رواية ملاذ قلبي سكن الفصل العاشر 10 بقلم عائشة حسين
رواية ملاذ قلبي سكن الجزء العاشر
رواية ملاذ قلبي سكن البارت العاشر
رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة العاشرة
دخلت المنزل متسلحة ببرودها وثباتها المفتعل، مقررة أن ترد له بضاعته كلما سنحت لها الفرصة..
طرقت باب المنزل مناديةً لينتفض واقفًا حينما عبر صوتها لأذنه، تحفزت كل خلاياه وتنبهت حواسه، فهذه أول مرة تتنازل الصغيرة وتأتي بعد ما حدث.
أذِنَ لها بترقب وهو يتقدم ناحيتها مستقبلًا بلهفة (اتفضلي يا سكينة)
ابتسمت وهي تخطو للداخل(ازيك يا دكتور حمزة) ازدرد ريقه وأجابها ونظراته تتأملها بإرتباك وقلق (ازيك إنتِ)
تسألت وهي ترمي نظراتها في أرجاء المنزل (فين مرت خالي ورد.؟)
أجابها بحنان لا يعرف مدى تأثيره عليها (فوج وجالت لما تيجي اطلعيلها)
لم يكمل كلمته، اندفعت ناحية الدرج تصفعه بتجاهلها وعدم اهتمامها بوجوده من الأساس، تهرب منه ومن قلبها،بينما ظل هو متابعًا لها بنظراته حتى اختفت.
تبدلت كليًا منذ ماحدث، لم تعد تطالعه بتلك النظرة المنبهرة التي يحبها منها وتجد صدًى رائعًا داخل نفسه، تختصر معه الحديث وتجعله قدر الحاجه والمستطاع.. باردة بإبتسامة ثلجية، أعادته غريبًا كما قبل بل وأكثر..
جلس مكانه ضائقًا بالوضع، الأمر يزعجه بشدة ووجودها أمامه بإسلوبها الجديد معه يضايقه ويُشعره بالذنب والندم.
كل مرة يحاول تفسد محاولته وتسخر من رغبته في إرضائها.. تنهد عائدًا لهاتفه من جديد
بالأعلى وقفت أمام حجرة ورد ملتقطةً أنفاسها قبل أن تطرق الباب مستأذنة.
أدركت ورد على الفور هويتها فابتسمت وأذنت لها بمحبة (ادخلي ياسكينة)
فتحت الباب ودخلت بوجهٍ باش كعادتها، تشاكسها بحلو روحها (ايه الجلسة السرية دي.؟ بترجّعي الذكريات ولا إيه.؟)
فتحت ورد ذراعيها في دعوة منها لاحتوائها، تقبلتها سكينة بلهفة واستبشار، ركضت مندفعة بحماس لذراعي ورد محتمية بهما من مشاعرها وألمها وغصاتها التي لا تنتهي، تطرد بأمانهما أذرع الشياطين التي تحاوطها.
(ازيك يا حلوة)
أغمضت عينيها متنهدة، متذكرة كلمته لها الدائمة حين يكون رائقًا، ورد تذكرها دائما بما تريد نسيانه، كأنها تأبي أن تفعل.
(الحمدلله بخير)
رفعت رأسها تُطالعها بتفحص قبل أن تضيّق عينيها متسائلة(جاعدة هنا ليه.؟)
نظرت ورد لعيني سكينة بقوة وهي تمد أناملها لذقنها قائلة وكأنها تقرأ صفحات نفس الأخرى وتكشف ما سترته داخلها (فيكِ حاجة متغيرة يا سكينة)
قطبت سكينة بحيرة ترجمتها لإرتجاف خوف أحسته ورد فابتسمت، قالت سكينة متخبطة كعصفور لا يعرف الطيران (حاجة إيه.؟)
أجابتها ورد بصبر وفطنة
(عنيكِ بتهرُب مني كإنك خجلانه أو مكسوفة) أبعدت سكينة نظراتها وقلبها يضرب بعنف، صدرها يمتليء بهواء الخوف والقلق من نظرات ورد الثاقبة التي تعرّي روحها ولا تقدر على الهرب منها ومن أسرها.
ابتعدت قائلة (أنا لا مفيش)
وقفت تدور في الحجرة متصنعة السعادة (حلوة الأوضة يا خالتي وريحها حلو.. تنفست بقوة مغمضة العين قبل أن تفتحهما على ابتسامة ورد قائلة (وريحتها جميلة..؟)
تهربت مرة أخرى من نظرات ورد المتربصة بها التي تنتظرها..أجابتها ورد وهي تنهض متجهة للخزانة (الله يحلي دنيتك يا سكينة ويحفظ جلبك لحبيبك)
قطبت مستفهمة، تساءلت بعدم فِهم (يعني إيه.؟)
وضحت ورد مبتسمة برقة (ربنا يحفظ جلبك للي يستحجه، للي يحبك ويحافظ عليه وعليكِ)
هزت رأسها متفهمة، متأثرة بكلمات ورد وهمسها الدافيء.. ضمتها من ظهرها هامسةً (بحب كلامك جوي يا خالتي ورد..)
ربتت ورد فوق ذراعيها اللذان يحيطان كتفيها بتقدير قبل أن تبعدها قائلة (تعالي أوريكي حاجة)
التمعت عينا سكينة بالحماس؛ قبل أن تسألها بفضول (حاجة إيه.؟)
مدت ورد يدها في الخزانة لتُخرج جلباب لامع ما إن أبصرته سكينة حتى اتسعت عينيها بإنبهار وقفزت هاتفة (بدلة الرجص الي خيطتيها..؟)
هزت ورد رأسها بتأكيد وابتسامة عطوف ترتسم على وجهها، لتجذبها منها سكينة وتفردها متطلّعة إليها بشغف (حلوة جوي زي بتوع زمان)
سقط من الجلباب شيئًا فانحنت سكينة لتلتقطه، قلّبته بين كفيها بإستفهام غير منطوق قبل أن تفغر فمها وترفع نظراتها لورد منتظرة تأكيدها على ما فهمته لتؤكد ورد سعيدة بحماس الصغيرة وهذا الشغف (أيوة خلخال)
سحبتها وهي تحيط كتفيها هامسةً ببعض الخجل، متذكرة ما قد سلف (خالك جابهولي علشان البدلة تكمل)
مازالت سكينة منفعلة، تتأمل ما بيدها بسعادة وانبهار طفولي.. أجلستها ورد وجلست بجانبها تقصّ عليها مبتسمة بحنين (حتى جناني كان بيسايرني فيه بصبر..كان مع كل الناس حاجه ومعايا أنا حاجه )
لفظت سكينة إعجابها (حلوين جوي..)
ثم أردفت بتفكير عميق (الي محبش زيكم مش هيحب يا مرت خالي، جصتكم خلتنا منرضاش بالجليل ولا عايزين أي حاجه)
قالت ورد بحنان أمومي فطري وهي تقرصها وجنتها (مترضيش بأي حاجه يا جلب مرت خالك، جلبك احفظيه للي يستاهله وتكوني لجلبه سكن، حتى لو هتستني عمر)
تنهدت سكينة في إحباط قائلة (لو لجيته بجا.؟)
ضربتها ورد بخفة معاتبة بلطف مستدرجةً لها (مش هتجوليلي برضو متغيرة ليه، وجلبك ماله متغير)
زوت سكينة ما ببن حاجبيها مفكرة بإستطراق، تنازع بين رغبتين البوح وخسارة ورد والصمت وبقائها..لا تريد أن تفقد ورد كما ولدها.. صبرت ورد تتأملها بإشفاق وقلبها يتمزق من شدة ما تعانيه الصغيرة ويظهر على ملامحها، لتبدّل الحوار قائلة محتويةً لها (ابجي كلميني ياسكينة، هستناكي دايمًا..)
هزّت سكينة رأسها ممتنة لتفهم ورد ورقة مشاعرها واحتوائها شتاتها بصبر وتحامُل.. أعطتها الثوب والخلخال فقالت ورد واعدة لها (يوم ما تتجوزي الي بتحبيه وتكوني سكنه وتلاجي الي يستاهل جلبك الحلو دِه.. اعتبريهم هدية فرحك)
حملقت سكينة فيها غير مصدقة، لتزفر بإحباط وتقول بيأس (افرض ملجتهوش الأخ.؟ مش هاخدهم.؟ )
رفعت ورد حاجبًا واحدًا تخبرها (ساعتها مش ليكِ الهدية) ثم أردفت بثقة بثت الأمل في قلب الأخرى (هتلاجيه، بكره أفكرك يا سكينة)
قالت سكينة ساخرة وأناملها تمرّ فوق خيوط ثوب ورد برقة (مش مشكلة اهي ماشية، المهم ميكونش ف الأخر سعد)
نهضت ورد تعيد الثوب بعد أن طوته بعناية وهي تهز رأسها متأففة (أعوذبالله اتفائلي خير)
قالت سكينة بضحكة شقية (هحاول)
عادت ورد لمجاورتها توصيها بحب ونبرة تحذيرية (حافظي على الصلاة والأذكار يا سكينة ومتسبيهمش)
هزت سكينة رأسها بالموافقة ثم قالت وهي تتثاءب (من ساعة ما دخلت هنا وأنا عايزه أنام.. ما تسبيني أنام شوية بجالي يومين منمتش)
ربتت ورد فوق رأسها قائلة بإبتسامة (نامي ياحبيبتي وماله.. وأنا جنبك شوية وأصحيكِ)
أوصتها سكينة وهي تتمدد متدثرة (أوعي تطلعي وتسبيني)
قالت ورد بإبتسامة حنون (لا متجلجيش نامي وإرتاحي بس إنتِ)
همست سكينة وهي تغمض عينيها بعدما ثقلا جفنيها بغرابة وكأنها تناولت مخدرًا (أنا بحبك جوي يا ورد)
أخر ما رأته كان ابتسامة ورد قبل أن تغوص في نوم عميق لا تتخلله الكوابيس، بل كلها أحلام وردية.
وضعت ورد نظارتها الطبية وأمسكت بكتاب مقررة البقاء بصحبة الصغيرة والإيفاء بوعدها لها.. ابتسمت حين وصلتها غمغمات الصغيرة الرائقة باسم ولدها ونطقها له بهذا الشكل الرائع كأنه هدية القدر وغيثٍ لملهوف..
*******
اليوم كتب كتاب عمار، الجميع يستعد للمغادرة حيث منزل العروس.. تجمعوا بمنزل راضية منتظرين أن تقلّهم السيارات لمنزل العروس..
خرج حمزة من حجرته يمسّد ملابسه قائلًا (لازم أحضر يا ورد.؟) ابتسمت ورد لهيأته وغمغمت تطرد عين الشياطين عنه قائلة (عمتك لو مروحتش مش هتروح يا حمزة)
جلس بجانبها مشاكسًا (بس إيه الشياكة والحلاوة دي الي يشوفني يفتكر إنك مرتي)
ربتت ورد فوق خده بتقدير وحنان وهي تخبره بأمنية قلبها (كان نفسي يا حمزة أفرح بيك كِده وتعمل فرح كبير)
تهرّب قائلا وهو يربط خيط حذائه(يعني الي اتجوزوا خدوا إيه يا ورد.؟)
رفع جسده وسألها ضاحكًا (إيه رأيك فابنك أعجب يعني.؟ هطلعلي بعروسة ترضى بالحزين الفجري.. ولا هتخاف تموت هي كمان.؟) قهقه مستخفًا ساخرًا من وضعه، تجعّد جبين ورد بحسرة وألم مدركة أن سخريته من حاله ما هي إلا الآم نفسه وأنين روحه ابتسمت قائلة (شاور إنت بس يا حبيب أمك وشوف) قالتها بثقة وفخر لينحني ملثمًا ظاهر كفها قائلًا (لا و على إيه لتموت هي كمان)
لم تتحمل كلماته أغرورقت عيناها وهي تدفعه بصوت اختنق بغصة الدمع (جوم يا حمزة متوجعش جلبي جوم)ضم شفتيه بأسف معتذرًا لها وهو يقبّل رأسها (متزعليش مني)
أبعدته تضربه على كتفه هاتفة بضيق (أنا زعلانه عليك..)
مسح دموعها بأنامله وهو يتوسلها (خلاص ياورد ده يوم تروحي فيه باكيه لعمتي.. كفاية هي تلاجيها من أول اليوم بتبكي على جوزها وأبوي)
مسحت دموعها ونهضت قائلة (جوم يلا نروحلهم)
في منزل راضية جلس الجميع منتظرين قدوم السيارات، سكينة منشغلة بهاتفها كعادتها مؤخرًا تراسل ابن عمها تحكي له عن تفاصيل الليلة وضيقها من الذهاب..
دخلت ورد تعقد ذراعها بذراع ابنها الذي خطف الأنظار بطلته الجذابة ووسامته الشديدة ..
تعلقت النظرات به في إعجاب واضح.. لتضرب عاليا كتف سكينة هامسةً (شوفي الدكتور جمر كيف يابت.خسارته والله)
رفعت سكينة رأسها تطالعه لترى، تأملته بإنبهار امتزج بإعجابها الذي لم تخفيه نظراتها.. أخفضت نظراتها ضائقة من شعورها، وعادت للمراسلة تحاول أن تشتت أفكارها بعيدًا عنه وتسيطر على رغبتها في تأمله.
ترك والدته تدخل وغادر..وقف بعيدًا ممسكًا بهاتفه حيث لا أحد يهتم بوجوده ولا يشارك أحدًا الحديث.
مالت نفيسة تهمس بأذن راضية (هو حمزة هياجي معانا..؟)
قالت راضية بفخر (أيوة أمال إيه.؟ ده قبلي)
مصمصت نفيسة قائلة تستحل نقمة راضية بكلماتها (قبلك إيه.؟ إنتِ مش خايفة على ولدك.؟)
تعجبت راضية من كلماتها لا تفهم مقصدها الملتوي (وأخاف ليه.؟)
قالت نفيسة وهي ترمي نظراتها تجاه ورد التي استقبلتها سكينة وحلت محل حمزة، لفت ذراعها حول ذراع ورد وانعزلت بها تثرثر (واد أخوكي يعني جدمه عِفش فخافي على ليلة ولدك وجوليله ميروحش)
انتفضت راضية ملدوغة بسموع نفيسة، تطرد شياطين الأخرى بقوة (واه يا حزينة واد أخوي أنا جدمه عِفش.؟ كنك اجنيتي عيزاني أجول للغالي ميروحش.؟)
مصمصت نفيسة بحنق وهي تشيح برأسها في كبرياء
بينما قالت راضية بحدّة وصوت ارتفع قليلًا من شدة غضبها (واد الغالي يروح قبل الكُل.. والي هيزعله هو ولا ورد بكلمه مالوش مكان عندي.. الي يجيني يا يفرح لفرحي يا يفارجني)
انتفضت نفيسة بغضب ساحق تُعلن (خلهملك والله ما أنا رايحه..)
أمسكت راضية بذراعها تستوقفها، أول الأمر ظنت نفيسه أنها تستبقيها فأشاحت مترفعة لكن راضية فاجئتها وقالت من بين أسنانها تحذرها (إياكِ تكتري في الحديت على حمزة… حمزة بس يأشر وأنا أجبله بدل العروسة عشرة..) ثم مالت تهمس (عندي بدل البت اتنين يا نفيسة مينجصهمش حاجه، والله فسماه لو جال يا جواز لابعتهاله لبيته مجهزة من الإبرة للصارخ.)
تركت ذراعها تطردها بنفور (روحي الله يصلح حالك.)
تخصرت نفيسة زاعقة (بجا كِده يا راضية.. ماشي والله ما رايحه ولا مجدراكي)
هزت راضية كتفها بإستهانة لقرارها، لتزمجر نفيسة وتهرب في غضب جنوني لكن قبل أن تخرج رمت ورد بنظرة مشتعلة حاقدة.
همست سكينة متعجبة (مالها الناجصة رباية بمناخيرها الكبيرة دي ؟)
كتمت ورد ضحكتها وهي تلكزها موّقفةً سخريتها رحمة بها من لسان نفيسة.. لتؤكد سكينة هازئة (مناخيرها بتفنش ناجص تاخدها وتطير)
قهقت ورد تحاول ردعها (اسكتي)
قالت سكينة بطاعة (سكتّ اهو)
بالخارج كان واقفًا ينتظر أن تطلّ عليه، أن يراها تلك الليلة.. كيف ستبدو.؟ تذكر حلمه الخاص بتلك الليلة فازداد شوقه لرؤيته.. لمحها واقفة بصحبة بعض الفتيات فاقترب منها مُناديًا (سكينة)
لم يسيطر على لهفته الشديدة التي غمرت أحرفه وهو يناديها منتظرًا أن تجود عليه بنظرة، استدارت لا تقل لهفةً عنه، حينما أبصرته نظراتها افترشت الخيبة ملامحه وابتلع هو ابتسامته التي كانت تتهيأ للظهور أمامها، همس بخيبة واستنكار (مودة)
قالت مودة بإبتسامة مهزوزة (ازيك يا دكتور)
تخللت أنامله خصلاته مبررًا (كنت فاكرك سكينة فكنت عايز ورد)شعرت مودة بالحرج والخجل خاصة أن نظراته تفسر غير ذلك، تنطق بخيبة عظيمة.
هزت رأسها ليبتسم في عملية قائلا (عقبالك يا مودة)
همست ومازالت الحزن يأسر ملامحها رغم ابتسامته (شكرًا يا دكتور) انسحبت بعدها تخبر ورد.. وعقلها يربط الكثير من المواقف ببعضها.
ورد لم تقلّ عنه انزعاجًا وصدمة حين رأت مودة ترتدي الثوب الذي حاكته لسكينة، وتمنت لو انفردت بها وعلمت منها السبب فمال هديتها وأمرها مع حمزة.؟ كيف أهدتها لأختها.؟ كتمت ورد كلماتها في جوفها حتى تنتهي الأمسية وتعرف بنفسها إجابة أسئلتها.
******
هناك بمنزل العروس
مال يهمس في أذن والدته بعدما فتش عنها في الوجوه ولم يجدها (سكينة فين.؟ مجاتش.؟)
قالت والدته بأسف ضائقة وقلقةً لأجلها (تعبت وخدتها عاليا ومشيت )
قطب في ضيق، منزعجًا بشدة من اختفائها وتعبها المستمر دون اهتمام من عمته والباقين، حُرم اليوم من رؤيتها، داخله يحدثه أنها ليست بأفضل حال، تعبها الكثير يقلقه عليها… مال يهمس في أذن والدته من جديد (خلينا نمشي احنا علشانها يا ورد يمكن تتعب بزيادة وبيت خالها إنتِ عرفاهم)
أومأت ورد بإستحسان، قبل أن تمزق الجموع بجسدها الواهن وتذهب لراضية معتذرة، تلك التي عبست رافضة لكن مع إصرار ورد وافقت ورضخت.
أمسك بذراع والدته وخرج من المكان، ينهشه القلق عليها لاعنًا كل شيء.
قالت ورد مبتسمة بأمل (عقبالك يا حمزة، افرح بيك وأشوف عيالك)
بادلها ابتسامتها بصمت، هي لن تتنازل وهو لا ينكر حقها في رؤيته سعيدًا هانئ البال ورؤية أحفادها من ثمرة حبها وعمرها.. في شروده غفل هو عن دموع حسرتها عليه وحزنها لما أصابه.. كم تتمنى لو عاش تلك اللحظات ونال سعادته المنشودة.. مسحت دموعها حينما هتف بإهتمام (رني شوفيها فين.؟)
رفعت ورد هاتفها محاولةً الاتصال بالصغيرة، التي كانت وحدها الآن مندسة بين الأغطية.. تحادث ابن عمها وعمها.. انتفضت حين أضاءت الشاشة باسم ورد.. أنهت الاتصال وأجابت بإرتباك (ازيك يا مرت خالي ورد.؟)
سألتها ورد عن مكانها الآن
فأجابتها بتلعثم كمذنبة تخشى الإعتراف (فأوضتي هكون فين.؟)
تهندت ورد قائلة (طيب تعالي اجعدي معانا أنا رجعت علشان الدوشة وعلشان أطمن عليكِ)
هتفت سكينة بطاعة (حاضر هلبس وجاية..)
أنهت ورد الاتصال وقالت بعملية منتزعة العاطفة من كلماتها (كويسه وجاية يا حمزة)
تنفس مطمئنًا يخبرها بإقتضاب (تمام)
جاء سؤالها أقرب للوم والعتب وهي تطالعه بنظراتها الثاقبة (مش هتعترف إن سكينة سايبة جواك حاجه.؟)
أوضح لها بتنهيدة مصارحًا لها بمشاعره فما كان ليخفي عليها شيئًا وهي التي أقرب إليه من نفسه (حاسس دايما إني مسئول عنها من يوم ما شوفتها يا ورد، بتفكرني دايما بنفسي وتوهتي وبخاف عليها من اندفاعها .. مش عارف أنسى إنها أكتر حد اتجبلني هنا منهم بعد عمتي وهونت عليا كتير.. ولا جادر انسى دفاعها عنك طول الوجت، لكن المشاعر لاه يا ورد.. وحتى لو حصل.. لاه)
حاورته بهدوء (ليه.؟ البت متعلجة بيك ومش هتلاجي حد زيها يا حمزة.. دي لو خدتها هتبجا بالدنيا، دي بأهلك كلهم..)
ناقشها بهدوء ليستقرا على أمر ويغلقان تلك الصفحة دون لوم (فرق بيني وبينها ١٠سنين ياورد.. صغيرة ومستجبلها لسه جدامها، ترتبط بواحد زيي ليه.؟ )
قالت بصبر (إنت عارف فرق السنين دِه عندنا عادي، ومستجبلها هيبجا معاك إنت وإنت مش هتجصر، وبعدين مين زيك ولا ينجصك إيه.؟)
قال بحزن (لا لو معايا أخت مش هرضالها بواحد زيي أرمل هي تستاهل واحد يحبها يديها مش مستني ياخد ويرمم وجعه بيها)
نظرت إليه بغم، متأسفة لحاله وعناده، تخبره بوجع (هتندم يا حمزة وهفكرك)
ابتسم قائلًا وهو يركن سيارته استعدادًا للنزول فقد وصلا للمنزل بسلام (مفيش ندم ولا حاجة ربنا يصلح حالها.. وسكينة حد علمي خُطابها كتير)
فتحت باب السيارة قائلة وهي تستعد لمغادرتها (الله يهديك يا حمزة عمتك تتمنى تطلب حاجه)
قال ساخرًا (وأنا مش هستغل حب عمتي ليا)
شعرت باليأس منه ومن جداله والحديث معه فصمتت، استقبلت سكينة مجيئها بحب مندفعة تحتضنها بسعادة أثارت شكوك ورد، ليست حزينة ولا متعبة بل على العكس.. غادرت معها للمنزل تثرثر كعادتها متجاهلة الحديث عن حفل عمار الذي يُقام في منزل عروسه.. بينما غادر حمزة لمنزل جده.
صنعت سكينة لنفسها كوبًا من الكاكاو الساخن وجلست تشاكس ورد التي فاجأتها بسؤالها (اديتي الفستان لمودة ليه يا سكينة.؟)
تركت كوب الكاكاو واقتربت تفسر بحزن احتل فضاء عينيها (يعز عليّ يا مرت خالي ورد إني أفرّط فهديتك بس…
صمتت مرتبكة لتحثها ورد (بس إيه.؟)
أجابتها سكينة متغاضية عن السبب الأساسي (مودة عجبها الفستان وكان نفسها تلبسه ومجدرتش أرفض.. سامحيني)
اندفعت تطوّق ورد بإعتذار وأسف، فربتت ورد على ظهرها مبتسمة بحنان، لا تُثقل على قلبها بل وعدتها مبددة حزنها(هعملك غيره كتير جوي ولايهمك ياحلوة.. اشربي يلا)
رمشت سكينة ومازال لفظ التدليل خاصته له صدىً بنفسها رغم العطب الذي تركته فعلته بروحها.. تذكرت كيف انتزعت نظراتها منه عنوة حينما رأته بحلته الرسمية مشرقًا بجاذبية تخطف القلب.. رغم عدم اهتمامه الذي لاحظته وضيقه من الذهاب لكنه خطف الأنظار منذ أول وهلة وحدّقت فيه عيون كل من جاءوا بإعجاب واضح، كم أوجعها قلبها عليه الليلة وهو ينزوي وحيدًا بعيدًا عن الجمع فافتعلت شجارًا وتعبًا متعمدة حتى يتركوها، تغادر مع عاليا لا تحب أن تراه هكذا، قبل ما حدث كانت تقترب هي وتشاكسه، تشاركه الثرثرة حتى لا يشعر بغربته وسطهم، لكن الآن مات كل شيء وبقيّ الألم لا يزول
أفاقت من شرودها على صوت ورد (عقبالك يا سكينة.؟)
ابتسمت لها قائلة ساخرة وهي ترتشف من كوب الشيكولا الساخن (دي أخر فرصة ليا مع راضية لو فشلت هتجوزني دِه اخر قرار)
ابتسمت لها ورد قائلة (خير يا حبيبتي، نصيبك مستنيكِ مش هتستنيه )
طردت فضولها بعيدًا وواصلت الثرثرة فعلى أيه حال هي لا تفهم ورد كثيرًا ولا ما تقوله.. صدمتها ورد بقرارها النهائي(ماشيين بكرة يا سكينة)
تركت سكينة الكوب وقالت محملقة فيها (بجد)
هزت رأسها ونظراتها تحتضنها بحب، لكن الصغيرة لم تكتفِ واندفعت تضمها وهي ترجوها بدموع حارة قفزت فورًا (خليكِ شوية)
أجابتها بحزن (حمزة مش راضي معاه شغل)
قالت متوسلة (خليه يمشي لوحده)
قالت ورد بنبرة مشفقة (مالوش حد غيري مجدرش أسيبه)
ابتعدت سكينة تمسح دموعها قائلة بإستسلام (نشوفكم بألف خير يارب)
ابتسمت لها ورد قائلة (وإنتِ بخير) انسحبت بعدها سكينة لاتستطيع السيطرة على حزنها ولا بكائها..
عادت راضية ومودة من الإحتفال تاركين عمار الذي قرر السهر مع زوجته الليلة، افترشا الأرض أمام المنزل ككل ليلة وجلسوا يسترجعون الماضي وذكرياته، هبطت سكينة تشاركهم تلك الأمسية الأخيرة، جاورت ورد ملتصقةً بها تستمع لما يحكونه بصمت، أحيانا يتدخل هو في الحديث وأحيانًا ينعزل بهاتفه عن العالم.. أراحت هي رأسها على كتف ورد تلفّ ذراعها بذراع ورد، كأنها تخشى إفلاتها فتصطدم بالفراق.. ابتسمت لها ورد بحنو وأشفاق منقلة نظراتها بينه وبينها داعية الله لهما بصلاح الحال.
انتظمت أنفاسها فأيقنت ورد أنها غفت على وضعها،فتركتها رحمة ولطف بها. الصغيرة تتشبث بأخر اللحظات معها ..
من حين لآخر كانت نظراته تهرب راكضة بإتجاهها على استحياء، ابتسم برأفة من وضعها ونومتها على كتف ورد.. لكنه أشفق عليها أكثر من برودة الجو..
دار حولهما حتى جلس فوق عتبات المنزل خلفهما، تصنّع الإنشغال بهاتفه قليلًا، حينما اطمئن لإنشغالهم عنه وانغماسهم في الحديث.. مدّ كفه وسحب طرف شال والدته المتدلي من ناحية سكينة ورماه فوق كتفيها يقيها البرد.. حين أتم مهمته نهض متجولًا حولهما منشغلًا بهاتفه من جديد.. يظن أن أحدًا لم يره لكن كان زوج من العيون، يتابعه بصدمة من فعلته و حزن عميق وأسف.
ابتسمت والدته لفعلته البسيطة، واهتمامه رغم ما يدعيه من تجاهل.. عادت بأفكارها لراضية تبادلها الحديث والثرثرة حتى انقضت السهرة، وأيقظتها والدتها (جومي يا سكينة)
زاد تعلقها بذراع ورد رافضة (لا خلي خالتي ورد تبيت معايا)
قالت ورد بحنان (معلش يا حبيبتي يمكن نمشي بدري)
أفاقت سكينة تضم ورد هامسةً (أوعي تمشي من غير ما أشوفك)
هزت ورد رأسها تطمأنها(لاه مش هيحصل)
انسحبت سكينة مرغمة.
****’
في الصباح الباكر ذهبت ورد لبيت العائلة لتوديع الجد وحينما اختفت الجدة وهربت من لقائها
صعدت الدرج عازمة على مقابلتها قبل العودة ولن يثنيها شيء ولن يردعها أحد، حاول حمزة مساعدتها والذهاب معها لكنها أبعدته (هطلع لوحدي)
رمقها بنظرة متوسلة (هطلع معاكي طيب)
ابتسمت له بحنو، متخذة قرارها خوفًا عليه مما سيسمع وكلمات جدته القاسية ونفورها يكفيه ما يعانيه منها.. (لا ياحبيبي خليك إنت)
عاد خائبًا ينتظرها مُحترمًا قرارها يدعو الله أن تمر تلك المقابلة بخير ويعودان لحياتهما دون شوائب تعكر صفو روحيهما.
طرقت ورد الباب بحذر، تضم شالها لجسدها كأنها تحمي نفسها من أعاصير تلك السيدة القاسية، مرتبكة كأنها عادت ابنة العشرون الواقفة جوار حبيبها تنتظر أذنها لهما، تلفتت حولها نظراتها تبحث عنه تريد دعمه ومؤازرته كما فعل سابقًا.. ترقرت الدموع بعينيها حزنًا وضيقًا، أخذت نفسًا عميقًا وهي تفرد كفها موضع قلبها تهدأه فإن غاب الجسد مازالت الروح حاضرة تحاوطها.. تنفست بقوة مستعيدة رباطة جأشها قبل أن تفتح الباب وتدخل.. حافظت على ثباتها ووقفت جامدة تنتظر أن تنتهي العجوز من صرخاتها ورفضها
(إنتِ إيه جايبك هِنا يا حزينة.. غوري)
تنفست بعمق تحاول السيطرة على دموعها مستعيدة تأثير وجود حبيبها في نفسها لتصمد وتتابع… تابعت التقدم بإبتسامة قوية حادة كنصل تنحر من يراها
(جولت مينفعش ناجي البلد ونمشي بعد السنين دي ومجابلكيش ياعمتي..)
لوّحت السيدة في رفض (غوري مين جالك عايزه أشوفك ولا أجابلك يا بت فوزية )
ابتلعت ورد ريقها واقتربت منحنية تريد تقبيل كفها كما علّمها حبيبها وكما كان يرغب دائمًا.. سحبت السيدة كفها وأشاحت في ضجر، لتجلس ورد بالقرب منها قائلة (لسه جلبك زي ما إنتِ السنين مغيرتهوش.. ولا الفراج أثر فيه)
نادت العجوز بصوتٍ جهوري على ابنة أخيها مستنجدة بها (يا نفيسة.. نفيسة)
أراحت ورد ظهرها وكلها صبر، تطالعها بعناد صُبغ بقوتها.. حينما يأست العجوز سكنت تسألها بغضب (جايه ليه يا ورد.؟)
قالت ورد مُخبئة الشجن (الغالي موصيني.. إنك أغلى الغاليين)
رمقتها السيدة بنظرة نارية حاقدة وهي تقول(من يوم ما جيتي يا وش الفجر مبجاش في غلاوة)
قالت ورد بصبر عائدة للماضي بذاكرتها (غلاوتك عمرها ما نجصت واتحمل منك كتير وفضل جلبه يا حبيبي زي ماهو متغيرش)
أردفت السيدة بحقد مسعور (خدتيه مني وجلبتيه علينا، مبجاش فدنيته غيرك.. خرج عن طوعي الكلمة والشورة كانت ليكِ )
ابتسمت ورد تبارزها بكلماتها (ولا عمره حصل يا عمتي.. ولا هو عمل كِده)
صرخت السيدة (عصى أمري واختارك يا بت السحارة)
قالت ورد تذكرها بوجع (اختارني واخترته وأنا مش زي أمي )
وجهّت لها العجوز نظرات مشتعلة وقالت بحرقة شديدة (عمري ما هصفالك، حكيم مكانش ولدي بس.. كان عكازي، عصا أمري عشانك مهموش أمك وعمايلها)
ثم صرخت (سحرتيله يابت فوزية، خليتي أمك ربطته)
قالت ورد بصوت متهدج (والله ما حصل، ولا كان ليا دخل بعمايل أمي متى هتصدجي)
هتفت العجوز بجنون (منك لله)
ارتعدت ورد من قسوتها وحدتها، من نار حقدها وكرهها التي لا تنطفيء لتقول بإرتعاش متذكرة وحيدها (وحمزة ذنبه إيه.؟)
رمتها العجوز بنظرة مشمئزة وهي تخبرها بقوة (ولدك)
سيطرت ورد على دموعها قائلة (واد ولدك.. حتة منه..) تابعت تستعطفها
(مطلتيش مرة فوشه وشوفتيه.؟ حتة من الغالي)
رفعت العجوز ذقنها بترفّع وغرور زاهدة في كلماتها وأردفت ورد بقوة غير متراجعة (ذنب ولدي إيه.؟ أبوه ميستحجش تعملوا فحته منه كِده)
قالت السيدة (ذنبه إنه واد ورد)
قالت ورد بإصرار وحزم زاعقة فيها (واد عبدالحكيم)
نظرت العجوز لها طويلًا لتقول بدهاء اشتعل بنظراتها، مُنهية الجدل (غوري من وشي مطرح ما تروحوا أنا ولدي مات يوم ما اتجوزك غصب عني)
ارتعدت ورد غير مصدقة قسوتها.. ليتدخل رفعت بعدما وجد الباب مواربًا شمل ورد بنظراته الغامضة ثم هتف (كويس إنك هنا كنت رايحلك)
انتفضت واقفة حدّثها يخبرها بأن هذا الشيطان يخطط لكارثة (خير يا أبو سعد.؟)
جلس بعنجهية وغرور يشعل سيجاره وهو يقول مترقبًا فعلها ببرود (حسان هيطلع)
رمشت تستوعب كلماته ومعناها المبطن، ليردف رفعت (ولدك لازم ياخد تار أبوه)
صرخت ورد متخلية عن حذرها، ممزقة صبرها عليهم
(بحر دم تاني يتعاص فيه ولدي.. أضيّع مستجبله وحياته علشان ترتاحوا..؟)
هتف رفعت برود (التار تاره..وهو أولى بتار أبوه منينا)
نظرت إليه ورد بحدة فأخفض نظراته وتهرّب، أشارت لهما وهي تنقل بصرهما بينهما زاعقة (عايزين ولدي يجتل، عايزين تضيعوه وتضيّعوا الباجي منِهم وتبجوا خلصتوا من الاتنين)
قال رفعت بسخرية (الي جتل يتجتل)
مال فم ورد بإبتسامة قاسية وهي تطالعه بثبات (لو الي جتل يتجتل يبجا الشيطان كمان لازم يتحرج يا رفعت)
اهتزت نظراته وارتبك لتردف ورد (ولدي مش هيعمل حاجه.. حقكم خدتوه تالت ومتلت زمان وكفاية )
أردف رفعت ساخرًا (فكرتك يوم ما يطلع حسان هتجولي أجتله أنا)
شملها بنظرة محتقرة هازئة، لتتقدم منه زارعة نظراتها بنظراته وهي تهمس بقسوة حتى لا تطال الكلمات أذن العجوز ويتكالبوا عليها (لو هجتل هجتلك إنت مش هو، دم جوزي فإيدك إنت مش هما)
تراجع خطوة مصدومًا مصعوقًا من كلماتها التي امتزجت بقوتها، لكنه حافظ على ثباته وأخبرها وهو يبتسم ابتسامته الشيطانية (ولدك لو مخادش تار أبوه ورفع راسنا هجتله هو معاهم يا ورد)
قالت بإستنكار ومازالت تهمس بثبات (اعملها وساعتها هجتلك أنا ويجولوا عملتها مَرة)
رماها بنظرة مستهينة باردة، متشفيًا فيها
فقالت بغضب وهي تمسك بتلابيبه (ما إنت خدته زمان عايز ايه تاني اتجي الله)
أبعد كفيها صارخًا في غضب (اتجنيتي يا مرة)
ليردف بنظراته الماكرة وابتسامته الكريهة (بس الجاتل عايش وهيطلع جريب، يا تجولي لولدك يا ورد يجعد ويستنى يا تاخديه وتمشي وتغوروا من غير رجعة واحنا هنعتبر عبدالحكيم مات ومات الي ليه معاه)
قالت العجوز مؤيدة (يسلم فمك يا رفعت)
تطلعت إليهما ورد مذهولة قبل أن تركض من جحيمهما هاربة، تهبط السلم بعنف لاهثة.. حتى كادت أن تسقط لولا ذراعي سكينة التي تلقتها وساعدتها( سلامتك يا مرت خالي حصل إيه.؟ )
استندت عليها بكل قوتها حابسة دموعها، لتساعدها سكينة وتعود بها للمنزل، في الطريق قابلهما حمزة شحب وجهه من هيئة ورد فاقترب يمسكها هو فابتعدت سكينة عنهما وتابع هو متسائلا (مالك حصل حاجه.؟ حد زعّلك.؟)
هزت رأسها برفض وحلق متيبس لا تقدر على الحديث.
تركتهما سكينة رغم فضولها، عادت للمنزل قلقة وبقيّ هو مع والدته.. أدخلها المنزل وأجلسها..
ثم أتى بجهاز الضغط خاصتها وجهاز السكر..تابع عمله بينما هي تغمض عينيها بتعب وإرهاق، تخفي نظراتها المتوجعة عنه، تمحي سطور وجها حتى لا يقرأها..
جلس بجانبها على ركبتيه بعدما تمددت، يحتضن كفها وهو يهمس (حصل إيه.؟ جولتلك متروحيش.؟)
قالت بوهن شديد وإقرار، كأنها تذكره (جدتك يا حمزة وأبوك وصانا عليها وعلى برها مهما حصل)
فتحت عينيها وربتت على خده بكفها تطمئنه ( تعبت لوحدي من غير سبب)
ثم دارت نظراتها حولها باحثة (فين سكينة يا حمزة.؟)
قال وهو يربت فوق مقدمة رأسها بحنو (مش عارف يمكن مشت)
أشارت له بتعب(جومني يا حمزة ودخلني الأوضة وابعت جبلي سكينة.. ولا أجولك هي هتيجي)
انهضها من رقدتها وساعدها حتى دخلت الحجرة، أغلقت خلفها بالمفتاح ليوقن بعدها أنها ليست بخير على الإطلاق بل تعاني وتريد الإنفراد بعيدًا عنه ليس زهدًا لكن خوفًا عليه من رؤيتها بحالتها تلك.
أغلقت الباب وانهارت أرضًا باكية بحرقة، مخرجة وجع الأيام والسنوات.. هدمت جدار قوتها وجلست تُخرج كل ما كتمته بصدرها من وجع وتحمُّل كلفها الكثير..
لم يتركها جاور الحجرة ومن وقتٍ لآخر كان يذهب ويطرق مناديًا بصوتٍ متوسل متهدج (ورد)
ينبهها لوجوده لاحتياجه إليها، لقوته التي تنسحب منه بإنهيارها، لضياعه بدونها.. فتمسح دموعها وتصمد..
تذكرت الماضي.. حين مات والده كان ضائعًا لا يجد ما يُعبّر به فيكتفي بمناداتها قائلا (ورد) نبرته في ذلك الوقت كانت تحمل لها توسلاته ورجاءاته.. حبه وتقديره ووعوده وها هو الآن يفعل.. وحيدها غرس الوجع أنيابه في قلبه ومزقه.. فهل تعطيه الحياة وجهها الحلو.؟ هل تمنحه رضاها يومًا.؟ تخشى الموت لأجله رغم رغبتها فيه لتجاور حبيبها الذي أُخذ غدرًا.. لكنها تريد الاطمئنان عليه ورؤيته سعيدًا.. منذ رأت الصغيرة أيقنت أنها وحدها بكل عاطفتها وحبها قادرة على احتواء وحيدها وتعويضه، لديها قلب يستحقه ولدها بعد كل ما عاناه، أمرأة تعادل جيشًا بأكمله ستحارب معه وتنجو به. تلك إن أحبته قادرة علي تبديد ظلمته والإنتصار.
لكن ماذا تفعل.؟ لو بقيت لأضاع رفعت ولدها بشره الذي لا ينتهي كما أضاع والده ودمر حياتها هي.
التفت بعدما طرق ليجد الصغيرة أمامه تطلب بحياء وملامحها تضج بالقلق والنزاع (فين مرت خالي ورد؟)
أشار لها وهو يعود لجلسته متجاهلًا كل ما يقلقه، الآن والدته وكفى (جوا)
تقدمت تطرق الباب مستأذنة لتجد ورد أمامها مبتسمة بنظرات لامعة وقد أخفت وجعها وحزنها بمساحيق قوتها الفريدة (ازيك يا سكينة تعالي)
دخلت سكينة الحجرة لتغلق ورد بعدما طمأنت وحيدها بنظرة حنون ارتاح بها..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)