رواية مهمة زواج الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم دعاء فؤاد
رواية مهمة زواج الجزء الخامس والعشرون
رواية مهمة زواج البارت الخامس والعشرون
رواية مهمة زواج الحلقة الخامسة والعشرون
استيقظ معتصم قبيل الفجر بنصف ساعة، فكان نومه متقطعا لم يخلو من الكوابيس.
جلس بالفراش قليلا يستجمع نفسه ثم نهض الى المرحاض فتوضأ و عاد ليصلي ركعتين قضاء حاجة تضرع فيهما الى الله بألا يحرمه من ريم و أن يجعل له فيها نصيب.
لم ينقطع دعائه حتى صدح أذان الفجر في الأرجاء فقام بأدائها و جلس يدعو الله مجددا الى أن أشرقت الشمس فنهض و دلف غرفته التي تشاركه فيها نرمين و بمنتهى الحذر التقط بنطال چينز أسود و قميص رصاصي و بليزر أسود كاچوال و أخذ حذائه و جواربه و خرج على أطراف أصابعه حتى لا تستيقظ نرمين و تبدأ معه استجوابا هو في غنى عنه.
عاد الى الغرفة و أخذ حماما سريعا ثم ارتدى ملابسه و مشط شعره و نثر عطره ثم ارتدى حذائه و ساعة اليد و بعدها وقف أمام المرآة يتأمل نفسه قليلا، فأخذ يتحدث اليها بشجن:
ـــ ايه اللي انت عملته في نفسك دا يا معتصم؟!… يا ترى انت كنت صح لما قبلت تتجوز نرمين؟!.. ولا كانت غلطة و انت بتدفع تمنها دلوقتي؟!… أقول ايه؟.. أقول يا ريتني ما كنت قابلت ريم ولا حبيتها؟!.. بس متنكرش ان هي اللي نورت حياتك و خلت فيها روح بعد ما كانت فاضية و باردة و مالهاش طعم… بس يا خسارة أخدت روحي معاها و مشيت..
تنهد بحزن شديد و هو ينظر الى السقف و يضع يديه في جيبي بنطاله لعله يهون من عاصفة الأفكار التي تضرب رأسه ثم استجمع حاله مرة أخرى و التقط مفتاح سيارته من على الكومود و خرج من الشقة بهدوء ثم استقل سيارته و انطلق في ساعة مبكرة جداً الى الشركة.
بعد حوالي ربع ساعة كان جالسا بغرفة مكتبه بالشركة و الموظفون لم يحضروا بعد، فشغل نفسه في العمل لعله يتناسى ما به من حزن و كآبة، فأخذ يراجع بعض الملفات و ينظم بعض المواعيد و يفحص العقود و ما الى ذلك حتى بدأت ساعة الحضور و بدأ الموظفون في التوافد على الشركة.
دلفت السكرتيرة ترحب به فطلب منها وجبة خفيفة مع فنجان القهوة خاصته و أخبرها بادخال هشام له فور مجيئه…
بعد نصف ساعة دخل إليه هشام زوج عائشة شقيقته و جلس بالكرسي المقابل له بعدما ألقى عليه تحية الصباح فتحدث معتصم بجدية و ملامحه عابسة:
ـــ عملت ايه مع موظفين الأمن و الاستقبال؟!
تنهد هشام بضيق ثم قال:
ـــ موظفين الاستقبال اديتهم قرصة ودن مع خصم خمس ايام.
ضرب سطح المكتب بانفعال:
ـــ يترفدوا يا هشام… انا قولت يغوروا من هنا..
رد هشام بعقلانية:
ـــ صعب يا معتصم نلاقي غيرهم دلوقتي… و بعدين الشباب معذورين انضغط عليهم من شوية مخبرين و هددوهم بتلفيق قضايا مخدرات ليهم لو مقالوش على كل اللي يعرفوه عنك و عن نرمين… و نفس الحكاية مع البودي جارد.. بس دول بقى غيرتهم.. الشركة اللي بنتعامل معاها بعتتلنا ناس جديدة النهاردة.
زفر معتصم بضيق بالغ، ثم استرسل بجدية:
ـــ هشام انا مش عايز نرمين تعرف اي حاجة عن ريم… ولا حتى اسمها… استسلامها بسهولة لموضوع الطلاق دا مش مريحني… انت عارف ان الأذية بتجري في دمها و ممكن تنسف أي حد يفكر ياخد منها حاجة… و انت شوفت بنفسك كانت بتعمل ايه مع الشركات المنافسة اثناء المناقصات.. بس كنت سايبها بمزاجي لأنه في الآخر كان بيصب في مصلحة الشركة… انما انها تفكر تأذي ريم فدا اللي مش هسمح بيه أبداً.
لوى شفتيه ببسمة ساخرة و هو يقول:
ـــ و الله لو رجعتلها مش هتفكر حتى تعرف اسمها… نصيحة مني يا معتصم طالما جوازك من ريم بقى صعب.. انساها و كمل حياتك زي ما كانت ماشية مع نرمين… انت كنت مرتاح أكتر قبل ما تقابلها..
تنهد معتصم بعمق و لم يبدي أي ردة فعل، فظن هشام أنه قد اقتنع بكلامه، و لكن هيهات… لقد أقسم أن يفعل ما بوسعه لربما تعود له و لكنه أسرَّ ذلك الأمر لنفسه و لم يبده له.
استيقظت ريم أيضا مبكراً و ترددت كثيراً أتذهب لعملها اليوم أم لا.. فهي ليس لديها طاقة للعمل، و بعد تفكير طويل أقرت أن تذهب لعلها تلهي نفسها عن التفكير في أحداث الأمس..
وصلت المشفى في الوقت ثم ارتدت المعطف الطبي خاصتها و بدأت عملها بعدما أقرت في قرارة نفسها ألا تفكر بمعتصم أبداً بعد ذلك لا بالخير و لا بالشر… تريد أن تمحي صورته الجميلة من عقلها و كأنها لم تراه من قبل و ان كان ذلك الأمر صعبا و لكنها ستصر على ذلك.
بعد الكشف على بعض الحالات عادت لتأخذ استراحة قصيرة بمكتب الأطباء بقسم الاستقبال و الطوارئ الذي تعمل به ليدخل اليها خالد، فجلس بالاريكة المقابلة لها و تبدو على ملامحه الارهاق:
ـــ صباح الخير يا ريم.
ـــ صباح النور.. ازيك يا خالد.
ـــ بخير الحمد لله… انتي اللي اخبارك ايه.
ـــ أنا تمام.
تأملها قليلا باعجاب بالغ ثم حمحم ليتحدث بتردد:
ـــ ريم… احم.. أنا كنت مستني فرصة مناسبة عشان أكلمك في موضوع كدا بس بصراحه مش لاقي أي فرصة… تسمحيلي نتكلم دلوقتي بما ان مفيش حد قاعد غيرنا؟!
ردت بعفوية:
ـــ اه اه طبعاً انا سامعاك..
حمحم ثم استرسل بجدية تامة:
ـــ أنا معجب بيكي و عايز أتقدملك و اطلبك للجواز.
تجمدت ملامحها بصدمة، فلم تتوقع ذلك أبداً منه، لم تشعر ناحيته سوى بأنه زميل فقط و حتى لم تلحظ اعجابه بها، و حين طال سكوتها، تجهمت ملامحه بحزن ليقول:
ـــ واضح ان طلبي مرفوض..
عادت لتستجمع حالها ثم ابتلعت ريقها و هي تقول بتوتر:
ـــ لا أبداً أنا… أنا بس اتفاجئت..
حانت منه نصف ابتسامة:
ـــ الحقيقية أنا مش معجب بيكي بس… لا دا أنا بحبك يا ريم… بحبك من أيام ما كنا مع بعض في الكلية بس مكانش ينفع اتكلم معاكي في اي حاجة و احنا لسة بندرس خاصة اني كنت حاسس و ما زلت انه حب من طرف واحد… بس اتمنى تفكري مع نفسك و تحاولي تغيري نظرتك ليا كزميل مهنة و تشوفيني خالد اللي بيحبك و بيتمناكي من زمان أوي.
توترت حالتها للغاية و لم تدري بما يجب عليها أن ترد الآن، لقد وضعها في مأزق صعب… كيف ذلك و قلبها مازال متعلقا بآخر… و لكن لا.. فقد قررت نسيانه للأبد، و يبدو أن ما حدث من خالد الآن ما هو الا اختبار لها أتكون صادقة مع نفسها أم أن قراراتها ستكون هباءا منثورا.
لمس خالد توترها الشديد فأراد أن يقلل من وطأة ارتباكها، فنهض و استأذن منها بالخروج قائلا:
ـــ أنا هخرج دلوقتي اكمل شغلي و انتي فكري و اتكلمي مع عيلتك و هستنى رأيك… و أيا كان هو ايه مش هيقلل من حبي و احترامي ليكي يا ريم.
هزت رأسها عدة مرات بارتباك و هي تتحاشى النظر بعينيه الى أن خرج من الغرفة فتنفست الصعداء و تشوش تفكيرها أكثر… و لكنها آثرت عدم التفكير في أي أمر الآن و لتتحدث مع أدهم لاحقا… فهو أكثر من يعلم خباياها و أكثر شخص سيساعدها في تخطي أمور كهذه.
عودة لشركة معتصم..
حين ثقل عليه حمل العمل أخذ يدلك جانبي جبهته بأصابعه لعله يستعيد تركيزه و يشعر بالارتخاء قليلا..
و اذا به يفتح هاتفه ليأتي بصورتها و يتأملها بروح معذبة و لكن يكفيه النظر لملامحها التي يعشقها، فهي كفيلة بأن تنسيه همومه و لو قليلا..
بدون سابق تخطيط منه وجد نفسه يرسل لها رسالة عبر الواتساب كتب فيها
“عمري ما ندمت في حياتي على حاجة عملتها قد ندمي على جوازي من غيرك… بس و الله العظيم لو كنت اعرف اني هحبك ما كنت اتجوزت قبلك أبداً.. انا عارف اني غلطت اني خبيت عليكي من الأول بس كنت خايف تكرهيني و تبعدي عني.. عايزك تسمعيني لو مرة واحدة بس و بعدين قرري.. و أيا كان قرارك هقبله يا ريم مهما كان”
تردد كثيراً أيرسل لها تلك الرسالة أم يمحوها، و بعد تردد كبير قام بلمس أيقونة الارسال ثم وضع الهاتف على سطح المكتب و هو يزفر بعنف… فهو أبداً لم يكن لَزِجا و لم يحدث من قبل أن توسل لفتاة.. و لكنها ليست أي فتاة… لأجلها يفعل المستحيل.
في تلك الأثناء تماما دلفت اليه نرمين و ألقت عليه تحية الصباح و سارت باتجاه مكتبه لتجلس أمامه و تضع ساقا فوق الأخرى ثم تحدثت بدلال:
ـــ مالك يا حبيبي قاعد زعلان كدا ليه؟!.. هي العروسة قافشة عليك ولا ايه؟
ضرب سطح المكتب بقبضة يده بعصبية ليصيح بانفعال:
ـــ الزمي حدودك و مسمعكيش تتكلمي عنها تاني..مفهوم؟!
لم تعير كلامه اهتماما و استرسلت بمزيد من الاستفزاز:
ـــ ليه؟!..مش ناوي تعرفني عليها؟!..ولا هتستنى بقى ليوم الخطوبة؟…امممم..طاب اسمها ايه؟!..مش معقول كمان مش هتقولي على اسمها.
كان يستمع اليها و هو يحاول السيطرة على تلف أعصابه، فهو يدرك جيدا أنها تريد الوصول الى ذلك، فأجابها ببرود:
ـــ متقلقيش هتعرفيها قريب… قريب أوي كمان.
هزت رأسها و هي تحاول كبت غيظها بصعوبة فاسترسلت حديثها و لكن تلك المرة بجدية:
ـــ أنا بعت هدومي و حاجاتي على الفيلا الصبح قبل ما اجي الشركة… تقدر تنام في قوضتك براحتك.
هز رأسه بايجاب دون أن يتكلم، فسكتت قليلا ثم نظرت اليه مجددا و هي تقول باستعطاف:
ـــ أنا هعتبر ان طلاقنا دا مجرد هدنة ليك عشان تفكر اذا كنت فعلا واثق من قرارك دا ولا لأ… و أنا زي ما قولتلك هفضل احبك مهما حصل و باب قلبي مفتوحلك في أي وقت.. مهما حصل يا معتصم مش هلومك ابدا لو حبيت ترجعلي و هفتحلك دراعاتي و مش هسألك رجعت ليه.. صدقني.. مش هتلاقي حد يحبك قدي.
تنهد معتصم و هو ينظر للجهة الأخرى ثم عاد ينظر اليها ليقول بجدية تتخللها نبرة سخرية:
ـــ تمام…و أنا طبعا مش هنسالك وقفتك جنبي.. و مقدر قد ايه انتي بتحبيني… بس زي ما قولتي اديني هدنة و سيبيني أجرب.. يمكن اكون غلطان فعلاً… بس من هنا لحد ما أعرف غلطي يا ريت تحاولي تفتكري دايما ان احنا مجرد شركا و بس… اتفقنا يا نرمين؟!
أصابتها حالة من الاحباط و لكنها على أية حال أومأت بموافقة ثم استأذنت منه بالخروج..
زفر أنفاسه بعنف فقد استطاعت اتلاف أعصابه للغاية و هو بالكاد يسيطر عليها.
تفقد هاتفه ليرى اذا ما كانت ريم قد رأت رسالته، فوجد أنها قرأتها و لكن لم ترد، فاغتاظ كثيرا و تلفت أعصابه أكثر و بدون وعي منه وجد نفسه يتصل بها…
على الناحية الأخرى بعدما قرأت رسالته شعرت بالبغض الشديد تجاهه و لم تهتز مشاعرها نحوه قيد أنملة بل ازداد سخطها عليه أكثر و اعادت الهاتف الى جيب معطفها مرة أخرى و تابعت طريقها نحو غرفة سكن الطبيبات.
بعد دقائق رن هاتفها برقمه فقررت أن ترد عليه الرد الأخير و الذي ستنهي به على ما تبقى بينهما….
ـــ ألو… ريم اظن انتي شوفتي رسالتي.. يعني مجاش على بالك تردي عليا؟!
أجابته ببرود تام:
ـــ معادش فيه بينا كلام يتقال..
أجابها باصرار:
ـــ لأ في..لازم تسمعيني..لازم نتقابل و تفهمي كل حاجة و بعدها قرري.
ردت بنبرة موجعة:
ـــ صدقني مش هتفرق كتير…قراري مش هيتغير..
ـــ بس على الأقل متسبينيش و أنا صغير في نظرك.
أجابته و هي تشعر بوخذات أليمة بقلبها:
ـــ صغير او كبير..مفيش بينا حاجة تستاهل اللي انت بتعمله دا كله..
اجابها بانفعال:
ـــ لا في يا ريم… في بينا حب يستاهل أعافر عشانه.. انا بحبك و انتي بتحبيني و…
قاطعته بقولها:
ـــ لحظة كدا… انا امتى قولتلك اني بحبك؟!
سكت و كأنها سكبت دلوا من الثلج على رأسه و لكن سرعان ما عاد ليقول بنبرة أليمة:
ـــ مقولتيش بس حسيت منك كدا.. شوفتها في عنيكي.. في كلامك.. في ابتسامتك.. يعني اكيد احساسي مش غلط.
ردت بسخرية:
ـــ لا تقريبا كدا انت محتاج تكشف على نظرك.. مش معنى اني وافقت اننا نرتبط يبقى انا حبيتك.. بدليل اني اتخطيتك و هتخطب لواحد تاني عادي جدا.
سكت معتصم مصدوما مما تقوله و علت وتيرة تنفسه للغاية من فرط الصدمة، فاسترسلت ريم بمزيد من الضغط و كأنها تضربه بقبضتيها على جرح عميق في قلبه ينزف بضراوة حتى كاد أن يودي بحياته:
ـــ يا ريت بقى تنسى انك عرفتني و متحاولش تتصل بيا تاني لاني هكون ملك واحد تاني يا معتصم بيه.
أغلقت الخط ثم بدأ صدرها يعلو و يهبط بشدة و عبراتها تهطل بغزارة من عينيها، لا تدري كيف خطر ببالها أن تنتقم منه بهذه الطريقة و تخبره بأمر خطبتها لغيره و لو بالكذب؟!
و حين علت وتيرة تنفسها و زاد ارتجاف جسدها احتضنته بذراعيها ربما تنتظم أنفاسها و لكن هيهات…انها تحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى..انها تريده أمامها الآن ليحتضنها و ينتشلها من تلك الحالة التي أزهقت روحها…رباه ماذا فعلت بنفسها؟!…انها تعاقب نفسها أكثر مما تعاقبه…
حمدت الله أنها الآن بغرفة السكن بمفردها و الا كانت الأعين ستنظر اليها بالفضول..
بقيت قرابة النصف ساعة تحتضن جسدها و تحاول تهدئة نفسها الى أن غفت بمكانها على الكرسي دون أن تشعر..
بينما معتصم هامت به الدنيا حتى شعر بالاختناق، فنهض ليخلع سترته ثم فك أزرار قميصه العلوية ربما يستطيع التنفس بعدما خنقته بكلماتها القاسية و غرست سكينا ملتهبا في عمق قلبه…
مساءا عاد آسر الي منزله و تناول العشاء مع والده ثم دلف غرفته ليأخذ قسطا من الراحة، فخطر بباله أن يتصل بعمه محمد ليطمئن على موده كما وعده أمس،
و لحسن الحظ كانت مودة في ذلك الوقت مستيقظة و حين أتى محمد اتصال آسر انفرجت أساريره و راح يقول لابنته:
ـــ اهو يا ستي آسر بيتصل على السيرة… انا هكلمه كلمتين و بعدين هديكي الفون تكلميه فيديو.. تمام؟!
ردت بصوت مجهد قليلا:
ـــ تمام يا بابا.
فتح المكالمة ليظهر أمامه آسر على شاشة الهاتف فابتسم محمد بحبور:
ـــ و الله فيك الخير يابني.. مخلفتش بوعدك.
ضحك آسر:
ـــ مقدرش أخلف وعدي معاك يا عمو… عامل ايه يا حبيبي و صحتك اخبارها ايه؟!
ـــ و الله يابني أنا كويس طول ما انتو كويسين.
ـــ و ميري أخبارها ايه؟!
سكت محمد و هو يبتلع ريقه فقد أخطأ في ذكر اسم مودة، ليحمحم مصححا له:
ـــ مودة بخير يا حبيبي… عايزة تكلمك..
حمحم آسر بحرج بعدما أدرك خطأه و دعى بألا تلحظ مودة ذلك، فالتقطت الهاتف لتظهر أمام آسر بوجه مستدير تغطي شعرها بغطاء طبي أزرق مظهرا رقبتها الطويلة البيضاء و ترتدي أيضاً مريلة طبية زرقاء، فاخذ آسر يتأملها بتعحب.. انه يراها و كأنه يرى ميريهان أمامه، فدق قلبه بعنف و أخذ يبتلع ريقه بتوتر من تلك الحالة الغريبة التي انتابته، و لم يكن حالها أقل منه، بل أيضا دق قلبها بشدة حين تمثلت صورته أمامها و كأنها تراه لأول مرة، اختلفت نظرتها له كثيرا، فأخرجته من تلك الحالة بصوتها الرقيق:
ـــ ازيك يا آسر عامل ايه؟!
عاد لوعيه حينها ليرد عليها بابتسامة صافية:
ـــ انا تمام يا مير… يا مودة بخير الحمد لله.. انتي اللي عاملة ايه؟!
ابتسمت له برقة فاختطفت قلبه ببسمتها:
ـــ انا الحمد لله بقيت كويسة..
زادت بسمته اتساعا ليقول و الدهشة بادية على وجهه:
ـــ سبحان الله كأني شايف ميري قدامي دلوقتي..
ضحكت ضحكة بسيطة لتقول:
ـــ ما هي ميري اصلا فيها شبه كبير مني.. بس انت اللي مكنتش واخد بالك..
رفع كتفيه لأعلى:
ـــ يمكن.. بس أول مرة فعلا أحسن انها شبهك اوي كدا..
تحولت ملامحها بحزن لتسأله بترقب:
ـــ هي عاملة ايه يا آسر… تفتكر ممكن تعدي من الغيبوبة دي؟!
احتلت الصدمة ملامحه فلم يخبره ابيها بما قاله لها بالضبط، فتدخل محمد سريعا يقاطعهما:
ـــ بقولك ايه يا آسر يا حبيبي.. أنا هروح اشوف الدكتور رؤف و هرجعلك تاني.. سلام يا حبيبي..
ـــ تمام يا عمو مع السلامة… في رعاية الله.
تنفس آسر الصعداء و حاول لملمة شتات نفسه بعدما اخطأ في نطق اسمها و ارتباكه حين سألته عنها، و حالة التشوش التي انتابته حين رآها و كأنه رأى حبيبته… حقا لا يدري ماذا حل به.. و لكنه لا ينكر أن رؤيتها هونت من حزنه على ميريهان و كأنها حية و تعيش بدنياه..
بينما محمد غادر من أمام مودة سريعا قبل أن تستجوبه بخصوص شقيقتها، و اتجه الى مكتب الدكتور رؤف…
ـــ انت فعلا كان عندك حق يا رؤف… مكالمة مودة مع آسر خلتها واحدة تانية خالص.. و صوتها فجأة بقى طبيعي بعد ما كان علطول تعبان.
ابتسم رؤف بسعادة ليقول بجدية:
ـــ يبقى توقعي طلع صحيح… رغم ان الدراسات و الابحاث اللي اتعملت على مرضى زراعة القلب اثبتت ان القلب المزروع مالهوش علاقة بالمشاعر بس مرضى كتير حكوا تجربتهم ان فعلا مشاعرهم و طباعهم اتغيرت بنسبة ما بعد الزرع.. و بقى بيحبوا حاجات مكنوش بيحبوها قبل الزرع و دا بيرجع لقلب المتبرع و حبه و كرهه للحاجات دي..
أخذ محمد يهز رأسه بتعحب و هو يقول:
ـــ سبحان الله… له في خلقه شؤون.
استند رؤف بذراعيه الى سطح المكتب ليقترب برأسه من محمد ثم قال:
ـــ أنا رأيي انها ترجع مصر بقى و التواصل بينها و بين آسر يزيد.. دا هيحسن نفسيتها جدا و هنضمن ان العملية نجحت بنسبة مية في المية.
تنهد محمد بقلق:
ـــ لو شوفتهم و هما بيتكلمو مع بعض من شوية هتحس فعلا انهم اتنين حبيبة … بس آسر بطبيعته شخصية عاطفية و رومانسي و أسلوبه كدا في الكلام…دا العادي بتاعه… يعني خايف ميتقبلش ان مودة تحل محل ميري في قلبه.. مش عارف اعمل ايه..
ـــ دي مهمتك بقى يا محمد… حاول تخترع حجج عشان يقربوا من بعض و اديله انطباع انك مش ممانع ارتباطهم و ان ميري مش عائق بينهم أبداً.
أومأ عدة مرات و هو يفكر بشرود، فانفجر رؤف في الضحك فجأة ليرمقه باستنكار و هو يسأله:
ـــ ايه يا رؤف؟!.. بتضحك على ايه؟!
رد و هو يضحك:
ـــ يا أخي انت خلتني اسيب الطب و اشتغل خاطبة عشان خاطر سيادتك..
ضحك محمد على كلامه و هو يهز رأسه بسخرية ثم قال من بين ضحكاته:
ـــ بس يارب نصايحك تيجي بفايدة…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)