روايات

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثالث عشر 13 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثالث عشر 13 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الجزء الثالث عشر

رواية منك وإليك اهتديت البارت الثالث عشر

رواية منك وإليك اهتديت
رواية منك وإليك اهتديت

رواية منك وإليك اهتديت الحلقة الثالثة عشر

-تمام، سلميلي عليهم.
أغلق سليم الاتصال مع والدته، وفور اغلاقه زفر بهدوء مفكرًا في سبب غياب زيدان عن ذلك الاتصال تحديدًا، شاعرًا بحزن طفيف بسبب تجاهل زيدان له فمثل هذا الخبر كان يجيب أن يكون عن طريقه هو وليست والدته، تكاثرت الأسئلة بعقله وأصبح ذهنه منصبًا بكامل طاقته حول زيدان، ولكن انبثق شعاع طفيف من بين ظلمة أفكاره يمهد بتبريرات لزيدان ولكن السؤال الأهم ظل يراوده لِمَ اختار والدته تحديدًا؟
انتبه على لمسات شمس الجالسة بجانبه تركز ببصرها عليه وكأنها ساحرة تخترق دواخله تسلب ما في أعماقه بكل سهولة! رمى لها ابتسامة صغيرة كانت تعلم أنها ليست سوى بسمة مجاملة تمهيدًا لهروب طفولي من حصار بدأت في فرضه حوله.
-مالك يا سولي؟
همست بها بنبرة مبحوحة اثر غفلة هاجمتها دون إرادة منها فقد كانت هي الشعار الرسمي طوال شهور الحمل، حيث استيقظت بأعجوبة بسبب صوت سليم الذي اخترق منامها وهو يحادث والدته بشأن خطبة زيدان، وما زادها تعجب أو ربما أشعل فتيل الانتباه هو تذمر سليم وانهائه للحديث بأمر لا جدال فيه.
-لو بطلتي تقولي الكلمة دي، صدقيني هرتاح.
رسمت نفس البسمة الصغيرة وهي تعتدل بجسدها نحوه تقترب من عنقه تداعب بأناملها تفاحة آدم صعودًا وهبوطًا في وتيرة بطيئة فألهبت صدره بنيران الاشتياق لها وتحديدًا أنه يحاول الالتزام بكل القواعد الطبية لأجلها فقط وأجل سلامتها.
-لو بطلت اقولها هتندم صدقني.
أخبرته في دلال أصبح يتوق له ولكنه رد بخشونة امتزج بها المزاح:
-محدش هيندم قدك على فكرة!
كان مغزى حديثه وقح فضحكت بصوت عالي وكأنها اكتسبت نضج وأنوثة أصبحت تدرك مدى طاقتها وتجيد استخدامها ضده.
-بقيت زي أنس لما بتحب تهرب من حاجة..
قطع جملتها وعبس بملامحه الوسيمة مشيرًا نحو نفسه في استهجان اختلط بالعبوس المسيطر على ملامحه:
-لا متوصلش انك تشبهيني بتصرفات أنس، متنسيش أنا مين؟
رباه هل ولد هكذا بتلك العجرفة المتأصلة في ردود افعاله؟!، انها حقًا لا تعلم سر كبريائه ولكنها ودون شعور منها أصبحت تعشقه على هذا المنوال، كتمت تعجبها منه لطالما تعودت على اعتزازه بنفسه وبذكائه وشخصيته الفريدة وردت بمشاكسة:
-سليم باشا الشعراوي صح؟
-بتسألي ولا بتتريقي؟!
رد بسؤال مباشر به لمحة من العتاب الطفيف، فكانت اذكى منه وهي تنسل من حصار سؤاله المباشر بإجابة تضعه في معقل فضولها:
-ليه زعلان من زيدان؟
رمقها بتعجب نجح فيه مردفًا:
-وهزعل منه ليه؟
حاوطت ذراعه تجذبه نحوها وهي تنظر في عمق عيناه مباشرةً ترفض هروبه منها وبنبرة انثوية حادة جعلته يبتسم:
-جاوب زعلان ليه من غير لف ودوران.
لم يعلم سر التغير الطفيف بعلاقتهما أهو السبب فيه أم هي، هل اختفت قدرته على كتمان مشاعره فباتت واضحة لها، أم أن شمس أخرجت جرأتها دفعة واحدة وأصبحت اكثر راحة في حصاره:
-معرفش، بس يمكن كنت مستني هو اللي يقولي على خبر زي دا.
أومأت بصمت لم يستمر طويلاً وعادت تطلق تبرير لا شك أنه هدأ من غضب سليم:
-كان المفروض يقولك فعلاً، بس زيدان مش كدا يمكن أنت متعرفوش وأنا معرفتي بيه أكتر هو مش زي يزن أكيد، بس دا اكيد مش تجاهل منه ليك بالعكس يمكن مش قادر ياخد خطوة انه مثلا يقولك انه نفسه يخطب وشايف ان فيها إحراج! بس الأكيد لا يمكن تجاهل أبدًا.
ترك لها مهمة التبرير ، فكان متعطشًا لمثل هذه التبريرات، لا يريد أن تضاف أمور جديدة فوق جراحه القديمة فتزيد الطين بلة، وهو ما زال يعاني منها حتى لو في صمت بعيدًا عن الجميع، بالإضافة أنه يرفض التخلي عن الراحة النسبية التي بدأ يشعر بها منذ مواجهته مع زيدان ومحاولات أخيه في عودة علاقتهما الأخوية إلى موضعها الطبيعي، ورغم أن المحاولات جميعها كانت من جانب زيدان حيث كان سليم يقف متابعًا وصول أخيه إليه كما يريده بالشكل الذي يريح ذاته بعد أن ذاق ويلات من الخذلان سواء منه أو من عائلته، وحينما حاول معهم تسوية أمورهم لم يجد طاقة لذلك، فاختار الانتظار واعتبره مكافئة بسيطة عما عاشه وحده وما فقده رغم عنه.
-سليم روحت فين؟
انتبه على صوتها المتسائل في قلق، فحمحم بخشونة مؤكدًا على حديثها:
-معاكي، فعلاً ممكن يكون كلامك صح.
خرجت منه إجابة ساذجة في محاولة لإنهاء الحديث عن زيدان، لطالما يحب دومًا التفكير مع نفسه دون تطفل برئ من شمس يقلب موازين تفكيره، وها هي مجددًا تتسلل لتفكيره وتسأله في براءة:
-وليه رفضت انه ياخد خطوة ويستناك لما تيجي الاول.
حول بصره نحوها متسائلاً في تهكم:
-وانتي كنتي مستنيه اقول غير كدا!
التزمت شمس الصمت في ظل احتدام انفاسه الضاربة لوجهها، فتابع حديثه بعنفوان:
-أنا اخوه الكبير مينفعش ياخد خطوة زي دي من غير ما يرجعلي، لازم اشوفه النسب واعرف البنت كويسة وتناسبه ولا لا.
-سليم هو مش بنت دا ولد وناضج كفاية على فكرة.
اندفع بجسده ينهض في غضب وكأنه يواجه زيدان:
-وأنا اخوه الكبير، أنا طول عمري بتحمل كل حاجة عشان خاطرهم، جاية في اكتر وقت بتمناه عايزة يبقا وجودي زي عدمه.
نهضت تحاول التوازن تواجه عنفوانه بتريث:
-مفيش حد قال كدا، وزيدان أكيد مش معترض أنا بس اللي استغربت.
-مينفعش تستغربي، أنا اخوهم الكبير اللي مكان ابوهم الله يرحمه، يعني لو زيدان خطب من غير ما ابوه مكنش دا هيبقا في حد ذاته قلة أدب.
توسعت عينيها في صدمة من انفعاله وودت أن تخبره أنه أمر بسيط ولكنها صمتت فيبدو أن يعاني من تعلق شديد تجاه اخويه حيث تولى مسؤوليتهما منذ صغره فحتى ابسط خطوات حياتهما يريد اقحام نفسه بها مبررًا أنه الاخ الاكبر ولا يصح تجاهله.
تركها سليم ودخل المطبخ تاركًا إياها تنظر في اثره لا تعلم ما خطأها حتى ينفعل عليها بهذا الشكل، تنهدت بقوة وقررت أن تتركه يهدأ قليلاً ثم تعاود الاعتذار له فيبدو أنها صوبت سكين مدبب في جرح قديم كان قد بدأ بالتلائم ولكنها بكل ساذجة ضربته بقوة ففتح من جديد والألم كان من نصيبه وحده..
***
أصاب الجنون زيدان الجالس أمام والدته ويزن، فهدر بهما في عنف:
-يعني إيه ماخدش أي خطوة الا لما يرجع، هو شايفني عيل ولا ايه؟
رمقته والدته في عتاب وقالت بنبرة غير راضية:
-اخوك الكبير ولازم نستناه أنا قولت كدا من الاول بس يزن أصر اكلمه واقوله.
حمحم يزن متسائلاً بحذر:
-دا رأيه ولا رأيك يا ماما؟
عقدت ما بين حاجبيها في عدم فهم تحاول ادراك مغزى حديث يزن ونظرات الحذر المصوبة نحوها ولكنها لم تدرك ان الإجابة المنبثقة من فمها كانت بمثابة زيت مغلي سكب فوق نيران زيدان المستعرة:
-والله أبدًا يا بني أنا قولتله إن زيدان حابب يخطب بنت عجبته قالي وماله بس لما ابقى ارجع.
ضرب يزن وجهه في غيظ من عفوية والدته المفرطة وخاصةً حين اكملت:
-والصراحة معاه حق دي الاصول اخوك الكبير لازم يكون موجود.
رفع زيدان حاجبيه ناظرًا لوالدته بانفعال:
-انتي محسساني اني مش عايزه، امال أنا قايلك تقوليله ليه؟
انطلق الغضب من فم منال وهي تقول:
-انا مبقتش فاهمك لما انت عايز تعرفه زعلان ليه اننا بنقولك تستنى!
نهض زيدان بعصبية وغيظ لعدم اقتناع والدته بحديثه وبدأ التعقيد في نثر خيوطه حوله:
-ما هو لازم يعرف يا أمي، بس مش لازم استنى، أنا كلمت مليكة وقولتلها اننا هنيجي يوم الجمعة.
ضحك يزن ساخرًا:
-كمان كدا كملت!
انتقلت والدته بينهما بنظرات يملأها الفضول ولكنها تركت علامات الاستفهام حول خطبة زيدان جانبًا وردت بحزم ألهب غضب زيدان:
-بقولك ايه تقول ولا متقولش براحتك، الاصول بتقول مينفعش نتعدى اخوك، وبعدين احنا نزعله مننا ليه لما ممكن تستني كام شهر لما يبقى ينزل.
نهضت تنهى أمر مناقشتهم دون أن تستمع لمحايلات يزن المستمرة في جذب انتباهها الغافل عن رغبة زيدان أيضًا ولكنها رفضت الاستماع ودخلت غرفتها، فتحرك زيدان بالصالة ذهابًا وإيابًا بجنون وصوت أنفاسه ترتفع بشكل يثير قلق يزن الجالس يتابع حالته في ترقب، حتى أنهى زيدان حالة الجنون التي تلبسته وتوقف بمنتصف الصالة يخرج أنفاسه المختلطة بمشاعر الغضب من صدره ومن بعدها قال بكل هدوء ينافى حالة الهياج المسيطرة عليه قبل دقائق:
-بقولك إيه أنا هخطبها، عايزين تيجوا تشرفوا مش عايزين براحتكم.
ومن بعدها ابتسم باستفزاز خالطه الحقد لسلبية يزن وتنعت سليم أما والدته حقًا لم يستطيع تحديد مشاعره تجاهها وخاصةً هو يعلم أنها تحاول بشتى الطرق الحفاظ على سلامة علاقتها بسليم وتلك النقطة تحديدًا يشعر بالرأفة نحوها فلن يقدر الضغط عليها مباشرةً سوى عن طريق يزن.
قرر زيدان اللجوء لغرفته دون أن يعير انتباه لأخيه، بينما بقي يزن كالمشرد يجلس بالصالة غير قادرٍ على تفسير ما تؤل إليه عائلته من جديد.
***
استلمت نهى تذكرة الطيران من والدتها وكان موعدها يوم الجمعة، نظرت للتذكرة كثيرًا تحاول تحديد مشاعرها تجاه خطوة جديدة أصرت عليها غير عابئة بصعوبة العيش مع والدها وأخيها ولكن مهما كانت صعوبتهما لن تكون أسوأ من والدتها أبدًا، ستعتبرها هدنة تستطيع اكتساب بها بعض القوة وتبحث عن ذاتها الضائعة وسط تلك الصدمات، علها تجدها حتى وإن كانت منكسرة، حتمًا ستجد الحل لمعالجة جراحها، الأهم حاليًا هو الابتعاد ثم الابتعاد..ملخص راحتها يكمن فيه.
***
بعد عدة ساعات حاول يزن الدخول لغرفة زيدان كي يجد حل مناسب لإنهاء أزمة خطبته، محاولاً الضغط عليه بكل الطرق، فالحديث معه أهون من سليم وأوامره التي لا رجوع فيها بالتأكيد…
-أنا في حدد باصص في حياتي أكيد.
قالها لنفسه بحنق من كثرة المشاكل المتساقطة فوق رأسه، تنهد بعمق قبل أن يطرق الباب ومن بعدها انطلق يشق طريقه مع زيدان المتظاهر بلامبالاة ولكن داخله يغلي بغضب.
-بص احنا اكيد لازم نتكلم ونفهم موقف اخوك.
-وفر على نفسك أنا اللي عندي قولته.
-هو إيه يا بني اللي عندك قولته، هو أنا جاي افاصل معاك في سعر الطماطم.
رمقه زيدان بطرف عينه والتفتت بوجهه نحو الجهة الاخرى متجاهلاً وجوده، فضغط يزن على نفسه وقال فكرته البسيطة في محاولة لإنقاذ الوضع:
-طيب اقولك كلم انت سليم وقوله أنا مش هستناك ولازم اخطب يمكن يتكسف منك ويقولك براحتك.
ضحك زيدان بتهكم ثم قال:
-اه ويكرهني ويصر على رأيه أكتر ويقولي اه أنا مش اخوك وكلام مالوش لزمة.
ضيق يزن عينيه بمكر وأطرق للحظات في ظل ظهور ابتسامة واسعة فوق شفتيه:
-وأنت خايف علاقتك بيه تبوظ ومش عايز تواجهه فتزعله منك خايف على زعله!
ظهرت ملامحه في جمود تام وكأنه يسجن الحقيقة خلف ذلك الساتر، فهز يزن رأسه متفهمًا ومجددًا أخرج حلوله:
-خلاص اتكلم مع مليكة وحاول تفهمها صعوبة موقفك هنا..
بتر زيدان حديثه حينما شقت مخاوفه طريقها وظهرت للعلن:
-موقفي معاكم أهون مية مرة من معاها، مينفعش ارجع أبدًا في اتفاقي، فعلاً المرة دي هتفهم غلط واحتمال متبصش في وشي تاني.
لوهلة شعر يزن أن ذلك المتحدث عن مخاوفه في فقدان حبيبته هو شخص آخر غير المتبلد أخيه ولكن من الواضح أنه يملك فيض من المشاعر نحو تلك الفتاة حتى يصبح هكذا مشتت ما بين أخيه الرافض لأخذ اي خطوة والتزامه بوعده معها..
-طيب ممكن تفهمني ايه اللي مضايقك وقلقك كدا.
زفر زيدان بقوة بينما غرس أصابعه في خصلات شعره وبدأ في سرد قصة حبه مع مليكة وسبب ابتعادهما في كلمات بسيطة، وأنهى حديثه بقوله المشتت:
-المشكلة وانا بتفق معها على معاد معرفش اخوك هيرفض كدا ولا اعرف كمان امك هتصر بالطريقة دي!
أسبل اهدابه للحظات ثم رفعهما وهو يقول بحيرة:
-المرادي فعلاً هخسرها، الموضوع فيه حساسية جامدة من ناحيتها، وبعدين سليم أكيد مش هيخسرني صح؟ أنا في النهاية أخوه.
مط يزن شفتيه بتفكير ومن بعده رد بثقة:
-سليم عارف غلاوته عندك، بس سيبلي أنا الموضوع دا اشوفله حل وان شاء الله خير.
-مهما كانت حلولك ابعد عن ان مخطبهاش، لازم انفذ كلمتي أنا مش هطلع عيل أبدًا معاها.
أومأ يزن بتفهم وداخله يأكله بندم بعدما أقحم نفسه مع عناد سليم وتهور زيدان غير أنه يحمل تعاطف كبير مع زيدان وخاصةً حين علم بسبب ابتعادهما من قبل، بالتأكيد لن يكون الأمر هين اطلاقًا وهو يطلب منها تأجيل لمدة مفتوحة رهن رجوع سليم!
سيحاول من أجل سعادة زيدان، فبالنهاية هو يشعر بالتعاسة لحيرة أخيه وضياعه بين إرضاء عائلته وتحقيق امنيته بخطبتها.
***
بعد مرور يومين..
ألقى يزن هاتفه بغيظ بعد مناقشة حادة مع سليم أدت إلى عصبية مفرطة من قبل أخيه، واتهامات متراشقة ليس لها اساس من الصحة من قبله، لقد زاد الوضع سوءًا وتعقدت الامور أكثر، وحقًا هو لا يعلم كيف ستنتهي بإرضاء جميع الاطراف، فجميعهم متشبث بقراره وخاصةً سليم وتعتنه الواضح.
مرر أصابعه في خصلات شعره محاولاً البحث عن طريقة ما يهدأ بها الوضع الراهن، وبعد عدة محاولات شعر بها بالفشل انبثقت فكرة أساسها خطأ ولكنها ستفي بالغرض مؤقتًا ومن بعدها باقي الأمور ستحل بالهدوء..
نهض بحماس وترك معرضه مقررًا الرجوع لمنزله والانفراد بوالدته مستخدمًا جميع أسلحته في اقناعها.
وصل أخيرًا أمام باب منزله بعد صراع قصير في الازدحام المروري..حرك بصره في ارجاء المنزل باحثًا عن والدته، ولكن رائحة البامية المطبوخة قادته نحو المطبخ وللحظة ضاعت فكرة اقناع والدته بخطبة زيدان وسط الروائح التي جذبت ذهنه في تخيل مذاقها.
-الله بامية.
انفجرت اسارير والدته وهي تضع الطعام في طبق مشيرة إليه:
-تعال كل يا حبيبي تلاقيك جاي ميت من الجوع.
أومأ برأسه وكأنه بالفعل من قاده من عمله هو جوعه، فحبه للطعام لغى تفكيره، وتلك كانت أكثر الأمور المحببة لقلبه بعد النساء… يزن يعشق اثنان لا ثالث لهما النساء والطعام..وبالتأكيد كل ما هو جميل منحصر بهما.
بعدما انتهى من طعامه، عادت عجلة ذهنه تدور بسرعة تسلبه لأهم نقطة هو موضوع أخيه، سرق أنفاس طويلة ثم بدأ فتح والدته في الموضوع ببطء مدروس حتى قاطعته والدته بصياح يحمل الاعتراض:
-أنت عايزني أكذب بعد العمر دا كله.
-مين قال انك هتكذبي، احنا ببساطة هنرضي كل الاطراف.
كان يحاول تبسيط الأمور ولكن الاعتراض لا زال يسيطر على نظرات والدته:
-لا يا يزن مينفعش، فيها إيه لما زيدان يستنى.
زم يزن شفتيه بضيق واضطر لإخبار والدته بقصة حب زيدان البائسة في إيجاز استطاع من خلاله بث الحزن والشفقة لقلبها:
-معقولة بيحبها اوي كدا.
-يا ماما يا حبيبتي اسمعي كلامي والله الموضوع بسيط، وان كان على سليم لما يرجع هبقى اقوله أنا..دي خطوبة يا جماعة امال لو جواز بقى هتعملوا إيه؟
بدأ الارتباك يفرض هيمنته على والدته، أحيانًا يشعر بالإصرار من عينيها وأحيانًا تلعب الرأفة دور في قلبها فتطغى فوق ملامحها وتشرد بتفكير امتزج فيه الخوف من رد فعل سليم.
نهض يزن مقررًا إعداد قدح القهوة الخاص به متمتمًا:
-بص أنا هعمل قهوة ويا أنا يا انتي النهاردة.
***
اقترب أنس من سليم يجذب هاتف والده دون اذن مما اثار غيظ سليم، فهدر فيه بغضب:
-في إيه يا أنس، ازاي تاخد حاجة من غير اذني.
ارتجف الصغير يبحث بعينيه عن والدته كي تنقذه من غضب والده نادر الظهور معه تحديدًا، لطالما كان سليم لطيفًا وحنونًا لأبعد حد، وبالفعل ظهرت والدته من العدم وهي تقول:
-أنس ادخل اوضتك.
انسحب الصغير من أمام والدته ودخل لغرفته يكتم دموعه المتدفقة لمقلتيه متعجبًا من انفعال والده، بينما اقتربت شمس من سليم تربت فوق خصلات شعره الفوضوية:
-مالك يا سليم.
-مفيش.
اخرجها بعنف محاولاً لجم غضبه المتفاقم ولكنه فشل وباتت ملامحه أكثر حدة وقسوة، انتابها القلق وهي تسأله:
-يزن زعلك في أيه؟
-البيه باين عايز يخطب وأنا مش موجود، اتجنن باين عليه؟
لوهلة لم تدرك من هو، ولكنها أدركت فيما بعد وعادت تسأله بحذر:
-يزن اللي قالك كدا؟
-لا مقالش بس باين من اتصالاتهم يا شمس وكلامهم اللي أنا متأكد منه حتى لو كان بطريقة مش مباشرة.
كانت ستندفع بتبرير أخر تحاول مواجهته فيه، ولكن عادت تتحكم بنفسها فلن تتحمل ليلة يهجرها بها بسبب دفاعها الدائم عن اخويه أما هو لا أحد يقدره وكأن مشاعره غير مرئيه لهم، عادت تربت بلطف فوق خصلات شعره بينما كان هو يشرد والانفعال ظهر جليًا على ملامحه، وكي تخرجه من حالة الغضب تلك اقتربت من شعره وبدأت في تحريك أنفها فيه وصوتها الهامس يردف بإعجاب:
-ريحة شعرك حلوة اوي.
عقد ما بين حاجبيه بتعجب لحالتها تلك حيث باتت تعجب بكل تفصيليه به حتى رائحة شعره! ولبرهة كان سيضحك بسخرية ولكنه عاد واستجمع نفسه مردفًا بهمهمة بسيطة وكأنه يجاريها بما تفعله، لم تهتم لبروده اللحظي ودفنت نفسها بين أحضانه رغمًا عنه تحتضنه بقوة شعر بها وكأنها تريد ادخاله داخل قلبها الذي بدأ يشعر بدقاته التي كانت تتطرق وكأنه الاقتراب الأول بينهما.
استطاعت بالفعل شمسه جذب انتباهه برومنسيتها ولطافتها البريئة، فبدأ يتفاعل معها تدريجيًا حتى فقد سيطرته على نفسه وانساق خلف رغبة مُلحة في نهم شفتيها الوردية، فكانت مشاعرهما تتشابك في ملحمة عاطفية وصلت ذروتها لحد الجنون حيث نسى بها نفسه وأوجاعه وأصبح سليم الفارس والحبيب.
***
صباح يوم الجمعة..
استيقظ زيدان على أصوات مزعجة حوله جاهد التركيز ولكنه فشل بسبب شدة ارهاقه بعمله طيلة الأيام السابقة حتى مليكة كان يحادثها بكلمات قصية، فمعظم الاتصالات هي تنهيها متحججة بأي أمور والمعظم الأخر ضغط عمله يمنعه من التواصل معها بشكل يريحه، فبالنهاية ستكون خطيبته أخيرًا مجرد أيام فقط عليه التحلي بقليل من الصبر.
عادت الأصوات تزداد تزامنًا مع إلقاء وسادة كبيرة فوق وجهه:
-قوم يا عريس، قوم يا معلم.
نهض زيدان بضيق متأففًا من تصرفات يزن الطفولية:
-يا عم سيبني أنام بلا عريس بلا زفت.
طغى الاشمئزاز على وجه يزن:
-أنت نكدي كدا ليه يا ابني، قوم خلينا نشوف هتلبس إيه.
– هلبس أي حاجة، هو فرح!
-واقسم بالله هي صعبانة عليا منك، دي أكيد أمها داعيه عليها.
تجاهل زيدان حديث يزن والتفتت للجهة الأخرى يستكمل نومه، ولكن يزن استمر بالتحرك في أرجاء الغرفة مسترسلاً حديثه:
-بقولك بفكر أقول للبت نهى بنت عمتك تيجي معانا، اهو ندخل واحنا كتير على الراجل ونملى عينه.
انفتحت عيناه على وسعيهما وانتفض فوق الفراش يكرر خلف أخيه بعدم فهم:
-تقول لمين؟
***
-هتوحشيني يا ست نهى.
بكت الخادمة وهي تودع نهى أمام المطار حيث أصرت على توديعها رغم عدم رغبة ميرفت ولكن موافقة نهى وإصرارها جعلتها توافق على مضض.
-هفضل دايمًا فاكرة وقفتك جنبي.
شهقت الخادمة وهي تمسح دموعها بطرف حجابها:
-أنا معملتش حاجة قدام افضالك يا ست هانم.
ابتسمت نهى برضا وتقدير لها بينما تأففت ميرفت باشمئزاز وهي تبعد الخادمة عن نهى تجذبها بعيدًا عنها وبصوت هادئ منخفض قالت:
-بت بقولك أنا هستنى منك كل تفصيلية عن ابوكي واخوكي.
لم تتحرك نهى ساكنًا كانت تنظر لوالدتها ببرود ظاهري بينما قلبها يتلوى بحزن بسبب جسور الجفاء بينهما.
-عارفة يا نهى لو روحتي ومردتيش عليا هعمل فيكي؟
-هرد متقلقيش.
ردت بإيجاز تحاول إنهاء الحديث معها، لم يعد باستطاعتها مواصلة الوقوف معها، الابتعاد عنها أفضل بكثير على الأقل ستتذكر أنها تملك أم حتى وأن كان الأمر رسميًا وعبارة عن لقب، فما فائدة المشاعر معها، لقد خاضتها بكل مراحلها الحب، المحاولة، الشك، حتى وصلت للكره وهنا توقفت ولم تعتد تحتمل، سيصل بها الأمر لحد الجنون، لذا البعد أفضل حتى ولو في الوقت الحالي.
تركتهما نهى وتحركت صوب المطار تستكمل رحلة سفرها لأول مرة وحدها، فشعرت بحماس طفولي ممزوج بالخوف مما هو قادم.
وقبل أن تختفي وسط المسافرين التفتت تشير للخادمة، فاقتربت الأخرى منها سريعًا:
-أمرك يا ست هانم.
-زي ما قولتلك اوعي تعرفي زيدان ان عرفت.
هزت الخادمة رأسها بتفهم:
-حاضر يا هانم، ولو أني مش عارفة ليه؟
أجابت نهى ببساطة وصوتها يملك بحة غامضة:
-نفسي احقق امنية ليا ومش هتحصل الا لما أسافر وارجع.
أومأت الخادمة برأسها في ظل محاولاتها لتفسير كلمات نهى الغامضة بينما تحركت الأخرى بخفة نحو الداخل وتركتها في حيرة من امرها حتى استفاقت على يد ميرفت الغاضبة:
-بتقولك إيه البت دي؟
حمحمت الخادمة وهي تقول بثبات:
-بتوصيني عليكي يا هانم.
-يلا يا أختي بلا توصية بلا قرف.
رفعت الخادمة أحد حاجبيها بتعجب تضرب كف بأخر:
-ربنا يهديكي، يهديكي إيه ربنا ياخدك.
____________________

يا ترى هتوصل للخطوبة بس 😂🫣

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية منك وإليك اهتديت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!