روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء التاسع عشر

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت التاسع عشر

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة التاسعة عشر

كانت جالسة فوق الفراش بسكون تام بعدما انتهت من ارتداء ملابسها واستعدت للذهاب للطبيب، حاولت الوقوف والخروج من الغرفة لكن ألم قدمها اشتد بقوة وأصبحت لا تقوي على السير بمفردها حتى، ظلت على وضعها ساكنة تنتظر عودته بينما عقلها انشغل بالتفكير بليلة أمس، أخذت تتذكر لحظاتهم معًا واهتمامه بها.. كيف كان يضمها بذراعه القوي محاوطًا إياها بتملك.. حين التقت عيناهم معًا وعانقته.. تذكرت كيف كان شعورها بتلك اللحظة ولا يسعها قول شيء سوى الاعتراف بأن هرمون السعادة اطلق افرازته بجسدها عندما اقترب منها وضمها بذراعيه، وكأن الزمن توقف بتلك اللحظات باستثناء قلبها الذي يستمر في دقاته بعنف.
ارتفعت البسمة لشفتيها تلقائيًا بعدما تذكرت بسمة ثغره ولذته وهي تطلب مساعدته مضطرة حتى عقابه لها على أسلوبها الفظ معه كان لطيف، فاقت من شرودها على دخوله وصوته الرجولي وهو يسألها:
_خلصتي؟
أماءت له برأسها في صمت وهي مازالت تحتفظ ببسمتها العفوية لتجده يكمل هو بجدية:
_طيب يلا قومي عشان نلحق معاد الدكتور
لوت شفتيها بخنق وردت بإحباط:
_مش قادرة امشي على رچلي لحالي
لم يعقب ودون تفكير اقترب منها وانحنى بجزعة للأمام عليها وضم ذراعه لصدره يلوي منتصفه فمدت هي يدها وتعلقت بذراعه تتشبث به ثم استقامت واقفة وهي تستند عليه، ثم تطلعت له بعيناه الواسعة وقالت في هدوء:
_ بعد ما نروح للدكتور لرچلي نروح لدكتورك عشان تتابع وتتطمن على چرحك
رفع حاجبه باستغراب وأردف:
_وأنت مهتمة إكده ليه؟!
تلعثمت قليلًا بالبداية لكن سرعان ما تداركت نفسها وردت بكل برود وطبيعية:
_ عادي ياعمران بما أننا طالعين وأنت المفروض عندك موعد استشارة فقولت نروح ونطمن.. تطمن يعني اقصد
قالت عبارتها الأخيرة وهي تشير عليه بتوتر بسيط لكنه لاحظه فضحك بحيرة وسألها بنظرات ثاقبة:
_ياترى بيدور إيه في دماغك المرة دي كمان
هزت كتفيها بحركة لا إرادية بالنفي وقالت مبتسمة برقة تليق بصوتها الأنثوي:
_يمكن دي أول مرة ميبقاش في حاچة في دماغي ومش في نيتي حاچة وحشة، كيف ما قولتلك عشان تطمن على چرحك بس
طالت نظرته الدقيقة لها لكن تبدلت معالم وجهه للحدة حين لاحظ حاجبها غير مهندم وبعض خصلات شعرها ليست مغطاة أسفله فرفع أناملها ودفع بخصلاتها أسفل الحجاب بقوة وهو يهتف في لهجة رجولية صارمة:
_اعدلي طرحتك زين بعد إكده مش شعرك كله برا
رفعت يدها ببطء لحجابها ثم لفته بإحكام أكثر دون أن تتفوه ببنت شفة وبعدما انتهت رمقته بنظراتها القوية وهمست حين رأته يتابعها ينتظر أن يرى نهاية الأمر بعيناه:
_ إكده حلو؟!
لم يجيب وكان صمته إجابة بالرضى والإيجاب ثم ثبت ذراعها بذراعه جيدًا وسار معها للخارج بخطوات بطيئة بسبب ألمها…
***
داخل منزل حور كانت هي بالمطبخ مع شقيقتها، تقف متسمرة دون حركة وتضع أناملها فوق فمها شاردة والتوتر يُرى بوضوح فوق صفحة وجهها، مازالت لا تستطيع تخطي لحظة صدمتها حين وجدته أمامها ورأت نفس الذهول بعيناه لكنه سرعان ما أجفل بنظره أرضًا عندما وجدها بشعرها.. تلعثمت حتى أنها لم تعرف بماذا تجيب وابتسمت لعفاف بتوتر وهي تحاول التواري خلف الباب حتى تداري شعرها وملابسها المنزلية، لم تكن تظن أن صديقة أمها سيأتي معها رجل ولذلك اتجهت لتفتح الباب بكل اريحية، ولحسن الحظة أن بتلك اللحظة أنقذها والدها الذي وصل ووقف يستقبل عفاف وبلال وأشار لابنته بنظره أن تدخل ففعلت مسرعة شبه ركضًا.
عادت لواقعها على أثر صوت شقيقتها وهي تقول:
_حور تليفوني بيرن طلعي العصير أنتي برا
هزت رأسها بالرفض هاتفة في ضيق:
_لا طلعيه أنتي أنا مش هطلع
هتفت شقيقتها بخنق وتوسل:
_ ياحور البنات بيرنوا عليا عشان المحاضرة بدأت أكيد ومينفعش اتأخر الدكتور هياخدني غياب، اطلعي عشان خاطري يلا
انهت عبارتها وركضت الأخرى تجاه غرفتها دون أن تنتظر رد شقيقتها وتركتها أمام الامر الواقع، أخذت هي تتمعن النظر في كاسات العصير بقلب مضطرب تفكر مطولًا في الطريقة التي ستتصرف بها حين تخرج، وبالأخير أثرت أنها ستعطيهم العصير وتعود لغرفتها مسرعة، هي فقط تحتاج لبعض الثبات والهدوء حتى لا تظهر توترها.
حملت الصينية وخرجت بها للخارج تقود خطواتها بثقل وخجل، وحين وصلت إليهم تعمدت عدم النظر إليه ابدًا وفقط نظرت لعفاف وابتسمت لها بطبيعية متصنعة ثم انحنت عليها تناولها العصير وثم انتقلت له مدت يدها فقط بصمت دون أن ترفع نظرها على عكسه الذي نظر بتدقيق لكن نظراته كانت غامضة لا يمكن معرفة ما يتواري خلفهم، لم يستغرق الموقف ثواني واتجهت هي لأبيها تعطيه أيضًا ولم يكن لأمها نصيب بسبب مرضها، فور انتهائها استدارت وكانت في طريقها للداخل لكن صوت عفاف اوقفها وهي تقول مبتسمة بعذوبة:
_ تعالي ياحور اقعدي ماشاء الله كبرتي، من زمان قوي مشوفتكيش
أشارت أمها لها أن تجلس وهي تبتسم وردت على عفاف ضاحكة بنبرة منخفضة:
_حور بتتكسف أوي عشان كدا
هزت عفاف رأسها بتفهم وهي تضحك وهمست لصديقتها:
_أيوة أخدت بالي، أن شاء الله تفرحي بيها قريب يا سمية
رددت سمية خلفها مبتسمة ” يارب” بينما حور فجلست بجوار والدها بكل هدوء وهي تفرك أصابعها ببعضهم كدليل على فرط خجلها وارتباكها، وحده هو كان يعلم جيدًا سبب ذلك التوتر الشديد ورغم رغبته الشديدة في الابتسامة إلا أنه تمالك نفسها بصعوبة وتابع بتلك التعبيرات الجامدة والجدية.
هتفت عفاف باهتمام ملحوظ:
_بتدرسي إيه دلوك ياحور؟
أجابتها برقة مبتسمة وهي تتفادى النظر في وجهه:
_كلية تجارة
كانت ستهم عفاف بالرد عليها لكن صوت طرق الباب أوقف حديثهم فاستقامت حور واقفة واتجهت لتفتح، كان الطارق شابًا تقريبًا يقارب بلال بالعمر والقت هي عليه التحية ورحبت به بحرارة وهي تضحك هامسة:
_ده أنت نقذتني والله
أجابها هامسًا بضحك وهو ينزع حذائه:
_نقذتك من إيه؟!
حور بصوت منخفض وهي تلقي نظرة سريعة على بلال الذي كان يتابع ما يحدث بتركيز:
_بعدين بعدين
دخل ذلك الشاب وانضم لهم وهي يبتسم بعد أن القى بالتحية على عفاف فقط بالكلام وصافح بلال وحين جلس هتفت سمية مبتسمة:
_ده ابن اختي مازن فكراه ياعفاف
دققت النظر به وحين تذكرت القليل من ملامحه ابتسمت وقالت مسرعة ضاحكة:
_ماشاء الله آخر مرة شوفته كان لساته صغير قوي
سمية بود وعينان حانية:
_ أيوة العيال بتكبر
دار الحديث بينهم جميعًا في أمور مختلفة بعضهًا كان يثير الضحك والمرح والآخر كان جاد، باستنثاء حور وذلك الشاب حيث كانوا يتبادلون اطراف الحديث بينهم بصوت منخفض، وللحظة انتابه شعور بالخنق حين رآهم لا يعرف سببه لكن الانزعاج استحوذه ولم يكن يريد شيء سوى الرحيل ومع ذلك حاول عدم التركيز عليهم وتبادل أطراف الحديث مع والدها في أمور مختلفة وكانت عفاف تتحدث مع سمية.
***
كان الصمت يهيمن على جلال وفريال داخل السيارة، هي تتطلع من زجاج النافذة بصمت وهو يتابع الطريق بخنق.. التقطت عيناها من النافذة بشار كان يقف أمام سيارته ويتحدث بالهاتف فقالت مسرعة:
_ مش ده بشار؟
هدأ من سرعة السيارة حتى توقفت تمامًا والقى بنظره للخارج يدقق النظر ليقول بإيجاب:
_أيوة هو
لوت فريال فمها بحزن وقالت في عبوس:
_أكيد راچع البيت أنا هنزل وارجع معاه وأنت روح على شغلك عشان متتأخرش
لم تحصل على رد منه سوى الصمت وحين التفتت برأسها وتطلعت إليه رأت نظرات مرعبة أخافتها حقًا وبعدها اتاها صوته الرجولي القوي:
_وأنتي من ميتا بقيتي قريبة من بشار للدرچة اللي تخليكي تنزلي من عربية چوزك وتركبي معاه في عربيته عشان يوديكي البيت
اضطربت للحظة لكنها تصنعت الثبات وقالت بهدوء:
_ في إيه ياچلال.. بشار متربي معانا وهو كيف عمران وبلال بالنسبالي وأنت عارف الكلام ده زين
ارتفعت نبرة صوته الرجولية وأصبحت أكثر رعبًا وهو يصرخ بها:
_عمران وبلال أخواتك لكن ده يدوب واد عمك.. يعني يبقى في حدود في التعامل ياست هانم ومتنسيش روحك يافريال مش معنى أنك سايبة البيت وقاعدة في بيت أبوكي يبقى تعملي اللي على هواكي
رغم الخوف الذي تمكن منها لكنها أبت الخضوع واستاءت منه ومن أسلوبه القاسي فقالت بغضب وباصرار:
_وأنا مش عاوزة ارچع معاك ياچلال، أنت مش هاين عليك تبص في وشي طول الطريق ومش قادرة استحمل نفورك مني وتچاهلك ليا، عشان إكده هنزل وارچع مع واد عمي احسن
كانت ستهم بفتح الباب والنزول لكنه قبض على ذراعها بعنف واوقفها صارخًا:
_ رايحة وين؟!.. أنتي بتكسري كلمتي
تفادت النظر في عيناه المخيفة وهمست بهدوء مزيف:
_مكسرتش كلمتك لكن ده الأفضل ليا وليك
باغتها بصرخة نفضتها في مقعدها:
_ أنا اللي أقول إيه الأفضل وإيه لا.. لكن اللي أنتي بتعمليه ده ملوش غير حاچة واحدة عندي وهي إنك نسيتي روحك ومعدتيش عاملة احترام للراچل اللي قصادك اللي هو چوزك، اقسم برب العزة يافريال لو شفتك قريبة من بشار أو أي راچل هتشوفي وش عمرك ما شوفتيه مني واعتبريه كيف ما تعتبريه أوامر أو تحذير أو حتى تهديد
غامت عيناها بالعبارات في حرقة فأشاحت بوجهها عنه تخفي دموعها عن أنظاره هامسة بصوت مبحوح:
_سيب يدي ياچلال
ترك يدها بجفاء واعتدل في جلسته ليحرك محرك السيارة وينطلق بها وسط صوته وهو يهتف بغضب هادر وغيرة تأكل صدره:
_هنزل وارچع مع بشار.. وكيف عمران وبلال بنسبالي.. بقى أخوكي مرة واحدة وأنا مِعرفش ولا إيه!!
همست بخفوت وهي تبكي بصمت:
_ بزيادة ياچلال كفاية
انفعل وهاجت عواصفه مجددًا ليصيح بها:
_ مش كفاية.. لساتك مرتي وهتفضلي ولو في دماغك أوهام تخص الطلاق انسيها لأنها مش هتحصل فاهمة ولا لا
رمقته مطولًا باستغراب على أثر ذكره الطلاق فهي لم تسبق وتحدثت معه بأي شيء يخص الطلاق ولا تفكر به أساسًا.. من أين جاء بفكرة أنها تريد الانفصال عنه؟!!!…..
***
داخل أحد المقاهي القريبة من عيادة الطبيب الخاص بعمران.. كانت آسيا تجلس فوق مقعد مبطن ومريح حول الطاولة الصغيرة التي بالكاد تتسع لشخصين، وعمران نهض منذ دقائق وابتعد عنها ليتحدث بالهاتف وحين التفتت لم تجده حولها فلم تعقب وتوقعت أنه ذهب ليقوم بفعل شيء ضووي وسيعود لها.
بقت مكانها وهي تتجول بنظرها حولها على وجوه الناس من فرط الملل، تارة تنظر أمامها وتارة تتلفت حولها بحثًا عنه وهي تزفر بضيق من تأخره عليها، وبينما كانت تتلفت برأسها يمينًا ويسارًا لمحت ابنة عمها خلود وكانت تجلس بجانب شاب، فدققت النظر بها بعينان متسعة تتابعهم باهتمام شديد، تراقب تصرفات ذلك الرجل وهو يتقرب منها ويضحك معها ويمسك بيدها بحميمية حتى أن يده كانت تتجرأ لأكثر من مجرد تشابك الأيدي.
ابتسمت بشيطانية وقالت:
_ وأخيرًا حصلي الشرف واتعرفت على حبيب القلب
لمعت عيناها بوميض مخيف وابتسامتها الشريرة كانت تزين ثغرها حيث همست بتشفي:
_الفار وقع في المصيدة
لكنها أسرعت بسرعة وأخفت وجهها واولتهم ظهرها حين رأتهم يهمون بالنهوض.. بقت على حالتها للحظات حتى رأتهم يغادرون المقهى بأكمله وهو يلف ذراعه حول كتفيها فضحكت وقالت بعين مظلمة:
_وأنا اللي فاكرة آخرك كان كلام في التلفون وعلى النت، بس الموضوع طلع اكبر من إكده.. وصدقيني أنا هخليه أكبر ياغالية
انتصبت واعتدلت في جلستها حين رأت عمران يدخل من باب المقهي ويقترب نحوهها، وتلقائيًا ارتفعت البسمة الناعمة لثغرها وهي تتابعه بنظراتها حتى وصل وجلس على المقعد المقابل لها ورأته يضع أمامها على الطاولة كيسًا وكانت تفوح من داخله رائحة طعام شهية ثم سمعته يقول بنبرة جميلة:
_كُلي أنتي مفطرتيش عشان بعدين نمشي
ابتسمت وردت بإشراقة وجه وهي تبدأ في إخراج الطعام ووضعه أمامهم على الطاولة:
_هنمشي فين مش لسا هنكشف عند دكتورك؟!
رد بخنق:
_باينله مطول ولغاية دلوك الدور مچاش وأنا معايا شغل مش فاضي هبقى أچيله في يوم تاني
ضيقت عيناها بتعجب وسرعان ما ظهر الحسم فوق معالمها وهي تقول:
_يعني إيه في يوم تاني.. هنقعد نستنى ياعمران وتكشف وبعدين نمشي ولو معاك شغل أخره شوية مش هيچرا حاچة يعني
رفع حاجبه مستنكرًا أسلوبها فأردف بنظرة ثاقبة ومريبة:
_إيه أنتي هتمشي كلامك عليا ولا إيه!!
اضطربت للحظة من نظرته وقالت مصححة برقة:
_ ده عشان صحتك ومينفعش تهمل فيها
عمران بعين دقيقة ومتعجبة:
_وأنتي من أمتى بتهمك صحتي يعني؟!
لوت فمها بخنق وردت في خفوت وعبوس ملحوظ:
_أنا السبب ياعمران وعاوزة اتحمل مسئولية غلطي
طالت نظرته التي تحمل ألف معنى وسؤال لتقطعها هي بصوتها وابتسامتها:
_خلينا ناكل دلوك قبل ما الوكل يبرد
عمران بالامبالة:
_مش عاوز كُلي أنتي
تأففت بضيق وردت مغتاظة بعبوس:
_أنا مش هاكل لحالي قصاد الناس إكده، كُل معايا.. أنت كمان مفطرتش
لم يجيبها لكنها فسرت صمته بالانصياع لها فابتسمت بنصر وبدأت في تناول الطعام وبقى هو للحظات يتابعها وهي تأكل بتلذذ وشراهة قبل أن ينضم لها ويشاركها في الأكل.
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا…..
داخل منزل خليل صفوان، كان علي بطريقه لغرفته وأثناء مروره من جانب غرفة شقيقته توقف على أثر صوت ضحكها المرتفع، فاقترب بتريث من باب غرفتها ومال بأذنه عليه يحاول التقاط أي شيء فسمعها تتحدث وسط ضحكها:
_لا مينفعش أقول طبعًا لو حد سمعني تحصل مشكلة
اتسعت عيني علي والتهبت نظراته ليفتح الباب على مصراعيه بعنف ويندفع نحوها بغضب هادر ثم جذب الهاتف من يدها ووضعه فوق أذنه صائحًا بذلك الشخص الذي على الطرف الآخر:
_ الو
بتلك اللحظة شعرت خلود بأن نهايتها قد حانت وأنها انتهت، تسارعت ضربات قلبها وشعرت أنها ستفقد وعيها من فرط الرعب بينما علي فكان يصرخ بالهاتف ينتظر أن يجيب عليه ذلك الذي تتحدث منه لكنه لم يجيب واغلق الاتصال، حاولت هي أنقاذ نفسها من ذلك الموقف وهتفت بضيق وثبات متصنع:
_في إيه ياعلي بكلم صحبتي.. إيه اللي بتعمله ده!
القى بالهاتف على الفراش وصرخ بها منفعلًا بنظرات مرعبة:
_صاحبتك برضك.. ولما هي صاحبتك قفلت ومردتش عليا ليه!
ابتلعت ريقها وهتفت بغضب وانزعاج:
_أكيد اتخضت واتكسفت عشان إكده قفلت يعني عاوزها ترد كيف بعد الزعيق ده
قبض على ذراعها وجذبها نحوه وهو يهتف بأسلوب تحذيري ونظرات لا تحمل المزاح ولا ترحم:
_دي تاني مرة ياخلود صدقيني لو طلع اللي في بالي صُح يابت بوي.. لاقطم رقبتك واصل
لم يسعفها علقها بالكلمات لترد عليه حتى لسانها انقعد وكأنها فقدت القدرة على التكلم فبقت بين يدين أخيها صامتة وهي ترتجف والرعب ملحوظ فوق معالم وجهها مما زاد من شكه بها، لكنه دفعها بعيدًا عنه تاركًا إياها قبل أن يلقى عليها نظرة نارية كلها وعيد ثم استدار وغادر من غرفتها يتركها تقف وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة من فرط الرعب والتوتر…..
***
داخل منزل إبراهيم الصاوي تحديدًا بغرفة بلال……
طرقت عفاف الباب طرقتين وفتحت الباب ودخلت فلم تجده، أخذت تتجول بنظرها في كل أركان الغرفة بحثًا عنه فسقطت عيناها عليه وهو يقف بالشرفة، ابتسمت بحنو أمومي وتقدمت إليه لتقف بجواره هامسة:
_كيفك ياولدي؟
ابتسم ورد بصوت رخيم:
_زين ياما الحمدلله
التزمت الصمت للحظات ثم تطلعت له من جديد وابتسمت بخبث وراحت تسأله مباشرة دون ملاوعة:
_إيه رأيك في بنت سمية؟
التفت لها بدهشة على أثر سؤالها وقال بعدم فهم:
_بنتها مين؟!
هتفت موضحة له أكثر وهي مازالت تحتفظ بنفس ابتسامتها الماكرة:
_حور
غضن حاجبيه بعدم فهم ببداية الأمر وراح يتمعن في أمه محاولًا اختراق عقلها وما يدور به، وبالضبط بعد دقيقة تبدلت معالمه من التعجب للذهول ليقول لها ضاحكًا لا يصدق أمه:
_آه قولي إكده عاد.. أنتي اخدتيني واصريتي اروح معاكي عشان أشوفها
ضحكت وقالت بقلة حيلة:
_أعمل إيه لو كنت قولتلك مكنتش هتاچي معايا لو عملت إيه، بس قولي إيه رأيك المهم، البت كيف القمر أدب وأخلاق.. أنا الصراحة دخلت قلبي طوالي وأنت أكيد عچبتك صُح؟
طالت نظرته الصامتة لأمه، ثم ابتعد بوجهه عنها والقى بنظره للشارع يتذكر تصرفها العفوي والجميل عندما فتحت الباب ووجدته أمامها، وعندما قدمت له العصير شعر برعشة بسيطة بيدها من فرط توترها حتى أنها لم ترفع عيناها بعينه مطلقًا ودقات قلبها العنيفة كان يشعر بها.
رأت عفاف بسمة ساحرة ترتفع لثغره وهو شارد الذهن فقالت بفرحة حماسية:
_السكوت علامة الرضا مش إكده
تنهد بقوة والتفت لها ضاحكًا ثم لف ذراعه حول كتفيها وضمها إليه وهو يدفعها للسير معه للخارج هامسًا بدفء:
_تعالي ياما عشان ننزل للعشا، مش وقته الكلام في الحديت ده دلوك
انطفأ بريق عيناها وتأففت بخنق دون أن تجيبه واكتفت بالسير معه يائسة، بينما هو فمازال عقله عالق عندها وبسمة ثغره لا تفارقه.
***
أنتهت من ارتداء ملابسها وارتدت حجابها فخرجت من غرفتها وكانت بطريقها للطابق الأرضي لكي تتناول العشاء مع العائلة بأكملها بناءًا على أوامره، وأثناء مرورها من جانب غرفة إخلاص سمعت صوت منى وهي تلفظ اسمها وسط كلامها، فتسمرت بأرضها وراحت تتلفت حولها تتأكد من عدم وجود أحد بالأرجاء ثم تحركت بخطوات حذرة ووقفت أمام الباب تستمع لحديثهم وكانت أول عبارة تسمعها من إخلاص وهي تهتف:
_قريب قوى ولدي هيطلقها وهخليه يتچوزك وتبقي أنتي مرته
ردت منى ساخرة بضيق:
_وكيف ده هيحصل يا مرت خالي
إخلاص بنبرة صوت تحمل الخبث والشيطانية:
_أنا اللي قولتلك تعالي واقعدي معانا كام يوم عشان تعرفي تكسبي عمران وتخليه ميشوفش غيرك وبعدين يطلق الحرباية آسيا دي، يعني دي مهمتك أنتي عاد عشان تاخدي عقله وتخليه ينتبه ليكي وتعچبيه
هتفت الأخرى تسألها بخنق:
_وأنتي كيف متأكدة أنه هيطلقها؟
ضحكت إخلاص وردت عليها باستهزاء:
_أنتي هبلة يابت.. فكرك هسيب ولدي لبت چليلة بعدين عمران مش طايقها ولا عاوزها ده متچوزها غصب، فكرك هيستحملها كتير ده ولدي وأنا عارفاه
دام صمت بينهم ولم تسمع رد من منى لكن بعد ثواني سمعت إخلاص تتبع بلؤم:
_ شدي حيلك أنتي بس وأعملي كيف ما اتفقنا، خلينا نخلص من آسيا وبعديها افرح بيكي أنتي وولدي
انتصبت آسيا في وقفتها وعيناها لمعت بوميض مخيف وتأججت نيران الغيرة في صدرها، فأخذت تحدق أمامها بصمت لثواني وهي تتوعد لتلك الأفعى منى أما حماتها فكانت تتعهد لها أن رغبتها لن تتحقق طالما أنها لا تريد.
قادت خطواتها للأسفل وعندما وصلت للطابق الأرضي رأت الجميع ملتف حول مائدة الطعام وعمتهم والدة كل من رحاب ومنى موجودة أيضًا وجميعهم يتبادلون أطراف الحديث في انتظار تجمع بقية العائلة ليبدأو في طعامهم.
اقتربت وسحبت المقعد المجاور لزوجها الذي كان منشغل بالحديث مع عمه وأبيه وجلست بجانبه صامتة وملامح وجهها تطلق شرارات الوعيد والاستياء الشديد، انتبهت لها فريال التي كانت تجلس بجوارها فانحنت عليها وسألته بتعجب:
_مالك؟
لم تلبث لتجيبها وإذا بها سمعت صوت خطوات أقدام على الدرج فاستدارت برأسها ورأت كل من إخلاص ومنى يسيران معًا، راحت تتابعهم بنظراتها النارية حتى وصلوا للطاولة وجلسوا ولسوء الحظ أن منى جلست على المقعد المقابل لها بالضبط فاستقرت في عيناها نظرة تبعث الرعب في القلوب لكن الأخرى لم تكترث لها وكانت تنظر لزوجها بكل وقاحة وهي تبتسم فالتفتت نحو عمران ورمقته بشراسة بعدما رأته نظر لها وابتسم بود.
حاولت البقاء ساكنة دون أن تبدي أي ردة فعل وبدأت في تناول طعامها دون أن تحيد بنظرها عن منى التي لا تهدر الفرصة في دفع نفسها وسط الحديث الذي يدور بين الجميع لتتحدث معهم وتجري أطراف حديث معه.. الجميع كان منشغل بالحديث والمرح فيما عداها هي فقد كانت تشتعل من فرط غيظها وغيرتها ولم ينتبه لوضعها هذا سوى فريال التي لم تفهم سبب كل هذا النقم على ابنة عمها وبعد دقائق من ملاحظاتها صابتها الدهشة وهي لا تستوعب أن تكون آسيا تغار على شقيقها حقًا.
شعر بهزة قدمها العنيفة فنظر لها باستغراب ليجدها منشغلة بالتحديق في ابنة عمته بنارية ولا تكترث لأحد آخر، مد يده أسفل الطاولة دون أن يلاحظه أحد ووضعها على فخذها يوقفها عن الاهتزاز وهمس لها بقوة:
_إيه اللي بتعمليه ده، مالك؟!
رمقته بغيظ ثم همست بنبرة محتقنة:
_أنا طالعة اوضتي عشان لو قعدت ثانية كمان مضمناش نفسي ممكن أعمل إيه
أبعدت يده عن فخذها وهمت بالوقوف لكنه اعادها لمقعدها من جديد بعدما شعرت بيده فوق قدمها مجددًا لكن هذه المرة كانت قاسية وغاضبة وهو يتطلع لها منذرًا يقول:
_كملي وكلك وشيلي عينك من على منى مش قاتلة ليكي قتيل هي
همست معترضة على أوامره تجيبه بالرفض:
_مش عاوزة أكل ياعمران ومش قادرة استحمل
لم يجيبها هذه المرة لكن نظرته المرعبة كانت كافية لتجعلها تمتثل لأوامره مجبرة، وسكنت بجواره من جديد وهي على وشك الانفجار من فرط الغيظ.. كان الجميع يتابع ما يحدث بينهم رغم أنهم لم يسمعوا شيء إلا أنهم ابتسموا بفخر عندما وجودوها تعود لمقعدها مرة أخرى من نظرة واحدة من ابنهم.
***
بعد انتهاء العشاء كانت رحاب بطريقها لشقيقتها بغرفتها بالأعلى لكنها توقفت بمنتصف الطريق عندما تذكرت خالها ابراهيم وأنها كانت تريد الحديث معه في أمر مهم فغيرت وجهتها وسارت نحو غرفة الصاولن الكبيرة، طرقت برقة ثم فتحت الباب ودخلت فإذا بها تقابل بشار الجالس بمفرده بالغرفة، انتصب هو في جلسته فور دخولها وطالعها بدقة فقالت هي مبتسمة:
_كنت چاية أتكلم مع خالي إبراهيم
أجابها وهو يتنهد بعمق:
_طلع اوضته من شوية عشان يريح وينام
هزت رأسها بتفهم ثم أخذت نفسًا عميقًا واخرجته زفيرًا متمهلًا قبل أن تقول بقسمات وجه دافئة:
_مرت خالي قالتلي أنها شافتلك عروسة وأنت وافقت
اماء رأسه بالإيجاب وهو يجيبها بجمود:
_فعلًا
تقدمت خطوة للأمام نحوه وقالت مبتسمة برقة وبنقاء:
_ورتني صورتها كمان، ما شاء الله قمر أوي.. ربنا يتمملك على خير يابشار
رسم ابتسامة بصعوبة فوق ثغره وأجابها بلطف وخفوت:
_يارب يا رحاب تسلمي
قالت بنعومة وهي تهم بالاستدارة:
_أنا همشي عاوز حاچة مني؟
أردف بشار بالرفض مبتسمًا:
_عاوز سلامتك يابت العم
اولته ظهرها وانصرفت تتركه ساكن كالصنم عيناه عالقة على الباب وبعد دقائق راح يمسح على شعره نزولًا لوجهه وهو يتأفف هامسًا:
_عاوزة مني إيه بس، ليه مصصمة تظهري قصادي في كل مكان وأنا بهرب منك عشان انساكي، أنا تعبت قوي
***
داخل غرفة جلال بمنزل خليل صفوان……
كان يجلس فوق مقعد خشبي مبطن وثير وبيده سيجارة يضعها في فمها ثم يخرجها ويزفر الدخان بشراسة من أنفه وفمه، هو لا يشرب السجائر من الأساس لكن منذ تركها له وقد انقلبت حياته رأسًا على عقب، قذفت بعقله تلك الليلة التي جاءت فيها لتنام بحضنه بين ذراعيه وبصباح اليوم التالي تركته للمرة الثانية ورحلت، كلما يحاول التماس عذر لها ومسامحتها تدمر كل شيء من جديد.
بات يشعر أنها لم تعد حبيبته وزوجته وأصبحت امرأة أخرى اكتسبت القسوة وجفاء القلب بليلة وضحاها وأول من مارست عليه تلك القسوة هو، منذ فراقهم لم تهتم ليوم واحد أن تتصل وتطمئن عليه وكأنها انتزعت ذلك العشق الذي بقلبها والقته بعمق البحار، لو لم تذهب بذلك اليوم بسبب ما سمعته ومحاولته لقتل شقيقها كان سيخبرها بالحقيقة ويطلعها على سره وسر شقيقته، لكنها اختارت عدم تصديقه وأصمت أذنيها عن سماع أي تبرير واولته ظهرها وتركته بامس لحظات احتياجه لها.
أصبحت لياليه موحشة ووحدته بين الأربع حوائط دونها تقتله، اشتاق لها وللحظاتهم معًا وضحكتها التي يرى لمعانها في عيناها، اهتمامه وحبها عندما تضمه وتخفف عن همومه.. هو الآن يحمل هموم بقدر الجبال ولا يجد من يحملها ويخفف عنه قليلًا.
رغم رفضه وعدم رغبته بزواجه الذي سيتم بمساء الغد إلا أنها السبب، هي من دفعته لذلك التصرف بعد ما دمرت كل شيء بينهم ودعست على كبريائه وكرامته بقدميها وعبرت دون اكتراث لنزيف قلبه.
بينما بالغرفة المقابلة لغرفته كانت جليلة نائمة في فراشها والعرق يتصبب منها وأناملها تتحرك بحركة لا إرادية وإذا بها فجأة تثب جالسة وهي تهتف بزعر:
_بتي
كانت تتنفس بسرعة وراحت تمد يديها لكوب الماء الذي فوق المنضدة المجاورة لفراشها، وارتشفته كله دفعة واحدة بيد مرتعشة وبعد انتهائها اعادته لمكانها وهي تردد بصوت مرتجف:
_اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أخذت تستغفر ربها وتقرأ آيات من القرآن الكريم لتهدأ من روعها لكن قلبها كان يأكلها على ابنتها، فقد رأتها بحلمها محاطة بأفاعي ضخمة وكانت تستنجد بهم لكي ينقذوها لكنهم لم يلبوا طلب استغاثتها وتركوها وبالنهاية التفت الأفاعي حولها ولم تعد تراها.
كان يدور بعقلها ألف سؤال وشك حول تفسير ذلك الحلم ولكن الأهم من ذلك أن فطرتها كأم كانت تنهش قلبها من فرط خوفها وقلقها على ابنتها.
***
كانت تجلس فوق مقعدها صامتة وتتذكر نظرات تلك الافعى له، وما سمعته عن مخططهم حول طلاقه منها وزواجه من تلك الساذجة، ربما تشعر ببعض الاستنكار من نفسها بسبب غيرتها المفرطة فهي نفسها لا تدري متى أصبحت تغار عليه بتلك الدرجة لكنها لم تبالي يكفي فقط أن تبعد تلك الشيطانة عنه وإلا ستحرقها بنارها.
خرج عمران من الحمام وهو يجفف وجهه من المياه بمنشفة بيضاء صغيرة وبعد انتهائه علقها بمكانها ثم قاد خطواته لخارج الغرفة، علقت هي نظرها عليه تتابع خطواته لأين تتجه وعندما أدركت وجهته وثبت واقفة واسرعت شبه راكضة تقف بينه وبين الباب حائل تسأله بفضول:
_رايح وين؟
اتسعت عيناه بحيرة وسرعان ما احتدمت نظراته وهو يقول بحزم:
_أنتي هتحققي معايا ولا إيه؟!
ردت بكل بساطة عاقدة ذراعيها أسفل صدرها:
_فين التحقيق في كلامي.. أنا سألتك سؤال عادي عشان الوقت متأخر وأكيد معكش شغل دلوك يعني فحابة أعرف
زفر بخنق ورد:
_اديكي قولتي معيش شغل يعني طالع اعمل حاچة وراچع
سألت بكامل التلقائية والفضول القاتل:
_ حاچة إيه.. لو محتاچ حاچة قولي وأنا اچبهالك
مسح على وجهه متأففًا وهو يردد:
_استغفر الله العظيم.. بعدي من خلقتي يا آسيا متخلنيش اتعصب عليكي
أبت الابتعاد وبالأخير سألته برقة واهتمام:
_طالع فوق في أوضة الجلوس بتاعتك؟
لم يجيب واكتفى بصمته الذي فسرته رد يالإيجاب على سؤالها لتقول له مبتسمة وبجدية:
_طيب هروح اقعد معاك
ضيق عيناه بدهشة من تصرفاتها المريبة وكأنها امرأة أخرى ليست آسيا التي اعتاد عليها، لكنه أجابها بالأخير في نفاذ صبر وهو يدفعها من أمام الباب برفق:
_عاوز اقعد لحالي خليكي إهنه ونامي
لوت فمها بغيظ وبقت مكانها ساكنة وهش تشتعل بعد انصرافه، فراحت تجلس فوق فراشها وأخذت قدميها تهتز بعنف كما كانت على طعام العشاء بالأسفل.
ظلت على تلك الحالة لخمسة عشر دقيقة تقريبًا وهي تغلي من فرط القلق والغيظ، قفذت بعقلها فكرة احتمالية رؤية منى له وهو متجه لغرفته ثم لحقت به وهي الآن معه بمفردهم، أظلمت عيناها ولهيب الغيرة بصدرها أحرقها فوثبت واقفة كالتي لدغها عقرب واسرعت تلتقط حجابها والقته فوق شعرها بعشوائية ثم اسرعت للخارج وهي تقود خطواتها المشتعلة والمتلهفة للطابق الثالث حيث غرفة الجلوس وفور وصولها لم تنتظر للحظة وفورًا فتحت الباب على مصراعيه ودخلت فوجدته يجلس فوق الأريكة وأمامه على الطاولة المتوسطة مجموعة أوراق تخص العمل، كان بمفرده فتنفست الصعداء براحة وابتسمت.. بينما هو فرفع نظره لها وقال بغلظة:
_ أنا مش قولتلك خليكي تحت ونامي
اضطربت وتنحنحت بهدوء محاولة أيجاد ذريعة ومخرج من ذلك الوضع فقالت بالنهاية بخفوت متصنعة البراءة:
_حاولت أنام معرفتش وحلمت بكوابيس، هقعد چارك لغاية ما تخلص شغلك وبعدين ننزل مع بعض
لم تنتظر لتسمع رده ولم تهتم له أساسًا فسواء قبل أو أبى كانت ستبقى معه.. تقدمت نحوه وجلست بجواره على الإريكة ورمقته بنعومة وهي تبتسم لكنه كان بعالم آخر يحاول فهم ما تفعله وبالأخير تنهد مستسلمًا وأشاح بوجهه عنها وراح يكمل عمله وهي ظلت بجواره تتابعه دون أن تلفظ بحرف واحد فقط صوت أنفاسهم هو المسموع بالغرفة.
مردت دقائق طويلة نسبيًا وهي على وضعها تتأمله بهيام، ملامحه القاسية والحازمة ولحيته التي تنمو أكثر مع الأيام حتى جسده القوي والعريض داخل ذلك الجلباب الرجالي الصعيدي يزيده رجولة ووقار.
زار النوم عيناها فوجدت نفسها تغفو لا إراديًا، كان منشغل بالعمل ولم ينتبه لها إلا عندما انتهى من عمله نظر لها فوجدها نائمة بعمق فوق الوسادة الكبيرة المسنودة على الحائط، تمعنها للحظات بشرود ثم مد يده وامسك بيدها يفرك فوق ظاهرها بلطف هاتفًا:
_ آسيا.. آسيا قومي
سحبت يدها من قبضته وضمت ذراعيها لصدرها بحركة لا إرادية دون أن تستجيب لندائه بسبب نومها العميق، فتنهد بعمق ورفع أنامله لخصلات شعرها المتمردة لخارج الحجاب ثم أدخلهم برفق واستقام وقفًأ بعد أن حملها بين ذراعيه رغم أن ذراعه لم يتعافي جيدًا إلا أنه لم يهتم وحملها وسار بها للخارج وهو يقول مغلوبًا:
_عندك اللي چايبلي وچايبلك التعب.. ياكش محدش يشوقنا بس
قاد خطواته للطابق الأسفل حيث غرفتهم وهي كعادتها كانت تلف ذراعيه حول رقبته وتدفن رأسها بين ثنايا صدره، وبينما كان في الطرقة المؤدية لغرفته سمعها تهتف وسط نعاسها:
_بنت عمتك عقربة
ضيق عيناه وسألها بتعجب:
_بنت عمتي مين!
استغرقت لحظات حتى تجيبه من جديد بصوت ناعس فقد كانت بالمنتصف بين الوعي وللاوعي:
_منى
أخفضت نظره لها وابتسم بخبث وهو يسألها:
_وليه منى عقربة؟
كان قد وصل بها لغرفتهم وفتح الباب ودخل ثم اقترب من الفراش ووضعها فوقه برفقه ليسمعه تجيب:
_عشان.. عاوزة.. تاخد
جلس على طرف الفراش بجوارها وسألها بترقب:
_عاوزة تاخد إيه يا آسيا؟
بدأ النوم يسيطر عليها مجددًا فانقلبت على الفراش وولته ظهرها دون أن تجيب عليه، فطالت نظراته الماكرة لها ثم انحنى عليها من الخلف وهمس بأذنها في صوت يحمل فحيح الأفعى كله ذكاء:
_ عاوزة تاخدني منك صُح؟
لم يحصل على رد بصوتها لكنها هزت رأسها له بالإيجاب فابتعد عنها وهو يضحك بصمت على اعترافها بالغيرة من ابنة عمته، بعد دقيقة بالضبط سحب الغطاء ودثرها جيدًا ثم استقام واقفة والتف حول الجهة الأخرى من الفراش وتسطح بجوارها مغلقًا عيناه ينوي النوم هو الآخر…..
***
بمساء اليوم التالي….
تحديدًا داخل منزل منيرة كانت الأجواء صاخبة والمنزل ممتلئ بالضيوف وأصوات الموسيقى مرتفعة وزغاريد النساء لا تتوقف.. فقد انتهى المأذون الذي كان صديق العائلة للتو من مراسيم الزواج كاملة وتوقف ثم اقترب من جلال يعانقه بحرارة هاتفًأ بود:
_ مبروك ياولدي ربنا يسعدكم ويهنيكم

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى