روايات

رواية ميراث الندم الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر

رواية ميراث الندم الجزء التاسع عشر

رواية ميراث الندم البارت التاسع عشر

ميراث الندم
ميراث الندم

رواية ميراث الندم الحلقة التاسعة عشر

بوسط الدرج جلست تراقب بصمت ، متخفيه بجسدها خلف الحاجز الخشبي، تشاهد من جزء صغير، يمكنها من الرؤية ولا ينتبه إليها أحد، تحمد الله ان بناتها قد ناموا الاَن، حتى يمكنها المتابعة، دون أن يزعجها شيء،

وقد حدث ما كانت تتمناه، وجاءت اللحظة الحاسمة، بمواجهة الحبيب اليائس، ابن عمها، مع صاحبة القلب المتحجر، تلك الحمقاء التي فضلت عليه ابن العامل الأجير، من اجل ان تجعله يقترن بأسياده.

– بكرة تعرفي ان اللي عملته كان لمصلحتك يا هبلة.
غمغمت بها ساخرة من الداخل، تتبسم بانتشاء وها قد بدأ العرض

❈-❈-❈

هل هذه ارتجافة الخوف التي شعرت بها؟ أم هو الزعر من القادم؟ وذلك بتحليل مبدئي للنتائج المترتبة على ما تراه امامها، وهي التي استبشرت بقدوم الفرح، وقد ظنت انها على بعد خطوة واحدة من تحقيق ما تتمناه، بعد الصبر الطويل.

– ساكتة ليه يا روح؟ ما تردي.
عاد يسألها بصوت مبحوح، أو بالأصح مذبوح، وقد علم الإجابة من قبل أن تنطق بها،

حاولت التحلي ببعض الشجاعة في النظر اليه بقوة المدافع عن حقه في الاختيار، بل هو حقه في الحياة التي يبتغيها كيفما شاء، ومع من يريد..

– إنت جايب الصورة دي منين؟
بصدمة ارتسمت على ملامحه بوضوح، دمدم بعدم استيعاب:
– هو دا اللي هامك؟ جايبها منين؟ طب اجاوبك انا واجولك انها جاتني من رقم غريب، يعني مش انا اللي صورتكم يا روح، في ناس تانية كانت بتراجب وما صدجت لجيت الفرصة عشان يبعتوها على رقمي انا، رقمي انا يا روح، ويا عالم اتبعتت لمين تاني

– يشوفها اللي يشوفها، ان شالله حتى للبلد كلها، انا ميهمنيش حد .
صاحت بقوة تجفله برد فعلها، حتى احتدت انظاره نحوها، ولكنها واصلت ولم تأبه، لن تصمت في الدفاع عن حقها:

– أيوة يا عارف، انا كنت مستنياه، وهو رجع خلاص، واليوم ده لما جابلته كان بيطلب مني احدد ميعاد مع اخويا عشان يتفج معاه، وانا بلغت غازي وخدت موافجته جبل ما يسافر عشان يجابله، انا مش صغيرة ولا ناجصة تربية عشان اخاف واداري وشي.

– بس ناجصة حيا.
هدر بها يباغته بالقبض على ذراعها بقوة ، يكز على أسنانه بغضب متعاظم، ود لو يسحق عظامها، كما سحقت هي مشاعره، ودهست عليها بأقدامها، بهذه الكلمات السامة.

رد فعله كان مفاجئًا لها، حتى انها استغرقت لحظات تتحامل على الألم، تطالع هذا الوجه الغريب عن طبيعته المسالمة في العادة بصدمة، لقد كان عنيفًا بحق، يزيد بالضغط عليها بشراسة مردفًا:

– بتجوليها في وشي، ومش هامك جلبي اللي بتدوسي عليه، بتجوليها ومش هامك سمعتك ولا منظرك جدام اهلك، ولا اخوكي اللي مكبرك فوج راس الكل، وبسببك خسر صاحب عمره سنين، سنين وانا وهو متفرجين عن بعض بسببك، وكل ده عشان مين؟ عشان كلب سابك زي البيت الوجف، تجعدي سنين موجفة حالك وحالي عشانه.

صرخ بالاخيرة بوحشية جعلتها تستفيق لتقاوم وتعنفه:
– سيب يدي يا عارف، انت ملكش حج عليا، سيب يدي، انا مجولتلكش طلج مرتك ولا تتربط جمبي، سيب يدي بجولك،
دفعها اخيرًا لتسقط بثقلها على الكرسي خلفها، بعد ان شعر بألمها، وقد سقطت دموعها العزيزة أمامه، ولكنه لم يأبه، ليردف لها بتهديد ووعيد:
– انتي اللي جيبتيها لنفسك يا روح، وانا لو فرطت في حجي، مش هفرط في حج العيلة، ولا حج اخوكي ، اللي عايش طول عمره بهيبته، ومش واحدة زيك هي هتفرط العُجد اللي اتربط بجالوا سنين.

بصق كلماته وذهب، يتركها تستعيد ما حدث منذ قليل بعقلها، وكأنه حلم، لا بل هو الكابوس بعينه، ذلك الذي يجثم على انفاس الفرد في ذورة راحته وهناءه، بصور عديدة تنذر بقدوم الأسوء،

وضعت كفها على فمها تكتم الصوت عن بكاء مرير، كيف حدث ذلك؟ وماذا ينتظرها في الغد؟ والأهم الاَن في هذه اللحظة، من أوقعها في الفخ؟ من راقب والتقط الصورة، على مدار سنوات عمرها التي مرت بها، لم يسبق لها ان أخطأت، حتى لقاءها بالحبيب الذي احترقت صبراً لرؤيته، لم يتجاوز سوى ملامسة الأيدي، رغم لوعة الأشتياق، هي لم تخطئ، هي على وشك الزواج بمن تحب، لماذا لا يفهمها أحد؟

وفي الأعلى كانت الأخرى تتابع بتأثر لحال الفتاة، حتى غمغمت بخفوت لا يسمعه الا هي:
– يا عيني عليكي يا بت عمي، كان لازم جلم يفوجك ، عشان تعيشي الواقع، وتعرف جيمة عيلتك وناسك.، عايزة تعملي فيها حبيبة وتتمعشجي، فاكرة نفسك في فيلم عربي.
❈-❈-❈

تم توقيع عدد من الصفقات الهامة مع العميل الذي صافح يودعهما ممتنًا، لكم المميزات التي سوف يحصل عليها بفضل التعاون المشترك مع شركتهم الناشئة، متوقعًا لهم، مزيدًا من النجاح والإزدهار، قبل ان يذهب إلى مواعيده الأخرى، ويترك لهما الطاولة في الفندق الشهير، والذي تم الاجتماع به:

– عشان تعرف بس يا معلم، صاحبك مشغل الشركة في غيابك زي حضورك، بذمتك انت، كنت تتصور ان الزمن يتطور بينا ونتشتغل مع حوت زي اللي فارقنا من شوية ده.

تبسم غازي، لطرافة صديقه، والذي لا يفوت فرصة دون الثناء عن محاسنه المتعددة، و تفكيره الالمعي في اقتناس الفرص الهامة، والحق يقال، هو بالفعل كذلك، ولكن غازي دائمًا ما ينكر من اجل مشاكسته:

– ما خلاص يا عم الظريف، عرفنا واتأكدنا ان مفيش زبك في الكون كله، نعمل ايه عشان نشكرك؟ نضرب تعظيم سلام مثلآ.

انتفخ يوسف بروحه المرحة، يضع قدمًا فوق الأخرى مرددًا بزهو، وصدر منتفش:
– إنت بتقول فيها، طب والله انا فعلا استاهل، اتفضل بقى يا كبير ناسك، ادي التحية وعظملي،

– يا راجل، اتعدل ياض.
هتف بها بحزم أجفل الاخر، ليعتدل بجلسته على الفور مغمغمًا بحرج:
– صلي ع النبي يا عم الحج، وبلاش منها ياض دي، راعي سمعتي ولا منظري في قلب الفندق العريق، احنا مش ناس أي كلام برضوا

تبسم له باتساع يعقب:
– والله يا يوسف انا بحسدك بروحك الخفيفة دي، وهزارك الدايم، من غير ما تشيل للدنيا هم، ولا تعملها أي اعتبار ، دي اكبر نعم انت ممكن تحصل عليها على فكرة .

– يا سيدي ربنا يعزك، ويعني الدنيا دي هناخد منها ايه؟ سيبك انت ومتكبرش نفسك بالهم، المهم بقى، انا عازمك النهاردة على حتة سهرة صباحي،

نهض ضاحكًا من جواره يعترض:
– لاا يا عم الحج ، انا كدة زين جوي، انا بس اطول سريري، واحط راسي وانام، جسمي كله مكسر من تعب السفر، وانت البعيد مرحمتنيش من ساعة ما رجلي خطت البلد

جلجل يوسف بضحكاته، ليتناول الملفات والعقود ويضعهم في الحقيبة، قبل ان يلحق به متمتمًا:
– مشحططني معاك ولا اكني مساعد عندك حتى، طب وافق حتى نجيب سكرتيرة، تساعد العبد لله، وبرضوا تتطري الجو شوية، تعقم الدنيا بريحة البرفان بتاعها، والله ساعتها الدنيا هتبقي حلوة صدقتي.

رد غازي بضحكته :
– طموح جوي انت يا عم يوسف.
امتعضت ملامح الاخير، يرافقه الذهاب مرددًا:
– وماله لما ابقى طموح، يعني لا يبقى حقيقة ولا خيال، دا انت راجل وش فقر بجد

❈-❈-❈

خرجت من غرفتها على صوت الطرقات الخافتة على باب الاستراحة الخارجي، لتهتف سائلة بتوجس، ناظرة في ساعة الهاتف، وقد تعدت الساعة الواحدة ليلًا:
– مين؟….. مين اللي بيخبط دلوك؟

– أنا اللي ع الباب، افتحيلي يا نادية.
ميزت صوتها رغم غرابة النبرة، لتعدو سريعًا تفتح لها بقلق تزايد فور أن وقعت عينيها عليها، تقف امامها بهيئة مزرية، ووجه متنفخ من كثرة البكاء.

– ايه اللي جرا؟ مالك ؟
لم تكد تكمل السؤال، حتى وجدتها ارنمت بحضنها، تنطلق بموجة أخرى من بكاء لم ينقطع في هذه الليلة السوداء.

شددت عليها لتسحبها معها للداخل وصوت صدر من الداخل بنعاس:.
– مين اللي ع الباب يا نادية؟
أجابتها على عجالة:
– نامي ياما، متجلجيش، دي روح جاية تبات معايا.

❈-❈-❈

أتت اليها بالمشروب الساخن، بعد أن هدأت قليلًا ، وتوقفت عن البكاء، وضعته فوف الكمود، قبل ان تنضم جوارها على الفراش، تمسح بكفها على ساعدها بمؤازرة، ثم تناولته لوضعه بيدها، بحنو:

– اشربي الحاجة السخنة دي، هتهديكي.
بصوت منكسر عقبت ساخرة:
– وافرضي هديت، يا ترى كمان الامور هتهدي معايا ؟ انا شكلي ضيعت خلاص يا نادية، وكلاب السكك هتجطع في جتني، وحتى مش هلاجي حد يدافع عني .

اغمضمت عينيها، عن دمعة ساخنة سالت تحرق جلدها، كقلبها من الداخل، الذي يتلظى بلهيب العادات البالية، والتي قد تؤدي لخسارتها لكل شي،.

علقت نادية بتفكير متوزان رغم ارتعابها هي الأخرى من القادم:
– انا رأيي ان الموضوع مش هيكون أكتر من كدة، اصل يعني كدة بالعجل، اللي باعت الصورة، لو نيته يشهر ، فدي بسيطة جوي، يجدر ينزلها ع التليفونات، بلمسة ع الشاشة، هو اللي عمل كدة ابن حرام دي مفيش منها شك، بس بصراحة كدة جاصد المهمين في العيلة عندكم .

– ودي هينة يا روح؟
خرجت منها تتنهد بوجع سكن بروحها:
– اللي عمل كدة جصده يكسرني، ويضيع حب عمري مني، طب ليه؟ دا انا دفعت التمن سنين من عمري في الصبر، انا جلبي مجبوض، وحاسة ان اللي جاي مش خير واصل…… والنهارده كانت البشاير بعارف، اللي مد يده عليا ولاول مرة اشوفه شديد كدة، انا عارفة اني جرحته، واجبرته انه يتعصب عليا كدة، بس انا كان في ايدي ايه؟…….

التفت نحو نادية تستطرد برجاء:
– طب كنت هرد اجولوا ايه؟ ساعتها مجدرتش اكدب عليه، يمكن كانت جسوة مني عشان كنت عايزه اعرفه باللي جوايا، لعلّه ساعتها يحل بجى عني، ويشوف حياته، بدال ما هو جاعد كدة ومحملني حمل فوج حملي….. يعلم ربنا اني ياما اتمنيت يرتبط باللي يحبها وتحبه، يلاجي السعادة اللي بيحلم بيها، اعمل ايه تاني أكتر من كدة؟

عادت نادية تضمها اليها وتشدد من احتضانها، تبثها الدعم الأخوي، حتى وان لم تكن شقيقتها، فما تحمله لها من محبة، تجعلها في هذه الصفة وأكثر.

فعلها العفوي،كان له اكبر التأثير بقلب الأخرى، والتي اردفت لها:
– عارفة يا نادية، انا وجت ما حسيت الأوضة ضاجت عليا ونفسي انحاش من كتر البكا، خصوصًا، بعد اللي سمعته كمان من وجدان اختي، من كلام واعر في حجي بعد ما شافت الصور….. مكنتش جادرة اللوم عليها، عشان ده تفكيرها، وليها حج انها تخاف لو الموضوع وسع، بس انا في اللحظة دي كنت هموت من الرعب، كان نفسي حد يجف جمبي ويطمني، حد ياخدني في حضنه زيك كدة يا نادية…… انا جيتلك وانا متأكدة انك هتسمعي ومش هتلومي، هتطبطبي وتهديني، حتى لو في نفسك اعتراض عليا…. انا كنت محتجالك جوي يا روح .

اخفت الأخيرة تاثرها لتردف بصوت جعلته يميل الى المرح:
– يا ستي واحنا لينا مين غير بعض، شكل كدة مفيش غير الظروف الزفت هي اللي بتجمع الصحبة الحلوة مع بعض.

استجابت للمزاح تردد خلفها:
– اه والله هي فعلًا زفت، ربنا يسترها معانا.
– اللهم آمين
اممم خلفها بجدية:
– انتي هتنامي النهاردة معايا، نحط راسنا دلوك وبكرة يحلها الحلال، جادر يجيب الحل من العجدة نفسها، جولي امين .
– أمين يارب

❈-❈-❈

دوي الهاتف المزعج باستمرار ، جعله يستقيظ مجبرًا من نومه، ليتناوله على مضص ، كي يجيب المتصل والذي زاد من ضيقه، فور ان رأى الأسم وعلم بهويته:
– الوو …. ايوة يا عمي صباح الخير.
اجفل على الصيحة الغاضبة التي كادت ان تشق اذنه من قوتها، ليرد على صاحب الصوت بانزعاج:

– وه وه، في ايه طيب؟ كلمني براحة عشان افهم، انا صاحي من نومي اصلًا على مكالمتك، ايه اللي حصل عشان تزعج وتطلبيني اجي البلد بسرعة، حصلت نصيبة لا سمح الله

انصت دقيقة استمع فيها تقرير موجز، جعله يعتدل فجأة نافضًا عنه النعاس بلا رجعة، ليزأر بخشونة:
– ايه الكلام اللي انت بتجوله ده يا عمي؟ خلي بالك دي حاجة تطير فيها رجاب

❈-❈-❈

عودة الى البلدة
حيث خرج الحاح يامن من منزله، محركًا أقدامه نحو الشقة المجاورة، والخاصة بابنه الاَخير، الشقة المهجورة من ساكنيها، بسبب تركه لها ، منذ طلاقه من زواج لم يصمد لأكثر من شهور قليلة.
ولكنها اليوم وعلى غير العادة، مفتوحة وقد علم منذ زوجته انه قد بات بها.

– عارف .
هتف مناديًا باسمه فور ان دلف داخلها، قبل ان يجلس على اقرب مقعد قابله أمامه، لم ينتظر كثيرا حتى خرج له الاَخر من غرفة جانبية، يلقي التحية بروتينيه، قبل ان يشاركه الجلسة،

– صباح الخير يا بوي،
– صباح الخير يا حبيبي .

قالها يامن متمعنًا النظر به، وكأنه يقرأه، حتى اضطر عارف ان يتهرب بالمزاح قائلًا:
– ايه يا عم الشيخ، عرفت مكاني وجاي تجعد جصادي تتأمل فيا، يكونش عجبك حتة الدجن اللي مربيها اليومين دول.

– لا يا عارف انا لا عاجبني الدجن ولا عاجبني انت نفسك.
– وه، ليه الصدمة دي بس يا عم الشيخ؟ كدة في وشي، طب حتى جاملني بالكدب.
لم يستجب يامن للإبتسام او الرد على مزاحه، بل قام بمبادرته الحديث مباشرةً:

– عاااارف، ما تضغطتش على نفسك يا ولدي بهزار مالوش عازة، الصورة اللي جات على تليفوني، جاتلي انا كمان.

ضاقت حدقتيه بتسأل بتوجس، يشوبه غضب مكتوم؛
– تجصد ايه يا بوي؟ اي صورة دي اللي جاتلك على تليفونك.

زفر يامن، يجيبه بحنق:
– الصورة اللي جومتك منبوط امبارح من جمب واد عمك ناجي، واللي جاتله هو من بعدك وفهم لوحده.

– ناجي كمان؟
نهض واقفًا بملامح مكفهرة غاضبة ، وقد فلت زمام تماسكه:

– أكيد الحاجات دي مركبة، انا متأكد ان دي حركة واطيه من عيل ابن كلب نصاب من بتوع الايام دي، لكن وحياة غلاوتك يا بوي ، انا بسعى من امبارح مع واحد خبير، وأكيد هنعرف بهوية صاحب النمرة اللي بعتتلي وبعتتلكم، ، انا هجول لغازي يعلم العيال دي الأدب……

– غازي عرف .
هتف يامن مقاطعًا له، حتى طالعه الاخر باستفهام، جعله يكرر له بتأكيد:
، عمك سعيد اتصل بيه النهاردة من الفجرية وبلغه، وهو زمانه دلوك على وصول، دا ان ماكنش لسة وصل اصلا

سقط بثقله على مقعده بصدمة متمتمًا:
– غازي عرف! ومن عمي سعيد كمان، دا اكيد كبر الموضوع وادالوا أكبر من حجمه

رد يامن بقلة حيلة:
– انا عن نفسي مكنتش عايز اجوله، وكان في غرضي مدام الأمر ما تعداش غير نمر معدودة مننا،
لاننا نجدر نؤد الفتنة من اولها، لما نمسح الصور، وكأن مفيش حاجة وصلت، بس عمك بقى انت عارفة، ما بيصدق.

– هو فعلا ما ببصدج، ربنا يستر .
غمغم بها، يزفر انفاسه المضطربة بقلق بالغ، امام انظار والده المتابع لحاله بإشفاق، يعلم أن كل ما يشغله الاَن، هو الخوف عليها.

❈-❈-❈

– غازي بيه.
تمتمت بالأسم متفاجأة، بحضوره امامها مباشرةً، بعد فتحها لباب الاستراحة، كي ترى من الطارق، تعلم انه سافر الامس وسوف يغيب عددا من الايام كما علمت من روح…..

على خاطرها استدركت بقلق هذه الهيئة المتجهمة منه ، وهو يخاطبها بجمود متحمحمًا في البداية بخشونه:

– معلش يا نادية ممكن تدخلي تندهيلي روح؟
ابتلعت تتراجع بارتباك تجيبه بتلعثم:
– ااا ماشي بس… ادخل طيب جابلها جوا ، دا بيتك ومطرحك،

– لا كتر خيرك ، انا جاي من السفر تعبان، ياريت تبلغيها تحصلني ع البيت.

قالها والتف مغادرًا، دون ان يعطيها اي فرصة للنقاش، تراجعت تغلق الباب، لتعود الى الداخل، فتفاجأت بها، تقف في وسط الصالة، بوجه شاحب وكأنها ترتجف، وقد تأكد لها انها علمت بعودته الاَن

❈-❈-❈

– ايوة يا غازي، كنت طالبني في ايه؟ حمد الله ع السلامة الأول.
وقفت امامه تردف بها بلهجة تبدو عادية، وبعيدة تمامًا عما يكتنفها من الداخل، من خوف وقلق تعاظم، مع رؤيتها لهذه الهيئة الغريبة عنها، وهذه النظرة الغامصة التي يرمقها بها، فقد كان جالسًا في غرفة المكتب والتي لا يدخلها الا في النادر اثناء انشغاله بعمل ضروري، او كما يحدث الاَن، حينما يريد الاختلاء بأحد ما بعيد عن الجميع.

– اجعدي يا روح.
نطق بها بزفرة خشنة ليتكتف بذراعيه، وكأنه يلجم نفسه عن الانفعال،

جسرت نفسها لتجلس على الكرسي المقابل له، تبادره الحديث، حتى تقصر عليه المسافة، وقد اتخذت قرارها في المواجهة.
– جعدت انا اهو جدامك يا غازي، جول اللي انت عايز تجولوا ، جول ع اللي خلاك تنزل مخصوص من مصر.

برقت عينيه فجأة بوميض خطر، يحدجها به، رغم صمته المهيب، قبل أن يقطعه بقوله:
– يعني الصور حجيجية يا روح؟

سؤاله المباشر رغم هدوئه، ولكنه كان حادًا بقوته، حتى أنها لم تقوى على مواجهة عيناه، في الرد شاعرة بالخزي منه:

– أيوة يا غازي، بس يعلم الله ان دي كانت اول مرة يلمس فيها ايدي، وبصراحة دا كان رد عفوي مني ومنه، بعد انتظار سنين، دوجت فيها مر الصبر في بعده، وهو شاف الويل في غربة جطعت من عمره لاجل ما يحوش اللي يجدر يتقدملي بيه،….

رفعت عينيها اليه برجاء مستطردة:
– انا بعترفلك وبقولك على كل اللي حصل، انا جلبي مال لعمر من زمان، ودا اللي كان مانعني ما اوافج بأي حد، حتى لما وافجت بعارف ولد عمي، رغم ان فيه كل الصفات اللي تتمناها اي بنت، بس سلطان العشج، كان اجوي، مجدرتش اكمل وانا فكري وعجلي وجلبي مع حد تاني .

توقفت تطالع تأثير كلماتها عليه، وقد تجمد امامها كالتمثال، لا يدري ماذا يفعل معها، هل يستجيب لنداء يده، التي تتحرق الاَن لتمتد نحوها وتلطم وجهها بالصفعات المتعددة، كرد فعل طبيعي لرجل شرقي، يختفظ بأعراف القبيلة التي ما زالت متمسكة بالعادات المتوارثة جيل بعد جيل؟ اما يرق قلبه لاعترافها الصريح بعشق تلظى هو بنيرانه، وعلم بقسوته، ولكنها استغفلته!

– بتضحكي عليا وتجولي اخته شافتني وانتي جاية من مجابلته يا روح.
صعقت بتعقيبه تحاول بصعوبة ابتلاع ريقها الذي جف، أمام اشتعال عينيه بشراشة تعلمها جيدًا، وهو يتابع:

– العباية والطرحة اللي في الصورة، هما نفسيهم، اللي كنتي لابساهم، ساعة ما وجفتيني جبل ما اسافر ، عشان تطلبي مني ميعاد لاجل ما اجابله؟

ارتد جذعها للخلف هذه المرة، يعلو تعابيرها هلع واضح،
رغم كل محاولاتها في اظهار الثبات، ولكن سطوة شقيقها، من هذا الذي يمكنه مواجهتها؟ ومع ذلك، هي لن تحيد عن الصدق معه،

أومأت تجيبه بهز رأسها، إلى هنا وقد فلت الزمام ، لم يدري بنفسه، الا وكفه الكبرى تقبض على مرفقها بعنف بهدر بغضب مكبوت:

– بتستغلي ثقتي فيكي يا روح، وتستغفليني، اخوكي غازي كبير ناسه والبلد كلها تستغفليه، جالك جلب تضحكي على اخوكي اللي مكبرك على راس الكل يا روح؟

– غصب عني يا غازي، كان بإيدي ايه بس؟
صرخت بها بوجهه، لتتابع بانهيار:
– اللي بين وبين عمر حب عفيف ، بس محدش بيعترف بيه هنا، لو كنت صارحتك باللي في جلبي، لا يمكن كنت هترضى تتبعني في الصبر على رجوعه، مفيش بنت هتجدر تبلغ اخوها بميعاد مجابلتها مع اللي بتحبه……

– بس يا روح، متخلتيش امد يدي عليكي.
قطعت متفاجئة بكفه التي ارتفعت امامها، بتهديد صريح، جعلها تطالعه بصدمه مرددة:

– عايز تضربني يا غازي؟ دا انا روح حبيبتك، انا شجيجة روحك يا غازي.

– كنتي .
هدر يدفعها عنه، لينهض مغمغمًا باختناق:
– بتتكلمي بوش مكشوف، انا مهمها كنت بحبك، لكن برضوا راجل ودمي حامي، كلامك تجيل على واحد زيي، بلاها من الجرأة في الوجت ده، انا على اخري، ما تجدري بجى.

اطرقت رأسها بحرح، وقد أصاب شقيقها الحقيقية، يجدر بها الا تتمادى في استغلال كرمه، وقد التمسته بطبيعتها منه، حنى دون أن يخبرها صراحة، حتى وهو يدعي غير ذلك .

– إنت جيت يا غازي؟
صدر الصوت الغليظ من خارج الغرفة، قبل ان يدفع بابها، يدلف صائحًا بالاثنان:

– وكمان مجتمع بيها في أوضة المكتب ولا اكنها عملت نصيبة، ولا لسة يدك ما طاوعتكش، انا عمها وكفيل اني اربيها من اول وجديد، لسة يا بت جاعدة مكانك وماجومتيش؟

بصيحته الاخيرة كاد ان يهجم عليها، لولا تصدر شقيقها، يمنع عنه تقدمه، بفظاظه غير مباليًا:
– اجف مكانك يا عمي، لو انا يدي تجلت عن ضرب اختي، فهي متشلتش عن الدفاع عنها .

وكأن الجنون أصابه، وصار الشرر يتطابر من عينيه معنفًا ابن شقيقه بكلام قاسي، جزاء رد فعله المتريث مع شقيقته:

– وكمان ليك عين تجل أدبك وتدافع عنها جليلة الحيا، اللي بتجابل الرجالة برا البيت والناس تصوروها ع التلفونات.

صاح بدوره غازي يزجره بغضب:
– امسك خشمك يا عمي، وراعي اني مطول بالي عليك، مش بت كامل الدهشان اللي يتجال عليها كدة، لو حد غيرك كنت دفنته مطراحه.

– تدفن عمك، طب كنت استرجل وربي اختك .
– عميييي.
زمجر بها كأسد جريح في كرامته، يكبح بصعوبة نفسه عن الفتك بهذا الرجل سليط اللسان، ويدعي عمه.

دلفت فتنة على اصوات الشجار، لتقف حاجزًا بين ابيها وزوجها كحمامة سلام ، تحاول فض الشجار بينهما؛

– صلوا على النبي يا جماعة، ايه اللي حصل بس؟ دا باين شيطان دخل ما بينكم، ابعد عن جوزب يا بوي ، دا جاي من السفر تعبان اساسًا، وانتي يا غازي، اخزي الشيطان، انت عارف عمك عصبي، بيطلع يطلع وينزل على مفيش

تراجع غازي، بغضب عاصف، يبتعد بخطره عن محيط هذا الرجل، والذي لم يكف عن الغمغمة بالكلمات الحانقة والغير مفهومة، مع ابنته التي كانت تحاول امتصاص غضبه بهدوء استعجب، له زوجها، والذي استدار عنها، ليلتف نحو شقيقته، التي التصق ظهرها بالحائط بزعر، ذكره وقت وفاة والدهما، حينما أصبحت فجأة يتيمة الأبوين، ضمها اليه وقت اذن يبث داخلها بعض الاطمئنان بقوله، انه اصبح لها بمثابة الاثنين، ابيها وولدتها، فكان دائما لها السند والأمان، لكن الاَن، كيف يفعلها، وقد وضعته بموقف لا يحسد عليه، كيف يضمها اليه، وقلبه يحمل جرحًا في كرامته؟ كيف له الاَن ان يسكت هذه الأصوات القبيحة والتي وجدت فرصتها اليوم بما حدث.

قطع الشرود منتبهًا على نداء ابنته الكبرى والتي كانت تهتف به:
– ابوي ابوي، جدي يامن وولده عارف جم برا وبيسألوا عليك، وجدتي فاطتة كمان جالتلي اندهلك يا جد سعيد .

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميراث الندم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى