روايات

رواية من أنا الفصل التاسع 9 بقلم حليمة عدادي

موقع كتابك في سطور

رواية من أنا الفصل التاسع 9 بقلم حليمة عدادي

رواية من أنا الجزء التاسع

رواية من أنا البارت التاسع

من أنا
من أنا

رواية من أنا الحلقة التاسعة

توقفوا على أثر الصوت، وظنوا أنهم وقعوا مجددًا في قبضة وليد. توقفت تقى في مكانها، وشلّت حركتها، وصعب عليها بلع ريقها. وعندما استدار يونس نحو مصدر الصوت، انتفضت من مكانها، وأمسكت بثيابه بقوة، حتى كادت أن تسقط من شدة خوفها. نظر إليها يونس ليطمئنها، ثم انتقل تركيزه إلى الرجل الذي كان يقف بعيدًا عنهم، لكنه لم يكن قريبًا بما يكفي. بعدها جال بنظره في المكان ثم تحدث قائلاً:
_ تقى الراجل بعيد عنا يسرعة خلينا نجري وندخل جوا الغابة أكتر علشان نشتت انتباهه ماشي ..
هزت رأسها بالموافقة، لكن عندما حاول يونس التحرك، أدرك أنها لا تزال ثابتة في مكانها، تحدق أمامها. لم يكن أمامه خيار سوى أن يمسك بيدها ويجري بها، وإلا فلن ينجوا من هنا. اقترب منها وأمسك كفها بين قبضته، ثم انطلق بسرعة رغم الألم الذي يشعر به، فهو يعلم أن الوقت ليس مناسبًا للتفكير. ركضوا بين الأشجار الكثيفة حتى تعمقوا فيها. فجأة، سقطت تقى على ركبتيها تاركةً يده. عاد إليها معتذرًا، فقد ركض دون أن يدرك أنها لا تملك القوة الكافية لتحمل كل هذه المسافة. قدم لها يد العون ليساعدها على النهوض ثم قال:
_ أنا آسف جريت من غير ما أعرف إنك مش هتقدري تجري كل المسافة دي إنتي كويسة ؟”
قامت بمسح العرق المتصبب من جبهتها، ثم التفتت إليه فجأة، وفتحته فمها بدهشة عندما رأت الدماء تسيل من خلف قميصه. أشارت له بيدها إلى كتفه، نظر إلى ما تشير إليه ثم قال:
_ ماتخافيش دا جرح بسيط. يلا نتحرك من هنا، يمكن نوصل للطريق ونلاقي حاجة تأخذنا.”
تحرك ببطء من أجلها، بينما كانت تتبعه بخطوات متعبة تحت أشعة الشمس الحارقة، حتى بدأ العرق يتصبب من جبينها وجف حلقها من العطش. كانت تتنفس بصعوبة مع كل خطوة، وعندما لاحظ الإرهاق الواضح على ملامحها، توقف عن السير والتفت إليها قائلاً:
_ تعالي نقعد هنا شوية علشان ترتاحي وبعدها هنكمل إنتي تعبانة أوي ..
حركت رأسها رافضة، وأشارت بيدها إلى الأمام لتستأنف السير. تعجب من إصرارها على المضي قدماً رغم تعبها، فحاول التواصل معها، لكنها استمرت في المضي قدماً دون أن تلتفت إليه. تنهد بضيق من تصرفها وناداها قائلاً:
_تقى إسمعي الكلام اقعدي علشان ترتاحي شوية ممكن يكون الطريق لسه طويل ..
تجاهلت حديثه واستمرت في سيرها، مما أضفى على وجهه معالم الإحباط من عنادها. مضى خلفها في صمت، حتى كسر هذا الهدوء صوت سيارة تقترب من المكان، فظهرت الابتسامة على وجهيهما وتحركا سريعًا نحو مصدر الصوت. بعد لحظات قليلة، وجدوا أنفسهم على طريق، لكن لم تكن هناك أي وسيلة مواصلات، حيث كان الطريق يمر عبر الغابة. جلسوا بجانب الطريق على أمل أن يمر شخص ما لمساعدتهم. في تلك الأثناء، سمعوا صوت هدير يقترب، فانتبهوا بسرعة وترقبوا شاحنة تقترب منهم. أشار يونس بيده للشاحنة لتقف، بينما عادت تقى إلى الوراء بخوف. وعندما اقتربت الشاحنة، توقفت فجأة، ونزل منها رجل في مقتبل العمر، بدت على ملامحه الخوف من منظر يونس، لكنه تمكن من استعادة رباطة جأشه وطرح تساؤلاً قائلاً:
إنت مين وبتعمل إيه في الغابة الكبيرة دي؟ الغابة فيها خطر كبير. على الأقل خاف على البنت اللي معاك ..
أجاب يونس بتعب واضح، فقد تمكن منه الألم ولم يعد بإمكانه التحمل:
_ لوسمحت خرجنا من هنا إحنا كنا مخطوفين ممكن تأخذنا معاك على المدينة؟
على الرغم من شعور الرجل بالخوف والرهبة، إلا أنه أبدى تعاطفه مع حالة تقى، وطلب منهم أن يتقدموا. في بادئ الأمر، خافت تقى، لكن يونس تمكن من إقناعها قائلاً:
_ تقى يلا تعالي إنتي قوية ماتخافيش من حاجة لازم نطلع معاه علشان ماحدش يمسكنا ونرجع للعذاب من تاني. يلا.”
بعد فترة من الزمن، وافقت تقى على الصعود إلى الشاحنة برفقته، فانطلقوا معاً استرعى يونس نفساً عميقاً، ثم أمال رأسه إلى الخلف وأغمض عينيه.
بعد مرور فترة طويلة، ولا يزال يونس مغمض العينين، شعرت تقى بقلقٍ كبير واحتارت في كيفية التصرف. بدأت العديد من الأفكار السلبية تدور في ذهنها، فتساءلت في خفاء إن كان يونس قد فارق الحياة، ولهذا لم يفتح عينيه. انتابها شعور بالصدمة، لكن سرعان ما خطرت لها فكرة، فاتخذت قرارًا بتنفيذها. نزعت حذاءها من قدمها، وبيدين مرتجفتين، اقتربت من يونس وضربته بقوة. عندها انتفض فجأة صارخًا بفزع، في حين اتسعت عينا تقى بذهول.
أمسك يونس بذراعه متألماً وهو يستطلعها بنظرة مليئة بالدهشة من فعلتها ثم تحدث قائلاً:
_ مالك ياتقى؟ في حد يعمل اللي عملتيه دا ضربتيني ليه كنتي هتكسري ايدي ..
أشاحت إليه بنظرة جانبية وهي تعقد شفتيها، ثم انخفضت برأسها موجهة عينيها نحو الأرض. تنهد يونس وعاد إلى مكانه مستغربًا من تصرفاتها.
**********
استرجعت شهيرة ذكرياتها عن الأحداث التي مرت بها في الماضي، والتي كانت وراء هروبها يوم عقد قرانها. جلست بجوار مريم، وانهالت دموعها بينما قالت:
_ أنا هربت غصب عني ياحسام يومها عرفت إن عمر خطف ماما وطلب مني إني أسافر لهناك ولا هيقتلها ..
شعر حسام بقلق وغضب شديدين بسبب المدعو عمر، بالإضافة إلى استيائه من عدم إبلاغها له. كما أثار تساؤلاته هدوء عائلته، مما يوحي بأنهم كانوا على دراية بالأمر. تحدث بغضب قائلاً:
_ طب ليه ماقولتليش ياشهيرة وإنتوا كنتوا عارفين صح اتكلم يابابا ..
حاول أحمد تهدئة حسام لكي لا يتعرض للأذى، فهو بحاجة إلى رعاية واهتمام، حيث أن الوقت والمكان غير مناسبين للنقاش. واقترب منه محاولًا إنهاء الموقف قائلاً:
_ حسام مش وقت كلام في الموضوع دا إنت لسه تعبان زينب خذي البنات وروحي ..
حاولت زينب التحدث، لكن أحمد أوقفها بإشارة من يده، مما أضفى صمتًا على الأجواء. كان حسام ينظر إلى شهيرة بحزن مختلط بالغضب، حيث كانت نظراته تحمل لومًا وعتابًا. لم تستطع شهيرة تحمل الموقف أكثر من ذلك، فركضت خارجًا ودموعها تتساقط على وجنتيها. تنهد أحمد بحزن نتيجة كل ما يجري، ثم توجه بالكلام إلى مريم قائلاً:
_ مريم روحي وراها ماتسبيهاش لوحدها زينب روحي معاهم أنا هروح أدور على يونس ..
غادر الجميع تاركين حسام في صراع داخلي عنيف، حيث كان يتوعد لذاك المدعو عمر الذي حرمَه من الفتاة التي أحبها، والتي كان ينوي الاجتماع بها في إطار الحلال. كانت لديه أحلام عديدة معها، ولكن تلك الأحلام انهارت في لحظة. حاول تحريك قدمه، لكنه عجز عن ذلك، فأعاد رأسه إلى الوراء متنهداً بألم، حتى أن دخوله الطبيب أنشله من تفكيره :
_ حمدلله على سلامتك ماتزعلش فترة وهتعدي أنا عارف إنه هيبقى صعب عليك إنك تمشي برجل واحدة ..
نزلت كلمات الطبيب كخنجر حاد في قلب حسام، حيث اتسعت عيناه من هول الصدمة كيف يمكن أن يُحرم من القدرة على المشي على قدميه؟ هل ما سمعه حقيقة أم إنه مجرد وهم ناتج عن التعب؟ أخذ نفسًا عميقًا وصرخ قائلاً:
_ دكتور إنت بتقول إيه ؟ إنت متأكد من اللي بتقولوا إزاي يعني مش هقدر أمشي على رجلي من ثاني ..
أجاب الطبيب بطمأنينة قائلاً:
_ إطمن مع العلاج هتقدر تمشي عليها من تاني بإذن الله بس الموضوع محتاج وقت طويل ..
أنهى الطيب حديثه، ثم قام بفحص حسام، مغادراً بعد ذلك ليتركه غارقاً في دوامة أفكاره. يدعو أن يخرج من محنته سالماً، له يقيناً بأن الله قادر على كل شيء.
************
جلست تبكي في ركن الغرفة منذ أن حلت في هذا المنزل. فقد أُخذت ابنتها منها، واضطُرت لتنفيذ جميع أوامرهم لضمان حياة ابنتها. حتى طعامها تناولته رغماً عنها، وارتدت الملابس بالقوة تملّكها شعور بالضيق وانهمرت دموعها، فقد استنفدت قواها وصبرها على التحمل. نهضت من مكانها ودخلت الحمام حيث توضأت. ثم أخذت قطعة قماش فردتها على الأرض وأديت الصلاة ودموعها تتساقط بغزارة. وبعد انتهائها من الصلاة، رفعت يديها إلى الله، متضرعةً له، فهو الوحيد القادر على الرؤية والسماع والقدرة على كل شيء. أطلقت همسة منخفضة قائلة:
“هونها عليا يارب ..لقد ضاقت بي الدنيا، ولا ملجأ إلا إليك، فزدني صبرًا ! ربي لقد أصابني من التعب ما يكفيني، و ما رأيت ثقلًا علي قلبي مثل ثقل هذه الأيام اللهُمَّ هَون .. ثُم هَون .. ثُم هَون .. ثُم أَرِح نَفْساً لا يَعلمُ بِحَالِهَا إلَّا أَنتَ، وهون علينا ما لا نستطيع تحمله يا الله.”
أنهت دعاءها وجففت دموعها، ثم عادت إلى مكانها. وفجأة، سمعت صوت صراخ مألوف؛ إنه صوت ابنتها. نهضت من مكانها بهلع واندفعت نحو الباب، فتحته بسرعة وخرجت تبحث عن مصدر الصوت. فجأة، لاحظت قطرات صغيرة من الدم على الأرض، فتبعته حتى وصلت إلى إحدى الغرف. وما إن دخلت، حتى تجمدت قدماها وفتحت فمها في صدمة.
*********
بمجرد وصولهم إلى المنزل، جلس كل فرد في صمت، منشغلًا بأفكاره القاسية. كان من بينهم القلق والحزن، حيث خاض كل منهم معركته بشكل فردي. وضعت شهيرة رأسها بين يديها وشعرت بالاختناق، وكأن الهواء قد سُحب من حولها. لم يكن عقلها يتوقف عن التفكير في الماضي، حيث استرجع الألم ذكريات مؤلمة كانت تُمزق قلبها إربًا، وتحطم سكونها.شعرت بيد تربت على كتفها برفق، وعندما رفعت رأسها، وجدت زينب إلى جانبها. مررت يدها المرتعشة على وجهها، وتحدثت بحزن قائلة:
_ ليه ماقولتوش لحسام عن سبب هروبي من هنا حسام بقى يكرهني ..
أدركت زينب أنها ارتكبت خطأً عندما أخفت عن ابنها سبب هروب شهيرة، ومع ذلك لم يكن لديها خيار سوى إخفاء ذلك عنه لتجنب وقوعه في ورطة أكبر. تنهدت ثم قالت:
_ مكنش عندي حل تاني لو كنت قولتلو أكيد كان قتل عمر ودخل السجن أنا عارفه حسام متهور ..
توقف حديثهم فجأة إثر طرقات قوية على الباب، مما جعلهم ينتفضون. أشارت لهم زينب بالتزام الصمت، ثم توجهت نحو الباب وفتحته ببطء. وما إن رأت الطارق حتى صرخت بصوت عالي قائلة:
_ يونس،يونس!
أصيبت بنوبة هلع عندما رأت جسد يونس الملطخ بالدماء وحالته المزرية التي تعكس شدة التعب. اندفعت نحوه واحتضنته بقوة، وهي تُبكي بحرقة، وقد أرتفع صوت شهقاتها. بينما ركضت الفتيات نحوها، استجابت مريم لصراخها، والتحقت بشقيقها ووالدتها، حيث احتضنوه جميعًا باكيين. تأوه يونس من الألم، و هتف مازحاً وقال:
_ أنا كويس إبعدي شوية كسرتي عظامي يامريومه أنا كويس ..
ابتعدت مريم عنه وضربت ذراعه برفق، وهي تبدو عابسة. ضحك على تصرفها الطفولي ثم تقدم إلى الداخل بينما كانت والدته تمسك بيده. ألقت التحية على شهيرة ثم دخلوا. جلس على أقرب مقعد بتعب، فنظرت زينب إلى مريم وقالت:
_ بسرعه هاتي علبة الاسعافات علشان أنظف الجرح واطلعي جهزي له هدوم نظيفة و أكل ..
بمجرد أن أنهت زينب حديثها، أسرعت مريم وعادت بعد فترة قصيرة تحمل علبة الإسعافات الأولية، وضعتها أمام والدتها، ثم صعدت إلى غرفة شقيقها وتبعتْها شهيرة. بدأت زينب في معالجة جروح ذراعيه، وفجأة انتفض من مكانه حين تذكر تقى؛ وأخذ يلتفت حوله في ارتباك، ثم قال بصدمة متسائلاً:
_ تقى فين ياماما ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية من أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى