روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الثاني والأربعون

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني والأربعون

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الثانية والأربعون

ظلت تراقب نظراته المندهشة وتسمره مكانه دون حركة، فقط يستمر في تمعنها صامتًا، لم تتحدث والتزمت السكوت لبرهة من الوقت تنتظره أن يعود لطبيعته لكنه كما هو، فابتسمت رغمًا عنها ورفعت حاجبها بلؤم تسأله:
_مالك واقف إكده ليه؟!
على أثر عبارته بدأت تعابير وجهه تتغير ونظراته تصبح تفحصية أكثر من أنها معجبة، بينما هي فكانت تستمر في التحديق به في خبث وثقة.
رأى في عيناها التحدي، ترتدي الثوب الذي يحبه عنادًا وتحديًا وكأنها تخبره بكل وضوح قاومني أن استطعت، فمال بوجهه للجانب بعيدًا عنها وابتسم رغمًا عنه لكن بظرف لحظة كان يستعيد جفاء ملامحه ويتصرف ببرود مزيف رغم أن داخله يشتعل بنيران الرغبة، رمقها بطرف عيناه في عدم مبالاة ثم اتجه لغرفته بالداخل لتتحول هي لجمرة مشتعلة بعدما شهدت على تجاهله لها رغم ما تفعله.
كانت تصر على أسنانها بغيظ ووجها كله تلون بالأحمر القاتم من فرط استياءها، لكن العناد جعلها تتعهد لنفسها بأنها لن تتذوق مرار الهزيمة مجددًا والليلة ستنهي ذلك الخصام، مهما تطلب الأمر لفعله ستفعل بلا تردد.
هبت واقفة وتحركت ببطء نحو الغرفة وفور دخولها وجدته يبدل ملابسه فاقتربت منه ووقفت خلفه مباشرة تسأله في دلال أنثوي:
_احضرلك العشاء؟
رد عليها بجمود دون أن يلتفت لها:
_لا اكلت برا
اشتعلت غيظًا أكثر وبسرعة أسرعت وتحركت لتصبح أمام وجهه وهي تسأله بعين تطلق شرارات الشر:
_اكلت وين.. أنت متچوز عليا ياعمران؟!
كان يوليها ظهرها متعمدًا حتى لا ينظر لها ويفقد صموده المزيف، وعندما وقفت أمامه بمنظرها المثير ذلك، غرق داخل جمالها مجددًا ودون وعي كان يتأمل ملابسها بإعجاب شديد غير عابئًا بما تتهمه به الآن، بينما هي فكررت سؤالها له منفعلة وقد نسيت هدفها تمامًا وأنها بدأت تصيب منتصفه بالفعل:
_كلت وين ياعمران؟
اشاح بوجهه عنها وهو يزفر بخنق محاولًا كبح ذلك الصوت المزعج في عقله الذي يصرخ عليه أن الفرصة وصلت له على طبق من الذهب، سيكون من الأفضل له أن يتوقف عن ذلك الغضب السخيف ويستغل الفرصة حتى لا يجتاحه الندم لاحقًا.
سمعت آسيا همسه المختنق متحاشيًا النظر لها:
_بعدي من قصاد وشي
رفعت حاجبها بتعجب لكن سرعان ما عادت لطبيعتها وابتسمت بغرور وسعادة بعدما أدركت تأثيرها عليه، فتحركت عمدًا ووقفت أمام وجهها مرة أخرى هامسة ببراءة مزيفة:
_ليه ابعد؟!
رفع يده يمسح على وجهه متأففًا في انزعاج حقيقي ثم نظر لها بقوة وهتف:
_من غير ليه وغيري اللي لابساه ده مش هتأثري عليا بيه عشان تصالحيني
اتسعت ابتسامتها المتلذذة حتى ملأت وجهها كله، وكانت عينيها تخلع بوميض الانتصار والعاطفة حتى وجدها تقترب منه أكثر وترفع كفيها تحتضن بهم وجهه من وجنتيه وتهمس في غنج مفعم بالأنوثة سلب ما كان متبقي له من عقله ويحاول الحفاظ عليه:
_طب ما أنا أثرت فيك يامعلم صُح ولا أنت مش شايف روحك!
نبرتها ونظراتها ولمساتها الناعمة، الثلاثة كانوا أكثر من اللازم عليه، حيث سكن تمامًا وغاص داخل سحر عينيها، أما هي فرأته هادئًا وقد تحول الغضب لهيام وشعرت به يذوب تمامًا بين يديها، فاستغلت فرصة غيابه عن الوعي وابعدت كفيها عن وجنتيه ثم لفتهم حول رقبته ومالت عليه تعانقه وهي تدفن رقبتها بين ثنايا رقبته تطلق أنفاسها الدافئة لتضرب بشرته الخشنة فتزيد من ذوبانه وانهياره التام أمام جمالها الصارخ ورغبته وأعجابه بها، ثم همست في أذنه بصوت منخفض ورقيق:
_مش كفاية عاد ولا إيه يامعلم، ميبقاش قلبك قاسي قوي إكده
اغمض عينيها بقوة يتمالك سيل مشاعره الجارف، لكنه فشل وانهزم أمامه للحظة حيث رفع ذراعه يلفه حول خصرها ويضمها إليه أكثر بإحكام حتى يتأكد من عدم ابتعادها مجددًا، ويهمس لها بلوعة وصوت ذائب:
_أنتي بتعملي إيه!!!
ابتسمت بحب وابعدت رأسها عن رقبته لتنظر لوجهه وهي تجيبه بملاطفة جميلة:
_بصالحك!
خرج صوته المنصهر ونظراته الهائمة:
_قصدك بتسحريلي!
قهقهت بدلال ثم زمت شفتيها للأمام وردت بثقة:
_وإيه المشكلة.. طالما النتيچة هتكون واحدة فمفيهاش حاچة لما اسحرك بچمالي
نظراته الرجولية الثاقبة كانت الأكثر خطورة من محاولاتها في نيل رضاه، وكانت تخشى من نفسها أن تسقط بين ذراعيه مستسلمة وهي تستمر في أغراقه بعبارات العشق والهيام، كلاهما يلعبان على نقاط الضعف وهاهو بدأ يشن هجومه المفضل حيث رفع يده وبأناملها بداية من شعرها يمر بلمساته الخطرة على طول وجهها حتى وصل لذقنها فأغلقت عيناها وللحظة ظنت أن الثانية في طريقها، لكنه انحنى وطبع قبلة دافئة على وجنتها وهمس في أذنها بحنو ونبرة لا تبدو غاضبة:
_مش هنكر واقول أنك مش بتسحريني ياغزال.. أنتي بتسرقي عقلي مني كيف ما عملتي دلوك وبتخليني مش على بعضي كيف المراهقين، بس اللي أنتي عملتيه مكنش غلط عادي واللي قولتيه ضايقني أكتر، اعتبري غضبي دلوك معدش موچود بس لساتني مضايق منك
ظهر العبوس واليأس على ملامحها وهي تسأله في ضيق:
_شوفت أنك طلعت قاسي اكتر مني ومش قادر تسامحني رغم أني ندمت وعرفت غلطي وبحاول اعتذر منك بكل الطرق
ابتسم في دفء لكن سرعان ما لمعت عيناه بوميض جريء وراح يضغط بذراعه على خصرها أكثر ويهمس في أذنها مجددًا ضاحكًا:
_صدقيني أنتي لو فضلتي قصادي بالبتاع اللي لابساه ده ثانية كمان هتقولي ياريتني ما صالحتك
اتسعت عيناها بصدمة وابتعدت عنه بسرعة في خجل وهي تبتسم وتقول بخفوت واستسلام:
_لا وعلى إيه يعني احنا هنهرب من بعض وين مسيرك هتنسى ومش هيبقى في ضيق ولا زعل بينا أن شاء الله
اتسعت بسمة ثغره أكثر وانحنى عليها يلثم جبهتها متمتمًا في خبث:
_بظبط هنهرب من بعض وين يعني!
انهى عبارته وسار مبتعدًا تجاه الحمام وهو يهتف بجدية:
_بكرا معزوم على فرح واحد صاحبي لو حابة تروحي معايا ابقي چهزي نفسك
ضيقت عيناها باستغراب لكن سرعان ارتفعت بسمة النصر والفرحة لوجهها فور اختفائه داخل الحمام، وتحركت باتجاه المرآة تتأمل مظهرها الأنثوي في ثقة وتقول ضاحكة بمرح:
_طلعتي مش ساهلة صُح يابت يا آسيا!
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي…..
فتحت عفاف عيناها من النوم على صوت رنين الهاتف الصاخب، التفتت حولها تبحث بنظرها عن مكان الهاتف فالتقطه نظرها على المنضدة المجاورة لفراشهم وقد كان هاتف ابراهيم فمدت يدها وجذبته تنوي إغلاقه لكنها رأت اسم المتصل بحرفين فقط، رفعت أناملها تفرك عيناها تزيح الخمول المسيطر عليها وهي تغضن حاجبيها في حيرة، عندما التفتت بجوارها في الفراش لم تجد ابراهيم، بدلًا من أن تغلق الهاتف أجابت على المتصل إرضاء لفضولها وهي تهتف:
_الو
التزمت داليا الصمت ولم تكن تعرف هل هي زوجته الأولى أم الثانية، كانت تستمع لها وهب تستمر في تكرار كلمة ” الو ” وتطلب من المتصل التحدث لكن الصمت كان الرد الوحيد، لكن فجأة سمعت عفاف الرد من داليا وهي ترد عليها بقوة:
_ابراهيم فين؟
اتسعت عيني عفاف واشتعلت بنيران الغضب عندما اتضح لها أنها امرأة وتسأل عن زوجها بكل ثقة، فصاحت به في سخط:
_مين أنتي وبتسألي على چوزي ليه؟!
كان الغضب قد تملك داليا أيضًا ولذلك تعمدت الرد على زوجته عنادًا به فهي لن تستمر في المعاناة وحدها هي وابنتها وهو يستمر في الكذب واخفائهم عن عائلته.
ردت على عفاف بلهجة حادة:
_شكله مش فاضي لما يفضى خليه يرجع يكلمني ضروري وابقي أسأليه أنا مين وهو هيرد عليكي
كانت ستصرخ عفاف منفعلة بها لكن صوت ابراهيم من خلفها وهو يسألها بحزم:
_بتكلمي مين ياعفاف
انزلت الهاتف من على أذنها والتفتت له تصرخ بعصبية وعينان ملتهبة:
_أنت اللي المفروض تقولي.. مين البحراوية دي اللي متصلة بيك في نصاص الليالي وبتسأل عليك
احتقن وجه ابراهيم غيظًا عندما فهم أن زوجته على الهاتف ويبدو أنها تعمدت إثارة الجدل والشك بمكالمتها لعفاف، فاندفع نحو عفاف وجذب الهاتف من يدها بعنف ثم أغلق الاتصال ونظر لها بغضب يهتف:
_وطي حسك ياولية چرا نسيتي روحك ولا إيه!
هبت عفاف واقفة وهي تصيح به منفعلة:
_آه نسيتها يا ابراهيم وهاخد روحك بيدي لو طلعت بتخوني صُح
صرخ بها بصوتها الرجولي الغليظ منفعلًا:
_أخونك إيه أنتي اتخبلتي في نافوخك ولا إيه.. اوزني كلامك الأول قبل ما تقوليه
عقدت ذراعيها أسفل صدرها وهتفت بنبرة مرتفعة وهي تغلي من فرط الغيظ:
_لما مش بتخوني تبقى مين دي و ليه بتسأل عنك وبتتصل في الوقت ده!!
هدأت حدة ملامح ابراهيم وظهر الهدوء المريب عليه وهو يفكر في رد مناسب دون أن يخبرها بالحقيقة ثم قال بعد برهة من الوقت في ثبات انفعال تام وغريب:
_دي بت عمي اللي في القاهرة وحكيتلك عنها إني بساعدها في علاج ولدها العيان
ضحكت عفاف بسخرية وقالت في عدم اقتناع وعصبية أشد:
_هو أنت شايفني غبية يا ابراهيم ولا إيه عشان تضحك عليا بالكلمتين دول
وجدته يحدثها بسكون تام وهدوء أعصاب جعلها تستغربه فقد بدا لها وكأنه واثق من نفسه تمامًا وأنه على حق ولا يفعل شيء خطأ.
لم تصدقه لكنها تابعت بعصبية شديد ونبرة صوت منفخضة قليلًا عن السابق:
_وهي بت عمك دي تتصل في الليالي إكده عليك وتقولي اسأليه هو أنا مين
ابتعد ابراهيم عن نظر عفاف وسار لخطواته تجاه الحمام وهو يقول ببرود مريبة ومستفز:
_تلاقيها خافت من صوتك وزعيقك فيها
عفاف بانفعال هادر ونظرات تضمر السر في ثناياه:
_ابراهيم أنا مش مصدقاك ولا مصدقة الحكاية الفارغة اللي بتقولها دي
توقف عند باب الحمام والتفت لها يرمقها في غضب ويقول بلهجة صارمة كلها ثقة:
_عنك ما صدقتي أنا قولتلك الحقيقة ومين دي.. عاوزة تصدقي صدقي مش عاوزة عنك ما صدقتي، انا مش هخاف من الحريم عشان اكذب لو بخونك هقولك طوالي واخبطي راسك في اتخن حيطة
انهى عبارته القاسية وهو يفتح الباب ويدخل الحمام ثم يغلق الباب خلفه ويترك عفاف تحدق في أثره بصدمة واستياء شديد وسط همسها المتوعد له:
_ماشي يا ابراهيم أنا هعرف إذا كنت بتخوني صُح ولا لا ولو طلع شكي في محله يبقى اترحم على نفسك
بينما على الجانب الآخر كانت داليا تجلس على فراشها وتحدق في شاشة هاتفها بغضب حقيقي ويزداد سخطها كلما تتذكر أنه انهى الاتصال دون اكتراث بها وربما الآن يكون يهدأ زوجته ويغمرها بحبه وحنانه ويختلق المزيد من الأكاذيب عليها حتى لا يكشف حقيقة زواجه عليها، فاحترق صدرها من الغيرة والحقد وتوعدت له هذه المرة بأنها تلتزم الصمت أكثر من ذلك.
***
بمدينة العين السخنة……
منذ أكثر من ساعتين حتى الآن منذ خروجه من المنزل ولم يعد، كان غاضب ومنزعج عندما غادر بعد حديثهم الأخير، تحاول الاتصال به لكن دون رد فانقبض قلبها رعبًا وقلقًا عليه من أن يكون قد صابه مكروه بالخارج أو مرض مجددًا بسبب غضبه الشديد، ظلت تلوم نفسها وتحملها ذنب ما حدث وما يحدث الآن فإن صابه شيء مرة أخرى ستكون هي السبب هذه المرة.
كانت تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وبيدها الهاتف تتفقد الساعة كل لحظة وتحاول الاتصال به لكن النتيجة تكون كما هي بعدم الرد، امتلأت عيناها بالدموع خوفًا وانهمرت عبراتها غزيرة فوق وجنتيها دون أن تتوقف عن تعنيف نفسها، لكن فجأة انتفض جسدها وانتبهت جميع حواسها على أثر صوت الباب، فاندفعت للخارج شبه ركضًا لكي تراه ووجدته دخل المنزل وبدأ في نزع حذائه عنه، عندما رفع نظره ورآها تقف على مسافة بعيدة نسبيًا منه وتتمعنه بعتاب ووجه غارق بالدموع، غضن حاجبيه وجبهته متعجبًا واتجه نحوها بسرعة يسألها في فزع:
_مالك يافريال في حاچة حُصلت وأنا مش قاعد ولا إيه؟
أجابته بسؤال ليس له علاقة بسؤاله:
_أنت كنت وين؟
ضيق عينيه بحيرة ثم رد بهدوء:
_كنت مخنوق ونزلت اتمشى شوية
انهمرت دموعها فوق وجنتيها مجددًا وهي تسأله بغضب بسيط:
_ومش بترد على تلفونك ليه؟!
فهم أن بكائها سببه قلقها وخوفها عليه فقط ولا يوجد سبب آخر، فابتسم بحب وفرحة داخلية ثم فرد ذراعيه ولفهم حولها لكي يضمها لصدرها ويتمتم في خفوت جميل:
_كان صامت ومسمعتهوش.. أنا كويس متبكيش.. أنتي قلقتي عليا للدرچة دي
استنشقت رائحته الرجولية بهيام شديد وأردفت في صوت يغلبه البكاء:
_أنت طلعت من غير ما تقولي وكمان لما سبتك كنت متعصب فخوفت تكون تعبت وأنت برا ولما فضلت ارن عليك ومرديتش خوفت اكتر
زادت ابتسامته اتساعًا وانحنى على رأسها يلثم شعرها بعدة قبلات متتالية هامسًا:
_أنا مفيش حاچة تعباني غيرك يافريالي لو رضيتي عني أنا هرچع كيف الحصان تاني والله
ابتعدت من بين ذراعيه وطالعته بنظرة دافئة لا تحمل الكره والنفور الذي اعتاد أن يراه داخل عينيها، مما جعل قلبه يتراقص فرحًا وأملًا فقط من مجرد نظره رغم أن لم تتحدث ولم تجيبه لكن اللمعة التي ظهرت في عينيه كانت تتحدث شعوره في تلك اللحظة وقال لها مبتسمًا في لهجة مازحة حتى يخرجها من أجواء القلق والحزن:
_عملتي الرز بلبن؟!
ضحكت رغمًا عنها وهزت رأسها له بالإيجاب ثم تمتمت تشاركه المزاح:
_امممم تحب اچبلك تاكل منه.. طعمه حلو قوي
ابتسم باتساع ثم همس لها بخبث:
_ناكل وماله بس تعالي الأولى هوريكي حاچة هتعچبك قوي
ضيقت عيناها باستغراب لكنها سارت معه في بطء باتجاه غرفتهم حتى دخلت ولحق هو بها ثم أغلق الباب وتقدم منها بحب ثم اخرج لها من جيبه صدفة بحر صغيرة، تمعنت النظر بها مندهشة وسرعان ما جذبتها من يده وهي تضحك بسعادة وعينان لامعة، ودون تفكير رفعتها بأذنها تستمع لأصوات البحر الهادئة التي تصدر منها وهي تبتسم له بحب.
يعرف عشقها الشديد لصدف البحر ولذلك حرص على أهدائها واحدة وبينما كانت هي منشغلة بالاستماع للصدفة التف حولها ووقف خلفها مباشرة ثم اخرج من جيبه الثاني عقد من الذهب الأبيض مرصع بفصوص بيضاء لامعة، ورفع يديه ثم لف العقد حول رقبتها بكل رقة وأغلقه من الخلف ثم انحنى عليه ولثم كتفها ورقبتها بحب هاتفًا:
_شوفته بالصدفة وأنا بتمشى وعچبني قوي وكان لازم اشوفه عليكي وهو حوالينا رقبتك
تجمدت فريال بأرضها لوقت طويل نسبيًا تشعر بأنفاسه الدافئة خلفها وذلك العقد حول رقبتها فرفعت أناملها تتحسسه بنعومة وبعيناها تتأمله مبتسمة بإعجاب، لكن اختفت ابتسامتها والتفتت برأسها له تسأله في دهشة:
_ده دهب ياچلال؟
هز رأسه تأكيدًا على سؤالها فاتسعت عيناها بصدمة والتفتت له بجسدها كاملًا تهتف في جدية:
_ده شكله غالي قوي!!
غمز لها في مداعبة وعين تلمع بوميض العشق يقول:
_الغالي ميلبس إلا الغالي يافريالي
ضحكت له في صمت بخجل ورقة ثم ردت:
_شكرًا ياچلال
لوى فمه بضيق ووقال في لؤم مبتسمًا:
_حاف إكده.. مفيش ياحبيبي أو حتى بوسة بريئة، ارأفي بحالي شوية يعني
رفعت حاجبها ورمقته بتعجرف من طرف عيناها متمتمة بتمنع يشمل دلالها الأنثوي:
_متتعشمش قوي إكده
أنهت عبارتها وتركته لتتجه نحو المرآة تتفحص ذلك العقد الجميل وهو حول رقبتها يلمع بشكل مبهر، بيننا هو فتأفف بقلة حيلة والتفت بجسدها له يقول وهو يقترب منها مجددًا:
_آه يعني عاوزة تقولي تخطينا مرحلة السماح والفرصة التانية ودخلنا في الدلع
تطلعت لانعكاسه في المرآة وهي تبتسم بثقة وخبث ثم ترد عليه في غطرسة رغم أنها لا تليق بها لكنها تزيدها رقة وجمالًا:
_لا متخطناش أنا بس هديك فرصة تانية عشان عيالنا، واللي أنا بعمله ده مش دلع ده اسمه زعل يعني لساتني مسامحتكش وأنت مهمتك عارفها
رمقها بغيظ وقال منزعجًا:
_يعني هتديني فرصة تانية عشان عيالنا بس!!!
التفتت برأسها له وتفحصت ملامحه الغاضبة فابتسمت بحب وقالت في مكر وهي تتصنع البرود والتفكير:
_لا وعشان ااا…. يعني مش عارفة اكرهك للأسف
ضيق عينيه باستنكار ثم رد في خبث:
_قصدك عشان لساتك بتحبيني
هزت رأسها بالنفي مبتسمة باتساع وتهتف عنادًا به:
_لا قولت مش عارفة اكرهك مقولتش بحبك
تنهد الصعداء بنفاذ صبر وهو يهتف مستسلمًا لها:
_أاااخ.. طيب يافريال مش هنختلف في ده دلوك كفاية أننا هنرچع كيف ما كنا
أماءت له مؤيدة لرأيه بينما هو فانحنى عليها ولثمها بقبلة طويلة من جانب فمها هامسًا:
_وأنا كمان بحبك قوي على فكرة
لكمته في كتفه برفق هاتفة في غيظ مزيف وهي تحاول كبح ابتسامتها:
_چلال احترم نفسك
رفع حاجبه باستهزاء من عبارتها السخيفة بينما هي فاندفعت بعيدًا عنه وغادرت متجهة للحمام تتركه يقول في ضحكة مغلوبة ومغتاظة:
_ده شكله هيبقى مرار طافح صُح.. قال احترم نفسي!!!
اتجه للخزانة يخرج ملابسه ليبدأ في تبديل ملابسه وبسمته السعيدة لا تفارق ثغره بأنه أخيرًا بدأ يرى النور يسطع في سماء عشقهم من جديد…
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل عمران……
اتجهت آسيا نحو الباب عندما سمعت صوت الرنين، وقفت أمامها ومدت يدها تمسك بالمقبض وتديره ثم تجذب الباب عليها تفتحه بهدوء لكنها فغرت عيناها بصدمة عندما رأت داليا أمامها وهي تقف بشموخ وقوة وتقول:
_ازيك يا آسيا؟
ظلت آسيا متسمرة مكانها تحدق في داليا بعدم استيعاب وترمش بعيناها مندهشة قبل أن تهتف بجدية:
_أنتي عرفتي عنوان البيت كيف؟!
تنهدت داليا الصعداء وقالت بصوت صلب:
_هقولك المهم عمران موچود؟
هزت آسيا رأسها بالنفي وهي تراقب تعبيرات وجه داليا في شدة وعدم فهم حتى سمعتها تكمل بهدوء وبهجة مهذبة:
_طيب ممكن نتكلم شوية
طال تحديق آسيا المريب في داليا وهي تفكر مليًا قبل أن تفسح لها الطريق للدخول وهي تشير لها للداخل، فابتسمت لها داليا بامتنان وشكر ودخلت ثم تحركت باتجاه الصالة وهي تقول في رقة أنثوية:
_ابراهيم كان قايلي أنه ليه شقة هنا وكان أحيانًا بياچي يقعد فيها وقالي على عنوانها وكمان قالي أن من فترة طويلة عمران هو اللي بقى دائمًا بياجي هنا فتوقعت أن أكيد أنتي وهو قاعدين فيها دلوقتي فجيت
كانت تسير آسيا خلفها وهي تستمع لسردها عن كيف عرفت عنوان منزلهم، حتى رأته تجلس فوق الأريكة وهي تبتسم له بعذوبة فاقتربت آسيا وجلست على المقعد المقابل لها وهي تحدقها بتدقيق قبل أن تسألها بحزم:
_وچيتي ليه عاد؟!
أخذت داليا نفسًا عميقًا قبل أن تبدأ في التحدث بنظرة قوية:
_أنا مش هسألك أنتي ليه مكنتيش عايزاني اقول لعمران لأن أكيد ليكي أسبابك الخاصة وأنا معرفهاش بس أنا عارفة ومتأكدة أوي أنك مش بتحبي حماكي ولا مراته ومتسألنيش ازاي عرفت لأن لو أنتي مش ساهلة زي ما وضحتيلي في المستشفى فأنا كمان مش زي ما أبان من برا إني كيوت وهبلة
مال ثغر آسيا في ابتسامة عريضة ونظرة ثاقبة ليست عادية أبدًا قبل أن تهمس لداليا في صوت مريب كنظراتها:
_طب ما أنا عارفة أنك مش هبلة.. مفيش واحدة ست هبلة هتقدر توقع راچل متچوز مرتين وتخليه يتعلق بيها ويتچوزها وتخلف منه كمان دي لازم تكون واحدة قادرة.. بس أنتي بردك مچاوبتيش على سؤالي أنتي چيالي ليه؟
ابتسمت لها داليا بعد عباراتها ثم لمعت عيناها بخبث وغضب وهي تقول في ثبات:
_عايزاكي تساعديني ونحط ايدينا في ايد بعض.. أنا آخد حقي وحق بنتي وأنتي ترتاحي وتطفي نارك
انطلقت ضحكة آسيا العالية بعدما سمعت عرضها وقالت لها بسخرية:
_أنا اساعدك وأحط يدي في يدك!
ابتسمت داليا بثقة لكن بلحظة احتفت ابتسامتها وردت عليها في ثقة ونظرة مخيفة بعض الشيء:
_ابراهيم حكالي عنك لما اتجوزتي عمران يعني أنا أعرف عنك حجات كتير عنك.. وعارفة كمان سبب كرهك لابراهيم وأنا عرفت ده من قريب سمعته بيتكلم مع إخلاص وبيهددها متقولش لحد أنه هو اللي قتل باباكي
اتسعت عيني آسيا بصدمة وأظلمت ليلتهب وجهها كله غضبًا وهي تقول لها:
_هي إخلاص كمان عارفة
داليا مبتسمة بخزي:
_عفاف عارفة برضوا مش كدا
هزت رأسها بالإيجاب فتنهدت داليا وقالت في عبوس ومرارة:
_أنا قابلت ابراهيم من سبع سنين كان في بينه وبين بابا شغل وهو كان بيشوفني هناك في مكان شغل بابا لاني كنت بروحله أنا كنت متجوزة واطلقت.. بدأت الاحظ أن نظراته معجبة بيا وبعدين عرفت أنه اتقدم لي وطلب ايدي من بابا.. رغم أنه موضوع جوازه كان مضايقني بس منكرش أن حتى انجذبت ليه ووافقت وبعدين حبيته بجد ومخليني عايشة في شقة بعيدة عنكم خالص وحدي أنا وبنتي وبيجيلي ممكن مرة في الأسبوع أو مرتين وبيقعد كام ساعة ويمشي، بيصبر فيا ليه سنين أنه هيقولهم عشان حتى اقدر اشوفه طبيعي ويجي ياخد يوم أو يومين معانا لأننا كمان لينا حق فيه أنا مراته ودي بنته مش يجيلنا في السر كأننا بنعمل حاجة حرام لكن مقالش حاجة لحد فيهم وأنا الصراحة تعبت ومبقتش قادرة تستحمل الوضع ده اكتر من كدا وحسيت نفسي مبقتش طيقاه ولا عايزاه بعد ما عرفت أنه ليه إيد في قتل باباكي وفهمت وأدركت أنه مش ملاك ولا حاجة زي ما كنت شيفاه ومتخيلاه.. ودلوقتي مبقيش يفرق معايا أنا بس عايزة اخد حق بنتي واضمن حقها وهي ليها الحق تعرف اخواتها وتقرب منهم وتعيش وسطهم
كانت آسيا تستمع لسردها عن علاقتها بـ ابراهيم وكيف بدأت ولم يكن يزعجها ويثير جنونها بقدر معرفتها أن والدة زوجها تعرف كل شيء وتسكت مثل عفاف فغلى الدم في عروقها أكثر، هي كانت تشعر بالشفقة تجاهها ولذلك رأفت بحالها ولم ترغب في كشف حقيقة زوجها لها أنه تزوج عليها المرة الثانية، لكنها كانت مخطئة.
رفعت آسيا نظراتها المرعبة في وجه داليا وسألتها بحدة:
_وأنتي عاوزة تاخدي حقك كيف؟!
استقرت نظرة داليا الشيطانية على وجه آسيا وقالت لها بحرقة:
_لما ترجعي البلد وأنا كمان ارجع تقوليلي عنوان البيت فين لانه مش عايز يقولي أو خايف بمعنى أصح وتساعديني ادخل هناك كمان وياسلام لو في اليوم ده تجمعي العيلة كلها وبعد كدا أنا عارفة هعمل إيه كويس يعني دورك هيكون خلص هنا
طالت نظرة آسيا الجامدة لها وهي صامتة دون رد لكن كان صمتها دليلًا على موافقتها فابتسمت داليا بثقة…
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي…
وصل بشار للطابق الثالث ووقف أمام باب غرفة الجلوس الصغيرة الخاصة بعمران ثم دخل وكان بلال هو الجالس بالداخل يشرب كأس الشاي الصباحي الخاص به، فابتسم له بشار ودخل وهو يقول ضاحكًا بمزح :
_إيه ياعريس شايل الهم من دلوك ولا إيه؟!
التفت له بلال وابتسم بخفة وهو يرد عليه متنهدًا:
_مكنتش حابب اروح اتقدم من غير عمران يابشار والله
اقترب وجلس بجواره على الأريكة يهتف في مرح:
_إذا كان عمران بنفسه قالك روح ومتستننيش وعقبال ما ياچي معاد الخطوبة هيكون چه هو وآسيا.. أنت هتقعد تستناه عاد
ضحك بلال وقال بتلهف:
_بيني وبينك ياولد عمي انا مش قادر اصبر اكتر من إكده واستناه تاني هو مبسوط ومرتاح مع مرته هناك ومقضيها وأنا إهنه بتعذب
قهقه بشار بقوة ثم لكمه في كتفه بخفة غامزًا في نبرة رجولية:
_ده أنت شكلك واقع قوي انشف ياد إكده متبقاش مدلوق.. احسن تركب وتدلدل دي بحراوية والبحروايين مش ساهلين
ضحك بلال رغمًا عنه لكن سرعان ما رسم الحدة والنظرة الثاقبة وهو يقول بثقة وصوت رجولي غليظ:
_واحنا رجالة صعايدة.. وهي عارفاني زين يعني متقلقش
تبدلت ملامحه في لحظة وهو يقول ضاحكًا وبلهفة:
_نتچوز بس وأنا هستتها واخليها تشوف الحب صُح على أصوله
هز بشار رأسه في عدم حيلة وهو يضحك ثم قال له وهو يربت على كتفه:
_طب اوعي الهوى ياخدك وينسيك بليل اننا رايحين نطلب يد ست الحسن عشان تحب فيها كيف ما أنت عاوز بعد الچواز ياحنين
اتسعت بسمة بلال وهو يراقبه وهو يتجه للباب ينوي المغادرة ويقول له متوعدًا:
_اتريق براحتك مسيرك يچيلك يوم يا ولد عمي
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا…..
كانت تقف أمام المرآة تتمعن مظهرها في ذلك الثوب الطويل الذي من اللون الأزرق الهاديء وترتدي فوقه حجاب أبيض اللون، وكانت بالفعل قد انتهت من كل شيء وفقط تنتظره حتى يذهبوا لحفل الزفاف.
خرجت من غرفتها وهي تتجه للصالة لكي تخبره بأنها انتهت وتقول بعفوية:
_عمران أنا خلصت
لكنها تصلبت بأرضها وكأن صاعقة برق صابتها عندما رأته يقف أمامها مرتديًا بنطال اسود يعلوه قميصه من نفس اللون وفوقهم جاكت طويل باللون الأسود أيضًا وحول رقبته شالًا بنيًا، ازدردت ريقها بعدم استيعاب وللحظة ظنت نفسها داخل حلم وليس حقيقة، كانت تتأمله وهي فاغرة شفتيها بأعجاب شديد فقد شعرت بذوبانها وهي تراه في ذلك المظهر المختلف، لطالما كانت تعتقد أنه سيكون وسيمًا في مثل تلك الملابس لكن ليس لهذه الدرجة من الوسامة والرجولة الطاغية.
قهقه بخفة على منظرها المضحك وتقدم نحوها وهو يسألها بمكر:
_إيه مالك.. هو مش أنتي اللي كنتي حاطة الهدوم دي في الشنطة عشان تخليني البسها
تحركت خطوة أخرى إليه حتى أصبحت شبه ملتصقة به ورفعت أناملها تعبث في جاكته بنظراته كلها أعجاب وصبابة وتقول متغزلة به:
_مكنتش متوقعة أنك هتطلع فيها إكده
غمز لها وهو يستدرجها في الكلام ضاحكًا:
_إكده كيف يعني؟
ابتسمت ورمقته متيمة وهي تقول:
_يعني مثير وكاريزما ورجولة إكده.. أنا متعودة عليك بالجلاليب بس لو أعرف أنك بالحلاوة دي في البنطلونات كنت أقمت عليك الحد من زمان
رفع حاجبه متعجبًا من جرأتها وتغزلها الصريح به فانحنى عليه وهمس مبتسمًا بمزاح جميل:
_بعد النظرات دي أنا اخاف على روحي منك احسن تغتصبيني ولا حاچة
تلونت وجنتيها بالاحمر وظهر الحجل عليه ثم ضربته في صدره برقة هاتفة وهي تبتسم بخجل:
_الله عيب بلاش قلة أدب يعني ده چزاتي أني بديك طاقة إيجابية
ضحك بصمت ويقترب منها أكثر وهو يبتسم بلؤم فاوقفته بكفها وهي تضعه فوق صدره وتميل بوجهها للجهة الأخرى تخفي عيناها بكف يدها وتهتف بمرح ضاحكًا:
_متقربش مني احسن بذوب ومش بستحمل
ثم أبعدت كفها قليلًا ورمقته بطرف عيناها في لوعة ضاحكة وبسرعة عادت تغطي عيناها وهي تقول مازحة:
_استغفر الله العظيم وبعدين عاد في الفتنة دي
سمعته ينفجر ضاحكًا بصوته الرجولي ثم أجابها من بين ضحكه بحنو:
_طب يلا عشان منتأخرش ولما نرچع نبقى نكمل كلامنا على رواق ياغزال
اعتدلت في وقفتها وتحركت لتصبح بجوارها وتشبك ذراعها في ذراعه متشبثة به وتعمس بدلال يسلب العقل:
_يلا يامعلم
سارت معه لخارج المنزل وهي تتكأ عليه حتى لا تضغط على قدميها كثيرًا، وكلما تسنح لها الفرصة كانت تختلس نظرات الأعجاب إليه…
***
داخل منزل جلال بالعين السخنة….
كانت فريال بطريقها للشرفة حيث يجلس هو وتحمل فوق يديها صينيه فوقها كأس من الشاي المفضل لديه، لكنها وقفت خلفه عندما سمعته يتحدث في الهاتف ويقول:
_تمام خلي معاك المفتاح ياعلي وحاسبه على باقي حساب الشقة وأنا لما ارچع هبقى آخد منك المفتاح عشان ابدأ تشطيبات فيها
ظلت واقفة خلفه حتى انتهى من حديثه في الهاتف وفور انتهائه اقتربت ووضعت الشاي أمامه وهي تسأله باستغراب:
_شقة إيه دي اللي هتشطبها؟
طالعها جلال صامتًا للحظات يفكر ثم تنهد بعدم حيلة وابتسم لها متمتمًا:
_اقعدي ياحبيبتي
جلست على المقعد المجاور له وولته كامل انتابها حتى تسمع حديثه فوجدته يضحك بخفة ويقول في حب:
_أنا كنت ناوي اعملهالك مفاجأة بس ملهاش نصيب.. الشقة دي شقتنا
اتسعت عيني فريال بذهول وراحت تسأله في عدم استيعاب:
_شقتنا كيف يعني؟!!
رد عليها بحنو وهو يشرح لها بتوضيح أكثر:
_أنا اشتريت شقة لينا يافريال، أصلًا كنت ناوي على الخطوة دي من زمان بس كنت متردد دلوك ده انسب وقت وبقيت متأكد أنه ده افضل قرار، كيف ما أنتي مش مرتاحة في بيت أبوي أنا معدتش مرتاح ولا ماخد راحتي مع عيالي ومرتي ومحتاچ أكون في بيتي بعيد عن المشاكل واريح دماغي وأنتي كمان تاخدي راحتك، عشان إكده اشتريت الشقة دي والعفش والتشطيب كله هيكون على زوقك أنتي، يعني هسيبك أنتي تختاري وتنقي كل حاچة فيها كيف ما أنتي عاوزة من البلاطة للبلاطة والبيت ده هيكون بدايتنا الچديدة صُح
لمعت عيني فريال وامتلأت بدموع الفرحة، ثم وجدها ترتمي عليه وتعانقه بقوة هاتفة وسط صوتها الباكي والسعيد:
_متتخيلش أنا فرحانة كيف ياچلال.. ربنا ما يحرمنا منك واصل
احاطها بذراعيه في تملك وغرام وهو يلثم شعرها ورقبتها ويتمتم:
_ولا يحرمني منكم ياحبيبتي.. أنتي استحملتي كتير قوي عشاني وده حقك عليا
ظلت بين ذراعيه وهي متشبثة به ودموعها تنهمر في صمت على وجنتيها حتى سمعته يقول هامسًا بنبرة لعوب مبتسمًا:
_عشان تاخدي راحتك عاد في اللبس من إهنه ورايح واشوفك وأنتي بتتحركي قصادي بالقمصان والبيچامات، ومكلش غير من يدك أنتي وبس، وياسلام كمان لو في يوم إكده نودي العيال ياخدوا يومين في بيت أبويا ونقضي أنا وأنتي يومين وحدينا ونفتكر الليالي الخوالي
ابتعدت عنه وهي تضحك برقة وتقول ساخرة:
_أنت رسمت سيناريوهات كمان في دماغك ومچهز كل حاچة
جلال بتأكيد ودفء:
_طبعًا امـــال
ضحكت مغلوبة واشاحت بوجهها بعيدًا عنه وهي تتنفس الصعداء في راحة وفرحة حتى وجدته ينحنى عليه ويلثم وجنتها بقبلة دافئة ثم يهمس لها بصوت مغرم:
_اتوحشتك قوي يافريال
ابتسمت بحب لكن سرعان ما رسمت الجدية وهي تلتف له وتقول بدلال:
_قولتلك لساتني مسامحكتش
ثم استقامت واقفة وابتعدت عنه متجهة للمطبخ بينما هو فقال مغتاظًا:
_مسامحتنيش إيه ما أنتي كنتي في حضني دلوك وبتقوليلي ربنا ما يحرمني منك!!.. ولا هو انتي بتسامحيني في حاچات وحاچات لا على مزاچك
رفع يده يمسح على وجهه متأففًا وهو يقول في يأس:
_ماشي يافريال إما أشوف آخر دلعك ده هيفضل لغاية ميتا إكده
انحنى أمامه على المنضدة يلتقط كأس الشاي ويرتشف منه في غيظ، فقد احتار معها ولا يعرف ماذا يفعل مجددًا!
***
بالقاهرة داخل قاعة الزفاف كانت آسيا تسير بجوار عمران وهي تتشبث بذراعه وكأنها تريد القفز داخل عين كل فتاة هنا لتريهم أن من ستحاول النظر لزوجها فقط ستقتلع عينيها من مكانهم.
انحنى عليها عمران وهمس لها متعجبًا:
_ماسكة فيا إكده ليه يا آسيا هو انا ههرب منك!
ردت عليه بخفوت ونبرة جادة وسط ابتسامته:
_لا بس بسند عليك عشان مش قادرة تدوس جامد على رچلي
تنهد ومسح فوق كفها الذي فوق ذراعه بحنو وهم يسيروا في طريقهم للقاعة وفور دخولهم اتجهوا ليجلسوا على طاولة صغيرة وظل عمران بجوارها لخمس دقائق تقريبًا ثم تركها وابتعد عنها لكي ينضم للرجال ويهنأ العريس على زفاف وكانت هي تتابعه بنظراته الدافئة حتى جذب انتباهها جلوس امرأة مسنة في السن بجوارها ومعها ابنتها الشابة، عندما دققت النظر في الفتاة بعد دقائق لاحظت أنها تنظر لزوجها ولا تبعد نظرها عنه فاشتعل لهيب نيران آسيا ولوهلة كانت ستقفز عليها وتخنقها لكنها تمالكت نفسها بصعوبة، حتى سمعت صوت السيدة وهي تسألها بنظرات إعجاب:
_أنتي تبع العريس ولا العروسة ياحبيبتي؟
رمقتها آسيا بطرف عيناها بخنق بسبب ابنتها الوقحة وودت لو ترد عليها وتخبرها بأنها ليست من جهة العريس ولا العروس حتي لكنها هتفت بابتسامة متكلفة في نبرة مهذبة احترامًا لسن السيدة الذي يقارب لعمر والدتها:
_العريس
ردت عليها السيدة مبتسمًا وهي تسألها:
_يبقالك إيه العريس؟
أشاحت آسيا بوجهها للجهة الأخرى تستغفر ربها ثم تعود للسيدة وتقول بإيجاز:
_ابن خالتي
اتسعت بسمة السيدة وراحت تتفحص آسيا بنظراتها الجريئة وهي تردد معجبة:
_ما شاء الله.. الله اكبر
رمقتها آسيا بتعجب من نظراتها المريبة لكنها لم تكترث كثيرًا حتى وجدتها تكمل وتقول وهي تعرف لها ابنتها ثم تشير لها على ابنها الواقف بين الرجال:
_دي بنتي مرام وده ابني سيف، شغال موظف في البنك، كان متبهدل طول عمره ياحبة عيني لحد ما ربنا كرمه بالوظيفة دي وهو عشان طيب وابن حلال ربنا كرمه وعوضه وعقبال ما يرزقه بالزوجة الصالحة كمان
طالعتها آسيا بقلق وقد فهمت مبتغاها فابتسمت لها بتصنع ثم همت بالنهوض فقبضت السيدة على ذراعها تمعنها وهي تقول ضاحكة:
_رايحة فين أنتي اتكسفتي ولا إيه.. استنى أنا هنده عليه واخليكي تشوفيه من قريب
همت السيدة برفع يدها والإشارة لابنها حتى ينضم إليهم فصاحت آسيا بسرعة وانزلت يدها في خوف تقول:
_لا تندهي عليه إيه ده لو عمران شافه هتحصل مچزرة
سألتها باستغراب:
_مين عمران ده.. أخوكي؟
ضحكت آسيا وقالت لها مبتسمة:
_لا چوزي
رأت الصدمة تحتل ملامح وجه السيدة بعدما كشفت لها انها ليست عزباء كما كانت تظن، فراحت آسيا تشير على عمران وهي تقول لها:
_أهو عمران چوزي شيفاه
دققت السيدة في عمران وهي تلوى فمها بعدم إعجاب وضيق وكأنها تريد أن تقول لها أن ابنها أجمل منه، عادت بنظرها لآسيا وقال بخنق:
_وأنتي مقولتيش ليه من الأول أنك متجوزة كنتي هتخليني انده ابني
تعجبت آسيا من أسلوبها ونظراتها المتقرفة لزوجها وللحظة كانت ستنفعل عليها لكنها ردت بهدوء مزيف:
_وهو أنتي ادتيني فرصة اتكلم.. على العموم حصل خير
قالت السيدة في وجه مليء بالحقد وهي تنظر لعمران:
_يلا ربنا يسعدكم ويخليكم لبعض
طالعتها آسيا بقرف ثم استقامت واقفة واتجهت نحو عمران في خطوات بطيئة متمتمة:
_يارب متحصلش خناقة بينا بس الليلة بسبب عينك
اقترب منها عندما وجدها تتجه نحوه وهو يسألها:
_قومتي من مكانك ليه؟
التفتت آسيا برأسها للخلف فوجدت نفس الفتاة مازالت تنظر اعتاظت أكثر وراحت تتعلق بذراعه مجددًا تقول له في لهجة مغتاظة:
_خليك چاري متبعدش عني
_ليه إيه اللي حُصل
قررت أن تسرد له ماحدث لكي تجعله يصر هو بنفسه على عدم تركها حتى عودتهم للمنزل، حيث قالت وهي مازالت تنظر الفتاة شزرًا:
_أصل في عرسان بتچيلي
تقوست ملامح ورد عليه بحدة:
_نعم!!!
أكملت مبتسمة في مزاح:
_واحدة قعدت چاري وعچبتها وكانت بتحاول تلبسني لولدها فكراني مش متچوزة
التهبت نظراتها وظهر الغضب المخيف عليه وهو يسألها:
_كيف يعني وولدها ده وين؟!
هتفت آسيا تحاول تهدأته:
_مش قاعد أصلًا متقلقش ده كان كلام حريم عادي ولما قولتلها إني متچوزة قفلت الموضوع، يلا عاد تعالى اقعد چاري
قال عمران بخنق وانزعاج:
_لا بزيادة هنرچع البيت يلا
فغرت عيناها بدهشة وراحت تتوسله برقة:
_عشان خاطري نقعد شوية أنا مطلعتش واصل من بدري.. أنا قولتلك عشان تفضل چاري مش عشان تقولي نروح البيت
تأفف بنفاذ صبر في قلة حيلة وسار معها باتجاه طاولة فارغة وجلسوا حولها وهي بين كل لحظة والأخرى تنظر لها وتبتسم حتى وجدته يمد يده أسفل الطاولة ويمسك بكفها في تملك ثم ينحني على أذنها ويهتف:
_لما نروح البيت هخلي العرسان تچيلك زين بعد إكده
رمقته بارتيعاد وقلق وهي تهمس له مبتسمة:
_إيه هتدفني حية ولا إيه، على فكرة مش لايق عليك وأنت بالحلاوة والشياكة دي تهدد واحدة غلبانة وضعيفة زي، يعني خليك چنتل مان شوية
طالت نظراته المغتاظة لها فهمست له في نعومة تستخدم كلمة السر:
_الله يامـعـلـم متبقاش عصبي عاد.. والله ما قادرة اضايق منك وأنت بالحلاوة دي وشيفاك لطيف مهما تتعصب
ابتسم رغمًا عنه ثم رد عليها بحزم بسيط:
_وأنا بقول نروح البيت احسن بزيادة على إكده
ردت عليه مازحة بخوف مزيف:
_لا مش عاوزة اروح أنت شكلك ناويلي على نية سودة وأنا خايفة
استقام واقفة ومد يده لها يقول بحدة متصنعة:
_قومي يلا هو أنا هاكلك
أمسكت بيدها وهبت واقفة وقالت وهي تسير معه للخارج:
_عادي ممكن تعملها ما أنا مضمنكش أنت بتتحول لمستذئب لما بتتعصب
ضحك بقوة ثم أمسك بذراعها وعلقه بذراعها ليسرا معًا باتجاه السيارة دون حديث..
***
فور وصولهم للمنزل ودخولهم قادت هي خطواتها للداخل حيث غرفتها لكنه أوقفها وجذبها من ذراعها لتلتفت له باستغراب وبسرعة هتفت في قلق:
_إيه أنت هتتحول ولا إيه.. على فكرة أنا كنت بهزر معاك مفيش عرسان ولا حاچة ده أنا بس حبيت أثير شعور الغيرة شوية فيك
رأته يبتسم بعشق ونظرات غريبة ثم يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها إليها لتصبح أمامه مباشرة ثم وتغوص داخل عينيه الرجولية ونظراته التي تذيب قلبها.
وجدته ينحنى عليها ويسلم جبهتها ثم وجنتيها ليبتعد قليلًا ويهمس بنبرة تحمل بحة رجولية مميزة تسلب العقل:
_بحبك ياغزالي

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى