روايات

رواية مهمة زواج الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الجزء الثامن والعشرون

رواية مهمة زواج البارت الثامن والعشرون

مهمة زواج
مهمة زواج

رواية مهمة زواج الحلقة الثامنة والعشرون

تجري على شاطئ البحر و هي تضحك و ضحكاتها تدوي خلفها و هو يركض ضاحكا خلفها لعله يلحقها، و كلما اقترب منها تزيد من سرعتها و هي تصرخ بضحكة عالية الى أن أمسك بها، و من فرط سرعتها وقعت و وقع فوقها، لتواجه عينيه المبتسمة عينيها لا يفصلهما سوى انشا واحدا ليقول بنبرة هائمة سلبت عقلها”بحبك يا ريم”
و فجأة صرخت ببكاء و كأنها كانت بغيبوبة و استيقظت منها و أخذت تركله و تبعده عنها تحت دهشته البالغة، فاضطر الى أن ينهض و يبتعد عنها، فنهضت و ركضت بعيدا عنه حتى اختفت تماما و هو يناديها مرة و اثنان و ثلاثة” ريم…ريم…ريم” الى أن فتح عينيه فجأة ليجد نفسه نائما على الأريكة الجلدية بمكتبه بالشركة.
أخذ يدور بعينيه في أنحاء الغرفة و يستغفر ربه و يمسح وجهه و شعره من أثر النوم و يستعيد أحداث ذلك الحلم القصير و هو يفكر بها… متى ستخرج من رأسه يا ترى… لقد شغلته الى الحد التي أصبحت فيه تراوده بأحلامه و تؤرق نومه من كثرة التفكير بها… كيف سيتركها و شأنها اذن؟!.. كيف سينساها و يكمل طريقه بدونها اذن؟!
عودة الى أدهم..
خرج من الشرفة بعدما تلقى ذلك الخبر الصادم من اللواء سامي، ليدلف الى الغرفة متهدل الكتفين و ملامحه واجمة ينظر اليها بارتباك، لا يدري كيف سيخبرها بمقتل أبيها الذي لم يبقى لها سواه في هذه الدنيا.
كانت حينئذ جالسة على الأريكة تنتظره، فنظرت له باستفهام:
ـــ مالك يا أدهم شكلك متغير كدا ليه؟!.. في حاجة حصلت في الشغل؟!
تقدم منها حتى أوقفها أمامه ثم قبض على خصرها بتملك حتى لا تسقط منه حين تسمع الخبر:
ـــ بصي يا ندى.. عايزك تتأكدي ان انا هفضل معاكي لحد اخر نفس فيا و مش هسيبك ابدا مهما حصل.. انا ليكي كل حاجة في الدنيا.. انا جوزك و ابوكي و اخوكي و صاحبك و عمري ما هتخلى عنك أبداً.. انتي فاهمة؟!
هزت رأسها بصمت و قد انتابها القلق الشديد بعد تلك المقدمة المؤثرة، ثم سألته بقلق:
ـــ في ايه يا أدهم؟!
ترك خصرها ثم أمسك وجهها بين راحتي يديه و ابتلع ريقه و هو يقول:
ـــ المافيا اغتالت والدك في بيتكم اللي في أمريكا… البقاء لله.
اتسعت عينيها ثم ما لبثت أن امتلأت بالدموع التي عرفت مجراها على وجنتيها فانهمرت بغزارة، و هي تهز رأسها بعدم تصديق:
ـــ بابا؟!.. لأ.. بابا.. هو فين؟! … لا اله الا الله.. انا لله وانا اليه راجعون… لا لا.. انا عايزة اشوفه.. هو فين؟!.. وديني لبابا يا أدهم..
تركته و أخذت تفتح درف الخزانة واحدة تلو الأخرى تبحث عن ملابس لها ترتديها لتذهب اليه، و لكنها تبحث بعشوائية و كأنها لا تعي ما تفعله تفتح الدرفة و تغلقها ثم تفتحها مرة أخرى و هي تبكي بانهيار الى أن خارت قواها و سقطت على حافة الفراش و أدهم يراقبها بقلب منفطر.
جذبها الى صدره و هو يحتضنها بشدة و يواسيها بالكلمات بينما هي انخرطت في بكاء مرير ازداد أكثر من ذي قبل و هي تقول:
ـــ كان نفسي اشوفه يا أدهم… كان عندي امل ارجعله و نعيش سوا.. كان خايف عليا.. يا ريتني فضلت معاه و كنا متنا احنا الاتنين و مكانش سابني لوحدي.. ااااااه..
فرت دمعة من عينه حين لفظت تلك الآهة التي تردد صداها بصدره فشعر بمدى ألمها و انكسار قلبها، فشدد من احتضانها أكثر و هو يسألها بلوم:
ـــ لوحدك ليه يا ندى؟!.. طاب انا روحت فين؟!.. أنا معاكي يا حبيبتي و مش هسيبك؟!..أمي هي أمك و أختي هي أختك.. احنا عيلتك و انتي مش لوحدك يا حبيبتي..
أبعدها قليلا عن صدره و حاوط وجهها براحتي يديه ثم أخذ يمسح عبراتها بابهاميه و هو يقول:
ـــ انتي مش لوحدك يا روحي… انتي أحلى هدية باباكي قدمهالي.. و وعد هحافظ عليكي و افديكي بروحي كمان.. اصبري.. اصبري يا ندى و رددي إنا لله وإنا إليه راجعون.
أخذت تشهق و هي تردد خلفه الى أن هدأت قليلا ثم تركته و دلفت الى المرحاض تغسل وجهها بينما هو بدل ملابسه لينطلق الى مبنى العمليات الخاصة لمقابلة اللواء سامي ليتفقد موعد و اجراءات استلام الجثمان لدفنه بالأراضي المصرية…
بينما بقيت ندى بحضن تيسير تبكي و بجوارهما ريم تواسيها في انتظار مكالمة من أدهم يخبرهم بها بموعد وصول جثمان والدها الحبيب.
مرت عدة أيام عسيرة على ندى و كانت حالتها النفسية سيئة للغاية حتى أنها كانت تنام بغرفتها بعيدا عن أدهم من فرط الكآبة و حتى لا يراها بتلك الحالة.
بينما هو بقي بغرفته ينعي نفسه مرة لفقدان حماه و مرات لعدم تمكنه من الحصول على لذة حياته مع زوجته التي عشقها حتى النخاع.
في شركة معتصم….
أمر السكرتيرة بابلاغ الموظفين بعقد اجتماع بعد نصف ساعة في قاعة الاجتماعات….
و في الوقت المحدد التف الموظفون حول طاولة الاجتماعات الكبيرة و كان من بينهم نرمين و هشام، ليدلف اليهم معتصم فحياهم باحترام ثم جلس على رأس الطاولة و أدار دفة الحديث قائلا برسمية:
ـــ طبعاً سمعتوا في الاونة الأخيرة عن شركة الرشيدي للمعمار و اللي ماسكة مشروعات ضخمة في العاصمة الجديدة…هما عاملين حفلة افتتاح ضخمة لمول تجاري متكامل بيعرض كل اللي يخطر على بالكم من اول المواد الغذائية لحد الأجهزة الطبية و تجهيزات العيادات و الشركات و مكاتب المحاماة… مشروع ضخم جداً.. و من حسن حظنا ان أحد شركاء المشروع يبقى صديق قديم من أيام الجامعة و بعتلي ٥٠٠ دعوة لحفلة الافتتاح.. طبعاً الدعوات دي هتتوزع على كل موظفين الشركة و مسموح لكل شخص ياخد دعوتين او تلاتة على حسب العدد.. ممكن يهادي بيها اصحابه او حد من عيلته.. و طبعاً دي خطة دعائية ذكية جداً عشان صيت المشروع يوصل لأكبر عدد من الشركات و كل من يهمه الأمر… الأستاذة هدى هتوزع عليكم الدعوات.. و عايزكم تشرفوا شركتنا في الحفلة.. بالتوفيق..
نهض معتصم من كرسيه مغادرا الغرفة، بينما بطاقات الدعوة تقوم السكرتيرة بتوزيعها، و في تلك الأثناء شردت نرمين التي كان رأسها مشغولا بمعتصم و علاقته بحبيبته السابقة و محاولاتها المتكررة لرده لها، بينما دائما يقابلها بالرفض.
كان هذا هو شغلها الشاغل و همها الأكبر… أن يخرج حبيبته من رأسه و ينعدم أمله في عودتها اليه..
فخطرت ببالها فكرة شيطانية ربما تستطيع بها التفريق بينهما و قطع كل الطرق التي من الممكن أن تجمعهما من جديد لعله يعود لرشده كما تظن.
التقطت خمس بطاقات ثم دستها في حقيبتها و هي تبتسم بمكر و شكرت الظروف التي هيأت لها تلك الخطة.
في اليوم التالي بالمشفى اقبل خالد على ريم بابتسامة واسعة و بيده بطاقتين و حين وقف أمامها تحدث بسعادة:
ـــ ريم.. جاتلنا فرصة خروجة محصلتش.
مد يده لها بالبطاقتين فأخذتهما و فتحت احداها تقرأها بينما هو استرسل حديثه بحماس:
ـــ الدكتور سالم مدير المستشفى بعت الدعوتين دول لينا و معانا ٣ دكاترة تانيين لحضور حفلة افتتاح مول ضخم في العاصمة الجديدة.
نظرت له باستغراب:
ـــ و احنا مبعوت لينا دعوات بصفتنا ايه مش فاهمة؟!
زم شفتيه ليجيبها بلامبالاة:
ـــ عادي يعني يا ريم… اصحاب المشروع عاملين دعوات لكل الكوادر المهنية كنوع من انواع الدعاية لأن المشروع فيه أقسام مختصة بتجهيز العيادات و المستشفيات.. فطبيعي انهم يدعونا كدكاترة.
ـــ أيوة يعني اشمعنا احنا بالذات.. انا و انت؟!
رفع كتفيه لأعلى قائلا:
ـــ مش عارف.. المدير هو اللي اختارنا.. يمكن عشان احنا كابل.. بس اكيد مش هقوله اختارتنا ليه يعني… المهم اننا هنخرج و هنغير جو و هنشوف اجواء مختلفة بعيدا بقى عن المرضى و المستشفي…
نظر في عينيها بعمق و هو يقول بهيام:
ـــ من ساعة ما اتخطبنا و انا نفسي اخرج معاكي بس انتي مش سايبالي أي فرصة.
أخذت تفرك كفيها بتوتر و هي تتحاشى النظر بعينيه و تقول:
ـــ اااا انت عارف ان أدهم مبيحبش كدا و انا بحترم رغبته..
ثم ابتسمت لتسترسل حديثها بحماس:
ـــ بس خلاص ان شاء الله نروح الافتتاح دا طالما انت متحمسله كدا..
ضحك و هو يقول:
ـــ يعني اعتبر انك كدا بتصالحيني… او بتعوضيني عن رفضك للخروج؟!
لكمته في كتفه و هي تقول بتذمر طفولي:
ـــ خالد بقى.. لا طبعا.. عادي يعني عايزاك تكون مبسوط.
تأملها بنظرة هائمة:
ـــ بجد؟!.. عايزاني اكون مبسوط؟!
أومأت بخجل فاسترسل حديثه بمزيد من الهيام:
ـــ طول ما انتي معايا هكون دايما مبسوط.
ابتسمت بمجاملة، فحقا مهما أسمعها من غزل لا يحرك بها ساكنا و لكنها مضطرة لمجاراته ربما يهتز له قلبها يوما.
عاد أدهم من عمله بعد يوم طويل في التحقيقات في جريمة قتل حماه و دوافع و اسباب تلك العصابة التي أدت بهم الى قتله و عما كانوا يبحثون في منزله الذي كان منقلبا رأسا على عقب و يبدو أنهم لم يجدوا ضالتهم فاضطروا الى قتله ليتخلصوا من خطر تهديده لهم بما لديه من مستندات و أسرار.
رغم غضبه منها لأنها اعتزلته بغرفتها كل تلك الفترة منذ مقتل والدها إلا أنه مشفق عليها للغاية، فقد كان الخطب جلل و الامتحان صعب و أي شخص مكانها ربما لما تحمل فقدان عزيزه بطريقة قاسية كتلك مع بعد المسافات بينهما.
تحامل على نفسه ليذهب الى غرفتها لكي يطمئن عليها، فمنذ ذلك الحادث و هي تتحاشاه و كأنه هو من قتل أباها و لم تسأل عنه و لو مرة…
طرق باب غرفتها فلم ترد، زفر بعنف من فرط غضبه و لكنه حاول السيطرة على نفسه ثم فتح الباب و دلف مباشرة مغلقا خلفه، فوجدها نائمة بوسط الفراش متكومة على نفسها و كأنها في ملكوت آخر..
ذهب الى فراشها و استلقى بجوارها ثم أخذ يزيح غرتها من على جبينها ليرى عينيها و هو يناديها برفق الى أن فتحت عينيها و ليتها لم تفتحهما، فقد صعق من شدة احمرارهما و تلك الهالات السوداء التي ظهرت أسفلهما..
ـــ ليه عاملة في نفسك كدا يا ندى؟!.. بقى انتي ندى المؤمنة اللي محافظة على صلاتها و أذكارها و وردها القرآني؟!.. مكنتش اصدق انك تتحولي كدا مهما كان صعوبة الابتلاء..
تنهدت بعمق ثم نهضت من نومتها فأسندها حتى جلست بالفراش ثم قالت بنبرة حزينة و عينين زائغتين:
ـــ الحمد لله أنا راضية بقضاء الله و قدره… و رغم حزني الكبير اوي على بابا بس مقصرتش أبداً في صلاتي و لا أذكاري.. بالعكس بقيت أصلي أكتر و أدعي ربنا أكتر انه يرحم بابا و يغفرله و يصبرني على ابتلائي.
مسد على شعرها ثم اقترب منها حتى التصق بها و أسند رأسها الى صدره و هو يقول بنبرة حانية:
ـــ أومال مالك بس يا حبيبتي…شكلك اتغير و نفسيتك وحشة و الدنيا معاكي مش تمام خالص يا ندى.
بدأت شهقاتها بالبكاء في الظهور و هي تجيبه:
ـــ غصب عني يا أدهم… أنا بشر و اللي حصل كان فوق احتمالي.. حاسة اني فقدت الشغف في كل حاجة.. ماليش نفس اعمل أي حاجة.. انا بحمد ربنا اني لسة قادرة أصلي.. حاسة اني مشلولة.. اتكسرت بعده.. كان نفسي بس اكون معاه.. مكنتش عايزاه يموت و انا بعيدة عنه… أنا ندمت اني وافقته و رجعت مصر و سيبته هناك لوحده… حاسة اني هموت من احساسي بالذنب.. هموت يا أدهم… هموت….
ظلت تردد تلك الكلمة و هي تبكي بحرقة بينما هو أخذ يشدد من احتضانها و يمسد على شعرها لعلها تهدأ قليلا..
ـــ عشان خاطري اهدي… كفاية عياط… عنيكي مش حمل العياط دا كله… يا ريته بيرجع حبيب يا ندى.. مكناش بطلنا بكى.
ابتعدت قليلا عنه ثم أخذت تجفف عينيها و هي تقول باعتذار:
ـــ أنا عارفة اني زودتها معاك اوي و عارفة ان هجري ليك دا اثم عليا.. بس اتمنى انك تعذرني و تسامحني عشان أنا مش قد الوزر دا
تنهد و هو يبتسم شبه ابتسامة ليقول بنبرة حانية:
ـــ ولا يهمك يا حبيبتي… يعني من جملة الأيام اللي كنا فيها بعيد.
رغما عنها ابتسمت بسخرية من تلميحه الذي فهمته جيدا لتشدد من قبضتها على كفيه و تقول بنبرة حزينة:
ـــ لسة مآنش الأوان.
نظر لها متأملا ملامحها التي افتقدها كثيراً ثم قال بنبرة هائمة:
ـــ كله يهون يا روحي.. أهم حاجة انك تكوني بخير و معايا دايما.
أطرقت رأسها بخجل من اطرائته فقبل رأسها ثم قال:
ـــ تصبحي على خير يا حبيبتي.
رفعت رأسها لتجيبه:
ـــ و انت من أهل الخير
رفع حاجبيه كناية عن عدم رضاه عن ردها، فابتسمت لتستكمل ردها:
ـــ يا حبيبي..
اتسعت ابتسامته الهائمة ثم تركها على مضض و عاد لغرفته… لم ينكر أنه انتظر أن تعود معه و لكنها خيبت آماله و تركته يذهب وحيدا و حتى لم تطلب منه البقاء معها بغرفتها، و لكنه أقنع نفسه بالصبر، فمصابها لم يكن بالهين.
قابلته ريم في طريقه الى غرفته لتقول له:
ـــ أدهم.. كنت عايزة أستأذنك في حاجة كدا..
ـــ قولي بسرعة لأني مرهق جدا و عايز أنام.
ـــ حاضر حاضر.. احم.. انا و خالد جاتلنا دعوة لحفلة افتتاح مول تجاري في العاصمة الجديدة و نفسنا نحضر الحفلة دي… ممكن؟!
قطب جبينه باستغراب:
ـــ و انتوا ايه علاقتكم بالمول دا؟!
ـــ مؤسسين المول دعوا كل الكوادر المهنية لأن عندهم أقسام لكل ما يخص كل المهن و منهم مهنة الطب.. و الدعوات وصلت مدير المستشفى و المدير اختارنا انا و خالد و تلاتة تانيين من الزملا.
سكت أدهم قليلا يفكر، فنظرت له ريم باستعطاف و هي تتوسل اليه:
ـــ عشان خاطري يا أدهم متكسفنيش معاه.. و بعدين دا مكان عام و هيكون مليان ناس اشكال و الوان.. يعني خليك كووول بقى.
حانت منه نصف ابتسامة ثم قال بجدية:
ـــ ماشي يا لمضة روحي.. بس طبعاً مش هوصيكي تـ..
قاطعته و هي تومئ برأسها:
ـــ تمام تمام متقلقش… حافظة الوصايا العشر و مش هنساهم..
قرصها من وجنتها:
ـــ مش بقولك لمضة… و غلباوية كمان..
ضحكت بملئ فمها:
ـــ تربيتك يا حضرت الظابط.
حمحم و كأنه تذكر شيئا للتو:
ـــ ريم.. عايزك تقعدي مع ندى و تحاولي تخرجيها من جو الكآبة اللي هي فيه.
ـــ على فكرة كل يوم بدخلها اقعد معاها و بنتكلم بس هي معذورة مش قادرة تتخطى اللي حصل بسهولة و بسرعة كدا.. بصراحة يا أدهم الله يكون في عونها.. اللي حصل دا مكانش سهل أبداً.. ربنا يصبرها.
تنهد بحزن و هو يردد:
ـــ يا رب… طيب انا هروح انام بقى.. تصبحي على خير.
ـــ و انت من أهل الخير يا حبيبي.
مرت ثلاثة أيام أخر و ها هو يوم حفل الافتتاح التي انتظرته نرمين طويلا لكي تكتمل خطتها بعدما أرسلت خمس بطاقات لمدير المشفى التي تعمل بها ريم عن طريق أحد الوسطاء و الذي أوصاه باعطاء اثنتين منهم الى خالد و خطيبته بالذات و قد حصل ما أرادت و كان عرضا مغريا لخالد.
أرادت لريم أن ترى معتصم حبيبها بصحبتها بصفتها زوجته الأولى التي أخفاها عنها حتى تقطع بينهما سبل العودة الى الأبد… فهل يتحقق ما أرادت؟!
مر خالد على ريم بمنزلها ليأخذها بسيارة أجرة و يذهبا سويا الى الحفل و بالطبع رآها عمر الذي لم تنتهي مهمته معها بعد و استقل سيارته و سار خفية خلفهما، و حين تبين وجهتهما قام بالاتصال بمعتصم ليخبره و لكنه لم يسمع رنين هاتفه من أصوات الموسيقى الصاخبة و الازدحام… حاول كثيرا التواصل معه و اخباره بأن ريم في طريقها لذلك الحفل و لكن دون جدوى.
بينما نرمين أخذت تسير بين المدعوين بفستانها الأزرق الملكي المجسم ذو الحمالات العريضة و الطويل و بفتحة كبيرة تصل حتى ركبتها و أسدلت شعرها الأشقر المموج على ظهرها و كتفيها فكانت فاتنة… كتلة فتنة متحركة..
أخذت تبحث بعينيها في كل ركن بالحفل عن ريم و لكنها لم تجدها، فأخذت تحدث نفسها بضجر:
ـــ و بعدين بقااا.. هي مش هتيجي ولا ايه… اوف.. و اصلا لو جات هشوفها ازاي في وسط الناس دي كلها.
أقبل عليها معتصم بملامح لا تنذر بالخير أبداً الى ان وقف قبالتها و قال بغضب مكتوم:
ـــ ايه اللي انتي لابساه دا يا مدام نرمين؟!.. هو مفيش فايدة فيكي أبداً.. مفيش مرة تخيبي ظني و تلبسي لبس محترم زي الستات المحترمة..
ردت عليه بتذمر:
ـــ قصدك ايه بقى يا معتصم؟!.. عايز تقول اني ست مش محترمة؟!
رد بانفعال طفيف حتى لا يثير انتباه الناس من حوله:
ـــ انتي شريكتي و أي تصرف منك او أي مظهر بتظهري بيه بيسيئلي قبل ما بيسيئلك يا هانم… و انتي عارفة كويس اني مبحبش اخرج معاكي و انتي لابسة اللبس المفتوح دا… انا مهما كان صعيدي و دمي حر.
نظرت له بشبه ابتسامة و هي تعدل من ربطة عنقه و تقول بدلال:
ـــ انت بتغير عليا يا عصومي.
أنزل يديها و هو يصتك فكيه بغيظ:
ـــ بغير على شكلي و سمعتي و شركتي يا نرمين هانم.
قال تلك العبارة ثم تركها تغلي من الغيظ و ذهب ليسلم على أحد أصدقائه.
وصلت ريم مع خالد و دلفا سويا الى الحفل، فقد كان خالد يرتدي بدلة رسمية كاچوال من اللون الأسود و ريم ارتدت فستان اسود من الستان ضيق من الصدر و الخصر ثم يتسع من الخصر للأسفل و ارتدت حجاب قصير فضي اللون مع قليل من الزينة و مستحضرات التجميل فكانت حقا جميلة رقيقة هادئة تسر من ينظر اليها.
تجولت معه في المكان الواسع من هنا الى هناك و أخذت تراقب الحضور بمختلف طبقاتهم و بالطبع النساء منهم خاصة و قد كانت مستمتعة بالأجواء.
شعرت نرمين بأن عيناها سيصيبها الحول من كثرة بحثها عن ريم، فاعتقدت أنها لن تأتي و استسلمت للأمر الواقع و أقرت بفشل خطتها.
بينما في تلك الأثناء كانت ريم مع خالد في الطابق العلوي حيث يتجمع مجموعة من الأطباء و الطبيبات يتعرفن الى بعضهم البعض، فصدح في الأجواء صوت موسيقى هادئة جعلت كل زوجين يرقصان الرقصة البطيئة المعروفة” slow “، فأثار المشهد فضولها و همست بأذن خالد:
ـــ خالد انا هنزل اتفرج عليهم من تحت و لما تخلص كلامك انزلي.
ـــ هلاقيكي ازاي؟!.. انتي مش شايفة الزحمة؟
ـــ اتصل بيا و انا هخلي التليفون في ايدي.
ـــ تمام.. متبعديش و لو روحتي اي مكان كلميني.
ـــ حاضر… باي.
في الأسفل، ذهبت نرمين الى معتصم الذي كان مشغولا بالتحدث مع أحد عملائه، فاستغلت الموقف و استندت على كتفه لتقول بدلال:
ـــ بعد اذنك يافندم هاخد منك عصومي خمس دقايق.. هنرقص سلو مع بعض..
لم يستطع الرفض بعدما أحرجته أمام العميل، خاصة و أن تلك الشكليات مهمة في محيط عمله، فاستأذن باحترام من الرجل و ذهب معها على مضض الى ساحة الرقص و قبض على خصرها و هو في قمة غضبه منها و لكنه حاول السيطرة على ملامحه الغاضبة و بدأ يتمايل معها على أنغام الموسيقى الهادئة و هو يبتسم بتمثيل أمام الناس.
بينما هناك ريم تقف في ركن ما تراقب ساحة الرقص بانبهار و تتمايل برأسها مع الموسيقى باندماج الى أن ظهر أمامها معتصم الوسيم و هو يحتضن تلك الفاتنة التي يصل طولها لطوله تقريباً و يبتسم لها بسعادة، فتسمرت قدماها و تجمد جسدها من الصدمة، أيعقل وسامته الفتاكة تلك التي خطفت أنظار النساء و هيبته التي سلبت عقولهن بين يدي أنثى أخرى غيرها؟!… و أي أنثى هذه؟.. انها تفوقها جمالا و قواما.. انه شيئا يدعوها للحسرة.
لو كانت الغيرة تقتل لأردتها صريعة الآن.. و لكنها تشعر بأن قلبها يشبه الجبل الذي رغم رساخته انهار حتى استوى بالأرض..
بدأت أنفاسها تتسارع و هي تنظر اليهما بحملقة، لا تستطيع زحزحة عينيها عنه… لا تدري أمن الاشتياق أمن تلك النيران المستعرة بصدرها كالجحيم..
لم يكن بمخيلتها أن هذا سيكون حالها حين تراه مع زوجته الفاتنة التي أخفاها عنها.. ليتها لم تراه.. ليتها لم تأتي من الأساس.
بالطبع كان معتصم زائغ العينين يتحاشى النظر إلى عيني نرمين حتى لا يرى رجائها المستمر بهما، كان ينظر في كل مكان عداها هربا من نظراتها الهائمة، الى أن التقت عيناه بتلك العينين المتلألئتين بالدموع، و هي تنظر اليه بعتاب، فتجمد جسده و توقف عن التمايل، فرمقته نرمين باستغراب:
ـــ ايه يا عصومي وقفت ليه؟!
في تلك اللحظة أدركت ريم أنه رآها ففرت من أمامه قبل أن يرى عبراتها التي تمردت و سقطت من عينيها و ركضت و هي تتخبط بالناس الى خارج الحفل..
ـــ نرمين لحظة بس.. في واحد مهم بيشاورلي هروح اكلمه و هرجعلك.
تركته و هي تتأفف بضيق و ذهبت الى المرحاض لتعدل من زينة وجهها بينما هو ركض باتجاه باب الخروج ليجد ريم تسير أمامه بخطى سريعة و كأنها على وشك الركض..
ـــ ريم… ريم.. ريم استني..
لم تلتفت له و كأنها لم تسمعه، فأسرع الخطى حتى لحق بها و أمسك معصمها ليوقفها.
استدارت له لتنزع معصمها من يده و تنظر له باشمئزاز بينما هو لا يصدق أنها أمامه الآن، تلك الغزالة المتمردة التي أفقدته عقله.. كم هي رقيقة و أنيقة.. رغم ملامحها المشمئزة الا أنها سحرته باطلالتها بتلك اللحظة.. رغم تفاجؤه بها و هو في وضع غير محبذ و رغم دموعها المتحجرة في عينيها.. و رغم نظرة الكره و رغم كل شيئ إلا أنه لم يسعده شيئ في تلك الليلة بقدر سعادته برؤيتها الآن.
ـــ نعم؟!.. حضرتك جاي ورايا عشان تفضل تبصلي كدا.
أخيراً استعاد ادراكه بعدما افقدته رؤيتها توازنه و سألها بجدية:
ـــ ايه اللي جابك هنا؟!
نظرت له بغيظ و هي تقول بحدة:
ـــ و الله اللي جابك هو اللي جابني.
ـــ يعني اتبعتلك دعوة؟!
ردت بسخرية:
ـــ من سوء حظي.. و لو كنت اعرف انك موجود استحالة كنت جيت.
رد ببسمة أربكتها:
ـــ بس من حسن حظي انك موجوده
أطرقت رأسها و هي تتمالك نفسها و تبتلع ريقها، فوقوفه أمامها بهيبته و أناقته المفرطة و نبرته الحنونة أضعفت دفاعاتها تماما، فاقترب منها مقدار خطوتين ثم استرسل بنبرة كادت أن تفقدها وعيها:
ـــ متعرفيش انتي وحشاني قد ايه… و مبسوط قد ايه اني شوفتك.
ابتعلت ريقها ثم سألته بتوتر لتغير مجرى الحديث:
ـــ اممم… واضح.. مراتك دي اللي كنت بترقص معاها؟!
هز رأسه بايجاب ثم أسرع يصحح لها:
ـــ كانت مراتي.. انا طلقتها..
ـــ تؤتؤتؤ.. ليه؟!.. يا خسارة… حد عاقل يسيب الجمال دا كله؟!
اقترب برأسه من رأسها ليقول بهمس مثير:
ـــ معلش أصل أنا مجنون…في واحدة تانية سحرتني خلتني مش شايف حد غيرها..
ابتلعت ريقها بتوتر ثم قالت بنبرة ذات مغذى متهربة من تلميحاته:
ـــ بس بجد اللي يشوفها ميصدقش انها اكبر منك بعشر سنين…ليك حق تتجوزها و تعيشلك معاها يومين..بجد عذرتك لما شوفتها..لايقين على بعض اوي
أغمض عينيه للحظة محاولا السيطرة على انفلات أعصابه من تلميحها السخيف، ثم رد بانفعال طفيف:
ـــ ريم انتي فاهمة غلط.. انا متجوزتهاش عشان أعيشلي معاها يومين و اسيبها زي ما اخوكي مفهمك.. قولتلك قبل كدا مش انا اللي اعمل كدا…
سكت يزفر أنفاسه بعنف، فردت عليه بحدة و كبرياء:
ـــ أنا ميهمنيش كل اللي انت بتقوله دا… انت اصلا بالنسبالي ولا حاجة و مش عايزة اعرف حاجة عنك.
رد بحدة أجفلت منها:
ـــ لا لازم تعرفي.. تعالي معايا
قبض على رسغها ثم جرها خلفه الى حيث صف سيارته و هي تقاومه و تحاول نزع رسغها من قبضته و لكن بلا جدوى فقد كانت قبضته فولاذية، الى أن وصل الى سيارته و فتح بابها، فقامت بغلق الباب و استندت اليه و هي تصرخ بعصبية:
ـــ ايه اللي انت بتعمله دا؟!.. انت فاكرني ايه؟!
احتجزها بذراعه بين باب السيارة المنغلق و بين جسده فكاد أن يلتصق بها حتى لا تهرب منه، ثم قال بنبرة لينة مترجية:
ـــ عايزك تسمعيني و تفهميني… اديني فرصة واحدة بس.. هتركبي معايا دلوقتي و نروح مكان هادي نتكلم فيه براحتنا… ممكن؟!
ردت بحدة:
ـــ لا طبعاً مش ممكن…
أشهرت خاتم خطبتها ببنصرها الأيمن أمام عينيه لتسترسل كلامها:
ـــ أنا مش حرة نفسي على فكرة.. متنساش اني مخطوبة لواحد تاني..
أزاحت ذراعه الذي احتجزها به و قد استسلم لها و أنزلها و غادرت من أمامه فاصطدم كتفها بكتفه و لكنه بقي متصنما بمكانه من فرط انكساره، فاستند بجسده الى السيارة و كأنه يلحق نفسه من السقوط و نظر لأثرها الفارغ بحسرة و هو يضع يديه في جيبي بنطاله.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى