روايات

رواية مهمة زواج الفصل الثامن عشر 18 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الفصل الثامن عشر 18 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الجزء الثامن عشر

رواية مهمة زواج البارت الثامن عشر

مهمة زواج
مهمة زواج

رواية مهمة زواج الحلقة الثامنة عشر

يجلس أمام الدوار و هو يضرب فخذيه بحسرة كل حين و آخر فاقبلت عليه زوجته و هي تراقب حالته الغريبة و سألته باندهاش:
ـــ أباه!.. مالك يا حمد.. من عشية امبارح و انت عمال تضرب كف بكف و حالك لا يسر عدو ولا حبيب… كانك مفرحانش بالنسب اللي كنا بنحلمو بيه.
رمقها بغل ثم نظر أمامه و هو يفرك فخذه بغيظ و تحدث مصطكا فكيه:
ـــ نسب الشوم يا حزينة… اهو احنا طَلَعنا من المولد بلا حمص.
هرولت لتجلس بجواره و تسأله باستنكار:
ــــ واه!!… كيف يعني يا ابو البنات..
قال و هو مازال يضرب على فخذيه من فرط الحسرة:
ـــ الخمس فدادين اللي اخويا حمدان سابهملي ازرعهم و المحصول بيناتنا بالنص.. معتصم ولده مضاني امبارح على عجد بيع و شرا بيهم و جالي دول مهر صافية..
ضربت على صدرها بحسرة:
ـــ واه واه واه… يا مراري الطافح..
استرسل حمد بمزيد من الغيظ:
ـــ اني كنت جولت انه نساهم و المحصول كلاته ببيعه و تمنه بشيله في چيبي كانها ارضي و ملكي.. جولت اني اولي و هما حداهم اراضي و مزارع كَتيرة.. بس طلع واعر جوي يا ام كريمة.. مينساشي حاچة واصل… جالي اني سايبلك الارض بكيفي.
صاحت بغيظ و حقد:
ـــ كيف يعني…. يعني طلعنا اكده بولا حاچة؟!.. و المهر اللي كنا مستنينن نتلايم عليه عشان نهد الدار و نبنيها من اول و چديد؟!
أخذ يهز رأسه بتهكم مرير:
ـــ بيعي الارض بجى و هدي و ابني ياخيتي كيف ما بدك… أني من الاول بجول انك وش فقر.
ثم هب من مقعده و فر من أمامها بعصبية و هو يكاد يصاب بالجنون.
استيقظت ندى لتجد أن الساعة دقت الثامنة صباحا فأخذت تزفر بضيق، فقد فاتتها صلاة الفجر.. و لكن كيف لم تسمع صوت المنبه..
نهضت و هي تردد أذكار الصباح لتتفاجئ بأدهم يجلس على الأريكة المقابلة و يمسح وجهه من آثار النوم و يبدو أنه أيضا استيقظ للتو..
أخذت تنقل بصرها بينه و بين ذلك القميص القصير الذي بالكاد يصل لفوق ركبتيها، هل كان نائما هنا و رآها عارية هكذا أثناء نومها…
شهقت بخفوت ثم ركضت من أمامه قبل أن ينتبه لها باتجاه المرحاض و لكنه قد توقع ذلك فكان أسرع منها و قبض على يدها و هي تركض من أمامه ليجذبها بقوة فوقعت جالسة على فخذيه، و من فرط صدمتها من سرعته لم تقوى على النطق، فقط تنظر له بصدمة..
ـــ انتي بتجري مني ليه؟!… احنا مش اتفقنا اننا هنكون زي اي اتنين متجوزين؟!.. يعني المفروض تبطلي كسوف مني بقى..
لم تستمع تقريباً لما قاله، فقد كانت شاردة في ملامحه المثيرة…عينيه الناعسة.. شعره الطويل الأشعث.. صوته المتحشرج من أثر النوم… تفاحة آدم التي تتحرك مع حركة فمه..
بالطبع لاحظ شرودها و تأملها له، فابتسم بجاذبية ليقول بنبرة مثيرة:
ـــ حلو.. مش كدا؟!
ردت و كأنها في عالم آخر:
ـــ ها؟!
ازدادت ابتسامته اتساعا ليسترسل بمزيد من الاثارة:
ـــ و انتي كمان حلوة…
كادت أن تفقد وعيها من فرط جاذبيته و جمال نبرته المثيرة التي جعلتها أسيرة له، و لكنها ابتلعت ريقها بصعوبة ثم أخيرا عادت لوعيها لتقول بتوتر و توسل:
ـــ أدهم انا عايزة ادخل الحمام..
ترك يدها فنهضت سريعا لتركض مرة أخرى باتجاه الحمام و تغلق الباب ثم تستند عليه من الداخل و هي تضع يدها على موضع قلبها و تحاول تهدئة ضربات قلبها و أيضا أنفاسها المتسارعة..
بينما أدهم ضحك من مظهرها المرتبك ثم قال بصوت عال لتسمعه:
ـــ مسيرك تقعي تحت ايدي يا ندى و مش هتعرفي تفلتي..
كان يقصد فقط مشاكستها لا أكثر حتى يقلل من خجلها و توترها المستمر أمامه… بينما هي ابتسمت من عبارته و هي تتنهد بعشق خالص لذلك الذي سيفقدها عقلها يوماً.
تركها بالمرحاض و غادر الغرفة متجها الى غرفته ليأخذ حمامه الصباحي و يصلي الصبح قضاء، ثم ارتدى حلة سوداء بقميص اسود بدون رابطة عنق و انتعل حذائه ثم أخبر والدته أنه سيذهب لصديقه آسر ليكونا في استقبال حماه في المطار و من ثم يحضر معه مراسم الدفن..
بعد حوالي ساعتين كان كل من آسر و أدهم في مطار القاهرة يجلسان في مقاعد الانتظار، و قد كان آسر يرتدي حلة سوداء أيضا بدون رابطة عنق تماما مثل أدهم في صدفة غير مقصودة…
بعد دقائق قليلة أقبلت عليهما والدة مودة و هي منهارة من البكاء و قد وصلت المطار لتوها قادمة من مدينة جدة حيث تقيم مع زوجها الثاني و حين رأت آسر ركضت اليه و هي تبكي بشدة و تنوح الى أن التقفها يسندها و هي تكاد تفقد وعيها و قد خارت قواها تماما من فرط الحزن و النواح…
ــــ ميريهان يا آسر ماتت؟!.. ماتت و هي زعلانة مني؟!.. يعني مش هشوفها ولا هكلمها تاني؟!.. مش هطلب منها تسامحني؟!… آاااااه يا حرقة قلبي عليكي يا بنتي…
أخذ آسر يربت على كتفها بمواساة و هو في أشد الحاجة لمن يواسيه ثم قال لها بنبرة باكية:
ـــ اهدي يا طنط بالله عليكي.. مينفعش اللي انتي بتعمليه دا عشان خاطر ميريهان… هي مش هتكون مبسوطة بكدا… ادعيلها يا طنط.. ادعيلها ربنا يرحمها و يصبرنا على فراقها…
كانت تبكي على كتفه و نياط قلبها تتمزق من الحسرة… فحتى انها لم تراها قبل موتها و لم تعلم شيئا عن تلك الحادثة التي أودت بحياتها.. لم تودعها… ماتت دون أن تغفر لها…تبكي و الندم ينهش بصدرها و الحسرة تكاد تقتلها..
دوى صوت المذيع الداخلي بهبوط الطائرة القادمة من برلين، لينتصب الثلاثة في وقفتهم في انتظار جثة ميريهان المحفوظة داخل صندوق خشبي لتظهر بعد قليل محمولة على أكتاف أربعة من الرجال منهم أبيها في مشهد يدمي القلب ..
لتخرج صرخة مدوية من فم أمها، فقام آسر سريعا يتكميم فمها بكفه حتى يمنعها من مزيد من الصراخ و هو يقول لها بحدة:
ـــ من فضلك متصوتيش.. عيطي من غير صوت كدا مينفعش…
هزت رأسها بايجاب و الدموع تنحدر من مقلتيها بدون توقف فتركها و أخذ أدهم ليحملا الصندوق بدلا من اثنين من عمال المطار حتى أوصلوه الى سيارة الاسعاف التي كانت تنتظرهم خارج المطار..
انطلقت السيارة الى المسجد لاقامة صلاة الجنازة و ركب كل من آسر بجوار أدهم و محمد و زوجته بالمقعد الخلفي، فقام آسر بالاتصال بوالده ليخبره أنهم في طريقهم للمسجد، فقد كان ينتظرهم هناك..
تمت صلاة الجنازة و من ثم أخذوها للمقابر الخاصة بعائلتها ليقوم آسر بخلع سترته و شمر عن ساعديه و قام بدفنها بمساعدة عامل المقبرة و أبيها و لكنه لم يستطع تحمل ردمها بالتراب و انسحب بعيدا ليسنده أدهم و هو يربت على ظهره دون أن يتفوه بحرف… فكل الحروف قد عجزت عن صياغة الكلمات التي يمكن أن يواسيه بها…
عودة لسوهاج…..
مازال معتصم بمكانه في اسطبل الخيول بعدما غادرت ريم لتضب ملابسها و أغراضها بحقيبة السفر….
قام بالاتصال بشقيقه لأمر ما ليرد حمد بصوت ناعس:
ـــ أيوة يا عصوم..
ـــ انت لسة نايم يا حمد؟!
ـــ الساعة لسة تسعة.. هصحى دلوقتي اعمل ايه؟!
ـــ اه ياخويا عاملي فيها عريس..
ـــ ولا عريس ولا نيلة… الله يسامحك على اللي عملته فيا..
ضحك معتصم ليقول بمزاح:
ـــ بكرة تدعيلي..
ـــ أتمنى ذلك..
ـــ المهم قوم فوق كدا و اجهز عشان هتاخد ريم معاكو و انتو مسافرين توصلوها لحد بيتها في القاهرة..
ـــ ايه دا هي ريم برضو مصممة تمشي؟!
ـــ أيوة مصممة.. بس طبعاً مش هسيبها ترجع لوحدها.
ـــ تمام يا عصوم…ساعة كدا و اكون جهزت… كلم بقى هشام و عيشة خليهم يستعدوا عشان نمشي علطول…
ـــ تمام… عايزك تخلص كل الشغل المتأخر اللي في الشركة في خلال الأسبوعين الجايين.. عشان هتاخد اجازة شهر تقضيه مع عروستك و هكمل انا مكانك.
ـــ شهر كتير اوي يا معتصم.
ـــ ياخي حد يطول ياخد اجازة شهر!
ـــ ماشي يا سيدي عقبالك و هديك شهرين… اوبس انا نسيت انك متجوز اصلا.
تجهمت ملامح معتصم بضيق ثم قال مغيرا مجرى الحديث:
ـــ اخلص مفيش وقت… سلام.
اغلق الهاتف و هو يزفر بضيق من تلك الزيجة التي تلاحقه كاللعنة.. لو يدري أنه سيقع في شباك الحب ما قبل بها أبداً.
عاد الى الدوار ليبحث عن ريم فانقبض قلبه خشية أن تكون قد سافرت بمفردها، فقام بالاتصال بها:
ـــ ألو ريم… انتي فين؟!
ـــ أنا في القوضة اللي في المضيفة بجهز شنطتي.
ـــ طيب تعالى انا مستنيكي برا… عايز اتكلم معاكي في حاجة مهمة..
ـــ حاضر ثواني..
ارتدت حجابها على عجل ثم خرجت له و يخالجها شعورا بالخجل منذ أن طلبها للزواج، و لكنها حاولت التظاهر بحالة طبيعة لتجده يجلس بغرفة الجلوس ينتظرها..
استقبلها بابتسامة حالمة تجاوزتها حتى لا يزداد خجلها ثم جلست بالأريكة المقابلة له لتقول:
ـــ خير في ايه؟!
حاول التحلي بالجدية و هو يقول:
ـــ كل خير ان شاء الله…. حمد و عيشة و جوزها مسافرين القاهرة بعد شوية.. فأنا عرفت حمد ياخدك معاه و يوصلك لحد البيت.
هزت رأسها بنفي:
ـــ أنا آسفة يا معتصم مش هينفع..
زفر أنفاسه بضيق بالغ ثم قال بانفعال طفيف:
ـــ هو مفيش حاجة تقولي عليها ماشي من اول مرة ابدا!!
هبت من جلستها لتقول بذات الانفعال:
ـــ انت بتزعقلي كدا ليه؟!.. مش من حقك تزعقلي على فكرة..
أخذ يمسح وجهه من الغضب و هو يستغفر بخفوت ثم قال بهدوء نوعا ما:
ـــ يا ريم انا خايف عليكي انك تسافري لوحدك… و هكون مطمن اكتر لما اخويا يوصلك.
ردت بتحدِ:
ـــ متنساش اني جيت هنا لوحدي و زي ما جيت لوحدي هقدر ارجع لوحدي.
نهض بعصبية من مجلسه ليقترب منها و يصيح بانفعال:
ـــ ممكن اعرف ايه وجهة نظرك في الرفض؟!… ولا هو عند و خلاص..؟!
لوحت بيديها بعشوائية:
ـــ و انا هعند معاك ليه… كل الحكاية ان أدهم لو عرف اني ركبت عربية حد غريب المسافة دي كلها هيزعل جدا مني.
أمال رأسه اليها ليقول بغيظ:
ـــ ما قولتلك عيشة اختي هتكون معاكم… يعني مش هتسافري لوحدك في عربيته..
ربعت ذراعيها أمام صدرها لتقول باصرار:
ـــ لأ برضو مش هينفع..
اقترب منها للغاية مميلا رأسه للأسفل لأنها أقصر منه قامة حتى كادت أن تختلط انفاسهما، ليصيح بنبرة قاطعة:
ـــ بقولك ايه.. انتي هتسافري مع اخواتي يا اما و ديني ما انتي متحركة من هنا… فاهمة؟!
أجفلت من قربه الشديد و من نبرته العالية لتقول بتوتر و كأنها قد ارتعبت منه:
ـــ هسأل أدهم الأول.
حانت منه بسمة انتصار أخفاها سريعا ثم قال بجدية:
ـــ تمام… كلميه و اجهزي..
رفعت حاجبيها باندهاش لتقول بسخرية و هي تغادر من أمامه:
ـــ بتتكلم كدا كأنك واثق انه هيوافق..
أخذ يهز رأسه بيأس و هو يبتسم، و ما ان ابتعدت عنه مقدار خطوتين عاد يناديها بنبرة حانية على النقيض تماما من نبرته الحادة منذ قليل، نبرته جعلت دقات قلبها تتسارع، فالتفتت له مهمهمة:
ـــ امممم..
ـــ هتكلمي اخوكي على طلبي؟!
سكتت مليا تلملم شتات نفسها ثم قالت بجدية:
ـــ أكيد طبعاً… موافقة أدهم قبل موافقتي.
هز رأسه بموافقة ثم قال بنبرة راجية:
ـــ تمام هستنى ردك على أحر من الجمر..
أطرقت رأسها و هي تبتسم بخجل ثم استدارت لتغادر من أمامه سريعا، بينما هو بقي ينظر في أثرها بعشق بالغ و هو يُمني نفسه بقرب اللقاء..
قامت ريم بالاتصال بأدهم عدة مرات و لكنه لم يحيب ولا مرة، فهو كان في ذلك الوقت في جنازة ميريهان و كان هاتفه على وضع الصامت.
تأففت بضيق ثم لم تجد بدا من الذهاب مع حمد و سوف تقوم بالاتصال به لاحقا أثناء سفرها بالطريق.
قامت ريم بتوديع الحاجة ام معتصم و مارتينا و معتصم ذاته الذي كان يودعها بحزن لفراقها و لو مؤقتا.
كان يوما عصيبا للغاية على محمد والد ميريهان و والدتها و آسر الذي كان في أشد حالات البؤس… الى الآن لا يصدق أنه فقدها للأبد…
انتهت مراسم العزاء و عاد محمد في المساء الى ألمانيا مرة أخرى للحاق بمودة… فقلبه يؤلمه كثيرا عليها و يخشى فراقها هي الأخرى.
بينما قام أدهم بتوصيل آسر و والده الى منزلهما، أما والدة مودة أقامت بفندق لتعود في الصباح الباكر الى جدة بالمملكة العربية السعودية.
في تمام الثامنة مساءا عاد أدهم الى المنزل و تتجلى علامات الارهاق على ملامحه..
و بمجرد أن رأته ريم يدلف من باب الشقة صرخت باسمه ثم ركضت اليه تحتضنه بشدة و هو أيضا يشدد من احتضانه لها و هو يضحك و يقول:
ـــ وحشتيني يا شقية انتي.. وحشتيني اوي..
ـــ و انت كمان يا حبيبي وحشتني اوي..
ابتعد عنها ثم أحاط كتفها بذراعه و سارا سويا لغرفة الاستقبال و هو يسألها بدهشة:
ـــ انتي جيتي امتى؟!.. و ازاي معرفتنيش؟!
أجابته بغضب مصطنع:
ـــ ما سيادتك مبتردش يا بيه… شوف موبايلك كدا هتعرف رنيت ولا لأ؟!
استل هاتفه من جيب بنطاله و هو يقول بتذكر:
ـــ ايوة صح انا كنت عاملة silent عشان العزا بس نسيت خالص ابص عليه.
أخذ يتفقد سجل المكالمات الفائتة ليجد عدة مكالمات من ريم و أخرى من والدته و أيضا مكالمة واحدة فائتة من ندى، فابتسم بسخرية لذلك فيبدو أنها لم تحاول اعادة الاتصال به حين لم يرد عليها…
وصلا الى الغرفة ليجد والدته و ندى يجلسان سويا في انتظاره، انحنى يقبل يد والدته ثم اتجه الى ندى و ألقى عليها تحية السلام ثم جلس بجوارها ليهمس لها:
ـــ ازيك عامله ايه؟!
أومأت و هي تقول ببسمة خجلى:
ـــ كويسة الحمدلله..
حمحم ثم قال محاولا تبرير عدم رده عليها:
ـــ على فكرة الفون كان صامت لما رنيتي عليا و لسة شايفه حالا..
هزت رأسها عدة مرات ثم أجابته بخفوت:
ـــ انا كنت بطمن عليك بس لما اتأخرت اوي.
أومأ و شعورا بسعادة لا يعرف سببها يغمره.. أو ربما راحة نفسية لا يدري.. أن تهتم به ملاك كـ”ندى” فهو شيئ يدعو للارتياح…
كانت والدته و أخته يراقبان و يتغامزان عليهما، فريم لأول مرة ترى شقيقها يتحدث بتلك الرقة و يبرر دون أن يُوجه اليه اللوم… حقا رأته شخصا آخر.. فحتى حين كان مرتبطا بـ دارين لم يكن بتلك الحالمية بتاتا البتة.
ـــ سيدي يا سيدي على أدهم باشا الحبيب..
التقط الوسادة من جانبه فألقاها بها و هو يقول:
ـــ امشي يا حقودة انتي..
ضحكت ريم و هي تلتقط الوسادة و من ثم ضحكوا جميعا، فنهض أدهم و هو يقول:
ـــ أنا هدخل اخد شاور و اغير هدومي و ارجعلك يا دكتورة ريم عشان تحكيلي على اللي حصل معاكي في الصعيد..
أومأت ريم و هي تفكر من أين تبدأ له حكايتها مع معتصم و بأي كلمات سوف تصفه بها و كيف ستسرد له طلبه الزواج بها.
ـــ قومي مع أدهم يا ندى..
قالتها السيدة تيسير لتنظر ندى لها بتردد في بادئ الأمر ثم لم تجد بدا من الاستجابة لأمرها.
دلف أدهم غرفته و كاد أن يغلق الباب فتفاجئ بندى تدفعه، فنظر لها باستفهام فقالت له بارتباك:
ـــ دي ماما تيسير قالتلي أجيلك عشان لو احتاجت حاجة..
أغلق الباب من خلفها ثم سبقها ليجلس بتعب على حافة الفراش و لكن ندى مازالت واقفة متسمرة بمكانها بجانب الباب ليهتف بها:
ـــ ندى ممكن بعد اذنك تدلكي رقبتي؟!
أومأت و هي تبتلع ريقها بصعوبة من فرط التوتر، فقربه الزائد يربكها للغاية، أما هو بدأ في فك أزرار قميصه ثم خلعه لتعتلي ندى الفراش و تجلس خلفه ثم تبدأ في تدليك كتفيه، تشنجت عضلاته اثر لمستها الأولى لتشعر بتيبسها تحت يديها و لكنه أخذ نفسا عميقا يحاول تهدئة مشاعره التي تولدت بداخله إثر قربها منه ثم بدأت عضلاته ترتخي رويدا رويدا تحت لمساتها الحنونة و بقيا على ذلك دقيقة او دقيقتان..
ـــ انتي شاطرة أوي في المساچ..
ضحكت رغما عنها ثم قالت بجدية:
ـــ اممم… كنت بعمل مساچ لبابا دايما لأكتافه و رقبته لحد ما بقيت خبرة..
ضحك أدهم ثم باغتها بمسك يديها و هي خلفه ثم قبل باطنهما:
ـــ شكرا.. تسلم ايديكي..
تسمرت ندى من فعلته، بينما هو نهض و هو يحاول السيطرة على مشاعره التي تدفعه لاحتضانها و سحقها بين ذراعيه، ثم التقط ملابسه من الخزانة و اتجه مباشرة الى المرحاض دون أن يلتفت اليها، بينما بقيت هي تهدئ من نبضاتها المتلاحقة… إنه يسحبها الى دوامة عشقه بأفعاله دون أن يشعر.. و هل كان ينقصها عشقا فوق العشق الذي يغمر قلبها!!..
بعد قليل خرج من المرحاض مرتديا ملابس بيتية مريحة، و كانت ندى حينئذٍ تمشط شعرها أمام المرآة، فوقف خلفها و كان أطول منها قامة و التقط فرشاته و أخذ يمشط شعره و هو ينظر لها بتأمل في المرآة، الأمر الذي أربكها، فوضعت فرشاتها و تنحت لتفسح له و لكنه قيدها بذراعيه يوقفها ثم تحدث اليها عبر المرآة و هو خلفها:
ـــ مش عارف ليه حاسس انك مش قادرة تتعودي عليا… مع اني اتعودت عليكي بسرعة مكنتش متوقعها من نفسي.. بس يمكن عشان انتي انسانة نقية اوي و تتحبي بسرعة.
استدارت لتواجهه و لكنها بمجرد أن نظرت الى عينيه المسلطة في عينيها تاهت منها الكلمات… الى متى سيطغى حبه على قلبها و يعجز عقلها حتى عن التفكير.. فقط دقاته تتسارع في حضرته و عينيها تتعطش لرؤيته..
ـــ اتكلمي يا ندى.. ساكتة ليه..
أجلت حنجرتها ثم حاولت أن تتحلى بالجدية:
ـــ أدهم سبق و قولتلك ان انت شخصية مميزة و أي بنت تتمناك.. بس اعذرني ظروف جوازنا غريبة شوية و من ناحية تانية بحاول أتأقلم على الحياة بدون بابا.. بابا كان و مازال هو كل حاجة بالنسبالي و فراقه مأثر فيا جداً.
هز رأسه عدة مرات بتفهم:
ـــ أنا مقدر الظروف دي طبعاً و ان شاء الله الفراق ميطولش و…
لم يكد يكمل عبارته حتى قاطعه رنين هاتفه، فذهب ناحية الفراش و التقطه ثم فتح الخط ليجيب:
ـــ ألو… ايوة يا باشا.. انتداب؟!… بكرة؟!.. و حضرتك بتبلغني دلوقتي؟!.. تمام تمام… تمام.. شكرا مع السلامه..
أقبلت عليه ندى لتستفسر منه بقلق:
ـــ خير يا أدهم… مال شكلك اتغير كدا ليه؟!
رد بملامح متجهمة:
ـــ بلغوني اني طالع انتداب لجنوب سينا لمدة أسبوعين.
انفرج فمها بصدمة و تجهمت ملامحها بحزن بالغ حتى كادت أن تبكي.. فكيف ستتحمل فراقه بعدما تقربت منه حتى كاد حلمها باندماجها معه أن يتحقق.
لاحظ شرودها و تجهم وجهها فاقترب منها و قام بلف ذراعه حول خصرها ليضم جسدها الى جسده قليلا ثم قال و هو ينظر لها بحزن حاول اخفاؤه:
ـــ عادي يا ندى أنا متعود على كدا…مش أول مرة يعني.
هزت رأسها و هي تجاهد عينيها لألا تبكي ثم قالت بصوت متحشرج:
ـــ تروح و ترجع بالسلامة ان شاء الله.
قبل مقدمة رأسها ثم تركها و اتجه نحو الخزانة ليستخرج منها حقيبة سفر، فأقبلت عليه:
ـــ أنا ممكن أساعدك في تجهيز الشنطة..
هز رأسه بالايجاب و قاما معا بترتيب الملابس و غيره من متعلقاته الشخصية..
بعد حوالي ساعة انتظرته ريم خلالها لإخباره بأمر معتصم، أقبل عليها أخيرا و جلس بجوارها لتقول له بتأفف و ضيق:
ـــ ايه يا أدهم؟!.. كل دا بتاخد شاور و بتغير؟!.
نهرتها أمها بنظرة زاجرة:
ـــ بنت عيب كدا…
ضحك أدهم و هو يقول:
ـــ سيبيها تتكلم براحتها يا ماما..
ثم قرصها من وجنتها بمزاح:
ـــ كنت بجهز شنطتي عشان مسافر بكرة يا غلباوية انتي.
شهقت بخفوت ثم سألته بحزن:
ـــ مسافر فين؟!… هو انا ارجع انت تسافر؟!
ـــ لسة جايلي مكالمة من الادارة بلغوني بأمر انتداب مؤقت لمدة أسبوعين في جنوب سينا.
تهدل كتفاها باحباط بالغ ثم تمتمت بحزن:
ـــ تروح و تيجي بالسلامه يا حبيبي..
أمنت أمها على دعائها ثم قالت:
ـــ خلي بالك من نفسك يا أدهم و طمنا عليك علطول يابني..
ـــ حاضر يا ماما… و انتو كمان خلو بالكم من نفسكم و خلي بالك من ندى يا ماما..
ـــ ندى في عنيا يا حبيبي.
وكزته ريم بكتفها:
ـــ ايوة يا عم بقى ليك حد توصينا عليه..
ـــ عقبالك يا حقودة..
ـــ جينا بقى لمربط الفرس.
ـــ خير..
اعتدلت في جلستها لتكون بمواجهته ثم أجلت حنجرتها لتتحدث بتوتر طفيف مع قليل من الخجل:
ـــ طبعاً انت عارف معتصم اللي كلمك قبل كدا عشان يطمنك ان حادثة السرقة دي مش هتتكرر تاني… فاكره؟!
سكت لوهله يتذكره ثم ضيق عينيه بترقب:
ـــ اممم.. اه افتكرته.. كبير البلد اللي قولتيلي عليه..
أخذت تلوح بيديها بحركة دائرية:
ـــ هو مش كبير اوى يعنى… اقصد كبير مقاما بس مش كبير سنا… هو تقريباً قدك في العمر.
ـــ اممم… اه و بعدين..
أخذت تفرك كفيها بتوتر ملحوظ ثم استرسلت:
ـــ هو على فكرة خريج كلية اقتصاد و علوم سياسية و عنده شركة و مصنع بيديرهم هو و اخوه هنا في القاهرة و شخصية متحضرة جدا.. و في نفس الوقت هو يعتبر حاكم البلد بتاعته و عنده املاك كتير فيها..
ـــ اممم… جميل.. و ايه تاني.
ـــ هو كان طلب يتقدملي و انا طبعاً مقولتلهوش رأيي و استنيت لما اقولك و فهمته ان موافقتك قبل موافقتي.
سكت أدهم مليا يدير حديثها عنه في رأسه، و قرر أنه لن يسلم أخته الغالية لمجهول مهما كان رأيها و قناعتها فيه.
ـــ واضح من طريقة كلامك عنه انك ميالة ليه.
ـــ بصراحة يا أدهم هو لما حكالي عن مشوار حياته انبهرت بيه و حسيته شخصية من الشخصيات النادرة و الناجحة رغم صغر سنه..
انتفخت اوداجه بغضب ثم قال بنبرة مخيفة:
ـــ اممم..واضح كمان انك كنتي بتقعدي معاه و تحكيله و يحكيلك…
ابتلعت ريقها بصعوبة لتقول بتوضيح:
ـــ لا يا أدهم انت عارفني كويس…دي كانت مرة واحدة بس اللي حكالي فيها عن نفسه لما استضافني في مضيفة بيته بعد حادثة السرقة و مقعدتش بعدها غير يومين تقريبا و قررت النهاردة اني ارجع… و على فكرة هو لسة مكلمني على موضوع طلب الجواز دا النهاردة قبل ما اسافر.
هز رأسه عدة مرات ثم قال بجدية:
ـــ و أنا لو مش واثق فيكي يا ريم كان هيكون ليا تصرف تاني….انا من حيث المبدأ معنديش اعتراض طالما انتي شايفاه كويس.. بس دا ميمنعش اني لازم أقابله و اتعرف عليه و على عيلته و بعدين نبلغه برأينا النهائي.
أحست بقليل من الارتياح، فهو محق في قراره تماما و طالما أدهم وكيلها بعد الله فلا مجال للقلق.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى