رواية مهمة زواج الفصل السادس عشر 16 بقلم دعاء فؤاد
رواية مهمة زواج الجزء السادس عشر
رواية مهمة زواج البارت السادس عشر
رواية مهمة زواج الحلقة السادسة عشر
حين انتصف النهار قامت دارين بالاتصال بأدهم لتستكمل بقية خطتها اللئيمة، في بادئ الأمر استغرب من اتصالها بعدما قام بفسخ خطبته بها، و لكنه لم ينكر على نفسه أنه مازال يحب رؤيتها و التحدث اليها..
ـــ ألو… الحمد لله يا دارين.. انتي اللي عامله ايه..
ـــ بخير يا أدهم.. بعد اذنك كنت عايزة خدمة صغيرة منك.
ـــ أنا تحت أمرك طبعاً..
ـــ مرسي يا أدهم و دا عشمي فيك طبعاً… بس ينفع لو مفيش عندك مانع نتقابل و احكيلك على اللي عايزاه؟!
سكت مليا يفكر… لم لا؟!.. فلا ضير من رؤيتها.
ـــ تمام يا داري مفيش مشكلة.
ابتسمت حين ناداها بتلك الكنية المحببة اليها ثم قالت بسعادة غامرة:
ـــ بجد يا أدهم مش عارفه أشكرك ازاي..
ـــ على ايه يا بنتي.. عادي.. انتي بالنسبالي حد مهم و مقدرش ارفضلك طلب.
تنهدت بحالمية ثم سألته بهيام:
ـــ بجد يا أدهم؟!
أومأ مؤكدا:
ـــ أيوة طبعاً بجد..
ـــ طاب حيث كدا بقى نتقابل في كافيه نايل و شوف الميعاد اللي يناسبك.
ـــ خلينا نتقابل ع الساعة ٨ بالليل كدا.
ـــ تمام في انتظارك.. باي
ـــ باي.
أغلقت الهاتف و هي تفكر بتركيز شديد في تلك الخطة المحكمة التي أعدتها لتعيدها على نفسها عشرات المرات قبل ساعات قليلة من تنفيذها.
في مدينة برلين….
خرج لتوه بعد عملية عسيرة دامت لأكثر من عشر ساعات يزيح حبات العرق عن جبينه ليبشر ذلك الذي كاد قلبه أن يتوقف من فرط الخوف و القلق ليقول له بنبرة منهكة:
ـــ محمد أنا مش عارف أعزيك ولا أهنيك…. الحمد لله مودة لحد اللحظة دي امورها ماشية تمام و هتخرج من العمليات بعد شوية على جهاز تنفس صناعي لحد ما نطمن ان جسمها اتوافق مع القلب الجديد و مش هيرفضه… انما ميريهان بقى….. البقاء لله.
تهدل كتفيه من الحزن و كسى الوجوم ملامحه المهمومة، فتمتم بصبر و جلد:
ـــ انا لله و انا اليه راجعون… الحمد لله على كل حال… ربنا يتمم عملية مودة على خير و يصبرني على فراق أختها…
قال عبارته الأخيرة ثم انخرط في بكاء مرير اهتز له جسده بالكامل، فأخذ الدكتور رؤف يربت على كتفه بمواساة و هو يقول:
ـــ خليك جامد للآخر يا محمد…. و شوف كدا هتدفن ميري فين؟!
أخذ يمسح عبراته بيده ثم قال بنبرة باكية:
ـــ هاخد الجثة و ارجع ادفنها في مصر… عشان لما ارجع مع مودة بالسلامة نبقى نزورها في قبرها علطول..
ـــ تمام… احجز و شوف إجراءاتك… اكرام الميت دفنه..
هز رأسه بايجاب ثم أخذ يفكر في تلك الدوامة التي أخذته الى القاع حتى أنه لا يدري كيف أنه واقفا على قدميه الى الآن… و لكنها تلك القوة التي أمدها الله بها لكي ينقذ ما يمكن انقاذه.
لم يطيق آسر البقاء في عمله… فليس لديه من التركيز ما يعينه على ممارسة مسؤلياته المعتادة، فاستأذن من مديره الذي التمس له العذر بعدما علم بما حدث مع خطيبته…
خرج من المبنى ليسير بسيارته في الشوارع بلا هدف… كل مكان يمر به يراها فيه…فقد مرت معه في كل الأماكن… تركت له ذكرى هنا و أخرى هناك.. يا الهي كيف سيعيش بدونها؟!.. لقد كان قاب قوسين أو ادنى من خطوة الزفاف.. ذلك العش الذي لطالما انتظره طويلا لكي يجمعهما… جائته تلك الريح العاصفة التي خسفت به الأرض و بقي هو يبكي على الأطلال…
بينما هو في خضم تيهه بين الشوارع و الطرقات أتاه اتصال من حماه يخبره أن ميريهان قد فارقت الحياة و أنه سيعود بها في الطائرة التي ستصل مطار القاهرة صباح الغد، و اغلق الهاتف سريعا قبل أن يسمع من آسر ما لا يرضيه من لوم او عتاب… فهو يجهل الأمر برمته و لا يعلم شيئ عن ضرورة سفر ميريهان مع شقيقتها…
بمجرّد ان انقطع الاتصال أصبح جسد آسر كالهلام… و كأنه جسدا خاويا بلا روح.. نعم يدرك النهاية جيدا و لكن دائما حدوث الحقيقة و تحولها الى امر واقع وقعها صعب على العقل تحمله او استيعابه..
ركن سيارته على جانب الطريق حتى يتمالك أعصابه التي انفلتت منه للغاية، و أخذ يلتقط أنفاسه المتلاحقة…. ثم رغما عنه خرج صبره عن السيطرة و صاح بعلو صوته بآهة ألم مزقت كيانه ثم هدأ بعدها قليلا حتى ثقل رأسه و أسندها على تارة القيادة..
عاد من عمله في السابعة مساءا و كانت حينئذٍ ندى خارجة لتوها من المطبخ، و حين سمعت صوت انغلاق الباب توقعت عودته فاستقبلته ببسمة واسعة و كانت مرتدية بيجامة بيتية بنصف كم راسمة تفاصيل جسدها، فكانت مثيرة حقا… اجفلت بخجل حين رمقها بنظرات الاعجاب، فاخفضت جفنيها و هي تقول بحياء:
ـــ حمد الله على السلامة..
ــــ الله يسلمك..
اقترب منها في حركة فاجئتها و قبل مقدمة رأسها بغرض تقريب المسافات بينهما، فازداد خجلها أكثر، و لكنها تغلبت على ذلك ثم قالت:
ـــ على ما تغير هدومك هكون جهزت العشا.
رد عليها بتعب:
ـــ لا أنا مش هتعشى دلوقتي… عندي مشوار كدا هخلصه و لما ارجع هبقى اتعشى… انا داخل اخد شاور..
هزت رأسها باحباط… فهي كانت تتطلع لتناول العشاء برفقته..
ـــ طاب هعملك ساندوتش تاكله ع السريع..
لم يُرِد أن يحرجها فاومأ موافقا ثم تركها و سار باتجاه غرفته.
نزع ملابسه الميري ثم جلس على حافة الفراش حين داهمه صداع قوي، فتمدد بجسده على الفراش بملابسه الداخلية لعل الصداع يقل…
و لكنه غفى دون أن يشعر من فرط التعب.
بعد قليل دلفت ندى و بيدها طبق به شطيرتين، فوجدته هكذا نائم بتلك الملابس، فاقتربت منه تقف بجواره و هي في حيرة من أمرها… أتوقظه ليأكل و يذهب الى حيث أخبرها أم تتركه يكمل نومه…
ـــ أدهم… أدهم..
أخدت تهزه برفق و لكنه لم يصدر عنه أي حركة و كأنه مقتول.
هزت رأسها باشفاق، و وضعت الطبق جانبا ثم جلست بجواره على حافة الفراش، تأملته مليا تريد أن تتحسس ملامحه التي تعشقها و لكنها مترددة…تخشى أن يستيقظ من لمستها تلك…و لكنها أقنعت نفسها أنه لا ضرر من الاستمتاع و لو ثواني برائحته التي أدمنتها و كأنها مادة مخدرة لم تعد تستغنى عنها….
فأمالت برأسها عليه تستنشق عبير عطره مستندة بكفها الأيمن على كتفه الأيسر، فتذكرت ذلك الحلم الذي راودها في الصباح حين كانت في حلمها بين ذراعيه تدفن رأسها بين رأسه و كتفه و تتنفس رائحته، فابتسمت بحالمية و هي تأخذ نفسا عميقا تملأ بعبيره رئتيها، و لكن لحظها العثر سقط شعرها الناعم القصير على عينه ليفتحهما بغتة و كأنه لم ينم لحظة، ليجدها مائلة عليه هكذا و أنفاسها تلفح عنقه فامتدت يده اليمنى الحرة البعيدة عنها لتقبض على ذراعها المستند على كتفه، فانتفضت مفزوعة و قامت سريعا من عليه، فنهض هو الآخر من نومته ليجلس و هو يمسح وجهه من أثر النوم بينما هي أصابها التوتر البالغ و تجمد الدم في عروقها و وقفت أمامه كالمذنب ثم أخذت تفرك كفيها بتوتر و هي تقول بنبرة مهتزة:
ـــ أنا… أنا كنت بصحيك عشان… عشان تاكل و تخرج.
نظر لها باستنكار و هو يتأمل ارتباكها، ثم هتف بدهشة:
ـــ في ايه يا ندى ايه اللي حصل يعني.. اهدي كدا… ليه التوتر دا كله..
ـــ ها!..
أشفق على خجلها فقام بتغيير مجرى الحديث:
ـــ أنا فعلا جوعت اوي… فين السندوتشات؟!
انحنت سريعا لتعطيه الطبق فأخذه منها ثم قضم قطعة من احداهما و سألها و هو يلوك الطعام بفمه:
ــــ هو انا نمت كتير؟!
هزت رأسها بالنفي:
ــــ لا.. انا عملت السندوتشات بسرعة و دخلت لقيتك نايم.
هز رأسه عدة مرات و هو يتطلع اليها بسرحان ، فقد حقا أفقدته عقله بقربها الزائد منه…ترى هل حقا كانت توقظه أم انها فعلت معه ما فعله معها ذلك الصباح…
نفض تلك الأفكار عن رأسه ثم نهض من الفراش و هو يقول بجدية:
ـــ انا كدا هتأخر على الميعاد..
حمحمت ثم قالت بتهرب:
ـــ طاب انا هروح اشوف ماما تيسير..
أومأ و لم يعقب، فهو أراد ايضا أن يهرب من أمامها بعدما بعثرت كيانه خلال تلك اللحظات و أصبح مشتتا للغاية… هل أحبته أيضا كما أحبها؟!….
بينما هي فرت الي غرفتها و هي تعض على اناملها من الندم… ما كان ينبغي أن تبادر هي بالقرب…ما كان ينبغي أن تلمسه…فهي المطلوبة و لا بد ألا تكون سهلة المنال هكذا..
ظلت تجلد ذاتها و هي تدور بغرفتها ذهابا و ايابا و لم تجرؤ على الخروج منها حتى لا تواجه بعد فعلتها تلك.
و في تلك الأثناء تماما …
وصلت دارين الى المقهى مبكرا عن موعدها مع أدهم لتراقب ذلك النادل الذي يدور بصينية المشروبات هنا و هناك، فنادته بأدب ليقبل عليها..
ــــ أي خدمة يافندم؟!
ــــ ايوة.. انا فعلاً عايزة منك خدمة و اللي تطلبه انا تحت امرك.
التمعت عيناه بطمع فأومأ يحثها على قول طلبها، فاستخرجت تلك الزجاجة الصغيرة من حقيبتها ثم قالت له بصوت اقرب الى الهمس:
ـــ بص.. انا جوزي جاي يقابلني كمان شوية عشان في مشاكل بينا كدا هنحاول نحلها… اصل في واحدة حيوانة عملتله عمل و خطفته مني و انا عايزاه يرجعلى تاني بأي طريقة.. فأرجوك عايزاك تساعدني و كوبابة العصير بتاعته تحطله فيها من العمل دا عشان يرجعلي..
اتسعت عيني النادل باستنكار و اخذ يردد برفض:
ـــ لا لا طبعاً.. انا مستحيل اعمل كدا.. افرض دا سم يبقى انا كدا قتلته بايدي..
اسرعت تقول بلهفة:
ـــ لا و الله ماهو سم… انا عندي استعداد اشرب منه قدامك عشان تتأكد… دا مجرد عمل او سحر يعني عشان يرجعلي.. و للأسف لو كان رضي نتقابل في بيتنا كنت اكيد مش هلجأ لحضرتك بس هو مش عايز يرجع البيت حتى نتقابل فيه و نحل مشاكلنا.. الله يخليك يا استاذ ساعدني و المبلغ اللي تطلبه انا تحت امرك… ايه رأيك تاخد ألفين جنيه؟!
ـــ ألفين جنيه؟!
قالها بذهول و هو يحك مؤخرة رأسه بتفكير، فحركة كهذه لن تكلفه شيئ و لن تأخذ من وقته ثوان ستدر عليه نصف راتبه تقريباً..
ــــ حضرتك متأكدة ان دا مش سم… و ان دا مش هيضره ولا يشيلني ذنبه؟!
ــــ لا لا لا اطلاقا… و الله ما هيجراله اي حاجة.. دا جوزي و انا هخاف عليه اكتر من اي حد في الدنيا.
مد يده أخذ الزجاجة بتردد ثم قال بقلة حيلة:
ـــ ماشي… بس هاخد الفلوس دلوقتي.
فتحت حقيبتها لتستخرج المال الذي اعدته مسبقا و ناولته اياه و هي ترسم على شفتيها ابتسامة الانتصار فأخذ منها الأموال و دسها سريعا في جيب سترته قبل أن يراه أحد ثم دس الزجاجة في جيب بنطاله..
ـــ العصير بتاعه هتحطه قدامه ناحيته بالظبط و انا بسرعة هاخد كوبيتي قبل ما الكوبايات تتبدل.
أومأ موافقا و هو يرتعش من الخوف ثم انصرف الى زبون آخر…
في محافظة سوهاج..
كانت الأجواء احتفالية و الزينة و الأضواء الملونة منتشرة على امتداد الدوار و صوت الطبل و المزمار يغطي على أي صوت ، و قد انقسمت حديقة الدوار الكبيرة الى قسمين… قسم للرجال و قسم للسيدات تفصلهما حاجز كبير من قماش الخيام المزخرفة بالنقوش الاسلامية ..
و قد كان قسم الرجال مكتظ على آخره بأعيان البلدة و البلاد المجاورة و كان حمد يجلس بين الحضور بالجلباب الصعيدي، فهو الزي الرسمي لتلك المناسبات.
كان يجلس و بجواره شقيقه الأكبر يستقبلان الضيوف تارة و يرقصان بالخيول تارة أخرى في اجواء حماسية للغاية.
بينما في الجهة الأخرى تجلس العروس بفستانها الذهبي و طرحتها البيضاء المزرقشة بين السيدات تراقبهن و حسب..و كانت عائشة تحثها على الرقص و لكنها لم تستجب أبداً بحجة الخجل…بينما هي في الحقيقة كانت تنتظر الاشارة من أمها..
و كانت ريم تجلس بين السيدات تصفق على تلك الاغاني الفلكلورية الخاصة بالصعيد وحده و تتابع رقص الفتيات و مستمتعة للغاية بتلك الاجواء الجديدة التي تراها لأول مرة و بالطبع رافقتها مارتينا في التصفيق و الضحك.
على الجهة الأخرى…
همس معتصم بأذن أخيه ببضع كلمات ثم استأذن من الحضور و ذهب باتجاه خيمة النساء، و قبل أن يحمحم بصوت عال ليعلمن بقدومه، وقف منبهرا تغمره حالة من الاعجاب حين وجد ريم تتمايل مع مارتينا و تضحك بسعادة غامرة و تصفق مرتدية فستان أبيض قصير مزين بزهور حمراء صغيرة يُظهر كاحليها و لكن تغطيهما بـ “ليج ان” طويل ابيض و تنتعل حذاء ابيض و حجاب قصير احمر فكانت مميزة و جميلة بتلك الضحكات التي زينت ملامحها المريحة… كما أنه لأول مرة يراها ترتدي شيئا آخر بخلاف البناطيل الضيقة و القمصان الطويلة… يا الهي لقد كاد يفقد عقله من فرط انبهاره بها.
سرق من الزمن لحظات يتأملها بإبتسامة حالمة و كأنه لم يكن هو…هو حقا بدأ ينسى أنه الكبير في حضرتها…
ثم سرعان ما عاد لرشده مستعيدا هيبته و وقاره و من ثم حمحم بصوت عال حتي تنتبه لهن النساء و يتوقفن عن الرقص وبالفعل قد فعلن…
أقبل على العروس التي كانت تجلس بين أمه و أمها ثم قال بصوته الغليظ:
ـــ مبارك يا عروستنا…. حمد عيدخل دلوق يلبسك الشبكة…ربنا يتمم بخير ان شاء الله.
أومأت بخجل و هي تنظر أرضا، و بعد قليل دلف اليهم حمد و تقدم منهن فنهضت أم صافية لتحضر علبة الذهب فجلس حمد مكانها و هو ينظر بطرف عينه الي عروسه الخجلى فقد كانت جميلة حقا، و لكن آه لو اكتمل جمال وجهها بجمال عقلها.. و لكن ليس كل ما يتمناه المرء يناله.
وقف معتصم خلف شقيقه ثم قام بالباسها الذهب و قامت بالباسه خاتم الخطبة الرجالي ثم علت الزغاريد من قبل النساء و انطلقت الطلقات النارية تدوي في السماء..
ـــ مبارك يا صافية..
قالها حمد برقة فابتسمت تلك البسمة التي اظهرت غمزتها الوحيدة، فحاول تناسي لقائه الاخير بها و ركز أكثر على تلك الابتسامة الساحرة التي سلبت عقله.
تقدمت منهما ريم لتبارك لهما فراقبها معتصم بنظرة معجبة لم تخفى عليها و لكنها تجاهلت نظراته و لم تعيره اهتماما ثم قالت برقتها المعهودة:
ـــ مبروك يا عروسة.. مبروك يا استاذ حمد… ما شاء الله عروستك زي القمر..
ــــ الله يبارك فيكي يا دكتورة… عقبالك.
اتسعت بسمة السيدة ام معتصم لتقول بسعادة:
ـــ عجبالك يا بتي… و الله نورتي الجعدة الزينة دي..
ـــ شكرا يا حاجة.. انا مبسوطة اوي اني في وسطكم النهاردة..
أتاها صوت معتصم الغليظ:
ـــ عجبالك يا ضكتورة…
كتمت ريم ضحكتها بشق الأنفس، فهناك فارق كبير بين وجهه الآن و وجهه الآخر الخفي، و أجابته و هي تكتم ضحكتها بصعوبة:
ـــ ميرسي يا معتصم بيه.. عقبالك انت كمان.
بالطبع لاحظ ضحكتها التي تحاول اخفائها و قد فهم سبب تلك الضحكة، فابتسم هو الآخر محاولا كبت ضحكته… فلولا ذلك الجمع من الناس لانفجرا سويا في الضحك.
عادت ريم لمجلسها بجوار مارتينا و هي تتحاشى النظر تجاهه، بينما هو غادر مجلس النساء سريعا قبل أن تفضحه نظراته لها بينهن.
رن هاتف ريم التي كانت تحمله بيدها طيلة الوقت، و قد كانت أمها هي المتصل…
ـــ مارتينا انا هخرج برا اكلم ماما اصل الصوت هنا عالي اوي و مش هنسمع بعض..
أومأت لها ثم تابعت التصفيق و الغناء، بينما ريم فتحت الخط بعدما ابتعدت كثيرا عن محيط الحفل حتى يتثنى لها سماع أمها…
استمرت المكالمة بينهما دقائق قليلة اطمئنت خلالها تيسير على ابنتها المغتربة، ثم انتهى الاتصال..
و لم تكد ريم تخطو خطوة واحدة في طريق عودتها للدوار حتى سمعت نباح الكلاب يأتيها من الاتجاه الذي من المفترض أن تسير ناحيته، انقبض قلبها و تجمدت الدماء في عروقها حين ظهرت لها من العدم مجموعة من الكلاب تنبح بقوة و كأنها تنتظر اشارة الهجوم عليها…
ازدادت ضربات قلبها بالتزامن مع زيادة معدل التنفس من فرط الخوف، و لم تجد بدا من الركض من أمامهم لعلها تنجو بنفسها، فركضت في الجهة الأخرى بعيدا عن الدوار لتركض الكلاب بدورها خلفها و يا ليتها ما فعلت…
أدركت انها أخطأت حين ركضت فقد ازدادت الكلاب شراسة و ازداد ركضهم خلفها و لكنها استمرت في الركض على ايه حال و هي تبكي من الخوف و تكاد تسقط في أي لحظة…
و لكن لسوء حظها لحقها أحد الكلاب لينهش كاحلها فصرخت بعلو صوتها من شدة الألم و الخوف بذات الوقت، و لكن من سيسمعها في هذا الطريق الزراعي الغير مأهول بالسكان..
يبدو أن الكلاب قد خافت فتركتها مسجية على الأرض و انسحبت بعيدا عنها… بينما بقيت هي تتنفس بصعوبة بالغة و جسدها متعرق للغاية و ينتفض من شدة الخوف… فان نجت من الكلاب.. فهل ستنجو من الظلام الدامس الذي يحيطها؟!.. ثم من أين لها طريق العودة؟!
انكمشت على نفسها على جانب الطريق الترابي تنتظر النجاة و هي تحاول السيطرة على حالة الهلع التي أصابتها و لكن الأمر قد خرج عن السيطرة.. تبا لتلك الحالة التي ستفقدها حياتها يوما..
اوشك الحفل على الانتهاء، و قد انتاب القلق مارتينا، فريم لم تعد بعد..
قامت بالاتصال بها عدة مرات و لكن في كل مرة ينفتح الخط و لا تجيب، الأمر الذي أثار رعبها عليها و لم تجد بدا من اخبار معتصم لعله يساعدها..
حين أخبرته بما حدث صاح بها بحدة:
ــ غايبة بقالها اكتر من ساعة و لسة جاية تقوليلي دلوقتي؟!
ردت ببكاء:
ـــ انا انا اتلهيت في الفرح و…
قاطعها بزمجرة عالية ينادي بها على سمعان:
ـــ سمعااااان..
هرول اليه الخفير في لحظات ليهتف به بصوت جهوري:
ـــ خود الرچالة و اجلب البلد على الضاكتورة ريم… و لو لاجيتها رن عليا طوالي..
ـــ أوامرك يا كبير.
ـــ عيشة..
أقبلت عليه أخته و هي في حالة من الذهول من قلق أخيها المبالغ فيه ليهتف بها:
ـــ خودي نعمة و دوري في الدوار قوضة قوضة… و المضيفة قمان..
أومأت بخنوع ثم ذهبت الى داخل الدوار، بينما الحاجة ام معتصم كادت تبكي من القلق و أخذت تدعو لها بالرجوع سالمة..
ـــ وينه حمد؟!
أجابته أمه:
ـــ حمد ادلى يوصل عروسته و خواتها لدارهم يا ولدي..
أخذ نفسا عميقا ثم استل هاتفه من جيبه ليتصل بـ ريم لعلها تجيبه و بالفعل فتحت الخط و لكن صوتها يأبى الخروج و لكن على الأقل اطمئن أنها ربما تكون بخير…….
ركض خارج الدوار و الهاتف على أذنه ليحثها بقوة على الرد:
ـــ ريم… انتي فين… ردي عليا يا ريم أنا معتصم..
حين أتاها صوته أجهشت في بكاء مرير وصل إليه الأمر الذي دب الرعب في أوصاله و أدرك أن حالة الهلع قد أصابتها و بالطبع السبب مرعب.
ابتلع ريقه بصعوبة من فرط القلق ثم قال بهدوء:
ـــ ريم عشان خاطري اهدي و اتنفسي براحة عشان اعرف مكانك و اجيلك أخدك.
أيضا لا رد…فقط شهقات عالية هو كل ما يستطيع سماعه، اخذ يركض بعيدا و بعيدا لعله يراها و الخط مفتوح، ثم قال و هو يكاد يفقد عقله:
ـــ ريم انا معاكي ع الخط متخافيش…انا معاكي يا حبيبتي مش هسيبك..اهدي عشان خاطري..حاولي تتنفسي براحة عشان صوتك يطلع…قوليلي انتي فين؟!
بالكاد استطاعت ان تقول:
ـــ معرفش..
أحس بقليل من الارتياح حين أتاه صوتها، ثم حثها على التحدث:
ــــ طاب انتي شايفة الزينة و النور اللي في الدوار؟!
ـــ لأ..انا…بعيد..
أغمض عينيه برعب،ثم واتته فكرة ليقول و هو يركض ابعد و ابعد:
ـــ طاب عايزك تركزي معايا كويس…افتحي الـ gps من تليفونك و ابعتيلي مكانك..
لم ترد و انما قامت بما قاله بيدين مرتعشتين، فأتته رسالة بموقعها، فتنفس الصعداء ثم قام بخلع جلبابه الذي أعاق حركة ركضه و ألقاه على الطريق و بقي بالسروال و بادي كات رجالي، ثم تتبع الـ gps جريا حتى ينقذها سريعا قبل أن يصيبها مكروها حتى تقريباً وصل لمكانها…
قد انقبض قلبه حين تبين له أنها قابعة هنا بهذا الطريق المهجور حيث تكثر الحيات و العقارب و لكنه لا يراها…أخذ ينادي بملئ فمه:
ـــ رييييييم….ريييم انتي فين…ريييم..
لمح ذلك الضوء الخافت و الذي يبدو أنه ضوء الهاتف الذي ظهر من الجانب النائي للطريق فسار اليه ركضا لتظهر له أخيرا و هي متكومة على نفسها و فستانها الابيض ملطخ بالسواد و حجابها ساقطا من على رأسها و جسدها ينتفض بشدة و انفاسها متسارعة للغاية..
ـــ ريم..
بمجرد أن سمعت صوته و رفعت رأسها إليه فرأته أمامها.. لا تعرف كيف ألقت بجسدها على صدره ليلتقفها بين ذراعيه و يطوقها بشدة، فانفجرت في البكاء و النواح بحرقة و كأنها قد فقدت عزيزا…بينما هو أخذ يمسح على رأسها تارة و يشدد من احتضانها تارة أخرى و هو يغمض عينيه بألم يعتصر قلبه لأجلها…لقد كاد أن يفقدها…كان كالمجنون قبل أن يجدها…لا يدري كيف وجد ذلك الهدوء و العقل اثناء بحثه عنها..
كلما تخيل أنها بقيت أكثر من ساعة بمفردها في ذلك المكان الموحش يكاد قلبه ينخلع، كيف تحملت ذلك… تلك الرقيقة التي تشبه قطعة البسكويت في رقتها.. كيف تحملت البقاء هنا.. و ماذا لو لم يكن هاتفها معها.. كيف ستسير الأمور حينها… و ألف كيف و ماذا سألها لنفسه…
أخذ يردد على أذنيها من الكلمات ما يهدئها بنبرة شبه باكية:
ــــ أنا آسف…حقك عليا أنا…أنا خلاص جيتلك و مش هسيبك يا ريم…اهدي يا حبيبتي..اتنفسي براحة انتي خلاص في أمان… انا مش عارف بس ايه اللي خلاكي تبعدي عن البيت كدا.. ليه بس؟!. ليه؟!
بدأت تهدأ رويدا رويدا بعدما شعرت بذلك الأمان الذي أخرجها من تلك الحالة المزعجة حتى كادت أن تفقد وعيها…فأثناء حالة الهلع يبقى المخ متيقظا و متنبها تحسبا لأي خطر قد يهاجم صاحبه و بمجرد ما أن يشعر بأن الخطر زال يحدث له حالة من الخمول بعد فترة عصيبة من الخوف و الانهاك و يحاول استعادة وظائفه بعد فترة من النوم او فقدان الوعي..
ـــ ريم..اوعي تنامي..خليكي صاحية عشان نعرف نرجع.
هزت رأسها المستندة على كتفه بايجاب فأبعدها قليلا ليرى وجهها فوجدها تفتح عينيها بصعوبة فسألها بترقب:
ـــ هتقدري تمشي؟!
هزت رأسها بنفي، فسألها بتردد:
ـــ أنا كدا مضطر أشيلك.
لم ترد كناية عن موافقتها فكل ما يشغل بالها الآن أن تعود للدوار لتهرب من ذلك الكابوس و تنام لعله ينمحي من ذاكرتها.
هم بالنهوض لكي يتمكن من حملها إلا أنها صرخت بألم حين لمس كاحلها، فأصابه الفزع و قام بتفقد كاحلها ليرى اذا ما كان قد انكسر و لكن وجد به آثار لأسنان كلب، فنظر لها برعب و هو يقول:
ـــ ايه دا؟!…هو في كلب عضك؟!
هزت رأسها بايجاب و هي تبكي، فأخذ يسب و يلعن و قد اتضحت له الصورة..
ـــ طاب لازم نرجع الدوار بسرعة عشان نشوف هنعمل ايه في الجرح دا…أنا هشيلك و متخافيش مش هلمس رجلك..
أومأت و هي تحاول السيطرة على بكائها، فأحكم الحجاب حول رأسها أولا و غطى ساقيها بالفستان جيدا حتى تكون مستورة، ثم حملها بخفة و كأنها لا تزن شيئ و تعلقت بعنقه بضعف و سار بطريق العودة الى الدوار و هو يدعو الله أن تمر تلك الحادثة بسلام.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)