روايات

رواية مهمة زواج الفصل الأول 1 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الفصل الأول 1 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الجزء الأول

رواية مهمة زواج البارت الأول

مهمة زواج
مهمة زواج

رواية مهمة زواج الحلقة الأولى

في مساء إحدى ليالي أغسطس الدافئة، يقف بحلته السوداء الأنيقة التي جعلته أميرا من أمراء حكايا ألف ليلة و ليلة ، و لما لا!..فالمفترض أنه عريس الليلة.
يقف بساحة الانتظار بمطار القاهرة الدولي، ينظر إلى ساعته النفيسة بتأفف كل حين و آخر في انتظار وصول الطائرة القادمة من نيويورك و التي تُقل ضيفة لا يعلم شكلها بعد.
و هناك خارج المطار تنتظر أسرته في سيارة أخرى، و هم والدته و شقيقته و زوجها ليستقبلوا العروس المسكينة.
بعد عدة دقائق أعلن المذيع الداخلي عن هبوط الطائرة القادمة من نيويورك، و حينها انتابته حالة من التوتر، لا يدري كيف سيكون شعوره حين يقابلها، بالأحرى كيف سيعرفها و هو لم يلتقي بها سوى مرة واحدة منذ عشر سنوات حين كانت في الرابعة عشر من عمرها.
و لكن لحظة… لقد أخبره والدها بأنه سوف يرسلها أليه بفستان الزفاف الأبيض.. حتما سيتعرف عليها من خلال هذا الفستان.
اطمئن قليلا حين تذكر ذلك الأمر، فعلى الأقل سيتخطى إحدى المواقف المحرجة التي يتوقع حدوثها لاحقا.
و ما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه و هي ترتدي فستان زفاف بسيط ليس بالمبهرج كما أنه محتشم ذو أكمام واسعة يتناسب مع ذلك الحجاب الرقيق الذي ترتديه و تعلوه طرحة الزفاف المزرقشة من أسفل ذلك التاج الصغير الذي بالكاد يظهر على رأسها.
و خلفها أحد عمال المطار يجر حقائبها الكبيرة.
انتابته الدهشة حين رآها مقبلة عليه مباشرة دون أن تبذل أدنى مجهود في البحث عن هويته و كأنها تعرفه جيدا، و لكنه نحى ذلك الشعور جانبا و رسم ابتسامة يجاملها بها حتى لا يشعرها بأنها عبئ عليه، ولكن لحظة… لما تتلثم بهذه الكمامة السوداء؟!.. فرغم أنها أعطتها مظهرا أنيقا مع تلك الهالة البيضاء التي تحيطها ألا أنه لم يجد تفسيرا لإرتدائها.
أما من ناحيتها، انحبست أنفاسها حين رأته واقفا هناك في انتظارها.. و حمدت الله في نفسها أنها ارتدت تلك الكمامة و التي استعملتها خصيصا لتواري بها خجلها و سعادتها بلقائه في آن واحد… فلا ينبغي له أن يعرف أنها تحبه منذ أمد بعيد حفاظا على كرامتها… لابد له أن يعترف هو أولا بحبه لها و لو بعد حين.
حين وقفت أمامه ألتقت عينيها البنية بلون القهوة بعينيه البنية المائلة للسواد.
في لحظات كانت قد طبعت ملامحه الرجولية الحادة برأسها، ثم أخفضت عينيها للأسفل سريعا و دقات قلبها تعلو و تتسارع… يا إلهي.. لقد أصبح أكثر جاذبية و أكثر وسامة منذ آخر مرة رأته فيها قبل أن تغادر البلاد مع أبيها إلى الولايات المتحدة.
ـــ حمد الله على سلامتك يا دكتورة ندى.
قالها بابتسامته الساحرة و لكن رغم ذلك امتعضت ملامحها حين نعتها بالدكتورة… انها زوجته الآن.. لما يستخدم الألقاب إذن.
أجابته بنبرتها الرقيقة التي تتناسب مع جسدها الضئيل و قالت:
ـــ الله يسلمك يا أدهم بيه.
ـــ اتفضلي من هنا.. ماما في انتظارك برا في العربية.
أومأت بتجهم و سارت خلفه بشيئ من الضيق.. فلم يكن في حسبانها أبدا أن اللقاء سيكون بهذه الطريقة الرسمية للغاية.
لم يبارك زواجهما.. لم يسألها عن أحوالها.. لم يسألها كيف كانت رحلتها… ترى هل هذه طباعه؟!.. أم أنه…
نفضت تلك الفكرة عن رأسها سريعا.. فهي غير مستعدة لفكرة أن زواجه بها مجرد مهمة من مهماته أو حتى خدمة لوالدها.
بمجرد أن رأتها تلك السيدة الوقور تطل عليهم بالفستان الملائكي حتى ترجلت من السيارة على الفور و ابتسامتها الفرحة تشق وجهها الجميل، و حين اقتربت العروس فتحت تيسير ذراعيها على آخرهما و كأنها تدعوها لتلقي بنفسها بينهما، و بالفعل لم تكذب ندا خبرا و ارتمت بتأثر بين ذراعي تلك السيدة الحنونة التي تذكرها بأمها الحبيبة.
ـــ حبيبتي يا ندى… وحشتيني وحشتيني وحشتيني أوي يا حبيبة قلبي… عشر سنين متنزليش مرة تطلي عليا و تخليني أشوفك و اطمن عليكي!.
ابتعدت ندى عن حضنها بشق الأنفس ثم قالت بتأثر شديد:
ـــ و انتي كمان وحشتيني اوي يا طنط تيسير.. حضرتك عارفة الظروف.. يا ريت كان ينفع أنزل و أشوفك.. مكنتش هتأخر أبدا.
ظلت تيسير تربت على كتفها بحنو و تناظرها بنظرات مشتاقة، إلى أن انتبهت إلى تلك الكمامة السوداء، فلم يكن يظهر من وجهها سوى عينيها و جبهتها.
ـــ لابسة كمامة ليه يا حبيبتي؟؟.. انتي تعبانة ولا ايه؟
قامت ندى بنزعها على الفور ثم قالت بإبتسامة واسعة:
ـــ لا أبداً… كنت لابساها تحسبا عشان تغيير الجو.
التمعت عيني تيسير و من خلفها أدهم بإعجاب واضح بملامحها المريحة المتناسقة، فرغم أنها خمرية البشرة، إلا أن ملامحها ملفتة و تقاسيم وجهها متسقة و وجهها مستدير و صغير، فهي تشبه كثيرا الممثلة المعتزلة حنان ترك و هي محجبة في شكلها و طولها و قوام جسدها.
ـــ بسم الله ما شاء الله….كنتي جميلة و بقيتي أجمل لما كبرتي يا ندى…كأن سمية الله يرحمها هي اللي واقفة قدامي دلوقتي.
أخفضت رأسها بحزن و هي تترحم على أمها المتوفاة، و التى ترى حنانها المفقود في تلك السيدة الماثلة أمامها الآن و التي كانت صديقة أمها المقربة.
رفعت رأسها حين أتاها صوت روان شقيقة أدهم و هي تقول لها بود:
ـــ حمد الله على سلامتك يا ندى… نورتي مصر يا حبيبتي.
قامت ندى بإحتضانها بحب بالغ و هي تقول:
ـــ الله يسلمك يا حبيبتي… انتي أكيد ريم.. صح؟!
ابتعدت عنها قليلا و هي تقول ببسمة صافية:
ـــ لا يا حبيبتي.. أنا روان… ريم في شغلها في الصعيد.. كانت نفسها تكون في استقبالك بس للأسف لسة مستلمة شغلها امبارح و مكانش ينفع تاخد أجازة بالسرعة دي… بس هي بعتالك معايا السلام و ف أقرب وقت هتيجي عشان تشوفك و تسلم عليكي.
ـــ الله يسلمك و يسلمها يا حبيبتي.. ربنا يوفقها.
اتسعت ابتسامة روان أكثر و هي تعاينها بإعجاب واضح و تقول:
ـــ بس انتي صغنونة أوي يا ندا…عارفة انتي شبه مين؟!
ـــ مين؟!
ـــ شبه حنان ترك الممثلة… سبحان الله نسخة منها… بس انتي شكلك أصغر و أحلى كمان.
ضحكت ندى، كما ضحك أدهم أيضا و قال:
ـــ فعلا يا روان أنتي لماحة أوي… من ساعة ما شالت الكمامة و أنا عمال أقول حاسس إني شوفتها قبل كدا.
ثم أطلق ضحكة بسيطة، و لكنها نظرت له بألم، فقد أوجعتها تلك الكلمات و ذكرتها بالحقيقة المرة التي لطالما تحاول تجاهلها..
ياللعجب هي زوجته و في نفس الوقت يراها للمرة الأولى.
تدخل محمود زوج روان سريعا ليغير مجرى حديث صديقه القفل كما ينعته دائما ليقول بود:
ـــ حمدالله على سلامتك يا دكتورة ندى..نورتي مصر…أنا محمود زوج روان و أنا و القفل…احم..أقصد أدهم أصدقاء و زمايل في الشغل.
استنبطت أنه ضابط طالما أنه زميل أدهم،فحيته بأدب جم قائلة:
ـــ الله يسلمك يا محمود بيه…مصر منورة بأهلها.
حمحم أدهم ليقول بجدية:
ـــ أنا بقول كفاية سلامات بقى و يلا نروح على البيت عشان ندى أكيد تعبانة من السفر.
نظرت له أمه بحدة و هي تقول باستنكار:
ـــ بيت؟!.. لأ طبعاً.. الليلة ليلة فرحكم و طالما الظروف مسمحتش اننا نعمل فرح، على الأقل نحتفل في مع بعض في مكان راقي يليق بعروستنا الحلوة.
قالت كلمتها الأخيرة و هي تنظر لندى ببسمة محبة.
بينما في تلك الأثناء قام محمود بوكز أدهم في كتفه و هو يقول بصوت مكتوم:
ـــ انت غبي يابني…احنا مش متفقين اننا هنعملها حفلة صغيرة بدل الفرح.
رد عليه بهمس:
ـــ نسيت يا بني ادم..ايه مبتحصلش.
نظر له شرذا و هو يردد:
ـــ صحيح قفل.
نظر أدهم لندى بابتسامة مقتضبة و هو يقول بحرج:
ـــ احنا أصلا حاجزين مركب شيك جدا في النيل.. بس حسيت انك تعبانة من السفر فقولت نأجلها.
ردت روان بدلا عنها:
ـــ لأ مفيش تأجيل.. يلا يلا يا أدهم خود عروستك على عربيتك و احنا هنحصلك على هناك.
قالتها و هي تدفعه نحوها، فقام أدهم بدوره بمسك يدها المتدلية بجانبها برقة متناهية و كأنها يخشى أن تنكسر بين يديه، و لكن الحق أنه لا يريد لمسها، فهو مازال لا يتخيلها زوجته و عليه لمسها.
بينما ندى أصابها الدوار و شعرت بأن الهواء يقل من رئتيها، فمنذ أن ولدتها أمها لم يلمس يدها من جنس الرجال سوى أبيها… و لكن من الذي يلمسها الآن!.. إنه ليس أي رجل.. إنه معشوق روحها.
سارت بجانبه باستسلام تام و قلبها يرفرف بين أضلعه من فرط سعادتها…أخيرا من انتظرت اقتران روحها بروحه منذ سنوات طويلة يسير بجانبها و هي زوجته و حلاله.
و لكن ترى ستستمر فرحتها طويلا؟!… أم لأدهم رأيا آخر؟!!!
تماما في تلك الأثناء… في منزل واسع أشبه بالفيلا
تقبع دارين بغرفتها و هي تعتلي كرسيها الهزاز و تتحرك به بشدة فيهتز بها بقوة لعلها تفرغ بتلك الحركات شحنة غضبها.
فكيف و من يُدعى خطيبها قد استغنى عنها و تزوج بغيرها و في غضون ستة أيام فقط و بطريقة مفاجئة و بدون سابق إنذار.
يالها من زيجة سريعة حقا… لقد حفت ورائه عدة أشهر لعله يراها و يشعر بها حتى كادت أن تيأس، و حين حدث ما تمنت و خطبها يتخلى عنها بهذه السهولة و بعد شهر واحد من الخطبة!!
يالحظك العثِر دارين… لم تكد تهنأ بفوزها به حتى أتت أخرى و اختطفته من طريقها و بمنتهى السهولة.
راحت تكفكف عبراتها و هي تفكر كيف لها أن تستعيده بطريقة تحفظ كرامتها و لا تجعله يشعر أنها تريده لها و تحترق شوقا إليه.
كان يقود السيارة و هي قابعة في المقعد الأمامي بجواره، يسود بينهما الصمت المطبق، فلا هي لديها الجرأة على فتح مواضيع معه، ولا هو يمتلك شغف الحديث معها.
فجُل تفكيره منصب في هذه اللحظات على من خذلها و ترك قلبه معها و أجبر على الذهاب لغيرها بدون قلب.
و على ذكرها أتته رسالة على هاتفه الجوال، فقام بتقليل سرعته لكي يتمكن من قراءة الرسالة، ربما تكون من حبيبة القلب دارين، فهو مشفق عليها و على قلبه المكلوم إلى أقصى حد.
لم يكذب حدسه حيث كانت تلك الرسالة منها حيث كتبت:
ـــ مبروك يا عريس… مبروك عليك عروستك الحلوة.
أغلق الهاتف و هو يتنفس بعنف، فالتفتت له تناظره بدهشة من تبدل حاله رغم صمته، و لكنها أيضا لم يكن لديها الجرأة لتسأله… فقط لمست منه الجفاء و حسب… الأمر الذي جعل مخاوفها تتفاقم.
بينما كانت لتلك الرسالة تأثيرا قويا عليه، جعلته يضرب بنصائح أمه و تنبيهاتها عرض الحائط.
يشعر بسخط من تلك المخلوقة الجالسة بجواره أن كانت سببا في التفريق بينه و بين حبيبته و حتى و إن كانت لا تدري أن له حبيبة و خطيبة من الأصل.
لقد ذكرته بمعاناته و تخبطه خلال الستة أيام الماضية، كانت أسوأ ستة أيام مروا عليه منذ حادث إغتيال والده.
حاول قدر الامكان أن يتحلى بالثبات، ففي كل الأحوال هي ليس لها ذنب فيما حدث و يحدث الآن… فهي مثله تماما مجبرة على ذلك… أو هكذا يظن ذلك.
بعد حوالي نصف ساعة من القيادة الصامتة تماما وصل الى الباخرة النيلية التي كانت مجهزة خصيصا لهما.
ترجل من السيارة و دار حولها ليفتح لها الباب و هو يقول بإبتسامة مصطنعة:
ـــ اتفضلي.
حاولت أن تترجل من السيارة دون أن تتعثر بفستانها و لكن الأمر كان صعبا للغاية، انتظرت أن يمد يده لها لكي يسندها حتى تستطيع الترجل، و لكنه لم يفعل.
لقد كانت في أقصى درجات الغضب و لكنها كتمت ذلك بنفسها، و كرد فعل طبيعي قامت بالصياح به بحدة دون أن تشعر:
ـــ انت مش شايفني مش عارفه أنزل؟!.. هتفضل واقف تتفرج عليا كدا كتير!!
وصل صوتها لمحمود الذي ترجل من سيارته لتوه فأسرع إليهما، فقد توقع أن صديقه القفل قد فعل خطبا ما بها.
ـــ انتي بتعلي صوتك عليا كدا ليه؟!.. أنا مسمحلكيش على فكرة.
رد عليها بنبرة تخطت نبرتها بكثير، كادت أن ترد عليه إلا أن صوت محمود سبقها حين قال:
ـــ في ايه بس استهدوا بالله.
راحت تردد بصوت منخفض: لا إله إلا الله.
ثم قالت بنبرة عادية:
ـــ مفيش حاجه حصلت يا محمود بيه… انا بس كنت بحاول انزل من العربية و مش عارفة انزل لوحدي بسبب الفستان و أدهم بيه واقف ساند ايده ع الباب و واقف بيتفرج عليا.
لمس في حديثها السخرية، و لكنه سيطر على غضبه، بينما محمود رمقه بغيظ شديد و هو يقول بنبرة عادية حتى لا يزيد الأمور تعقيدا:
ـــ لا ملكش حق يا أدهم… اعذريه يا دكتورة ندى.. أصله متعاملش مع أميرات قبل كدا… كل تعاملاته مع المجرمين و قتالين القتلة.
اتسعت عيني أدهم بغيظ و هو يناظره بغضب، الأمر الذي أثار ضحكها و لكنها كتمتها سريعا حتى لا ينظر لها نفس النظرة.
تحامل أدهم على نفسه و تنحنح بأسف قائلا:
ـــ أنا آسف يا ندى مقصدش اللي حصل طبعا.. بس أنا فعلا أول مرة أتحط في الموقف دا و مأخدتش بالي إني لازم أساعدك.
هزت رأسها بإبتسامة بسيطة و هي ما زالت جالسة بالسيارة، فقام أدهم بدوره بمد يده لها و هو يبتسم ابتسامة ساحرة ويكأنه يصالحها بتلك الإبتسامة التي كادت تفتك بها فتكا، فقامت بدورها بوضع كفها الصغير البارد بكفه.
ليته لم يفعل، لقد ازدادت لديها الأمور تعقيدا.. فلم تستطع أن تلملم فستانها من فرط الخجل و التوتر أثر لمسته المهلكة، فانحنى عليها حتى أصبحت أنفاسه قريبة للغاية من وجنتها المشتعلة بحمرة مخلوطة بلونها الخمري، علت دقات قلبها حتى أنه قد سمعها و هو يحاول لملمة فستانها لكي تستطيع النهوض و لكنه لم يبالي كثيرا لهذا الأمر، فقد كان يبادلها مشاعر باردة حد الجليد.
و أخيرا خرجت من السيارة و هي لا تستطيع أن ترفع عينيها بعينيه من فرط الخجل، فتأبط ذراعها بعدما أخبره محمود بأن يذهب هو بعروسه إلى الباخرة و سوف يتولى هو أمر السيارة.
كانت الباخرة فاخرة للغاية، مزينة بعناية… زينتها تليق بضابط كفؤ في العمليات الخاصة مثل أدهم.
كان في انتظارهما بعض الأصدقاء المقربين من العائلة و بعض من زملاء أدهم و زوجاتهم، و صديقات روان أيضا.
كان أدهم قد أقنع الجميع آنفا بأنه لم يوفق في خطبته بدارين، و حين علم أن ابنة صديق والده المقرب على وشك العودة لمصر لتستقر بها، أصر على الزواج بها، متحججا أنه كان يحبها و ينتظرها منذ كانت في الرابعة عشر من عمرها و قبل أن تغادر البلاد مع أبيها.
قامت السيدة تيسير بلكز ابنتها لكي تفعل أمرا ما، فأسرعت إلى أدهم حين كانت ندى تقوم بتلقى التهاني، و استغلت روان ذلك و تحدثت إليه في أذنه بهمس قائلة:
ـــ أدهم ماما بتقولك يا ريت تفرد وشك دا شوية… المفروض الناس عارفة انك بتحبها من زمان و كنت مستنيها ترجع… بزمتك دا منظر عريس ليلة فرحه؟!
تنهد أدهم بنفاذ صبر ثم قال بإبتسامة مصطنعة:
ـــ حاضر يا روان… حلو كدا.
قالها و هو يرسم تلك البسمة الصفراء على شفتيه، فلوت شفتيها متحدثة بحنق:
ـــ لا طبعاً مش حلو… و الله أنا مستغرباك يا أدهم… بقى البسكوتاية دي متتحبش؟!.. طاب و الله أحلى من دارين ميت مرة.. و روحها و دمها و كلها على بعضها كدا تعدي دارين بمراحل.
رمقها بنظرة تحذيرية مزمجرا بخفوت:
ــ روااان.. الزمي حدودك و متجبيش سيرة دارين على لسانك.
هزت رأسها بيأس و هي تقول بهمس:
ـــ ربنا يهديك يا أدهم..
ثم تركته بنيران الغضب و السخط تشتعل بسريرته و عادت إلى حيث تجلس والدتها بملامح متجهمة.
ـــ وشك ميبشرش بالخير.
قالتها السيدة تيسير بقلق، لترد روان بضيق:
ـــ ماما من فضلك أنا مش هتكلم مع أدهم في الموضوع دا تاني… هو مش صغير و اللي عايز يعمله يعمله.
ـــ ايه اللي حصل بس قوليلي.
ـــ مش وقته يا ماما… الناس بتبص علينا.
كانت العروس خجلى و العريس ساكن قلما يتحرك و يتحدث مع عروسه، الأمر الذي أصاب أسرته بالغضب البالغ، و لكنه لم يبالي لهم، فيكفيه تظاهرا بالراحة و السعادة إلى هذا الحد.
كان آسر صديقه يرمقه بغيظ و يتوعد له، فقد أشفق كثيراً على عروسه المسكينة و التي لم تلقى منه سوى التجاهل حتى الآن.
ـــ العروسة أمورة أوي ما شاء الله..
كانت تلك كلمات خطيبة آسر و التي كانت تقف بجواره و بينه و بين شقيقتها “مودة”.
رمقها ببسمة هائمة مرددا:
ـــ عقبالنا يا قلبي.
ابتسمت له بخجل ثم أدارت نظرها لشقيقتها ترمقها بإشفاق بالغ ثم قالت لها بحذر:
ـــ عقبالك يا مودة.
لوت شفتيها لجانب فمها بتهكم مرير ثم قالت بأسى:
ـــ اللي زيي ميتقلهاش الكلمة دي يا ميري…انتي كدا بتحكمي عليا بالموت المؤكد.
ربتت على كتفيها بحنو و هي تردد بلهفة:
ـــ بعد الشر عليكي يا حبيبتي متقوليش كدا…
ربتت على كفها المستقر على كتفها و هي تقول بنبرة راضية:
ـــ متقلقيش يا حبيبتي أنا مش زعلانة…أنا راضية بنصيبي من الدنيا الحمد لله.
اغرورقت عيني ميري بالدموع حزنا على شقيقتها الكبرى و التي تعاني من مرض مزمن في القلب يمنعها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي و يجعلها صريعة بالمستشفى كل حين و آخر.
قام محمود بالتحدث إلى رجل الدي چي لكي ينهي ذلك الحفل السخيف كما يرى بسبب صديقه القفل، فقام بدوره بتشغيل أغنية هادئة لإليسا.. عادة يتم تشغيلها في حفلات الزفاف و هي أغنية (ع بالي حبيبي)
تقدم محمود بابتسامة ماكرة إلى حيث يجلس العروسين و قام بجذب أدهم من مقعده إلى منتصف الباخرة و أشار لندى لتأتي إليه و قد فعلت، و قال لأدهم بمكر:
ــــ يلا يا عريس… ارقص مع عروستك رقصة سلو عشان تختم حفلتك.
اصتك فكيه بغضب و هو يرمقه بغيظ و لكنه سيطر على انفعالاته سريعا و استدار لندى التي كانت في قمة توترها… فهي أصبحت تخشى لمساته كثيراً.. و التي تفضحها و تفضح خجلها و عشقها له.
قام أدهم بلف ذراعيه حول خصرها و لكن بتحفظ، محافظا على مسافة كافية بينهما و كأنه يخشى الاقتراب منها، بينما هي حمدت الله أنه لم يقترب أكثر من ذلك و إلا حتما كان سيسمع دقات قلبها للمرة الثانية.
اغتاظت السيدة تيسير منه حين بدأ يتمايل معها على أنغام الأغنية المؤثرة و هو مازال بعيدا عنها على هذه الشاكلة حتى أنها همهمت بضيق:
ـــ دول مش منظر عرسان أبداً… الله يسامحك يا أدهم… بقى هو دا اللي فضلت أدرسهولك من امبارح لحد النهاردة!!.
و ما هي لحظات حتى أشارت لندى لكي تقترب هي منه أكثر، و قد فهمتها و بالفعل اقتربت منه خطوة و قربت كفيها من رقبته حتى كادت أن تلفهما حوله.
تفاجئ أدهم من تلك الحركة، فقام بدوره بإحاطة خصرها بذراعيه أكثر من ذي قبل، حتى اختلطت أنفاسهما.
لم تستطع منع نفسها من النظر إليه و هو قريب منها لهذه الدرجة، و تجرأت و دارت بعينيها في ملامحه الوسيمة، و هو أيضا شعر بمحاصرته لها بعينيه فبادلها النظرات، عينيها جذبته إليها، رغم أنها تبدو عادية اللون و لكنها عن قرب تبدو ساحرة بلون القهوة محاطة بدائرة ذهبية اللون و تلك النقطة الصغيرة التي تتوسط العدسة و التي يطلق عليها انسان العين أيضا ذهبية اللون…لقد جذبت انتباهه تلك اللوحة الفنية حتى أنسته سخطه الذي كان يغمره منذ قليل.
ـــ ندى…. أنا آسف إني كنت فظ شوية معاكي.. بس للأسف دي طبيعتي.. مبعرفش أذوق الكلام.
قالها بصوت هامس رقيق جعلها تتأمله بوله أكثر، حتى أنها لم تفهم ما قال… يكفيها فقط طريقة نطقه لإسمها.
لم ترد عليه، فهي لم تفهم ما قال من الأساس، فاعتقد أنها مازالت غاضبة منه.
ـــ يبقى انتي أكيد لسة زعلانة مني.
أخيرا فهمت قصده فأسرعت لتقول:
ـــ لا لا لا طبعاً مش زعلانة ولا حاجة… عادي احنا لسة بنستكشف بعض و مسيرنا هنفهم بعض كويس.
أماء ببسمة صافية جعلته أكثر وسامة، الأمر الذي جعلها تتنهد بسعادة بالغة و كأنها تحلق فوق السحاب.
شردت ندى في كلمات الأغنية التي تصدح في الأجواء، فقد لمست قلبها كثيرا و تتمنى لو كان يبادلها نفس المشاعر، تستمع إليها و هي تنظر إليه بعشق بالغ و كأنها تغنيها له، بينما هو أحب نظراتها له، أحب الرقص معها و استمتع به رغم استيائه في بادئ الأمر حين فاجئه محمود بها.
انتهت الأغنية و صفق الجميع بحرارة، فابتعدت عنه بشق الأنفس، ثم شكر الجميع و قبض على كفها بتملك و سارا سويا إلى حيث سيارته.
تلك المرة تعلم الدرس و قام بمساعدتها حتى استكانت بالمقعد، ثم استلقى بمقعد السائق و أدار السيارة إلى حيث بيته الراقي الكائن بأرقي مناطق التجمع الخامس.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مهمة زواج)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى