رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الثامن 8 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الثامن
رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الثامن
رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الثامنة
أخذت عيني جلال تتمعن الصور وأصبعه يقلب بينهم بصدمة .. يدقق النظر بالهاتف املًا في أن يكون ما يراه ليس حقيقيًا أو أن تلك الفتاة ليست شقيقته ولكن ليته كان كذلك بالفعل، غلت الدماء في عروقه وأظلمت عيناه بشكل مخيف حتى أن وجهه تلون للأحمر القاتم وباتت هيئته كشبح مرعب تقذف الهلع في قلوب اعتى الرجال .
وثب واقفًا وصرخ بخلود هاتفًا :
_ إيه ده !!
رغم توترها من صرخته بها إلا أنها استمرت في كذبتها بمهارة وهي تتصنع الأسف :
_ ده من يومين أنا طلعت اشتري كام حاچة وشوفتهم بالصدفة وهما إكده وكان كلامهم يعني مينفعش يتقال
صرخت جليلة وهي تلطم فوق صدرها بهلع وعينان دامعة بينما منصور فاستقام ثائرًا يصرخ بعصبية مخيفة :
_ ده آخرة الچلع چابتلنا العار وحطت راسنا في الطين .. وينها الفاچرة دي !
اشارت خلود بأصبعها للأعلى هافتة بجدية محاولة إخفاء شعورها بالنشوة والتشفي :
_ في اوضتها يابوي فوق
كان لجلال السبق بينهم حيث اندفع للأعلى لها كالثور الهائج الذي لا يرى شيء أمامه سوى فعلة شقيقته الدنيئة وتلك الصور وهي بين أحضان عمران ويقبلها .
كانت آسيا قد انتهت للتو من تبديل ملابسها وتهم بجمع خصلات شعرها بمشبك لكن صوت دفع الباب العنيف وكأنه تهشم جعلها ترتد للخلف بزعر وفور رؤيتها لمنظهر أخيها تجمدت بأرضها وهتفت بارتباك :
_ في إيه !!
لم تكن تملك الفرصة حتى لتحاول الفرار منهم وإذا بها وجدته ينقض عليها دون شفقة موجهًا لها الصفعات والضربات وسط صرخاتها ومحاولاتها للفرار من جموحه القاتل، جذبها من خصلات شعرها بقوة كادت أن تقتلعه من جذوره بين يديه وهو يصرخ بصوت نفضها :
_ يافاچرة يا**** .. وصل بيكي الفُچر لكدا .. هاقتلك يا آسيا
رغم أنها لا تفهم شيء لكنها حاولت الدفاع عن نفسها وسط بكائها وصراخها من فرط الألم :
_ أنا معملتش حاچة والله يا جلال
عاد يوجه لها صفعاته من جديد ليبعده عمها وينظر لها بخزي وأخذ هو أيضًا يفرغ بها شحنة غضب المكتظة وهي بين يديهم تصرخ رافعة يديها أمام وجهها محاولة تفادي عنفهم تجاهها وإتهامهم لها بشيء لم ترتكبه فراحت تصرخ بصوت يكاد يخرج بصعوبة :
_ حرام عليكم أنا معملتش حاچة
اقتربت منها زوجة عمها ورفعت شاشة الهاتف أمام وجهها هاتفة :
_ وإكده برضوا لسا معملتيش حاچة !!
نظرت في الصور بذهول ووجه غارق في الدموع ثم صاحت بالنفي وهي تهز رأسها بعدم استيعاب أن تلك الصور الخليعة لها :
_ لا دي مش أنا والله العظيم ما أنا .. أنا معملش إكده
باغتها جلال بصفعة ابرحتها أرضًا ثم انحنى عليها وصرخ وهو يجذبها من شعرها :
_ لساتك بتكدبي قالك إيه خلاكي تمشي وراه يا**** هااا
ثم هتف بصوت منخفض لم يسمعه سواهم :
_ مرضيش يتچوزك بعد ما غلطتي معاه وعشان إكده حاولتي تقتليه مش عشان تار أبوكي ولا حاجة يافاچرة .. هقتلك إنتي وهو يا آسيا
هزت رأسها له بالنفي وهي تبكي بنحيب مسموع وتتوسله بنظراتها أن يصدقها .. ولكن الغضب استحوذه بالكامل وعيناه لم تعد ترى شيء أمامه حتى أنه نسى أنها شقيقته الغالية وغار عليها كالوحش المفترس يوجه لها الصفعات والضربات دون رحمة وبالكاد بصعوبة أبعدته زوجة عمه عنها قبل أن يقتلها بين يديه .
كانت ملقية على الأرض منكمشة على نفسها كالجنين تبكي بألم، جسدها ينتفض نفضًا ووجهها تورم من كثر الصفعات والضرب الذي تلقته، رفعت رأسها بصعوبة والقت نظرة عليهم لتجد النظرات المشمئزة والقاتلة تتوسط عيناهم.. غضبهم مازال لم يهدأ ويقفون يتأبهون للتكملة عليها حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة، بحثت بعيناهم عن أي حب أو رحمة كما اعتادت لم تجد وكأنهم ليسوا عائلتها .. ومع ذلك لم تستسلم وقررت المحاولة مرة أخرى والدفاع عن نفسها .
تحاملت على قدميها التي لم تعد قادرة على حملها ووقفت ثم تقدمت نحو جدها الذي يقف صامتًا يحدقها بخزي وغضب وحين وقفت أمامه قالت باكية :
_ چدي أنت اللي مربيني ومتصدقش إني اعمل حاچة غلط كيف إكده صُح .. قولهم إني مظلومة ومعملتش حاچة
كانت تنتظر منه القليل من الحنان ولكنه خيب ظنها ووجدت صفعة من يده تهوى فوق وجنتها بقوة .. حتى هو لم يصدقها مثلهم والغضب سيطر على قلوبهم وعيناهم .. نظرت له بضعف وحزن ثم التفتت تجاه أمها التي تبكي مثلها وتقدمت منها تتوسلها بعيناها الغارقة بالدموع أن تنصفها هي من بينهم :
_ أما ابوس يدك صدقيني أنا معملتش حاچة .. ده أنا بتك معقول تـ….
قاطعتها جليلة صارخة بها وسط بكائها :
_ اكتمي أنا مليش بنات .. بتي ماتت
اتسعت عيناها بدهشة من إجابة أمها وأخذت عيناها تذرف الدموع بغزارة في صمت .. ودون وعي منها أخذت قدماها تعود للخلف وهي تنقل نظرها بينهم بقهر وخزي .. لأول مرة بحياتها تشعر بالضعف والعجز كما هي الآن، ربما صدمتها بعائلتها كانت اقوى وأشد من الألم الذي يجتاح جسدها ووجها الآن .. توقفت قدماها حين اصطدمت بالحائط من خلفها ودموعها مستمرة في الانهمار بصمت .
جذبت إنصاف زوجها من ذراعه هاتفة بهدوء محاولة ابعادهم عنها :
_ تعالى يامنصور خلاص بزيادة اللي عملتوه فيها سيبوها
خرج منصور مع زوجته حتى يهدأ قليلًا من انفعاله قبل أن يقتل ابنة أخيه وتبعهم أمها ومن بعدها جدها وبالأخير كانت خلود التي كانت تنظر لها باسمة بتشفي وغل .. ليبقى فقط جلال الذي استمر يحدق بها بنظراته المميتة في خزي وهتف بكلمات نابعة من صميمه :
_ هي دي نتيچة حبنا ليكي .. إنك تچيبي العار لينا ولنفسك .. يمكن من رحمة ربنا أن أبوي مات ومشافش فضيحة بته .. من إهنه ورايح تنسي إن ليكي أخ وأنا معدش ليا أخوات بنات
القى عباراته القاسية واستدار ليغادر ويتركها جامدة مكانها دون حركة كجسد بلا روح .. ودموعها تؤدي وظيفتها في ذرف الدموع دون أي تعابير وجه ! .
***
داخل الجامعة …..
كانت تجلس بنفس المكان الذي تقابلا به المرة السابقة كما اتفقا، وتتلفت برأسها حولها بكل الاتجاهات بحثًا عنه لتتأكد إذا جاء أم لم يصل بعد، تارة تتفقد ساعة يدها حتى لا تفوتها محاضرة الساعة تسعة وتارة تنظر بهاتفه الذي بيدها وتعود تبحث عنه حولها، وأخيرًا لمحته يسير تجاه موقعها من بعيد فاستقامت واقفة وهي تتنفس الصعداء بارتباك بسيط، تتابعه بعيناها وهو يقترب منها ويتنقل بنظره بين الفتيات الجالسين أسفل المظلة يحاول تخمين أي واحدة منهم .. لكن فور وصوله وجدها تشير له بيدها فرمقها للحظة بصمت ثم تقدم نحوها ليقف أمامها مباشرة هاتفًا :
_ أنتي اللي رديتي عليا على التلفون ؟!
اماءت له بالإيجاب وهي تبتسم بإحراج لطيف :
_ آه أنا .. أنت امبارح قومت ونسيته وأنا حاولت الحقك عشان ادهولك بس ركبت العربية وملحقتكش
انهت عباراتها ومدت يدها له بهاتفه هامسة بابتسامة :
_ اتفضل
ابتسم لها بامتنان وتمتم بلطف :
_ متشكر جدًا .. تعبتك معايا معلش
هزت رأسها بالنفي باسمة بكل رقة وقالت :
_ العفو.. مفيش تعب ولا حاجة
لوهلة شعرت بالتوتر وقالت مبتسمة وهي تشير بأصبعها تجاه مبني الكلية متلعثمة دون وعي لما تتفوه به :
_ طـ..ب أنا همشي عشان المحاضرة .. تشرفت بعرفتك
غضن حاجبيه متعجبًا على جملتها الأخيرة وقال بابتسامة عذبة :
_ أنا كمان !
لكنه لم يكن ليكمل عبارته ووجدها تفر من أمامه بسرعة وحين التفت خلفه وجد صديقتها تقترب عليها وهي تهتف :
_ حور .. إيه ده كله يابنتي لقيتي الولد صاحب التلفون ولا لسا ؟
رمقتها حور بحدة ونهي لكي تتوقف عن الحديث واسرعت لها ثم جذبتها من ذراعها معها والتفتت برأسها تجاه بلال وأرسلت له بسمة عابرة خجلة ثم أشاحت بوجهها مجددًا وسحبت صديقتها معها وهم يسيرون إلى الداخل وكان واضح عليها أنها توبخها ! .
بينما هو فبقي مكانه يتابعهم بنظره متعجبًا من تلك الفتاة ولم يسعه بالنهاية سوى الضحك .. ثم اخفض نظره لهاتفه ووضعه بجيب بنطاله واستدار عائدًا لبوابة الجامعة لكي يغادر.
***
منذ أن وصلت لمنزل والدها بالأمس وهي تجلس حبيسة غرفتها لم تخرج منها.. غارقة بأحزانها وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع، من يراها بحالتها هذه يظن أن زوجها هو الذي هجرها وليست هي .
رغم عشقها وقلبها المتيم به إلا أنها لم تتمكن من رؤية زوجها وعائلتها يتصارعون، تركته أملًا في أن يعدل عن الانتقام والثأر من أجلها هي وأطفالهم، لكنه طعن قلبها بسكين مسموم حين سمعته يأمر أبيها أن يأخذها ويذهب ولم يسمح لها بأخذ أولادها معها .
نظرات النقم والخزي في عيناه لن تنساها لو بعد مائة سنة .. لأول مرة تشعر أنها لا تهمه ولا يريدها.. لم يخبرها بذلك ولكن نظراته القت ذلك الشعور بقلبها ومزقتها أربًا.
تعترف ولن تنكر أبدًا أنها لا تطيق الابتعاد عنه ليوم واحد، وهاهي تشتاق له وتتخبط بثنايا غرفتها من ألمها .. تتمنى لو يأتي الآن ويأخذها رغمًا عنها ويعود بها لمنزلهم.. ولكن هيهات فهو لن يفعلها ابدًا بعدما تركته بكامل إرادتها، النظرات التي استقرت بعيناه كانت تخبرها أنها اختارت وهو لن يردعها عن اختيارها وسيترك الأيام لكي تثبت لها خطأها وتعود له نادمة ! .
انفتح الباب وظهرت من خلفه إخلاص التي كانت تحمل الطعام واقتربت من ابنتها لتجلس بجوارها وتضع صينية الطعام أمامها هامسة :
_ كلي لقمة يابتي .. إنتي ملكتيش حاچة من امبارح !
هزت رأسها بالرفض وهي ترفع اناملها تجفف دموعها :
_ مليش نفس ياما
تنهدت إخلاص بقوة وقالت مغلوبة بضيق :
_ بزيادة عاد يافريال هتفضلي إكده لغاية ميتا يابتي .. إنتي عملتي الصح قعادك في بيتهم لغاية دلوك بعد كل اللي حُصل ده كان غلط من الأساس وكان لازم تطلقي منه من بدري
رمقت أمها بانزعاج وقالت بعينان دامعة :
_ ياما چلال چوزي وأبو عيالي وأنا بحبه كنتي عاوزاني اسيبه كيف !
قال إخلاص بغضب ساخرة :
_ جوزك وأبو عيالك !! .. اللي مرضيش يديكي عيالك امبارح وقالك هتمشي يبقى تمشي وحدك صُح ولا لا ؟!!
أجفلت فريال نظرها بحزن وقالت محاولة الدفاع عنه :
_ لا هو قال إكده عشان كان متعصب .. لكن ميقدرش يبعدني عن عيالي أنا عارفة چلال وهو هيبعتهم ليا بعدين
ابتسمت أمها وقالت مستهزئة بغضب :
_ لساتك بتدافعي عنه ومش عاوزة تصدقي أنه هو وناسه شياطين وكانوا عاوزين يقتلوا أبوكي وأخوكي وهما ملهمش ذنب في اللي حُصل لخليل
قالت مسرعة بألم رافضة تصديق أي سوء عنه :
_ لا چلال مش وحش ياما والله .. هو بيعمل إكده عشان فاكر أن أبوي هو اللي قتل عمي خليل .. لكن مسيره يعرف الحقيقة وأنه غلطان
هبت إخلاص واقفة وصاحت بها منفعلة :
_ خلص الكلام يافريال وكل حاچة خلصت .. أبوكي مصمم أن يطلقك منه
اتسعت عيني فريال بصدمة وقالت مسرعة رافضة وبخوف :
_ بس أنا مش عاوزة اتطلق ياما !!
إخلاص بقسوة وغضب :
_ هو ده الصح لا أنا ولا أبوكي هنرچعوكي بيت خليل صفوان تاني خلاص .. معدتش هطمن عليكي وأنتي وسط الشياطين دول ووسط چليلة وبتها الحرباية .. هتطلقي منه يا فريال
كانت تستمع لكلمات أمها بعينان متسعة فاغرة فمها .. وأخذت دموعها تأخذ طريقها لوجنتيها بغزارة.. أصابتها وغزة مؤلمة في قلبها من مجرد فكرة الأنفصال عنه للأبد ! .
***
يقود جلال خطواته السريعة ثائرًا تجاه مخزن ابراهيم الصاوي بعدما عرف أن عمران هناك وكان خلفه كل من عمه وجده .. هم الثلاثة ينون الثأر لشرفهم الذي لطخته ابنتهم مع ابن إبراهيم .
دفع جلال باب المخزن بكل قوته ودخل ليجد عمران يجلس مع والده ويتحدثون .. تلاقت نظراتهم المتعجبة مع نظرات رجال عائلة خليل النارية وبالأخص جلال الذي يثبتها على عمران وبظرف لحظة اندفع نحوه ثائرة ووجه له لكمة عنيفة اختل توازنه على أثرها وكاد أن يسقط لولا أنه تدراك نفسه بسرعة في الأخيرة ليلقي نظرة مميتة على جلال الذي لم يمهله الفرصة وعاد يوجه له لكمة أخرى صارخًا :
_ كان لازم اقتلك أنت وأبوك من بدري قبل ما تضحك على اختي يا****
صاح إبراهيم بعصبية بعدما وجد هجوم جلال على ابنه :
_ اتچنيت في عقلك ولا إيه ياچلال
انتصب عمران في وقفته ورفع انامله لفمه يمسح الدماء التي سالت منه ثم القى عليهم نظرة قالتة لا تبشر بالخير ابدًا بل بدا وكأنه هدوء ما قبل العاصفة .. بينما حمزة فصاح بصوته الرجولي الخشن وهو يندفع نحو إبراهيم صائحًا :
_ ودع ولدك يا إبراهيم عشان مهتشفهوش تاني
نقل إبراهيم نظره بينهم بدهشة وقلق بسيط لكن سرعان ما أشار بيده من الخلف للشاب الذي يعمل عندهم إشارة لم يهمها سواه .. أخرج منصور سلاحه من جيبه واندفع نحو عمران يرفع سلاحه ويصوبه تجاه رأسه مباشرة هاتفًا :
_ اتشاهد على روحك ياواد الصاوي
رمقه عمران بنظرة مرعبة وثاقبة وبحركة مباغتة جذب السلاح من يده وصوبه تجاه رأسه هاتفًا بنظرة شيطانية :
_ وأنا عندي استعداد افرغ الطبنچة دي في نفوخك يامنصور
استشاط جلال وأصبح كالوحش المفترس وكان على وشك أن يندفع هو تجاه عمران لكي يأخذ روحه بيده وينتقم لولده وشرف عائلته لكنه تصلب حين شعر بسلاح يلمس رأسه من الخلف واستدار ليجد شابين أحدهم يوجه السلاح تجاه رأسه والآخر تجاه رأس جده ! .. وفجأة دوى صوت طلق ناري من سلاح إبراهيم بالهواء وهو يهتف :
_ چايين ترفعوا السلاح عليا أنا وولدي !
رمقه حمزة بعين نارية وقال :
_ أنت وولدك بتلعبوا في عداد عمركم معانا وقريب قوي هنعرفوكم مين عيلة خليلة صفوان يا إبراهيم .. ولدك غلط مع بتنا وحقنا وشرفنا هناخده
ضيق إبراهيم عيناه باستغراب لكن عمران كان جامدًا كأنه لا يهتم للأمر من الأساس .. لكن جلال القى عليه نظرة متوعدة واقترب منه يهمس بوعيد حقيقي :
_ موتك هيكون على يدي ياعمران قريب .. شرفنا اللي لطخته أنت وهي هتدفع تمنه غالي قوي
القى حمزة نظرة على هؤلاء الشباب وعلى عمران وإبراهيم ثم صاح بالأخير في غضب :
_ منصور .. چلال يلا
ثم نظر لابراهيم ورفع سبابته بوجهه هاتفًأ بلهجة لا تحمل المزاح كلها وعيد :
_ خليك فاكر زين أن كيف ما الحرب بدأت من عندك يا ابراهيم الصاوي هتنتهي عندك
انهى عبارته واستدار ليغادر ولحق به منصور الذي كانت نظراته كلها وعيد شيطاني لابراهيم على عكس جلال الذي نظراته كانت موجهة لعمران قبل أن يستدير ويغادر هو الآخر خلف عمه وجده ! .
***
بعد نصف ساعة تقريبًا من رحيل رجال عائلة صفوان …..
اقتحم بلال باب المخزن واندفع نحو أخيه يهتف بجدية :
_ عــمــران !!!
قطع حديثه مع أبيه الذي كان حول ما حدث منذ نصف ساعة والتفت تجاه أخيه الذي وقف أمامه ومد يده له بالهاتف يقول بصدمة وغضب :
_ إيه ده ياخوي ؟!
نقل عمران نظره بين الهاتف وبين نظرات أخيه الغاضبة .. ثم جذب الهاتف من يده وتطلع بشاشته ليرى صورته مع آسيا .. احتقنت نظراته بالغضب ثم راح يقلب بين بقية الصور بذهول، فقد أدرك للتو سبب هجوم جلال وعائلته وتهديدهم له بالقتل .
نقل إبراهيم نظره بين ولديه بعدم فهم ثم جذب الهاتف من يد عمران بقوة لينظر إلى ما يتطلع إليه .. فتصيبه الصدمة وهو يقلب بين الصور والتهبت نظراته ليصيح بعدها بابنه :
_ إيه ده ياعمران !
هتف بلال موضحًا بانزعاج كامل :
_ الصور دي وصلتلي من رقم غريب معرفهوش ولما رنيت عليه كان مقفول .. اللي في الصور ده صُح ياعمران ؟!!
صاح عمران بانفعال شديد وهو يثب واقفًا :
_ لا مش صُح طبعًا .. مفيش حاچة بيني وبينها ده في حد ابـ***** عامل الصور دي
صاح إبراهيم بعصبية وعدم استعياب :
_ مش صُح كيف يعني واللي شايفينه قصاد عيونا في الصور ده إيه .. واللي عملوه ناسها من شوية اتاريهم عشان إكده كانوا بيقولوا مسألة شرف
رمق عمران أبيه بقوة وقال بصوت رجولي مخيف :
_ قولتلك يابوي معرِفش حاچة أنا كِيفكم اول مرة اشوف الصور دي .. بعدين مش ولدك اللي يروح يغلط في الحرام مع واحدة ومع بت خليل صفوان كمان
قال بلال بنظرة مشتعلة :
_ ومين له يد يعمل إكده يعني ؟!
سكت عمران وراح يمسح على رأسه نزولًأ إلى وجهه وهو يزفر النيران من بين شفتيه .. وتذكر مقابلته لها يبدو أن أحدهم كان يتعقبهم والتقط لهم هذه الصور.. لو علم هوية ذلك الشخص سيأخذ روحه بيده !
استقام إبراهيم واقفًا وهتف بلهجة حازمة لابنه :
_ عمران قول الحقيقة ياولدي .. ده مش شرف ناس خليل صفوان بس لا ده شرفنا واللي هيمسهم هيمسنا .. چلال مش هيسكت
اظلمت عيني عمران وصرخ بصوت جهوري :
_ چرا إيه يابوي هو أنا هكدب عليك يعني .. قولتلك معرفش حاچة وأنت عارف زين إني مبخفش ولو عملتها هقول قصاد الكل
القى نظرة متفحصة على ابنه فهو كما قال لا يخشى شيء وليس من شيمه الكذب ابدًا، وإذا قال أنه لم يفعل إذًا هو لم يفعلها حقًا .. لكنهم جميعًا تبادلوا النظرات بينهم بحيرة يفكرون فيما سيفعلون بتلك الكارثة ! .
***
أصبحت الساعة السادسة مساءًا ومازالت كما هي بأرضها منذ الصباح بنفس المكان الذي تلقت فيه عقاب على ذنب لم تقترفه من أخيها وعمها .. وجهها تتوزع فيه كدمات خفيفة من أثر الضرب وشفتيها متورمة .. لكن كل هذا الألم لم يكن شيء أمام جروح قلبها بعدما رآت الجميع ضدها ولم يخرج شخص واحد من بينهم لينصفها ويقول أنا أصدقها .. جميعهم كانوا جلادين وهي مجرمة وتستحق الموت .. نظرات الاحتقار الذي كانت بعيناهم قتلتها ألف مرة ، وغضب أخيها وتهديده لها بأنه سيقتلها ليثأر لشرفهم الذي لطخته جعلها ترغب بقتل نفسها قبلهم .
قضت النهارد كله تبكي وتناجي ربها أن يخرجها من ذلك الوحل الذي سقطت فيه ظلمًا .. وكلما تتذكر أبيها يزداد نحيبها فلو كان موجود لما سمح لهم وكان سيقف كالسد المنيع بظهرها ليحميها من الجميع .
بينما في الخارج فتسللت خلود لغرفة آسيا خلسة بعدما نجحت في سرق مفتاح غرفتها دون أن يلاحظها أحد وفتحت الباب ثم دخلت لها بسرعة وأغلقت الباب خلفها .. نظرت وابتسمت بتشفي حين رآتها تجلس على الأرض منكمشة وضامة قدميها لصدرها وتحتضنهم بذراعيها وهي تحدق في الفراغ بصمت كالصنم الذي لا روح فيه، ضعفها وعجزها أصابها بالانتشاء أنها أخيرًا انتقمت منها لما سببته من قهر وذل وإهانة تعرضت له من عائلتها بسببها ! .
لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها واختفت حين رآت آسيا ترفع رأسها وتنظر لها بنظرة سرت رعشة عنيفة على أثرها بجسدها .. كانت تمامًا كالشبح الذي عاد للحياة لكي ينتقم .
وبكامل التريث استقامت واقفة على قدميها وتقدمت نحو خلود التي كانت تحاول إخفاء خوفها منها والبقاء صامدة .. لكن آسيا كانت مرعبة بشكل لا يوصف وعيناها ثاقبة عليها دون أن ترمش وفور وصولها لها وقفت أمامها وطالعتها للحظات قصيرة .. قبل أن تدفعها بكامل قوتها لتسقط خلود على الأرض وتصطدم رأسها بخشب الفراش فتصرخ بألم ولم تمهلها آسيا اللحظة لكي تتألم حتى بل غارت عليها وجذبتها من شعرها تهتف لها بفحيح مرعب ووعيد :
_ ورحمة أبويا لأدفعك تمن اللي عملتيه ده .. مبقاش بنت خليل صفوان أما خليتك تتمني الموت كيفي دلوك ألف مرة ياخلود
صاحت بها خلود في ألم :
_ ده لو لحقتي تعملي حاچة أساسًا ومقتلوكيش بعد اللي عملتيه
ابتسمت آسيا بشر وقالت بنظرة تسبح في الجحيم :
_ لو مُت هكون أنا العفريت اللي هيلازمك أنتي وصاحية ونايمة
ظهر الرعب على وجه خلود بوضوح ودفعت آسيا بعيدًا عنها بعنف ثم استقامت واقفة وهرولت مغادرة غرفتها غير مكترثة لجرح رأسها والدماء التي تسيل منه ! .
***
فتح جلال باب غرفته ودخل ثم دفع الباب خلفه برفق لينغلق .. قاد خطواته تجاه الفراش يجلس فوقه ثم انحنى مستندًا بمرفقيه فوق قدميه دافنًأ وجهه بين راحتي يديه .. يشعر بقلبه ينسحق تحت الألم والغضب، كل المصائب سقطت تباعًا فوق رأسه دون أن تمهله الفرصة ليتدراكها .. فتركته محصور بينهم لا يعرف للنجاة طريق، هل عليه أن ينشغل بكارثة شقيقته أم يفكر فيما سيفعله مع زوجته التي هجرته، تركته الحوادث القاسية على حافة الهاوية وأن سقط فسيكون مصيره أما الموت أو الجنون .
تلفت حوله في الغرفة الفارغة من زوجته وحبيبته فتلألأت عيناه بالعبرات .. كانت ملجأه الوحيد الذي يلوذ إليه كلما ضاقت عليه الحياة لكنها تخلت عنه وفضلت شقيقها الذي لطخ شرفهم وشرف شقيقته وأبيها الذي قتل والده .
ارتفع صوت طرق الباب الهاديء المصحوب بصوت معاذ وهو يقول :
_ أبوي ندخل ؟!
اسرع ورفع أنامله يمسح عيناه من الدموع ليخرج صوته قويًا على عكس داخله :
_ تعالى
فتح الباب ودخل وكان خلفه أخيه الصغير الذي اسرع وجلس بجوار أبيه يطالعه مطولًا بحزن وانضم له أخيه الكبير وهو يجلس على الجانب الآخر يسأل بضيق :
_ أبوي هي أمي راحت عند بيت چدي إبراهيم ليه ؟!
دار برأسه بين ولديه يطالعهم بحنو ثم قال في هدوء :
_ أمكم هتقعد في بيت چدكم
سأل عمار بدهشة وحزن :
_ هتقعد لغاية ميتا ؟
زم جلال شفتيه بجهل وهتف :
_ معرِفش ياولدي
معاذ بعدم فهم وشجن :
_ طب هي ليه سابت بيتنا وراحت هناك ؟!
تنفس الصعداء بخنق وهتف دون أن يفصح بالحقيقة لطفليه :
_ مضايقة مني عشان إكده راحت تقعد في بيت چدكم
ظهر العبوس واليأس على وجهي الطفلين فابتسم لهم وقال بترقب يسأل ابنه الأكبر :
_ عاوز تروح تقعد مع أمك يا معاذ ؟
هز رأسه بالنفي وأجاب على أبيه في ثبات :
_ لا يابوي أنا مبحبش اقعد في بيت چدي إبراهيم .. أنا هقعد في بيتنا إهنه لغاية ما أمي ترجع
لمعت عيني جلال بدفء وسعادة من كلمات ابنه ثم انحنى عليه وقبَّل شعره هامسًا بفخر :
_ راچل من ضهر راچل يا ولدي .. الراچل الصُح ميسبش بيته ويروح يقعد في مكان تاني
ثم ابتعد عن معاذ والتفت تجاه عمار يسأله بكامل الحنو :
_ وأنت ياعمار عاوز تروح ولا لا ؟
كانت إجابته مشابهة لأخيه حيث قال رافضًا :
_ لا هقعد معاك أنت ومعاذ يابوي وبكرا هنروح لأمي وهنخليها ترچع معانا بيتنا
ابتسم لهم بحب أبوي صادق وانحنى على ابنه يضمه ويقبله هاتفًا في صوت يحمل بحة رجولية حزينة :
_ أنتوا ضهري وسندي في الدنيا دي .. لما اقع هلاقي ولادي رچالة تسندني من تاني عشان اقف
قال معاذ بلهجة لا تناسب طفل ابدًا بل كلها قوة وحب عميق لأبيه :
_ ربنا يخليك لينا يابوي
ابتسم له وضمه هو الآخر لصدره يقبله ثم قال بنبرة جادة يوجه حديثه لكلاهما :
_ بكرا الصبح روحوا لأمكم اطمنوا عليها واقعدوا معاها شوية وشوفوها لو محتاچة حاچة
قال معاذا موافقًا يمتثل لأوامر أبيه :
_ حاضر يابوي
***
داخل غرفة الصالون الكبيرة بمنزل إبراهيم الصاوي ….
كان عمران يجلس مع أبيه بمفرده الذي هتف في انزعاج تام :
_ والعمل دلوك ياعمران هنعملوا إيه ؟!
مسح على وجهه وهو يتأفف بقوة يقول بغيظ محاولًا تمالك أعصابه :
_ معرفش يا ابوي سيبني افكر شوية واشوف هنعملوا إيه .. أنا دماغي هتنفچر من وقت ما شوفت الصور دي
صاح ابراهيم بغضب :
_ مفيش وقت للتفكير، لو الصور دي وقعت في يد حد .. الفضيحة هتطولنا احنا كمان .. وچلال مهيسكتش وممكن يحاول يقتلك صُح كيف ما هددك
هز رأسه بالنفي غير مهتمًا بتهديدات جلال له فهو لا يخشاه .. فقط يخشى أن تنتشر تلك الصور بين الناس، حيث قال بحدة :
_ مفيش حل غير إننا نعرف مين اللي عمل الصور دي
سكت إبراهيم للحظات يفكر بذكاء فيما يجول برأسه حتى حسم قراره وقال بصرامة :
_ أو في حل تاني اسرع واضمن عشان نضمن أن محدش من عيلة خليل صفوان يحاول يأذيك ولا فضيحة تطولنا .. بدل ما نستني لغاية ما نعرف مين اللي عمل إكده
ضيق عيناه بحيرة واعطي كامل انتباهه لأبيه حيث سأله بفضول :
_ حل إيه ده ؟!
هتف إبراهيم بثبات ونظرة ثاقبة :
_ تتچوزها !
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)