روايات

رواية مملكة سفيد الفصل السادس والأربعون 46 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل السادس والأربعون 46 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الجزء السادس والأربعون

رواية مملكة سفيد البارت السادس والأربعون

رواية مملكة سفيد
رواية مملكة سفيد

رواية مملكة سفيد الحلقة السادسة والأربعون

شعرت بالخطر يقترب، تصلب جسده والوقفة التي اتخذها في هذه اللحظة وهو يرهف السمع للخارج، كل تلك إشارات جعلت تبارك تشعر بالخطر اصبح على اعتاب حارتها، أو بالأحرى أصبح في منتصف حارتها.
وقد صدق ظنها وهي ترى تحفز جسد سالار للتحرك، لكنها أمسكت يده بسرعة تصرخ برعب مما سيفعل، فهو هنا مجرد شخص عادي، هناك سلطات تعلوه، لا تريد أن تنتهي تلك الزيارة بسجن زوجها، وأي اوراق ثبوتية يحمل لتخرجه ؟؟
قالت برعب تتمسك بمرفقه :
” لا لا سالار، لا تفعل ارجوك، دعهم ”
استدار لها سالار نصف استدارة يرمقها باستنكار شديد يجذب ذراعه من بين يديها، قبل أن ينظر صوب ذلك الشاب الذي لم يفرق بين منزله والخارج واستحل لنفسه عرض عوراته على مرأى الجميع دون خجل، مد سالار يده يدفع جسد ذلك الشاب بقوة لداخل المنزلؤ ثم جذب الباب بحدة جعلت تبارك تشعر أنها حطمت الجدار حتى كاد يتشقق .
امسك يدها يسحبها خلفه بقوة لم يشعر بها ومعه صامد وصمود بنفس تحفزه حتى وصل لمدخل البناية يتوقف به، ترك يد تبارك التي كانت ترتجف بكل ما للكلمة من معنى مرتعبة مما سيحدث، تراه يشير صوب صامد وصمود :
” لا تتحركا من هنا ولا تسمحا لها بالتحرك كذلك ”
ختم حديثه وهو يتحرك صوب خارج المنزل ليرى ما يحدث هناك وما الذي جعل اسم زوجته يتناقل على الألسنة لولا يد تبارك التي أمسكته تقول بفزع :
” لا لا، سالار ارجوك لا تفعل الجميع بالخارج ليسوا بذلك التحضر أو التفهم الذي تظنه، لا بأس لا تهتم لما يقال، هم لا يتوقفون عن الحديث مهما فعلت و…”
وإن ظنت أنها بهذه الكلمات كانت تحاول تخفيف الأمر عليه، فقد زادت الأمر سوءًا في الحقيقة وهو يمنحها جُلّ اهتمامه قائلًا :
” لا يتوقفون عن الحديث؟ هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث بها أحدهم عنك؟”
صمت وهو يتذكر في ثواني معدودة ما حدث حين جاء هنا من قبل ليبتسم بسمة غاضبة يهتف لها وهو يشير لنفسه :
“يخوضون في شرفي وعرضي على مرأى ومسمع مني، وتردين مني الصمت والتعامل بكل رقي وتحضر ؟؟ ألا لعنة الله عليّ إن صمت عن كلمة واحدة في حق زوجتي ”
” لكن هم …”
قاطعها سالار وهو يندفع للخارج تحت عيونها المصدومة، تبتلع ريقها بخوف تهتف بصوت مرتجف :
‘ سالار ارجوك ”
استدارت صوب صامد وصمود :
” ليساعده أحدكم، الحقوا به وساعدوه ”
أجابها صامد بعدم فهم :
” نساعد من ؟؟ المفترض هنا أن نساعد قومك وليس القائد، ليعينهم الله عليه، سوف يحيل هذه القرية لرماد ”
تنفست تبارك بصوت مرتفع وهي تركض فجأة خلف سالار تقول بحنق وغضب :
” إذن أنا سأفعل ذلك بنفسي ”
اتسعت أعين صامد وصمود وقد هتف الاخير برعب يراها تخرج من البناية :
” يا ويلي سيعلق القائد رؤوسنا على بوابة سفيد ”
في الخارج كان الشجار بين نيرمين ونسوة الحارة محتدم، وبعض الرجال تدخلوا ليوقفوا ما يحدث ومنهم زوج إحدى النساء فيهم يقول :
‘ يا جماعة مش كده أنتم أهل، ميصحش نمسك في بعض كده ده شيطان ودخل بينكم ”
نظرت له نيرمين بشر تقول بصوت جهوري وقد تناست كافة تعقلها وحدودها التي وضعتها لنفسها، غضبها اعماها عن التصرف الصحيح وهي تضرب كفيها في بعضها البعض :
” يا خويا لما أنت تعرف اللي يصح واللي ميصحش كده، طالق مراتك على خلق الله ليه ما تلمها في البيت، بدل ما هي مش لاقية ليها وظيفة غير أنها تخوض في عرض اللي رايح واللي جاي ”
استنكرت السيدة كلمتها الكبيرة تلك :
” اخوض في عرض اللي رايح واللي جاي؟ أنتِ هتتبلي عليا ولا ايه ؟؟”
نظرت لها نيرمين مبتسمة تدعي الصدمة :
” يووه لهو أنتِ متعرفيش أن الكلمتين اللي بترميهم أنتِ وشوية النسوان خوض في الأعراض ؟! ”
بُهت وجه السيدة والنسوة اجمعين حين تحولت جميع الانظار لهن باستنكار، فحتى في هذه الحارة الصغيرة حيث الفقر والجهل، كان هناك الكثيرين ممن يدرك حدوده ويعلم دينه، بصيص أمل بين كل ذلك اليأس ..
والسيدة التي شعرت بخطأها أبت أن تتحمل كل تلك النظرات لتجادل بعناد شديد مع نيرمين :
” أنتم بتتكلموا كأني جبت حاجة من عندي، أنتم يعني مش شايفين اللي داخلة علينا براجل بعد ما اختفت من غير حس ولا خبر ؟؟”
ضرب أحد الرجال كف بالثاني يستغفر ربه بخفوت :
” لا حول ولا قوة إلا بالله أنت يا ست أنتِ مش بتتعظي؟! ما تشوف مراتك يا ….”
فجأة توقف حديثه وتوقفت جميع الاصوات بسبب اختراق مسامعهم صوت قوي جهوري يتحدث بجمود :
” من ذا الذي استحل لنفسه الخوض في شرف وعرض زوجتي؟؟”
تحركت جميع الانظار صوب المتحدث ولولا جدية الموقف لكانوا سخروا من طريقته في الحديث، وسالار لم يهتم بنظرات أي أحد بهم وهو يتقدم من الجميع يتحدث بكل هدوء حاول استدعائه :
” سألت سؤالًا، انتظر جوابه، من ذلك الذي ذكر امرأتي بالسوء ؟؟”
رفعت السيدة حاجبها تقول بسخرية لاذعة :
” اتفضلوا اهو جايبة خواجة نازل يبجح فينا ومش عاجبة أننا معترضين على قلة ادبهم والقرف ده، اصل لو الحارة فيها رجالة مكانش ده كله حصل ”
نظر لها سالار ثواني قبل أن يقول مبعدًا عيونه عنها بشكل متعمد اشعرها بالاهانة الشديدة :
” أنا لن اتناقش مع النساء، أين زوجك يا امرأة لأتحدث له رجلًا لرجلٍ؟؟”
شهقت السيدة وقد اعتبرت حديثه إهانة لها :
” نعم يا حبيبي ؟؟ بيقول ايه الجدع ده وبيتكلم كده ليه اساسا ؟؟ هي السنيورة لما جابتك مقالتلكش هي عايشة فين؟؟ ”
تحركت أعين سالار صوبها وقد على الجمود وجهه يجيب بكل هدوء وبرود :
” أنا لست حبيبك يا امرأة والتزمي حدودك في الحديث معي ولا ترفعي صوتك، ثم أين زوجك أنتِ ؟؟”
” وتطلع مين أنت يا خويا عشان تتكلم معايا بالشكل ده، وبعدين عايز جوزي ليه ؟! مفيش فيا لسان ارد عليك؟؟ ”
رفع سالار حاجبه وتجاهلها مرة ثانية جعلتها تشعر أنها على وشك الانفجار، وهو يقول بجدية وهو يدور بنظراته بين الرجال :
” أما من رجلٍ هنا لاحدثه بعيدًا عن النساء ؟؟”
أجابته نيرمين بسخرية وهي تحدق بأعين جميع النساء حولها وقد فاض بها الكيل من نساء هذه الحارة :
‘ لو كان فيه رجالة يا خواجة مكناش وقفنا الوقفة دي ”
طعنة وجهتها بكل مهارة لجميع الواقفين، تختم حديثها جاذبة يد ابنتها التي كانت تقف جانبًا تحاول أن تبتعد عن كل هذه الأحاديث بنظرة من امها، والآن ابتعدت عن المكان، لكن قبل أن تفعل أبصرت اندفاع تبارك للشجار لتهمس لوالدتها :
‘ ماما استني تبارك نزلت، هتسبيها للنسوان دول لوحدها؟! ”
توقفت نيرمين ونظرت خلفها صوب تبارك التي اندفعت لذلك الرجل الغريب تقف أمامه تجذب يده بعيدًا عن الجميع وهي تقول بصوت شبه مرتفع :
” أنا…أنا بعتذر يـ …”
لكن كلماتها توقفت حين نظر لها سالار بشر يهمس لها مانعًا إياها من الحديث :
” لاي ذنب تعتذرين منهم وهم من يجب أن يعتذروا؟؟ لقد أساؤوا إليكِ ولا أجد بهم الشجاعة ليواجهني أحدهم ويفسر لي سبب كل هذا الحديث، لا يعقل أن لا أحد هنا يدرك الحق من الباطل ”
تحدث أحد الرجال وهو يدور بعيونه على تبارك من أعلى لاسفل وكأنه يثبت صحة كلمات سالار السابقة :
” وهي يعني ست البنات متعرفش أنها في حارة ميمشيش معاها شغل الخواجات والصحاب ده والمرافقة دي؟؟ ولا هو نغمة الشرف مش بتمشي غير علينا احنا يا ست الترمجية ؟!”
استدارت تبارك بسرعة صوب ذلك الرجل لتشتعل عيونها بغضب وقبل أن تنطق كلمة شعرت بتصلب جسد سالار جوارها .
ها هي فرصته الذهبية تلمع أمام عيونه، ذكر واخيرًا يتحدث ليستطيع الوقوف أمامه والرد عليه كلمة بأخرى دون أن يُعاب، لكن مهلًا ما الذي تدور عيون هذا المتصابي عليه ؟؟
استدار سالار نصف استدارة ليرى هدف نظرات ذلك الرجل والتي لم تكن سوى زوجته، وفي ثواني وقبل أن يستوعب أحدهم ما يحدث كان جسد الرجل يلتصق بالجدار خلفه وقد ارتفعت أقدامه عن الأرض وكف سالار تكاد تخرج روحه وهو يضعها على رقبته صارخًا بصوت جهوري :
” عيونك عن زوجتي….. ”
___________________
” برلنت والله وتالله وبالله لو لم تتوقفي عن الحديث الكثير سأسحبك من ثيابك كالفأر ونعود للغرفة وانسي أن اسمح لكِ بالمجئ مرة ثانية، اصمتي يا امرأة”
توقفت برلنت عن السير خلف تميم وتوقفت أيضًا عن الحديث تقول :
” تميم أنت تغيرت، لم تعد تهتم بي وتدللني ”
توقف تميم عن سيره هو الآخر، يعض شفتيه ثم استدار صوبها ببطء يضيق عيونه مبتسمًا بسمة واسعة مصدومة :
” ماذا تفضلتي الآن!! لم اعد ماذا حبيبتي ؟؟ لم أعد ادللك ؟؟ اقسم أن هذا الحديث لم يخرج منك إلا لشدة تدليلي لكِ، من اليوم وصاعدًا سوف أقنن من دلالك، لقد افسدك الدلال هذه الأيام سيدة برلنت ”
ختم حديثه يشير لأحد الجنود دون كلمة واحدة ليفتح ذلك الرجل الباب الخاص بالسجون، ونعم هو جاء معها لزيارة والدها الثانية، وقد بدا أن ذلك العجوز قد أحب إرسال الخطابات لزوجته كل اسبوع لرؤيتها، وهو لا يلومه فهي ابنته، لكنه لا يحب تلك النظرات التي يرمقه بها كلما ذهب مع برلنت ليجلس بينهما، فهو ما يزال لا يثق به .
سارت خلفه برلنت تقترب منه بسرعة تلتصق بذراعه تحاول عدم الالتفات صوب أحد في المكان :
” تميم أنهم ينظرون لي ”
استدار تميم بسرعة صوب السجون يبحث عن ذلك الذي ينظر لزوجته، وقد استاء من إحضارها هنا ليفكر جديًا أن يستأذن الملك لتكون الزيارة القادمة في الخارج تحت حراسة :
” حبيبتي لا أحد ينظر لكِ، الجميع نائم من الأساس، لا اعلم ما سبب طلب والدك لرؤيتك في مثل هذا الوقت المتأخر ”
أمسكت يده تربت على ذراعه بلطف :
“شكرًا لك تميم أنت افضل تميم بهذا العالم، افضل تميم في الحياة بأكملها ”
استدارت لها تميم يقول بحاجب مرفوع :
” من الأساس كم تميم تمتلكين أنتِ عزيزتي ؟؟”
فتحت فمها لتجيب، لكن غرور تميم سبق كلمتها ليجيب ببسمة واسعة مستفزة :
” واحد فقط ”
ختم حديثه يكمل سيره بكل بساطة بين ممرات السجن المظلم لا يهتز له شعرة واحدة بينما هي تشعر أن الجميع ينظر لها فترتجف وتلتصق به، وتميم ما يزال يحلق فوق غيمة غروره :
” يا ابنتي أنتِ أصبح لحياتك قيمة منذ أصبحت أنا جزء منها ”
هتفت برلنت وهي تنظر حولها بخوف شديد :
” نعم أنت محق، سأسايرك في الحديث فقط حتى نخرج من هنا فلا قدرة لي على التفكير في رد يلائم حديثك الآن تميم، فقط أوصلني لابي رجاءً”
توقف تميم فجأة قبل أن يستدير لها يجذب جسدها يضعها أمامه، ثم دفعها كي تسبقه معاندًا :
” عليكِ التجلد ببعض القوة عزيزتي، وإلا ستدهسك الحياة أسفل عجلات مصائبها ”
ابتلعت برلنت ريقها بريبة وهي تهمس :
” أنا أفضل أن تدهسني الحياة أسفل عجلاتها، على أن تدفعني أنت بهذه الطريقة تميم”
” كفاكِ جبنًا، أنتِ زوجة صانع الأسلحة والقائد الثالث هنا”
” حسنًا كل هذه الرتب ستكون مفيدة إن أردت الالتحاق بالجيش وليس مواجهة مجموعة من أخطر مجرمي البلاد تميم، لذا اشكرك، كلماتك لم تساهم في إبعاد الخوف عني بقدر شعرة واحدة ”
ختمت حديثه تبعد يده التي تدفعها ثم تحركت تلتصق في ذراعه وهي تحدق حولها، بينما هو زفر بحنق يهتف بإصرار :
” حسنًا هذا يعني أننا سنباشر تدريبات قتال جدية منذ الغد برلنت، ولن ادعكِ تفلتين هذه المرة، هذا وإلا سجنتك في غرفة واحدة مع سمو الأميرة زمرد واخبرتها أن تعلمك هي ”
اتسعت أعين برلنت بصدمة تردد ببهوت :
” ألا ترى أن قلبك بدأ يقسو عليّ بكثرة في الآونة الأخيرة ؟؟”
” هذا لاجلك عزيزتي، والآن تحركي أمامي فقد وصلنا لغرفة والدك ”
تنفست بصوت مرتفع تهمس له وهي تراه يخرج مفتاح الغرفة :
” لنا حديث مطول حول هذا سيدي صانع الأسلحة ”
بمجرد انتهاء كلماتها فتح تميم الباب يدفعه مبتسمًا:
” بكل سرور عزيزتي ….”
توقف فجأة حين سمع صوت والدها يردد بحنق :
” لقد تأخرتم …”
” عذرًا منك سيد عبدالله فالخادم الذي استأجرته لا يرى عمله بشكل صحيح ”
نظرت له برلنت بحنق وهي تنغزه في خصره بهدوء وهو ابتسم بسخرية :
” ماذا ؟! ألا تسمعين ما يقوله والدك ؟!”
تنفست بقوة تستدير له تقول بصوت منخفض وملامح شبه منقبضة فهي منذ قررت التحدث معه المرة السابقة وهذه المرة لم تظهر له أي استجابة أو أي تقبل، لا تريده أن يظن أنها قد تغفر له كل ما فعله بها وبتميم، ولولا أن والدتها اوصتها ألا تقطع وصالها بوالدها وأن قلبها لا يطيعها حين تقرر العصيان ما فكرت بالمجئ هنا أبدًا .
” نعم أبي لقد طلبتني ”
نظر عبدالله صوب تميم نظرات واضحة تخبره أن يتحرك للخارج ويتركه مع ابنته وحدهما، لكن تميم ابتسم يتحرك صوب الفراش الخاص بعبدالله يجلس عليه ويضم قدميه لجسده :
” أنا لن اتحرك من هنا، رجاءً تظاهروا أنني خرجت لن تشعروا بي ”
زفر عبدالله بقوة وهو يهتف بصوت وصل لتميم :
” والله لو علمت منذ البداية ما ستفعله، ما زوجتك اياها في مراهقتها ”
أجابه تميم بكل بساطة :
” لا بأس كنت اخطط لاختطافها على أية حال ”
اتسعت عين برلنت وهي تنظر له وكذلك عبدالله الذي تشنج بحنق وتميم فقط هز كتفه بكل بساطة :
” هذا ما كان سيحدث سيد عبدالله، والآن رجاءً انتهي مما تريده من ابنتك فأنا أريد النوم لأنني امتلك مناسبة هامة غدًا ”
تنهد عبدالله بصوت مرتفع بينما برلنت في ذلك الوقت كانت تنظر لتميم مبتسمة بسمة واسعة يائسة من تصرفاته، ووالدها يراقب نظراتها له يدرك جيدًا لأي مرحلة وصلت مشاعر ابنته لهذا الشاب .
تنهد يقول :
” مرحبًا بيرلي …”
قاطعه تميم بسرعة يشير له بالتوقف عن التحدث :
” معذرة سيد عبدالله هذا التدليل خاص وحصري لي وحدي، رجاءً لا تشاركني به ”
نظرت له برلنت بعدم فهم وهو رفض أي اعتراض من جهتها يتحدث بجدية تامة دون أي ذرة مزاح في حديثه :
” أنا الوحيد الذي يحق له تدليلها بهذا اللقب، أنا من اوجدته لأجلها خصيصًا، لذا إن أردت تدليل زوجتي فجد لك لقبًا آخر رجاءً ”
نظر له عبدالله باستنكار شديد، ثم نظر صوب برلنت التي كانت تبتسم بتأثر وحب شديد جعله يقول بحنق وصدمة :
” هل يعجبك هذا الجنون ؟؟”
أجابته برلنت ببسمة دون شعور وهي ما تزال تحدق بحب كبير في وجه زوجها :
‘ أنا أحب المجنون نفسه وكل ما يصدر منه أبي ”
كانت كلمتها الأخيرة تلقائية دون شعور منها، كلمة جعلت عيون عبدالله تدمع، ينظر لهما بهدوء شديد وقد أدرك أنه حارب بمعركة من طرفه فقط، معركة صنعها وخاضها وحده في حين أن خصمه من البداية كان لا يلقي له بالًا من الأساس، دخل معركة من طرفه وخسرها وخسر معها ابنته وزوجته ومنزله ومكانته وكل ما يملك، وكل ذلك لأجل ماذا ؟؟
بعض القطع الذهبية التي لم يعلم حتى بأي طريقٍ ألقاها، بعض الأموال الزائلة التي كانت متعتها اللحظية مجرد نقطة في بحر آلامه اللاحقة، والسؤال هنا هل ما فعله كان يستحق ؟؟؟؟؟
__________________
لم يستوعب احد ما حدث، فقط تبارك هي التي تراجعت للخلف تشعر بأن الأمور تتأزم وروح ذلك الحقير تكاد تخرج بين يدي زوجها .
” صامد صمود ..ليوقفه أحدكم بالله عليكم ؟؟”
التزم صامد وصمود أماكنهما دون حراك ولم يتدخل أحدهم، يعرفون جيدًا ما قد ينال من يتدخل في أمور القائد وفي حالة الغضب تلك قد يقتلهم .
بينما سالار فقط يشدد قبضته على رقبة ذلك الرجل يتحدث من أسفل أسنانه :
” مال اعينك لا تجد مكانها في وجهك يا هذا ؟؟ نظرة ثانية لزوجتي اقتلع عينيك بالمعنى الحرفي وليس مجازيًا، اقسم أنني سأفعلها، وأنا لم احنث بقسمي يومًا ”
شعر الرجل أنه على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة، لولا ترك سالار له بعنف كبير جعل صوت اصطدام جسده بالأرض يفزع الجميع حوله .
وهو فقط يترك جسده ليتهاوى ارضًا، ثم استدار صوب أهالي الحارة الذين تراجعوا بصدمة مما يحدث وقد بدأ أحدهم يخرج هاتفه مهددًا أنه سيبلغ الشرطة لولا نيرمين التي انتزعت هاتفه تقول بشر:
” تو أما افتكرت يا حيلتها؟؟ ولا هو عشان على حق مش عارف تسقفله ؟؟ جاتكم البلا ”
ختمت حديثها تسمع صوت سالار الذي مرر إصبعه على جميع من يحيط به :
” هذه المرأة هناك زوجتي، كلمة واحدة في حقها ستكون بمثابة فرمان حربٍ منكم، ووالله الذي لا إله إلا هو لأحيلن حياة الجميع هنا لجحيم، ولتصبحن دياركم رماد، إن استحللتم لأنفسكم التحدث بعرضي وشرفي استحللت دماءكم دفاعًا عنه ”
ختم حديثه بملامح وجه بدأت تحمر لتشكل هيئة مرعبة جعلت البعض يتراجع وقد تحدثت إحدى النساء برفض رغم نبرتها المرتجفة :
” انت فاكر البلد دي بلد ابوك ولا ايه ؟؟ البلد فيها قانون و…”
قاطعها سالار وهو يرفع كفه في وجهها بتحذير :
” لا اجادل النساء يا امرأة، خاصة صاحبات الألسنة اللاذعة، فابتلعي لسانك واصمتي، وإن أراد أحدكم الاعتراض على حديثي فليتقدم رجل يحدثني، وإن لم يكن فلا اسمعن منكم كلمة واحدة، زوجتي اشرف نساء هذه الارض، فلا تلوثوا اسمها بذكره على ألسنة القذرين منكم ”
تدخل أحد الرجال وهو يقول بهدوء شديد وقد على واخيرًا صوتٌ للحق بين هدير الباطل :
” يا ابني محدش جاب سيرة مراتك بكلمة دي بنتنا اللي عاشت معانا عمرها كله وإن كان على الكلام اللي اتقال فده كلام حريم متاخدش عليه، دول عمرهم ما بيسكتوا ”
استدار له سالار يجيب بجمود :
” ما معنى كلماتك يا عم ؟؟ هل يحق للنساء قذف المحصنات بدعوى أنهن نساء وأن حديثهن مجرد حديث نساء لا معنى له ؟؟ أبهذه البساطة نتعدى حدود الله ؟! هذا قذف محصنات، من السبع الموبقات، وهذا ذنب يظل ذنبًا سواء قامت به امرأة أو رجل، وهذه زوجتي وعرضي، لا أحلل لأحدهم ذكرها بالسوء”
صمت، ثم نظر للجميع بعدما اصمتهم لا بيده، بل بلسانه، شيء قدرته تبارك وهي تشعر بالراحة أنه كان من الحُلم الذي جعله يتصرف بشكل متعقل، وتغافلت أن سالار إلى جانب كونه رجل حرب، فهو قائد ورجل سلام، يلتزم بكل كلمة ذكرها دينه، والاسلام حاشاه أن يكون دين عنف ورسالة تخويف .
” هذه المرأة هناك عقدت عليها، وأصبحت زوجتي بشهادة جميع شعب بلادي، أي أن جميع أركان العقد كاملة، فلا يحق لأيٍ كان أن يمسها بكلمة واحدة ”
شعر أحد الرجال بالصغر ورفض أن يعلمه شاب صغير ابسط أمور دينه، وقد كان ممن يجادل في الحق :
” وأنت مين عشان تكلمنا بالشكل ده ولا كأنك ولي أمرنا ؟! مفكرنا جهلة ؟؟”
استدار له سالار ينفي الحديث برأسه، لولا تدخل أحد الرجال يدافع بشراسة عن الحديث :
” أنت بتجادل في ايه يا حمدي ؟؟ بتجادل في إيه أنت الراجل مغلطش، مراتك واللي معاها واقفين يجيبوا في سيرة مراته وهو لولا أنه عاقل كان قعدكم في قعدة وبيعكم بيوتكم فتتكتم احسن والله كلنا نشهد باللي حصل ونخربها فوق دماغكم ”
ابتسم سالار وتنفس براحة واخيرًا سمع صوتًا للحق، تحركت عيونه صوب ذلك الرجل المسمى حمدي يجيب بكل هدوء :
” سألتني من أنا يا عم واخبرك أنني عبد فقير إلى الله رزقني بزوجة لا اقبل أن تُمس بكلمة واحدة، وإلا اعتذر لكم لن يكون لساني هو من يجيبكم المرة القادمة ”
صمت لتعلو نظرات البعض المشجعة لكلماته ونظرات الاخرين الحانقة، وفجأة من بين هذا وذاك ارتفعت صيحة أحد الشباب والذي كان يقف جانبًا يهلل مشجعًا :
” يسلم لسانك يا شيخنا، والله العظيم جدع، اديهم اياكش كل واحد يلم أهل بيته ويحترم نفسه، قرفتونا ”
نظر له سالار ليبتسم له الشاب مشجعًا أكثر بشكل جعل سالار يرمقه بتعجب :
“اديهم مترحمش، كام مرة اتكلم ومحدش يسمع، الظاهر عايزين اللي يديهم على دماغهم عشان يسمعوا ”
بدأ بعض الرجال يوافقونه الحديث ويهزون رؤوسهم بتأييد، ليبتسم سالار بسمة لا معنى لها وهو يرى بعض الرجال يجذبون نساءهم بعيدًا عن الدائرة وقد اشتعلت اعينهن فابتسم بسخرية يتجاهل الجميع وهو يتحرك ليأخذ يد تبارك يتحرك بها بعيدًا صوب البناية يهتف بهدوء لا ينبأ بالخير :
” الآن لنرى ذلك الرجل الذي يجلس في منزل زوجتي عاريًا …”
____________________
خرج من منزل والد ليلا وهو مبتسم بعدما ترك شقيقه في الداخل يجلس مع مخطوبته بعض الوقت، يتنهد بصوت مرتفع، ثم تحرك صوب خيله يمتطيه متحركًا للقصر، سعيد وبشدة، وكيف لا يكون والغد موعده مع اسعد لحظات حياته.
يوم تُكتب اميرته تحت اسمه، يوم يشهد جميع سكان سفيد أن زمرد أصبحت وبشكل رسمي وبعد معاناة زوجته، يا الله قلبه يرقص طربًا، لا يصدق أنه وصل سالمًا لهذه النقطة .
تنفس بصوت مرتفع يهمس بكل شوق :
” ما بال الليل وقد طال ؟؟”
بعد دقائق وصل القصر ليتحرك داخله بسرعة يهبط عن فرسه يقوده صوب الاسطبل، وحين بدأ يربت عليه وقبل أن يتحرك للخارج سمع صوتًا قريبًا من قلبه بعيد عن مسامعه بعض الشيء .
ودون تفكير ترك الحصان بسرعة يحث الخطى صوب ذلك الصوت الذي يدرك جيدًا هوية صاحبه، ويدرك مكانه، وصل واخيرًا لنفس المكان حيث كان اللقاء الأول بينهما وبنفس الشكل ..
اتسعت عين دانيار ببسمة غير واعية أنه يراقبها تردد نفس انشودة الحرب القديمة، نفسها مع نفس الحركات التي كانت تقوم بها قديمة، وكأن الزمن يُعاد، هو وهي والليل يحيطهما وصوتها يطربهما .
ما بين تلك اللحظة وهذه مشوار طويل قطعه، مشوار كاد يُزهق انفاسه، لكن هل يعترض ؟؟ لا والله لم ولن يفعل إن كان مقابل هذا التعب بسمة منها .
وفي منتصف الحديقة كانت هي تتحرك بخفة، لا ترقص، فقط تتحرك حركات معينة مع ترديد تلك الانشودة التي تعلمتها من والدتها، انشودة حرب قديمة، ربما كانت تلك الانشودة واحدة من الأشياء التي تجعلها تشعر بالأمل في القادم، كانت نفسها الانشودة التي ترددها على مسامعها والدتها وقد احتارت أين تعلمها والدتها، لكن مؤخرًا علمت من إيفان أنها انشودة قديمة وقد كان والده يحبها لتلك الانشودة، إذن والدتها لم تكن تنشدها لأنها كانت تشعرها بالأمل، بل لأن صاحب تلك الانشودة هو من كان يشعرها بالأمل ……
فجأة توقفت عن الحركة وهي تتنفس بعنف مبتسمة بسمة واسعة تشعر لأول مرة بالسعادة وهي تردد تلك الكلمات، لأول مرة تستشعر حلاوتها .
فجأة سمعت صوت تصفيق يأتيها من الظلام وصوت يهتف بجدية وتشجيع :
” يا امرأة اعدتي لي ذكريات الحرب قديمًا ..”
توقفت زمرد عما تفعل تنظر صوب دانيار الذي خرج من الظلام بنفس الطريقة التي فعلها اول لقاء بينهما، ابتسم لها بسمة واسعة ردتها له بنفس الطريقة وهو نظر لعيونها يقول بتلميح لذلك اللقاء البعيد :
” مهلًا هل يجب عليّ العودة للخلف تحت وطأة نظراتك تلك ؟!”
رفعت حاجبها بتعجب لا تفهم ما يقصد حتى ضربتها جملة بعيدة له في أول لقاء لهما حين سخر منها وقتما دفعته للخلف ولم يتحرك خطوة واحدة :
” مهلًا هل يجب عليّ العودة للخلف ؟!”
فجأة انطلقت ضحكات زمرد وهي تشعر أن تلك الذكرى كانت بالأمس يوم نظرت له بشر وأخرجت خنجرها محاولة أن تهدده قبل أن ينقلب الأمر لتهديده هو لها وهروبها منه ..
اقترب منها دانيار ووقف على بعد مناسب منها يضع يده على قلبه، ثم تظاهر أنه ينتزعه ومد يده لها به يقول بجدية :
“أمسكي هذا عني رجاءً ”
وهي فعلت ما يطلب تمسك ذلك القلب بين كفيها وما تزال تضحك بصوت خافت على أفعاله لا تتمالك نفسها وهو فقط عاد بقوة للخلف كما المرة الأولى يلتصق بالعمود يقول بنفس ذات النبرة لكن بمعاني أخرى، معاني مختلفة :
” ارجوكِ الرحمة ؟؟ أنا فقط كنت اشجعكِ أقسم، النجدة يا رجال امرأة خطرة طليقة ”
ازدادت ضحكات زمرد حتى شعرت أن عيونها بدأت تدمع وهي ما تزال تمسك بين يديها قلبه الوهمي وهو فقط يشاهدها ببسمة عاشقة، وقبل أن يتحدث بكلمة أو يخبرها بسعادته وانتظاره ليوم الغد حتى تصبح زوجته سمع صوتًا من خلفه يقول :
” هل انتهيت من عرضك الهزلي دانيار ؟!”
اتسعت أعين دانيار وقد اشتد جسده يستدير صوب إيفان الذي كان يستند على أحد الأعمدة يضم يديه لصدره، ابتسم له يقول :
” مرحبًا مولاي ”
ابتسم له إيفان بسمة باردة :
” غادر دانيار الآن قبل أن أغير خطتي للغد ”
اتسعت عين ذلك المسكين بفزع يردد :
” ماذا ؟؟ لا، أنا من الأساس كنت ذاهب للنوم الآن ”
نظر صوب زمرد التي كانت تضحك دون توقف على نظراته فهي أبصرت إيفان منذ جاء من ثواني قليلة، تحرك دانيار بحنق، لكن قبل أن يرحل توقف جوار زمرد يقول مشيرًا ليدها التي ما تزال تحمل قلبه يقول ببسمة :
” احتفظي به رجاءً حتى الغد سمو الأميرة ”
هتف ايفان بتحذير :
” دانيار ”
رحل دانيار يردد بغيظ :
” حسنًا حسنًا، ليأتي الغد بسرعة يا الله …”
رحل تاركًا إيفان ينظر بحاجب مرفوع صوب زمرد يقول :
” وأنتِ آنستي ما الذي تفعلينه في هذا الوقت في الخارج ؟!”
ابتسمت تقول بهدوء :
” فقط شعرت بالسعادة لدرجة أنني لم استطع النوم ففكرت بالخروج ”
” حسنًا توجهي لغرفتك وحاولي النوم فلدينا يوم طويل غدا ”
ختم حديثه ينتزع منها ذلك القلب الوهمي بين كفها يلقيه جانبًا زمن ثم نفض يديه :
” اعطني هذا، هيا اذهبي للنوم ”
اتسعت عيون زمرد بصدمة بعدما ألقى بقلب دانيار الذي سلمه لها ارضًا تهتف بحنق :
” أخي….”
أطلق إيفان ضحكات على ملامحها وهو يضع يده على قلبه، ثم وضعه بين كفها بضمها من كتفها وهو يتحرك بها للداخل :
” دعك من قلب دانيار وهاك قلبي أنا ”
نظرت زمرد تجاريه في حديثه مبتسمة :
” هل أنت متأكد أنك منحتني قلبك بالكامل كما فعل دانيار ؟؟”
نظر لها بطرف عيونه يجيب بهدوء :
” حسنًا هذا جزء منه والآخر احتفظ به لملكتي ”
اطلقت زمرد ضحكاتها على ملامحه :
” على ذكر ملكتك، هي ستأتي غدًا .”
” نعم لهذا أخبرك أننا علينا النوم للاستيقاظ مبكرًا واستقبال ملكة البلاد يا فتاة، ثم أنا أعلم أنها قادمة غدًا وقد جهزت كل شيء لاستقبالها .”
ختم حديثه بنبرة لم ترح زمرد :
” أشعر بالريبة من حديثك ليمرر الله زفافي على خير غدًا …..”
________________
صعد درجات المنزل بسرعة كبيرة وتبارك تهرول خلفه وهي تردد برعب :
” كان يوم ما يعلم بيه إلا المولى يوم ما طلبت منك نيجي هنا، يارب سترك هرجع بيك متكلبش ”
أمسكت مرفقه بسرعة حينما وصل أمام باب الشقة، وبما أنها لا يمكنها الاعتماد على الكأس والكوب اللذين يتحركان خلفها قررت الاعتماد على نفسها وقدراتها :
” سالار مهلًا توقف أشعر أنني… أنا لا أستطيع التنفس أنا أشعر بالتعب الشديد الآن، خذني للمشفى رجاءً”
توقف سالار ثواني ونظر لها ثم قال بخوف وهو يمسك يدها يجلسها على الدرج المؤدي للأعلى مقابل شقتها يقول بهدوء :
” اجلس هنا عزيزتي ارتاحي ”
تنفست الصعداء تقول تدعي التعب أكثر كي ترحل من المكان وهو معها دون أي ضرر :
” فقط دعنا ….دعنا نرحل رجاءً ”
” حسنًا سنفعل، فقط تنفسي وارتاحي عزيزتي حتى انتهي مما اريد وحينها سنرحل ”
وقبل أن تستفسر عما يقصد بحديثه، وجدته يندفع صوب باب شقتها بتحفز مرعب، وقبل أن يطرق ويحطم الباب فوق رؤوس من بالداخل تنفس بصوت مرتفع يتذكر أنه ربما كان هنا نساء وأطفال في الداخل فيروعهم، لذا رفع كفه وطرق بشكل طبيعي ينتظر الرد .
وتبارك تراقب بحرص حتى إذا تأزمت الأمور تستطيع أن تدعي الموت ربما…
ثواني قليلة وطل عليهم نفس الشاب بنفس الهيئة لتبعد عيونها بسرعة في الوقت الذي وقف أمامه جسد سالار بضخامته يخفي خلفه ذلك الجسد النحيل بعض الشيء يقول بحنق :
‘ ألا تمتلك ثياب داخل خزانتك يا هذا ؟؟”
رفع الشاب عيونه لسالار بعدم فهم ليتذكر أنه هو نفسه الشاب الذي دفعه قبل بعض الوقت للداخل :
” نعم اتفضل عايز ايه ؟؟ كل شوية تخبط ليه وبعدين أنت ازاي تزقني المرة اللي فاتت و…”
” ما الذي تفعله هنا في منزل زوجتي ؟؟”
نظر له الشاب ثواني يحاول معرفة ما يقصد، اطال النظر به طويلًا قبل أن يقول :
” أنت بتتكلم كده ليه ؟!”
” اتحدث بشكل طبيعي، وأعتقد أن حديثي واضح لك أيها الشاب، ما الذي تفعله بهذه الهيئة في منزل زوجتي ؟؟”
نظر له الشاب ثواني قبل أن يقول بصوت مرتفع وهو ما يزال يعلق أنظاره على سالار بريبة :
” أما….يا اما، فيه واحد واقف على الباب هنا بيقول أن ده بيت مراته، أنتِ جوزتي سما لاجنبي ؟؟ مش قولتلك حمودة صاحبي عايزها يا اما برضو عملتي اللي في دماغك وخطبتيها لتركي ؟؟ ولا هو عشان أنا في الجيش مليش كلمة هنا ؟؟”
كان الشاب يتحدث وهو يتحرك داخل المنزل بحنق شديد تاركًا سالار يقف على باب المنزل يحدق في أثر الشاب بعدم فهم، وتبارك تقف في الخلف تحاول فهم ما يحدث، ثواني واستمع الاثنان لصوت الشاب يصرخ من الداخل :
” يعني عايزة تصغريني قدام حمودة يا ما ؟؟ قولتلك الواد هيموت عليها، بالله عليكِ يفرق ايه حمودة عن ابو شعر احمر اللي برة ده ؟؟”
وصل لهما صوت جدال امرأة معه ليرتفع صوت الشاب :
” على فكرة حمودة وسيم اكتر منه ولو على الشعر الأحمر هخليه يصبغه ”
تشنجت ملامح سالار بقوة، بينما تبارك وضعت يدها على فمها تحاول كتم ضحكتها وهو نظر لها بحنق :
” علام الضحك ؟؟”
هزت رأسها برفض، بينما تحدث صامد بهمس وهو يهمس لصمود بجدية :
‘ انظر صمود يبدو أن القائد تزوج امرأة أخرى هنا، ما بال القائد يفضل النساء من المفسدين ؟؟ ”
وافقه صمود بهزة رأس يكمل حديثه بنفس الهمس :
” يبدو أن آخر ذرات هذا السحر تلاشت بالفعل .”
أما عن سالار الذي ظل واقفًا في الخارج يحدق في الباب بصدمة لا يدرك ما يجب فعله، فهو بالطبع لا يستطيع التعدي على حرمة أي منزل حتى لو كان هذا المنزل من الأساس يعود لزوجته، ثواني وسمع الجميع صوت باب خلفهم يُفتح .
استدار سالار وتبارك صوب باب المنزل لتخرج منه سيدة تحمل حقيبة بلاستيكية سوداء، والتي تجمدت في أرضها تهتف بصدمة :
” تبارك ؟! رجعتي امتى يا منيلة أنتِ ؟!”
تنهدت تبارك بحنق تقول :
” اهلا يا خالة، لسه راجعة من شوية، المهم بقولك متعرفيش مين ده اللي جه قعد في بيتي ؟؟”
نظرت لها السيدة ثواني ثم قالت وهي تنظر بفضول لسالار خلفها تحاول تذكر أين رأته:
” أيوة ده الحاج صاحب البيت هو اللي أجر الشقة لعيلة تانية لسه ناقلة هنا، ألا مين ده يا تبارك ؟!”
ضيقت تبارك عيونها تهتف بحنق :
” أجرها ؟؟”
رفع سالار حاجبه لا يعجبه نظرات الضيق التي علت وجه زوجته تلك :
” أين ذلك الرجل ؟!”
لكن السيدة تجاهلت سؤاله تقول بجدية :
” حاسة اني شوفتك قبل كده ؟؟ مش هو ده يا بت يا تبارك التي قعدتي تصرخي آخر مرة أنه خاطفك ؟؟”
تنهدت تبارك تدرك أنها لن تنتهي من كل هذا وقد قررت الرحيل من هنا مكتفية من كل ما حدث، أمسكت يد سالار تجذبه خلفها :
” أيوة يا خالة ده يبقى جوزي، عن اذنك ”
تحركت مع سالار للخارج بحزن شديد وهي تنظر صوب المنزل، ليس وكأنها تعشقه أو قضت به ذكريات سعيدة، لكنه يمثل لها الركن الوحيد الذي كانت تنعزل به قديمًا عن الجميع، والآن فقدت هذا الجزء، وسالار لم يتجاهل تلك النظرة، بل خزنها في عقله باهتمام شديد ..
تحركوا خارج المكان بأكمله وقد ندمت تبارك أشد الندم لقدومها، فهي لم تنل سوى الآلام فقط، وزيادة للندم، شعرت بتوقف سالار الذي قال بجدية وهو ينظر صوب إحدى الجهات :
” تبارك من هذا الرجل ؟؟ هو نفسه ذلك المتصابي الذي كان ينظر لكِ هل تعرفينه ؟!”
نظرت تبارك جوارها لتبصر ذلك الرجل الذي يمتلك محل خضراوات وفواكه في حارتها والذي سبق وتقدم لخطبتها بعدم وفاة زوجته مقنعًا إياها أنه فرصة لا تُعوض، وتدرك في هذه اللحظة أنها إن أخبرت سالار ما كان يفعله، سوف يتخلص منه، وهي لا أحب على قلبها من هذا، لكن ليس وحرية سالار المقابل .
” أنه لا أحد سالار، فقط دعنا نرحل رجاءً، سوف أذهب للمشفى التي كنت اعمل بها اسحب اوراقي واعتذر عن غيابي المفاجئ ويمكننا إحضار الأدوية من هناك ”
وسالار فقط تحرك خلفها وهو يفكر في ذلك الحزن الذي استقر على وجهها يحاول التفكير في شيء قد يسعدها، يا الله ذلك المكان كان كما لو أنه خطف منها روحها ..
” إذن دعينا نبحث عن مكان آخر للمبيت حتى الغد، ومن ثم نكمل التحرك حسنًا ؟؟”
نظرت له تبتسم بسمة صغيرة ثم هزت رأسها، وسالار قرر الانتهاء من هذه الرحلة باسرع ما يمكن ويغادر هذا المكان مع زوجته صوب بلادهم حيث يتحكم بكل شيء وهناك يبحث عن سبيل لاسعادها .
وفي الحقيقة هذه الحيرة التي يشعر بها في المكان وشعور أنه ضل الطريق، كل ذلك جعله يقدر ما كابدته تبارك لتتأقلم على عالمه، هي حقًا أكثر من شجاعة، لا بأس فقط ينتهي من هذه المغامرة ويقسم على نفسه أنه لن يمنحها فرصة واحدة لتشعر بالوحدة أو الغربة .
” هيا مهجتي، دعينا نحصل على مكان يناسبك مولاتي لترتاحي به، لكن في البداية دعينا نحصل لكِ على وجبة دسمة كي تتناولي ادويتك بعدها ”
ابتسمت له تبارك بسمة واسعة أعادت مسار نبضاته لطبيعته .
مد يده يجذبها صوبه ثم مال عليها يهمس :
” عسى الله ألا يمحو لكِ بسمة عزيزتي، إن كان ذلك العالم سبب محو بسمتك، فليفنى وتدوم بسمتك ”
اتسعت بسمة تبارك له أكثر:
” ستدوم طالما أنت جواري سالار ”
” دائمًا وابدًا ”
ختم حديثه يحث الخطى معها خارج هذا المكان، وخلفهما صامد وصمود يسيران بنفس الصدمة التي يبدو أنها ستستمر معهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
” حسنًا لم يتلاشى السحر بشكل كامل، علينا أن نحصن القائد أكثر…”
وقبل أن يطأ أحدهم خارج المكان فجأة ظهر واخيرًا رئيس جمهورية العالم الموازي وهو يهتف بصدمة وبسمة واسعة :
” القائد ؟؟”
نظر سالار أمامه يردد بريبة :
” أوه ليس هذا العجوز مجددًا ”
هتفت تبارك بنفس الريبة وهي تنظر صوب الرجل الذي يتقدم منهم والذي كان يقف بعيدًا يراقب الشجار بانتباه حتى تعرف عليهما :
” عم متولي ؟؟”
” كده يا تبارك ؟! كده تروحي معاه وتسيبي عمك متولي لوحده ؟! وأنت يا قائد مش قولت اني العريف ؟؟ وقولت هتاخدني معاك ؟؟”
مسح سالار وجهه وهو يهمس لنفسه :
” يا الله وكأنه ينقصنا عريف آخر ”
ابتسمت تبارك بتوتر وهي تنظر لسالار مجيبة :
” ناخدك فين بس يا عم متولي، هو أنت صدقت اللي سالار قاله ليك ؟! ده ده …ده كان وقتها بيهزر وبيقول أي قصص وخلاص زي ما أنت بتعمل وتقول أنك شاركت في المقاومة وأنت ولا شاركت ولا نيلة، أي كلام يعني ”
نظر لها سالار باعتراض يهمس :
” هل تحاولين القول إنني مخادع الآن ؟!”
همست له من أسفل أسنانها تشير بطرف عيونها لمتولي الذي يرمقهما بشك كبير :
” تكن مخادعًا أم نأخذه معنا للمملكة ؟!”
انتفض جسد سالار بشكل طفيف يولي جميع حواسه صوب متولي يقول باعتراف وبسرعة كبيرة :
” نعم أنا مخادع كاذب، لقد كنت اكذب عليك ”
نظر لهما متولي بشك يقول :
” أنت كداب ”
” نعم هذا ما أخبرك به يا عريف، أنا كاذب ”
” لا أنت مش كداب عشان كلامك، أنت كداب عشان بتقول على نفسك كداب وأنت مكنتش كداب، أنا عارف ومتأكد إن كل اللي قولته ده حقيقة وإن فيه مملكة أنت جاي منها بعيدة عن كل الناس، ومعايا الدليل ”
تعجب وجه سالار دون فهم :

” تمتلك دليلًا ؟؟”
” أيوة”
شعر سالار أنه وقع في شر أعماله، هل أدرك العجوز حقيقته من ثيابه أو طريقة تحدثه أو ربما الأسلحة التي أظهرها المرة السابقة له، كل هذه أدلة لا تدع مجالًا للشك أنه محارب، نظر صوب تبارك يسألها المساعدة ليهربا من هذا العجوز الآن قبل أن يتحدث بشيء قد يعطل من مهمتهما، بينما متولي فقط نظر صوب صامد وصمود يشير لها :
‘ الاتنين اللي معاكم دول لا يمكن يكونوا بشر طبيعيين زينا، دول اكيد من مملكة الاقزام والعمالقة في العالم اللي أنت جاي منه ”
نظر سالار خلفه صوب صامد وصمود اللذين نظرا لمتولي بتشنج، بينما متولي أخذ يدور حولهما يفحصهما بانتباه :
” من وقت ما شوفتهم وانا شاكك فيهم وقولت مفيش بشر بالشكل ده ”
ابتسم له سالار بسمة صغيرة يقول بصوت هادئ يحاول إنهاء كل هذا :
” حسنًا يمكنك اخذهما وإجراء أبحاثك عليهما وحين تنتهي منهما اطلقهما للعودة، الآن نستأذنك نحن بالرحيل”
اعترض متولي طريق التحرك يرفض السماح لهم بالرحيل دونه :
” وانا ؟؟ مش هتاخدني معاكم ؟؟ مش انا العريف ؟؟”
همست تبارك في أذن سالار :
” حرام عليك يا سالار ناخده معانا ويبقى عريف مع العريف، اعتبره استبن يا اخي وانا اضمنلك أنه نفس القطعية والله بالضبط ”
رمقها سالار بحنق :
” نأخذ من ؟؟ أنا لم افهم نصف حديثك، لكن على أية حال، إيفان من الأساس يتحمل العريف بصعوبة وكل ما يمنعه من نفيه وصية عمي رحمة الله عليه، تخبرينني الآن أن آخذ له عريف آخر يماثله ؟؟ والله لو أنكِ تنتوين دفع إيفان لحرق المملكة فوق رؤوسنا ما اقترحتي هكذا اقتراح ”
زفر ثم نظر لمتولي يقول :
” انظر يا عم، نعم نحن من عالم آخر، لكن للأسف لا يمكننا اخذك معنا، لأنك ستكون عيننا في هذا العالم، أنت رجلنا في هذا المكان ”
نظر له متولي ثواني يحاول ايجاد كذبته، حتى ابتسم فجأة يقول :
” بجد ؟؟”
نظرت له تبارك تهمس بصدمة :
” ده صدق ..”
ابتسم له سالار يهز رأسه بنعم، ثم دس يده داخل جيبه يخرج بعض العملات الذهبية يمدها لمتولي ببسمة حقيقية يقول :
” نعم وهذه المقدمة عن عملك يا عم، وكل شهر سأرسل لك مثلهم وأنت كل ما عليك فعله تسلمنا أي أخبار هامة هنا، حسنًا ”
نظر له متولي ولم يهتم كثيرًا بالعملات الذهبية بقدر اهتمامه بالمنصب الذي حازه، لكنه ابتسم يتقبلها ويعد سالار بالاخلاص في العمل، ومن ثم تحرك الجميع بعيدًا عنه وتبارك تهمس لسالار بشفقة على العم متولي :
” ليه قولت كده وأنت عارف أننا مش راجعين ؟؟”
ابتسم لها سالار بحنان يقول :
” أنا لا احنث وعدي أو أسقط كلمتي تبارك، كل شهر سأرسل له صامد وصمود بالقطع الذهبية، ثم أنا كان يمكنني أخذه بسهولة معي، لكن هذا ليس عالمه وهذه ليست حياته تبارك، هو ولد وعاش هنا، وعليه أن يُدفن بأرضه حبيبتي ”
” لكن … أنا أيضًا …هذا ليس عالمي سالار، إذن لا مكان لي به ؟؟”
توقف سالار يقول بتعجب :
” كيف ذلك !! هذا عالمي وأنتِ ضلعي، كيف للضلع أن ينفصل عن الجسد تبارك، سفيد موطنك وعالمك، عالمك حيث يكون خاصتي ”
وكلماته هذه كانت أكثر من كافية لها لتبتسم وتشعر أنه أقنعها أو كما يقولون هنا ” تم تثبيتها بنجاح ” ليس سهلًا هذا السالار ….
” أوه أشعر أنك اقنعتني ”
ابتسم لها يغمز بخفة ومزاح غريب عليه :
” أنا مقنع في كل شيء حبيبتي، كيف برأيك افوز بالحروب ؟؟”
” بالاقناع ؟!”
” لا بل بالاقتناع ”
ختم حديثه بهذه الكلمة التي قصد بها قناعته الشخصية وثقته التامة بربه ومن معه، واقتناعه بكل ما يفعل، سحب يدها وهو يتحرك بها يبحث عن مكان للمبيت، وهي فقط تحاول فهم الفرق بين الكلمتين ومقصده بهما، هل ستفهمه يومًا على أية حال ؟؟
يا الله أشواط كثيرة تفصل بينها وبين سالار، ففي النهاية من وُلد وترعرع بين متحدثي الفصحى ومن أبدع فيها، ليس كمن تلقى كامل معرفته للفصحى من افلام الكرتون…
وفي هذه اللحظة ترددت كلمة سالار المميزة في رأسها بصوته حين كان يقول لها دائمًا ببسمة جانبية :
” لا يستوون…”
ونعم لا يستوون حقًا ….
______________________
بعد ساعتين تقريبًا وصل الجميع صوب أحد الفنادق الفخمة وقد فتحوا أفواههم بصدمة وانبهار شديد .
قالت تبارك بتعجب :
” كيف علمت عن هذا الفندق سالار ؟؟”
نظر لها سالار بعدم فهم :
‘ ماذا ؟! ما الذي تقصدينه ؟! أنا لا ادري لكن هذين الأخوين اقترحاه عليّ وأنا احببته، يبدو جميلًا لذا قررت تأجيره لليوم ”
تحركت عين تبارك صوبه بعدم فهم :
” تأجره ؟؟ تأجر ايه؟! الفندق ؟؟”
” نعم، أوليس للإيجار ؟؟”
” سالار هذا فندق ”
هز كتفه دون اهتمام وهو يحدق في الفندق بأعين غير مهتمة يضم كفيه خلف ظهره، غافلًا عن بعض النظرات المنبهرة التي تحلق حوله لأجل هيئته الجاذبة للأنظار بخصلاته ولونها النادر في البلاد وكذلك طوله وبنيته القوية :
” ومن ثم ؟؟ ”
صمت ثم نظر لها بانتباه يقول يتساءل :
” ما معنى فندق من الأساس ؟؟”
نظرت له ثواني قبل أن تقول :
” هذا…اممم …حسنًا منزل كبير ممتلئ بالعديد من الغرفة القابلة للتأجير لمدة أيام معدودة ”
هز كتفه يقول بتقرير :
” نعم، هذا ما قلته أنا سأستأجره ”
” ليس كله سالار”
” إذن ؟؟”
” هناك أشخاص غيرنا يسكنون باقي الغرف في هذا المكان، لذا ربما يمكننا أخذ غرف لنا لكن ليس كلها”
نظر لها ثواني، ثم عاد بنظره للفندق يحاول إدراك ما تقصد، قبل أن يقول بأعين ضيقة وقد خطرت له فكرة جعلته يتجاهل أي شيء آخر :
” تقصدين أنني سأجعلك تبيتين في غرفة وحدك وهناك أشخاص غرباء بالقرب من غرفتك ومنهم رجال ؟!”
نظرت له ثواني لا تفهم مقصده، أو أنها في الحقيقة لم تفكر في الأمر سابقًا، مهلًا هل ما يقوله منطقي حتى ؟؟
” ماذا ؟؟ أنا… أنا لا اعلم، هو كل شخص له غرفة منفصلة، ما علاقتي بباقي الأشخاص أو الرجال حتى ؟! ”
نظر لها سالار باستنكار، ثم ابتسم بسمة أخبرتها أن دخولها لهذا الفندق في هذه اللحظة ستكون من سابع المستحيلات، وقد كان إذ أمسك سالار يدها بقوة يقول بصرامة لا تدري أتضحكها أم تخيفها :
” سأكون ملعونًا إن سمحت لزوجتي بالنوم في غرفة مجاورة لغرفة قد تحتوي رجلًا غريبًا، الأمر أشبه بأن ادعو أحدهم ليسكن منزلي في وجود زوجتي واجعله يبيت في غرفة مجاوره لها وهي تنام وحدها، مرفوض ”
” سالار بالله عليك ..”
منعها بصرامة :
” ولا كلمة ”
نظر خلفه صوب صامد وصمود اللذين كانا يحدقان في المكان حولهما وكأنهما يبحثان عن شيء ما، يصرخ في وجههما بغيظ شديد :
” وانتما ذكراني ما الفائدة التي احضرتكما لاجلهما إن لم تساعداني لأجد مكانًا مناسبًا للمبيت ؟؟ ما فائدتكما في هذه الحياة عمومًا؟؟”
نظر صامد وصمود لبعضهما البعض ثواني قبل أن يُعيدا النظر له ببسمة واسعة غبية يتحدثان بنبرة واحدة :
” لأن رفقتنا تعجبك ؟!”
نفخ سالار ببسمة ساخرة :
” هذا أكثر سبب احمق مضحك في الحياة، أفضل رفقة جماعة من القرود عن رفقتكما أيها الـ ”
صمت ولم يكمل يزفر بقوة مستغفرًا :
” يا الله يومًا ما سألوث صحيفتي لأجل هذين الاثنين، إذن أخبراني بمكان ننام به لليوم ؟!”
نظر الاثنان لبعضهما البعض ثم هزا كتفيهما بجهل مرددين :
” لا ندري ”
اشتد غضب سالار يلوح بيده تحت انظار تبارك التي كانت تكتم ضحكاتها على حركاته الغاضبة، رغم كل شيء غضبه في هذه اللحظة كان يضحكها، إذ بدأ يتشاجر مع صامد وصمود بعصبية كبيرة والحيرة تبدو على وجهه واضحة، والجميع بدأ ينتبه له :
” ومن يدري إذن ؟؟ أنا ؟؟”
تحدثت تبارك وهي تحاول حل الأمر ربما لتلملم ما يحدث، أو لتبعد الإنتباه عن الرجل الأحمر الذي يقف في منتصف الطريق يصرخ بلهجة فصيحة سليمة وبملامح غاضبة جعلته أكثر جاذبية :
“سالار اهدأ رجاءً واخبرني ما مشكلتك مع الفندق ؟!”
” أخبرتك بالفعل ”
تنهدت بصوت مرتفع تقول :
” لا اعتقد أن هناك مكان آخر للمبيت اليوم، لذا ما رأيك أن نستأجر جناحًا كاملًا بعدة غرف لي ولك إن أحببت وهكذا تكون أنت من تجاورني في الغرفة”
نظر لها سالار ثواني، بينما هي حاولت إقناعه إذ بدأ جسدها يتذمر من الارهاق الذي تعانيه في هذه اللحظة .
وسالار اشفق عليها يقول بعد تنهيدة صغيرة :
” إذن ما الذي سنفعله الآن ؟؟؟”
ابتسمت تقول بسعادة :
” كم من الأموال تمتلك !!”
” لا امتلك اموالًا، بل عملات ذهبية فقط، كيف يمكنني الحصول على الأموال هنا ؟؟”
قال صامد مقترحًا عليه :
” يمكننا البحث عن عمل اعتقد هنا يتلقون اموالًا مقابل العمل، ستكفينا لنقضي بضعة أيام في هذا المكان ربما ”
وافقة صمود بكل بلاهة :
” نعم، لقد سمعت أن العملات هنا تختلف عن عملاتنا، لذا نحتاج لإيجاد عمل والحصول على أموالهم ”
هز سالار رأسه يفكر في حديثهما، هو لا يدرك إذا كان صحيحًا أو لا، لكن هم يأتون لهذا العالم كثيرًا لذا يدركون أكثر منه .
نظر صوب تبارك بحيرة وقد كانت أعين تبارك متسعة بصدمة وفمها مفتوح بدهشة، لا يدرك السبب، لكنه فقط قال :
” هل هذا صحيح ؟! احتاج لإيجاد عمل لاحصل على أموالكم ؟! وكم ساعة احتاج للعمل لاحصل على مبلغ يكفي للمبيت بضعة أيام هنا؟!”
في هذه اللحظة أدركت تبارك أنها تتعامل مع جانب آخر جديد من سالار، جانب أكثر لطفًا من جانبه العاشق، جانب الطفل الصغير الذي يتعرف على محيطه للمرة الأولى، وهذا للحق اعجبها…
يريد إيجاد عمل في دقائق يمنحه خلال ساعات مبلغًا يسمح له بقضاء بعض ايام في افخم فنادق القاهرة وفي جناح كبير لأربعة أفراد، يا الله أين رأت هذه الطموحات الخيالية من قبل ؟؟
أوه، نعم في احلام جميع شباب مصر أثناء طفولتهم .
ابتسمت تقترب منه تقول بمزاح وهي تمسك وجنته ببسمة :
” أوه كم أنت لطيف وظريف سالار ..”
نظر سالار ليدها باستنكار ونظرات جعلتها تنتزع يدها بسرعة وهو هتف لها بجدية دون أن يبتسم حتى :
” لا تفعلي هذا مجددًا”
عادت تبارك للخلف بخوف من نظراته، ثم حاولت الحديث، وهو امسك يدها يجذبها له :
” هيا سنبحث عن عمل لننتهي من هذا ”
أوقفته تبارك تحاول الحديث :
” مهلًا أي عمل هذا؟؟ هل تمزح معي ؟؟ أنت تحتاج للعمل سنوات طويلة لتحصل على ليلة واحدة داخل هكذا فندق ”
توقفت اقدام سالار فجأة يقول ببهوت:
” سنوات ؟؟”
” هزت رأسها تزفر بصوت خافض :
” حسنًا سالار، كم قطعة ذهبية تمتلك ؟؟”
نظر لها ثواني قبل أن يخفض حقيبته ارضًا يخرج منها بعض الاكياس القماشية المليئة بالقطع الذهبية :
” احضرت الكثير منها، ظنًا أنها ذات فائدة فالمرة السابقة اخذها مني ذلك الرجل مقابل الاشياء الفاسدة التي اشتريتيها في طريق العودة ”
اتسعت عيون تبارك وهي تشهق تندفع صوبه تدفع بيده ليعيد الاكياس للحقيبة وهي تهتف :
” يا نهار ابيض أنت بتعمل ايه ؟؟ خبي بسرعة، بتطلع الدهب كده عادي ؟؟”
” ماذا ؟؟ ”
” ماذا ايه أنت شكلك مش هتستريح غير لما يطلع علينا واحد ينفضنا من كل اللي معانا”
نظر لها سالار بعدم فهم وهي نظرت لهم جميعًا، ثم قالت بعد ثواني :
” سوف نذهب لبيع بعض العملات الذهبية وندخل للفندق حسنًا ؟؟”
ابتسم سالار بأمل:
” يمكننا فعل ذلك ؟؟؟ هل ستفي بالغرض؟!”
ابتسمت بسخرية تقول بصوت خافض :
” تفي بالغرض ؟؟ دي هي الغرض نفسه يا حبيبي …..”
رفعت صوتها تقول ببسمة وهي تنظر لهم كما لو كانت والدتهم تصطحب بعض الصغار في جولة كي تعرفهم على العالم المحيط لهم، وقد أضحت هي مرشدتهم هنا :
” إذن يا رجال هل نتحرك ؟!”
__________________
صباح جديد أتى على سفيد، لكن هذا الصباح تحديدًا كانت البهجة المنتشرة بين الطرقات مختلفة عن باقية الأيام، كيف لا واليوم عقد قرآن أميرة سفيد على قائد الرماة، واحتفالًا بشقيقته، فقد أمر الملك بتوزيع الحلوى والطعام على جميع أفراد المملكة، بل وفتح ابواب القصر لاستقبال كل من أراد مشاركتهم فرحتهم هذه …
وفي القصر أعلن الحارس بصوت جهوري وصول قافلة مشكى وقوافل أخرى من سبز وأبى، قوافل محملة بالهدايا مصحوبة بالامراء وبعض القادة من هذه الممالك، وعلى رأسهم ارسلان الذي قاد قافلة مشكى رفقة شقيقته التي دُعيت لعقد القرآن، فما كان له أن يتأخر يومًا على سعادة صديقه وأخيه ..
استقبل إيفان الجميع ببسمات يوزعها دون بخل، وقد كان في قمة سعادته، وها هو يترك تلك القمة ويحلق من السعادة حين أبصر اقترابها مع شقيقها مبتسمة ببشاشة سلبت لبه .
تنفس بصوت مرتفع حين وصل له أرسلان يفتح ذراعيه :
” مبارك إيفان”
ابتسم إيفان يولي كامل انتباهه لارسلان، يضمه بحنان يربت على ظهره بخفه :
” شكرًا لك عزيزي، العقبى لي إن شاء الرحمن ”
ابتعد عنه أرسلان يردد بصوت متعجب :
” مهلًا ألا تُقال العقبة لك ؟!”
ابتسم له إيفان بسمة واسعة مستفزة :
” لا عزيزي، العقبى لي، ومن ثم نفكر بك، فأنت شخص ميؤوس منك، والآن رجاءً رافقاني كي ارشدكما للغرف الخاصة بكما ”
ختم حديثه يوجه انتباهه صوب كهرمان التي كانت تقف بهدوء خلف أرسلان تنظر ارضًا، لا ترفع عيونها لأحد وهذا ما جعله يبتسم وهو يردد بخفوت وصل لها :
” جلالة الملكة….”
واخيرًا رفعت عيونها تنظر له بعدم فهم وتعجب، وهو ابتسم بخبث يضع على جبهته مدعيًا الصدمة :
” آه معذرة، اقصد سمو الأميرة، مرحبًا بكِ في سفيد والآن تقدمي رجاءً لارشدك حيث غرفتك …”
صمت وهو ينظر صوب أرسلان الذي كان يرمقه بحاجب مرفوع، يضغط على قبضته ليكمل إيفان سريعًا :
” وايضًا غرفتك هيا اتبعوني…”
وبالفعل تحرك بسرعة يحبط خطط أرسلان في لكمه، مبتسمًا بخبث، يتقدمهم واضعًا يديه خلف ظهره وهناك بسمة واسعة ترتسم على فمه، واخيرًا وصل للممر الذي يحوي العديد من الغرف والتي تعرف أرسلان على واحدة منهم، وقد كانت الجناح الخاص لإيفان، يبصر العمال يتحركون بحقائب شقيقته صوب الجناح المجاور له، ليبتسم بعدم فهم وهو يشير لهم :
” ما هذا ؟؟ ما الذي يحدث هنا ؟؟ هذه حقائب كهرمان ؟؟ ما الذي أتى بها لهذا الجناح ؟؟”
مال إيفان بنصف جسده ينظر لباب الجناح خلف ظهر أرسلان، يضيق ما بين حاجبيه مظهرًا تعجبًا :
” أوه صحيح ما الذي يحدث هنا ؟؟”
اوقف إيفان أحد العاملين يقول :
” ما الذي تفعله يا بني ؟؟ هذه اغراض الأميرة التي تضعها في الجناح هنا ؟؟ ”
توقف العامل ينظر صوب إيفان بتعجب، ثم قال باحترام :
” نعم مولاي، أولم تأمرنا بوضع اغراض أميرة مشكى في الجناح المجاور لك ؟!”
ابتسم إيفان بسمة واسعة مستفزة :
” آه صحيح لقد فعلت ذلك، حسنًا لا بأس هيا اكمل ”
نظر إيفان صوب أرسلان يقول وهو بضم كفيه خلف ظهره يفرد صدره بكل فخر لما فعل، بينما كهرمان تتابع ما يحدث بأعين متسعة من الصدمة دون كلمة منذ جاءت ..
وإيفان قال بكل بساطة :
” نعم أنا أخبرتهم أن يفعلوا فالغرف أصبحت محدودة بسبب كثرة الضيوف كما تعلم، ولا تقلق بخصوص جناحك فهو المجاور لي من الجهة الأخرى فلا غنى لي عنك عزيزي ”
رفع أرسلان حاجبه يرمقه بشر قبل أن يتلاشى فجأة قائلًا وهو يمد يده يجذب له كهرمان بهدوء وبسمة يضمها له من كتفها :
” لا بأس عزيزي، أدرك أن الغرف محدودة لذا سأوفر عليك واجلس بنفس الغرفة مع كهرمان، أليس كذلك حبيبتي ؟؟”
نظرت له كهرمان بتعجب :
” ها ؟؟ ماذا ؟؟ أوه نعم، لا بأس… أعني…لا بأس اخي ”
ابتسم أرسلان بسمة واسعة :
” إذن قضي الأمر، أخبر العاملين أن يضعوا أغراضي مع شقيقتي الحبيبة إيفان، اتعبناك معنا عزيزي ”
ختم حديثه يسحب كهرمان بعيدًا عنه صوب الجناح ليطمئن عليها ثم يخرج ليرى ما سيفعل، تاركًا إيفان مبتسمًا بغيظ وقد تلظى لتوه بنيرانه التي أشعلها بنفسه :
” حسنًا ربحت جوله ولم تفز بالحرب أيها الحقير …”
___________________
تسير معه بين طرقات تلك المنطقة الحيوية التي تتوسط العاصمة والتي يرتادها الكثير والكثير من السياح يوميًا، فأصبح مظهر زوجها مألوفًا أكثر للبعض، وبالحديث عن زوجها، كانت تسير خلفه بعدم فهم، فهو منذ استيقظ في الصباح طلب منها الذهاب لأحد الاماكن في طريقهم للمشفى، وحسنًا منذ متى كانت تضطر هي للمرور بمنطقة ” وسط البلد ” لتصل إلى المشفى التي تعمل بها ؟؟ المشفى التي كانت تجاور حارتها ببعض الشوارع فقط .
ولم تدرك تبارك أن هذه هي الطريقة التي وصل بها سالار لها، لذا في اعتقاده الشخصي أن لا طريق يقوده للمشفى سوى هذا الطريق الذي يجعله يدور في نصف القاهرة تقريبًا ليصل إلى مشفى كانت تبعد عنه خمس دقائق بالسيارة، وايضًا هو يفعل هذا لأجل شيء آخر..
اتسعت بسمته حين سمع صوت ارشده صوب غايته، تحرك بأقدام شبه مهرولة وهو يحث خطاه صوب مصدر آيات القرآن، نفسه محل التذكارات القديمة الذي قابل به ذلك الرجل الطيب سابقًا .
وقف أمامه ينظر لتبارك التي كانت متعجبة :
” عايز تشتري التذكارات ؟؟ أنت فكرت نفسك سايح بجد ولا ايه ؟!”
ورغم أنه لم يفهم مقصدها أشار ببسمة صوب باب المحل الزجاجي :
” جئت لاقابل أحد الأصدقاء القدامى هنا، هيا سأعرفك عليه ”
يعرفها عليه ؟؟ سالار سيعرفها على رجل ؟؟
وقبل أن تفكر في شيء وجدت الحماس يعلو وجه صامد وصمود بشدة يتهماسان بسعادة ولم تستطع التقاط شيء من حديثهما سوى كلمة ( شاي ) .
شاي ؟؟؟ ما الذي يحدث هنا ؟؟
ثواني وسمعت صوت الاجراس حين عبروا الباب الزجاجي لداخل المحل، ودون أن تسأل شيء شعرت براحة كبيرة من رائحة البخور وذلك الصوت الشجي في تلاوة القرآن بصوت الشيخ ( المنشاوي)، يا الله شعرت أنها ترغب في إحضار وسادة والنوم هنا، أجواء هذا المكان تعيد لها ذكرياتها حين كانت تسير للمشفى تسمع أصوات المذياع كل صباح وتشتم رائحة الطعام المصري يخرج من المنزل، عالمها لم يكن بالسييء كليًا، الكثير هنا صالحين، الخير ما يزال يسير بين الجميع .
بلادها وعالمها ليسوا عالم مفسدين، لكن الفكرة كلها أن الباطل يعلن عن نفسه بقوة، بينما الحق يتوارى بين أهله .
اتسعت بسمة سالار يلتفت في المكان وهو يقول بصوت هادئ مسترخي :
” السلام عليكم ..”
بحث بعيونه عن العم في المكان حتى وجد جسد يخرج من أحد الأبواب الصغيرة في ركن المكان، ابتسم بسعادة كبيرة سرعان ما تلاشت ببطء حين أبصر شابًا هو من يقبل عليهم :
” عليكم السلام اتفضلوا، بتدوروا على حاجة ؟!”
نظر سالار حوله يبحث عن ذلك العم، بينما الشاب يتابعه ظنًا أنه اجنبي لم يفهم كلماته فتحدث بلهجة إنجليزية جيدة للغاية ليس لدراسته تلك اللغة، بل لاحتكاكه بأهل اللغة لوقت طويل :
” تفضل هل اساعدك في شيء معين ؟؟”
نظرت تبارك صوب سالار بتعجب ليتحدث سالار وهو ما يزال يبحث عن العم :
” أين العم ؟؟”
نظر له الشاب بعدم فهم وتعجب أنه يتحدث العربية بل الفصحى كذلك :
” العم ؟؟”
هز سالار رأسه يقول :
” نعم، ذلك الرجل الطيب البشوش، لقد قابلته هنا منذ عدة أشهر، أنا متأكد أنني قابلته في هذا المحل، كان رجلًا في متوسط عمره بخصلات بيضاء وبعض التجاعيد في وجهه، صحيح ؟؟”
نظر خلفه صوب صامد وصمود اللذين هزا رأسيهما بموافقة كلية على حديثه يقول صامد :
” نعم حتى أنه منحنا شايًا لذيذًا وقتها ”
ابتسم الشاب لهما بسمة واسعة يشير صوب صورة تتوسط المكان يقول :
“قصدكم والدي ؟؟”
حدق سالار بالصورة ثواني قبل أن يهز رأسه ببسمة :
” نعم هو، هل هو هنا ؟!”
همس له الشاب بحزن ظهر واضحًا في نبرة صوته :
” توفاه الله من شهرين ”
بُهتت ملامح سالار، وهو ينظر لصورة ذلك الرجل الصالح يردد له الأدعية ويترحم عليه في نفسه، ثم قال لولده :
” لا حول ولا قوة إلا بالله، رحمه الله وغفر له وجمعه مع نبيه بالفردوس الاعلى، كان والدك صالحًا يا فتى”
امتلئت عين الفتى ببعض الدموع يهز رأسه:
” ربنا يرحمه يارب ”
ابتسم له سالار يربت على كتفه يقول بتشجيع :
” ترحم عليه ولا تحزن فقد انتقل والدك جوار ربه، غدًا نلحق به كلنا، لكن يا صديقي احسن إلى والدك وأكمل سيرته الطيبة في الدنيا وكن عمله الصالح الذي يستمر لبعد مماته، اكمل طريقًا سار به والدك”
هز الشاب رأسه يمحو دمعة فرت منه يتنهد بحزن وهم مكبوت :
” إن شاء الله ”
رفع رأسه له يقول بإدراك :
” متواخذنيش أنا نسيت اضايفكم، اتفضلوا هعملكم حاجة تشربوها ”
اتسعت البسمة على وجه صامد وصمود سرعان ما اختفت حين سمعوا صوت سالار يقول :
” لا تتعب نفسك، أنا فقط جئت أرد ديني لوالدك ”
نظر له الشاب بعدم فهم، دين ؟؟ أي دين هذا ؟؟ منذ متى كان والده هو من يُداين؟؟ والده رحل وترك لهم بعض الديون في رقبتهم، سد الكثير منهم قبل موته ببعض الأموال التي رزقه الله بها، والباقية لم يستطع، والده الذي تحمل ما يفوق الجبال بسبب إصابة والدته بالمرض الخبيث حتى رحلت وسبقته بعام كامل ..
الآن ترك له شقيقة تدرس وأخرى على وشك الزواج وهو ….هو حتى لا يمتلك ثمن ايجار هذا المحل الذي يأبى أن يغلقه ويمحو ذكرى والده .
” دينك لوالدي ؟؟ بس انا والدي مداينش حد مش فاكر أنه قالي حاجة زي دي ”
ابتسم له سالار يخرج من حقيبته سرة مليئة بالقطع الذهبية وهو يضعها في يد الشاب يقول ببساطة :
” ربما نسي والدك ذلك، لكنني لا انسى ديوني، أنا مدين لوالدك بالكثير يا فتى ”
ختم حديثه ثم ربت على كتفه يقول :
” أحسن لوالدك في مماته كما احسن إليك في حياته، استودعك الله ”
ختم حديثه يسحب يد تبارك التي كانت تنظر للجميع بتأثر شديد، ومن ثم هزت رأسها للشاب هزة صغيرة ورحلت معهم، تاركة الشاب خلفها ينظر لاثرهم بصدمة كبيرة، ينظر صوب القطع الذهبية لا يفهم ما يحدث، وفجأة ضربت رأسه جملة لوالده وهو يقول ( واحد ابن حلال ربنا بعته عشان يساعدنا في محنتنا يا بني، ربنا يسعده يارب ويكرمه في حياته) .
سقطت دموع الشاب بعدما استوعب فجأة، هذه السرة وهذا الرجل الصالح، هو نفسه من ساعد والده منذ شهور ؟؟
تحرك بسرعة لبوابة المحل وهو ينادي بصوت مرتفع :
” يا استاذ..يا استاذ ”
لكن وحين خرج كان قد فقد أثره لينظر صوب يده لا يدري ما يفعل، وفجأة ابتسم بسمة واسعة مرتاحة يهتف :
” الحمدلله، الحمدلله ”
أما عند تبارك التي كانت تسير جوار سالار مدت يدها تمسك خاصته وهي تضغط عليها بقوة، لينتبه لها ويستدير مبتسمًا بحنان وهي فقط زادت من بسمتها اتساعًا، وعلى غرار بسمتها ازدادت نظراته هو حنانًا، يجذب يدها وجسدها صوبه أكثر، حتى اضحت تسير شبه ملتصقة به تراه يوقف سيارة أجرة لتأخذهم صوب المشفى ..
ابتسمت تقول :
” أرى أنك بدأت تصبح خبيرًا في هذا ؟!”
ابتسم وهو يشرد في الطريق :
” في النهاية لم يكن هذا العالم مرعبًا بالقدر الذي تخيلته، لذا لا اظن أنني أمانع معرفة ما يحتويه، على الأقل لأجد مكانًا لي بعالم كنتِ تنتمين له تبارك ”
نظرت تبارك من النافذة التي يحدق منها لتبصر العديد من الأوجه منها المبتسم ومنها المقتضب منها الذي يظهر بشاشة وخير ومنها من يضمر شرًا، هذا صديق يعين صديقه وهذه ام تضم طفلها، وهذا زوج يوبخ زوجته، ورجل يصرخ في طفل، ببساطة عالمها ليس فاسدًا بالكامل، وايضًا ليس صالحًا بالكامل، عالمها ممتلئ بكل انواع البشر ..
” هذا وطني سالار، بلادي التي ورغم كل سييء بها، لم يستطع أن يمحو الجيد بين طرقاتها ”
صمتت ثم ابتسمت تقول بنبرة حنين :
” أوتعلم، العم متولي كان يردد دائمًا كلمات مازحة، كان طوال الوقت يقول أن مصر جميلة، بل في غاية الجمال، لكن دون بشر، وأنا كنت اوافقه في الحقيقة لأنني تلقيت الكثير من بعض الأشخاص، لكن بالتفكير في الأمر، بلادي جميلة بكل ما فيها، الأمر يعتمد على زاوية رؤيتك لها …”
ابتسم لها سالار يمسك كفها مرددًا :
” أي مكان أنتِ به جنة لي تبارك ”
تنهد ينظر أمامه :
” الآن علينا زيارة المشفى صحيح ؟؟؟”
هزت رأسها وهي تنظر تردد بريبة من القادم :
” نعم، علينا ذلك …..”
__________________________
توافد الكثير من شعب المملكة وبعض التجار من الممالك الأخرى الذين كانوا في سفيد صوب القصر للاحتفال بعقد قرآن الأميرة، البهجة كانت تنتشر على وجوه الجميع وهم ينتشرون في الحديقة التي تجاور المسجد، جزء للنساء والجزء الآخر للرجال، وقد تولى الحراس التنظيم والاهتمام براحة الشعب ..
في اللحظة التي كان الجميع يستعد لبدء عقد القرآن، كان هو جاء لغرض آخر، غرض لا يشاركه به أحد الموجودين .
تحرك بخفة بين الجميع وبسمته تلتمع بسعادة كبيرة، يتناول الحلوى والمشروبات من العاملين، حتى توقف يشعر برغبة في الذهاب للمرحاض يسأل بعض المارة عن، فارشده أحد الحراس له، وهو تحرك بهدوء صوب المبنى الصغير الذي يقبع في جوار مبنى الحراس .
وهناك تلاشت بسمته ينحرف في طريق آخر غير ذلك الذي جاء منه، تحرك بسرعة دون أن يبصره أحدهم ينصهر بين الجميع مستغلًا الزحام وانشغال الكل في تنظيم عقد القرآن حتى دخل مبنى الغرف الملكية، يتحرك بين ممراته بانبهار شديد، لكن فجأة دفع كل ذلك الانبهار جانبًا وهو يبحث عن وجهته، حتى ابصرها واضحة، غرفة مزينة والعديد من النساء تخرج منها بوجوه سعيد، إذن هذه هي غرفتها للعروس ؟؟
العروس التي كانت تفترش الحصير مع والدتها كالعبيد له ولشقيقه، الآن تسكن القصور ويقام لها احتفالات ؟؟
ابتسم بسمة غاضبة وقد غلى الحقد في صدره، الغضب أكله، هذه الحقيرة هي سبب كل تعاسته وتشرده بين الممالك هاربًا، كان هو من ضمن الرجال الذين دخلوا سفيد متخفيين في الأسواق وقد أبصر بعيونه ذات يوم زمرد تسير بين الجميع في الأسواق فاشتعلت عيونه بالانتقام وقبل أن يقترب منها بخنجره أبصر اصطدامها في أحد رجالهم لتشتعل الحرب بينها وبينهم ..
الأمر الذي جعله يتراجع بسرعة يتخفى بعيدًا عن أنظار الحراس وقد وصله أن الحراس وبمساعدة الأميرة أمسكوا جماعة من المنبوذين بين الأسواق، هرب وانصهر بين شعب سفيد متخفيًا لأيام طويلة يبحث له عن مدخل ليتخلص منها ويعود منتصرًا لبافل، لكن وصله خبر سقوط بافل، بل وحكم تلك الحقيرة عليه، لذا اشتعل الانتقام أكثر في صدره وأقسم على قتلها، حتى وإن قُتل بعدها بثانية واحدة فلن يهتم، هو خسر كل ما يملك وانتهى الأمر .
توقف أمام الجناح الخاص بزمرد يسمع العديد من الأصوات بالداخل ففكر بالانتظار بعض الوقت حتى يخرجون وتبقى وحدها .
وبالفعل تخفى الأخ الأصغر لها في أحد الممرات ينتظر لدقائق ودقائق طويلة حتى وجد بعد بعض الوقت الكثير من النساء يخرجن من الغرفة فخمن أنها ظلت وحدها، ولا حراس هنا؛ لذا هذه فرصته الوحيدة .
اندفع بسرعة صوب غرفتها يفتح الباب بقوة، يدخل لها مغلقًا الباب خلفه بعنف وهو يردد مبتسمًا بشر :
” مرحبًا اختي العزيزة …….”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مملكة سفيد)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى