رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الأربعون 40 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الأربعون
رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الأربعون
رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الأربعون
بعنوان ( أن كنت لا تستطيع حبس أنفاسك لأطول فترة ممكنة فلا أنصحك بهذا الجزء! )
وقفت تحدق به في ذهول والعديد من التساؤلات حلقت في ذهنها بتلك اللحظة، بينما هو فابتسم بلطف وقال:
_ازيك يا آسيا
ضيقت عينيها بتعجب من تعامله العفوي معها ثم ردت عليه بأسلوب قوى:
_بخير الحمدلله ياسليم، خير في حاچة ولا إيه؟
تنهد سليم الصعداء وزفر أنفاسه متمهلًا قبل أن يجيبها بلهجة جادة:
_كنت حابب اتكلم معاكي في موضوع مهم لو أمكن
ابتسمت آسيا بلين وهتفت معتذرة:
_تمام مفيش مشكلة بس نخليها وقت تاني لأن مش هينفع نتكلم على الباب وللأسف مش هقدر اقولك اتفضل لأن عمران مش موچود
أخذ نفسًا عميقًا ورد عليها بملامح وجه مكفهرة:
_مش هاخد من وقتك خمس دقائق والموضوع مهم جدًا يخصك ويخص عمران
تبدلت تعابير وجه آسيا للحيرة والفضول عندما أوضح لها أن الأمر جدي ويخصها هي وزوجها، فالتزمت الصمت لبرهة من الوقت وهي تفكر مترددة، كانت سترفض التحدث معه لكن فضولها لمعرفة ما الذى يريد إخبارها بها سيطر عليها، وهي تدور في حلقة ذهنها العديد من التساؤلات حول سبب كره زوجها لذلك الرجل ولماذا هو لا يتوقف عن محاولات التحدث إليها وافتعال المشكلات مع عمران، حتمًا يوجد سبب لا تعرفه.
هزت رأسها بالموافقة وقالت في حزم:
_تمام هتقول اللي عندك وهتكون آخر مرة ياسليم.. اتفضل
افسحت له الطريق ليعبر ويدخل ثم أشارت له بيدها للصالة فسار قبلها بينما هي فأغلقت الباب ولحقت به، ثم جلست على الأريكة المقابلة له وسألته بقوة تليق بها:
_اتفضل أنا سمعاك، عاوز تتكلم في إيه؟!
تحدث سليم باهتمام:
_أنا عارف أنه مش من حقي اتكلم في حاجة زي كدا، بس أنا عرفت أنتي وعمران ايه الظروف اللي اتجوزتوا فيها يعني عارف كل حاجة بظبط
اتسعت عيني آسيا بصدمة وهي تسأله:
_مين قالك الكلام ده؟!
هتف الآخر ببسمة لطيفة:
_مش مهم مين قالي أنا بس عرفت أنك كنتي مغصوبة على الجواز وأنك حاولتي تهربي اكتر من مرة وأنك اتظلمتي، أنا جاي اساعدك بس مش اكتر
رفعت حاجبها بنظرة ساخرة قبل أن تجيب عليه بصوتها الصارم:
_ماشاء الله شكلك عارف كل حاچة.. طب وأنت هتساعدني كيف عاد؟!
لمس الاستهزاء في نبرتها لكن لم يهتم كثيرًا وتابع بجدية تامة:
_أنا اعرف عمران من زمان أوي وهو شخصيته صعبة يعني ممكن يأذيكي طالما انتوا في بينكم تار ومشاكل كتير من قبل الجواز وأنا الصراحة حابب اساعدك وانقذك يعني لو حابة تطلقي أنا ممكن اقف جمبك واساعدك وبالتالي مفيش حد يقدر يقرب منك ولا يأذيكي
طالت نظراتها له وسكونها المريب وهي تبتسم بوجه لا يحمل رقة النساء أبدًا ثم قالت في استهزاء:
_اطلق وأنت تساعدني ومحدش يأذيني!!.. هو أنت في إيه بظبط إيه اللي بينك وبين عمران!
أجاب بامتعاض بعد تنهيدة طويلة:
_كانت في مشكلة قديمة بينا بس اتحلت وده ملوش علاقة باللي أنا جاي اتكلم فيه معاكي دلوقتي
هزت رأسها بتفهم وهي مازالت محتفظة ببسمتها الغريبة، ثم اعتدلت في جلستها لتصبح أكثر شموخًا وقوة قبل أن تهتف بلهجة حادة:
_بص ياسليم أنت شكلك مش طبيعي صُح وبنى آدم مريض وليه حق عمران يعمل إكده معاك، أنت لو تعرف عمران فلساتك متعرفنيش وأنا لو محتاچة مساعدة من حد أكيد مش هطلبها منك، مع العلم أني مش محتاچة مساعدة من أساسه واللي قالك الكلام ده ليه حساب معايا وأنا عارفة أن سندس اللي حكتلك، فأنا هعتبر اللي الحوار اللي تم ده كأنه محُصلش من الأساس ومش هچيب سيرة لعمران عشان المشاكل
توقفت عن الكلام للحظة ثم هبت واقفة مكملة بغضب ولهجة تحذيرية:
_آخر مرة تفكر تتكلم معايا وخليك بعيد عني وعن چوزي ياسليم لو مش حابب تدخل في مشاكل أنت مش قدها، ودلوك اقدر اقولك اتفضل برا
لوى فمه بضيق قبل أن يستقيم واقفًا ويقول في ابتسامة شيطانية:
_اتمنى متندميش بعدين!
أشارت له نحو الباب وهي تهتف بعصبية:
_اطلع برا ياسليم
هز رأسه له بالموافقة وهو يبتسم بسخرية ثم تحرك باتجاه باب المنزل في خطوات سريعة وبقت هي مكانها دون حركة تتابعه بنظراتها الساخطة وهو يرحل، بينما هو فعندما فتح الباب اصطدم بعمران الذي كان يهم بوضع المفتاح في قفل الباب ليفتحه ويدخل منزله.
فرت الدماء من وجه آسيا ولوهلة تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها فالقادم لن يكون سوى خراب، أما عمران فتجمد مكانه وهو يحدق بذلك الدخيل الذي يخرج من منزله ولم تدم دهشته إلا ثواني قبل أن يثبت نظراته المظلمة عليه ويتقوس وجهه المكفهر الذي يقذف الرعب في القلوب.
أسرعت آسيا نحوهم رغم خوفها من بطشه الذي ستشهده فيما بعد، لكنها خشيت من القادم بعد تلك النظرات وهذا المظهر المرعب، ولم تلبث لتصل لهم فقد كان زوجها تدخل منذ زمن حيث أبرح سليم أرضًا بلكمة سالت دماء وجهه وأنفه على أثرها، ولم يكتف بل تابع ضربه المميت له وهو يصرخ به ويسبه بألالفاظ النابية:
_بتعمل إيه في بيتي ***** ده أنا هاخد روحك بيدي يا****
صاحت آسيا بخوف وصوت مرتبك بعدما وصلت لهم ومدت يدها تمسك بذراع عمران تحاول منعه عنه:
_عمران أبوس يدك اهدى
لكن رده عليه جعلها تتصلب في أرضها رعبًا ثم تقهقهرت للخلف متحاشية ذلك البركان القاتل الذي أمامها حتى لا تطولها حممه الحارقة، حيث وجدته يدفع يدها بعنف بعيدًا عنه ويلتفت لها يرمقها بنظرة مميتة كلها وعيد وغضب.
استقام سليم واقفًا في ذلك الوقت وراح يوجه لكمته لعمران ولكنها كانت ضعيفة مقارنة بما تلقاه للتو على يده، فوجد عمران يقبض على رقبته ويدفعه نحو الحائط دون أن يسحب قبضته من عليه ويهتف له بملامح وجه متشنجة ونبرة مرعبة:
_أنا حذرتك مليون مرة متقربش من مرتي بس أنت مبتفهمش بالحسنى، كنت بتعمل إيه في بيتي!
ابتسم سليم رغم وجهه الغارق بالدماء وخرج صوته مختنقًا وهو ينظر نحو آسيا بشر:
_أسأل مراتك
فغرت آسيا عيناها وشفتيها بصدمة وكانت ستصرخ وتجيب عليه لكن نظرات عمران دبت الرعب في صدرها وجعلتها تبتلع عبراتها دون أن تقوى على التحدث.
عاد عمران بنظره لذلك الوغد الذي كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة من فرط الاختناق ثم ترك رقبته لكنه انهال عليه مجددًا يكمل ضربه له دون أن يتوقف عن سبه، حتى أصبح الآخر ملقي على الأرض لا يقوى على فتح عينيه حتى، فانحنى عليه وجذبه عمران ليوقفه على قدمه عنوة ويجذبه معه للخارج وهو يهتف بوعيد مخيف:
_أنا هعرفك كيف تبقى **** صُح وتتجرأ تقرب من حرمة بيتي
ظلت آسيا مكانها دون حركة تحدق في الفراغ أمامها بعد رحيله وقد اجتمعت الدموع في عيناها وسقطت كلها غزيرة على وجهها وسط صوتها وعتابها لنفسها وهي تقول:
_يارتني ما دخلته أنا إيه اللي عملته ده!
ألقت بعكازها على الأرض وجلست بجواره على الأرض وهي تبكي قلقًا عليه وضيقًا من فعلتها الحمقاء…
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي….
فتح بلال الباب ودخل وهو ينظر لأبيه بقسمات وجه مريبة، أما ابراهيم فانهى الاتصال فورًا مع داليا هاتفًا بابتسامة متصنعة:
_طيب ياحچ سيد هبقى اكلمك تاني ونشوف الموضوع ده
مال ثغر بلال في ابتسامة مخزية ثم تقدم من أبيه وجلس على المقعد المقابل له وهو يتمتم بنظرات ثاقبة:
_شكلي قطعت عليك مكالمة مهمة يابوي
ابتسم ابراهيم بكل برود أعصاب ورد نافيًا:
_لا ده موضوع عادي كنت بتكلم فيه مع سيد على الشغل
أطرق بلال رأسه أرضًا وهو يهزها عدة مرات متتالية وسط همسه الغاضب:
_امممم الحچ سيد
ضيق ابراهيم عينيه باستغراب قبل أن يسأل ابنه بعدم فهم وقلق:
_مالك يا بلال في حاچة حُصلت ولا إيه؟!
طال السكون المريب بينهم وسط نظرات ابراهيم المستفهمة وبين تعابيرات وجه بلال الغريبة وهو مازال مطرق رأسه أرضًا ولا يتحدث.. يفكر في شيء لا يفهمه ابراهيم ، أخيرًا رفع رأسه لينظر لوالده باستياء ويسأله في صوت محتقن:
_عندها كام سنة؟
غضن حاجبيه بعدم فهم مجيبًا بسؤال على سؤاله:
_مين دي؟!
خرج عن طور هدوءه المزيف وهتف بغضب:
_بتك يابوي!
استحوذت الصدمة على ابراهيم وهو يحدق بابنه لوقت طويل نسبيًا صامتًا حتى تنهد في النهاية وقال بثبات تام:
_ست سنين
ظهر الذهول على بلال لكن سرعان ما تحول بضحكة صامتة في عدم حيلة وهو يجيب على والده:
_متچوز من اكتر من ست سنين ومش قايل لحد!!!
احتقن وجه ابراهيم بالدماء قبل أن يجيب على ابنه منفعلًا في حدة:
_چرا إيه يا بلال انت كبرت عليا ولا إيه عشان تحاسبني أنا أعمل اللي أنا عاوزه مش هاخد الأذن منك ولا من أخواتك
انفعل بلال بدوره وصاح بنظرات نارية:
_هحاسبك يابوي هي مش اللي اتچوزت عليها دي أمي، معاك بدل المرة أتنين عاوز ايه تاني وبدل العيل تلاتة.. تروح كمان تتچوز التالتة في السر من غير ما حد يعرف
صاح ابراهيم بعصبية ولهجة محذرة:
_وطي حسك واتكلم زين مع أبوك يا بلال.. وأمك انا شايلها فوق راسي وممخليهاش محتاچة حاچة كل طلباتها مچابة ومديها حقوقها كاملة، وأنا معملتش حاچة غلط ولا حرام ربنا حللي بدل الواحدة أربعة وطالما في مقدورتي متچوزش ليه التالتة والرابعة كمان
قهقه بلال مغلوبًا وسط جموحه الشديد ثم رد بغضب:
_إيه ناوي تتچوز الرابعة كمان دلوك عشان تقفل الأربعة وتبقى حللت شرع ربنا
استقرت نظرات ابراهيم الساخطة على ابنه للحظات قبل أن يردف بحدة:
_أنا كنت ناوي اقولكم اليومين الچايين واديك عرفت لوحدك.. دي مرتي وليها حق عليا كيف أمك وكيف مرت أبوك ومعدتش مستحمل اخلي بتي تعيش بعيد عني اكتر من إكده
رفع بلال حاجبه مندهشًا بعدما فهم تلميحات والده وما ينوي على فعله قريبًا، فاستشاط مغتاظًا أكثر وازداد غضبه عنفًا حيث هب واقفًا وهتف لأبيه بنبرة لا تحمل المزاح:
_مفيش حد هيدخل البيت إهنه يابوي كيف ما كانت مرتك عايشة الست سنين وحدها بعيدة عنينا تفضل مكانها، مش هسمح لحاچة تكسر أمي ولا تضايقها
انهى عبارته واندفع لخارج المنزل دون أن ينتظر الرد من أبيه الذي كان يشتعل غيظًا من ابنه، ورفع يده يمسح على وجهه متأففًا بغضب ونفاذ صبر.
***
توقف عمران أمام باب أحدى الشقق وصاح بسليم الواقف بجواره:
_افتح الباب ده يلا
مد سليم يده لقفل الباب وفتحه ثم دخل هو أولًا ومن بعده عمران الذي كان يتطلعه بوعيد شيطاني، ثم قبض على فكيه وهو يصرخ به:
_ديل الكلب عمره ما يتعدل يا**** وأنت مكفاكش اللي عملته فيك زمان لما فكرت تعمل نفس ال**** مع فريال، أنا متأكد إني لو دخلت أوضة النوم دلوك مش هلاقي هدوم حريم وو**** بس لكن كمان الحشيش اللي أنا سبق وبلغت عنك ودخلتك السجن والمصحة بسببه ودلوك بلغت عنك تاني بس المرة دي مفيهاش طلعة
ابتسم سليم بثقة وقال في عدم مبالاة:
_مش هتقدر تثبت حاچة وهقول أنه مش بتاعي، وهطلع منها عادي أنا لو منك كنت كبرت دماغي من الكلام ده وروحت لمراتي اسألها الراجل الغريب كان بيعمل ايه معاها في البيت
أظلمت عيني عمران بشكل مرعب وللحظة فقد قدرته على التفكير بعقلانية وباتت عيناه لا ترى شيء أمامها من الظلام، فدث يده في جيب جلبابه وأخرج سلاحه الخاص ثم رفعه ووجهه نحو رأسه وهو يهتف بصوت مخيف:
_احنا معندناش عزيز واللي يغلط ويجيب سيرة حريمنا بالباطل بندفنوه في أرضه، وأنا دلوك شكلي هعمل إكده معاك وهحفرلك قبرك تحت رچلك
لم يرف لسليم جفن وظلت ابتسامته المريبة والمستفزة تزين ثغره وهو يحدق بعمران في تحدي، غير مباليًا بتهديداته ظنًا منه أنه لن يجرؤ على فعلها وكلماته ما هي إلا مجرد عبارات ترهيب لا أكثر، لكن هيهات فقد توسط الشيطان بعقل عمران وكان على وشك فعلها حقًا عندما وضع أصبعه فوق الزناد ولم يكن بين قتله له سوى ثواني معدودة، ولم يوقظه من غفلته سوى صوت الأقدام على درج البناية ثم طرق الباب من قبل الشرطة، فأنزل يده تدريجيًا دون أن يزيح بنظراته القاتلة عن سليم وأعاد سلاحه لجيبه مجددًا ثم اتجه نحو الباب وفتحه وافسح الطريق للعساكر بالانتشار داخل المنزل بينما الظابط الذي اتضح أنه صديق لعمران فقد اقترب منه ورتب على كتفه متمتمًا بنبرة هادئة:
_اهدى ياعمران
اغلق عينيه وهو يضغط على قبضة يده بعنف ويهمس لصديقه بنبرة لا تبشر بالخير أبدًا:
_خده من قصاد وشي يا يوسف قبل ما ارتكب فيه چريمة
اقترب يوسف على أذنه وهتف له بغضب بسيط:
_جرا إيه ما تهدى يامعلم هتضيع نفسك عشان واحد ****.. متقلقش المرة دي لو طلع معاه ممنوعات فعلا تاني مش هيطلع منها
استقرت نظرات عمران الملتهبة على سليم للحظات قبل أن يندفع نحوه ويهمس له بصوت يرهب القلوب:
_احمد ربك أنهم نقذوك من يدي كان زمانك مع الأموات دلوك
قبض يوسف على ذراع عمران وجذبه بعيدًا عن سليم يهتف:
_عمران مينفعش كدا أهدى قولتلك
ثم صاح على أحد العساكر بغضب:
_وأنت يابني تعالى خده على عربية البوكس تحت
تقدم العسكري من سليم وكبل يديه بالأقفال ثم جذبه معه للخارج متجهًا للأسفل حيث سيارة الشرطة، وبعد وقت قصير نسبيًا من البحث داخل المنزل كله بالفعل تم العثور على ممنوعات ومواد مخدرة…
***
داخل منزل خليل صفوان….
كانت فريال تقوم بتجهيز حقائب السفر استعدادًا للرحيل، وبينما كانت منشغلة بتجميع الملابس داخل الحقيبة صك سمعها صوت جليلة وهي تهتف بغيظ:
_قدرتي تاخدي ولدي تحت باطك تاني ورچعلك لا وكمان بتچهزي شنطكم عشان تطلعوا تصيفوا
توقفت يد فريال عن الترتيب واغلقت عيناها بخنق محاولة تمالك أعصابها، ثم انتصبت واعتدلت في وقفتها والقت بالبنطال الذي بيدها داخل الحقيبة في غضب والتفتت لجليلة تنظر لها بقوة وتقول بثقة متعمدة إثارة غيرتها أكثر:
_أيوة رچعلي يامرت عمي هو ملوش غيري أنا وعياله وميقدرش يبعد عنينا، كنت فاكرة أني هسيبه للحرباية اللي جبتهاله دي، لا نچوم السما اقربلك ده أنا بت ابراهيم الصاوي وأنا اثبتلك اهو أني مش لقمة سهلة هتقدري عليا أنتي وحرمة متسواش مليم في سوق الحريم
ابتسمت جليلة بنظرات تحمل الاندهاش من التحول الجديد في شخصية زوجة ابنها، ثم تقدمت نحوها وهي ترفع ذراعيها وتعقدهم أسفل صدرها متمتمة في سخرية:
_وه ده أنتي عودك نشف وبقيتي تعرفي تردي وتاخدي حقك كمان يابت ابراهيم
ابتسمت فريال لها في بسمة صفراء وقالت بقوة:
_البركة فيكي ياحماتي
التهبت نظرات جليلة ثم هتفت بغل وكره:
_أبوكي قتل چوزي وحرمتوني منه.. وأخوكي خد بتي، فكرك هسيبك تاخدي ولدي مني كمان دلوك
صاحت بها فريال منفعلة:
_أبويا مقتلش حد وعمران مخدش بتك منك هو حماها منكم وانتوا السبب في خسارتها مش هو وأنا مخدتش ولدك منك وقاعد چارك أهو
جليلة بصوت موجوع وحقد شديد:
_وأنا إيه عرفني أخوكي بيقول لبتي إيه ما يمكن بيحرضها علينا، وحتى لما أخوها وعمها راحوا ياخدوها اختارته هو، مش مكفيكم حرقة قلبي على چوزي كمان عاوزين تاخدوا عيالي مني
ضيقت فريال عيناها بذهول وعدم استيعاب لما تسمعه منها ثم ردت عليها بغضب وكره:
_أنتي ربنا عاقبك ببتك وخلاها تكرهك بسبب عمايلك واللي عملتيه فيا ولو استمريتي على إكده حتى ولدك هيكرهك، وهتبقي خسرتي الكل بسبب حقدك وقلبك الأسود ده
غلى الدم في عروق جليلة ودون تفكير للحظة واحدة رفعت يدها في الهواء وهوت بها فوق وجنة فريال تصفعها بقوة، ولسوء حظها أن جلال رأى ذلك المنظر فصاح بغضب:
_أمـــا
اندفع للداخل إليهم ووقف أمام أمه يهتف منفعلًا:
_كيف ترفعي يدك عليها
وقفت فريال خلف زوجها ليس احتماء به لكن لتثبت لأمه أنه معها ولن يتركها بينما جليلة فعادت بنظرها لابنها وقالت له في غضب:
_مرتك متربتش ياجلال ولسانها طول وعاوز قصه
جلال بعصبية:
_لو غلطت في حقك تاچي تقوليلي ياما وأنا اربيها بطريقتي واخليها تحب على رجلك كمان لكن مش ترفعي يدك عليها
ابتسمت جليلة بمرارة وهي تنقل نظرها بينه وبين فريال المحتمية خلفه ثم قالت في ألم:
_لا كتر خيرك ياولدي، مرتك ملاك مبتغلطش أنا اللي عفشة
أنهت عبارتها واندفعت لخارج الغرفة لكي تترك العنان لدموعها الحارقة بينما جلال فقد التفت نحو زوجته وسألها باستياء:
_إيه اللي حُصل؟!
تأففت فريال بضيق ثم جلست على طرف الفراش وهي تجيبه بهدوء:
_ولا حاچة شافتني بلم الهدوم في الشنطة ومش عاچبها أننا هنسافر ففضلت تضايقني بنفس الكلام بتاع كل مرة أنها مش هترتاح غير لما تطلقنا ولما أنا رديت عليها برد معچبهاش ضربتني
جلال بنظرات دقيقة ومترقبة لردها:
_رديتي قولتي إيه؟
تمتمت فريال بعبوس:
_ولا حاچة هي بتقول أن عمران خد منها بتها وأنا هاخدك منها فرديت عليها وقولتلها أنها هي السبب في كره آسيا ليها، لو كنتوا اختارتوا تصدقوا بنتكم بدل ما تشكوا فيها مكنش ده كله هيحُصل
طال صمت جلال وهو يحدق بها في ملامح وجه امتزج ضيقها بندمها على ما فعله بشقيقته، ثم جلس بجوارها على الفراش وقال في قلب موجوع:
_فكرك أنا مش ندمان على اللي عملته في آسيا يافريال.. بالعكس وحشتني قوي ونفسي تسامحني بس مش عارف اخليها ترچع تاني كيف الأول إزاي
نظرت له فريال ببسمة دافئة وقالت في أمل:
_آسيا رغم قسوتها وقوتها دي كلها بس قلبها حنين وطيبة قوي وأنا متأكدة أنها هتسامحكم أنت بس حاول تثبتلها ندمك وحبك ليها ياچلال، هي شيفاكم مبتحبوهاش ومش فارقة معاكم وبعتوها بكل سهولة ومحدش فيكم صدقها ولا وثق فيها حتى عشان كدا مش قادرة تصالفكم وتنسى اللي عملتوه فيها بسهولة
تلألأت العبرات المقهورة في عينيه وهو يجيب بصوت مبحوح:
_لما بشوف اللي بيحُصل معانا ومعايا بذات بحس أن ده حقها وعقاب ربنا ليا عشان ظلمتها وكسرتها، يعني ربنا خدلها حقها مني كامل
لمست نبرة الوجع والتعب في نبرته فلان قلبها وذاب جليده للحظة فوجدت نفسها دون وعي تقترب منه وتضمه لصدرها كما كانت تفعل دومًا سابقًا وهي تهمس بحنو وتلثم رأسه بقبلة ناعمة:
_أن شاء الله كل حاچة هترچع كيف ما كانت وآسيا هترچع من تاني وسطينا، أنت غلطت في حقها وندمت بس الندم أهم من الذنب
دفن وجهه بين أحضانها يستنشق رائحتها المفضلة لديه الذي حرم منها لشهور طوال، ولوهلة شعر الزمن توقف به وكأنه نسي كل شيء في تلك اللحظة ولا يريد الأبتعاد عنها أبدًا، كم اشتاق ليديها الناعمتين وهي تمسح فوق شعره وكتفه تخفف عنه همه وتزيح عن كتفيه الأحمال الثقيلة، تضمه لصدرها كما تضم الأم طفلها الصغير وتستمر في تقبيله وغمره بحبها وحنانها.
ابتعد عن صدرها بعد دقائق قصيرة ونظر في عينيها مبتسمًا بحب وهو يقول:
_كنت مشتاق لحضنك ده قوي يافريال وكنت تايه من غيره مش لاقي مكان يسعني ولا يخفف عني كيف ما أنتي بتعملي
عادت لعقلها وأدركت فعلتها الساذجة فاستقامت واقفة وراحت تكمل ترتيب حقيبتها وهي تجيبه بجفاء عكس الحنان الذي كانت تغمره فيه منذ قليل:
_أنت اللي حرمت روحك منه باللي عملته، كنت تايه عشان عارف نفسك غلطان ومفيش مخرچ ليك من ذنبك
هتف بعين لامعة بوميض الأمل والعشق:
_وعرفت غلطي وندمت وأنتي لساتك قايلة أن الأهم من الغلط هو احساسك بالندم
التفتت له ورمقته بقوة في نظرات مقهورة كلها كسرة:
_وأنت متعصبتش عليا ولا اتخانقنا خناقة بسيطة عشان يبقى غلطك عادي وأول ما تندم اسامحك، أنت قتلتني ياچلال وكسرتني.. كنت بموت في الليلة ألف مرة وأنا عارفة أنك معاها ونايم في نفس السرير جمبها
استقام واقفًا واقترب منها أكثر وهو يهمس بمرارة:
_قوليلي طيب اعملك إيه عشان اخليكي تسامحيني، أنا مهما تقولي وتعملي ومهما اتعصب منك مش قادر على بعدك، قلبي بيتقطع وأنا شايفك بعيدة عني ومش بتبصي في وشي
أجابته بصوت مبحوح تحاول الثبات أمامه قدر استطاعتها:
_متعملش حاچة ياچلال معدتش مستنية منك حاچة أساسًا
أغلق عينيه يجاهد في منع دموعه من السقوط بينما هي فتابعت بخفوت ونبرة رقيقة:
_روح راضي أمك، أنا مهما اضايق منها على اللي بتعمله معايا بس أحيانا بديها العذر وبقول هي معذورة وقلبها محروق على موت چوزها وكره بتها ليها وعشان إكده مش بتحبني وبتعاملني إكده، متوچعش قلبها اكتر ببعدك أنت كمان عنها
ابتسم لها بدفء وحب ثم انحنى عليها ولثم شعرها بحنو متمتمًا:
_حاضر
ظلت متصنمة مكانها دون حركة حتى غادر الغرفة وتركها فرفعت أناملها تمسح دموعها من فوق وجنتيها وهي تتنهد الصعداء بقلة حيلة…
***
عودة للقاهرة……
كانت آسيا تجلس على الأريكة حيث كانت جالسة عندما كان ذلك المشؤوم موجود بمنزلها، ربما لأول مرة في حياتها تشعر بهذا الرعب، كانت تحارب داخل عقلها الذي لا يتوقف عن التفكير به خوفًا من جموحه أن يؤدي به لطرق مظلمة لا مخرج منها وبين ارتيعادها من بطشه الذي سيكون لها نصيبًا منه عندما يعود، لم تكن أبدًا تتخيل أنه سيأتي اليوم الذي تتمنى فيه عدم عودته للمنزل.
تستمر في عض شفاها السفلية من التوتر، وتفرك يديها ببعضهم، أما قدماها فكانت لا تستطيع السيطرة عليها فقد كانت تهتز بعنف وتضرب بباطن قدمها الأرض دون توقف، وأنفاسها المتسارعة لا تساعدها على الاسترخاء والبقاء صامدة، فمن يراها بهذا الشكل المرتعد لا يصدق أبدًا أنها آسيا المتجبرة التي لا تهاب أبدًا وتقف أمام الجميع بكل شموخ، فجأة تحولت وأصبحت أنثى رقيقة وناعمة! .
انتفض قلبها في صدرها عندما سمعت صوت الباب ينفتح وبلحظة هبت واقفة وهي ممسكة بعكازها تضغط عليه بقوة وتتشبث به كأنها تستمد القوة منه لتظل صامدة أمام الفيضان المدمر الذي وصل، ازدردت ريقها بخوف عندما رأته يدخل من الباب وأغلقه ثم التفت لها بجسده وعندما رأت نظراته شعرت بأن الشجاعة المزيفة التي كانت تتمسك بها كلها فرت هاربة، حاولت الثبات دون أن تتزعزع عندما رأته يتقدم منها بتريث وبنظرات متوعدة، حتى وقف أمامها أخيرًا وقد وصلت للحظة التي تمنت أن لا تأتي أبدًا، فوجدته يقبض على ذراعها بعنف دون شفقة هاتفًا :
_كان بيعمل إيه إهنه؟
لم تقوى على النظر لوجهه فأطرقت رأسها أرضًا وأغلقت عيناها بخوف محاولة السيطرة على نبضات قلبها القوية، لكن ثباتها المزيف انهار وشعرت بقدماها لا تستطيع حملها عندما سمعت صرخته الجهورية بها:
_انطقي
لمعت عيناها بالعبرات وردت عليه بصوت ضعيف أخرجته بصعوبة:
_ولا حاچة والله اتكلم كلام غريب كدا وبعدين أنا طردته يعني لما أنت وصلت أنا كنت طردته أساسًا، قولي أنك معملتلهوش حاچة ياعمران
دث يده في جيبه وأخرج سلاحه ثم ألقاه على الأريكة أمامها وهو يهتف بعينان مظلمة:
_ربنا نچده من يدي على آخر لحظة وإلا كان زمانه دلوك في المشرحة
اتسعت عيناها بذهول عندما رأت السلاح وازدادت حدة نبضات قلبها ارتيعادًا بينما هو فباغتها بصرخة جعلت أعضاء جسدها كلها ترتجف:
_يا ترى قالك إيه عاد خلاكي تدخليه البيت
رفعت كفها تخفي وجهها وهي تحاول أن تظل صامدة بينما هو فزداد طوفانه شراسة أكثر وراح يصرخ بنبرة جعلت من صوته ليس طبيعيًا:
_سكوتك ده بيعفرتني أكتر انطقي ومتخلنيش اعمل حاچة مش عاوز اعملها
لا تعرف من أين جاءتها الجرأة وهي ترتجف رعبًا أساسًا منه أن ترد عليه وتقول بغضب وصوت مرتبك:
_كل اللي عمله قال كلمتين وأنا طردته ياعمران، أنت بتعمل إكده ليه شاكك فيا يعني ولا إيه
ليتها لم تتحدث وظلت صامتة فقد هيجته أكثر وجعلته يثور حيث ضغط على ذراعها بعنف أشد دون رحمة وهو يقول بنظرة مميتة:
_هو أنا لو شاكك فيكي كنت هكلمك إكده، كنت قتلتك أنتي وهو من زمان
اتسعت عيناها بصدمة وكانت تلك اللحظة الحاسمة لإيقاظ ساحرتها المرعبة حيث صرخت به بغضب وهي تدفع قبضته عنها بكل قوة:
_آه ما أنتوا القتل عندكم سهل.. كيف ما أبوك قتل أبويا أنت كمان تقتلني.. يلا هات سلاحك ده واقتلني
صر على أسنانه بغضب هادر وقال في لهجة محذرة لا تبشر بالخير أبدًا:
_اقفلي خشمك ده ومسمعش حسك واصل
تطلعت في عينيه بعناد وهي تجيب صائحة بصوتها الناعم مقارنة بصوته الرجولي الذي يحبس الأنفاس:
_لا مش هقفله، يلا وريني رچولتك وهتقدر تقتلني كيف
أصبح وجهه كله مكفهرًا وكأنه جسد بلا روح خرجت للتو من قبرها وبلحظة غضب من الشيطان مثل التي كانت تستحوذ عليه مع سليم رفع يده في الهواء وكان على وشك أن يصفعها لكنه توقف على آخر لحظة عندما رآها تشيح بوجهها عنه للجهة الأخرى وتحتمي منه بيديها وهي تخفي بها وجهها حتى لا تطولها صفعته.
تصلبت يده في الهواء وهو يقفل قبضته ضاغطًا عليها بعنف مغتاظًا من نفسه ومنها ولم يكن أمامه شيء ليفرغ به شحنة جموحه المكتظة في روحه سوى الطاولة الصغيرة التي بجوارهم وكان فوقها كاسات وبعض التحف الفخارية والزجاجية فازاحهم كلهم بيده واسقطهم على الأرض ليتهشموا إلى قطع صغيرة ثم دفع الطاولة بقدمه فسقطت هي أيضًا على الأرض.
تقهقهرت آسيا للخلف في خوف حقيقي فهي لأول مرة تشهد ذلك الجانب المرعب منه، بدا مريبًا ومخيفًا كوحش مفترس بإمكانه تدمير أي شيء تطوله يداه، حتى مقعد الأريكة لم يسلم منه حيث دفعه بقدمه بقوة فاهتز وكاد يسقط على الأرض، كانت هي تتابعه بنظراتها المصدومة والمرتعدة وهي تقف بأحد الزوايا منكمشة على نفسها وملتصقة بالحائط.
بينما هو فبعدما توقف التفت لها وطالعها بذلك الوجه الذي يشبه الأشباح وقال في غضب ولهجة محذرة لا تحمل أي تهاون أو مزاح:
_متحاوليش تستفزيني تاني وأنا متعصب لو مش حابة تشوفي الجانب المرعب ده مني، أنا لساتني مخلصتش حديت معاكي بس هبعد وهكمله بعدين لأن لو كملت دلوك مش ضامن روحي ممكن أعمل إيه اكتر
انهى عباراته ثم تركها واتجه لغرفة النوم بالداخل ثم إلى الحمام لكي يأخذ حمامًا دافيء يهدأ من ذلك الحريق المشتعل في صدره كلما يتذكر كلمات ذلك الوغد وهو يلمح بأن هناك علاقة بينه وبين زوجته أو أن زيارته القصيرة في منزله معها لم تكن بريئة أبدًا وأن هناك بعض الحلقات المفقودة لا يعرفها.
كان يحاول طرد تلك الأفكار من عقله حتى لا يزداد جنونًا لكن صوته وهو يستمر بقول” مراتك ” وتذكره لما فعله بشقيقته يوقظ بركانه مجددًا، فانتهى به المطاف واقف أسفل المياه الباردة بالحمام يتركها تنهمر على جسده المشتعل علها تطفأ نيرانه…
***
ظلت آسيا مكانها لدقائق طويلة تحاول استعادة بأسها وأنفاسها الطبيعية مجددًا بعد ذلك الطوفان المدمر الذي انفجر بها وبالمنزل، فكأنها شهدت حدثًا لم تكن تراه سوى في الأفلام والقصص والذهول مازال يستحوذ عليها حتى الآن.
تحاملت على عكازها وتحركت بخطوات بطيئة نحو الأريكة حتى تجلس وترتاح لكنها توقفت بمنتصف الطريق عندما داهمها دوار غريب وشعرت بالبرودة في كافة أنحاء جسدها فتسارعت نبضات قلبها ثم ازدادت حدة الدوار حتى بدأت تغلق عيناها ببطء متغيبة عن الواقع وسقطت على الأرض.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)