا بيدها، ليردف ردًا على كلماتها:
– دا خير ارضنا يا خالة، وانتي عارفة انها زينة وعافية، وانا بصراحة بجى جايب الهدية دي لمعتز باشا، خليه يدوج خير جدوده ويعرف بأصله الزين، جرب يا واد .
قال الأخيرة يتناول كفه منها يقربه إليه نحو الفواكه يخاطبه، مع دعوة بقية الأطفال معه:
– تحب المانجا ولا الجوافة ولا التين ولا أجولك، إنت تاخد تفاح، عشان حلو زيك.
تلقى معتز دعوته ليمسك بعدد من القطع يقضم واحدة ويرمي الأخرى، حينما تعجبه غيرها، بمرح طفولي وكأنه وجد لعبة جديدة، مع تذوقه للعديد من الأنواع المختلفة، أمام دهشة جليلة، وامتعاض عزب، لتعجل هذا الأحمق بأفعاله، وكأنه يقصد لفت نظر شقيقته التي هي كارهة من الأساس.
– معتز.
صدر الصوت كصيحة، وقد ازعجها كم الفوضي التي تسبب بها طفلها، بالإضافة لتناوله العديد من الفاكهة بشكل عبثي لم يعجبها
لتتقدم نحوهم بخطوات مسرعة، ترفعه اليها ناظرة لهم باستنكار لم يؤثر في ناجي الذي تهلل وجهه برؤياها ليردف بتفاخر:
– ما تسبيه ينجي على كيفه، الواد مبسوط.
– مبسوط.
تمتمت بالكلمة باستتهجان واضح، ناقلة بنظرة لوم نحو والدتها وشقيقها، قبل أن تعقب له:
– متشكرين جوي، بس انا ولدي كدة ممكن تجيله حساسية، دا غير انه بجع هدومه، عن اذنكم هروح اغير له.
هتف يوقفها قبل ان تواصل طريقها مغادرة:
– طب مستعجلة ليه؟ ماتسيبي الواد معانا شوية، خليه يفرح مع العيال وبعدها سبحيه زي ما انتي عايزة، هو اساسًا جمر ومش مستاهل .
همت ان تجفله برد غبي علُه يرتجع من البدايه عنها، ولكن شقيقها كان الأسبق برده:
– لا خليها تروح تسبحه احسن، هو اساسًا عامل زي البسكويتة وما بيتحملش، روحي نضفيه يا نادية روحي.
تلقت دعوته بترحيب شديد لتطلق قدميها للهواء، مبتعدة عن محيطهم على الفور، اغتاظ ناجي، يرمقه بنظرة حارقة تجاهلها عن قصد، كي يوجه خطابه لوالدته:
– روحي ياما اعمليلنا كوبايتين شاي، بسرعة ياما، ونبهي ع الواد محمود يدخل الجفاصة دي جوا
❈-❈-❈
– أجف هنا يا عم عبد الباسط.
هتفت اَمرة الرجل المسن برقتها، ليتوقف بالسيارة التي يقودها، لوسط الطريق الزراعي، حتى تسائل بعدم فهم:
– بس احنا لسة جدامنا مسافة على ما نوصل لبيت هريدي الدهشان.
ردت وهي تعدل من وضعها حتى تترجل من السيارة:
– عارفة والله، بس انا هاخد الحتة الصغيرة دي على رجلي، عايزة امشي وسط الخضرة والهوا اللي يرد الروح.
ترجل خلفها ليعلق عارضًا عليها من واقع عمله:
– وماله يا ست البنات، امشي انا كمان معاكي الخطوتين دول واوصلك، واهي العربية جاعدة مكانها، ومحدش يجدر يجربلها عشان معروف دي بتاعة مين؟
أهدته ابتسامة عذبة ترفض بلطف:
– وبعدها ترجع تاني على رجليك، لا يا عم انا كبيرة واعرف اوصل لحالي وعارفة السكة كمان، يعني مش هتوه.
ضحك الرجل يتابع خطواتها، ليتمتم من خلفها بمحبة:
– ربنا يبارك فيكي يا بنتي ويسعدك بروحك الحلوة دي يا ست الناس يا روح .
❈-❈-❈
أما هي فقد واصلت تخترق المساحات الخضراء عن معرفة سابقة بكل شبر منها، حتى توقفت أمام الشجرة العزيزة والملتصقة بعدد من النخلات الصغيرات، ليخفق قلبها بدوي صاخب داخلها، روحها المتعلقة بها وبالذكريات التي تحملها لها، كانت تتواتر بذهنها سريعًا، وغبطة تغمرها وكأنها تملك الكون بأجمعه، ذكريات من عمر طفولتها ، ما زالت تحمل اثرها وعشق كبر مع كبر العمر.
(( – يا روح يا روح، تعالي شوفي عمر، ركب ع النخلة وبيبلغك انه هينتحر ويرمي نفسه من فوجيها
– ينتحر من فوج ايه؟
قالتها لتترك اللعب مع بعض الفتيات، ثم اتت مع شقيقته التي اجادت التمثيل، لتعقب على فعله:
– شايفة؟ اهو زي ما جولتك لسة جاعد على وضعه.
سمعت منها لتتخصر مندمجة معهما:
– انزل يا عمر، بلاش التهور، لاحسن يحسبوك علينا نفر ولا حاجة.
عبس يخاطبها بلوم:
– بجى هو دا اللي ربنا جدرك عليه؟ دا بدل ما تهاوديني في الكلام زي ما بيعملوا في التلفزيون.
ضحكت تتحداه بالكلمات:
– لاه احنا معندناش الحاجات دي، إنت اخترت ترمي نفسك من فوج النخلة اللي يدوبك تجيب طول اخويا غازي، هنعملك ايه بجى؟ مش انت اللي اخترت، ما تجوليله يا جميلة.
– اجوله ايه؟ دا كان مفكرك هتزعلي وترمي نفسك وراه، إنزل يا عم انزل، دي باينها مش فارج معاها.
قالتها جميلة ليتلقف جملتها سائلًا:
– صح انا مش فارج معاك يا روح؟.
لم تجيب، وظلت ترمقه بابتسامتها الخلابة، فتابع بمحايلة:
– وحياة اغلى ما عندك يا شيخة لتجولي، فارج معاكي ولا ارمي نفسي صح، انا مش هموت بس والله ممكن رجلي تتكسر.
زحف بقلبها الرعب لمجرد التخيل، فردت تخرج عن صمتها:
– وانا ميهونش عليا رجلك يا عمر، فارج معايا، خلاص استريحت؟
– استريحت جوي.
قالها ليهبط سريعًا بشقاوة أذهلتها، حتى وصل إلى شجرة التين ليقتطف منها أطيب الثمرات، حتى هبطت اقدامه للأرض يعطيها احداهن قائلًا:
– طب بمناسبة الكلام الحلو، ممكن تجبلي مني الهدية البسيطة دي.
تناولتها منه، لتقضم قطعة صغيرة منها، وترد عليه بامتنان:
– حلوة يا عمر، احلى واحدة كلتها في حياتي”
عادت من ذكراياتها، وكأن الطعم الجميل ما زال بفمها، تمرر كفها على أوراق الشجرة العجوز مدمدة:
– وحشني أيامك يا غالية يا ريحة الحبايب، امتى بجى تنعاد من تاني؟ هونها يارب
❈-❈-❈
دفعت الباب لتدلف إليها داخل غرفتها بعد أن سمحت لها بالدخول، لتجدها مستلقية بنصف نومة تراقب صغيرها الذي كان يلعب بألعابه على ارضية الغرفة، وشرود يعتلي قسمتها حتى انها لم تنتبه بدخولها،.
رفعت روح صوتها قائلة بالتحية”
– مساء الخير، عاملة ايه يا احلى البنات؟
اعتدلت على الفور لتجلس بجذعها، مرددة لها بحرج:
– رووح، معلش اعذريني، افتكرتك مرة اخوي ولا واحدة من خواتي.
– او امك، ولا انتي نستيها دي؟
قالتها روح بتفكه، استجابت له نادية بابتسامة طفيفة، لتتقبلها بعناق اخوي، بعد ان بادرتها روح بفتح ذراعيها لها، حنونة وجميلة، هذا دائمًا ما تشعر به نحوها:
جلست معها بعد ذلك، لتسألها بوضوح:
– ممكن بجى افهم، ايه سبب جفلتك على نفسك دي، بتحبسي نفسك يا بنت الناس، طب ما تعمليش حساب لنفسك يبجى اعملس حساب للعيل الذي عايز يلعب ويعيش سنه ده؟
نقلت بنظرها نحو ابنها بصمت، تتذكر حالة العصيان التي اتخذتها منهجًا منذ الصباح، منذ أن تفاجأت بهذا المدعو ناجي، يحتل المنزل بالفواكه التي قد أتى بها، ليأخذ جلسته بعد ذلك لفترة طويلة مع شقيقها، فكانت غرفتها امانًا لها، قاصدة عدم الخروج حتى من بعد ذهابه، لا تريد تعليقًا سخيفًا من زوجة شقيقها ولا تبريرًا بريئًا من والدتها.
رفعت رأسها لروح تعقب على قولها بنفي:
– ومين جالك اني حابسة نفسي؟….. هي بس شوية خنجة أحيانًا بتيجي مع الواحد، وبعدها تروح من نفسها، محدش بيخفف عني ولا ينسيني غير جاعدة ولدي جمبي، هو عندي بالدنيا .
– حبيبتي ربنا يخليهولك يارب .
تمتمت بها روح بتفكير جلي قبل ان تسألها بفضول:
– انا اسفة يا نادية لو هتدخل، بس يعني هو انتي معنديش اصحاب يزوركي وتزوريهم، متجوزين بجى، ولا مش متجوزين، او يكونوا من ايام المدرسة مثلا؟
انتظرتها اجابتها لبعض اللحظات وكأنها تبحث عنهم داخل ذاكرتها، قبل ان يخرج ردها:
– هكدب عليكي لو جولت صحاب بمعني صحاب بجد، لأني كان في فعلا ايام الدراسة، بس الأيام فرجتنا، طبعًا من بعد ما تجوزت انا على طول، كان حجازي الله يرحمه هو صاحبي ودنيتي كلها.
قالتها بصوت مبحوح تكبح دمعتها من الهطول مباشرةً، تأثرت روح لتمسح بكفها على ذراعها بدعم تلقته لتكمل بما يجيش بصدرها:
– بس تصدقي انا فعلا اكتشفت دلوكت اني معنديش حد من سني افضفضله، على فكرة الإحساس دا عندي من زمان لو تفتكري يعني، انا طلعت لجيت خواتي البنتة كلهم متجوزين، يدوب ولاد اختي بس اللي كانوا من سني، حتى مرة اخويا لما جات، عمرها ما بجت صاحبتي……..
أوقفت برهة قبل ان تتابع:
– او يمكن عندي وانا مش واخدة بالي.
– انتي فعلا مش واخدة بالك، اخص عليكى يا جليلة الأصل .
قالتها روح بمزاج جعلها تضحك بحق مرددة بأسف:
– لا والله ما جصديش عليكي، دا انتي حبيبتي….
قاطعتها بانفعال كاذب:
– حبك برص يا بعيدة، ما تحاوليش تصلحي، هي طلعت وخلصنا……
أصبحت تقهقه معها بضحكات خارجة من القلب، والأخرى تدعي الغضب، حتى تمكنت من الرد اخيرًا لها بجدية:
– على فكرة يا روح انا دايما حساكي اختي، يعني اكتر من الصحوبية نفسها….
أومأت لها بتفهم قبل تجاريها في القول:
– انا فاهمة وجهة نظرك على فكرة، ما انا برضك كنت اصغر خواتي، بس بصراحة اخويا غازي كان دايمًا معوضني، يمكن عشان الفرج ما بيني وبينه في السنين مش كبير جوي، لكنه بيفهمني وافهمه.
كانت تهز رأسها بصفحة شفافة تظهر عدم اقتناعها نهائي بقولها، مما جعل الأخرى تنهرها بافتعال:
– مالك يا بت مش مصدجاني ولا ايه؟
ردت بكذب مكشوف:
– لا يا عم وانا اجدر، مش بتجولي انه بيفهمك، ربنا يخليكم لبعض.
غمغمت من خلفها بصوت مكتوم:.
– مين يشهد للعروسة!
-،سمعتك والله.
هتفت بها روح لتشاكسها بمرح:
– بطلي خبث يا بت هريدي، انا عندي ودن تجيب دبة النملة وهي ماشية، فاهمة ولا لأ؟
– فاهمة فاهمة.
رددت بها باستسلام مستجيبة للتباسط في الحديث معها لتتابع بغمغمة أخرى فور ان ابتعدت بوجهها قليلًا:
– وانا اجدر اعترض كمان.
– يا بت بطلي بجولك.
صاحت بالاخيرة منطلقة بالضحك والأخرى تستجيب للحديث الودي ، لتزيد من الألفة بينهم، وقد حسمت روح بداخلها انها سوف تكون اقرب الافراد لها، وقد انتبهت اخيرًا لشخصيتها بعد ان لفت شقيقها نظرها لهذه النقطة، تبسمت داخلها مستغربة ان استنبط بذكائه هذه اللمحات القريبة من شخصيتها، الملعون وكأنها درسها من جلسة واحدة، عجبك لأمرك يا غازي؟!
❈-❈-❈
خلف الجدار الزجاجي، وقفت تتطلع بقلب يتمزق لحالة الرجل الذي كان لعدد ليس هينًا من السنوات جدها بحق، يدللها وكأنها حفيدته بالدم، لقد كان لها خير سند، لا تدري اتغضب منه لفعلته الأخيرة والتي تسبب بفقدان زوجها، ام تعطيه المبرر لفعل كان يظنه لصالح الفقيد غافلًا عن بحور الحقد التي انطلقت نتيجة هذا التفضيل له، والذي اوغر الصدور نحوه.
– واجفة عندك ليه ما تدخلي….
شهقت تلتفت نحو صاحب الصوت بفزع، وقد أجفلها بفعلته، واضعة كفها بفعل غريزي على موضع قلبها في الأعلى، ليزيد عليها بنظرة وقحة بسخرية:
– وه شوفتي عفريت اياك؟ خير ايه يا نادية؟
قالها ثم دنى بعيناه نحو الصغير يخاطبه بود:
– ازيك يا باشا، عامل ايه؟
تبسم له ببرائة كرد على تحيته، اما هي؛ فقد اعتدلت
على الفور بوقفتها، تتراجع بصغيرها الذي كانت تمسكه بيدها في الأسفل، لترد بحدة:
-كان واجب تطلع صوت ولا تعمل أي حركة، تعرفني بوجودك جبل ما تخضني كدة من ورا ضهري بكلامك.
تلقف قولها ليرد بعتب لائم استشعرت زيفه من نبرته:
– اخص عليكي يا نادية، مكانش العشم، دلوك بجينا اعداء يعني ولا غربا عشان تكلميني كدة، دا احنا ياما كلنا على طبلية واحدة ولا نسيتي؟
– لا منسيتش.
صدرت منها قوية لتتابع بغضبها:
– ومنسيتش كمان ان كنت معتبراك اخويا، ولا اكنك حتى شجيج حجازي الله يرحمه.
قالتها بقصد لم يؤثر به، بل اتخذه حجة ليدخل في صلب موضوعه:
– طب زين جوي الكلام ده، بعني عارفانا ولاد اصول زيه، يبجى ايه لزومه بجى انك تهربي وتسيبي البيت؟ طب حتى راعي حج ولدك، ولا افتكري جلب جداته اللي اتحرج جلوبهم بموت المرحوم ودلوك بفراج ريحته، جالك جلب تعمليها يا نادية؟….
– وانت مالك؟
صاحت بها مقاطعة له لتردف بعدم تحمل لهذا الضغط المقصود منه:
– بجولك ايه يا سند، الله يرضى عنك، انا جاية هنا اطمن على جدي وماشية، وفر كلامك دا عشان مفيش منه فايدة…
قالتها وهمت لتذهب وتتركه، ولكنه اعترض طريقها فور ان تحركت قدميها يوقفها، ليردف غير اَبهًا لرغبتها:
– انتي كمان عايزة تمشي ولا هامك يا نادية، طب سؤال بس، انتي ليه رفضاني؟ دا بدل ما تساعدينا نجف في وش فايز اللي كل يوم بيبعت في الناس عشان يجي غضب عننا ويبرطع في البيت…. طب افتكري امك سليمة لما تاجي شربات وتذلها…….
– كفاية يا سند.
هتفت بها تقاطعه بلهاث وقد اصاب بضغطه على هذه النقطة التي توجعها من الداخل، حتى التمعت عينيها تحتج على فعله برجاء:
– سيبني يا سند خليني امشي، وكفاية لحد كدة.
قابل خطوتها بخطوتين منه، يغلق عليها طريق المغادرة، ليردف بتصميم وقد اغراه ضعفها في هذا الوقت ان يزيد عليها حتى يأتي بنتيجة ما:
– لأ يا نادية مش هسيبك، عشان تعرفي نتيجة اللي هيحصل لو استمريتي بعندك، من غير ما تجدري العواقب، هو انت ليه جاصدة تذلي الناس الكبيرة على اخر ايامها، جدتي سكينة هتموت على ريحة الغالي اللي حرمتيه منها .
– ظهر الإعياء عليها بالفعل نتيجة الضغط المتواصل، وهو لا يرحم ضعفها بل يزيد باستماتة، حتى تنهار مستسلمة، ثم يسحبها معه الى المنزل او ربما يسعده الحظ ويأخذها للمأذون،
كان هذا قبل أن يجفل باليد القوية التي حطت عليه بعنف، لتجره من قماش قميصه بحركة مهينة يزأر كالوحش بوجهه:
– بتعترض طريجها ليه يا ابن المنتول؟ هي حصلت كمان للحريم!
انتفض سند يحاول فك قبضته عن ملابسه، ليهدر بانفعال :
– اوعي سيب، هو انا عيل صغير جدامك ياك؟ ولا انت عشان كبير ناسك تبجى كبير علينا احنا كمان.
لم يتأثر باعتراضه بل زاد بهزه يكبح بصعوبة الفتك به، حتى يجعله متسطحًا بجوار جده الاَن في غرفة العناية، يهدر له بفحيح شرس:
– انت تحمد ربنا اني كبير ناسي، لأن لو غير كدة، كان زماني دلوك ممرضغك في الارض تلحس تراب السيراميك اللي تحت رجلك.
– خلاص سيبه يروح لحاله.
صرخت بها من جهتها علّه يستمع وقد ارهبها فعله وهذا الجانب المتوحش به، لقد كان مخيفًا بحق، طويلا وضخمًا، وشراسة تثير الرعب بقلب كل من يقف امامه،
وهي التي كانت تظن قديمًا ان سند بجسد فارع وطويل
أمامه بدا صغيرا بحق، كالفأر المبلول، يهزهزه كخرقة بالية، لن تلومه المسكين ان بلل بنطاله الاَن.
لم يأبه بقولها بل استمر في اندفاعه والآخر في تحديه حتى ايقنت بوقوع قتيل لا محالة، لتصرخ به اخيرًا متذكرة أمر طفلها:
– كفاية بجى الواد هيتسرع بسببكم.
في هذه اللحظة فقط استطاع كبح جماح شياطينه، ليدفعه من امامه بقوة ويتركه، قبل ان يدنو من الصغير الذي التصق بوالدته، يخاطبه بحنو:.
– إيه يا حبيبي، دا احنا كنا بنهزر مع بعض، أوعي تكون خوفت.
ظل معتز على وضعه، يزيد تشبثًا بوالدته التي زاد بقلبها الجزع على حال طفلها، تحدجه بلوم تى يفهم أنه المتسبب في ذلك، قبل ان يجعلها قول سند الذي عدل من وضع ثيابه، ليدافع عن كرامته المهدورة أمامها، قبل أن يذهب:
– افتكر زين ان عملتك دي لا يمكن هعديها يا كبير ناسك، وانتي يا نادية الكلام ما بينا مخلصش .
– يا إبن ال……..
كتم سبة وقحة، يكبل نفسه بصعوبة عن اللحاق به وتأديبه، ف الأهم امامه الاَن هو معتز، والذي اَلم قلبه بهذه النظرة الفزعة التي يوجهها له، بالإضافة لسخط والدته، والذي لن يلومها عليه، استدرك متذكرًا جلسته السابقة معه، ليخرج له علاقة المفاتيح ومتحكم السيارة يرفعهم أمامه لترضيته مرددًا:
– ايه رأيك؟ تاخد العربية وتمشي بيها؟
تهللت اسارير الصغير وانبسطت ملامحه ليتناولهم بكفيه الصغيرتان بمرح، وكأنه قبل الصلح، ونسي ما كان منذ قليل.
ابتهج غازي لفعله، حتى رفعه اليه بذراعه يحمله دون استئذان منها، يخاطبه:
– ايوة كدة يا بطل، ياللا بجى عشان تسوج بينا…… ياللا معانا انتي كمان يا نادية.
رفرفرت بأهدابها قليلًا لتسأله بعدم تركيز:
– ياللا إيه؟
رد بانفعال من يملك الحق:
– ياللا عشان تروحي معانا، ولا انتي عايزة تستني تاني في المستشفى الخربان ده بعد اللي حصل؟ فوضيها بجى وخلينا نمشي، ولا انت عايزة العركة تُحبك من تاني مع اي حد من طرف الواد اللي مشى ده.
برفض قاطع وراسها تهتز باحتجاج:
– من غير عرايك ولا بلاوي زرجا، انا اساسًا كنت ماشية، يعني شوف مصلحتك انت اللي داخل المستشفي عشانها، وانا هشوف حالي .
هتف بحزم لا يقبل الجدال:
– تشوفي حالك فين؟ انتي ملكيش جعدة تاني هنا اكتر من كدة، وانا كلامي مش هعيده حصلينا انا والواد هنسبجك ع العربية.
قالها وتحرك على الفور يذهب بطفلها من أمامها، دون انتظار، لتتسمر محلها برهة من الوقت تستوعب،فعله وقد تملكها الزهول والغضب، لكن سرعان ما استفاقت، لتركض للحاق بهذا المجنون مرددة:
– استني عندك، أجف بجولك، واخد الواد ورايح بيه على فين؟
❈-❈-❈
في منزل فايز
والذي كان جالسًا على الأرضية، مربعًا قدم والأخرى مثنية ليسند ذراعه الممسك بذراع الشيشة التي يكركر بها بمزاج رائق، وجواره زوجته تضيف على الجلسة بلمساتها، ان تعدل من وضع الفحم المتجمر، تضحك وتتباسط معه، كي تسحب من فمه الكلمات بنعومتها:
– جدع يا فايز، يعني انت جولتولوا انك مراعي صلة الرحم ومش عايز تكبر الموضوع لاجل هيبة العيلة ولا الكلام والحديت عليها؟
– أيوة امال ايه؟
قالها متابعًا بزهو:
– دا جالي ان هيبجالوا وجفة مع البتين وعيالهم، عشان انا راجل بدافع عن حجي، لكن هما فين حجهم؟ مدام اتنازلوا الأول ميرجعوش دلوك يشتكوا.
تدخل مالك والذي كان جالسًا على طرف الكنبة الخشبية من خلفهما:
– انا شايف جعادنا لحد دلوك كله وجف حال علينا يا بوي، ما نبلغ عليهم البوليس، وهو ياجي يلمهم، دا انت وارث جزء من ملك ولدك االي مات، لكن هما فين ورثهم؟
سمع منه ليعض على شفتيه بحنق يخاطب زوجته:
– جولي للطور دا يجفل خشمه ويبطل هرتيل بالكلام وخلاص، عمال يجول بوليس وبلاوي زرجا، عايز يفتح علينا فاتحة المخبل، هو فاكرها هينة ياك؟
أومات برأسها له بموافقة ردًا عليه، قبل ان تنقل لابنها بتوعد:
– عندك حج يا اخوي، وانت يا واد، ابوك بيتكلم صح، احنا روحنا واشتكينا للكبار عشان يجيبوا حجنا ويجفوا
معانا، لكن لو عملنا زي ما بتجول، الكل هيجلب علينا، ابوك راجل مش هين.
اومأ لها برأسه، وقد أنعشه الوصف والتفخيم به، لكن الاَخر لم يعجبه الأمر، فواصل الجدال:
– يعني هنجعد تحت امر فلان ولا علان، والعيال دي حاطة يدها ع الارض وعاملين فيها اصحابها، دا جدي لو حط راسه من عشية محدش فينا هيعرف كان مخبي ايه ولا يملك كام من الفلوس، ما تتكلمي ياما، احنا هنفضل لحد امتى مستنين؟
يعجبها قوله، ولكنها تخشى غضب الأخر، فكانت تنقل عينيها بينهما بتردد قطعه فايز بحزم:
– في ولا مفيش، انا جولت نستنى الكام يوم دول، مدام سيبناها في يد الكبار يبجى خلصت على كدة ومننفعش نتعداهم، فاهم يا مخبل يا ابن المخبلة.
وجه له الكلمات دون أن يكلف نفسه عناء لف رأسه نحوه، مما زاد على حنق الاَخر، لينهض مغادرًا على الفور، أمام نظرات شربات التي كبحت كالعادة غضبها، لتبسط وجهها بالابتسام متقبلة الإهانة دون اعتراض، مدامت في النهاية تصل لغايتها:
– فاهمين يا خوي فاهمين، انت بس متعصبش نفسك، تحب احضرلك حجر تاني ولا اغيرلك مية الشيشة من أصله.
رمقها بنظرة كاشفة، فقد اصبح يفهمها اكثر من كل شيء، ليتمتم بنزق:
– اهو دا اللي باخده منك انتي وعيالك، واحد يشد والتاني يرخي، على اساس اني مش فاهم ولا واخد بالي منيكي انت وولدك، جطيعة تاخدكم كلكم.
❈-❈-❈
بخطوات مسرعة خلفه تقارب الركض كي تجاري خطوته الواسعة، توقفت اخيرًا، اعلى الدرج الرخامي، وذلك لتوقفه بصغيرها أمام السيارة السوداء الفارهة، يشير لها بيده يدعوها:
– تعالي ياللا، انتي لسة هتوجفي مكانك.
طالعته بلهاث وكأنها تسمرت محلها، لا تصدق فعله، لقد اجبرها العدو خلفه كالجرو بعد ان خطف صغيرها وسبقها به، والذي اسعده الأمر هذا الأحمق، حتى ظنها لعبة، ليطلق الضحكات مستمتعًا بعدو والدته خلفه.
بقلة حيلة استجابت تحرك اقدامها حتى وصلت إليه، وقبل ان ينبت فاهاها ببنت شفاه، وجدته يفتح باب السيارة لها بفعل تراه فقط في الأفلام يدعوها:
– ممكن تدخلي على طول من غير وجع جلب ولت وعجن.
اشتعلت عينيها ليتوهج اللون الأسود بصفاء نحوه، رغم حدتها في الحديث
– بتفتح باب العربية ليه؟ هو انا مش جولتك اني هينفع اركب معاك، انا اتصلت باخويا وزمانه جاي.
– كاذبة.
تفوه بها داخله قبل ان يقارعها بقوله:
– وان شاء على ما ياجي اخوكي، هتجعدي هنا مستنياه؟ طب افرضي انا تبعت جنانك وسيبتك ومشيت، وبعدها رجع الواد ده اتعرضلك من تاني، ساعتها ما تلومنيش لما تلاجيني مفرغ طلق الفرد بتاعي كله في صدره .
قالها بشراسة ارعدتها، وقد وصلها انه جاد في تهديده بهذه النظرات المتحفزة، لن يثنيه شيء ما دام يأخذ الأمر على كرامته.
ابتلعت غصة حلقها، لتذعن مرغمة لرغبته، ولكنها تراجعت لتفتح الباب الخلفي، إلا أنه فاجأها بقوله:
– وه يا بت عمي، عايزة تركبي من ورا وانا ابان كيف السواج الخصوصي عندك، ترضهالي دي يا نادية، وانا كبير عيلة؟
توسعت حدقتيها بإدراك سريع، أنه يريدها تجلس بجواره في الأمام، لتردف له بلهجة لائمة:
– ما انا جولتلك من الاول، ملهاش لزوم، روح انت على طريجك وانا هوجف تاكسي……..
– نادية……
قطع بنداءه باسمها ليكمل بحزم اَمر:
– اركبي على طول ومفيش كلام تاني، انتي مع واد عمك كبير عيلة الدهشان، مش عيل صغير الناس تجول وتحكي في سيرته
لقد غلبها، ادحض حجتها وخمد مقاومتها، فلم يعد بإمكانها سوى الاستسلام، لتدلف صافقة الباب بقوة، بعد ان استقلت بجواره على غير ارادتها.
تبسم هو داخله ليطبع قبلة حانية على وجنة الصغير، الذي لم يهابه حتى الاَن ليهمس له بجوار اذنه، قبل ان يتخذ مقعده بجوارها ويقود:
– ايوة كدة يا صاحبي، عايزاك دايمًا في ضهري، دا انت حبيبي والله.
انتظرته حتى دلف معها داخل السيارة، ليأخذ وضعه على مقعده، قبل أن يتولى القيادة ويدير المحرك، حتى تتمكن من أخذ صغيرها، ولكنها تفاجأت بفعل معتز الذي هلل بصراخ وشغف، يضع كفيه على عجلة القيادة بفرح غامر جعلها تزبهل لفعله، وجلجل هو بالضحكات بعدم تصديق لفعله مرددًا:
– ايه ده يا باشا؟ عجبتك العربية، تعالى سوجها معايا كل يوم.
واصل مقهقهًا لأفعال الصغير، قبل ان ينقل بنظره نحوها، متوقعًا شيئًا اخر غير الذي يراه، فقد تفاجأ بها تزيح دمعة سريعة من طرف عينيها ، قبل ان تشيح بوجهها عنه مغمغمة بصوت ضعيف:
– معلش متاخدش عليه، أصله كان متعود ع الحركات دي مع ابوه، ما هو كان بيلف بيه في كل مرة، جبل ما يروح على شغله.
على الفور خبئت ابتسامته، وتأثر بقلب موجوع لحاله، ليتحمحم مقبلًا الطفل من جنته مغمغًا بصوت خفيض لم يصل اليها:
– يا حبيبي يا ولدي.
قالها ثم تمالك ليدير محرك السيارة، انتبهت لفعلته، لتستدير على الفور، وتمد يديها كي تتناوله منه، لكنه رفض يوقفها بكفه:
– سيبيه، هو جاعد كدة مستريح.
احتجت بغضب:
– مستريح كيف؟ مينفعش طبعًا، دا غير انه غلط في قانون المرور، احنا في البندر مش في البلد .
التف نحوها يردف بتصميم:
– ملكيش دعوة، لو ع المرور متشغليش بالك، وبرضك اطمني، مش هعرض حياته للخطر ان شاء الله، دا كفاية فرحته.
قال الأخيرة موجهًا نظره نحو معتز الذي اندمج في متابعة الطريق، وكأنه يقود بحق، ليتابع بمرح:
– لأ ومركز تمام يعني، باشا والله يا ولدي باشا
اندمجت هي بقوله مع فعل صغيرها، لتغزوا ابتسامة ضعيفة ملامحها اسعدته، قبل أن تستدرك لأنظاره المسلطة عليها، لتشيح بوجهها للجهة الأخرى نحو مراقبة الطريق من النافذة المجاورة لها، بعد ان تورد وجهها خجلًا لهذا الفعل البسيط مما زاد من سعادته ليطبع على وجنة الصغيرة قبلة عميقة مغمغمًا مع نفسه:
– يا حلاوتك يا معتز.
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميراث الندم)