روايات

رواية مهمة زواج الفصل السابع عشر 17 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الفصل السابع عشر 17 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الجزء السابع عشر

رواية مهمة زواج البارت السابع عشر

مهمة زواج
مهمة زواج

رواية مهمة زواج الحلقة السابعة عشر

بالكاد استطاع أدهم أن يصل المقهى بالموعد المحدد ليجد دارين تشير له، فسار تجاهها و من ثم تبادل معها التحية ثم جلس قبالتها..
اخذت تنظر له باشتياق بالغ لم يخفى عليه، و لكنه لم ينزعج من ذلك، فهو يدرك جيدا مدى حبها له و يعلم أن حبها له أضعاف مقدار حبه لها… هذا ان كان قد أحبها بالأساس.
ـــ ازيك يا أدهم… انت وحشتني اوي.
أجابها بنبرة عادية حتى لا يعطي لها أملا في الرجوع:
ـــ و انتي كمان… اخبارك ايه و اخبار والدك و والدتك.
ــــ احنا تمام الحمد لله.
ـــ ها؟!.. ايه بقى الموضوع اللي كنتي عايزاني عشانه؟!
زمت شفتيها بانزعاج لتقول بحزن مصطنع:
ـــ ايه دا علطول كدا؟!… طاب مش هعزمك الاول على حاجة نشربها؟!
لم تنتظر رده حتى لا تترك له حرية اختيار المشروب فأسرعت تقول و هي تشير للنادل:
ــــ هطلبلك عصير فراولة.. انا عارفة انك بتحبه..
اومأ موافقا ليأتي النادل يقف أمامهما بتوتر لاحظه أدهم الأمر الذي أثار دهشته، فطلبت منه دارين كوبين من العصير فأومأ و انصرف بسرعة…
بعد قليل أتى النادل بالكوبين ليضع كوب أدهم أمامه و يديه ترتجفان حتى كاد أن يسقط الكوب، فأخذت دارين تصطك فكيها من الغيظ، فأحس أدهم بوجود خطبا ما، و يبدو أن دارين على معرفة بهذا النادل، فقد لمح تلك النظرة المحذرة التي صدرت منها تجاهه و بحنكته و ذكائه أيقن أنها نصبت له فخا ما و العصير هو الوسيلة.
رفع أدهم رأسه ليشكر النادل لينظر له بنظرة ثاقبة قرأ فيها خوفه و تردده لتؤكد له تلك النظرة شكوكه.
نظر لـ دارين نظرة تحليلية غامضة في انتظار سرد طلبها، فحمحمت بتوتر ثم قالت:
ـــ طاب تعالى نشرب العصير الأول..
قالتها و هي تأخذ رشفة من كوبها و لكنه رفع حاجبيه قائلا ببسمة مصطنعة حتى لا تشعر أنه اكتشف أمرها:
ـــ هشرب طبعا يا داري.. بس حابب اسمعك الأول..
ابتلعت ريقها ثم أردفت بنبرة مهتزة:
ـــ في واحدة صاحبتي أخوها داخل الجيش داخلية و لما عرفت ان في بينا سابق معرفة اترجتني تتوسطله عشان تجيبه في مكان قريب من اقامته.. فأكدتلها اني هكلمك و ان انت اكيد مش هترفص تقدملي الخدمة دي..
كانت تتحدث و يديها أمامها على الطاولة تفركهما بتوتر مستمر فامتدت يده ليضعها على يديها يوقف بها رجفتهما، الأمر الذي جعل عينيها تجحظ من الدهشة ليقول بنبرة رقيقة مع ابتسامة تبدو حالمة:
ـــ اهدي.. الموضوع مش مستاهل التوتر دا كله.
ثم سحب يده لترتطم بالكوب و كأنه بدون قصد و لكنه في الحقيقة فعل تلك الحركة خصيصا ليسكب الكوب بطريقة تبدو عفوية، و ما ان انسكب الكوب على الطاولة حتى ابتعد سريعا قبل أن تبتل ملابسه بينما دارين شهقت بصوت عال حسرة على ضياع خطتها اللئيمة، فأخذ أدهم يقول بلا اكتراث:
ـــ مش مهم… حصل خير.. ماليش نصيب فيه.
أخذت تهز رأسها و هي تكاد تبكي، و لكنها حاولت أن تبدو طبيعية، فنهض ادهم ثم وضع بضع ورقات مالية على الطاولة و هو يقول:
ـــ انا مضطر امشي يا داري لأني تعبان اوي و عايز انام… ابعتيلي بس بيانات اخو صحبتك ع الواتس و اعتبري الموضوع خلصان… باي..
انصرف مغادرا من أمامها على عجل بينما هي بقيت تنظر في أثره بضياع و لم تقوى على التفوه بأي كلمة من فرط الصدمة..
أما أدهم ركب سيارته و سار بها بضع خطوات بعيدا عن المقهى ثم وقف بضع دقائق يراقب خروجها… و بمجرد أن تأكد من خروجها و ابتعادها بسيارتها عن محيط المقهى، صف سيارته ثم ترجل منها عائدا مرة أخرى الى المقهى لينادي ذلك النادل الذي قدم له العصير، و بمجرد أن أتاه قبض على ذراعه ثم استخرج من جيب قميصه بطاقة التعريف خاصته ليشهرها في وجهه و هو يسدد اليه نظرة نارية و يقول بنبرة شديدة اللهجة:
ـــ انا الرائد أدهم برهام.. بهدوء كدا و بدون ما تضطرني اني استخدم معاك العنف قولي بالظبط الانسة اللي كانت قاعدة معايا كانت متفقة معاك على ايه؟!
ارتجفت اوصال النادل و تعرق جسده من الخوف ثم قال بصوت متلجلج:
ـــ و الله يا باشا انا معرفهاش…هي جات و قالتلي عايزاك تحط من الازازة دي على العصير بتاعك… و و و قالتلي انك جوزها و دا سحر عايزاك تشربه عشان ترجعلها.. و اترجتني اساعدها… و و و عرضت عليا ٢٠٠٠ جنيه… و و انا أخدتهم و عملت زي ما قالتلي…
نظر له أدهم بصدمة.. فلم يخطر بباله أن دارين قد تلجأ الى تلك الطرق المتخلفة البعيدة كل البعد عن تحضرها و مستواها الاجتماعي العالي…
ركب سيارته و انطلق الى حيث لا يدري…. دارت بذاكرته أحداث قديمة ربطها بما حدث اليوم… إذن اعجابه بها و خطبته لها سابقا كان مدبرا… هل تلك المشاعر المتناقضة تجاهها بفعل ما سقته له من قبل؟!…و كيف و هو أدهم أدهى ضابط في العمليات الخاصة الذي تخشاه أعتى عصابات المافيا يقع في ذلك الفخ التافه من فتاة تافهة كـ دارين؟!.. و كانت تلك الفكرة أكثر ما جعلته يكاد يجن؟!.. كيف استاطعت خداعه بتلك السهولة؟!.. أين كان عقله و دهائه؟!.. أين كانت عيناه اللتان تلتقطان أبسط الأشياء و تلفت نظره أدق التفاصيل؟!..و ألف سؤال يسأله لنفسه و هو يأكل نفسه من الغضب و يدور في الطرقات بلا وجهة محددة.
في محافظة سوهاج…
دلف بها سريعا الى غرفتها بالمضيفة تحت أنظار السيدات بالدوار و منهن أمه و أخته و مارتينا، ثم وضعها برفق بالغ على الفراش و كانت حينئذ قد فقدت وعيها..
ـــ مارتينا بسرعة شوفي رجليها فيها عضة كلب.
شهقت مارتينا برعب بالتزامن مع صدمة أمه و أخته، و اخذت تقول بقلق:
ـــ لازم نغسل مكان العضة بمية و صابون.. و في عندنا في الوحدة مصل لعضة الكلب لو ممكن حد ييجي معايا افتح و اجيبلها حقنة بسرعة اديهالها..
رد عليها بلهفة:
ـــ طاب بسرعة روحي و هبعت معاكي سمعان و اتنين كمان من الرجالة..
بينما عائشة تدخلت بقولها:
ـــ على ما ترچعي بالحجنة هكون فوجتها و ساعدتها تتحمم و تغير خلجاتها اللي كلها طينة و ترابة دياتي.
أومأت ثم خرجت مسرعة بعدما قام معتصم باصدار اوامره لخفيره..
نظر لأمه ثم قال بارهاق:
ـــ أني طالع اتحمم و اغير خلجاتي يامايا… و هبابة اكده و هعاود اطمن عليها.
أومأت أمه بصمت و هي تتأمله بنظرة ذات مغذى، فلم يخفى عليها تحوله مع تلك الفتاة و خوفه الزائد عليها..
تهرب من نظراتها ثم استدار مغادرا المضيفة.
بعد نصف ساعة كان قد أنهى حمامه ثم صلى المغرب و العشاء و من ثم سجد شكرا لله أن نجى ريم من الهلاك..
جلس على الأريكة الصغيرة الكائنة بركن الغرفة و بعد عدة دقائق قضاها في التفكير في ريم و ما مر به من أحداث معها منذ أول يوم رآها، أتاه صوت طرقات خفيفة على الباب ليأذن للطارق بالدخول فإذا بها عائشة أخته..
ـــ تعالي يا عيشة…
اقبلت عليه حتى جلست جواره بالأريكة و قبل أن تفتح فمها سألها بلهفة:
ـــ ريم عاملة ايه دلوقتي؟!
نظرت له نظرة مطولة ثم قالت بحدة:
ـــ انت مالك ملهوف عليها كدا ليه يا معتصم… دا انت كنت هتموت روحك عشانها.
نهض بعصبية ليوليها ظهره هاتفا بحدة:
ـــ ضيفة في داري يا عيشة.. و اي حاجة تمسها هتبقى في وشي انا.
نهضت لتقف خلفه و تسأله بسخرية:
ـــ ضيفة برضو يا معتصم؟!.. انت فاكر ان انا هصدق الكلام دا؟!
استدار ليكون بمواجهتها ثم هتف بجدية:
ـــ ايوة ضيفة….. و عشان تستريحي اه اللي في دماغك صحيح و انا بحبها.
اتسعت عينيها بصدمة لتقول بترقب:
ـــ و نرمين؟!.. مراتك؟!
رد عليها بنبرة منهزمة:
ـــ انا عمري ما حبيت نرمين و انتي عارفة كدا كويس… اه اتجوزتها بكامل ارادتي بس عمري ما حسيت انها تخصني زي ما حسيت مع ريم… عمري ما قلبي اتلهف عليها زي ما اتلهف على ريم… عمري ما استنيت أشوفها بفارغ الصبر زي ما بيحصل مع ريم.. ريم هي اللي قلبي دقلها يا عيشة.. هي اللي ملكت قلبي بجد.
هتفت به بانفعال بالغ:
ـــ أومال اتجوزت نرمين ليه من الأساس؟!.. احنا كلنا كنا ضد الجوازة دي من الاول… انا و هشام و حمد حذرناك و قولنالك مسيرك هتقابل اللي تحبها.. انت اللي كنت واثق في نفسك اوي و قولت ان الحب دا كلام فارغ مش سهل تقع فيه… جاي دلوقتي تقولي بحبها؟!
اجابها بانفعال مماثل:
ـــ و اظن انتي عارفة كويس سبب جوازي من نرمين… قولتلك ميت مرة اتجوزتها عشان اعف نفسي و عشان معملش حاجة في الحرام… نرمين بالنسبالي كانت جوازة سهلة بدون مسؤليات و لا خلفة ولا وجع دماغ…
ـــ بس اللي خلانا نوافقك انك اقنعتنا انك هتتجوز بنت من بنات الاعيان في البلد و هتخليها في الدوار مع امي و انت هتنزلها كل شوية البلد و هتكون هي مراتك قدام امك و العيلة و ناس البلد كلاتها… و حتى لو عرفت انك متجوز مش هتكون مشكله كبيرة لأن تعدد الزوجات مقبول في الصعيد… انما الدكتورة ريم بجلالة قدرها هتقبل بكدا يا سي معتصم؟!
سكت مليا يفكر بملامح مهمومة ثم قال بنبرة يشوبها الشجن:
ـــ قبل ما اتجوزها هكون طلقت نرمين..
ـــ نعم؟!.. بالسهولة دي؟!.. و انت فاكر انك لما تطلقها هتكون كدا خلصت منها؟!
سكتت تراقب ردة فعله ثم استرسلت بمزيد من الضغط:
ـــ نرمين مش سهلة يا معتصم.. دي هتقلب الدنيا عاليها واطيها لو عرفت انك هطلقها عشان بتحب واحدة تانية.. خاصة بعد ما حبتك و اتعلقت بيك..
صاح بها بغضب:
ـــ و انتي فاكراني هخاف من حشرة زي دي؟!
ــــ متنساس ان الحشرة دي هي اللي وقفت شركتك على رجليها… و في ايديها تخسف بيك الارض.
رد بثقة زائدة و هو يناظرها بتحدي:
ـــ لسة متخلقش اللي يقدر يهزم معتصم البدري يا عيشة… و ان كان على الشركة… انا هعرف ازاي أقومها بدون ما اعتمد على شراكتها.
سكتت تصتك فكيها من الغيظ ثم ما لبثت أن اقتربت منه و اسندت كفها على كتفه لتقول بحنو:
ـــ أنا خايفة عليك يا معتصم… علاقتك بريم هتخسرك كتير و مش هتستمر… ارجع لعقلك و اعمل زي ما كنت ناوي… شوفلك بنت حلوة و صغيرة من بنات العمدة ولا من اي عيلة كبيرة و اتجوزها… صدقني هتنسيك ريم و دنيتك هتمشي زي ما كنت مخطط.. و جوازك من نرمين مش هيأثر على حياتك… كدا كدا هي عقيم و مش هتجيبلك عيال تساومك بيهم… دا غير ان هي متقبلة جوازكم بكل ما فيه و معندهاش مشكلة لو اتجوزت بنت بلدك طالما مش هتحرمها منك…
تنهد بعمق ثم رفع عينيه للسماء و كأنه يناجيها لتتركه و شأنه ثم عاد لينظر لها مجددا بتوسل:
ـــ عشان خاطري يا عيشة سيبيني دلوقتي… انا بجد تعبان و متلغبط و حاسس ان الدنيا بتلف بيا من كتر التفكير…مش قادر افكر ولا اخد قرار.. عايز ابقى لوحدي شوية.
هزت رأسها بايجاب بعدما أشفقت على حالة التخبط التي أصابته ثم قالت و هي تربت على كتفه:
ـــ أنا بس حبيت الفت نظرك للي هيحصل… و القرار بعد كدا في ايدك انت…
ثم تركته تائها هكذا و غادرت الغرفة و اغلقت الباب خلفها.
عودة للقاهرة…
عاد أدهم في ساعة متأخرة من الليل و كانت أمه في استقباله، فلم تستطع النوم من فرط قلقها عليه..
ـــ حمد الله على سلامتك يا حبيبي..
قبل مقدمة رأسها و هو يقول:
ــــ الله يسلمك يا حبيبتي… صاحية ليه لحد دلوقتي؟!
ـــ كنت مستنياك… مالك يا أدهم شكلك متغير كدا ليه.. في حاجة مزعلاك يا حبيبي؟!
أخذ يتهرب من مرئى عينيها و هو يقول:
ـــ مفيش حاجة يا ماما… دا عشان بس آسر لسة مكلمني و قالي ان ميريهان اتوفت و باباها هيرجع بالجثة بكرة من ألمانيا عشان يدفنها… و طبعاً آسر منهار على الآخر و مش قادر أعمله حاجة.
أخذت تهز رأسها بحزن و هي تردد الحوقلة و تدعو له بالصبر…
ـــ بعد اذنك يا ماما.. انا داخل انام.
سار باتجاه غرفته فاستوقفته هاتفة:
ـــ رايح فين يابني… ندى نايمة في قوضتها..
هز رأسه بلا اهتمام متمتما:
ـــ تمام براحتها… انا هنام في قوضتي..
هزت رأسها بعدم رضا و هي تقول:
ـــ ايه الكلام دا بقى… انتو زعلانين من بعض ولا ايه؟!
ـــ لا أبدا يا ماما أنا بس مش عايز أقلقها و اصحيها.
ـــ خلاص روح نام انت في قوضتها المرادي… انا و الله مش عارفه ايه اللي غير رأيك و سيبتو القوضة اللي كنا مجهزنها ليكو و رجعت لقوضتك.
ـــ عادي يا ماما بنغير..
ربتت على كتفه بحنو و هي تقول:
ـــ خلاص يا حبيبي نام جنبها عشان متفتكرش انك زعلان منها… اسمع مني أنا عارفة الستات بتفكر ازاي..
ضحك أدهم ثم قال بقلة حيلة:
ـــ حاضر يا ست الكل… انتي أدرى.
ثم تركها و اتجه الى غرفة ندى و من حسن حظه أن خزانتها بها ملابس له منذ أول ليلة لهما.
فتح الباب بهدوء ليجدها نائمة في وسط الفراش بأريحية فلا مكان له بجوارها، الأمر الذي جعله يبتسم بسخرية، فدلف و اغلق الباب خلفه بهدوء ثم خلع ملابسه و أخذ منشفة و اتجه مباشرة الى الحمام الصغير الملحق بالغرفة..
بعد عدة دقائق خرج من المرحاض مرتديا ملابس النوم ثم وقف أمامها حائرا، فانها تحتل أكثر من ثلاثة أرباع الفراش…
هل يوقظها لتنام على الحافة؟!.. و لكنه في النهاية أشفق عليها، فان استيقظت ستقيد نفسها عند حافة الفراش و لن تنعم بنوم هانئ كما حالها الآن… فاهتدى لأن ينام بالأريكة المقابلة للفراش فهي أيضا واسعة تتستع لجسده.
و بمجرد أن تمدد عليها حاول نسيان كل ما مر به بذلك اليوم الطويل ليسقط سريعا في النوم دون أن يدري.
لم ينم ليلته من فرط التفكير و حين بدأت أشعة الشمس الذهبية تتسلل عبر السماء لتنير الارض ارتدى تيشيرت و بنطال منزلي ثم هبط الى اسطبل الخيول ليختلي بنفسه بعد ليلة عسيرة قضاها في التفكير في أسوء الاحتمالات التي قد تحدث لاحقا خاصة بعد حديث أخته الخطير ليلة أمس…
استند بظهره الى النافذة التي تطل منها رأس مهرته الصغيرة ثم شرد في ملكوت آخر لبعض لوقت لدرجة أنه لا يدري كم مرت عليه من الدقائق أو ربما ساعات و هو على تلك الحالة من الشرود…
ثم فجأة ظهرت له ريم من العدم مقبلة عليه بملامح ذابلة و تسير ببطئ بسبب جرج كاحلها او ربما من فرط هزلانها، فأطرق رأسه بخذي و كأنه هو سبب ما يحدث لها او ربما لأنه دائما كان يصل متأخرا..
حين وجدته مطرق الرأس حين رآها فهمت أنه يشعر بالذنب تجاهها، فوقفت أمامه تماما و هو مائلا بظهره على الحائط من خلفه ثم قالت بملامح خاوية:
ـــ صباح الخير يا معتصم بيه..
رفع عينيه لينظر لها بحزن و ينقبض قلبه حين ظهر له شحوب وجهها ثم تحدث بنبرة متعبة:
ـــ أولا صباح النور… ثانيا قولتلك قبل كدا قوليلي معتصم بس.
أخذت تفرك كفيها بتوتر ثم قالت ببسمة تبدو مصطنعة:
ـــ مش هتفرق كتير لأننا مش هنتقابل تاني.
قطب جبينه باستنكار في انتظار توضيحها، لتأخذ ريم نفسا عميقا ثم تقول بحزن طغى على نبرة صوتها:
ـــ أنا هرجع القاهرة و المرادي هقدم طلب نقل بجد.. و قبل ما تقول أي حاجة أنا بشكرك على حسن ضيافتك و مساعدتك ليا… مش عارفه لو مكنتش لحقتني سواء في الحادثة الاولى او التانية كان ممكن يجرالي ايه.. انا مش هنسى اللي عملته معايا طول عمري..انت مالكش ذنب في اللي حصلي و متحملش نفسك فوق طاقتها..
لم يتفاجأ كثيرا بكلامها فهو توقع ذلك تماما و هذا أكثر ما آلمه و جعل النوم يجافيه، فكيف يُكِن لها كل ذلك العشق و في ذات الوقت ترحل عنه… أترحل بعدما امتلكت قلبه و كيانه… أترحل بعدما تعلقت روحه بها؟!
رد عليها بذات النبرة البائسة و كأنه يتوسل اليها:
ـــ طاب خليكي لحد ما رجلك تبقى كويسة و تخلصي مدة الحقن… عشان حتى أهلك ميقلقوش عليكي.
أطرقت رأسها مليا ثم عادت تنظر له:
ـــ هعالج نفسي… انت نسيت اني دكتورة ولا ايه؟!… و ان كان على أهلي مش هقلقهم و اقولهم على اللي حصل طبعاً… هقولهم اني وقعت و اتعورت.
أشاح بناظريه للجهة الأخرى ينظر بعشوائية كناية عن انهياره داخليا ثم عاد ينظر اليها مردفا بوجع:
ـــ للدرجادي مش طايقة تقعدي معانا؟!
أجابته بلهفة:
ـــ لا طبعاً متقولش كدا… بس أنا فعلا خلاص اتقفلت من الشغل هنا و مش هقدر أكمل شغل تاني اللي هو أساس وجودي في البلد.
هز رأسه عدة مرات دون أن يتفوه بشيئ، فأردفت تودعه و هي تتحاشى النظر في عينيه:
ــــ أشوف وشك بخير يا معتصم… و شكرا مرة تانية..
قالت عبارتها و استدارت سريعا لتغادر قبل أن توقفها نظرته الراجية، بينما هو لم يتحرك قيد أنملة و كأنه تحول لصنم، يفكر في نهاية طريقه معها الذي لم يبدأ من الأساس… هل انتهى كل شيئ هكذا بسهولة؟!..
و كأنه استفاق لتوه من حالة السكون التي أصابته، فهتف بعلو صوته حين ابتعدت عنه مقدار ثلاث خطوات:
ـــ تتجوزيني يا ريم؟!
توقفت عن السير من فرط المفاجأة و لكنها لم تلتفت له، فاسترسل مردفا بجدية تامة بعدما اعتدل في وقفته و مازالت مدبرة عنه:
ـــ مش عايز رد منك دلوقتي… خودي وقتك في التفكير… حتى لو رجعتي بيتك هستنى ردك.. هيفضل الباب بينا موارب مش هيتقفل ابدا.
من فرط مفاجأتها لم تدري بما عليها أن ترد، فاستدارت اليه ليسترسل حديثه بمزيد من الجدية حتى لا يترك لها فرصة للرفض:
ـــ أظن انتي عرفتي عني كل حاجة.. و انا قدامك اهو لو عايزة تعرفي أي حاجة تانية.. و لو على الاقامة.. هتكون اقامتنا في البلد قليلة و أكتر الأيام هنقضيها في القاهرة..
هزت رأسها عدة مرات ثم أجابته بتوتر ملحوظ:
ـــ هفكر و أرد عليك.
ثم استدارت لتغادر سريعا بارتباك قبل أن يتفوه بالمزيد..
بينما معتصم بقي ينظر في أثرها بملامح مهمومة، فرغم تخطيطه لذلك الطلب الذي طلبه منها الا أنه لم يكن يريد التسرع في ذلك الأمر قبل تسوية أموره مع نرمين حتى لا يخدع ريم… و لكن أمر رحيلها هو ما فرض عليه أن يبكر بذلك قبل أن يفقدها تماما… لقد أصبح موقفه أمامها صعب بالفعل… موقف لا يحسد عليه….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى