رواية ملاذ قلبي سكن الفصل السابع 7 بقلم عائشة حسين
رواية ملاذ قلبي سكن الجزء السابع
رواية ملاذ قلبي سكن البارت السابع
رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة السابعة
لا شيءَ يُضاهي رائِحةَ مَن نُحِبّ ولو اعتَصرَت فرنسا بأكمَلِها في قِنّينةِ عِطر.
– محمود درويش
دخوله كان بطيئًا متجردًا من القوة والثبات، يترنح بتعب أفقده التركيز، أمسك جبهته متنهدًا بإرهاق ومازال سؤال جلال يرن بأذنيه ويدوي داخل عقله، دويًا يحمل رثاء العالم، يشبه عتمة الليل.. الأجابة أثقل من جبل تحمّله فوق صدره فانهار داكًا مقاومته وصبره..
رمى أغراضه ودخل يمزق الظلام بجسده المترنح، حتى وصل للأرض وحدها ستحتوي جسده المثقل بالوجع
تمدد فوقها واضعًا ذراعه اليمنى فوق جبهته ، يغلق عينيه على صورتها المطبوعة داخله، تكويه بنيران الفقد والفجيعة فيتململ ، تحترق روحه فتنطلق تنهيداته أشبه بإستغاثة ممزقة..
كانت تعرف ليلته لن تمر بسلام بعد ملاقاة جلال اليوم..
لما يذكّره بما نسيه.؟ وضع الملح فوق جرحًا متقيح.. ولدها الذي يجاهد كل يومٍ لينسى، يتيه في دروب الحياة وينشغل علّ وجعه يطيب ورحه تعرف الراحه وتكف عن الأنين.. الليلة استحضر له الماضي اسمها ببشاعه، طرق السؤال باسمها أبواب الذكريات العتيقة لتخرج من مكمنها وتزيده حسرة ووجعًا..
تعثرت في جسده شاهقة بفزع، قبل أن تسقط على ركبتيها متهالكة.. (حمزة)
بيده الشاغرة أمسك كفها بصمت، يطمأنها أنه هنا لكنه ليس بخير وأحرفه متضاربة تتهاوى لا تشكل كلمة تمكّنه من طمأنتها الآن… رفعت كفه تقبلها بدفء وحنان مواسية له تمده بالقوة اللازمة…
جلست خلف رأسه تمدد ساقيها وهي تدعوه بحنانها الأموي (تعالى يا حمزة)
رفع رأسه بمساعدتها لتستقر فوق فخذيها في أمان، غير قادرًا على الحراك أكثر من ذلك فقد احتل الألم كل مدنه وماعاد قادرًا على إحتواء أراضيه..
ربتت فوق رأسه وهي تسأله بصوت متهدج (كنت فين ياحمزة..؟) كانت تعرف الإجابة لكنها أرادت إرغام حروفه على الاصطفاف والخروج لتهدأ نيران قلبه ويبوح بما يكتم أنفاسه.
صمت طويل أعقبه همسه المتقطع المرتعش (عند مرام يا ورد )
سألته وصوتها يتهدج في حسرة بينما شفتيها المرتعشة تحط فوق جبهته بحنان لتلثمها (روحت ليه ياحبيب أمك.؟)
أجابها بقلة حيلة كالمغلوب الذي لا يملك من أمره شيئًا(وحشتني)
استغفرت ورد بخفوت تشاركه وجعه وألمه، تهمس (ربنا يريح جلبك يا حبيبي)
سالت دموعه الحارة فوق خديه هامسًا بصوت متقطع، تتخلله الشهقات الضعيفة بينما مازال جفنيه ينغلقان على صورتها يخشى أن يفتحهما فتهرب (الوجع دا متى هيروح يا ورد.؟ كل يوم كأنه امبارح)
تحرك كفها موضع قلبه ملست فوقه واعدةً (هيروح يا حبيبي وكل حاجه هتتغير.؟)
سألها مستنكرًا لا يصدق قولها (راح من جلبك يا ورد.؟ اتغيرت حياتك بعد عبدالحكيم.؟)
واسته وجبهتها تسقط فوق جبهته بينما تهمس (إنتِ كل حياتي يا حمزة، .. البصة فوشك بتردلي روحي وتطيّب كل وجع وتصبرني، لولاك كنت موت)
تنهد عدة تنهيدات وصمت بعدها، لا يريد الإثقال على قلبها، ابتلع حزنه ووجعه وحبسهما داخله كما يفعل دائمًا مستسلمًا لكفها الحانية وربتاتها فوق خصلاته، أغمض عينيه مطمئنًا في كنفها، تاركًا كل شيء بينما أراحت هي ظهرها للكرسي خلفها تدعو لها وتتلو بعض ما آيات القرآن فوق رأسه ..
أغمضت عينيها دقائق، لتنهض بعدها مفزوعة مغمغمة (لا حولا ولاقوة إلا بالله ربنا ينجيكِ يا سكينة)
تحركت نظراتها لحمزة النائم بحزن خامد، أناملها المرتعشة تحركت فوق وجهه بعشوائية واضطراب، علِقت الدموع المتجمدة فوق خده بأطراف أناملها، فزفرت بحرقة وعادت لصمتها ودعائها.. تمنحه وقتًا مستقطعًا في راحة وهدوء، تمنحه رفاهية الحزن والصبر ومداوة جرحه حتى تدلو بدلوها الأيام .
******
في اليوم التالي عصرًا
جلست سكينة بين صديقتيها تقص عليهما من أخبارها، تُطلعَهم على أحداث يومها، انحدرت أفكارها ناحيته، حكت عنه بسعادة وفخر زيّن نظراتها التي لمعت بشدة حين أصبح هو محور الحديث.. أخبرتهما بما أحضره من طعام لها وهديته..
كتمت سما حقدها ببراعة ولم تُظهره بينما هتفت أبرار تغبطها (الله يسهلك يا سكينة والله.. بس جوليلي هو مهتم ليه ؟)
قالت بإبتسامة متذكرة طيبته معها وحنانه (لا عادي هو حمزة كِده)
لكزتها سما قائلة (رميتي عينك عليه ولا إيه يابت.؟)
استنكرت سكينة بإرتباك غير ملحوظ (إيه الي بتجوليه دِه)
مال فما سما متعجبة (لا أصلك مبتتكلميش غير عليه من ساعة ما طلعنا)
هزت كتفيها بإستهانة قائلة (لا عادي بحكيلكم الي حصل)
دخلوا مطعم كبير وتحلقوا حول طاولة صغيرة متحمسين، قالت أبرار (سكينة كنت عايزه منك الدريس الجديد أحضر بيه فرح حد جريبي)
ابتسمت سكينة مُرحبة (حاضر هجبهولك بكره)
بينما هتفت سما بخبث (هو حمزة مشي ولا جاعد.؟)
تنهدت سكينة بحزن قبل أن تخبرها (مشي ومش راجع تاني)
ضحكت أبرار وهي تغمز سما قائلة بمكر (ومالك زعلانة جوي كِده إنه مشي)
توترت من نظراتهما ومحاصرتهما لها لتبرر (لا عادي)
قالت سما بعدها مكررة وهي تمسك بهاتفها (صُح عادي جوي) عاتبتهما سكينة (مالكم كِده؟)
هتفت أبرار (احنا الي مالنا برضو ولا إنتِ الي وقعتي)
هتفت سكينة بحدة امتزجت بغضبها (وقعت إيه يابت منك ليها…؟ ما تتلموا)
وضحت أبرار (ما إنتِ من مُدة كنتِ ولا همك ودلوك مفيش غير حمزة عمل حمزة جاب)
أفصحت سما عن حقدها (هي سكينة كِده حبايبها كتير)
قالت الأخرى متفاخرة (ربنا يكترهم يا أختي.. واطلبوا يلا علشان ناكل ونمشي)
أمسكت أبرار بالورق بينما سما رفعت هاتفها وأرسلت لأخر ينتظرها بلهفة (متستناش ولا تكلمها حبيبتك الي هتموت عليها عينها على واد خالها حمزة وشاغلها وملهاش سيرة غيره.. علشان تصدجني لما أجولك متنفعكش)
خرجت من محادثة وكتبت أخرى
(رقمها ب٥٠.. ابعتلي ابعتلك.)
تركت هاتفها واقتربت من صديقتها تمرر نظراتها فوق المنيو الخاص بالمطعم، بينما شردت سكينة متذكرة الطعام الذي أرسله حتى أنه لم يكتفِ به بل قام بملىء الثلاجة بما قد تشتهيه نفسها)
لا تعرف سر تلك الوحشة التي تقبض صدرها من غيابه عنها وإبتعاده، شيئًا ما ينقصها ويطفيء حيويتها.. اشتاقت مشاكسته والحديث معه كثيرًا جدًا.
دخلت صفحته تقلّب فيها باحثة عن صوره وأخباره.
حتى جاء الطعام وتناولته بقلة شهية، عقلها يسافر إليه رغمًا عنها.. أفاقت على انسحاب صديقتيها وهما يطلبان بودٍ زائف واستغلال (ادفعي يا سكينة يلا وتعالي)
نهضت مُلبية، لملمت أغراضها وذهبت لتدفع حساب الطعام لهما جميعًا، لتلحق بعدها بهما ويغادرن.
********
جاءت زهرة الليلة لتطمئن عليها كعادتها وتسأل عن أحوالها، جلست ورد بصمت رغم استقبالها الرائع ولطفها معها.. لا تبتدر حديثًا ولا تشاركها آخر، تجيب قدر الحاجه وتسأل بإقتضاب ملأ قلب الأخرى وحشة.
حينما نهضت للمطبخ بأريحية كما تعودت، لمحت أطياف من استنكار راحلة في نظرات ورد التي شيعتها فعادت لمكانها مرتبكة، ترقب الساعة بصمت منتظرة قدوم من جاءت لأجله، لم يخيب الأخر ظنها جاء مُرحبًا تفترش الابتسامة وجهه، توسط الجلسة يدير الحديث كما تعوّد، حلقة وصل بين زهرة وورد التي مازالت على جمودها وصمتها الوقور، تختلس لهما النظرات بغموض ثم تعود لتطأطأت رأسها مُفكرة.
زهرة شقيقة مرام التي فرضتها المحنة على حياتهما فرضًا. لتصبح فردًا منهما رغم أنفها،لاتحب ما يحدث ويزعجها وجود زهرة بينهما وارتباطها بولدها، لا تريدها زوجة لابنها الذي يريد ذلك كتعويض وذكرى..
تنهدت بقلة حيلة وداخلها شعور طاغي بالرفض، يفور داخلها ويطفو من نظراتها التي توجهت لزهرة بحدة مما جعل الأخرى تنكمش وترتبك وداخلها يتساءل عن سر تبدّل ورد ناحيتها بعدما لمست منها القبول والرضا.. مما جعلها تتورط فيه وترتبط بحمزة وتقترب أكثر مُهيئةً نفسها لإرتباط وشيك.
دقائق ونهضت ورد رغبةً في إنهاء تلك الزيارة الثقيلة والتي لا تعرف لما تتشبث بها زهرة رغم يقينها برفضها، حيث تعمل جاهدة لإيصاله إليها في كل مرة تأتي، لكنها تتجاهله وتتابع بعناد صنعته معاملة ولدها لها ورغبته في استمرار تلك الزيارات وحرصة ألا تنقطع، غادرت لحجرتها دون إلقاء سلام أو كلمات..
ارتبك حمزة مما حدث، حاول أن يلتقط نظرات ورد ليحادثها، ليرجوها ألا تفعل لكنها حرصت ألا تمنحه وسيلة تواصل بينهما في إصرار.
استأذنت زهرة شاعرة بالحرج مما حدث، أما هو فلم يجد مبررًا يعلقه على شماعات الإعتذار، اكتفى بهزة رأس مقتضبة وسلام لطيف يمطر على قلب الأخرى بالسكينة.
تنهد بقلة حيلة قبل أن يخطو للداخل، قاصدًا حجرة والدته، وقف أول الأمر متصدرًا الباب يتواصل معها عبر النظرات قبل أن تخفضهما وتقرر (عايزه أروح جنا يا حمزة.؟)
زفر قائلًا وهو يتقدم داخل الحجرة (حاضر.. هخلّص بس شوية شغل ونروح يا حبيبتي)
قالت بإلحاح ودموعها تترقرق (لا دلوك يا حمزة شغلك مش بيخلص وهروبك مش بينتهي وأنا وحشني أبوك)
جاورها يضمها إلى صدره بحنو يطبع قبلة فوق رأسها بتقدير مُسلّمًا للأمر (حاضر والله بس يومين كِده أرتب أموري)
استرسلت دموعها بضيق، وهي تتوسله بخفوت (ماشي يا ولدي)
أبعدها متسائلًا بفزع ونظراته تضم كل ما فيها بحنو (مالك حصل إيه.؟)
مسحت دموعها بسرعة قائلة (مفيش بس زهجت وأبوك وحشني)
يعلم أن هذا ليس وحده ما يزعجها ويجعلها تبكي هكذا بقلة حيلة وضعف يراه في نظراتها المنخفضة عنه.. حالته النفسية وانعزاله بعد مجيء جلال وإيقاظه الماضي من ثُباته هي ما جعلها تضعف هكذا..يشعر بها كما تشعر به تلك الأيام يغوص داخل بحرٍ من وجع منازعًا لا يقدر على نجدة نفسه أو تسلميها يده لتنقذه بل يُرحب بالهلاك .
هوّن عليها رغم ضيقه من العودة، أطاع مرغمًا، محاولًا التخفيف عنها (حاضر استعدي وهنمشي فالوجت الي تحبيه)
ربتت ممتنة فوق خده متلمسة ذقنه التي نمت علامةً على حزنه وزهدًا في الأيام، كلما غاص في وحل الذكريات تقف عاجزة لا تقدر على إنقاذه ولا تلومه فكل منا يحمل داخله وجعًا وذكرى حزينة لا تمحي علاماتها الأيام وأقسى الوجع هو فراق الأحبة، حتى الزمن يقف عاجزًا ، وكيف تلومه وهي عاشت تلك الأيام قبله وذاقت مرارتها
ربما لاتسطيع أن تنزع ألمه ولا مداواة جرحه لكنها تستطيع أن تمنحة حياة أخرى وبعضًا من نسيان.
تنهد مفكرًا في عودته مرةً أخرى، ومكوثه هناك لايستطيع الرفض ولا يجد داخله قبولًا للفكرة،نهض من جوارها وهو يخبرها مشفقًا عليها (هحجز تذاكر الجطر ياحبيبتي وأبلّغك)
تعلقت بنظراته لدقائق تستشف ما يدور بعقله لكنه ماهرًا استطاع أن يحجب عنها أفكاره ببراعة، منحها ابتسامة دافئة لتطمئن وبعدها غادر، لن يُثقل على قلبها برفضه وشعورها بإجباره، إن كانت تتشبث بالعودة
فهذا ليس معناه أن القادم سيمر بسلام.
هو على موعد مع وجعٍ أخر وذكريات أخرى.
*****×
حدث كل شيء سريعًا، الحياة تعاند وتدفعه دفعًا ناحية الماضي، فعليه أن يستعد للمواجهة وأن يكون على قدر من الثبات الذي يمكّنه من مراعاتها تلك التي تدّعي الصلابة والثبات وداخلها يرتجف، نظراتها تحتضن الطريق بعاطفة شديدة ودموع لا تتوقف بل تزداد وكأن لها مع حصى الأرض ذكريات وعتب،
تُحدث الشجر والطرقات، أعمدة النور والمحطات كأنها تملك ذكريات في كل ربوع الأرض.. متناسية الزمان والمكان أحيانًا صدرها يعلو ويهبط بإنفعال فيفزع ويسارع الإطمئنان عليها والسؤال فتلوّح بيدها لتطمئنه بإشارة كأنها تحضر طقوسًا خاصة تتوجب عليها الصمت والحضور التام.
وأحيانًا أخرى تبتسم مغمغمة بصوت خافض لا يصله وبعدها تصمت صمتًا طويلًا ثقيلًا تطالع الطريق دون أن ترمش، الطريق الذي يركض كما سنوات عمرها، كأنه كلما عاد عادت معه للماضي.
أراحت رأسها للنافذة مغمضة العين في استسلام لتلك الغفوة التي تخطفها من حينٍ لآخر.. لتستيقظ مرتجفة مفزوعة تغمغم ونظراتها الخاوية تسقط فوق ولدها مستنجدة (سكن يا حمزة سكن…)
قطب متحيرًا، قبل أن ينتقل ليجاورها متسائلًا وهو يضمها بحنو محتويًا جسدها المرتعش (خير يا ورد.؟)
التقطت أنفاسها وهدأت فوق صدره ومازالت تغمغم ونظراتها تتسع بهلع كلما تذكرت ما رأته(ربنا ينجيكِ ياسكن)
سألها من جديد بعدم فِهم (مين سكن ياورد.؟ ومالها) رفعت نظراتها إليه مفكرة، قبل أن تهمس نائية بنفسها وأفكارها عنه (مفيش شكله كابوس)
سحبت جسدها من بين ذراعيه وعادت للنافذة مطرقة بصمت، تعجز عن البوح له، متقيدةً بعهد الستر.. رغم لهفتها للوصول لكنها خائفة تترقب.
مرّ الوقت سريعًا، ليصلا لمحطتهما.. حين حطّت بقدمها فوق الرصيف ارتجف قلبها ولفحتها رياح الذكرى.. تنفست بقوة تملأ صدرها بالهواء الذي يحمل راحة عمرها كله بحلوه ومره، نعيمه وجحيمه.. يومًا ما تركت كل شيء خلفها حتى تلك الرائحة وغادرت.
حافظ عليها حمزة بحنو، يضمها كطفلته، ممزقًا الزحام حتى نجا بها من إرهاقه..
خرجت من المحطة فدارت نظراتها في المكان حولها بإستطلاع.. قبل أن يوقف حمزة سيارة ويساعدها على دخولها والمغادرة
مرّت السيارة بذلك الشارع فتذكر النارية متقلبة المزاج ومجيئها خلفه، اعتذارها ورفضها العودة قبل أن يرضى وإلحاحها في تناول الطعام معه وتعمدها إزعاجه بتناول طعامه وطعامها بمعلقته لتستفزه حينما فهمت أنه يبغض وينفُر من تلك الفعلة.. تذكّر ضحكة انتصارها عليه ونجاحها في مضايقته.. ابتسم داخله لا يدري كيف سيكون القادم وماذا سيفعل معها.؟ هل ستكف عن مطاردته والحديث معه بعد ما فعلته.؟ أم ستواصل كما كانت.. مازال الصمت والحرج سيد لعلاقتهما القصيرة بعد فعلتها وإجبار ورد لها على إلغاء الحظر.
أحيانًا يشتاق لمشاكستها وشقاوتها وأحيانًا يرتاح لإبتعادها عنه.
لا يريدها أن تتوغل بأرضه ولا أن يعتادها، تلك الصغيرة تترك أثرًا داخله لا يُستهان به ولا يستطيع إيقافه، كلماتها جذورًا تتوغل في نفسه، فليت إبتعادها يدوم.
انعزل هو ووالدته بأفكارهما طوال الطريق..
يستعدان للمواجهات ويتدربان على المحاربة ونيل النصر.
********’
بداخل حجرتها كانت تمسك بهاتفها تبحث عن اسمه بتردد، تفتح محادثاته، رغبةً في الحديث معه ثم تعود لإغلاقها ضائقة بالوضع تلعن نفسها وتهورها، تلعن تلك الرغبة التي تكبر داخلها وتطالبها بوصله دون أن تستطيع إيقافها لترتاح أو مجاراتها فتشفى من شوقها له… تنتظر أن يهدأ ويجود هو عليها بالوصل.. أن يحتاج شيئًا فيعود ليطلبه منها، أو يركل كل ذلك ويكتب لها مناديًا (ازيك يا حلوة)
رمت الهاتف واستلقت فوق الفِراش تكاد تجن من فرط الحنين لدفء كلماته، واحتوائه غضبها بحنان لا تقدر على رفضه بل تتلقفه بجوع مُطالبةً بالمزيد.
نهضت لتقف أمام المرآة قليلًا تمشط خصلاتها وتزين وجهها بمساحيق التجميل التي تحبها وتشتري منها الكثير، ثم عادت لهاتفها؛ نقرت فوقه لتصدح أغنية شعبية بصوت عال.. تمنحها بهجة خاصةً واستعدادًا لممارسة هوايتها المفضلة حين تمل وتنزعج من التفكير وتعصف بها الحيرة..
أحاطت خصرها المنحوت بحجابها وبدأت في وصلة رقص معتادة.. لم تفق منها إلا على دخول عاصف لمودة تهتف بها وهي تلهث من فرط انفعالها وركضها (اطفي)
توقفت سكينة لاهثة، تلتقط أنفاسها بروية قبل أن تصرخ بها منزعجة من دخولها بتلك الطريقة (في إيه..؟)
خطت ناحية الفراش، أمسكت بالهاتف وأسكتته بينما تقول بغير تصديق (مش هتصدجي مين تحت.؟)
حررت سكينة خصرها وجلست قائلة بتأفف(هيكون مين.؟)
اتسعت عينا مودة وهي تخبرها بفرحة (مرات خالي ورد وحمزة)
انتفضت سكينة قافزة من جلستها غير مُصدقة، تردد مطالبةً بتأكيد لما سمعت (مرات خالي ورد معجول)
هزت مودة رأسها بتأكيد لتجذب سكينة حجابها في سرعة وتلفه حول خصلاتها غير مهتمة بتعديله، ثم ركضت للأسفل وخلفها مودة.. وقفت دقائق تتأمله من علو، بالكاد تستطيع نزعه من أفكارها ومهادنة شوقها الدائم له منذ غادر، هل كان ينقصها عودته..
واصلت الركض حين خرج من باب المنزل..
صائحة بفرحة وابتسامة متألقة (مرت خالي ورد)
نهضت ورد في استعداد، نظراتها تتابع ركضها الملهوف بإبتسامة وكلما أسرعت أكثر وتعثرت نبهتها ورد بخوف(خدي بالك يا بتي)
انتهت ركضها بين ذراعي ورد، التي تعجبت من ضمتها لها بقوة ومودة حقيقية لا تعرف متى اكتسبتها تلك الصغيرة، لتكون بكل هذا الاشتياق والحنو.. كما أنها تتشبث بها كأنها تعرفها جيدًا.. بينما كان اشتياقها هي لها لشيء نبع من داخلها ومستقر بعمق روحها، فتقبلت ذلك الإندفاع ورحبت به محتويةً له.
فتحت عينيها لتجده واقفًا في مدخل الباب يحجب ضوء النهار بجسده ويحجه ضوء الشمس عنها فلا تستطيع رؤيته جيدًا لكن يمكنها قراءة نظراته الدافئة وحنانه الطاغي الذي يُضعف مقاومتها ويجذبها تجاهه.
ابتعدت على أثر حمحمته، تلملم خصلاتها وتعدّل من وضع حجابها، دخل قائلًا لا يمنحها سلامًا ولا نظراته لترتوي (هروح البيت أنا يا ورد لما تخلّصي تعالي)
استوقفته راضية (تعالى ريّح هنا يا حمزة لغاية ما البنته يجهزوه)
تعلقت نظراتها به في شوق لم تستطع كبحه أو تخبئته، كانت من الشفافية لأن تصبح مكشوفةً لورد التي تراقب من بعيد بإستحسان..
كانت تنتظر أن يُلقي سلامه، كلما حاولت المبادرة قيّد لسانها الكبرياء.. أجاب عمته ونظراته تمر فوقها كشيء عادي (لا لا أنا هشوفه، أكيد ملحجش يتترب يا عمتي)
حاولت راضيه منعه لكنه أصرّ عليها فرضخت وعادت لتجلس بجانب ورد مستسلمة، ظلت نظرات سكينه مثبتتة على باب المنزل بخيبة حتى استسلمت هي أيضًا وعادت لتجاورهما هي ومودة.. ليس حمزة الذي عرفته، بل آخر مختلف بمشاعر غامضة ونظرات لا تستطيع قرأتها، منطفئًا حزينًا، بذقن نامية مُقبضة.
أفاقت على همس ورد الفطن لها واحتوئها مشاعرها المكشوفة(شوية ويروج حمزة جلبه طيب)
هزت رأسها بحياء من كلمات ورد التي كشفت دواخلها وفضحت ما تشعر بما ويدوربعقلها…
دخل المنزل مستعينًا بالله، تجاهل نظراتها كما أراد وقرر.. منحها صدًا يليق بأفعالها الجنونية وإن كانت نظراتها الملهوفة التي رأها الآن وتأمُلها له بشغف لا يخطئه… حزنها الهارب من نظراتها كأنها أحست بما فيه،خيبتها حين رفض المكوث ومنحها العفو..
هدموا جزءًا من الجدار الذي بناه بينهما.
وجد سماعاته حيث تركها مكانها، وبعضًا من كتبها وأوراقها وحجابًا لها.. والكثير من ربطات الشعر المطاطية.. لملمهم وأغراضها ثم وضعهم في حقيبة بلاستيكية جانبًا، حتى إذا ما جاءت وطالبت بهم أعطاهم لها.
تمدد فوق الفِراش الصغير مرهقًا، يغمض عينيه مستسلمًا للنوم تاركًا والدته لعمته تعتني بها.
*********
في المساء كانت جوار ورد، لا تتركها منذ جاءت، منجذبة هي لها بشدة، لاتبرح جوارها.. بينما مازال هذا الصموت متجافيًا، يتجاهلها ويتعامل بلا مبالاة كأنه لا يعرفها أو لايراها.. يحادث مودة وعمته ويتركها هي لظنونها وأفكارها وغضبها الذي يتصاعد.. غير قادرة على مجاراته في بروده أو الثأر لكرامتها التي يهدرها تحت أقدامه.. اعتذر مُغادرًا لجده وبقيت هي.. طلبت منها ورد أن تساعدها حتى تصل للمنزل فرحّبت بسعادة وأسندتها.
وفي الطريق الفاصل بين المنزلين وقفت ورد متطلعة حولها بحنين ممسكة بذراع سكينة..
تمر نظراتها على كل شيء حتى الجدران، تقدمت من المنزل تتلمس بابه الحديدي بحنين ودموع غزيرة حارة، حتى شقوق الحائط مرّت عليها بأناملها كأنها تسلّم عليها وتذكّرها بها، تُقدم لمساتها المرتعشة كبطاقة هوية ..
دفعت الباب ودخلت متلهفة، تطالع المنزل بحنين، متذكرة حبيبها وتوأم روحها.. تستعيد الذكريات وتستحضر المواقف.. تبتسم وتضحك ثم تبكي بحرقة ووجع دفع سكينة أن تبكي مثلها وتشهق بحرارة ثم تندفع وتعانقها في مواساة ومشاركة .. تربت عليها بحنو لتدرك ورد أن تلك الصغيرة قادرة على منح الكثير مما يفوق سنوات عمرها.
تملك قلبًا ليس عاديًا بل مُبهرًا بكل تلك العواطف الحارة والرقة الناعمة.
أجلستها سكينة مشفقةً عليها، ثم مسحت لها دموعها بأناملها تتوسلها (خلاص يا مرات خالي)
جلست ورد منهكة، مستسلمة لإلحاح الصغيرة بالتوقف والهدوء، لكم أشفقت عليها من ذلك الحزن الذي عصف بنظراتها وهذا التشتت الذي أطفأ توهّج روحها، تمددت ورد صامتةً ساكنة بجمود رأفة بسكينة التي كانت واقفة كالصقر في تحفز وإستعداد.. لاحظت سكينة كفي ورد تمران على ساقيها ووجها يتغضن بألم.. فنهضت تعرض بترحاب (أدوّسلك على رجلك يا مرات خالي.؟) نظرت إليها ورد بصمت جعل الأخرى ترتبك، رغم ما انتابها من عواطف شتى بسبب عرض الصغيرة البريء الذي يحمل دلوًا من طيبة قلبها وعطفها، إلا أنها رفضت بخجل شاكرةً لها احساسها (لا يا بتي كتر خيرك) ثم رفعت لساقيها دثارًا خفيفًا وصمتت.
بالخارج يقف هو يمسح وجهه مستعيدًا رباطة جأشه بعدما سمع صوت النارية بالداخل، عبر للداخل مُلقيًا سلامًا عابر
ثم جاور والدته متسائلًا بعدما لمح إمارات التعب فوق وجهها(إنتِ بخير يا ورد.؟)
احتوت خوفه بإبتسامتها الحانية (بخير يا حبيبي اطمن)
تنفس براحة متجاهلًا الواقفة بصمت، نظراتها تهرب منه في كبرياء(أكلتي وأخدتي الدوا.؟)
أخبرته بلطف وكفها تمتد لخده تربت عليه مُطمئنة له، تخبره بخبث(ايوة سكينة جابتهولي)
تطلّع للواقفة بإستفسار فهزت رأسها مؤكدة قبل أن يتناول جهاز السكر من جانبه وقد أخرجه من الحقيبة ووضعه قريبًا، بدأ بمشاكسة والدته يلهيها بثرثراته الحانية عن الشعور بوخز الإبرة الحادة (أجيب واحدة شبهك منين يا كل الورد إنتِ)
ضحكت بخجل وهي تربت على كتفه قائلة بمغزى (الدنيا مليانه بس وافج إنت يا نضري)
هز رأسه بصدق وانحنى يلثم كفها برقة ومشاعر صادقة وهو يخبرها بحنان كأنه طفل عفوي لا يجيد التصنّع (إنتِ الي نضري يا كل الورد)
حمحمت من خلفهما تخفي تأثرها بما يحدث تنبههما لوجودها،لكن احتفظ حمزة ببروده تجاهها.. انعزل بمشاعره المتضاربة في صمت
تنقلت نظرات ورد بينهما في لين ورفق، مبتئسة لأجل تلك الصغيرة المتلهفة لكلمة تخرج من فم ولدها بالخطأ.. رغم كبريائها وعنادها مشاعرها كانت مكشوفة لها وحيرتها واضحة..
(اجعدي يا سكينة) انتبهت سكينة على كلمات ورد، أفاقت متداركة وقوفها ووجودها غير المرغوب فيه.. لتهتف مستأذنة (همشي يا مرت خالي وهبجا أرجعلك بعدين)
لم تقف لتسمع رفض ورد ولا منعها لها الذي أطلقته خلفها (استني)
وجّهت ورد نظراتها لولدها الذي زفر زفرة راحة خافتة هربًا من تساؤلات والدته، لكن هيهات ومن يشعر به سواها.؟
(مكلمتش سكينة يا حمزة.؟) سألته وهي تراقب ملامحه المنقبضة بضيق.. ليجيبها (رميت السلام يا ورد)
أوضحت السيدة بتفهّم (كان لازم تسلم عليها يا حبيبي البت كانت واجفة مستنية)
هتف يتصنع الدهشة، يخفي عنها معرفته بذلك الأمر بل واستمتاعه بما يحدث (إيه؟ دا بجد.. غريبة)
ابتسمت ورد ونظراتها الماكرة تصفع كذبه، بينما تهتف ( على أمك يا حمزة.؟ هتستهبل)
ضحك من كلماتها واكتشافها السريع له، معرفتها بدواخله رغم إجادته الإخفاء والحجب و قال بإستحسان (كِده أحسن..ياورد)
سألته بفطنة (أحسن لمين و ليه.؟)
غيّر الحديث متنقلًا لآخر، تلك كانت عادته للهرب من المواجهة ونظراتها التي تخترقه (جدي كان عايز يجيلك)
همست بهمّ عظيم، مستثقلة تلك الزيارة.. نافرة منها (هروح أنا يا حبيبي بعد العشا)
أومأ برأسه قبل أن تسترخي قليلًا مُفكرة، وينشغل هو بهاتفه..
********
بمنزل جده الكبير استقبلهم بحفاوة شديدة وتهليل،انقبض قلبها حين وطأت أقدامها أرض هذا المنزل الموحش،
دخلت ورد مستندة على ذراع حمزة تسلّم على الجد بمودة حقيقية واشتياق سخي وهي تتأمله مفتشة في ملامحه عن لمحة من زوجها الراحل (كيفك ياورد وحشتينا كل دي غيبة يا بتي)
قالت في مود لا تزيفها (الحمدلله بخير ياعمي بأحسن حال)
أجلسها حمزة بعناية جوار جده الذي رمقها بنظرة آسفة سريعة ثم قال (كبرتي وعجزتي يا ورد دا أنا أصبى منك)
أخبرته بإبتسامة رائقة وهي تطالع صحن الدار الفارغ من قاطنيه، تطارد في أركانها أشباحًا وهمية من الذكريات البائسة(المرض هدني يا عمي)
نظر إليها الرجل طويلًا ليقول بحنين، متفهمًا ما عانته وتعانيه (المرض ولا غياب حبيبك يا ورد)
تنهدت بحرارة مؤكدة ونظراتها تترامى في المنزل الواسع من جديد تفتش عن روحه التي تحيطها منذ عادت كأنها تستمد منها القوة لمواجهة القادم (غيابه كان مرض يا عمي) انحنى حمزة يطبع قبلة فوق رأسها بحنو وهو يضمها إليه يخبرها بفعلته البسيطة أنه هنا بجانبها، ليضحك الجد قائلًا بعدما راقب فعلة حمزة (جبتي نسخة منه يا ورد.. محظوظة إنتِ بحب الواد وأبوه)
شددت ورد من ضم كف ابنها بتأكيد في فخر لمعت به عينيها وهي تطالع ولدها، نبتته الصالحة وقطعة روحها وقلبها.
ليجفلا علي صوت نفسية الساخر وهي تهبط الدرج ببطء بينما نظراتها القاتمة تستقر فوق جسديهما بغل وحقد (وه أم حمزة عاش من شافك) ساند حمزة والدته لتنهض مستقبلة تلك المتعجرفة،حينما اقتربت منهما مدت ورد كفها لأنها تعرف أن أحضان تلك الجاحدة من شوك لا يليق بها ضمة مودة طاهرة ولا ترحاب اشتياق.
شملتها نفيسة بنظرة ساخرة مزدرئة قبل أن تتجاهل الكف الممدودة وتجلس بكبر قائلة بشماتة (كبرتي وعجزتي يا ورد)
أطبق حمزة شفتيه بغيظ وحنق قبل أن يسارع بجذب كف والدته وتقبيل باطنها وظاهرها بتقدير يلملم شتاتها بحبه واحتوائه، تحت نظرات جده الراضية ونظرات زوجة عمه الحاقدة.
أهدته والدته نظرة راضية سكن بها غضبه ورحل بها حزنه، قبل أن تعاود الجلوس بصبر متحملة سخافات نفيسة ونظراتها الهازئة واستهانتها بهما وبعودتهما.
دخول سكينة الصاخب جعل الجميع يلتفت لها بإهتمام، دارت الرؤوس ناحيتها في تأمل وترقب… منحت عزيز قلبها نظرة دافئة قبل تنحني ملثمةً كف جدها الذي هتف (مُرحب يا أختي)
تجاهلت زوجة خالها نفيسة، عاملتها كما لو أنها لا تُرى.. بينما اتسعت ابتسامتها لورد واندفعت ناحيتها بعاطفة تضمها ثم جاورتها متجاهلة الصموت البارد ذو النظرات الدافئة رغم برود ملامحه، تساءلت سكينة (فين جدتي أمال.؟)
أشاح جدها بضجر وضيق متذكرًا رفضها القاطع رؤية ورد واستقبالها..
(فوج نايمة وجالت محدش يجلجني)
قالتها زوجة خالها بميوعة لا تليق بسنها جلبت الغثيان لمعدة سكينة واستحضرت بها غضبها ونقمتها، لتقول نفسية وهي ترمق حمزة بغطرسة واستخفاف (جدرتي تخليه دكتور يا ورد معرفتيش تخليه يبجا دكتور تاني غير البهايم) في سرعة انتفضت سكينة ثائرة لا تمهل أحدًا ليرد بل تطوعت هي في سرعة كقذيفة مدوية قبل أن يفيقا من صدمتهم وتأثير كلمات نفيسة الثقيل (غيرها مجدرش يعلم خالص يا مرات خالي.. مش دكتور بهايم لا خلفت بهيمة بحالها، جال يعني كانت البهايم ناجصة فجابتلهم واحد) ضحك جدها بصخب مستمتعًا بكلماتها متلذذًا بإغضاب نفيسة يهتف بإستحسان بعدما راقه رد الصغيرة (كني هحبك يا حزينة)
ابتسمت ورد بسعادة لا تخلو من الوقار والفطنة،أحاطت نظراتها الصغيرة بإعجابٍ وفخر، بينما التمعت عينا حمزة ببريق خاطف وإعجاب سرعان ما خبأه وعاد لغموضه.
غضبت نفيسة، فغمغمت بتوبيخ وإهانة (عجرب فلسانك يا بت راضية)
ضحكت سكينة مستمتعة منتشية وهي تُخرج لسانها تمده لها بفطنة وعن قصد قائلة (هاتي يلا لدغة يا مرت خالي إحنا فيها اها)
تعالت ضحكات الجد المستمتعة منتشيًا وهو يقول بلذة ( محدش يجدر عليكي يا حزينة)
كتم حمزة ضحكاته وكذلك فعلت والدته التي راقها الحوار وتخلصت من وجود نفيسة الثقيل حينما غادرتهم تتبعها زوابعها ليسخر الجد منها قائلًا (في حد يتجوز واحدة اسمها نفيسة جبر يلم العفش)
ثم مد عصاه ناحية سكينة يضربها بخفة فخورًا بها (جدعة يا ملكومة، بس أمك طيبة،بس إنتِ كيف خالك الفجري واعرة)
مطت سكينة شفتيها قائلة بغضب واستنكار (عايزني اسكتلها يعني يا جدي)
ربتت ورد فوق كتفها بحنو قائلة بلطف ناصحةً لها خوفًا عليها من بطش نفيسة (متكسبيش عداوتها علشانا يا بتي)
ضحك جدها معترفًا (هي لسه هتكسبها ياورد.. لو شوفتيها وهي ماسكة فخناجها هي وسعد من يومين علشان خاطرك وخاطر حمزة)
ازدردت ريقها ببطء متفاجئة من إعلان جدها هذا الأمر، مرتبكة خجلة من موقفها.. قالت ورد مُدركة خجلها تلملم بفطنتها شتات وضياع الصغيرة (تربية راضية ياعمي لازم تكون كِده)
تنهدت بإرتياح أن التفسير لم يكن أكثر من ذلك، نهضت واقفة تسأل ورد بحنو (عايزه حاجه يا مرت خالي جبل ما أمشي.؟)
قالت ورد بحنان ودفء ونظراتها ترجوها البقاء(لا يا حبيبتي تسلمي)
غادرت سكينة تتبعها نظرات حمزة الذي حرر أخيرًا مشاعره وأطلق صراحها خلفها تودعها.
نهضت وود مستأذنة عمها على وعد بالعودة لرؤية الجدة، حامدةً الله أنها لم تلتقي برفعت أو سعد..
********
أول ما دخل أجلسها فوق أقرب آريكة واندفع للداخل، يخفي ثورته ويحجب عنها غضبه الشديد، يدور بالحجرة متوجعًا لأجل والدته من فعلة زوجة عمه، أحسّت به فنادته (حمزة)
تنهد بعمق قبل أن يجيبها بثبات (ايوة )
طلبت بصوت خفيض (تعالى يا حبيبي جنبي)
خرج يرسم ابتسامة باهتة، بينما فشلت نظراته في طوي صفحة الوجع هذه المرة وبقيت مفتوحة تقرأها هي بصمت متفهمة قبل أن تربت على كتفه (متزعلش ياحمزة سيبك منهم)
أفصح بوجع وضيق ( لو أنا عادي، إنتِ لا.. إنتِ لا يا ورد)
لم تملك أمام وجعه وقهره إلا أن تضمه بين ذراعيها مهدئة بحنو، ابتسمت متذكرة الصغيرة التي ردت مدافعة بشراسة فقالت(بعدين زعلان ليه؟ سكينة قامت بالواجب وزيادة)
تنهد متذكرًا تلك التي راضت قلبه بفعلتها وأثلجت صدره كأنها بما تفعل تشتري خاطره وتعتذر على حماقتها لكنه مُصرًّا على التجاهل لن يتنازل عن تأديبها.. ملّست ورد فوق خصلاته مدركة بفطنة أفكاره التي اتخذت الطريق إليها لتقول بفخر (طلعت أحلى مما وصفتها يا حمزة.. شكلك مبصتش فوشها زين أو كنت بتكدب عليّ)
رفع رأسه متطلعًا لها بصمت، ليقول بعدها بتنهيدة (جولت الي شوفته)
ابتسمت وهي تخبره بإعجاب لمع بمقلتيها (بس مجولتليش إنها حلوة جوي ياحمزة وتدخل الجلب، ولا إنها بتعزك جوي كِده)
قطب يسألها مستنكرًا قولها (بتعزني أنا..؟)
أكدت ورد بهزة رأس وابتسامة دافئة ضمته بها (أيوة يا حمزة.. فبطّل بجا طريجتك معاها الناشفة دي وعدّي)
قال بتحدي وكبرياء وهو ينتفض من جلسته وافقًا قاطعًا النقاش مغلقًا الباب على إلحاحها الذي يعرفه (لا يا ورد أنا كِده خلاص)
هتفت وهي تضيّق نظراتها فوق ملامحه (إيه هو الي خلاص.. إنت الي خلاص ومتزودهاش)
قاطعها بحزم (متفتحيش معايا موضوع سكينة تاني يا ورد أنا أصلًا ارتحت منها ومن زنها ورخامتها)
ثبتت جسده وأوقفته بهتافها الحادة ونبرتها التي حملت استنكارًا لقوله (حمزة)وما فعلتها إلا لرؤيتها الصغيرة واقفة على عتبات منزلهما مستمعة بصدمة لما قاله عنها وطريقته الفظة.
امتزج هتاف ورد لها بالأسف والتوسل، بينما جاءت نبرتها قوية لتنبّه الأخر ألا يتمادى ويتوقف عند هذا الحد (سكينة تعالي)
وقف جامدًا لا يرغب في الإستدارة ضائقًا بقوله الذي بالتأكيد أصاب قلب الأخرى، التي تقدمت بكل قوة وثبات ووقفت في المنتصف قائلة بإبتسامة واسعة (معلش يا مرت خالي بس أنا غصب عني سمعت دكتور البهايم ولدك بيجول إني زنانه ورخمة.. ومعلش هرد
عاملتها بإحترام شديد قبل أن تتبدل ملامحها ونظراتها التي ركضت بإتجاه الواقف مكانه مستمعًا لا يلتفت حتى لا يصطدم بملامح الغاضبة ولا والدته اللائمة (أنا مش زنانة ولو لساني خاطب لسانك تاني ابجا جول عليا ساعتها الي تجوله.. ومش رخمة محدش رخم غيرك والله)
تطلعت للأعلى متنفسة بقوة تسيطر على دموعها التي بدأت تندد بالهطول، لكنها منعتها بقوة وأرضختها لسلطان هواها، عادت لورد قائلة بإبتسامة (كنت جاية أشوفك لو عايزه حاجه جبل ما أنام يامرت خالي تأمريني بحاجه.؟)
أشارت لها ورد بحنان فائض وأسف (تعالي يا سكينة جنبي اجعدي شوية )
قالت سكينة بنفس الابتسامة المتكلفة (هروّح أنا أنام شوية علشان هصحى أذاكر بعد إذنك)
قالتها وأطلقت ساقيها للرياح لا تعير نداء ورد اهتمامًا ولا بالًا، ركضت لمنزلهم مقررة عدم العودة مجددًا فيكفيها ما سمعته منه اليوم وذلك الألم.. الليلة شعرت بخاطرها يتمزق كخرقة بالية، بينما دقاتها تتواثب من فرط انفعالها وعدم تقبلها كلمات هذا الكئيب ذو الوجه البارد. سمحت أخيرًا لدموعها بالتحرر بتهدائة تلك الحرائق التي تنشب داخلها.. جلست عند البئر القديمة تستعيد شجاعتها وهيأتها قبل أن تذهب لوالدتها ومودة وتواجههما، لا تريد أن تتعلق كلماته بصفحة وجهها فتُفضح ولا أن يُكشف أمر انهيارها.
عنده كانت ورد تستغفر بصوتٍ مسموع، غاضبة ناقمة عليه بسبب فعلته وتهوره الغريب على طباعه، حمزة الخلوق المراعي.. الذي ينطق كلماته بحساب حتى لا يؤذي غيره ماذا حدث له.؟ لطالما كان هينًا لينًا ودودًا ماذا أصابه.؟
لماذا معها هي يصبح بكل هذا الجفاء والبرود كأنه يقصد ما يفعل ويتعمد إبعادها عن محيطه.
جلس داخل حجرة جانبيه، أغلقها وأشعل سيجارًا بعيدًا عن نظرات والدته فلو رأته الآن لن تمر الليلة بسلام.. فهي تكره أن تراه مُدخنًا.. يكفيه ما ستصبّه فوق رأسه بعد ما حدث، ولومها وتقريعها الذي لن ينتهي إلا بتطييب خاطر الأخرى، هو يعرف لن تمرر والدته الأمر بسلام.. لكن ماذا عليه أن يفعل.؟ لم يتوقع من لسانه تلك الكلمات.؟ ولا أن تسمعه من الأساس فيحزن قلبها.. أراد صرف ذهن والدته فقط عما تريد، أرادها أن تكفّ عن الإلحاح وتترك الأمور لوقتها.. لكنه لم يتوقع ما حدث..
زفر بحزنٍ وضيق من فعلته وتهوره غير المحسوب والذي جاء فوق رأسه ورأس تلك التي لا تستحق أن تحزن ولا تغتم بعد ما فعلته لأجلهما اليوم..
بالخارج كان رفعت يقف على أعتاب المنزل محمحمًا مصفقًا بكفيه للتنبيه بوجوده… انتفضت ورد حين وصلها صوته البغيض الذي نفرت له كل حواسها وأغتم قلبها وانقبض.. نهضت واقفة بثبات وقوة تمنع عبوره حين وصلها استئذانه(يارب يا ساتر…)
أوقفته بنبرة حازمة قوية ونظراتها تعري سواءة روحه (استنى عندك)
اضطرب رفعت، تطلّع حوله بإرتباك قبل أن يثبت نظراته فوق زوجة أخيه التي تقدمت ناحيته بعافية قد دبّت في جسدها، اهتزت نظراته ولم يستطع النظر إليها بينما كانت هي تثبتهما بتحدي (خليك يا أبو سعد البيت الي اتخرب على يدك واتجفل لما يرجع يتفتح رجلك متخطهوش)
حملق يحاول استيعاب اتهامها المُعلن وحقدها المنبثق من نظراتها، كأن الزمن توقف وعاد ولم يكن هناك فاصلًا من سنوات طويلة، نظراتها مشحونة تنحبس فيها الكلمات، تفاجيء بإستقبالها له.. لكن وما المتوقع غير ذلك.. ورد لن تنسى! سمح لنفسه بتمشيطها، بتأملها، مازالت جميلة كما هي..؟ عنيدة، قوية لم تحنِ لها السنوات ظهرًا ولا أضعفت الأيام عزيمتها، نظراتها مازالت لامعة متألقة قوية لا تنكسر كما عهِدها.
قرأت أفكاره، وسطوره في نظراته التي تبغضها لتقول بسخرية مريرة (وإنت لسه زي ما إنت) قالتها وفمها يلتوي ببغض فهمه وابتسم كعادته، ضاربًا بقولها ومقصدها عرض الحائط
(نورتوا جنا، والله زمان يا ورد) قالها لتهتف بحدة أرهبته(أم حمزة يا أبو سعد) قالتها بفخر وكبرياء مازال سيد كلماتها.. شملها بنظرة قاتمة قبل أن يُعلن انسحابه من تلك المواجهة المتأخرة، متجاهلًا قولها(بركة إنك بخير.. وبأحسن حال.. )
قالت بملامح لا تُقرأ (منورة بأهلها…)
استاذن منها (عن إذنك.. سلميلي على حمزة ولو احتجتوا حاجه إنتِ عارفة الطريج)
ابتسمت ساخرة بقسوة وهي تخبره بترفّع (طريجك سديناه يا أبو سعد وهحتاج إيه وولدي حمزة بخير وعافية.. إنت الي لو احتجت حاجه جولّه.. حمزة كيف أبوه كلها تحبه و تتمنى تخدمه)
ابتسم لها ابتسامة مهزوزة وهو يخبرها بحقد مزروع داخله (ربنا يخليهولك تصبحو على خير)
ردت خلفه وهي تغلق بابها متنهدة وقد وهنت من تلك المقابلة (وإنت مش من أهله)
رحلت لحجرتها محتمية بها من عواصف الألم
تُغلق عليها بابها حامدةً الله على دخول حمزة الحجرة وعدم مقابلته عمه، تمنت أن تقابله وحدها وها قد حدث وأوصلت له رسالتها وانتهى.
*****’
بعد مرور يومان
جلست مودة بجانب ورد في تأدب، تأملتها ورد بنظرة حانية مشفقة وقد تأكدت من ظنها.. تلك الفتاة الهادئة الرزينة تحب ولدها وتتلمس مودته وترجو حبه.. مر بنظراتها طيف من إشفاق وأسف قبل أن تسألها وتركيزها ينصب ناحية الأخرى البعيدة التي تخفي نفسها عنهما منذ ما حدث (سكينة جاعدة يا مودة.؟)لتجيبها مودة بلطف زائد (بتجول معاها درس يامرت خالي )
طلبت منها ورد بإبتسامة (جوليليها كلمي مرت خالك جبل ما تمشي)
الصغيرة لن تأتي إلا بأمرٍ مباشر وطلب منها لذلك فعلتها وانتظرت متأكدة أنها لن تخيّب ظنها.
هزت مودة رأسها متفهمة قبل أن تغادر لمنزلهم، هناك انتفضت سكينة متفاجئة بالدعوة قائلة (مش جولتلك جوليلها معايا درس لو سألتك عني )
قالت مودة وداخلها دهشة تنمو من موقف أختها المغاير ورفضها الذهاب بعد ما كانت متعلقة بذيل ورد تتبع أثرها، ماذا حدث جعل أختها تبتعد هكذا متعللة بالحجج والأعذار الكاذبة(جولتلها بس بتجول عيزاكي جبل ما تمشي )نهضت سكينة مرتبكة،خاضعة لأمر ورد تدعو الله أن لا تقابله في طريقها
ارتدت عباءة مخمل وحجاب مناسب، ثم خرجت مترددة حائرة في سبب طلب ورد لها.
غير أن مودة لا ترحمها من التساؤلات ولا تتركها لما هي فيه.
طرقت الباب فأذنت لها ورد بالدخول وقد تركت باب المنزل مفتوحًا متأكدة من تلبيتها الدعوة على وجه السرعة (تعالي يا سكينة)
تقدمت سكينة بتوتر قلبها ينتفض خوفًا من أن تقابله، نظراتها تدور في المكان مستكشفة بقلق وحين اطمأنت دخلت (ازيك يا مرت خالي..؟ قال عيزاني.؟)
أشارت لها أن تجلس بجانبها (متحرمش يا سكينة.. بجالك يومين غايبة فاتوحشتك )
رغم الألم الكامن بملامحها إلا أن كلمات ورد هبطت فوق قلبها بردًا وسلامًا فبشّت وسارعت برد محبتها متلهفة (وإنتِ كمان يا مرت خالي ورد) ثم أوضحت بتوتر مكشوف وكذب مفضوح (حجك عليا المذاكرة شغلاني شوية والدروس) ابتسمت ورد لا تنطلي عليها كذبتها وهي ترى نظراتها تدور باحثة عنه
مضطربة الخواطر مشتتة الفكر، نظراتها تزحف رغمًا عنها لباب حجرته، تخشى مقابلته وخروجه في أي وقت، أجابتها ورد مُطمئنة قلبها(فجنا يا سكينة مش جاعد )
ابتلعت ريقها براحة لكن شعور بالخيبة كان يتسلل إليها ويطفو، هل تريد رؤيته.؟ أم إنها جائعة لذلك الحنان المتدفق من نظراته رغم جفائه، ذلك الحنان الذي يجذبها ناحيته بقوة فبدأت في إدمانه.
أحنت رأسها بخجل من انكشاف أمرها ونظرات ورد التي تخترقها.. بددت ورد بكلماتها خجلها قائلة
(معاكي حصة ولا هتساعديني فالنواعم يا حلوة)
تذكرت أن مودة أخبرتها أن والدتها طلبت من ورد أن تصنع لهم تلك النواعم التي تحبها وتفضلها من يدها وكان أخوها يحبها أيضا
ختمت ورد قولها بابتسامة دافئة مترقبة جعلت سكينة تبتسم تلقائيًا متذكرة كلمته لها (هأجله يا مرت خالي مش مهم)
شاكستها ورد كاشفة كذبها (دا لو كان في من الأساس.. جومي يا خايبة جومي)
نهضت سكينة متحمسة، تتعكز ورد على ذراعها ليصلا للمطبخ ويعملان بجدٍ، كانت قليلة الثرثرة على غير عادتها..
حين حطّت أقدامه فوق عتبات منزلهما هتف كعادته مناديًا حيث أول ما يبحث عنه بنظراته عند دخوله هي أمه وإن لم يجدها يناديها بلهفة (ورد)
أوقعت سكينة ما بيدها مرتبكة خائفة من تلك المواجهة ومن مشاعرها تجاهه، فأصدر صوتًا عاليًا مزعجًا، جعله يترك ما بيده من أغراض ويركض باحثًا عنها بخوف.. التقت نظرات سكينة بورد التي طمأنتها وثبتتها بنظرة منها تتأرجح ما بين الرفق والحزم.
حينما وجدها سالمة تستقبله بإبتسامتها الحنون، حمدالله جهرًا وخطا للداخل يسألها (إيه مدخّلك المطبخ.؟)
ابتعدت سكينة خطوتين للخلف، تسمح له بالوقوف تجاهل وجودها، تعامل كأنه لا يراها من الأساس.. لم تسقط نظراته لمرة واحدة فوقها رغم تأنيب ضميره المتواصل لما فعله معها وقاله لسانه عنها وكان كذبًا.
قطبت ورد تأمره بحزم ولهجة شديدة الجدية (سلّم على سكينة يا حمزة)
رفع رأسه يسأل بتصنّع (سكينة مين وفين.؟)
جزت سكينة على أسنانها بغضب وغيظ،لا تتحمل ولاتطيق، لتشير له والدته بنظرة لائمة (وراك يا حمزة)
قال بنبرة جافية دون أن ينظر إليها (آه ازيك يا سكينة) غمغمت بصوت تخنقه غصة ضيق (تمام)
سأل والدته وهو يتأمل ما حوله (بتعملي إيه.؟)
أجابته بضيق نبت داخل قلبها من معاملة ولدها للصغيرة وتمسّكه بموقفه المغاير لطبيعته (شوية بسكوت كده)
رفض بضيق وإنزعاج خوفًا من تعبها(جولتلك هجبلك الي عيزاه)
رفضت متعللة (بحب أعمله بنفسي، وسكينة هتساعدني.. بس ظبطلي المجادير يا حمزة)
هتف بإبتسامة وهو ينحني مُقبلًا كفها (ماليش ف الحلويات، ولا بعرف أظبط مجاديرها ما إنتِ عارفه)
قالت ونظراتها تهرب للواقفة منتظرة بتوتر وضيق (لازم يبجالك فيها وتظبط مجايرها)
قال وهو يتراجع، ليغادر (لا ماليش دعوة.. رايح أنام علشان يمكن أروح أسيوط بكره بإذن الله)
خرج من باب المطبخ تاركًا لها، لتشير ورد لسكينة المتجمدة مكانها تحاول ألا تهرب نظراتها إليه (تعالي يلا ..) حين اقتربت واستها بمحبة (متزعليش من حمزة هيرخم كتير استحملي.. بس لما بيتهدي الدنيا وما فيها)
لم تنتبه لكلمات ورد جيدًا عقلها كان مع هذا الصموت الجافي، صدق حين قال( قد يراها لكنه لا يراها)
منذ عاد ترى منه وجهًا آخر لا تعرفه.. كل هذا لأجل ما فعلته.؟هل يعاقبها ويضايقها ثأرًا لكرامته؟
تابعت العمل وفقًا لتعليمات ورد وحينما انتهت خرجتا بالأغراض.. افترشت الأرض وجلستا للعمل.. هتفت ورد به
(حمزة رنّ علي عمتك تيجي)
تأفف منزعجًا، ألا يكفي أنه لا يستطيع الخروج(حاضر)
وجدتها فرصة للهرب، نهضت متحمسة (هروح أناديلها أنا أحسن)
رمتها ورد بنظرة ساخرة وقد شفّت دواخل سكينة وقرأت ما تنتويه فخيّبت آمالها (اجعدي هيتصل بيها)
خرج هو لصنع كوبًا من القهوة، ممسكًا بهاتفه يقلّب فيه..
ودخلت هي تبحث عن شيء بالمطبخ نسيته ليصطدما ببعضيهما فتنسكب القهوة فوق ملابسه مما جعله يهتف بغضب وحدّة وهو يطالع ملابسه (مش تفتحي يا سكينة، مالك؟)
رغم حزنها من كلماته الجافة وحدّته معها إلا أنها هتفت بقوة تجابه غضبه بصلابة محتفظة بثباتها رغم ترقرق الدموع بعينيها (أنا مفتحة، إنت الي مركز ف التليفون)
سخر بفظاظة (لما مفتحة ومركزة معدتيش لما شوفتيني من الناحية التانية ليه.؟)
سؤاله صدمها، صمتت دقائق تنظر إليه ببلاهة قبل أن تنفجر مرة واحدة باكية، من ضغطه الشديد عليها وتغيّره الذي لا يُحتمل، بسرعة هربت من أمامه لمنزلهم
نادتها ورد وهي تحاول النهوض للحاق بها (سكينة)
لكنها تجاهلت النداء وهربت فارة لمنزلهم، تأفف حمزة بضيقٍ وإنزعاج شديد من نفسه ومنها.. خرج لوالدته مرتديًا درع الثبات يتصدى به لتوبيخات ورد ولومها
(ليه يا حمزة.. ينفع كِده، جرالك إيه.؟ )
قال بعناد، رغم أسفه الشديد وضجره مما حدث (ينفع.. أحسن خليها تمشي وهساعدك أنا) حاول الجلوس لكنها دفعته غاضبة (هتروح تجيب بت عمتك وتراضيها)
صرخ بغضب لا يفهم سببه (نعم! مش هيحصل) قالت بتأكيد وحزم شديد(هيحصل يا حمزة، مش بمزاجك)
سألها يعرف ما تنتويه تجاهه (لو صممت؟ )
قالت بجدية شديدة وتأكيد (مش هكلمك يا حمزة وهتمشي تبيت ف بيت جدك)
قال بإصرار مُتحديًا لها
(هبيت عادي.. وخليها هي تيجي تبيت معاكي) دفعته غاضبة منه ومن أفعاله (جوم يلا امشي) حاول إثناء عزيمتها لكنه فشل
(بجول امشي يلا) قالتها غاضبة
لينهض مستسلمًا، مغادرًا لمنزل جده..
*********
في منتصف الليل جلس فوق عتبة منزله يطرق الباب مناديًا، يتوسلها مستعطفًا لها (ما تفتحي بجا ورد مش عارف أنام هناك.؟)
نهضت سكينة جالسة وقد كانت تجاور ورد في نومها بعدما طلبت منها أن تقضي معها الليل بعد مغادرة حمزة.. قالت ورد وهي مغمضة العين(سيبيه ونامي)
قالت بحرج شديد وهي تفرك كفيها بتوتر (حرام الجو برد..)
سخرت منها ورد سائلة (يتحمل البلوك والبرد لاه.؟)
ثم لامتها بلطف خوفًا عليها (عملتك ال
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)