روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء التاسع والعشرون

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت التاسع والعشرون

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة التاسعة والعشرون

عادت بيدها للخلف بسرعة في خوف وقلق عندما رأت عمران كان يقف بالضبط أمام بوابة البناية ويرمقها بنظراته المريبة فعادت هي تنظر للشاب الذي أمامها تهتف لها مبتسمة بلطف:
_متشكرة بس أنا چوزي وصل أصلًا
التفت الشاب إلى حيث تنظر فرأى عمران وهو يتقدم نحوهم.. اتسعت عيناه بدهشة بسيطة وفور وصوله لهم مد يده له ليصافحه هاتفًا بحرارة:
_عمران حمدالله على السلامه اخبارك إيه؟
كانت ملامح وجهه مكفهرة وعضلاته متشنجة من فرط الغيظ لكنه تصرف بهدوء مزيف وصافحه متمتمًا:
_الله يسلمك ياسليم
صابتها الدهشة الأولى عندما رأتهم يتصافحون واتضح أنهم يعرفون بعضهم والآن الثانية عندما سمعت اسمه وتذكرت شقيق صديقتها عندما أخبرته أن اسمه ” سليم”.. إذًا زوجها كان يعرفه منذ البداية لكن ما سبب رفضه القاطع حول ذهابها لمنزل صديقتها إذا كان بينه وبين شقيقها معرفة صداقة.
كانت قسمات وجهه لا تبشر بالخير ووحدها فقط كانت تراها وتفهمها بوضوح مما جعلها تتجمد في أرضها بجواره دون حركة ولا صوت، وهي تنتظر طوفانه عندما ينفرد بها داخل منزلهم.
حديثهم لم يدم لأكثر من لحظات وخلالها قام سليم بتهنئة عمران على زواجه وبعد انتهاء حديثهم غادر سليم البناية بأكملها ولم بتبقى سواهم، تطلعته بنظرات زائغة وهو كان لا ينظر لها في برود مخيف حيث انحنى يلتقط الأكياس يحملها هو ثم يتجه نحو المصعد الكهربائي فتلحق به بسرعة وتستقل به معه، دقائق قصيرة وتوقف المصعد فخرج هو أولًا واتجه نحو باب المنزل ليضع المفتاح في القفل ويفتح الباب ثم يدخل.. لحقت به وأغلقت الباب بهدوء.
عندما اقتربت من الصالة رأته يجلس فوق الأريكة بهدوء مريب، فتقدمت نحوه وجلست بجواره تهمس في خفوت تجيب على سؤاله قبل أن يطرحه عليها:
_أنا نزلت اشتري شوية طلبات للبيت وانا وراچعة قابلته وهو حب يساعدني لما شافني شايلة كياس كتير
رمقها بطرف عيناه في نظرات بدأت تتحول من الهدوء المزيف:
_وأنتي إيه اللي ينزلك من البيت.. اتصلتي واخدتي أذني الأول.. إيه عرفك في إيه تحت ولا الطريق كيف عشان تنزلي لحالك
ردت عليه بثبات متصنع تحاول تلطيف الأجواء:
_أنا مرحتش بعيد.. هو السوبر ماركت اللي في نفس الشارع بس ورچعت طوالي
انتفضت مفزوعة على أثر صيحته المفاجئة:
_اسمها نزلتي من البيت ولا لا.. أنا مسألتكيش روحتي وين
أردفت باضطراب من غضبه المرعب وقالت بخفوت:
_عمران أهدى الموضوع مش مستاهل كل العصبية دي
انتصب في جلسته وصرخ منذرًا إياها بلهجة لا تتهاون أبدًا:
_الواد ده لو حصل وشفتك واقفة معاه تاني متلوميش غير روحك على اللي هعمله
ضيقت عيناها باستغراب فهي لا تفهم سبب كرهه لذلك الشاب.. لكنها لم تخضع لتعليماته خصوصًا بعدما علمت أنه شقيق صديقتها فلا تقتنع بنقمه الغريب عليه حيث قالت له باستياء:
_كله ده عشان وقفت ثواني معاه بس وهو كان عاوز يساعدني مقالش حاچة غلط واصل وأنت چيت بعدها علطول.. متعصب إكده ليه؟!
صرخ بها بصوته الجهوري الذي نفضها:
_من غير مقاوحة ( نقاش) وكلام كتير أنا قولت كلمتي ويارب تعاندي وتعملي عكسها يا آسيا
كانت تكظم خنقها منه بصعوبة بينما هو فانحنى بوجهه عليها وهمس أمام وجهه مباشرة بنظرات مرعبة ولهجة تحذيرية:
_أول وآخر مرة فاهمة ولا لا
أنهى عبارته وابتعد عنها ليستقيم واقفًا ويهم بالذهاب لغرفته لكنه توقف على أثر عبارتها القوية وهي تقول بغيظ وجرأة بعدما فسرت تعليماته بأنها مجرد تحكمات وفرض سيطرة لا أكثر:
_هو حلو ليك ووحش ليا ولا إيه!
التفت لها برأسه يطالعها بعينان قذفت الرعب في جسدها كله على عبارتها الجريئة.. ورغم ارتيعادها لكنها تابعت بنفس الغضب محاولة الثبات أمامه:
_أنت عارف زين أن بت عمتك عاوزة تخرب بيني وبينك عشان بعد إكده تفضالها الساحة وتتجوزك.. ورغم إكده أنت مبتبعدش عنها وطول الوقت قريب منها وحتى ما هان عليك تخلي أمك تمشيها من البيت بعد اللي عملته معايا.. ودلوك بتفرض تحكماتك عليا ومش عاوزني اتعامل مع جنس مخلوق غيرك
سكتت بالنهاية عندما رأته يقترب منها بخطواته المتريثة ونظراته المميتة فتوقف قلبها للحظة من فرط خوفها وتقتقهرت خطوة واحدة للخلف، ثم وجدته يقف أمامها ويرمقها بعينان واسعة ومخيفة يسألها في ترقب ونبرة شيطانية:
_ليه هو أنتي عاوزة تعملي زي عشان يبقى حلو ليكي كمان ولا إيه!!
ازدردت ريقها بخوف وردت عليه دون أن تنظر في عينيه مباشرة:
_أنا مقولتش إكده
أكمل بنفس نبرته السابقة يلقي تعليمات جديدة:
_مفيش حد له كلمة عليكي ولا يحقله يتحكم فيكي غيري.. لو ناسية روحك افكرك أنك متچوزة ومرتي وأنا لما اقول مش عاوز اشوف لسانك بيخاطب الواد ده تاني يبقى الكلام خُلص وحتى لو قولتلك صنف الرجال كلهم تقولي حاضر و…..
قاطعته بسخط شديد وهي تهتف:
_وأنا مش چارية عـ……
ابتلعت بقية عبارتها مرتعدة على أثر صوته المرعب وهو يصرخ بها:
_ لساتني مخلصتش كلامي.. عدى الأيام اللي هنقضيها إهنه على خير يا آسيا بدل ما تشوفي الوش اللي بتكرهيه
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه تأبى النظر له وهي تشتعل من فرط قهرتها وعصبيتها بينما هو فتركها واتجه للغرفة، فور سماعها لصوت صفع الباب سقطت فوق وجنتيها دموعها المحبوسة في مقلتيها…
***
داخل منزل خليل صفوان…….
فتح جلال عيناه بخمول على أثر صوت رنين هاتفه الصاخب وهو يتأفف بخنق ثم مد يده للمنضدة الصغيرة المجاورة للفراش يلتقط الهاتف ويجيب على المتصل بجدية،داكت مكالمته حول العمل لدقيقة بالضبط ثم أنهى الاتصال وعندما نزل بنظره لصدره وجد ذراعه ملتف حول خصرها وهي نائمة بين ذراعيه ورأسها فوق صدره.. فابتسم بغرام وسعادة فور تذكره ليلة أمس.. يبدو أن جليد قلبها بدأ بالذوبان و وشروق شمسهم اقتربت.
تململت بين يديه وفتحت عينيها بنعاس لتهمس دون أن تنظر له:
_الساعة كام؟
مال بشفتيه على رأسها يلثم شعرها بحب متمتمًا:
_الساعة تسعة يافريالي صباح الورد والياسمين
فتحت عيناها على أخرهم لتبدأ بإدراك وضعهم فتسكن للحظات مكانها دون حركة تستوعب ما حدث وبعدها رفعت جسدها عنه وهي ترد بخفوت وجمود ملامح غريب:
_صباح النور
اعتدل جالسًا ليقترب من جديد وتلك المرة يطبع قبلته الدافئة فوق وجنتها متمتمًا بعاطفة جيَّاشة:
_شكرًا على ليلة امبارح وإنك فضلتي چاري ومهملتنيش لحالي
كانت تتفادى النظر إليه.. لا تفهم خجلًا أم انزعاجًا أم ماذا، بالرغم من أن قسمات وجهها تقول غير ذلك كان يبدو عليها اللين والهدوء وكأن الغضب ليس في زيارتها هذا الصباح مما زاده إشراقًا وسعادة، ردت عليه بحزم وجدية بسيطة:
_أنا فضلت چارك أه بس ده مش معناه إني سامحتك
ابتسم بحنو واستطرد بكل بساطة:
_أنا فاهم وعارف ده زين بس على الأقل قوليلي أن في أمل صُح!
زمت شفتيها للأمام في عبوس وقالت متدللة وهي تهم بالنهوض من الفراش:
_معرفش
رمقها بطرف عينيه بابتسامة مغلوبة ثم تنهد وهو يضحك، بينما هي فتحركت نحو الحمام وهي تزفر بقلة حيلة منه فهو لن يتوقف عن محاولاته في نيل رضاها مهما فعلت وهي تدرك تلك المعلومة جيدًا…
استقام واقفًا بعدما توارت داخل الحمام وراح يمسك بهاتفه يجري اتصال آخر استغرق ثلاث دقائق وبعد انتهائه استقرت عيناه على الحمام وهو يبتسم ثم أشاح بوجهه عنه وبمحض الصدفة سقط نظره على مقعد خشبي متين فوق الخزانة فلمعت عيناه بخبث، ثم توقف وراح يقترب من الخزانة يرفع جسده ويده للأعلى يحاول التقاط ذلك المقعد وعندما مسكه أنزله بصعوبة وراح يلقيه من أعلى الخزانة إلى الأرض بكل قوة.. أحدث المقعد ضجة عنيفة وصوت مزعج بالغرفة كلها وكأنه شيء ما تهشم وعلى أثره خرجت فريال بسرعة مفزوعة من الحمام وهي تقول:
_إيه اللي وقع ده!!!
رأته يجلس فوق الأريكة ممسكًا بكتفه وهو يتألم ويرد عليه بصوت مكتوم من الألم:
_الكرسى وقع على دراعي
اتسعت عيناها بدهشة وراحت تلقي نظرها على ذلك المقعد الصلب والقوى فزاد قلقها أكثر وبسرعة اندفعت نحوه تجلس بجواره تتحسس كتفه هاتفة بقلق:
_طيب أجبلك مرهم تحطه قبل ما تورم
هز رأسه لها بالنفي وهو يقول:
_لا لا هو خمس دقائق والألم هيخف لوحده
ردت عليه بحدة ممزوجة بخوفها:
_وقع عليك كيف ياچلال وأنت متاخدش بالك ليه
راحت تمسك بوجهه تحتضنه بين كفيها وتتفحصه بنظرها لتطمئن من عدم وجود كدمات، لكنها توقفت عندما رأته يضحك فقالت له باستغراب:
_بتضحك على إيه؟!!
رد عليها مازحًا بعينان لامعة بالحب:
_قولتلك وقع على دراعي مش وشي بتبصي على إيه!!
تهربت من النظر إليه وقالت بجدية محاولة إخفاء اضطرابها واهتمامها المتزايد به:
_بطمن عليك يعني ده چزاتي!
لمعت عيناه بوميض ماكر وقال وهو يقف ويهم بنزع جلبابه عنه:
_طيب كملي چميلك عاد واطمني عليا زين
سألته باستغراب ودهشة:
_بتعمل إيه.. أنتي هتقلع خلجاتك ليه؟!!
قال بنظرة لعوب وهو يضحك:
_عشان تطمني على كتفي وتشوفي لو فيه حاچة
تابعته وهو ينزع عنه جلبابه بإرياحية وذراعه المصاب يحركه بكل مرونة دون أي ألم، فرمقته بنظرة شك وهي ترفع حاجبها لكنها تصنعت السذاجة وعندما جلس بجوارها مجددًا وهو عاري الصدر، مدت يدها لكتفه وراحت تمسح عليه بلطف دون أن تنظر له على عكسه الذي كان لا يرفع عينيه عنها ويتأملها بهيام وعشق.. استغلت هي الفرصة لتتأكد من شكوكها وراحت تضغط بقوة على كتفه، وكما توقعت لم يصدر أي صوت يدل على تألمه من ضغطتها القوية فعادت تعيد الكرة مرة أخرى وهي تسأله بغيظ:
_حاسس بألم إكده!!
انتبه على صوتها وفاق من شروده بها وبسرعة راح يطلق انينًا مزيفًا وهو يقول:
_آااه لسا في ألم.. كملي بيدك يمكن يخف شوية
كانت تشتعل غيظًا منه بعدما أدركت حيلته الطفولية وتعمدًا أخذت تدلك له كتفه بكل عنف وهي تضغط عليه بقوة مما جعله يطلق تأوهًا حقيقيًا هذه المرة وهو يقول بتعجب:
_إيه يافريال براحة ياحبيبتي هتخلعيلي كتفي
ردت عليه وهي تصر على أسنانها:
_ليه مش يدي كانت فيها الشفا بقيت بتوچعك ليه دلوك!!
_مقصدش إكده طبعًا ياروحي أنا بقولك براحة بس شوية
لمعت عيناها بلؤم وقالت له بكل طواعية:
_عيوني يا أبو العيال
تعالت اساريره على أثر عبارتها بينما هي فتابعت تداركها الذي كان أعنف من الأول فوجدت يصرخ بالأخير وهو يبعد يدها عنه هاتفًا بانزعاج وألم:
_بزيادة يافريال كتفي خف خلاص.. أنتي بتنتقمي مني ولا إيه!!
انطلقت ضحكتها الأنثوية والمتلذذة به رغمًا عنها وهي تقول له بخبث:
_عشان بعد إكده تكذب عليا زين وتمثل قصادي الوچع والمرض
أنهت عبارتها وكانت ستهم بالنهوض من جواره لكنها وجدتها يجذبها إليه مجددًا ويقول وهو يضحك بضعف:
_أعمل إيه طيب اتوحشت اهتمامك بيا وخوفك عليا
حاولت الابتعاد عنه وهي تقول بغيظ كاتمة ابتسامتها:
_چلال بعد عني
حرك حاجبيها بالرفض وهو يبتسم بمتعة ثم شدد على خصرها أكثر يحاصرها بتحكم بينما هي تحاول الفرار من بين براثنه كالقطة الضعيفة التي سقطت داخل عرين الأسد، ولسوء حظه أن طرق الباب بتلك اللحظات جعلها تستغل الفرصة وتهرب منه بسرعة فضحك هو عليها وعينيه عالقة على الباب بغيظ يشتم في نفسه ذلك الطارق المزعج…
***
أسرعت عفاف في خطواتها تجاه الطابق الثالث حيث غرفة الجلوس الصغيرة الخاصة بعمران.. فور دخولها وجدت ابنها يجلس يتحدث في الهاتف فاقتربت منه وجلست بجوارها وهي تبتسم بأشراقة وجه غريبة جعلته يحرك حاجبيه لها باستغراب دون كلام كأنه يسألها عن سبب كل ذلك الحماس والانشكاح لكنها التزمت الصمت وانتظرته حتى ينتهي من مكالمته.
فور انتهائه قال لها بحيرة:
_خير ياما مالك؟
ابتسمت له عفاف وقالت بفرحة:
_خير خير ياولدي.. جيالك بالبشارة
غضن حاجبيه بعدم فهم ولمعت عيناه باهتمام وفضول حتى وجدها تقول ببسمة خبيثة:
_جهز روحك عشان خلاص هنروح نتقدم لعروستك
اتسعت عيناه بدهشة وبعد لحظات شبه طويلة سألها بعد تصديق:
_حور وافقت؟
أماءت له بالإيجاب فرأت بسمة وجهه ترتفع لثغره وتتسع مع وميض عينيه اللامعة بسعادة.. ثم قالت له بتذمر ملحوظ:
_بءدس أبوك مصمم أن نروح لما يرچع عمران عشان يروح معاكم
هز رأسه بتفهم مؤيدًا لرأى أبيه:
_إيوة عنده حق لما يرچع عمران وأنا مش هروح من غيره أساسًا
لوت عفاف فمها بخنق على حب ابنها الشديد لأخيه لكنها لم تعقب ورتبت على كتفه بحنو ثم استقامت واقفة وغادرت لتتركه بمفرده ساردًا في أفكاره السعيدة…
اصطدمت بإخلاص أثناء طريقها لغرفتها فتوقفت ورمقتها بقرف مما جعل إخلاص تشتعل من السخط وتصيح بها:
_ضربتك الكهرباء في نافوخك ولا إيه يا عفاف!!
ابتسمت لها الأخرى بسخرية وردت بنبرة فظة:
_شكلك أنتي اللي معدش فيكي مخ يا إخلاص
قبضت إخلاص على ذراعها بعنف وصرخت بها بغضب:
_بتقولي إيه أنتي يامخبولة
انتزعت عفاف ذراعها من قبضته بكل برود وهي تضحك وتقول بخبث:
_بقول الحقيقة أصل شيفاكي سايبة السايب في السايب لآسيا إيه مش خايفة تخطف ولدك منك ولا إيه! .. أنتي ابراهيم خسرتيه من زمان قوي أساسًا لكن ولدك مستعدة تخسريه كمان!!
وقفت إخلاص بثبات أمامها تطلعها بكل قوة ثم قالت بنظرة دقيقة تحمل الشك:
_وأنتي حاملة هم ولدي ليه وآسيا عملالك إيه عشان تكرهيها إكده ومش عاوزاها تقعد في البيت
ردت عفاف تخلق حجة غير مقنعة وهي تزم شفتيها بعدم اهتمام:
_وأنا اكرهها ليه أنا حاملة همك أنتي مش هاين عليا تخسري ولدك كمان بعد چوزك
ابتسمت إخلاص باستهزاء لتجيبها بعد اكتراث وثقة:
_اطمني ولدي في ضهري لغاية ما أموت ومحدش يقدر ياخده مني ولا يفرق بينا.. خليكي أنتي بس في هم ولدك وملكيش صالح بعمران واصل
أنهت عباراتها والقت عليها نظرة مشمئزة قبل أن تبتعد وتكمل طريقها إلى حيث كانت تنوي الذهاب بينما عفاف فتقوست ملامحها بشكل غريب من فرط الغيظ والغضب…
***
توجهت آسيا نحو غرفتها عندما سمعت صوت رنين الهاتف.. كانت مشغولة بتحضير الطعام بالمطبخ واضطرت للرد على الهاتف عندما لم يتوقف عن الرنين.
وصلت للغرفة والتقطت الهاتف من فوق الفراش تحدق في شاشته تنظر للرقم المجهول الذي يتصل بتفكير وحيرة.. أخذت تتمعن في الرقم لثواني طويلة مترددة هل تجيب أم لا وبالنهاية حسمت قرارها ورفعت الهاتف تضعه فوق أذنها هاتفية:
_الو
لم تحصل على رد من المتصل فعادت تكرر ” الو ” مجددًا ولا يوجد إجابة أيضًا، كادت أن تنزل الهاتف وتغلق الاتصال لكنها توقفت عندما سمعت صوت بكاء مكتوم فضيقت عينيها بدهشة وقالت بلهجة أكثر حدة:
_الو مين معايا
ظهر صوت أمها الباكي وهي تقول لها بضعف:
_كيفك يابتي؟
تجمدت ملامح وجهها فور سماعها لعبارة أمها والتزمت الصمت لبرهة من الوقت قبل أن تجيبها بنبرة ممتعضة:
_زينة
هدرت جليلة ببكاء حاد في الهاتف وقهر:
_اتوحشتك قوي يابتي ووحشني صوتك
ابتسمت آسيا بمرارة وردت عليه بصوت مختقن وعينان لامعة بالدموع:
_اتوحشتك دلوك بس بعد ما عرفتي الحقيقة، لكن قبل إكده أنا كنت مش بتكم ولا بتسألوا عليا ماتت ولا حية حتى
ازداد نحيب جليلة النادم وهي تقول لها بأسف وألم:
_من قبل ما أعرف يا آسيا وأنا كنت ناوية آجي أشوفك واطمن عليكي مقدرتش استحمل يابتي حتى لو كنت غضبانة منك بردك هتفضلي بتي ومقدرش اتخلي عنك.. سامحيني حقك عليا مصدقتكيش وموثقتش فيكي
سقطت دمعة حارقة فوق وجنتي آسيا لترد عليها بقسوة ورفض قاطع:
_الميت مبيرچعش ياحچة چليلة وأنتوا اعتبرتوني مُت واعتبروني لساتني ميتة ومش هرچعلكم تاني.. مكاني بقى چار چوزي ومعاه هو الوحيد اللي متخلاش عني مش أنتوا
مازال صوت بكاء أمها يضرب بأذنها كالبرق ولم تعد تحتمل سماعه أكثر من ذلك خشية من أن تنهار قوتها وصمودها المزيف، فأنزلت الهاتف وأنهت الاتصال بسرعة وهي تبكي بحرقة.
أثناء ذلك الوقت كان عمران بالخارج يستمع لحديثها كله مع أمها ورغم فرحته بعبارتها الأخيرة عندما تحدثت عنه وأبدت قرارها ببقائها معه وأنها لا تنوى الانفصال إلا أنه أشفق على وضعها وحالتها المزرية، ففتح الباب ودخل ليجدها تجلس فوق الفراش وتبكي، تقدم إليها وجلس بجوارها ثم فرد ذراعه ولفه حولها يضمها لصدرها وهو يملس فوق ذراعها وشعرها بحنو فسمعها تردد بعجز:
_معدتش عارفة أعمل إيه ياعمران تعبت قوي
همس لها بدفء ونبرة رزينة:
_اعملي اللي هيريحك قولتلك قبل إكده وهقولك تاني متجبريش نفسك على حاچة طالما حاسة إنك مش جاهزة دلوك
رفعت رأسها عن صدره وقالت بعينان غارقة في الدموع:
_كانت بتكلمني وهي بتبكي كيف العيل أول مرة اسمعها بتبكي إكده.. كنت حاسة لو كملت معاها اكتر هنهار في البكا معاها
رد عليها بصوته الرخيم والهاديء:
_هما غلطوا في حقك ولما عرفوا الحقيقة دلوك لازم هيحسوا بالذنب وأمك مهما كان هتفضلي بتها ومش هتقدر ترميكي
صاحت آسيا بألم وبكاء شديد:
_كان عندهم استعداد يقتلوني ياعمران لو مكنتش اتجوزتني وأنت بتقولي احساس بالذنب!!
رفع أنامله وجفف دموعها من فوق وجنتيها بلطف متمتمًا في لهجة أحتواء كلها آمان ودفء:
_متفكريش في الماضي أنتي دلوك مرتي ومعايا ومفيش مخلوق يقدر يقربلك.. ادي لنفسك فرصة لغاية ما تهدى وبعدين قرري أنتي هتقدري تسامحيهم ولا لا
أجفلت نظرها عنه بحزن حتى سمعته يقول بمداعبة تسمعها للوهلة الأولى منه:
_بزيادة بكا عاد.. الدموع مش لايقة على عيون الغزال دي
رمقته بدهشة وسرعان ما أشاحت بنظرها عنه في خجل ملحوظ دون أن تجيب، احتارت ماذا تقول فقررت تغيير مجرى الحوار تمامًا وقالت له مبتسمة بتعجب:
_هو احنا مش لساتنا كنا متخانقين من كام ساعة وكنت مش طايقني!!
علت ملامحه الجدية مرة أخرى ليقول بضيق:
_ولساتني متعصب منك ومش طايقك بس مهنتيش عليا لما شوفتك إكده
لو لم يكمل عبارته الأخيرة كانت ستنفجر به كالقنبلة الموقوتة لكن آخر ما تفوه به امتص كل غيظها منه جعلها تبتسم له بحب وخجل ثم قالت برقة معتذرة:
_أنا غلطت صحيح في الكلام اللي قولته ليك أنا آسفة بس مغلطتس في حاچة تاني أنت اللي اتعصبت عليا وفضلت تزعق
حتى عند اعتذارها واعترافها بخطأها تتصرف بكبر، لكنه لم يهتم لها كثيرًا وقال لها بخنق حقيقي فور تذكره لذلك الشاب:
_أنتي عاوزة تعيدي الخناقة بينا من تاني عاد ولا إيه.. اقفلي سيرة الموضوع المچندل ده مش ناقصة عكننة تاني
زمت شفتيها بيأس وقالت في عبوس:
_أنتي علطول قافش إكده ملحقتش اقول حاچة عشان تتعصب أصلًا!
_متقولـــيـش!
كتمت على فمها بعد أن هتفت بنفاذ صبر:
_أهو كتمت ياعمران مش هقول حاچة واصل
انحنى على رأسها وقبلها بحنو متمتمًا بنبرته المميزة:
_جدعة ياغزال
ابتسمت لا إراديًا عندما نعتها بالغزال لكن سرعان ما عبس وجهها وقال بدلال وضيق:
_بس أنا لساتني زعلانة منك ومش هكلمك غير لما تصالحني
أنهت عبارتها واستقامت واقفة وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها وتوليه ظهرها فسمعته يقول بغيظ منها:
_أولًا أنتي اللي غلطانة طلعتي من البيت من غير ماتقوليلي ولا تاخدي أذني وقصاد إكده وقفتي قصادي الند بالند وبتردي عليا وبتقوليلي حلو ليك ووحش ليا.. ورغم كل ده أنا قاعد چارك دلوك وبهديكي واطبطب عليكي وادلعك غزال ومعرفش إيه وتقولي اصالحك عاوزة إيه تاني!!!
رفعت رأسها للأعلى بغرور وردت عليه تأبى الخضوع:
_لساتني متصالحتش وزعلانة أنت مشوفتش روحك كنت بتكلمني كيف
رغم اقتناعه بأنها هي المخطئة لكنه تنازل وسألها بقلة حيلة في خنق:
_وأنتي عاوزاني اصالحك كيف عاد يا يآسيا هانم
هزت كتفيها بدلال تجيبه بعبوس:
_معرفش أكيد مش أنا اللي هقولك الحچات دي مبتتقالش
قرر أن يقلب الطاولة فوق رأسها ويستغل هو الوضع لتصبح النتيجة واحد صفر لصالحه بعد عبارتها، حيث ابتسم بخبث وسألها بوقاحة:
_مبتتقالش ليه.. هو أنتي عاوزاني اصالحك كيف؟!!
التفتت برأسها له ورمقته بدهشة من تلمحياته المنحطة والجريئة، كانت وجنتيها قد توردت باللون الأحمر ونظراتها اشتعلت بالغيظ منه، وبظرف لحظة كانت تندفع لخارج الغرفة تهرب منه خجلًا وغيظًا.. فتتركه يضحك بمتعة…
***
داخل منزل خليل صفوان……
اندفعت جليلة خارج غرفتها بعد انتهاء حديثها مع ابنتها، فقد عرفت للتو أن خلود عادت للمنزل ومحتجزة داخل غرفتها، كانت كالثور الهائج الذي لا يرى أمامه وسيدمر كل شيء.
وصلت إلى غرفة خلود وبلحظة كانت تدفع الباب وتدخل عليها مندفعة.. انتفضت خلود التي ظنتها أبيها أو أخيها وستتلقى الضرب على يدهم مرة أخرى.. لم تكن تعلم أن من دخل هو الأسوء منهم.
انقضت جليلة عليها وهي تجذبها من شعرها وتصرخ بها بقسوة:
_لساتك بتعملي إيه في بيتي وإيه اللي چابك يافاچرة و****
صرخت خلود ببكاء وهي تحاول نزع خصلات شعرها من قبضة زوجة عمها:
_بعدي يدك عني
جليلة بغل ونقم نابع من صميمها:
_ده أنا هقتلك بيدي وآخد حق بتي وحق كل اللي چرالنا وچرالها بسببك.. إذا كان أبوكي وأخوكي مقدروش يقتلوكي يبقى أنا هعملها
كانت تصرخ بأعلى صوت لديها ولم يكن لديها أحد تستنجد به في هذا المنزل سوى أمها التي أخذت تصرخ منادية عليها حتى تنفذها من بين براثن جليلة التي تركت شعرها وصفعتها بعنف فوق وجنتها صارخة بها بحرقة وبكاء:
_ياهاملة يا*** بتي عملتلك إيه عشان تعملي فيها إكده وتخلي شرفها في الأرض كانوا هيقتلوها بسببك ورمنياها بيدنا في النار بسببك وأنتي لساتك قاعدة وسطينا في بيتي بعد عملتلك ال**** زيك
وصلت إنصاف على أثر صراخ ابنتها وبسرعة ركضت نحو جليلة تدفعها بعيدًا عنها صارخة بها:
_بتعملي إيه في بتي
رمقتها جليلة باشمئزاز وسخرية هاتفة:
_البنات اللي كيف دي القتل حلال فيها.. وأنا لساتك بتدافعي عنها وبتحاميها بعد اللي عملته وهي چيالك حامل في الحرام.. مهو مش بعيد تكوني كيفها و****
بتلك اللحظة صدح صوت جلال المنفعل والرجولي وهو يهتف:
_أماااا
لم تتوقف جليلة عن الكلام وكانت ستهم بتكملة إهانتها لإنصاف وابنتها لولا جلال الذي قبض على ذراعها وجذبها معه للخارج بلطف، ورغم ذلك قالت قبل أن تغادر بقلب مهشم ومحروق:
_ربنا ينتقم منكم على اللي عملتوه في بتي.. ضاعت مني بسببكم وحرقتوا قلبي عليها
دفعت يد جلال بعيدًا عنها بعد مغادرتها وقالت له بألم وصوت مبحوح:
_هملني ياچلال وروح لشغلك
كان سيلحق بها لكنه توقف بعد خطوة واحدة فقد رأى أنه من الأفضل تركها لوحدها حتى تهدأ ثم يتحدث معها….
***
دخل جلال غرفة العمل الخاصة به بعد وفاة والده فوجد فريال تجلس على الأريكة كأنها بانتظاره.. غضن حاجبيه وسألها بتعجب:
_فريال في حاچة ولا إيه؟!
هزت رأسها له بالرفض بينما هو فاقترب منها وجلس بجوارها ينتظر منه أن تبدأ في حديثها فقالت هي مغلوبة:
_العيال خلصوا امتحانات وليهم كام يوم بيزنوا عليا عشان اقولك تاخدهم وتسافر كيف كل سنة بعد الامتحانات
سكتت للحظة دون أي تعابير وجه وكأنه يفكر بالأمر ثم ابتسم بحماس وسألها غامزًا:
_وأنتي هتاچي معانا طبعًا
كانت ستهم بالرد عليه لكنها صمتت عندما رأت منيرة تقتحم عليهم الغرفة وتتجه نحوهم لتجلس بجواره من الجهة الأخرى هاتفة بألم وعينان دامعة وهي تضع كفها فوق رأسها:
_چلال الحقني الصداع هيفترك نفوخي من الصبح ومش قادرة اتحمله
دققتت فريال النظر بها وبالبداية ظنت أنها حقًا مريضة لكن عندما تفحصت تعبيرات وجهها المزيفة تأكدت أنها تكذب وفقط تريد جذب الانتباه وأخذه منه حتى لا يبقى معها.
جلال نظر لها بقلق عفوي بعدما رأى حالتها المزرية:
_مخدتيش برشام للصداع ليه طيب يامنيرة
ردت عليه ببكاء صامت:
_أخدت ومعملش حاچة
كانت فريال تشتعل من الغيرة وهي تراها كيف تلتصق به وتحاول إلقاء جسدها عليه وهو يحاول أن يهدأها ويفهم منها أعراضها وما تشعر به.. تلك الوقحة تمارس دور الزوجة مع زوجها أمام مرأى عيناها.
هتف جلال بجدية وهو يمسك بذراعها لكي يساعدها على الوقوف:
_طيب قومي البسي عشان اوديكي للدكتور ونشوف سبب الصداع ده إيه
ردت عليه بدلال وسط دموعها وتألمها المزيف:
_ لا أنا مرت عمي ادتني برشام من شوية يمكن يخفف خلينا نصبر شوية.. خدني انتي بس على اوضتي وخليك چاري ياچلال مش متحملة اقعد لحالي
بعد تلك العبارات التهبت فريال واشتعلت وبركانها انفجر.. لم تعد ترى أمامها ولا تدرك ما تفعله ولا تفكر به هي فقط طفح كيلها من تلك الشيطانة ولم تعد قادرة على تحملها، وثبت واقفة واندفعت نحوها تجذبها من شعرها أمامه وهي تصرخ بها بهستريا:
_وبعدين معاكي ياعرة الحريم أنتي.. قاعدة قصاد عيني وعمالة تتلزقي في چوزي وتتمايصي عليه وفوق كله ده كذابة كمان
هب جلال واقفًا وحاول الفصل بينهم وهو يفلت أصابع فريال من خصلات شعر الأخرى صائحًا بها:
_فريال إيه اللي بتعمليه ده
لم تكترث له ولم تفلت شعرها بل استمرت في الصراخ عليه والأخرى تصرخ ألمًا:
_أنا چبت أخرى منك ومعدتش متحملاكي.. أنا سيباكي لغاية دلوك في بيتي بمزاچي وقريب هتترمي برا كيف الزبالة
صرخ جلال بها بنبرة جمهورية:
_فريـــال
كانت منيرة تصرخ بألم وبكاء:
_چلال الحقني
تركت خصلات شعرها مجبرة بعد صرخته بها لكنها تابعت وهي ترفع سبابتها في وجهها تحذرها بلهجة مرعبة دون أي اكتراث لوجوده:
_ابعدي عن چوزي وعيالي وغوري من بيتي بكرامتك بدل ما أخليه هو اللي يرميكي برا البيت

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى