رواية منك وإليك اهتديت الفصل الرابع 4 بقلم زيزي محمد
رواية منك وإليك اهتديت الجزء الرابع
رواية منك وإليك اهتديت البارت الرابع
رواية منك وإليك اهتديت الحلقة الرابعة
جف حلق “زيدان ” مفكرًا في سبب اتصال “ميرڤت” المفاجئ وراح عقله ينير له سوء نيتها، والإشارة في ذلك هو صوت والدته الحانق:
-خير إيه يا حبيبتي اللي متصلة عليا فيه، هو أنتي هيجي منك خير أصلاً.
أغمض جفونه في قلق وتخيل رد فعل عائلته على خطبته السرية، حتمًا ستصيبهم صاعقة من فرط حماقته.
-صوتك عمره كان خير يا ميرڤت.
قالتها “منال” في عصبية، بينما تحفز جسد يزن وهو يتابع والدته الغاضبة من عمته، التي بالتأكيد لم تصمت حتى الآن وما زالت تبث سمومها لوالدته، فأشار إليها بإغلاق الهاتف ولكنها أبت واستكملت الاتصال وهي تتوهج بشرارة الغضب والكرة:
-لا متتصليش ولا تسألي اللي كان رابطنا بيكي مات خلاص.
نهض “زيدان” حينها وجذب الهاتف من يدها القابضة عليه، وأغلق الاتصال فصاحت والدته بضيق عارم:
-كنت سيبني أربي الحربا.ية دي.
وضع الهاتف وهو يتمتم بضيق مماثل:
-مالوش لزمة يا ماما خلاص، احنا قطعنا معاها من زمان.
أكد “يزن” على حديثه بجدية:
-صح، وبعدين تلاقيها هتموت من اللي عملوا فيها سليم بس.
عادت البسمة تحلق فوق شفتيها وردت في فخر وانتصار:
-والله ما حد ريحني إلا هو، زمانها محروقة منه، هو طول عمره سليم ابني مجننها.
انسحب “زيدان” من محادثتهما ودخل غرفته ينفث عن غضبه الشديد من ضغط “ميرڤت” عليه في مساعدته لحل قضية زوجها وابنها وهذا بالطبع لن يحدث أبدًا، ولن يخون مهنته حتى لو كان أخر نفس لديه، فليذهبا إلى الجحيم وعلى رأسهم رأس الأفعى المدمر لحياته عمته، أما نهى فلا ذنب لها في كل ذلك، سوى أن العاطفة لغت عقلها.
دفع نفسه نحو فراشه، يتوسط الوسائد المرصوصة، يدفن وجهه بها متنهدًا بقلة حيلة بعدما فشل في الافلات من عقبة نهى وأصبح متورطًا بشكل أثر على حياته بطريقة سلبية.
حاول نفض الافكار السلبية بعيدًا عنه، والعودة حيث الصباح حين التقى بحب حياته بعد غياب لسنوات أرهقت بها عقله من كثرة التفكير بها وأشعلت نيران الاشتياق بقلبه الطالب بعودتها.
قضى الليل بأكمله في التفكير بها وتذكر لحظة لقائهما، وبالطبع لن ينسى صورهما معًا التي احتفظ بها في حاسوبه في سرية تامة، كلما شعر بالاشتياق يعود إليها كالشريد.
***
صباحًا بشقة “خالد”
فرق” خالد” جفنيه بصعوبة باحثًا عن أي ذرة نشاط للقيام بمهامه قبل الذهاب لعمله، ولكن لا زالت أثار النوم متعلقة بعينيه، وجسده يقاوم الاستيقاظ متشبثًا بفراشه لأخذ قسط أخر لعله يفيده لو بقليل.
أخيرًا نفض الكسل عنه ونهض بوجوم يتحرك بصعوبة نحو المرحاض لأخذ حمامًا باردًا ينعش به جسده قبل انطلاق معركة التنظيف اليومية.
وبالفعل بعد مرور عدة دقائق خرج من المرحاض متوجهًا نحو المطبخ يلملم قطع الثياب الملقاة أرضًا ويضعها في آلة التنظيف، ومن بعدها اتجه نحو إبريق الشاي يصنع له كوب شاي ساخن يهدأ به نفسه الثائرة والطالبة بقتل خاله وابنه على قلة نظافتهما.
التقطت أذنيه صوت” سمير” الخامل:
-اعملي كوباية شاي معاك يا خالد.
ومن بعدها دخل المرحاض دون أن ينتظر رده وكأنه أصبح مجبرًا على القيام بأمورٍ ليست من اختصاصه والغريب أن ذلك المستفز يطلبها بكل وقاحة، فتمتم بكره:
-تنزل في زورك تحرقك وتموت فيها…
لم يكمل جملته بسبب صوت صياح عال انطلق من الصالة ليخترق أذنيه وكان واضحًا فيه كالعادة شجار خاله مع زوجته:
-يعني إيه يا ميرڤت البت مش راضية تطلب منه امال هي مخطوبة له ليه.
تحرك “إبراهيم” نحو المطبخ وهو يزفر ويطلق الألفاظ البذيئة لابنته ومن بعدها قال:
-هدديها لو مطلبتش منه كده وهو ساعدها هنفسخ الخطوبة واسيبها تموت بحرقتها.
توسعت أعين خالد من وقاحة خاله، ولكنه التزم الصمت في حين خرج “سمير” من المرحاض يقول في حدة ونبرة عالية كي تصل لوالدته:
-خليها تنجز، احنا مش عارفين ننزل مصر.
أغلق” إبراهيم” الهاتف وهو يزفر بحنق شديد متمتمًا بضيق:
-بت خايبة مفيش منها فايدة.
تشجع “خالد” بحماس وتدخل قائلاً:
-يا خالي لو محتاج تنزلوا مصر أنا عندي استعداد اخلص الاجراءات كلها متقلقش، ومش هدفعك أي فلوس.
رفع”سمير” عينيه ساخرًا:
-ننزل بس ازاي يا عم واحنا علينا قضية في مصر.
ترسب الذهول لجزء كبير من ملامح” خالد” وحول بصره نحو خاله الذي كذب عليه من قبل واختلق حجة حول سبب تركه لمصر وهو شغفه في إقامة عدة مشاريع في قطر لكسب الكثير من المال وهو صدقه بالفعل حين صدق على كلامه بخسارته لأمواله لذل لجأ إليه للمكوث في شقته.
تدارك “إبراهيم” الوضع سريعًا بعد أن خص ابنه بنظرة حادة متوعدة بعد زلة لسانه تلك، وسارع في التحدث مبررًا:
-مكناش نعرف، عرفنا بعد ما سافرنا ان في قضية علينا، ربنا يجازيه اللي كان السبب فيها، احنا ممظلومي يا بني والله.
بدأ “سمير” في مساندة والده بنبرة ظهر بها التوتر:
-وعشان كده كنا بنطلب من نهى انها تكلم ابن خالي زيدان يشوفلنا حل.
فابتسم “إبراهيم” بتوتر هو الأخر وأكمل:
-أصل نهى اتخطبت لزيدان، مش عارف فاكره أنت ولا لا.
حرك رأسه بإيجاب والتزم الصمت، بينما تحركت عدستيه يشملهما في نظرات قوية، محاولاً استكشاف سرهما، فواصل “إبراهيم” في قلق من رد فعل:
-شوفت خالك المصايب نازلة ترف عليه ازاي.
أخيرًا خرج صوته متسائلاً بنبرة غامضة أقلقت كليهما:
-هي مراتك يا خالي مبتشوفش محامي ليه، ولو أنتوا مظلومين أكيد هتطلعوا براءة بسرعة.
-بـ… بتشوف يا ابني بس الفلوس مقصرة امال أنا مخبي عليها ليه إننا قاعدين عندك.
وقبل أن يرد، جاءه صوت “سمير” الحانق الساخر:
-دي تقيم علينا الحد ولو عرفت اننا خسرنا أخر فلوس معانا.
لم يعجب الوضع “خالد” وأحس بالارتياب من وجودهما، ولكنه لم يمتلك قدرة على طردهما لذا قرر الصمت لفترة قبل أن يفتح خاله في عدم قدرته على تحمل ذلك الوضع.
خرج “إبراهيم” وهو يطرق كف على الأخر بغضب وفي ذات الوقت صوته الغاضب يملئ المكان:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا نهى.
انتظر خروج خاله ودخوله غرفته فاقترب من سمير في مكر واستغل حالة التيه التي تلبسته وسأله بنبرة عادية:
-وهي نهى رافضة تقول لخطيبها ليه؟
-أصلها خايفة تخسره، بت خايبة دماغها لسعت من كتر حبها فيه، أنت عارف عملت إيه أصلاً عشان الخطوبة دي تتم.
سأله بعينيه في صمت فاقترب”سمير” بعد إشارة الفضول التي غزت عيون “خالد” ومال بجسده نحو أذنه هامسًا بكلمة واحدة، فجرت الصدمة على وجه “خالد” غير مصدقٍ جرأة ابنة خاله، وتخليها عن كرامتها، تابع “سمير” حديثه وكأن صنبور حياتهم كسر وصب ما داخله في حذر على هيئة ثرثرة ببعض الأمور الخاصة بهم وبـ نهى تحديدًا، فكانت تلك هي أول مرة يصيبه الفضول حولهم، واستمع باهتمام وتركيز حتى انتهى “سمير” قائلاً بحقد:
-وبس سليم ابن خالي هو اللي عمل فينا كده، الله يجحمه..أنا رايح اغير هدومي.
غادر “سمير” تحت نظرات الاستياء المنبثقة من عدستي “خالد” فقال بصوت خافت يشوبه الامتعاض:
-الله يجحمكوا أنتوا يا ولاد*****، إيه العيلة دي.
***
بمعرض السيارات الخاص بـ يزن..
دخل “زيدان” في خطوات بطيئة يراقب أولاً الوضع بمكتب أخيه قبل الدخول، ولأول مرة لم يجد فتاة معه، فهمس بتعجب:
-معقولة!
دخل” زيدان” غرفة المكتب فوجده ينظر في هاتفه والضيق يرسم إماراته على وجهه، تحرك “زيدان” أكثر ناحيته ونظر في هاتفه، وجد مقطع مصور عادي لبعض الفتيات يتفاعلن مع مغنى شهير في أغنية حزينة، لم يستطع الصمت كثيرًا وسأل أخيه بقلق:
-مالك يا يزن، مضايق ليه كدا.
-مش عارف ولاد الكلب بيعملوا ليه كدا في نعمة ربنا، دي كلها بنات حلوة معقدة.
قالها يزن في سخط شديد، فرفع زيدان يده وحثه شعور قوي بضرب أخيه كي يستفيق ولكنه تراجع وسأله باستنكار:
-أنت زعلان بجد عشان كدا.
أغلق الهاتف وهو يؤكد بإصرار:
-طبعًا يا ابني دول نعمة ربنا، ينفع نزعلهم بذمتك.
رسم “زيدان” علامات البرود على وجهه ووافق على حديث أخيه:
-تصدق فعلاً، أكتر حاجة بتعجبني فيك إنك مقدر النعمة.
-أبقى غبي لو مقدرتهاش.
تحرك “زيدان” نحو الكرسي المقابل للمكتب وجلس عليه بينما خرج صوته يتساءل في خبث:
– أنا حابب أستفيد من خبرتك بتعمل إيه مع واحدة مزنقة معاك؟
-بزنق عليها أنا.
-ازاي؟
سأله زيدان بفضول وحماس، فأشار يزن نحو الباب وهمس بمزاح:
-بزنقها ورا الباب ده وببوسها.
كان حديثه يغلب عليه المزاح لعلمه أن عائلته لن تراه سوى الفاشل حبيب الفتيات، فإن كانت سمعته سيئة سيجعلها أكثر سوءًا وقد ظهر ذلك جليًا على “زيدان” المصدوم والذي قال بصرامة مفرطة:
-تصدق بالله أنا هبيتك في القسم النهاردا.
حرك “يزن” يده بلامبالاة وأردف:
-خلاص يا عم أنت زعلان من خبراتي مش هقولك حاجة تاني.
-دي خبرات وقحة، اخلص يا عم قول بتعمل إيه مع واحدة معصلجة معاك.
-غير إن أنا ببوسها.
أمسك “زيدان” مجموعة أقلام ودفعها بوجهه مرة واحدة والامتعاض يخالط نبرته:
– تصدق أنا راجل مهزأ عشان أجي وأسالك على حاجة.
نهض على الفور وكاد أن يخرج تحت نظرات “يزن” المتعجبة من عصبيته، فسأل بصوت عالي جعله يقف على أعتاب الباب في حرج:
-مش عيب على طولك وهيبتك لما في واحدة تعصلج معاك.
التفت “زيدان” يرمقه بنصف عين قبل أن يقول ببرود:
-لا طبعًا أنا مفيش واحدة تقدر تقولي لا.
فضحك” يزن” وتحرك بكرسيه في فخر:
-لو عايز أي مساعدة قولي مين هي وأنا هخلص الموضوع في ثواني.
تمتم “زيدان” بسخرية بصوت لم يصل لأخيه:
-دا أنا أبقى راجل عبيط لو عملت كدا.
أكمل خطواته للخارج وترك يزن ينظر في أثره بتسلية والابتسامة على ثغره:
-شكل الجلنف بيحب.
***
أشارت” مليكة ” لأتوبيس” النقل العام كي يقف، واستطاعت الجلوس أخيرًا في أخر مقعد بعد عناء في الصعود والابتعاد عن الزحام، وبذلك أمنت لنفسها طريق سهل وادخرت مالاً يكفيها لغد، حيث قررت ألا تزيد عبء فوق زوج والدتها السيد” مصطفى” فيكفي شهامته حتى الآن معها، ومشاعره الصافية النبيلة، وكرمه اللامتناهي عليها خصيصًا، لن تنسى قط مشاعرها حين توفت والدتها واستمعت لبعض الجيران يسألونه بفضول حول وضعها معه، وتذكرت جيدًا كيف رفض حديثهم، وصاح مستنكرًا لجحود قلوبهم، فكيف يطالبونه بتركها وحدها تصارع الحياة دون مأوى، دون سند يحميها إلى جانب مشاعر الأبوة التي تملكت منه وعززها بفرض حماية خاصة حولها، فارضًا أسواره العالية عليها في ظل أوقات كانت كالهرة الأليفة تخشى الناس والعالم بأجمعه.
تنهدت” مليكة” بحزن وعادت ذكرياتها الأليمة تتربع عرش ذاكرتها، فحاولت الفرار منها قبل أن تسلم نفسها وتنهار باكية وسط الركاب تتلقى الشفقة من نظراتهم.
فتحت حقيبتها بتروٍ، تخرج خبز شهي، أصر السيد” مصطفى” على تجهيزه ووضعه بحقيبتها كي تستكمل طعامها بوسيلة النقل، رفعته لثغرها وقضمت قطعة صغيرة تأكلها في صمت، تتابع الطرق بفقدان شغف أصابها في تلك اللحظة، ولكنه لم يدم طويلاً بسبب رؤيتها لبعض سيارات الشرطة الواقفة في أحد جوانب الطريق، تذكرت على الفور “زيدان” وتوردت وجنتيها خجلاً واشتاقت لرؤيته مرة ثانية، حيث كان لقائها به من الاحلام التي كانت تهاجمهما من حين لآخر، تشعل قلبها الغض بنيران فراقه، وتوحش صدرها بظلمة بعد أن انفصلا في لحظة عصبية لم تتوقع تركه لها بهذه السهولة.
زفرت بهدوء وهي تريح رأسها على المقعد الأمامي، وتوجه بصرها نحو الزجاج المطل على الطرق المليئة بسيارات الشرطة، يبدو أنه لا فرار من ذكرياتهما معًا ومن أهم ذكرى لها مرت في ومضة سريعة حين قابلته للمرة الثانية…
**
تحركت “مليكة” بخطوات واسعة نحو بوابة الأمن وتحديدًا نحو الضابط الذي أصر على احتفاظه ببطاقتها مبررًا لها بأنها ليست سوى إجراءات أمنية فقط.
توقفت على بُعد منه هو وزملائه وأشارت بيدها في خفه تنتظر قدومه، في البداية تجاهلها ورسم اللامبالاة فوق ملامحه، فاستفزها وعادت تشير مرة أخرى والحدة تقسو ملامحها.
نهض” زيدان” بتكاسل شديد، وتوجه نحوها في خطوات بطيئة جعلتها ترفع أحد حاجبيها لأسلوبه وكأنها تسعى للقائه، توقف بمقابلها مثبتًا عينيه عليها وهو يقول في برود مصطنع:
-نعم؟ عايزاني أنا.
ظهرت البلاهة على وجهها بسبب حديثه البارد وكأنه لا يعرفها، ولكنها ردت بعفوية:
-حضرتك أنا اللي أخدت منها البطاقة امبارح.
-مش فاكر.
رد ببساطة، جعلت من عينيها تتوسع بشكل كبير غير مصدقة ما يقوله فقالت سريعًا:
-لحقت تنسى دا كان امبارح، بإمارة ما كنت الوحيدة اللي أخدت منها البطاقة.
ضيق عينيه محاولاً التذكر وقد بدا لها ذلك أمر غريب:
-كمان الوحيدة، دا أنتي شكلك حد خطير جدًا.
تمتمت بالاستغفار وهي تحاول كظم غيظها كي لا تنفجر في وجهه، فعادت تخرج نبرتها هادئة تخفي خلفها غضب يهدد بالانفجار:
-لو سمحت هات البطاقة.
ما زالت نبرة البرود تسيطر على صوته فأغاظها كثيرًا وهو يضع يده في جيبه يخرج عدة بطاقات:
-اسمك إيه؟
-يفرق في إيه اسمي والجثة موجودة قدامك.
قالتها في حنق شديد ظهر جليًا لزيدان الذي رفع عينيه المستنكرة مزاحها الشرس:
-ما هو أوقات الشكل اللي في الحقيقة غير اللي في البطاقة، يعني مثلاً يا مليكة عينك في البطاقة لونها أسود…
صمت لبرهة قبل أن تتحول نبرته الجامدة لأخرى عابثة تصاحبها نظرة إعجاب فجرت الخجل بوجنتيها:
-واللي قدامي دي عيون غزال.
جذبت البطاقة من بين أصابعه بعدما غرق كالأحمق في شهد العسل النابع من عينيها، فقد كان يقسم على أنهما يمتلكان سحر خاص يأسر الناظر بهما للأبد.
انتبه على اقترابه منه حيث مالت برأسها لأمام قليلاً وهتفت بنبرة يغزوها الشر:
-طب حاسب أحسن أصل الغزال أوقات بيبقى خطر.
أنهت حديثها وتحركت نحو البوابة قبل أن يتحدث فتحرك خلفها ورمى بكلماته قبل أن تدخل وسط تجمع الطلاب:
-غزال اه بس شرس.
كتمت ابتسامتها في ظل التأمين وبعدما خطت لداخل الجامعة، سمحت لبسمة تحتل محياها إعجاب بشخصيته الغريبة، وفكرت أن سبب استحواذه على بطاقتها هو لغرض خاص به، وحين آل عقلها لذلك ابتسمت بخجل وإعجاب لم يدم طويلاً حيث نهرت نفسها موبخه:
-اتلمي يا مليكة عيب.
تحرت خطوة لأمام ولكنها توقفت عندما صدح صوت داخلها يعرض لعبة سخيفة وبذات الوقت أعجبتها، ان استدارت ورأته ينظر لها بالفعل يصدق حدسها وأن كان غير متواجد ستكون مجرد تهيئات ساذجة، شجعت نفسها قائلة بهمس:
-وماله ما جرب.
جذبت نفس طويل تهدأ به نفسها قبل أن تلتفت وحركت جسدها ببطء وكأنها عروس خشبي تتحرك بحذر، بالفعل وجدته يقف على بُعد مسافة يراقبها باهتمام، فتقابلت أعينهما في لحظة جعلت كلاً منهما يبتسم للأخر، وتلك كانت شرارة حبهما، رغم سذاجة الوضع بينهما.
**
عادت “مليكة” من شرودها على صوت السائق ينادي بصوت عال باسم المحطة، لملمت أشيائها سريعًا وتركت مشاعرها المبعثرة لوقت أخر، فكانت تعلم جيدًا أن عادت ذكرياتهما معًا لن تعود لطبيعتها أبدًا.
سارت في طريق قصير تختصر المسافة كي تصل للمشفى، تستقبل يوم جديد مليء بالأحداث التي حتمًا ستكون لها أثر كبير في نسيانه وعودتها لِمَ أقلمت نفسها عليها لأعوام.
يبدو أن قلبها أعلن عصيانه وتشبث بالنور الذي ظهر بعد لقائه في المشفى، لذا خيل لها صوت بجانبها فضحكت بحماقة على نفسها ولكن نفس الصوت تكرر بنبرة أقوى جعلتها تقف وتستدير ببطء، فرأته هو بكامل هيبته في سيارته الواقفة بجانبها يشير لها بالصعود:
-مليكة، تعالي اركبي.
ابتلعت لعابها عندما اصطدمت بواقع وجوده بالفعل، وهتفت في نبرة مرتجفة:
-لا مش هركب معاك.
أوقف السيارة نهائيًا وهبط منها سريعًا قبل أن تهرب منه، فقال وهو يقف أمامها مباشرةً:
-ليه ما أنتي كنتي بتركبي معايا زمان.
ظهر الندم في كلماتها الخافتة:
-غلطة ومش هكررها تاني.
ضاقت عيناه باستنكار، فخرجت حروفه تحوي على غلظة:
-أنتي ليه محسساني إن أنا اللي غدرت بيكي، مع إنك أنتي اللي سيبتيني.
رمشت بأهدابها تحافظ على وجود دموعها داخل مقلتيها الحزينة:
-بلاش تفتح في الماضي يا زيدان، عشان لو النقاش ده اتفتح هتطلع أنت الوحيد الخسران فيه.
فتح فمه وكاد يفتح في جراحٍ حاولت هي معالجتها بمرور الزمن، فرفضت بإصرار:
-قولتلك بلاش.
تركته وأكملت خطاها للأمام في خطوات سريعة متمنية ألا يلاحقها.
وهو بالفعل لن يلاحقها خاصةً بعد حزن عينيها، فقرر ترك مساحة كافية تستعيد بها رابطة جأشها قبل أن يعود لها غدًا ويحاول معها من جديد.
***
مسحت “مليكة” دموعها قبل أن تدخل للمشفى وارتدت قناع الهدوء رغم غليان مشاعرها بسبب جراح حفرت بروحها المنكسرة.
استمعت لصوت إحدى الممرضات تركض نحوها وهي تردف:
-دكتورة مليكة، دكتور ماجد عايزك.
ظهر الاشمئزاز بكلماتها وهي تقول:
-قوليله مش فاضية.
ومن بعدها تحركت صوب غرفة تبديل الثياب، دخلت وهي تزفر بحنق وتمتم ببعض الكلمات النارية:
-هو يوم أسود، إيه القرف ده.
ألقت الحقيبة بكل قوة فوق المكتب، ولكنها صاحت بفزع عندما استمعت لصوت”ماجد” من خلفها:
-اهدي بس يا دكتورة متعصبة ليه.
انتفضت بغضب وصاحت به في صوت عالي حيث تخطى جميع حدوده ولن تصمت على أفعاله بعد ذلك:
-انت ازاي تدخل هنا، إيه الجنان دا، اتفضل اطلع برة.
عقد ذراعيه وبسمة شيطانية ارتفعت لشفتيه:
-وان مطلعتش هتعملي إيه؟
-أنا هعملك فضيحة فوق في الإدارة.
تركته وحده بالغرفة وخرجت وقبل أن تغلق الباب قال بنبرة ساخرة يخالطها التشفي:
-بصي بس الاول على الواتس بتاعك، عشان الفضيحة مش هتكون لوحدي.
تركت الباب مواربًا ورفعت هاتفها في قلق من نظرة التهديد الملوحة لها، فتحت التطبيق ويا ليتها لم تفتحه، أي كارثة تراها الآن، أي مصيبة ستلاحق شرفها وسمعتها حتى الممات، هوى قلبها لسابع أرض، وتحطمت بعد أن رأت صور مفبركة لمحادثات لها معه بكلام بذيء والاقوى أن المحادثات تحوي على بعض الصور لها بشعرها ولكنه على جسد امرأة أخرى شبة عارية.
تسربت الدماء من جسدها وترنح عقلها يمينًا ويسارًا وهي ترى فضيحتها أمامها، رفعت عينيها تنظر له في صدمة لم تتوقع وقاحته لهذا الحد، وقد ضاق بها المكان حيث شعرت وكأنه جدرانه تنطبق عليها تزهق روحها بعد أن زُجت في وحل دائرته في لحظة لم ولن تتوقعها.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية منك وإليك اهتديت)