روايات

رواية مهمة زواج الفصل الرابع عشر 14 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الفصل الرابع عشر 14 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الجزء الرابع عشر

رواية مهمة زواج البارت الرابع عشر

مهمة زواج
مهمة زواج

رواية مهمة زواج الحلقة الرابعة عشر

بينما كانت ندى تجالس السيدة تيسير يتمازحان و يضحكان على مواقف من الطفولة حين كانت ندى طفلة صغيرة تعيش بينهم قبل اغتيال والدتها و انتقالها مع أبيها الى الولايات المتحدة، تفاجئا بأدهم يخرج من غرفته ركضا مرتديا بنطال چينز أسود و قميص أسود ينتعل حذائه، فركضت اليه ندى تسأله بقلق:
ـــ أدهم انت بتجري كدا ليه؟!.. ايه اللي حصل و رايح فين؟!
أجابها باستعجال و هو يعقد رباط حذائه:
ـــ لسة مكلم آسر دلوقتي بعد ما جاتلي رسالة انه تليفونه متاح.. و قالي ان خطيبته عملت حادثة و في المستشفى بين الحيا و الموت.
شهقت السيدة تيسير حين استمعت لذلك و أخذت تردد:
ـــ لا حول و لا قوة الا بالله… حبيبي يا آسر… ربنا ينجيهاله يابني.. خلي بالك من نفسك يا أدهم و انت سايق عشان خاطري.. و ابقى طمنى يابني.
أومأ عدة مرات ثم فتح باب الشقة سريعا و هبط الدرج ركضا ثم استقل سيارته متجها الى مشفى الدكتور رؤف…
بعد حوالي نصف ساعة وصل أدهم الى طابق العناية المركزة ليلفت انتباهة تلك المشاجرة القائمة بين آسر و حماه في ركن ما بالطابق..
ـــ يا عمي قولتلك سيب ميريهان هنا و أنا هفضل جنبها مس هسيبها…
صاح بها آسر بانفعال بالغ و هو يلوح بيده و يبدو أن الشجار قائم منذ فترة و قد احتدم بينهما للغاية، فمن ثم رد محمد بانفعال أشد:
ـــ دول بناتي أنا.. و انت مالكش الحق تقرر عني.. أنا هاخد بناتي الاتنين و هسافر شئت أو أبيت.. و رأيك ميهمنيش و مش مستني اخد الاذن منك.
استنفرت عروق آسر بغضب جامح ليصيح بصوت حاد:
ـــ أنا مش هسيبها.. انت عارف ان بينها و بين الموت شعرة… ليه تبهدلها في السفر.. سيبها تموت هنا قدام عيني.
أخذ محمد يلوح بيده موجها حديثه لوالد آسر:
ـــ ما تلم ابنك يا سعيد… أنا حر في بناتي أنا الوحيد اللي هنا صاحب القرار… هو مالهوش أي صفة.. خطيبته خلاص ماتت… خوده بقى و امشو من هنا..
التمس سعيد العذر لمحمد و لم يعاتبه أو ينجرح من كلماته اللاذعة، فجرحه غائر و يبدو من مظهره الغاضب أنه يموت في اللحظة ألف مرة، فأي شخص في مكانه لما تحمل ما يتحمله الآن…
بينما كان أدهم يتابع المشاجرة بذهول… فهل حقا ميريهان ماتت؟!
نفض رأسه سريعا ثم تدخل ليجذب آسر من ذراعه بعيدا عن حماه فلا الوقت ولا المكان مناسبان لتلك المهزلة..
ـــ آسر ميصحش تزعق قصاد حماك بالطريقة دي…
أوشك آسر على البكاء ليقول بمرارة:
ـــ ميريهان خلاص مخها مات و كلها ساعات و القلب يقف و السر الالهي يطلع…ياخودها يعالجها برا ليه يا أدهم و العقل بيقول ان حالتها مالهاش علاج.
ربت أدهم على كتفه بمواساة و هو بالكاد يسيطر على حزنه الذي أثاره صديقه بداخله ليقول بجدية و هدوء في ذات الوقت:
ـــ الله يكون في عونه يا آسر… محدش حاسس باللي هو فيه… سيبه يعمل اللي يريضيه طالما كدا هيكون مرتاح.. مش كفاية الابتلاء اللي هو فيه؟!
رد عليه بنبرة قاطعة:
ـــ مش هقدر اسيبها…سفرها ألمانيا مالوش أي لازمة.. ليه عايز يبعدها عني الشوية اللي فاضلين في عمرها!!
أقبل عليهما سعيد والد آسر ليقول موضحا:
ـــ اللي انت متعرفهوش يا أدهم ان مودة هي كمان حالتها خطيرة و محتاجة تدخل جراحي في اقرب وقت و محمد هيسفرها المانيا و هياخد ميري نفس المستشفى… أب و عايز بناته معاه أيا كانت حالتهم ايه.. مالناش أي حق اننا نعترض على قراره.
هز أدهم رأسه عدة مرات ثم تطلع لآسر بعتاب:
ـــ لا يا آسر مالكش حق في وقفتك و اعتراضك.. الراجل في البلاء الشديد دا و انت عمال تقاوح معاه؟!… يا أخي سيبه يعمل اللي في مصلحة بناته.. دا بدل ما تقوله اللي تشوفه يا عمي انا معاك فيه؟!
أطرق رأسه بحزن و ضيق و هو يكاد يختنق من فرط الضغط سواء من أدهم أو من أبيه ليقول بأسى:
ــــ محدش حاسس بيا…ميري واخدة روحي معاها.. مش هقدر أسيبها… مش قادر.
جذبه أدهم الى حضنه ليربت على ظهره يواسيه، فأطلق آسر لعينيه العنان ليفرغ ما بقلبه من حزن.. أسى… انكسار.. علاوة على ذلك الخواء الذي خلفته تلك المسكينة في قلبه ليهتز جسده من شدة البكاء.
ـــ اصبر يا آسر… أومال ابوها يعمل ايه… هو دا عمرها.. محدش بياخد ساعة زيادة عن عمره اللي ربنا كاتبهوله… ان شاء الله يا حبيبي تقابلها في الجنة.
بدأ يهدأ رويدا رويدا إثر كلمات أدهم التي نزلت على قلبه كالماء البارد، فاستخرج منديل من جيبه أعطاه له فأخذه آسر منه و أخذ يجفف عينيه و هو يردد بصوت متحشرج من أثر البكاء:
ـــ إنا لله وإنا إليه راجعون…
ـــ ادخل ودعها و بص عليها للمرة الأخيرة قبل ما الاسعاف ياخدها.
أومأ بخضوع ثم ابتعد عن صديقه ليسير بلا روح الى العناية المركزة يستأذن الطبيب ليودعها الوداع الأخير في حين كان محمد ينهي اجراءات سفره بابنتيه.
صدح أذان الفجر في سماء القاهرة حين أقلعت الطائرة المُجهزة بوحدة عناية مركزة متحركة تُقل مودة و ميريهان و والدهما و الدكتور رؤف و معهما فريق طبي لاحتمالية حدوث أي أمر غير مرغوب فيه أثناء نقل المريضتين.
و بمجرد أن أقلعت الطائرة نزل آسر على ركبتيه على أرضية المطار و بكى و كأن روحه تَصّعد في السماء… لا يصدق أن هذا نهاية طريقة مع من استحوذت على قلبه و ملكته بلا منازع.
نزل أدهم الى مستواه ليحيط كتفيه بذراعه و تركه يُفرغ ما بنابضه… فقد امتلئ القلب حتى فاض بالحزن.
بينما ندى لم تنم ليلتها قلقا على أدهم، فقد أدت صلاة الفجر و قرأت وردها و ها هي الشمس قد أوشكت على الشروق و لم يعد بعد.
خرجت لتجلس في صالة الاستقبال المقابلة للباب حتى تراه حين يعود لعل قلبها يطمئن.
غفت على الأريكة دون أن تشعر و قد كانت لازالت بملابس الصلاة، و في تلك الأثناء عاد أدهم و علامات الارهاق متجلية على ملامحه ليقابل ندى و هي غافية على الأريكة.
ـــ ندى.. ندى.
فتحت عينيها بصعوبة لتقول بصوت ناعس:
ـــ أخيرا رجعت يا أدهم؟!
ـــ انتي ايه اللي منيمك هنا؟!
اعتدلت لتأخذ وضع الجلوس ثم أجابته بصوت متحشرج من أثر النوم:
ـــ قلقت عليك لما اتأخرت… فصليت الفجر و قعدت أستناك هنا.
حانت منه ابتسامة باهتة ثم انحنى ليجذبها من يدها لتقف قبالته ثم قال:
ـــ طاب ادخلي نامي بقى… انا قدامك اهو كويس.
هزت رأسها ثم سحبت يدها من يده و من ثم سارت باتجاه غرفتها، و حين تبين له ذلك سار خلفها ليستوقفها بقبضة يده على يدها و هو يقول:
ـــ انتي رايحة فين؟!
أجابته ببراءة:
ـــ رايحة أنام في قوضتي..
أدارها لتقف في مواجهته ثم رفع يديه لمستوى رأسها ليقوم بفك حجابها و هو يقول:
ــــ احنا مش اتفقنا اننا هننام في قوضة واحدة؟!.. و شعرك دا ميتغطاش قدامي؟!
أطرقت رأسها بخجل:
ـــ انت مقولتش اننا هننام في قوضة واحدة.
صدرت منه ضحكة بسيطة ثم قال بمكر:
ـــ أومال احنا هنتجوز ازاي؟!.. هنتجوز عن بعد مثلا؟!
احمرت وجنتيها خجلا و هي تنظر له بجحوظ ثم تهربت بعينيها من النظر بعينيه، فازدادت ضحكاته أكثر من ذي قبل، ثم رأف بحالة التوتر التي أصابتها بالتزامن مع خجلها الزائد و أخذها من يدها و سارا سويا باتجاه غرفته و قد سارت معه بلا اعتراض.
ــــ أنا هدخل الحمام أخد شاور و اتوضى عشان أصلي وانتي خودي راحتك.. اعتبري نفسك لوحدك في القوضة.
أومأت بصمت و بمجرد أن اختفى عن ناظريها، خلعت اسدالها لتظهر تلك البيچامة البيضاء من الستان التي أظهرت ذراعيها، ثم تمددت على أقصى طرف الفراش و تدثرت جيدا بالغطاء الخفيف بعدما ضبطت درجة حرارة المكيف على البارد، و دون أن تشعر هوت في سبات عميق… فأحداث اليوم لم تكن بالقليلة ما جعلها تهرب من تلك البداية الجديدة بالنوم.
بعد عدة دقائق خرج أدهم من المرحاض مرتديا ملابس النوم، فتفاجئ بها نائمة بأقصى الفراش و كأنها على حافة السقوط ليضحك بسخرية و هو يهز رأسه بيأس، ثم قام بفرد سجادة الصلاة ليؤدي صلاته و بعدما انتهى تمدد بجوارها، ثم أخذ يتأملها قليلا و صديقه آسر و فقدانه لحبيبته مازال يحتل تفكيره، واتته مشاعر غريبة لم يختبرها من قبل حين تخيل أنه يمكن أن يفقدها، شعر بأن قلبه يكاد ينخلع من موضعه ان حدث معه ذلك… فأغمض عينيه يستعيذ بالله من تلك الوساوس.. و دعى ربه بألا يذيقه مرارة الفقد… فمذاقها أمر من الحنظل.
مسد على شعرها الذي لم يعشق منها سواه حتى الآن، ثم انحنى ليزيح تلك الغرة الكثيفة التي غطت جبينها حتى حاجبيها ليظهر له ذلك الجرح الصغير ثم لثم جبينها ببطئ، وأخذ يتمتم بهمس و هو مازال يمسد على شعرها:
ـــ ربنا يخليكي ليا يا ندى..
ترك شعرها ثم عاد لينام بالطرف الآخر تاركا بينهما مسافة مناسبة احتراما لرغبتها… أو يمكننا القول رأفة بخجلها… فهو يدرك جيدا مدى حيائها و أنها لم تعتاده بعد.
انقضى يوما حافلا بالأحداث المصيرية ليأتي يوما جديدا ينتظر أبطالنا ربما تنقلب به الموازين…
في محافظة سوهاج….
استيقظ معتصم بعد ليلة قضاها في نوم متقطع لا يشبع ولا يسمن من جوع، فقد سيطرت ريم على تفكيره و احتلت كيانه بالكامل… رُغما عنه كان يتذكر أحداث تلك الليلة حين كانت بين ذراعيه و حين نزل على ركبتيه أمامها.. شخصيته الصارمة التي تحولت إلى شخص آخر لا يعرفه.. لا يدري متى ظهر ذلك الجانب الحنون منه.. و لما ظهر لها هي بالذات!.. لم تكن الأولى بحياته… فقد مررن به الكثيرات و من هن أشد منها جمالا… فحتى زوجته رغم جمالها الفتاك و قوامها المثير لم تحرك فيه ما حركته تلك القطة المتمردة…ماذا فعلت به و من أين ألقاها عليه القدر…
ــــ كنتي مستخبيالي فين يا ريم…. أنا كنت عايش و مزاجي حلو ولا كان في دماغي حب و لا شوق …جيتي قلبتيلي كياني كله…. يا ريتني ما شوفتك ولا عرفتك.
و كانت تلك آخر فكرة واتته ثم بعدها غفى حتى أشرقت الشمس و تسلل نورها عبر ستائر غرفته لتداعب جفنيه اللذان استجابا سريعا لها و استيقظ و كأنه لم ينم قط.
بعد حوالي نصف ساعة كان معتصم يجلس بجوار أمه بأريكتها المفضلة يقص عليها ما حدث ليلا أثناء نومها و بالطبع أخبرها بوجود ريم و مارتينا بالمضيفة..
ـــ أباااه يا ولدي… كيف جلبهم طاوعهم يسرِجوا ضيوف الكبير…كانهم مفكرين راح ينفدوا بعملتهم الواعرة..
ربت معتصم على فخذها و هو يقول:
ـــ باينهم أغراب يامايا…ماهو محدش من البلد يتچرأ يعمل العملة دي…بس أني هعرف كيف أتوبهم.
قاطع مجلسهم الخفير سمعان مقبلا عليهما و هو يلهث و بيده حقيبة سوداء ثم قال بنبرة مفتخرة:
ـــ ربطهم في مزرعة المواشي مع البهايم كيف ما أمرت يا كبير.
حانت من معتصم ابتسامة واثقة ثم هتف بقوة:
ـــ و فين اللي سِرجوه؟!
ركض سمعان اليه واضعا تلك الحقيبة على الطاولة الرخامية أمام كبيره:
ـــ دياتي يا كبير… الدهبات و الفلوسات و حتى التلفونات… كله رچعته يا كبير.
أومأ معتصم بفخر:
ـــ عفارم عليك يا سمعان… انت اكده صوح دراعي اليمين… عدي ع المزرعة انت و الرچالة اللي كانو امعاك و كل واحد فيكم يختارلو نعچة على كيفه.. و خود الفلوسات دي فرجوها علي بعضيكم..
قالها و هو يستخرج رزمة من المال من جيب جلبابه، فأخذها سمعان و هو يقبل يد معتصم، فسحبها سريعا و هو يقول:
ـــ استغفر الله.. دي حجك انت و الرچالة اللي تعبت.. يلا روح و متنساش تسيب حد عينه على الكلبين دول.. و فيشي أكل ولا شرب لحد ما افكر هعمل ايه وياهم.
أومأ سمعان و هو يكاد يطير من الفرح بتلك الغنيمة التي حصل عليها، بينما السيدة ام معتصم أخذت تتطلع الى ولدها بفخر و اعجاب ثم ما لبثت أن قالت بتأثر:
ــــ كاني شايفة الحاچ حمدان البدري الله يرحمه هو اللي جاعد جدامي دلوق… مخابش ظن ابوك يوم ما جالي انك خليفته من بعده في البلد دي.
ابتسم معتصم تأثرا بإطراء أمه ثم انحنى يقبل ظهر كفها و هو يقول:
ـــ ربنا يخليكي ليا يامايا…أني دايما أجولك هذا الشبل من ذاك الأسد.. و بعدين أني من غير وچودك چاري مسواش حاچة..
مسدت على شعره بحنو ثم أخذت تدعو له بدعواتها التي تدمع العين من شدة اخلاصها و خشوعها و هو يؤمن خلفها.
عم عليهما صمتا وجيزا قطعه معتصم بقوله:
ــــ بجولك يا امايا… يعني لما الضاكتورة ريم تصحى واچب تجعدي وياها و تعزميها هي و زميلتها على شبكة حمد و صافية الليلة طالما هيشرفونا في الدوار اليامين دول.
ابتسمت السيدة بمغذى فهي قد لمست اعجابه بها رغم عدم اظهاره لذلك، ثم قالت بجدية:
ـــ من غير ما تجول يا ولدي.. اني كنت ناوية على اكده.. زي ما جولت ده واچب.. و احنا الواچب ميفوتناش واصل.
تنهد بارتياح ثم استل هاتفه لكي يوقظ شقيقه… فاليوم حافل و لا بد من تجهيز الدوار استعدادا لتلك المناسبة الهامة.
بدأت ملامح والدته بالعبوس و كأنها تذكرت شيئا سيئا ليهتف بها معتصم بقلق بعدما استشعر حزنها المفاجئ:
ـــ مالك يامايا؟!… انتي شربتي دوا الضغط النهاردة؟!
أومأت و هي تقول بملامح واجمة:
ــــ متخافيش يا ولدي… أني زينة.
ـــ لاه يامايا… شكلك ميطمنش واصل.
تطلعت إليه و قد غشت الدموع عينيها الأمر الذي جعل قلبه يكاد ينخلع من موضعه، ثم قالت بصوت متحشرج:
ـــ كان بدي الخطوبة دي تكون خطوبتك انت… انت ولدي البكري و أول فرحتي.. كيف يعني الصغير يتچوز جبل الكبير.. اني مخبراش راسك اللي كيف الحديد دي عتلين ميتى يا مِعتِصم.
أغمض عينيه يهدئ من ضربات قلبه التي تسارعت من فرط القلق ثم أخذ نفسا عميقا بعدما رسم بسمة مصطنعة على شفاه ثم قال بمزاح:
ـــ يا وَلية وجعتي جلبي في رچليا.. بس اكده؟!… بجى هو ده اللي خلى الهم يغير ملامحك الزينة دي؟!
تطلعت إليه بحنق، فهو دائما ما يقلل من أهمية ذلك الأمر، فضحك اثر تلك النظرة المغتاظة ثم حاوط كتفيها بذراعه و هو يقول بنبرة مقنعة:
ــــ ياما انتي خابرة إني مفاضيشي للچواز و مسؤلياته… أني ملاحجش على المزارع و الاراضي و مشاكلها اهنيه دا غير مشاكل أهل البلد و الجعدات العرفية اللي كل يوم و التاني بنعملوها في المضيفة.. غير بجى شركتي و مصنعي اللي ف بحري… مين اللي هتحمل دي كله يامايا…
همت لتقاطعه بينما هو سبقها ليقول:
ـــ اني خابر ان دي مش حچة.. بس على الأجل استني هبابة يكون حمد اتچوز و اهو بدأ يشيل عني كَتير في الشغل اهناك… يعني خلاص هانت يامايا.
جففت عينيها ثم تحدثت بنبرة جاهدت أن تبدو صارمة:
ـــ هستنى هبابة يا معتصم… بس مش راح استنى كتير… نفسي أشيل ولدك جبل ما أجابل وچه كريم..
احتضنها بحب و هو يردد:
ـــ بعيد الشر عنيكي يامايا.. و الله جريب(قريب)… جريب جوي يا تاچ راسي.
وعدها و حينها تمثلت أمام عينيه صورة ريم و كأنها أتت لتقول له أنا قدرك، فابتسم بحالمية شاردا بها و مازال يسند رأس أمه الى صدره.
بعد قليل ترك أمه و ذهب الى المزرعة حيث اللصان اللذان احتجزهما هناك…
قام بجلدهما على ظهرهما العاريان بالسوط بقسوة حتى أخذا يعتذران منه بتوسل و لكنه أبى أن يطلق سراحهما، ثم تركهما مربوطي الأيدي و عاد مرة أخرى إلى الدوار، ليجد ريم تجلس بمكانه بجوار أمه و مارتينا تجلس بكرسي قريب منهما.
أقبل عليهم محاولا الحفاظ على صرامته أمامها، فيبدو أنه قد فقد الكثير من هيبته أمامها بالأمس الأمر الذي أثار ضيقه البالغ..
بمجرّد أن اقترب منهم هبت ريم واقفة لتقول برقة قبل أن يتفوه بأي شيئ:
ـــ معتصم بيه أنا متشكرة أوي على ضيافتك لينا و انك رجعتلنا الحاجات اللي اتسرقت مننا… بس بعد اذنك عايزة الموبايل بتاعي عشان أكلم أدهم عشان أعرفه اني راجعة القاهرة النهاردة.
قطب جبينه باستنكار ثم سألها بثبات:
ـــ و مين جال انك هتعاودي القاهرة النهاردة؟!
بدأت أعصابها تثور فيبدو أنه سيعاندها أو سيجبرها على أمرا لا تريده ثم صاحت بحدة طفيفة:
ــــ أنا اللي قولت..و افتكر قولتك امبارح اني مش هقعد في البلد دي تاني..
رد عليها بنفس نبرة صوتها:
ــــ و انا مجولتش انك هترچعي القاهرة… أنا استجبلتك اهنيه في الدوار لحد ما أرچعلك حجك.. و شغلك في الوحدة هتكمليه.
ـــ مش من حقك تقرر اذا كنت أكمل شغلي ولا لأ.
ـــ لا من حجي… أني كبير البلد دي.. و مفيش حاچة بتتم من غير موافجتي..
ـــ أنا لا يمكن ادخل المكان دا تاني…بعد اللي حصل مستحيل.
ـــ معناته ايه الكلام ده؟!..مفيش مخلوج في البلد عرف باللي حوصل… و مش هسمحلك تشوهي شكلي وَسط ناسي… انتي لو سيبتي الوحدة الكلام هيكتر في البلد.. عايزة تچرسيني وَسطيهم؟!.. عايزاهم يجولو الكبير مجادرش يحمي ضيوفه؟!
ربعت ذراعيها أمام صدرها لتقول بنبرة ذات مغذى:
ـــ آاااه قول كدا بقى… انت كل اللي هامك شكلك و منظرك في البلد.. انما أنا عايزة ايه أو هكمل شغل ازاي في مكان مش حاسة فيه بالأمان دي مش مشكلتك… مش كدا؟!
سكت معتصم يريد أن ينفي ما تقوله.. يريد أن يُقر لها بأنه يخشى فقدانها… أنه سيفتقدها بعدما امتلكت قلبه… أنه سيشتاق لها ان ابتعدت عنه….، و لكن نهوض أمه من مكانها أنقذه.. فقد قامت تربت على كتف ريم تهدئها و هي تقول:
ـــ يا بتي احنا اتعودنا عليكي و فراجك يعز علينا.. و بعدين لو على الأمان معتصم هيأمن الوحدة و هيدج حديد على الشبابيك و الابواب و هيسيبلك هناك غفر يحرسوها كمان بالليل و بالنهار.
همت لتعترض لكن مارتينا لم تعطيها الفرصة، فقد أحبت وجودها معها في الوحدة لتقول باستعطاف:
ـــ خلاص بقى يا ريم… أنا واثقة و متأكدة ان اللي حصل دا مش هيتكرر تاني.. معتصم بيه قد الدنيا و استحالة يسمح بحاجة زي دي تتكرر… و بعدين انتي عايزة تمشي و تسيبي اختك الغلبانة لوحدها؟!
عبست ملامحها بضيق لتقول:
ـــ مارتينا أدهم لو عرف اللي حصل استحالة يوافق اني أكمل هنا…هو أصلا من الأول مكانش راضي أستلم شغلي في الصعيد و كان بمعارفه قادر ينقلني في أي مكان أختاره بس أنا اللي أصريت أخوض التجربة…و يا ريتني كنت سمعت كلامه من الأول.
ضربت ام معتصم على صدرها بخفة لتقول بعتاب:
ـــ باه يا ضاكتورة…و هو احنا جصرنا وياكي يا بتي؟!..دا احنا الود ودنا نشولوكي فوج راسنا.
عادت لتقول باعتذار:
ـــ لا طبعاً يا حاجة انتو مقصرتوش أبداً..أنا بس خايفة أخويا ياخد مني موقف لو عرف.
تدخل معتصم ليقول بنبرة قاطعة:
ــــ مالكيشي صالح بخيك.. أني هكلمه اعتذرله عن اللي حوصل وياكي ليلة امبارح و متحمليشي هم حاچة واصل.
تنهدت ريم بقلة حيلة لتهز رأسها بإيماءة بسيطة كناية عن استسلامها لكلامهم، فاتسعت بسمة الحاجة ام معتصم، و كاد معتصم أن يبتسم فرحا بذلك و لكنه جاهد نفسه لاخفائها، و تنهد بارتياح كبير و كأنه أنجز أحد أصعب مهماته… تلك العنيدة المتمردة يبدو أنها ستذيقه الويلات حتى يُخضعها له.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى