رواية من نبض الوجع عشت غرامي الفصل الأربعون 40 بقلم فاطيما يوسف
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الأربعون
رواية من نبض الوجع عشت غرامي البارت الأربعون
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الحلقة الأربعون
كانت تعطيه ظهرها فاقترب منها بضع مسافات ثم همس بجانب أذنها دون أن يلامسها ولكن أنفاسه لفحت عنقها وشعرت بسخونتها من تحت حجابها فبات قلبها يدق سريعا بنبضات متتالية لشئ من الخوف الجديد الكلي على مراحل عمرها بأكمل فأغمضت عينيها وكتمت أنفاسها كي تستمد قوتها من فعلتها تلك حتى استمعت إليه ناطقاً بجانب أذنها :
ــ وحشني لون شعرك الأحمر الناري يابيبي ، ما تشيلي حتة القماشة دي وفكي كدة علشان حاسس انها خنقاكي .
همسه بجانب أذنها بتلك الإثارة أصاب جسـ.ـدها بالقشعريرة فهي لم تجرب تلك المشاعر من قبل وهي فتاة وبرغم قوتها إلا أنه استطاع من كلمة وهمسة تفتيت ذرات التماسك داخلها ثم أغمضت عينيها كي تستدعي القوة وأخذت نفساً عميقاً تستحضر به شتاتها الذي تبعثر للتو ثم استدارت بجسدها وابتعدت قليلاً وراعت المسافة بينها وبينه بقدر الإمكان ثم أحضرت ابتسامتها الجذابة على الفور وهتفت بنبرة رقيقة وهي تشير إليه أن يجلس على الأريكة:
ــ طب إيه رأيك تقعد تستريح اهنه وأعمل حاجة نشربها علشان أعرف أفك ومنبدأهاش قفش اكده ،
ثم مطت شفتيها للأمام بدلال أذهله وأكملت :
ــ إحنا لسة يدوب متعرفين على بعض من أسبوع خلينا نتعرف أكتر ونتكلم كتييير أصلي بحب اهتم بالتفاصيل قووي يا فارس .
ابتسم بتسلية فقد توقع ثورانها ولكن عشق طريقتها تلك ثم جلس بطاعة كما طلبت منه وتحدث هو يمرر لسانه على شفاه بطريقة مثيرة :
ــ يخربيت شفايفك وهي بتنطق اسم فارس ، مكنتش أعرف إن الصعيد فيه قشطة بالمهلبية كدة قال وأنا اتخانقت مع بابا علشان بعتني هنا ده أنا لازم أبعت له جواب شكر وتقدير.
كانت تود أن تضحك من طريقته في الحديث ثم أدارت رأسها للخلف وهي تردد بين حالها بصوت تسمعه وحدها فقط :
ــ يلعن الكفرة على اليهود على طريقتك اللي هتخليني عايزة أرجع يابعيد عيل دمك بارد ،
ثم استدارت اليه وعادت البسمة الحالمة لوجهها كي تقنعه أنها تتجاوب معه وهي ترمقه بنظرة ساحرة:
ــ على فكرة بقى بنات الصعايدة يجننوا بس خاف من قلبتهم واللي يقرب منيهم غـ.ـدر هيفرتكوه ويخلوه يندم عمره كلاته على إنه كشف سترهم .
ابتلع ريقه برهبة خفيفة من تحول وجهها من نظرة ساحرة حالمة إلى نظرة شرسة كالذئاب في آن واحد ثم هز رأسه بإيمائة خفيفة ليقول بنبرة مشاغبة :
ــ أهو أنا بقي أمـ.ـوت في الفرتكة دي بس اديني منها كتييير وملكيش دعوة بقي .
رفعت حاجبها بغيظ من رده ثم بدأت في صنع المشروب “اسبيرسو” فغرفته مجهزة بجميع الماكينات الحديثة للقهوة فهو قد أبدل الديكور الخاص بها ثم استدارت اليه وطلبت منه :
ــ طب ما تشغل لنا موسيقى هادية اكده تفك جو التوتر اللي اني حساه .
غمز لها بطريقة جعلتها تشعر بالاشمئزاز من حالها ومن وجودها معه ولكنها عزمت الأمر أن لاتتركه يدمرها أو يدمر عائلتها وعزمت أمرها أن تجعله يشفى من مرضه ذلك ولا أنها تستسلم له مهما كان وما إن وجدته التهى حتى وضعت من القطارة التى بيدها في مشروبه في أقل من خمس ثواني ثم خبئتها على الفور ومازال ينتقى الموسيقى التي يروق لها باله وما إن انتهي حتى قدمت له المشروب ببسمة عذبة صنعتها بحرفية ، لامس أطراف أصابعها عن قصد وهو يتناول منها الكوب مما جعل يدها اهتزت وكاد الكوب أن يسقط من بين أصابعها مما جعله احتضن كفيها تلقائياً وتحدث بنبرة متحشرجة :
ــ بالراحة ياعم الشبح هتـ.ـولعي فينا وهي والعـ.ـة لوحدها وعايزة جيش مطافي يطفيها يافوفا .
جذبت يدها برفق كي لاتشعره برهبتها منه وهي تبتسم ببلاهة ثم رمقته بنظرة حانية مصطنعة:
ــ هنطفيها يابابا متقلقش بس اشرب وقول لي
إيه رأيك في عمايل ايدي .
ــ دي أحلى بابا اتقالتي من صنف الحريم كلهم والله .. قالها فارس بوجه مبتسم وهو يشعر بالتميز الفريد من نوعه من جلسته مع تلك الفريدة ثم ارتشف من الكوب رشفات متتالية فقد تمزج بصنيعها بشدة ثم وضع الكوب أمامه وهو يثنيها على صنع يدها:
ــ حتى الاسبيرسو طعم مختلف معاكي ، قولي لي عاملاه إزاي علشان أتعلم منك يافوفا .
أجابته وهي ترتشف من كوبها هي الأخرى بتلذذ وهي ترى أثر النقاط بدأت مفعولها وهي تراه يستند على الأريكة :
ــ له الحاجات داي أسرار وتكات مينفعش أعرفها لك ،
وأكملت وقد استشفت استرخائه التام كي توهمه بما تريد وتسهل مهمتها :
ــ وكمان القهوة أو أي حاجة تخصها لما تطلع من تحت يدي بتسفرك عالم تاني خالص بتخليك كأنك طاير في السما ودماغك عالية ورايقة صوح ولا أني بأفور عاد ؟
حرك رأسه للأمام ويبدو على وجهه علامات الاستمتاع وعلى جسده الاسترخاء ليقول بنبرة يملؤها الرواق :
ــ تصدقي يافوفا كلامك صحيح ده انتِ يتعمل لك تمثال بقى علشان بتعرفي تظبطي الدماغ قووي كده وتوديها في عالم تاني ، لازم تعرفيني الطريقة .
التفتت بوجهها للناحية الأخرى ثم هتفت وهي تمسك حالها من الضحك بأعجوبة :
ــ تاتك نيلة في هبلك يابن الألفي ،
ثم حاولت الامساك على حالة الضحك التى لو دخلت فيها حتماً سيكشف أمرها ثم تحمحمت وهي تستجمع شتاتها وبدأت حوارها معه الآن الذي سيفيدها في علاجه فهي قد تواصلت مع طبيبة نفسية منذ يومان وسألتها عن حالة فارس وأفادتها كثيراً ثم سألته وهي تصطنع التودد :
ــ أممم.. قول لي يافارس هو باباك كان باعتك اهنه علشان يكدرك ليه مش احنا بقينا أصحاب والصحاب بيعرِفوا عن بعضهم كل حاجة ؟
انزعجت ملامحه من استفساره فدققت النظر في هيئته ووجدت أن ذكر أبيه جعله تبدل كثيراً إلى الأسوء ويبدوا أن طرف الخيط من أبيه ومن الواضح أن أبيه من أوصله لتلك المرحلة ثم وجدته قائلاً بوجع ظهر بيناً على ملامحه المنزعجة :
ــ بابا أصلاً من زمان من وانا كنت في ابتدائي وهو بيكدرني وبيغصبني أعمل كل حاجة مش بحبها .
سألته بتركيز وانتباه :
ــ زي ايه يعني احكي لي يمكن انت ظالمه أصل ساعات أهلنا بيجبرونا نعمل حاجات علي غير إرادتنا واصل ووقتها بنحس اننا هنعملها بالغصب ومش حابين نعملها لكن مع مرور الوقت بنلاقي الحاجة داي عين الصح لأننا ببساطة في الوقت دي إدراكنا للشئ مش مكتمل ومش على قد عقولنا ودايما كانوا يردو علينا لما تكبروا هتعرفوا وتفهموا وبالفعل لما بنكبر شوية وعقلنا بيكبر معانا بنقول الحمد لله إنهم عملوا معانا اكده.
أغمض عينيه وهي يشعر بالدوار وكأنه دخل عالم لايود تذكره ، عالم انطفائه على يد أهم شخص في حياته عالم عماد الألفي ثم تحدث وهو مازال مغمض العينين وبدأ يسرد الموقف كأنه يعيشه الآن فعاد بعقله إلى سنوات عديدة مضت ، بدأ يحكي كأنها حدثت الأمس وكل أعضاء الحس بوجهه بدأت تتفاعل مع حكواه ،
وهي خير منصت له فتلك النقاط التى وضعتها له ماهي إلا مخدر للجسد فقط تجعله يشعر بارتخاء عضلات جسده فقد وصفته لها الطبيبة بأنها تستخدمه وليس عليه أي ضرر على خلايا المخ والأعصاب بل يحتوي على تركيبة تجعل المريض النفسي داخل دوامة الأشياء المعقدة فتعطي الأعصاب إشارة لخلايا المخ بسردها فيتفهم الطبيب حالة المريض كي يستطيع مساعدته وبدأ فك العقد بالتدريج ، وها هي على مشارف معرفة أولى أسرار ذاك الفارس الذي عاد بذاكرته إلى سنوات عديدة مضت وهي منصتة باهتمام شديد ،
#فلاشــباك
ــ لازم تسمعي الكلام ياعبير الأمر بالنسبة لك إجبار مش اختيار وأنا بأمرك انك تعملي كدة .
كانت تجلس وأمامها ولدها تتابع معه واجباته المدرسية فهو كان في الصف الخامس الابتدائي حينها فعبير تعشق فارس ولدها بشدة وهو الآخر والدته بالنسبة له روحه التي لا يمكن أن يتخيل حياته بدونها فأبيه من القاسية قلوبهم وكل ما يهمه هو جمع النقود بأي طريقة بالرغم من أنه طبيب ولديه من الأموال مايكفيهم مستورين ولكنه دوما يبحث عن المزيد والمزيد ، فأمسكت عبير يدها تقبله بدموع وهي تتوسله :
ــ أرجوك ياعماد أنا مقدرش أعمل كدة تاني أنا نفذت لك طلبك المرة اللي فاتت وتعبت تسع شهور بحالهم وأهملت في متابعة ابني وغير بعد كدة قعدت سنة كاملة أتعافى من جرحي .
بتصميم وجبروت عنفها أمام ابنها وهو يلـ.ـدغها من كف يدها بقسوة :
ــ انتِ نسيتي نفسك يابت إنتِ ولا ايه أنا متجوزك وانتِ أبوكي كحيان ومعدوم وصرفت عليكِ وعلى اخواتك قد كدة علشان تنفذ لي إللي أنا عايزه منك وبعدين ما انا قلت لك ميت مرة أجيب للولد مربية وهي اللي تقوم بكل شؤنه علشان تفوقي لي كدة وانتِ اللي مصممة تتعبي نفسك يبقي تتحملي بقي .
تأوهت بشدة من لدغته مما أصاب طفلها الصغير الشعور بالحزن لتأوه والدته فدلك يدها بحنو ثم مال بشفتيه يقبلها ثم رفع مقلتيه البريئتين راجيا والده:
ــ بليز يا بابا متخليش ماما تعيط انت بتوجعها جامد وأنا بزعل علشانها .
ابتسم بسماجة لطفله هاتفاً بتهكم وهو ينظر داخل عينيها:
ــ ماهي اللي بتسمعش كلام بابا ياحبيبي قول لها تسمع الكلام وأنا مش هضـ.ـربها ولا هكلمها وبعدين أنا عايزك تنشف كدة وتسيبك من جو الصعبنة ده انت راجل ولازم تبقى قلبك جامد .
شهقت بشدة من قساوة ذاك الرجل الذي يتعمد اذلالها دوما بفقر أهلها وأنه المسؤول عن مصروفات أخواتها فلابد أن تتحمل لأجلهم وكما أنه هددها أنه سيحرمها من ابنها ويطلقها ويطردها ويتزوج غيرها وستفعل له مايريد وهي لن تتحمل فراق ابنها ثم طلبت منه أن يتمهل تلك المرة وهي تترجاه :
ــ أنا ملحقتش أفوق من عملية المرة اللي فاتت اصبر على شوية كمان وهعمل لك اللي انت عايزه .
ربت على كتفها بحنو مصطنع ثم هتف ببروده المعتاد:
ــ انتِ مكبرة الموضوع كده ليه يا بيبي الحكاية كلها اسبوع تعب وبعدها بتفوقي شوية وآخر شهرين بس اللي بتتعبي فيهم وبعدين المرة دي الزبون هيدفع كتير قوي وهبسطك وكمان جروح الليزر اتقدمت قوي وانا اللي هباشر العملية بنفسي المره دي .
تنهدت بحزن شديد من إصرار ذاك المتبلد عديم المشاعر والإنسانية ثم تركها وغادر المكان فاحتضنها طفلها وظلا يبكيان في أحضان بعضهم البعض ،
#عودة_من_الباك
أدار برأسه إلى فريدة الجالسة بتعجب وذهول وقد رأت لمعة الدمع في عينيه فدق قلبها وجعاً بشدة فدمع الرجال عزيز ويبدوا من أولى حكواه أن قصته غريبة ثم انتبهت إليه يُكمل :
ــ ماما كانت ست جميله قوي وتهتم بيا وكل حاجه تخصني بس بابا كان دايما بيزعلها على طول ودايما كان بيخليها تعيط ،
ثم شعر بثقل جسده فسألها:
ــ هو انا ليه حاسس ان جسمي تقيل ومش قادر اتحرك؟
ابتلعت ريقها بخوف من استفساره ولكنها تماسكت حالها كي تبدوا طبيعية:
ــ له ما اني كمان حاسة بدوخة رهيبة وجسمي تقيل مش انت بس ،
ثم قامت من مكانها وجلست أمامه ونطقت وهي تنظر داخل عينيه بحنو وقد شعرت بمدى ضعفه الآن :
ــ هخرج وهقفل الباب ورايا وهسيبك تستريح وأني كمان هروح لأني اتأخرت كَتيير ونكمل كلامنا بعدين .
على حين غرة أمسكها من كف يدها ويبدو أن مفعول النقاط بدأ يزول مما أرعبها بشدة ثم همس لها وعينيه ترتكز داخل مقلتيها بشعور الاحتياج :
ــ تعرفي انك حنينية قووي فيكي شبه من ماما وكلامك جمييل زي كلامها .
حاولت إفلات يدها بهدوء فنجحت نظراً لأن أعصابه مازالت تحت التخدير ثم ابتسمت له لتقول بإيثار :
ــ له مامتك مكانش في زيها ابدا متقارنهاش بمخلوق واصل داي كفاية اسمها نابع من الزهور والروايح الحلوة وأكيد كانت ست جميلة.
راق له كلامها عن والدته فهي استخدمت ذكائها في الرد عليه فوالدته كما تحدث عنها الآن أفضل كائن له مرَّ بحياته فلابد ان تتجمل في كلامها عنها كي تكسب ثقته وتجعله دوما يحكي لها عن دوامة الماضي التي أدخلته في تلك الحالة ، كم كانت تتعامل بذكاء معه كما أخبرتها الطبيبة النفسية في تعليماتها ،
ثم وجدته يكمل همسه وقد ذاب غراما بالنظر داخل عينيها :
ــ وانتِ كمان اسمك فريدة لايق عليكِ علشان انتِ فعلاً فريدة من نوعك برقتك وجمالك .
دق قلبها بشدة بين ضلوعها من طريقته الساحرة وعينيه المغرمة بها فقامت على الفور قبل أن تشعر بالضعف فلأول مرة تكن بالقرب هكذا من رجل بتلك الدرجة ثم استئذنت منه ووجهها يبدو عليه الاحمرار الشديد من شدة خجلها أما هو أغمضت عينيه فور خروجها فقد أمره عقله الباطن أن ينام فور خروجها كي تكن هي اخر شيئا رأته عيناه وهو يشعر براحة تجتاح أوصاله لم يشعر بها منذ زمن بعيد ،
أما هي فور خروجها استندت على حائط الشرفة ثم وضعت يديها تلقائيا على قلبها كي تهدئ من ضرباته الثائرة داخلها وهي تشعر بالصراع من دقات قلبها المتنوعة ما بين الخوف وبداية العشق وبين الإحساس بالعطف تجاهه وبين الشعور بأنها تود احتضانه برغبة فذاك الفارس لديه سحرا غريبا في جعلها تود الجلوس معه وأيضا لديه سحراً غريبا في جعلها تود أن تسحقه بين يديها حتما لقد أدركت أنها ستصاب بالجنون من تلك الأحاسيس والمشاعر المختلفة داخلها مما جعلها تفتقد الأمان الآن وان القادم لها لم يكن مريحا على الاطلاق،
وقفت برهة من الوقت تستعيد فيه ثباتها النفس ويعود لون وجهها الطبيعي الممتزج بين الخجل والخوف الى طبيعته كي تترك تلك المشفى التي اصبحت الآن المكان الذي يصيبها بالارهاق الجسدي والنفسي والعاطفي .
******************
في مكتب ماهر كان يشعر بالفتور فهو لم يرى رحمة منذ ماحدث بينها وبين شمس ويشعر بالضيق الشديد فهو قد اعتاد على وجودها بجانبه دوما ورؤيتها أول شئ قبل أن يدافع الي مكتبه ،
فمن يوم غيابها وهو يعيش بدون روح ينتظر أن تأتي لتستعيد روحه مرة اخرى ، ما زال يحن إليها وينتظر لحظة عودتها التي ستنير عتمته، مازال الحنين لها في قلبه والشوق لها دائمًا ومن يوم غيابها وهو يري كل شيء باهت ليس له لون يرى الدنيا ليس لها طعم غير القلق والشعور بالوحشة لها ،
أرهقه عنادها وكبرياؤها وابتعادها عنه فهو قد عشقها بشدة والى هنا اكتفى من ابتعادها ولم يستطيع التحمل ، ثم أمسك هاتفه ودخل إلى الواتساب وأرسل إليها:
ــ اتوحشتك قوووي يارخمة .
كانت هي الأخرى تجلس في حديقة منزلهم وقد أوشكت الشمس على الغروب وهي تشعر بالضياع والاختنـ.ـاق من ابتعاده ، الحياة بدونه خالية من الروح ، خالية من الراحة ، بل الحياة خالية من الحياة بأكملها ، وأثناء تيهتها استمعت إلى هاتفها يعلن عن وصول رسالة ،امسكته بفتور وما إن رأت أنها منه دق قلبها وابتسم وجهها وعاد لنضارته وكأنها رأت كل مايسعدها في تلك الرسالة ، فقط من مجرد رسالة شعرت بالحيوية وارتفع هرمون السعادة لديها كم تعشق ذاك الماهر هي الأخرى بل ويفوق عشقها عشقه لها ، فتحت الرسالة وابتسم سنها بحالمية عندما أوقف موجة العناد فكل منهما كان يكابر دون أن يرسل للآخر حتى يشعران كل منهما أنه المخطئ في وجهة نظرهم ولكن دوما عقل الرجل أكبر من عقل المرأة في الاحتواء بالتحديد ، ولذلك نصيحتي لكي حواء لاتلقي بقلبك إلا لرجل وليس ذكر ، اعطي قلبك لمن يقدره ويستحقه ويكون لكِ وقت الخصام هينا لينا ،
قررت مشاغبته ولم ترد على رسالته كي تجعله يغتاظ كنوع من التمنع وهن الراغبات ، أما هو رأى استلامها لرسالته ولم ترد عليه فشعر بالغيظ قليلاً ولكنه كان ومازال طويل البال فأرسل إليها رسالة صوتية :
ــ يعني بقول لك وحشتيني قووي مترديش ، طب يارحمة البسي وتعالي في الكافيه اللي بنتقابل فيه علشان عايزك .
استمعت إلى رسالته بقلب ينبض فكم أوحشها صوته ونبرته وحديثه ، فاستمعت إليها مراراً وتكراراً كي تهدأ من ثورة قلبها النابض بعشقه بل ويسرى عشقه كالوريد في جميع جسدها حتى تيقنت انها أدمنت عشق ماهر الريان ،
ثم ارسلت إليه وهي تصطنع الجمود :
ــ معايزاش أقابل حد وياريت متبعتليش تاني ياماهر طول ما الهانم دي عنديك ولسه هتفضل في بيتك .
استلم رسالتها ثم نفخ بضيق وهو يخلل أصابعه بين خصلات شعره ثم هاتفها وما كان منها إلا أنها عاندت وأغلقت الهاتف في وجهه مما أغضبه بشدة ثم أرسل إليها رسالة صوتية بغضبه الجم :
ــ والله العظيم لعرفك يارحمة علشان توبقي تكنسلي علي تاني وهعيد تأهيلك من أول وجديد ، الظاهر إني دلعتك زيادة عن اللزوم يابنت سلطان وخليتك عايشة الدور قووي ولو ملقتكيش قدامي بعد نص ساعة من دلوك لا هاجي أكسِر لك دماغك الناشفة داي ، يلعن ابو نكدك ياشيخة فانجزي ومتجبيش أخرى معاكي كفاية اللي أني فيه.
ارتعب داخلها من نبرته الغاضبة فقد أوصلته بعنادها معه إلى حالة التعصب الشديدة التى لم تراها منذ كثير ولكنها لم تستطيع السيطرة على حالها في إصراره على وجود تلك الشمس ثم قامت على الفور كي ترتدي ملابسها كي تذهب لمقابلته فهو من المؤكد إن لم تذهب له سوف يجئ الى هنا وينصب لها المحكمة ووالدتها الآن في ضياع بسبب عمران وسكون ومن الممكن قتـ.ـلها على عنادها ،
صعدت إلى الأعلى وارتدت بنطالا من اللون الكافيه ويعتليه كنزة باللون الأبيض وبليزر باللون النبيذي يصل إلى منتصف فخذها ورفعت أكمامه قليلاً وارتدت حجابا بنفس لون البليزر فحقا كانت مبهرة فهي قد انتقت ذاك المظهر بالتحديد كي تثيره ثم ارتدت حذاءً ذو كعب رفيع “سليبر” يليق بأناقتها ووضعت بعض مساحيق التجميل الخفيفة في وجهها كي يراها جميلة وان فراقه لها لم يؤثر في نضارتها وهذا ما أوصله لها عقلها ولم تعرف أنها الآن تلعب في عداد عمرها مع ذلك الماهر ،
ثم حملت حقيبتها واستئذنت من والدتها في مقابلته فلم تمانع فهو زوجها وفرحهم لم يتبقى عليه سوى أيام ، صعدت سيارتها وانطلقت بها دون تسرع حتى يجعله ينتظرها كثيرا فهي قصدت التأخير ولم تعرف أنها تبني بأعصابه الآن جسورا من الغضب منها ومن تيبس راسها وأفعالها الهوجاء ،
وصلت أخيرا إلى المطعم الذي انتقاه فقد أرسلت إليه رسالة قبل وصولها كي تعرف مكانه ولكنها وجدته يقف متنحيا بجانب باب المطعم ينتظرها وما إن رأى قدومها حتى جحظت عينيه من رؤية هيئتها فجعلت الدماء تفور في جسده منها وثار داخله متوهج كالبركان فأسرع بخطواته على الفور حتى وصل إليها وقبل أن تغلق سيارتها أمسكها من كتفها ودفعها إلى الداخل بطريقة آلامتها وهو يردد بفحيح بعدما جن جنونه من هيئتها :
ــ دي انتِ يومك غامق عليكي النهاردة يارحمة .
كاد أن يكمل لذاعه لها إلا أنها تأوهت وشعرت بالمهانة من حركته تلك وهدرت به بحدة :
ــ ايه الهمجية دي انت اتجننت إزاي تزقني بالطريقة داي ! هو انت مفكر نفسك مين بالظبط ؟
ــ جوزك ياهانم ، جوزك المغفل اللي اتجرأتي ومعملتيلهوش حساب وخرجتي من بيتك بمنظرك ده ! قالها ماهر بفم غليظ مملوء بالغضب والفظاظة من أفعالها التى أوصلته إلى قمة العصبية ،
أما هي ابتلعت انفاسها بصعوبة بالغة من هيئته الغاضبة بشدة ورأت فداحة مافعلته الآن كي تجعله يغتاظ ولم تكن تتوقع ردة فعله أن تكون بتلك الدرجة من الهوجاء ثم اصطنعت عدم الخوف منه وهتفت بنبرة تتلجلج بها :
ــ اممم.. ماله شكلي يعني شايفني لابسة بدلة رقص وخارجة بيها.
كادت أن تكمل حديثها إلا أنه هدر بها أرعبها وهو ينظر لها بغضب:
ــ أه ما اني لو مالي عين الهانم ومعتبرة لوجودي أهمية مكنتيش عملتي اكده ولا اتجرأتي تخرجي من بيتك بالشكل دي لكن العيب مني اني اللي وصلتك انك تتدللي وتعملي اللي على كيفك طالما الباشا بيهنن ويدلع ويطبطب على البرنسيسة ،
ثم مد يده وشد حجابها على جبهتها وهو يداري خصلاتها الناعمة والتي قصدت أن إظهارها ظنا منها أنها ستثيره بهيئتها وجمالها ذلك مما جعلها تتوجع من حدته :
ــ قسما عظما إن خرجتي الشارع وشعراية واحدة باينة من شعرك تاني يارحمة لاهخليكي تندمي وتقولي ياريت اللي جرى ما كان ،
ثم نظر إلى أكمامها المرفوعة قليلاً وقد أظهرت نصف ذراعها وجذب الأكمام بنفس الحدة حتى دارى ذراعها بالكامل وأكمل بنفس غضبه :
ــ والله اني مش فاهم انتِ خرجتي من بيت أبوكي وأخوكي بالمنظر دي كيف وانتِ عاملة البلاوي داي كلاتها ،
ثم ضـ.ـرب كفا بكف وهو يكاد تصيبه ذبحة صدرية الآن من أفعالها تلك هي تعلم مدى غيرته الشديدة وأنه لن يرضى تلك الأفعال في هيئتها يغار عليها أن يرى أحدهم خصلة واحدة من شعرها ، يغار عليها من أن تظهر شيئاً بسيطا من جسدها ، ولن يسمح لها أن تستفزه بتلك الطريقة مرة أخرى ثم هتف وهو يجز على أسنانه بغضب مما جعل الخوف منه يدق على جسدها دقاًّ :
ــ إنتِ اكيد عايزة تجننيني أو تجيبي لي الضغط والسكر ، انتِ عايزة توصلي لإيه بالظبط يارحمة ؟
إبتلعت لعابها وتحدثت بصوتٍ منخفض مما جعله ثار أكثر من ذي قبل :
ــ ياسلام اشمعنا أني اللي هتتعصب عليها قووي اكده مالبرنسيسة اللي هتقعدها في بيتك وهي سبب المشاكل كلاتها بيني وبينك بتلبس عريان واني جمبيها من أولياء الله .
اتسعت عيناه بذهول من تبريرها ثم كور قبضة يديه وضـ.ـرب مقود السيارة بغيظ جعلها هلعت وهو يرمقها بنظرات كالنـ.ـار المستعرة :
ــ يلعن الكفرة على الكفرة على اليهود على شمس على الكل كليلة ياشيخة ، اني مالي ومالها أصلا هو ربنا هيسألني عنيها ولا هيسألني عنك انتِ مانا بقيت في نظرك عامل زي القرطاس تعملي اللي كيفك علشان تجننيه وخلاص على الله تكوني مستريحة دلوك وانتِ موصلاني لقمة الغضب والعصبية وقفلتيني من الدنيا كلاتها ياشيخة ،
ثم نظر إلى هيئتها مكملا تهكمه :
ــ دي كله كوم والبنطلون اللي محدد تفاصيل جسمك كوم تاني والروج الاحمر اللي مهبباه في شفايفك ده انتِ عديتي ليفل الوحش في الجراءة النهاردة يا رحمة هانم.
أشاحت بيدها من رفضه لطريقته في تعبيره عن غيرته وهي تردد بنبرة معترضة:
ــ إنت مكبر الموضوع على فكرة قوووي ودي مش طريقة تعبر بيها عن رفضك لحاجة مش عجباك .
هز قدميه بعصبية من ردودها التي تستفزه أكثر :
ــ انتِ بتلعبي في ثوابت دين امرك متخرجيش من بيتك بالمنظر دي ومش عايزاني أتعصب بجد انتِ بني أدمة مستفزة قووي وقفلتيني منك بسبب عنادك ودماغك الناشفة وعدم اعترافك بغلطك .
بنفس عصبيته أردفت وهي تشعر بالخوف منه وصوتها على بعض الشئ :
ــ يعني إنت عايز ايه دلوك ، انت شاطر في قلب الترابيزة قووي .
تنهد بضيق وتحدث بغضب أخافها :
ــ شكل اليوم دي مش هيعدي على خير النهاردة ، اتفضلي سوقي العربية وروحي على اقرب محل ملابس حريمى ،
ثم لاحظ وجود مناديل مبللة فجذبها بحدة وأمسكها من وجهها برفق وهو يمسح شفاها من ذاك الروج التي وضعته بلونه الظاهر وهو يردد بتحذير :
ــ توبقى تتكرر تاني حركاتك دي علشان المرة الجاية بإذن الله مخلكيش تعتبي الشارع وابقي افتحي بقك بنص كلمة يارحمة .
كانت صامتة تاركة إياه يفعل بها مايشاء فهي أدركت الآن مدى خطئها وبعد أن أنهى إزالة الميكب من وجهها أمرها أن تسير إلى ذلك المحل وهو ينظر إلى الطريق أمامه وقد وصل الغضب ذروته من أفعالها ،
حتى وصلت إلى إحدى المحلات الخاصة بملابس السيدات حتى وقفت بسيارتها وقبل أن تهبط من سيارتها فهي علمت لما جعلها تأتي إلى هنا أمسكها من كف يدها آمرا إياها:
ــ تدخلي تشوفي دريس محتشم ميبنش الهوا منك وتخرجي لابساه مينفعش ادخل معاكي في بنات كتييير جوة ومش حابب أحرج حد واني مستنيكي .
تمتمت بطاعة وهي تشعر بأنها أجرمت اليوم من هيئته الغاضبة وبدا عليه التعب من حالة العصبية التي دخلها بسببها :
ــ طيب اني هتأخر في اختيار اللبس وهتقعد كتييير.
ــ هستناكي لو لحد الصبح اتفضلي يالا.. قالها وهو يستند برأسه على الكرسي مغمض العينين وكأنه يستدعي الهدوء النفسي من حالة الغضب الشديد التي سببت له ارتفاع ضغط الدم وشعر بالصداع يغزو رأسه وما إن رأت حالته تلك حتى ظلت تلوم حالها بطريقة لاتوصف وعهدت نفسها أن لا تفعلها مرة أخرى وستكن تلك المرة الأخيرة وستنتقي الملابس الفضفاضة المحتشمة في زي راقي أيضاً ،
دلفت إلى المحل وهي تشعر بالاستياء من حالها وعيناها تدور في المكان حتى استقرت على ركن الفساتين كي تنتقى أحدهم ، ظلت مايقرب من نصف ساعة حتى انتقت ما يناسبها ثم طلبت منهم أن تدفع ثمنه وهي مازالت ترتديه مما أدهش الواقفين في المحل فلأول مرة تفعلها احداهن ثم خرجت وبيدها حقيبة بها ملابسها التي كانت ترتديها ،
وصلت إليه وجدته يستند برأسه على الكرسي ويبدو أنه تاه في نومه وهو ينتظرها ، دقت على نافذة السيارة كي يفتح لها الباب ففتح عينيه وهو يدلك جبينه بيده كي يخفف من ألم الصداع ثم أزاح زجاج النافذة وجدها أمامه بفستانها الزهرى المحتشم الفضفاض ، شملها بنظرة متفحصة من أعلى رأسها إلى أسفل قدميها ثم انحنت قليلاً ونظرت داخل عينيه وهي تسأله بنبرة هادئة :
ــ اكده تمام يامتر ولا في حاجة مش عاجباك قبل ما نتحرك ؟
أطال النظر داخل عينيها وهي بالقرب منه بتلك الدرجة وأنفاسها تغلغلت داخل رئتيه فأغمض عينيه لوهلة ثم التفت بوجهه للناحية الأخرى وهو يفتح لها الباب مرددا:
ــ تمام اتفضلي يالا علشان نمشي .
تنهدت بحزن من ما وصلا إليه الآن فهي لم تكن تتوقع ثورانه بتلك الدرجة لمجرد أنها ارتدت بنطالا ورفعت أكمام قميصها وأخرجت خصلات من شعرها فهذا ما تفعله أكثر الفتايات تلك الأيام والموضة المنتشرة بشدة ، والأدهى انها ترى الاستوريهات الخاصة بهم مع خطابهم وأزواجهم وهن بتلك الهيئة لماذا فعل معها هي بالتحديد هكذا فلا يوجد سبب اهتدى به عقلها إليه إلا أنه يتعنت معها ويفرض سيطرته عليها أو أنه يقلب الطاولة عليها كي ينسيها حوار تلك الشمس ،
استقرت في مكانها وأغلق هو النوافذ التي تجعل من بالخارج يراهم وقام بتشغيل المكيف فهو يشعر بالحرارة الشديدة تغزو جسده ، ثم استند برأسه على الكرسي مرة أخرى وأغمض عينيه مرة أخرى فهي قد أوصلته لقمة التعصب بأفعالها والصمت أصبح سيد الوقت والمكان ، وفجأة استمع الى بكائها من ماجعله نفخ بضيق من حالة النكد التي ستكمل على ماتبقى من أعصابه اليوم بسببها ،
ثم مسح على وجهه بكف يده وهو يستغفر ربه بصوت أسمعها ثم استدار بجسده إليها وهو يحاول استدعاء الهدوء النفسي له والخروج من حالة الغضب والعصبية التى دلف إليها ثم اقترب منها واحتضن وجنتيها بين كفاي يديه ليقول بصوت أجش خشن:
ــ ممكن اعرف ايه سبب العياط دلوك والمفروض ان أني اللي زعلان من عمايلك ؟
حاولت إفلات وجهها من بين يديه ولكنها لم تستطيع فهو كان ممسكاً بها بإحكام فرددت بنبرة صوت متحشرجة أثر بكائها :
ــ بعد يدك عني اني مخاصماك ومليكش صالح بيا تاني .
ــ ليه هو أني اللي غلطت ووصلتنا للي احنا فيه ولا دماغك اللصغيرة اللي وزتك تعملي اكده ؟
زادت من البكاء فهتف بانعدام صبر :
ـ وه هتبكي طول اليوم ليه ومهنعرفش نتحدت واصل ؟
ــ هبكي علشان انت زعقت لي كتيير قووي النهاردة.
ــ مش انتِ اللي استدعيتي غضبي وعملتِ اللي واثقة أنه هيضايقني .
ـ هو أني عميلت ايه يعني غير اللي البنات هتعمله ، خد شوف صورهم أهي ومع خطابهم وأزواجهم كمان وانت اللي كبرت الموضوع قووي واتعصبت عليا.
فتحت الهاتف وأتت بالصور وما إن وجهت الهاتف إليه حتى استدار بوجهه إلى الناحية الأخرى هاتفاً بانزعاج وهو يرفض النظر إلى الصور :
ـ مش هشوف حاجة واقفلي الموبايل دي أني مليش صالح بيهم ، كل راجل حر في التعامل مع اهل بيته اياكش يخرجهم عريانين حتى كل واحد مسؤول عن نفسه ، واني مش بقرون علشان اسيب مرتي تخرج متبرجة وكل من هب ودب يتفرج عليها واني زي الأطرش في الزفة .
ثم وجه أنظاره إليها محذراً إياها:
ــ قفلي على الحوار دي معايزش أتحدت فيه مرة تانية متبصيش على اللي زي دول بصي على الاحسن منك في الاحتشام وغِيري منهم وقلديهم متبصيش للأسوء علشان الدين واضح واليسر والعسر ملهمش علاقة بالاحتشام نهائى أظنك دارسة شريعة وقانون وربنا سبحانه وتعالى قال “وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ”، “جُيُوبهن” أي صدورهن، فينسدل الخمار من الوجه إلى أن يغطى الصدر ، وليس الجيب ، ابحثي كويس وانتِ هتعرفي إن الحجاب السليم لازم يغطي الصدر أما انتِ النهاردة عديتي ليفل الوحش في الجراءة وحذاري اللبس دي يتخرج بيه تاني ولا الروج الأحمر اللي كنتِ حطاه دي يتحط تاني إلا وانتِ في بيتك لجوزك بس .
زادت من بكائها فضـ.ـرب كفا بكف:
ــ وه هتزيدي في البكا عاد هو أني ضـ.ـربتك بالنـ.ـار ؟
حركت رأسها برفض وتحدثت من بين شهقاتها مما جعل قلبه رق لبكائها وكيف لايرق وهو رجل عاشق حد النخاع لامرأة ولد قلبه على يدها من جديد :
ــ له علشان انت زعقت لي جامد بردو وعيطتني .
حاول تهدئة حاله كثيرا ثم اقترب منها وجذبها إلى أحضانه مقبلاً إياها من رأسها وشدد من احتضانها وهو يربت على ظهرها بحنو وبهمس بجانب أذنها:
ــ معلش حقك علي يارحمتي ، بس أرجوكي متحاوليش تختبري غيرتي تاني علشان بتخلي النـ.ـار هتـ.ـولع في جسمي .
شددت هي الأخرى من احتضانه ثم هتفت بطاعة أذهلته :
ــ حاضر .
أخرجها من أحضانها ثم اقترب علي وجهها وأسند جبهته بجبهتها وتحدث وهو ينظر داخل عيناها ويتنفس أنفاسها مرددا بأسف :
ــ خلاص بقي متبكيش عاد أني بحبك قووي يارحمة ومش متخيل إن راجل ممكن يشوفك أو يبص لك بصة اكده ولا اكده ولا يشوف زينتك وقتها ويتمناكي علشان شاف منك اللي مينفعش راجل يشوفك بيه غيري .
زمت شفتاها وأنزلت بصرها للأسفل بحزن ممزوج بدلال وتحدثت بنبرة استيائية مفتعلة :
ــ إنت وحش على فكرة وقلبك قاسي ومهتحبنيش قد ما هحبك .
ضيق نظرة عينيه ثم رمقها بنبرة هادئة عاشقة مستنكرة لما قالت وهو يقصد مشاغبتها :
ــ إنت وحش ! والله حاسس اني متجوز عيلة مش آنسة عاقلة كبيرة ،
واسترسل حديثه وهو ينظر إلى أنفها الحمراء من أثر البكاء وهو يداعبها بسبابته :
ــ بذمتك دي شكل واحدة فرحها كمان كذا يوم ، إلا قولي لي يارحمة هو النكد دي هرمونات عند كل ست ولا اني بيتهيألي ؟
بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره ولكنها سرعان ماختفت في بحر حزنها منه وهي تنعته بمشاغبة مماثلة :
ــ إنت رخم قووي على فكرة بقي ، وآه النكد هرمونات عند الستات بينزلهم في لبن الرضاعة .
جذبها من رأسها بيده قائلاً بنبرة استنكارية مصطنعة:
ــ هو انتِ لسانك فالت منك علطول اكده يا حبيبتي ، ماتهدي ياعم الشبح اني عريس وداخل على جواز والمفروض تدلعيني ومتنكديش علي .
أجابته بقوة وغيظ وهي تحاول استفزازه :
ــ مين قال اني هتجوَزك دي في الاحلام يا متر لما توبقى تغور الكونتيسة اللي انت مقعدها في بيتك اللي هو اصلا هيوبقى بيتي نبقى نشوف الحوار دي بعدين .
جذبها إليه عنوة فارتطمت بعظام صدره القوية:
ــ احلام ماتت من زمان ياماما ، ماتتهدى بقي ياشيخة طلعتي روحي وغلبتيني هو أني مبصعبش عليكِ وانتِ عمالة تقولي في وشي مهتجوزش ، معايزكش ! مفيش الكلام دي يارحمتي جوازنا خلاص كمان أربع أيام هيتم يعني هيتم ومش هيتأجل يوم واحد ، وبعدين أني جبت اخري والصبر زهق من صبري عليكي يابنت سلطان فاتكي على الصبر وسيبك من أمور الجنان بتاعتك داي وتبطلي روشة .
دفعته من صدره بقبضة يدها الصغيرة وهي تردد بشفاة تمطها للأمام بدلال أثاره :
ــ بعد يدك دي عني مش هسمح لك تلمسني ولا تقرب مني اكده وخليك معاند معايا بقي .
أمسك كف يدها بإحدى يديه والأخرى ثبت رأسها بها وردد بوله وهو يقبل باطن يديها بقبلة جعلت جسـ.ـدها ينتفض داخلها من رجولته المفرطة أمامها وهي لم تستطيع مجابهة ذاك المتمرس لأمور العاشقين وهي مازالت صغيرة على الحب :
ــ أبعد مين ياماما دي في احلامك ، وبعدين أني مشيت شمس على فكرة وراحت شقة بعيد عن بيتنا وشفت لها شغل عند واحد صاحبي فمتعمليش جنازة ومفيش ميت بقى ،
ثم اقرب وجهها منه وقبلها بجانب شفاها قبلة متيمة مغرمة بها وهو يسألها بنبرة مبحوحة أثر قربها منها :
ــ بذمتك ماهر موحشكيش !
دي إنتي قلبك بينفض جواكي وعيونك هتلمع من مجرد كلمتين وحركتين وعمالة تكابري وخلاص.
وضعت كفاي يداها الحنونتان وحاوطت بهما وجنتاي ذاك الماكر وتحدثت بحب صادق ظهر بينا داخل عيناها وجسدها يكاد يكون كالهلام لاتقوى على مجابهته من فرط تأثرها باقترابه :
ــ بصراحة وحشتني قووي ، وروحني بقي علشان حاسة إني دايخة ومش متحملة.
ــ وعاملة نفسك هيرو ومفيش زيك ودختي من بوسة يد ، ياعيني عليك ياصغنن دي انتِ جايك أيام هتحتاجي مسكنات عظام بقي .. قالها وهو يغمز لها بكلتا عينيه بشقاوة جعلتها
شهقت بخجل من طريقته ولكزته في كتفه ولسانها ردد بتلقائية:
ــ إنت قليل الأدب وقووي على فكرة بقي .
تأوه باصطناع قليلاً من لكزها له ثم هتف وهو يداعب وجنتها بإبهامه :
ـ مش ملاحظة انك لسانك طول قووي عليا اليومين دول وكدة غلط عليكِ ياماما علشان خط المحاكم ميتعملش فيه اكده.
أزاحت يداه من علي وجهها وتحدثت وهي تتحرك بسيارتها كي تعود إلى المنزل حتى لا تتأخر ووالدتها تلك الأيام كأنها تجلس على طلاق النـ.ـار لديها استعداد للاشتباك معهم جميعا على اقل التفاهات :
ــ براحتي أعمل وأقول اللي على كيفي واللي يحلالي طالما في حلالي .
رفع حاجبه الأيسر متعجباً من قوتها :
ــ دي انتي ربنا مايوكلك على حد مظلوم ياشيخة ، امشي ياماما ودينا على المطعم النحس اركب عربيتي وروحي على البيت على طول وحذاري ارن عليكي تاني ومترديش عليا والله العظيم وقتها ماهتعرفي رد فعلي هيكون عامل كيف انتِ حرة بقي .
ظل كلاهما ينكش الأخر وهم مستمتعون بنقارهم كالقط والفأر وحقا من يراهم يستمتع لرؤيتهم وينجذب لمشاهدتهم ،
أوصلته إلى السيارة وقبل أن يهبط لمح الكيس البلاستيك الذي يحوى الملابس التي كانت ترتديها مرددا لها بتحذير :
ــ شوفي بقى ترميهم تديهم لحد تولـ.ـعي فيهم ما اشوفكيش لابساهم تاني ، اني بتكلم بهدوء اهو علشان ما نزعلش مع بعض تاني يا رحمة .
جزت على أسنانها بغيظ من طريقته ثم هتفت بحدة :
ــ ماشي ياسي السيد اي أوامر تاني ياخويا ؟
رفع حاجبه من استنكارها وطريقتها وقبل أن يغلق الباب مد يده وقرصها من وجنتها بخفة وهو يحذرها بلطف :
ــ اظبطي لسانك دي ياماما واعرفي انك بتتكلمي مع جوزك مش مع ابن الجيران اللي كنتي هتلعبي وياه زمان .
أنهى كلماته وأمهلها وأغلق الباب دون أن يرى رد فعلها الذي يعلم تمام العلم أنه تشتاط الآن وبالفعل رددت بعد أن تحرك من أمامها بغيظ :
ــ ابو رخامتك ياشيخ طلعت روحي بس هعمل في قلبي اللي هيعشقك وهيدوب فيك ،
ثم نظرت إلى السماء وكانها تحدث ربها :
ــ يارب مايطلع ماهر دي تخليص ذنوب وحق اللي كنت هفتري عليهم .
***********************
في شقة سكون كانت تجلس أمام مرآتها فقد خرجت من الحمام للتو وهي ترتدي ملابس نومها وتنزع المنشفة من على رأسها لتبدأ في تمشيط شعرها ومازالت في حالة الاكتئاب التي اعترتها وعمران يتحملها بل ويدللها ويتعامل معها كالأميرات ،
أما هو عاد من الخارج للتو ودلف الغرفة وجدها تجلس أمام مرآتها وتنزع المنشفة من على رأسها فساقته قدماه إليها ووقف خلفها نازعا المنشفة برفق من على رأسها بدلا عنها ليقول بمشاغبة:
ــ اني تقريبا اكده جيت في الوقت الصوح ولا ايه ياسكوني ؟
ابتسمت بوجه بشوش راق له وهو يرى بسمتها عبر المرآة والتى بصداها تنير له عتمة الأيام ثم جذب منها فرشاة الشعر ليقول :
ــ نفسي أسرح لك شعرك علشان هعشقه قووي وهعشق ريحته ولونه ياسكوني تسمح لي ؟
حركت رأسها للأمام وناولته الفرشاة مرددة بابتسامة:
ــ وه وكيف مسمحش ان عمراني يسرح لي شعري دي يوم المنى لما الست جوزها يعاملها كيف الأميرات وانت روحي اللي هتدلعني وتخاف علي من الهوا الطاير.
بدأ بتمشيط خصلاتها برفق وحنو جعلها تشعر بمدى السعادة من أفعاله الطيبة التي دوما يفعلها لها ثم ردد بمشاغبة:
ــ خلي بالك انتِ اكده بتغريني واني بصراحة بموت في الإغراء وكتري منه على قد ما تقدري يا ست البنات.
اتسعت مقلتيها وهي تشعر بالروعة من لقبها لها بـ”ست البنات ” :
ــ الله ست البنات كلمة جميلة قووي قولها لي علطول ياعمران .
أشار بأصبعه على عيونه هاتفا بطاعة:
ــ دي أني من عيوني ياباشا انتِ تؤمري أمر ياست البنات .
أنهى تمشيط شعرها وتركه منسدلا على ظهرها ثم مد يداه لها كي يتناول يدها وتمشي بها إلى الأريكة الموجودة بالغرفة وأجلسها برفق وكأنها زجاج رقيق يخشى عليه الانكسار ثم سألها :
ــ شكلك اتحسنتي شوية ولا لساتك تعبانة .
تنهدت بعمق ثم طمئنته :
ــ الحمد لله زينة ، ربنا يخليك ليا وميحرمنيش من حنيتك اللي خلتني هتخطى العذاب النفسي والجسدي وعلى قد ابتلائي اللي ربنا قدره لي على قد اني لازم اشكره علشان عرفني إن لو كل البيبان اتقفلت هتلاقي هواك وعشقك ومعزتك بتضمني ياعمران علشان اكده لازم كل واحدة يوبقى جوزها هيعشقها زيك اكده تقدر التراب اللي هيمشي عليه وتحافظ عليه .
تعلقت عيناه بها بنظرة هائمة أرجفت ذلك القابع بين أضلعه ثم احتضن وجنتيها برفق :
ــ متوصيش عمران على حبك ياحبيبي والله ياسكون معايزش حاجة في الدنيا غير اني اشوفك دايما سعيدة ومرتاحة والحزن يفارق ملامحك وقلبك ميدقش إلا بالراحة والسكينة كيف اسمك وكيف الحاجات الحلوة اللي هيعشها معاكي واللي لو لفيت الدنيا كلاتها شرقها بغربها مهلاقيش زيك ولا أصلا عايز غيرك .
دق قلبها من حديثه الحنون ووجدت حالها ترتمي داخل أحضانه الحانية وما كان منه إلا أنه استقبلها بحنو ودلال عشقته منه ثم همس بجانب أذنها بكلمات أذابتها :
ــ طب بعد الحركة داي مش هتتسابي إلا لما أعوض الأيام اللي فاتت علشان المنهج اتراكم عليكي واني مدرس شاطر قووي وتلميذي مينفعش يأجل عمل اليوم إلى الغد ولا ايه يادوك ؟
ضحكت برقة في أذنيه جعلته هام بها عشقا ثم همس بعشق :
ــ دي باين انها هتبقي ليلة ولا الف ليلة وليلة ، تصدقي بلا عيال بلا وجع دماغ اني عايزك اكده لحالك علشان منتعطلش على آداء مهامنا العشقية والعاطفية يا دوك .
إبتلعت لعابها من كلماته المٌدمرة لإنوثتها، ثم نظر إليها وجدها تبتلع لعابها فابتسم بإنتشاء لهيئتها وبدأ بالاقتراب منها بشغف أنساهم هموم الحياة ومتاعبها التي لم تنتهي بعد وبعد وقت ليس بالقليل غاصا فيه في عالمهم الخاص المحبب إلى قلبهما أسندها على صدره العاري قائلا بدعابة وهو يزيح خصلاتها المبعثرة على وجهها غامزا لها :
ــ كنتِ مبهرة قوووي في درس النهاردة ياريت من ده كتيير يادوك علشان اني بعشق الاختلاف والتجدد والتميز .
ضحكت برقة من كلماته ومشاغبته التي لم ينتهي عنها وظلا كلاهما يداعب الآخر بمحبة وعيناهم تتعمق النظر بوله للآخر وكلاهما يردد بعشق الروح للروح خاطرتهم التى أهداها كلا منهم لخليل روحه :
ــ حينَ التقتْ نظراتُ عيْناها بعينِي تسهمتْ أمامَ كتلةِ النورِ وذابَ الغُرور ، وتصـ.ـارعت الدقَّات داخلِي وكاد القلبُ أن يشُـ.ـق الضلوعَ وينفـ.ـجرُ ،
هي نظراتُها تعي الاستفهامُ أما أنا نظراتي تعي الانبهارُ ،
ماذا يفعلُ قلبي الآن ! لااا بلْ كيفَ ينتظرُ دون أن يسـ.ـحقها بين أحضانِه وينعمُ بالسرُّور ،
فمِن نظرةٍ دون كلمةٍ أو همسةٍ أو ابتسامةٍ منها أصبحتُ في غرامِها مُتيَّمٌّ معذور .
#خاطرة_بقلمي_فاطيما_يوسف
#بغرامها_متيم
#الجزء_الثاني
#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
********************
أمام المشفى ليلاً وبالتحديد في الساعة الحادية عشر قرب منتصف الليل استعدت فريدة للخروج من المشفى فقد أنهت عملها وسهرتها في المشفى ثم خرجت أمام الباب وأخرجت مفاتيح سيارتها التي اشترتها بالتقسيط حديثا كي تتحرك للجانب الآخر التى تركن به سيارتها ،
وعلى نفس الجانب كانت سيارة سوداء مفخمة تقف بجانب سيارتها وعلى أهبة الاستعداد فقال أحدهم :
ــ تقريباً هي دي اللي عليها العين يالا أجهزوا بسرعة علشان مش عايزين شوشرة ولا من شاف ولا من دري .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من نبض الوجع عشت غرامي)