روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل السابع عشر 17 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل السابع عشر 17 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء السابع عشر

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت السابع عشر

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة السابعة عشر

فتح جلال عيناه دفعة واحدة مفزوعًا على أثر صوت صفع الباب العنيف، غضن حاجبيه باستغراب وحيرة يتساءل عن هوية الشخص الذي كان بالغرفة وغادر وصفع الباب خلفه بهذه الطريقة الجنونية، لكنه لم يكترث للأمر كثيرًا وتجاهله ثم رفع يده وراح يمسح على وجهه وشعره متأففًا بهدوء ثم أخفض نظره لزوجته النائمة بين ذراعيه، تأملها للحظات بغرام وهي نائمة بعمق وملامحها الرقيقة ترسل لروحه الثائرة سكونًا وراحة لا يستطيع أحد أن يحققه غيرها، انحنى عليها ولثم جبهتها بلطف ثم ابتعد بوجهه وتمعن بها من جديد لكن ابتسامة وجهه اختفت حين تذكر ما فعلته ورغبتها بالانفصال عنه، ورغم كل هذا تأتي بمنتصف الليل وتدخل بين ذراعيه لتقضى الليل كله نائمة بأحضانه.. أصبح لا يستطيع فهمها، لكن ذلك ليس مبرر لهجرها له ولن يُنهي غضبه منها ولا حتى شعوره بالخذلان.
أبعد رأسها عن ذراعه برفق شديد ووضعها فوق الوسادة ثم ابتعد هو عنها بكل بطء إلى أن غادر الفراش كله واتجه نحو الحمام ليغتسل ويزيل بقايا النعاس والخمول عن وجهه وجسده، وبعد دقائق معدودة خرج وارتدى ملابسه وغادر الغرفة وتركها نائمة.
نزل الدرج وكان بطريقه لغرفة الجلوس الكبيرة لكي يتحدث مع جده لكن خرجت جليلة أمامه وأوقفته وهي تسأله بنظرات مشتعلة:
_ بت إبراهيم بتعمل إيه إهنه ياچلال؟!
تطلع لأمه بقوة ورفع حاجبه متعجبًا من سؤالها ثم قال:
_أنتي اللي دخلتي الأوضة علينا؟
أجابت جليلة بشدة وغضب:
_ دخلت عشان فاكرة ولدي وحده وكنت رايحة اصحيه بس لقيت ست الهانم نايمة في حضنه
اشتدت حدة نظراته وظهر الانزعاج على قسمات وجهه وهو يهتف:
_هي مش ست الهانم دي مرتي ولا إيه ياما!
رمقته جليلة باستهزاء وقال مستاءة:
_ ومرتك دي برضوا اللي سابتك وعاوزة تتطلق منك، إيه اللي چرالك ولا هي ضحكت عليك بكلمتين
مسح على وجهه متأففًا بغضب فحاول تمالك أعصابه حتى لا ينفعل على أمه وهم بالانصراف من أمامها لكنها اوقفته للمرة الثانية وهتفت بحزم:
_قولتلها أنك كلها أسبوع وتتچوز ولا لا كمان!
جلال بعصبية ولهجة تحذيرية:
_ لا مقولتلهاش ياما وأنتي مش هتقوليلها حاچة كمان
ضحكت بسخرية وردت:
_ إيه ناوي تداري عليها ومتقولهاش ولا تكونش هتتچوز في السر
زفر بصوت مرتفع في خنق وأردف في نفاذ صبر:
_ هقولها بس مش دلوك.. واطمني فريال نهت كل اللي بينا ومهما تعمل مش هعرف ارچع معاها كيف الأول
انهى عبارته واندفع من أمامها متجهًا نحو غرفة الجلوس ليتحدث مع حمزة، ورغم أنه تركها سعيدة ومطمئنة مما تفوه به إلا أنها لا تأمن فريال وحيلها في نيل رضاه مجددًا.
***
داخل منزل إبراهيم الصاوي تحديدًا بالمطبخ، كانت تقف آسيا وحيدة داخله وتقوم بتحضير الطعام رغم أنها وجدت صعوبة بالبداية في إيجاد مكونات الطعام المختلفة والخضروات والبهارات وقضت وقت طويل وهي تبحث عنهم بالمطبخ كله وعندما وجدتهم بدأت فورًا في تحضير الطعام، بعد مرور الوقت وهي منشغلة بالتحضير كانت تقريبًا انتهت وعلى وشك وضع الصحون فوق صينية الطعام وتأخذها وتصعد بها لغرفتها لكن دخول شخص من أكثر الأشخاص الذي لا تطيق تحمله وتشعر أنها ستنفجر من شدة الغيظ والخنق عندما تراه جعلها تتوقف للحظة وتتطلع إليه مطولًا بقوة بينما الأخرى فردت بكل برود وهي تبتسم:
_ كيفك يا آسيا؟
تجاهلت سؤالها وهزت رأسها بقرف دون أن تجيب عليها واستدارت بجسدها للصينية الصغيرة تهم بحملها لكنها اوقفتها بنبرتها الساخرة ولم تكن طبيعية كالسابقة أبدًا بل كانت حاقدة:
_عمران عمره ما كان هيوافق يتچوز واحدة كيفك وطالما هو اتچبر فقريب قوي هيطلقك وترچعي لناسك اللي رموكي
تحكمت آسيا في انفعالاتها بصعوبة وأظهرت البرود والثبات الأنفعالي ثم حملت الصينية وتقدمت نحوها لتقف أمامها مباشرة وتبتسم بخبث متمتمة في لهجة شيطانية متعمدة حرق روحها كما فعلت للتو:
_وماله يطلقني أنا معنديش مشكلة بس أنتي اللي صعبانة عليا عشان لا كان ليكي فرصة قبل ما يتچوزني ولا بعد ما يطلقني هيبقالك فرصة
احتقنت ملامح الأخرى فابتسمت آسيا بتشفي وتابعت بقسوة أشد:
_ياريتك تبقي كيف رحاب أختك.. أختك الصغيرة على وش چواز وأنتي لساتك قاعدة عشان حاطة في دماغك أنه هيچي يوم ويبصلك فيه، نصيحة الحقي اتچوزي احسن ما تفضلي قاعدة وتلاقي العمر چري بيكي وتبقي بايرة والناس مبترحمش في زمنا ده
القت عليها آسيا نظرة أخيرة كلها قوة قبل أن تبتعد وتغادر فقابلت فور خروجها من باب المطبخ عفاف التي نظرت للطعام الذي تحمله باستغراب وآسيا رمقتها بشر واستياء ثم أكملت طريقها تجاه الدرج تقصد الطابق الثاني حيث غرفتها.
وصلت أمام الباب فحملت الصينية على يد واحدة للحظة وبسرعة فتحت الباب بيدها الأخرى ثم دخلت واغلقته بقدمها في هدوء، وجدته يجلس فوق الفراش ويستند عليه بظهره للخلف ثم راح بتابعها بصمت وهي تسير نحوه حاملة الطعام، وعندما وصلت إليه انحنت ووضعت الطعام أمامه دون أن تتفوه بحرف واحد فلاحظت نظراته الغريبة لها، لم تكن غاضبة أو عادية حتى بل كانت محملة بعلامات الحيرة والتعجب ففهمت ما يدور بذهنه وقررت تصحيح ظنونه على الرغم ما أنها صحيحة لكنها هي التي تنكرها ولا تتقبلها فقالت بعنجهية:
_ أنا لو وافقت على اللي قولته قبل ما أنزل وأني هخدمك وعملتلك الوكل فده بس عشان أنا غلطانة صُح ولازم اتحمل نتيچة غلطي بس مش عشان أنا خايفة منك طبعًا
طالت نظرته الجامدة لها قبل أن يخفض رأسه تجاه الطعام ويبدأ في الاكل متمتمًا ببسمة ساخرة:
_ يعني أنتي مبتخافيش مني!
عقدت ذراعيها أسفل صدرها وردت في ثقة مزيفة وتيه:
_أنت شايف إيه يعني
نظر في عيناها بثبات وقال بهمسة تحمل بحة رجولية مربكة:
_ أنا شايف الكدب في عنيكي
اضطربت من رده وحين نظرت في عيناه الثاقية ومقلتيه السوداء بتدقيق توترت أكثر فاشاحت بوجهها عنه بسرعة لا تعرف أتتهرب من نظراته أم من نفسها؟!.. لكنها أبت حتى إظهار تأثرها به وخشيت أن يلاحظ هذا فتصرفت بطبيعية وكأنها لا تبالي به من الأساس واقتربت من الفراش تجلس على الحافة في الجهة المقابلة له، شعر هو أنها ليست طبيعية وأن هناك ما يزعجها أو يربكها لكنه لم يكترث لها كثيرًا وأكمل طعامه لكن لحظات قصيرة وتوقف مجددًا عندما لمح السلاح على الأرض بجانب الفراش، فالقى عليه نظرة مطولة ثم نظر لها في نظرة عابرة وانحنى من فوق الفراش يمد يده إلى الأرض ليلتقطه ويمسكه بيده هاتفًا:
_ده لساته مكانه من ليلة امبارح
نقلت عيناها بينه وبين السلاح وعندما تذكرت أن بداخله مازال يحمل رصاص ورأته وهو يمسكه بطريقة خطرة، زعرت وخشت أن يصيب نفسه مجددًا دون قصد فجذبته من يده بسرعة وقالت بصرامة:
_متمسكهوش لساته فيه رصاص
رأى أنها توجهه نحوه دون وعي منها بسبب توترها الملحوظ فمد يده لها وهو يهتف بغضب وحدة:
_بعديه من وشي إيه ناوية تچبيها في نفوخي المرة دي.. هاتي اللي في يدك ده واوعاكي تمسكي السلاح تاني
دهشت حين رأت نفسها توجهه صوبه بالفعل ولوهلة لم تفهم سبب تصرفاتها الساذجة والهوجاء هذه فهي لم تكن هكذا من قبل ابدًا، لكنها لم تجادل معه بكلمة واحدة واعطته له بكل طواعية وهدوء ليجذبه ويضعه فوق المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش إلى حين انتهائه من طعامه.
ظلت تتمعنه بشرود وهو يأكل وللحظة قذفت بذهنها عبارة بلال لها “بعد كل اللي عمله معاكي ده وعاوزة تقتليه”.. نزلت بنظرها لذراعه المصاب وتأملته بضيق ولوهلة صابتها وعزة ندم وخوف في صدرها عندما تخليت فكرة أذا اصابت الرصاصة مكان آخر بجسده.. وتحقق ما كانت تسعى له وقتلته، على الرغم من أنها كانت تريد فعلها وبشدة سابقًا لكن لسبب ما تغضب من نفسها على فعلتها الآن حتى أن الراحة تغمرها لأنه لم يمت.
فاقت على صوته وهو يسألها وسط تناوله للطعام:
_أنتي فطرتي ولا إيه؟!
اكتفت بهز رأسها بالنفي دون أن تتحدث فأجابها هو بجدية:
_طيب أمال قاعدة بتتفرچي عليا ليه!.. كُلي
أماءت له بالموافقة وتنهدت بعمق ثم بدأت تشاركه الطعام بعقل شارد وعينان ضائعة.. وبعد دقائق قصيرة انتهوا من فطورهم فاستقامت هي واقفة وحملت صينية الطعام وقادت خطواتها للخارج لكي تذهب بها للمطبخ وعادت له مجددًا فوجدته انتهى للتو من تناول دوائه ورجع بظهره للخلف لكي يرتاح لكنه امسك بذراعه فجأة متألمًا عندما حركه دون قصد فاقتربت منها وصعدت على الفراش بجواره ثم جذبت وسادة كبيرة وقالت له بأسلوب جديد عليها:
_حاول ترفع يدك براحة
رفعها ببطء منفذًا لما طلبته منه رغم أنه مندهش من تحولها الغريب، ثم وجدها تدس الوسادة أسفل يده هاتفة بنبرة صوت ناعمة تلقائية منها يسمعها للوهلة الأولى:
_خلي يدك إكده واسندها عليها هتريحك ومش هتحس بألم
همس لها بنظرة ثاقبة تضمر خلفها معاني وشكوك كثيرة:
_ رغم أني مش قادر استوعب بس اللي بتعمليه ده ملوش غير تفسير واحد وهو أنك ندمانة وحاسة بالذنب على اللي عملتيه
تطلعت له ولبشرة وجهه البرونزية المميزة مع لحيته وشارب وعيناه السوداء فتوترت للمرة الثانية فاستاءت وردت عليه بجفاء وخنق:
_ مش أنت قولت هتخدميني وأنا أهو بنفذ أوامرك وكلامك عاوز إيه عاد
ابتسم وتمتم بهدوء وهو يعتدل في جلسته قليلًا:
_ معاوزش حاچة، بس خليكي إكده علطول عاقلة وبتسمعي الكلام من غير عناد
لم تجيبه واكتفت بنظرتها الجامدة له قبل ان تستقيم واقفة وتتجه للحمام تاركة إياه يتساءل بحيرة حول أمرها المريب!!….
***
اندفعت جليلة تجاه غرفة ابنها تقصد فريال الموجودة بالداخل، ولم تتريث لتطرق الباب حتى بل فتحته على مصراعيه بعنف ودخلت فوجدت فريال تلف حجابها وكانت تنوي الخروج، لكنها توقفت عندما رأت حماتها وهي تنظر لها بشراسة ونارية ولم تلبث لتطرح عليها سؤال ماذا بها حتى وجدتها تثور عليها وتقبض على ذراعها بعنف صائحة بها:
_ بتعملي إيه إهنه؟
فزعت فريال من هجومها المفاجيء عليها فردت عليهل برقتها المعتادة وهي تنتشل ذراعها من قبضتها:
_چيت أشوف ولدي واطمن عليه.. بعدين ده لساته بيت چوزي
صرخت بها جليلة مستاءة:
_افتكرتي دلوك أنك متچوزة.. چلال خلاص معدش ليكي ومش هيرچعلك فاهمة ولا لا يابت إبراهيم
انفعلت فريال أخيرًا وهتفت بحدة على الرغم من أنها لا تستطيع مجابهة قسوة ولا شراسة جليلة:
_لا مفهماش وملكيش صالح بينا وبعدي عني واصل
استشاطت الأخرى واشتلعت بنيران الغيظ والغضب فراحت تصرخ بها بعصبية هستيريا:
_أنتي اتخبلتي في نفوخك هو إيه اللي مليش صالح ده ولدي.. فاكرة هسيبلك ولدي عشان تاخديه مني كمان وأنا مفضليش غيره.. أبوكي قتل چوزي وأخوكي ضحك على بتي وخلاها تسير معاه في طريق مفيوش منه رچعة وخدوتها مني هي كمان ودلوك فكرك هسيبلك چلال ده يبقى بتحلمي
كانت تتراجع فريال للخلف بقلق من هجوم وصراخ حماتها عليها ولم ينقذها منها سوى دخول جلال الذذي ركض نحو أمه وأمسك بها هاتفًا:
_ بتعملي إيه ياما؟!!
تطلعت بابنها في قوة وقالت ببأس:
_ بوعي مرتك وبقولها على الحقيقة اللي نسيتها.. ومتنساش أنت كمان أن دي هي اللي سابتك قصاد الكل وداست على كرامتك وادتك ضهرها
كان مندهشًا من انفعال أمه الشديد وكلامها لدرجة أنه وقف ساكنًا أمامها دون أن يتحدث وبعد رحيلها بلحظات كانت فريال تهم هي الأخرى بالانصراف في غضب وقهر لكنه قبض على ذراعها يوقفها بسؤاله القوي:
_ رايحة وين؟!
فريال بجفاء وثبات مزيف:
_ ماشية ياچلال
ضيق عيناه ورد ساخرًا بسخط:
_ هتمشي تاني يعني!
ردت عليه بصلابة وقسوة جسدتها بمهارة:
_ أنا مرچعتش عشان امشي من تاني أصلًا، أنا چيت عشان اشوف ولدي واطمن عليه بس
رغم كل ما فعلته وشعور الخذلان القاسي الذي سببته له إلا أنه كان يأمل أن يسمع منها ردًا يهدأ من نيرانه ولو قليلًا كان ينتظر أن يسمع قرار عودتها لمنزلها وكان على استعداد أن يلغي زواجه بلحظة غير مباليًا بأي شيء لكنها فعلت وخذلته للمرة الثانية.
لمعت عيناه بوميض يحمل الخزي والغضب الحقيقي:
_ولما أنتي مرچعتيش جيتي تنامي في حضني ليلة امبارح ليه!!
كانت سترد بكل عفوية وتقول بسبب شوقها له لكنها تذكرت ما قالته أمه للتو وماتعرضت له من إهانة على لسانها لتقول بخنق وبرود:
_حقك عليا ياچلال مكنتش اقصد.. غلطت يمكن مكنش لازم آچي من الأساس.. أنا هاخد ولادي عشان يقعدوا معايا كام يوم لغاية ما معاذ يخف وبعدين هخليهم يرچعوا تاني
وقف مصعوقًا أمام ردها واعتذارها منه وتلك الكلمة التي تفوهت بها أنها أخطأت ولم يكن عليها التصرف هكذا بل مجيئها لمنزلها من الأساس كان خطأ، هو حتى لم يعترض على رغبتها في أخذ أولاده لفترة قصيرة إلى حين تعافي ابنهم بسبب صدمته وتركها تغادر وتتركه كما هو دون حركة…..
***
استطاعت بصعوبة أن تهرب من تساؤلات عائلتها وخلقت كذبة لوالدتها تبرر بها سبب خروجها، وعلى حسن حظها أن أخيها وأبيها لم يكونوا بالمنزل وإلا لن يسمحوا لها بالخروج أبدًا إلا بعد تحقيق كامل عن أدق التفاصيل للمكان التي ستذهب إليه وما الذي ستفعله.
كانت تسير مع حبيبها بعدما اتفقوا على اللقاء وكان هو يأخذها ولا تعرف إلى أين وجهتهم حتى وصلوا أمام بناية مكونة من ثلاث طوابق رغم أنها لا تفهم السبب الذي دفعه لجلبه لها لهنا لكنها أكملت معه السير صامتة تنتظر منه توضيح وصعدت درجات السلم داخل البناية حتى الطابق الثالث حيث تقتن شقته لكنها عند هذه النقطة توقفت وسألته بتعجب وقلق:
_هو أنت چايبني إهنه ليه ياسمير؟
التفت لها واقترب منها يمسك بيدها ويهمس مبتسمًا:
_ قلقانة ليه ياحبيبتي هو أنا مش قولتلك مچهزلك مفاچأة
خلود بعدم فهم وحيرة:
_ طب وإيه علاقة المفاچأة بالشقة دي!
اتسعت ابتسامته أكثر وقال غامزًا بنظرات لامعة:
_الشقة دي هتكون شقتنا عشان إكده چبتك إهنه عشان تشوفيها
فغرت فمها بصدمة ونقلت نظرها بينه وبين باب الشقة في عدم استيعاب وسرعان ما ارتفعت البسمة فوق ثغرها وردت:
_ بتتكلم صُح يا سمير!!
أماء لها بالإيجاب وجذبها من يدها معه ثم وقف أمام الباب مباشرة ووضع المفتاح في القفل ثم فتحه ودخل هو أولًا وتبعته هي وفور دخولها راحت تتفحص المنزل بنظرها وهي تبتسم باتساع مندهشة بينما هو فأغلق الباب بهدوء واقترب منها ثم لف ذراعه حول كتفيها وضمها لصدره هاتفًا:
_ إيه رأيك في الشقة عاد
رغم أنها كانت صغيرة نسبيًا ولم يكن بها أي أثاث سوى أريكة متوسطة بمنتصف الصالة إلا أنها انبهرت بها فنظرت له وقالت بسعادة:
_ چميلة قوي
سار معها للداخل وهو يقول باسمًا:
_تعالي هفرچك على بقية الشقة
تجولت معه داخل المنزل المكون من ثلاث غرف وكانوا يخرجون من غرفة ويدخلون للأخرى وبالأخير تفقدوا كل من المطبخ والحمام وكانت هي في قمة سعادتها وشعورها بأنها داخل منزلها المستقبلي مع حبيبها كان شعور لا يضاهيه شيء آخر حتى أنها من فرط حماسها ارتمت عليه بتلقائية وعانقته وهي تهتف بفرحة:
_ البيت حلو قوي يا سمير وأنا فرحانة أنك چبتني إهنه وخليتني أشوفه ربنا يخليك ليا وعقبال ما نملاه مع بعض وعيالنا يرمحوا فيه
ضمها إليه أكثر مبتسمًا بلؤم يضمره خلف قناع الغرام والعاطفة الذي يرسمهم فوق صفحة وجهه وتمتم:
_ يارب ياروح قلبي قريب أن شاء الله
ابتعدت عنه بسرعة وطالعته بعينان لامعة كلها دهشة وفرحة:
_ صُح خلاص هتتقدملي؟
هز رأسه بالإيجاب وقال:
_ أيوة أنا مقدرش أعيش من غيرك بس لسا في كام حاچة معايا هظبطها وبعدين هاچي اتقدملك طوالي يعني قربنا.. بس لغاية الوقت ده إيه رأيك لو نتقابل إهنه علطول؟
تلاشت ابتسامتها وقالت بخوف بسيط:
_ بس أنا أخاف احسن حد يعرف حاجة وأني باچي إهنه معاك دول يقتلوني فيها ياسمير والله
حاوطها بذراعيه وقال بنبرة رجولية قوية تحمل الآمان كما تسميه هي:
_متقلقيش محدش هيعرف حاچة احنا إهنه محدش هيقدر يشوفنا لكن لما نتقابل برا وقتها ممكن حد يشوفنا صُح.. وحتى لو حد عرف أنا مش هسمح لحد يقربلك واصل ولا يأذيكي متخافيش
ابتسمت له بعشق وعينان تلمع بوميض العاطفة الجيَّاشة فبادلها هو الابتسامة المحبة وانحنى عليها يلثم وجنتها بعمق ثم ضمها لصدره يستمتعان معًا بلحظات محرمة منغمسين في ملذاتهم القذرة.
***
داخل منزل إبراهيم الصاوي…..
كانت إخلاص تقود خطواتها الثائرة تجاه غرفة عفاف تتوعد لها فنيران صدرها المتأججة لم تهدأ منذ مغادرتها لغرفة ابنها بعد شجارها مع آسيا وما قالته لها عن زوجها وزوجته جعلتها تمامًا كالبركان الذي يتوق للحظة المناسبة حتى ينفجر ويطلق حممه البركانية على الجميع.
فتحت الباب على مصراعيه ودخلت وهي ثائرة ثم اندفعت نحو عفاف التي انتفضت واقفة بفزع بعدما رأت اقتحامها المفاجئ ولم تمهلها اللحظة لتسألها أو حتى توبخها على دخولها بهذه الطريقة حيث صرخت بها إخلاص:
_ بقى أنتي بتحرضي چوزي عليا عشان يطلقني
سكنت عفاف مندهشة تفكر كيف عرفت بتلك الأمور وهي لم تتحدث بها مع أحد سوى مع زوجها وداخل غرفتهم أيضًا، لكن إخلاص دفعتها بيدها في عنف صارخة بها بكل شراسة:
_ فاكرة روحك مين ده أنتي خطافة رچالة.. أنتي وناسك مكنتوش لاقيين اللقمة ولفيتي على چوزي كيف الحية عشان يتچوزك
اغتاظت عفاف بشدة واشتعلت نظراتها بلهيب الغضب فصاحت بإخلاص في قرف:
_چوزك أتچوز عليكي وبص برا عشان أنتي مكنتيش مالية عينه ولا مكفياه ودلوك هيطلقك عشان معدش ليكي لزمة ولاقي الست اللي مريحاه
احتقن وجه إخلاص بالدماء واصبح لونه أحمر من فرط الغيظ حتى أنها فشلت في التحكم بانفعالاتها فغارت على الأخرى تجذبها من خصلات شعرها صارخة بها:
_لما تشوفي حلمة ودنك وقتها ده ممكن يحصل.. عاوزاه يطلقني وتخليه يكره عياله عشان يكتبلك أنتي وولدك كل حاچة بعدين.. يا**** ده أنا آخد روحك بيدي واخلص منك واصل
حاولت نزع شعرها من قبضة إخلاص لكنها فشلت فصرخت بصوت مرتفع تستنجد بزوجها:
_ يا إبراهيم الحقني.. إبراهيم إخلاص عاوز تقتلني
كان هو يجلس بالطابق الأرضي مع ابنه الصغير بلال لكنهم انتفضوا بزعر على أثر صراختها المستنجدة فوثبوا واقفين واسرعوا تجاه الدرج يقصدون الطابق الثاني.. كان الأقرب عمران الذي غرفته كانت بنفس الطابق وحين سمع الصراخ هب واقفًا بهلع واسرع للخارج شبه ركضًا بينما آسيا فابتسمت بخبث فور سماعها لصراخ عفاف وجذبت حجابها والقته فوق شعرها ثم لحقت بزوجها لتقف تمتع نظرها بذلك المشهد الجميل.
ركض عمران تجاه أمه حين وجدها قابضة على شعر زوجة أبيه بعنف تكاد تقتلعه بين أصابعها وسط صراخها بها، حاوط أمه بذراعيه وأبعدها عنوة عنها بعدما أفلت قبضتها وهو يصيح بغضب:
_إيه اللي بتعمليه ده ياما!
لم تكترث إخلاص لشيء وحتى وسط محاوطة ابنها لها كانت تنضج بالشراسة حيث رفعت سبابتها بوجه عفاف تهددها:
_صدقيني مش هسمي عليكي ياعفاف خليكي بعيدة عني وعن عيالي احسلك
وصل إبراهيم فوقف ونقل نظره بين زوجاته مصدومًا ثم صرخ بهم:
_ إيه اللي بيحصُل ده!
اقترب بلال من أمه التي كانت تبكي أمامهم بضعف مزيف وقلة حيلة ثم ضمها لصدره متمتمًا:
_في إيه ياما اهدي.. أنتي زينة؟
اشتعلت نظرات إبراهيم بالسخط الشديد عندما رأى حالة زوجته المزرية فنظر لإخلاص بحدة ثم اندفع نحوها وجذبها منذ بين ذراعين عمران يتجه بها نحو غرفتهم.. كان بلال يرمق زوجة أبيه بخنق وغيظ لكن تمالك انفعالاته ولم ينبت ببنت شفة كما هو الحال مع عمران الذي وقف مكانه مندهشًا مما يحدث أمامه وعيناه عالقة على غرفة والديه المغلقة.
على العكس تمامًا كانت السعادة والتشفي تلع بعين آسيا وهي تتطلع لعفاف.. كانت هي وحدها التي تتمكن من رؤية الزيف ودموع التماسيح التي تخدع بها الجميع وتنظر في عيناها بشيطانية في نظرات ثاقبة كلها وعيد ونقم، وتذكرت تلك الليلة التي كانت في طريقها للمطبخ بالأسفل ومرت من جانب غرفتها فسمعت حوارها مع إبراهيم….
كان إبراهيم يهتف بغضب:
_ اتچنيتي في نفوخك ياعفاف عاوزاني اطلق إخلاص
ردت الأخرى عليه بلؤم:
_لازم تطلقها صدقني لو إخلاص عرفت أنك أنت اللي قتلت خليل مش بعيد هي بنفسها اللي تسلمك لناس خليل صفوان
صاح بها بعصبية:
_بلاش تخرفي بالكلام باعفاف واعقلي كلامك زين.. بعدين هو مين اللي وزني وفضل ينخر في راسي ويسخن في ناري اكتر وخلاني اعمل إكده واقتل خليل.. مش أنتي برضك!َ
فاقت من شرودها على صوت عمران وهو يقول بلهجة صارمة:
_ يلا اتحركي
هزت رأسها له بالموافقة في صمت وأرسلت نظرة أخيرة لعفاف كانت مرعبة جعلت الأخرى ترتعد منها وهي لا تفهم سبب تلك النظرات المريبة، أما آسيا فتحركت وعادت لغرفتها ولحق بها عمران.
***
داخل غرفة إخلاص وإبراهيم…..
صاح بها منفعلًا:
_إيه اللي بتعمليه ده.. مش مكسوفة قصاد ولدك والعيال تعملي إكده وتصغري روحك
اقتربت منه إخلاص وابتسمت بمرارة تقول في حرقة:
_ إيه محموق عليها قوي ليه يا إبراهيم.. ولا أنت مبتستحملش الهوا على حبيبة قلبك
صرخ بها في غضب هادر ليعيدها لصوابها:
_ إخلاص
ضحكت ساخرة وتابعت بألم يظهر في نبرة صوتها لكن حاولت البقاء صامدة أمامه:
_ من اتنين وعشرين سنة لما عرفت أنك اتچوزت عليا وچبتهالي إهنه في البيت عشان تعيش معايا أنا كنت ومن كتر القهر والحزن سقطت وولدك ده كان راچل وعنده 11 سنة وفريال كانت خمس سنين واستحملت ومطلبتش الطلاق عشان عيالي وكملت معاك، عشان دلوك الاقيك أنت اللي عاوز تطلقني، يارتني أنا اللي عملتها يا إبراهيم من زمان.. أنا صغرت نفسي صُح بس لما سكت عشان عيالي واستحملت چوازك عليا
اتسعت عيناه بذهول وقال:
_ مين اللي قالك الكلام ده وطلاق إيه!
لم تجيبه وابتسمت باستهزاء وخزي فتابع هو بجدية وانزعاج:
_طلعي الوساوس دي من دماغك يا إخلاص ومتسمعيش لأي حاچة، أنا مش هطلقك ومش هيحصل أنتي ست البيت إهنه وأم عيالي، بلاش تعملي الحركات دي تاني ياغالية وتقللي من نفسك قصاد الكل
استدارت وولته ظهرها بعينان غارقة بالدموع بينما هو فتأفف بخنق واستدار ثم انصرف وتركها تبكي بصمت…
***
بتمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل داخل غرفة عمران…….
ذهب لساعات قليلة لكي يتفقد العمل وعاد مجددًا للمنزل، فتح باب غرفته ودخل ثم أغلق الباب خلفه مجددًا وتقدم نحو كبس الكهرباء ليشعل الإضاءة وعندما امتلأت الغرفة بالنور وقعت نظراته على الفراش فوجدها نائمة بثبات عميق، تنهد بقوة ثم توجه نحو الخزانة وأخرج ملابس له وبدأ في تبديل ملابسه رغم صعوبة الأمر بسبب إصابة ذراعه إلا أنه حاول بكل لطف لكنه أيضًا تألم عندما ضغط على جرحه وحرك ذراعه بعنف دون وعي منه.
انتهى أخيرًا بعد معاناة واقترب من الفراش ليتسطح بجسده فوقه بجوارها وكان على وشك أن يضع رأسه فوق الوسادة ليخلد للنوم لكنه تسمر عندما سمع همهمات غير مفهومة منها وكانت أصابع يدها تتحرك في حركة لا إرادية قوية أشبه بالارتجاف فاقترب منها وانحنى عليها يحاول فهم ما تتمتم به أثناء نومها ليسمعها تقول بنبرة صوت مرتعشة:
_بعدوا عني أنا معملتش حاچة
أخذت تردد تلك العبارة وعيناها تلقائيًا تذرف الدموع، لم ينتظر أكثر من ذلك خشية من أن يسوء وضعها حيث هتف بصوت رخيم:
_آسيا اصحى.. آسيا
لم تستيقظ فمد يده وهزها بلطف وسط همسه باسمها وهو يقول:
_ آســيـا فوقي!
فتحت عيناها دفعة واحدة وانتفضت جالسة مفزوعة وهي تتنفس بعنف كأنها كانت غارقة بأعماق البحر، ارتدت للخلف في الفراش مبتعدة عنه وهي ترتجف بخوف وعيناها تذرف الدموع بغزارة حتى امتلأ وجهها فلوهلة ظنته أحد أفراد عائلتها وأنها مازالت داخل كابوسها.
لم يتحرك أنشًا واحدًا وبقى ثابتًا بمكانه حتى لا يصيبها بالزعر أكثر وقال في خفوت:
_ أنا عمران اهدي
أدركت الوضع من حولها وأن ما عاشته للمرة الثانية منذ قليل كان كابوس، فأخذت عيناها تدور بحركة سريعة وضائعة في أرجاء الغرفة وعلى وجهه حتى انهارت قواها كلها فراحت تدفن وجهها بين راحت يديها تبكي بنحيب مرتفع وجسدها كله تعتليه نفضة عنيفة كل لحظة والأخرى، استغرق لحظة مندهش من حالتها ثم اقترب منها وملس على ذراعها بدفء غير مقصود هاتفًا:
_ده كابوس وراح لحاله خلاص اهدي محدش هيقدر يقربلك أنا چارك
رفعت وجهها الغارق بدموعها عن كفيها وطالعته بنظرة منكسرة وعاجزة، بلحظة انتابها شعور الاحتياج وصرخ عليها صوت بعقلها أن تفعلها دون تردد فوجدت نفسها منصاعة لا إراديًا خلف مشاعرها اللحظية وارتمت عليه تلف ذراعيها حول خصره وتدفن وجهها بين ثنايا صدره وهي تبكي بصمت.
لم تمهله اللحظة ليتعجب من تلك النظرات التي يراها لأول مرة بعيناها حتى وجدها تلقي بجسدها بين ذراعيه تعانقه بكامل رغبتها، استحوذ عليه السكون التام للحظات وهو يشعر بارتجاف جسدها بين ذراعيه فلوى شفتيه بقلة حيلة ولف ذراعه حولها وهو يمسح فوق ظهرها بلطف، ضغطت من دون وعي منها على ذراعه المصاب فسمعت تأوهًا بسيطًا مكتومًا منه، ابتعدت عنه بسرعة وهمست باعتذار وهي تتهرب بنظراتها منه بعدما أدركت فعلتها السخيفة:
_آسفة مكنتش اقصد
انحنى عليها ومد يده خلفها على المنضدة يلتقط كوب المياه ثم يعطيه لها هاتفًا:
_ خدي اشربي
اضطربت وتسارعت نبضات قلبها للحظة عندما وجدته ينحني عليه لكنها هدأت بعض الشيء بعدما أعطاها الماء والتقطته ثم شربت الكوب كله وهي تحاول التحكم بيدها المرتعشة، يكفي ما فعلته منذ قليل يبدو أنها فقدت عقلها تمامًا لكي تعانقه.
سمعته يسألها بملامح وجه حازمة:
_ شافوا الصور إزاي ناسك؟!
تركت كوب الماء من يدها ووضعته فوق المنضدة مجددًا وهي تهمس:
_خلود
اتسعت عيناه بصدمة ورد في نبرة رجولية غليظة:
_بت عمك هي اللي عملت كل ده
هزت رأسها بالإيجاب وهي تقول بابتسامة تنضج بالشر والوعيد:
_كانت عاوزة تأذيني بأي طريقة من كتر غيرتها مني وكرهها ليا، متعرفش أنها فتحت على روحها طاقة چهنم باللي عملته معايا
هتف بغضب ونظرات حادة:
_ ولما أنتي عارفة أن هي اللي عملت إكده ساكتة ليه لغاية دلوك ومقولتليش
ابتسمت وقالت ساخرة في نظرات شرسة تلمع بشرارة الانتقام:
_هتعملها إيه يعني ياعمران لو قولتلك، كنت قادرة أقول لناسي من قبل ما اتچوزك أن خلود هي اللي عملت إكده بس إذا كان محدش منهم صدقني وأنا بحلف وبترچاهم يصدقوني أني معملتش حاچة وده كدب.. هيصدقوني لما اقولهم خلود ورا الصور دي
صاح بعصبية وعينان بها نظرات مخيفة:
_ كنت هعمل كتير دي بت **** وكانت هتوقع رقاب بسببها وهتقوم حرب من تاني بينا.. كنت هخلي ناسك اللي سلموكي ليا وأنتي وشك كله ورمان ومتبهدل من كتر الضرب يربوا بتهم زين
ابتسمت وقالت بشيطانية وبرود غريب:
_أنت فاكرني نسيت وهسيب حقي.. تبقى متعرفنيش، قبل شوية قولتلك هي فتحت طاقة چهنم على روحها وناري هتاكلها
هتف بها بنبرة منذرة واستياء:
_أنتي متعمليش حاچة أنا عارف هعمل معاهم إيه زين
فغرت شفتيها بدهشة وسرعان ما التهبت نظراتها لتهتف:
_ملكش صالح ياعمران ده حقي أنا وأنا اللي هاخده منها
قال ساخرًا منفعلًا:
_حقك هتاخديه كيف.. هتروحي تقتليها هي كمان!!
احتقن وجهها بالدماء وصابت نبرة صوتها غصة مريرة وقالت تترجاه بجدية وصوت مقهور:
_عمران متخلنيش اندم أني قولتلك، متعملش حاچة وملكش صالح أنا هاخد حقي منها.. عاوزة ارد كرامتي وشرفي قصاد الكل واطفي النار اللي في قلبي ومتخافش مش هعمل حاچة تمسك، دي هتكون حرب بيني وبينها بس
سكن وطالت نظراته الصامتة لها وهو يفكر بتردد حتى تأفف بالأخير في نفاذ صبر وقال مستسلمًا لكن بنبرة محذرة ونظرة تعلم عواقبها جيدًا:
_كل حاچة هتعمليها هبقى على علم بيها ولو فكرتي تداري حاچة عليا ياويلك
تنهدت وهزت رأسها له بالموافقة مجبرة وهي تلوى فمها بضيق ولوهلة انتابها شعور الندم أنها أخبرته الآن……
***
بصباح اليوم التالي داخل غرفة فريال…..
دخلت إخلاص غرفة ابنتها فوجدت حفيدها الكبير معاذ يقود خطواته للخارج فانحنت عليه وقبلته من شعره ثم انتظرته حتى غادر ودخلت وأغلقت الباب ثم اقتربت من ابنتها وجلست بجوارها فوق الفراش تهتف بغضب:
_كنت بتعملي إيه عنده يافريال الليل كله وچيتي الصبح
ردت على أمها بهدوء غريب وجدية:
_ ولدي كان تعبان ياما اسيبه يعني واقعد إهنه روحت اشوفه واخدت الليلة هناك عشان مسبهوش لحاله وهو عيان بعدين أنا مكنتش مع حد غريب ده چوزي
صاحت بها إخلاص منفعلة:
_ چوزك مسألش عليكي من وقت ما چيتي إهنه حتى ما هان عليه ياچي ويحاول يرچعك ومش عاوز يديكي عيالك.. ومتنسيش كمان إنك هتطلقي منه
فريال برفض تام وشراسة:
_ أنا مش هطلق ياما وقولي لأبوي الكلام ده، أنا بحب چوزي ودي مشكلة بينا وهنحلها قريب
صاحت بابنتها في جفاء:
_ وأنا ملقيتش بتي في الشارع عشان اسيبها ترچع البيت ده تاني ومع چليلة ولا چوزك اللي مش فارقة معاه، خلاص يافريال انسي چلال واعتبريه صفحة واتقفلت
اتسعت عيني فريال بصدمة من كلمات أمها وقسوتها في الحديث معها وكادت أن تجيب عليها لكن انفتح الباب وظهرت آسيا التي توقفت ونقلت نظرها بينهم بصمت وببعض الإحراج المزيف أنها قطعت حديثهم لكنها كانت متعمدة ولم يكن دون قصد منها.
رمقتها إخلاص بنظرة نارية وصاحت بها:
_ بتعملي إيه إهنه وداخلة من غير ما تخبطي ليه
بدت آسيا هادئة وهي تتطلع بحماتها في ثبات انفعالي مستفز وسط بسمتها الصفراء فردت فريال على أمها خنقها:
_ياما خلاص اطلعي وسيبني أنا مش قادرة اكمل كلام معاكي في الحديت ده تاني
نظرت إخلاص لابنتها بغيظ ثم استقامت واقفة واندفعت للخارج بعدما نظرت لزوجة ابنها في قرف، فتنهدت آسيا ودخلت ثم أغلقت الباب ونظرت لفريال تقول مبتسمة:
_مفيش شكرًا أني نقذتك
ضحكت فريال مغلوبة وردت مبتسمة:
_خير يا آسيا ياترى المرة دي چاية تطلبي إيه؟
فهمت ما ترمي إليه وأنها تذكرها بآخر مرة كانت بغرفتها وتطلب منها ادوات التجميل لتخفي آثار التورم في وجهها بسبب خوفها من عمران، فزفرت آسيا باسمة وهي تهز رأسها بخنق ثم ردت بجدية:
_چيت اطمن على معاذ
فريال بنبرة عادية ورقيقة:
_ الحمدلله بقى احسن ولسا يدوب خرچ نزل يقعد مع چده تحت وعمار في المدرسة
هزت رأسها بتفهم وراحة تلوح بشائرها على ملامحها ثم استدارت وكانت ستهم بالانصراف مجددًا لكن فريال اوقفتها هاتفة:
_ تعالي اقعدي يا آسيا عاوزة اتكلم معاكي
التفتت لها وضيقت عيناها بحيرة ثم اقتربت وجلست على حافة الفراش بجوارها وتطلعتها بصمت تنتظر منها أن تبدأ في حديثها وما تريد التحدث عنه معها، فقالت فريال بنظرة ثاقبة وجادة:
_أمك كانت بتقول عمران ضحك عليكي وأنتي مشيتي وراه وكلام غريب إكده، كانت تقصد إيه؟!
استحوذ الصمت المرير على آسيا وراحت تتطلع في وجه فريال مبتسمة بخزي لتقول:
_ هي قالتلك إكده!!
امسكت فريال بيد آسيا في لطف وقالت بنبرة وديعة وصادقة:
_ قوليلي إيه اللي حُصل واوعدك مش هقول حاچة يا آسيا فهميني بس إيه اللي بيحُصل
تنهدت آسيا وقالت بخفوت:
_ أخوكي هو اللي مش عاوز حد يعرف يعني لو قولتلك متچبيش سيرة لحد واصل في البيت عشان محدش يعرف غير أبوكي وبلال
رغم أن القلق تسرب لصدر فريال إلا أنها هزت رأسها بالموافقة عدة مرات متتالية وبنظرات قوية، ثم أخذت تستمع لسرد آسيا وهي تخبرها بما حدث وبأمر الصور وكيف انتهي المطاف بها زوجة لأخيها.
بقت فريال في حالة صدمة بعدما انتهت آسيا من الحديث وظلت تحدق بها بعدم استيعاب حتى قالت في غضب حقيقي:
_وهما كيف صدقوا الكلام الفارغ ده وچلال كيف صدقه.. دي حاچة متدخلش العقل من الأساس لا عمران ولا أنتي تعملوا حاچة كيف إكده
طالت نظرات آسيا الموجوعة لفريال وهي تتمعنها ببسمة مريرة وعينان دامعة حتى قالت بالأخير في قهر وهي تضحك وسط دموعها:
_أنتي الوحيدة اللي تقولي الكلام ده يافريال محدش صدقني ولا وقف چاري، كنت مستنية واحد بس منهم ينصرني ويقول لا آسيا متعملش إكده بس كلهم صدقوا
لانت نظرات فريال واشفقت عليها عندما شعرت بألمها وحرقة قلبها الحقيقية فاقتربت منها وضمتها لصدرها تربت على ظهرها بلطف متمتمة في خنق:
_ وشك اللي كان ورمان وكله أزرق هما اللي عملوا فيك إكده صُح؟
اكتفت آسيا بهز رأسها بالإيجاب دون أن تقوي على التحدث فابعدتها فريال عنها وقالت بنقم:
_ خلود اللي عملتها ؟!
جففت آسيا دموعها وسألتها بتعجب:
_ عرفتي كيف؟
فريال بقرف:
_ مفيش غيرها هي وأمها اللي يعملوا الحركة القذرة دي
كادت أن تجيب آسيا عليها لكن قطع حديثهم صوت طرق الباب المصحوب بصوت بلال وهو يقول:
_ فريال
استقامت آسيا واقفة وهي ترمق فريال مبتسمة بامتنان بين فريال فقالت بجدية ودفء:
_ شوية هبقى أچيلك الأوضة ونكمل كلامنا
اماءت لها بالموافقة واتجهت نحو الباب ثم فتحته، ارتد بلال للخلف يفسح لها الطريق عندما رأى زوجة أخيه تخرج من غرفة أخته وكان يغضن حاجبيه بحيرة أما آسيا فلم تنظر له حتى ومرت من جانبه تقود خطواتها نحو غرفتها.
***
فتحت باب غرفتها ودخلت فوجدته يقف ويحاول ارتداء ملابسه لكي يذهب للعمل لكن كان يجد صعوبة بسبب يده المصابة، فبقت مكانها تتابعه بصمت وألف صوت بعقلها يدور حول هل تقترب وتساعده أم لا، رغم أن جانب من قلبها يصرخ أن تفعل لكنها أبت ورفضت استسلامها وخنوعها أمامه.
وبينما كانت منشغلة بصراعتها الداخلية وهي شاردة انتشلها هو بصوته المنزعج وهو يقول بلهجة آمرة:
_ تعالي ساعديني بدل ما أنتي واقفة تتفرچي إكده.. مش أنتي السبب في اللي أنا فيه ده
رغم فظاظة وقسوة كلماته وأسلوبه التي لو كانت بموقف ووقت آخر ربما كانت انزعجت منها ونشب شجار بينهم الآن، لكنها لم تكترث لأي شيء وعلى العكس تمامًا شعرت ببعض السعادة الداخلية وكأنها وجدت الحجة لتساعده وأن الأمر صدر منه هو ولن تستطيع عصيان أوامره، لن تشعر بتأنيب الضمير فهو من أجبرها وأمر!..
تقدمت نحوه بهدوء ووقفت أمامه ورغم فرق الطول بينهم إلا أنها حاولت مساعدته برفق وهي تقول بعنجهية وبرود تتعمد إثارة غضبه:
_أنت لو مكنتش حاولت تقربلي مكنتش هعمل إكده
أدرك حيلتها الذكية ولم يناولها مبتغاها حيث رد عليها باستهزاء وخبت:
_اللي شايفه أن انتي اللي بتقربي مني مش أنا، لما نمتي على كتفي ولما شيلتك ولقيتك بتنامي في حضني ومرتاحة ولما كنتي على السلم وسندتك وأنتي دخلتي بين ايديا وكنت في حضني وامبارح لما حضنتيني
كان هو يرتدي ملابسه بمساعدتها أثناء حديثه وهي لا تتطلع له فقط تقوم بمهتمها وهي تشتعل من الغيظ ورغم ارتباكها وخجلها من الحقيقة التي صفعها بها بوجهها وهو أنه بدأ يلقي بتعويذته عليها والسحر انقلب على الساحر إلا أنها لم تظهرها له وعند آخر عباراته كانت هي على وشك الانتهاء فقالت مغتاظة:
_كل دول أنا كنت تعبانة ومكنتش في وعي وأنت استغليت الفرصة يامستغل
رأته يضحك بقوة في سخرية واضحة فاشتعلت من الغيظ أكثر وراحت عن عمد وهي تساعده في ارتداء آخر ذراع من العباءة وهو ذراعه المصاب وضغطت عليه بغيظ فاصدر هو تأوهًا أشبه بزئير الأسد ثم وجدها تتطلع بعيناه في شراسة وهي تهندم له ملابسه بلطف وتربت فوق صدره متمتمة:
_ بالشفا يامعلم
ثم ابتعدت عنه وهمت بالاستدارة لكنه قبض على ذراعه باستياء وجذبها إليه لتصطدم بصدره وكانت تحلق في السماء حولهم بشائر شجار تقليدي إلا أن طرق الباب جعلها تبتسم له ببرود وتنزع قبضته عن ذراعها متمتمة بكل رقة لا تناسب الأجواء المشتعلة أبدًا:
_ هروح افتح
كان يشتعل غيظًا منها لكنه تمالك انفعالاته وتصنع الهدوء ينتظر ليرى هوية الطارق، وقفت آسيا أمام الباب وفتحته لتقابل أمامها تلك الفتاة التي لا تطيقها وهي شقيقة رحاب أي ابنة عمته الكبيرة والتي خاضت معها بصباح الأمس حرب باردة داخل المطبخ، وحين أخفضت نظرها قليلًا سقطت عيناها على صينية الطعام التي تحملها فوق يديها وفوقها أصناف مختلفة من الطعام الشهي، فعادت آسيا بنظرها لوجهها وطالعتها بابتسامة مستنكرة لا تفهم سبب قدومها لغرفتها بهذا الطعام لتقول لها بامتعاض ونبرة تحمل السخرية وهي تحاول الابتسام:
_ليه تعبتي روحك أنا مش چعانة وكنت هنزل افطر تحت معاكم
ردت الأخرى عليها في لؤم وازدراء وهي تبتسم بغنج:
_ لا الوكل ده مش ليكي يا آسيا.. ده لعمران أنا عملته بيدي عشانه

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى