رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الحادي عشر 11 بقلم عائشة حسين
رواية ملاذ قلبي سكن الجزء الحادي عشر
رواية ملاذ قلبي سكن البارت الحادي عشر
رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة الحادية عشر
اللهُم إني اشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ،
وهواني علي الناس ، أنت أرحمُ الراحمين ، ورَبُ
المُستضعفين ، وأنتَ رَبيّ ، إلي من تَكِلُني ؟
إلي قَريبٍ يتجهمُني ، او الي عدو ملكته أمري ،
إن لم يكُن بِكَ عليّ غضبٌ فلا أبالي ؛ غيرَ أن
عافيتك هي أوسع لي .
أعُوذُ بِنور وجهِكَ الذي أشرقت له الظلمات ،
وصلح عليه أمرُ الدُنيا والأخرة ؛ أن ينزل بي
غضبكـ ، أو يحل بي سخطكـ ، لك العتبي حتي
ترضيٰ ؛ ولا حول ولا قوةَ إلا بك .
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
دخلت الحجرة وهي تسألها بقلق غرس أنيابه في صدرها (في حاجه يا مرات خالي ورد حد زعلك.؟)
أجابتها ورد وهي تلملم أغراضها وتضعها في الحقيبة المجاورة لجلستها (مفيش يا بتي)
اقتربت منها سكينة تسأل بإلحاح وفضول (أمال روحتي بيت خالي ورجعتي مش كويسة ليه؟)
جلست متنهدة تخبرها بحزن عتيق داخل قلبها (جابلت جدتك يا سكينة)
سألت سكينة بإستنكار وخوف نبضت به نظراتها المهزوزة (وزعلتك.؟)
قالت ورد مبتسمة متقبلة في مرونة (وهي متى فرحتني يا سكينة.؟)
لم تملك سكينة أحرفًا تطبب بها وجع ورد المحفور كأخاديد عميقة فوق ملامحها الجميلة، بل أي حروف ستفعل.؟ جلست تضمها في مودة قائلة (متزعليش يا مرت خالي حجك عليا أنا) ضمتها ورد مهونة عليها ممتنة لعاطفتها (ربنا يهدي يا بتي)
سألتها سكينة بإهتمام وهي تُلقي بنظراتها حولهما (أساعدك فحاجة..؟)
سألتها ورد وهي تنظر لعينيها مفتشة عن أمل بين دروب حيرتها (مش هتتصالحوا يا سكينة…؟)
فهمت مقصد ورد، فأشاحت بإعتراض ورفض عيناها الجميلة رسى فيهما الحزن، ليتها تستطيع محو تلك اللحظات التي شعرت فيها بالضياع دونه، أو نسيان فعلته، عيناها تحرقها من شدة ما بكت فعلته فكيف تفعل.؟ وهو عزيز القلب الذي كلما رأته قالت يا بشرى، فخذلها.؟ العزيز الذي اشترته بثمن باهظ ولم تكن فيه من الزاهدين ليبيعها هو، وبحجم مكانته كان الوجع قاسيًا.
صبرت ورد عليها وكلها رغبة في تصفية الخلاف بينهما قبل الرجوع لكن سكينة فاجأتها بصلابة موقفها (إنتِ وعدتيني مش هتكلميني ف الموضوع دِه..؟)
قالت ورد بلين ورقة تحاول استمالتها يقينًا بقلبها الرائع(موحشكيش الكلام والمناكفة مع حمزاوي.؟)
مر طيف حنين بنظراتها، لتمسح وجهها من غبار التأثر مصرّةً على موقفها (لا..)
اشتاقته لكنها لن تفعل، ربما حينما يمحو موج الأيام آثار فعلته من على شواطئ قلبها تفعل، لامتها ورد وكلها أمل (يا سكينة…)
انتفضت سكينة من جلستها في هروب،لن تخضع لتأثير ورد عليها، لن تميل من جديد ربما كان الأمر إشارة لها لتبتعد.
قالت بعزم لا يلين (معلش يا مرت خالي لو بتعزيني بلاش الموضوع دِه)
عاتبتها بمودة امتزجت بأسفها (كِده يا سكينة ماشي.. عمار كلامه معاه جليل وإنتِ معدتيش بتكلميه ومودة خجولة فاضله مين)
تعلم أنها تضغط عليها بشدة، لكنها أرادت الوصول لحل.. أصرّت سكينة بعناد، غيرت الحديث علامة انتهاء الأمر لديها (هروح ألحق الدرس بتاعي أشوف وشك بخير)
صمتت ورد حزينة، يعتليها الهم، اقتربت منها سكينة وضمتها مودعة بدموع حارة أسفة على رفضها طلبها البسيط، وذلك اليأس الذي تركته بملامحها الجميلة، لكنها تملك ألف عذر للابتعاد عنه لن يتفهمهم غيرها، هو بابًا ستغلقه ممتنة للصدف التي هيأت لها ذلك.
خرجت من الحجرة وقفت لدقائق مستغلةً انشغاله المعتاد بهاتفه، لا لن ترضخ لدقات قلبها التي تطالب، ولا روحها التي تبحث عن وليفها وقلبها الذي يريد العزيز ليصنه ويحفظه من مجاعة الحب التي تُهلك روحها.
لم تودعه، لكن النظرة التي سرقتها منه فعلت وعانقته مودعةً في حرارة، قبل أن تتحرك أمامه بخطوات حادة.
هو الذي لا يهمه الآن سوى والدته والاطمئنان عليها والزود من دفء وأمان روحها ونظراتها، أمه زاد أيامه من الحب والصبر والقوة الذي يعينه على صعوبة الطريق ومشقته، عن أي رغبة يفتش بعدها .؟ بقائها بخير هي أول رغباته وأمنياته..
اتجه للحجرة ليجدها تغلق حقيبتها، ابتسم لها متسائلا بحنانه المعهود ونظراته التي تضمها في تعلّق(كويسه يا أمي)
ربتت على قلقه بإبتسامتها (كويسة يا جلب أمك) قبّل رأسها قائلًا (أوعي تزعلي من حاجه ولا تشيلي هم حاجه وأنا موجود يا أمي)
أغرورقت عيناها متذكرة تهديد عمه لها،والقبضة الباردة التي تعتصر قلبها منذ همس بفحيحه لتهمس بإبتسامة مهزوزة حافظت عليها رفقًا به (ربنا يديمك يا حبيبي ويخليك ليا)
طرق الباب فخرج يستقبل عمته ومودة التي تتشبث بحيائها الشديد معه، كلما نظر إليها أحمرّت وجنتاها بشدة.. راقبتها ورد وهي تهمس أسفةً (الجلب وما يريد يا بتي ربنا يبعتلك الي يريد جلبك وميفرطش فيه)
ساعداها في تجميع الأغراض وتقفيل المنزل، دموع راضية لا تتوقف وتوسلاتها لا تعرف اليأس،ربما واحدة تصل لقلبيهما (خليكم وكفاية غربة) ربتت عليها ورد قائلة (ربنا يسهّل بس ادعي لحمزة يا راضية) أومأت راضية وهي تمسح دموعها داعية لتوصيها ورد (خلي بالك من البنته يا راضية)
تطلعت إليها راضية بإستفهام قلقة من نبرتها الجادة لتردف ورد مطمئنة لهة بإبتسامة (يتخاف عليهم والله ) وعت راضية مقصدها.. لتشرد ورد قليلًا متطلّعة لحمزة الذي يتعامل مع مودة بأدب جم، غير منطلق معها كما الأخرى.. يرسم على وجهه ابتسامة متكلفة عملية، حمزة مع مودة غير الذي مع أختها.. متبدلًا
يحبس روحه داخل إطار معين بصمود بينما مع الأخرى روحه تحلّق حرة طليقة، مع الصغيرة يبتسم من قلبه ويضحك من قلبه كل ما يفعله معها يصل حد الاشتهاء والحب.
غادرت مودة تنتظر هي ووالدتها أمام المنزل حتى يستعدا، شملت ورد البيت بنظرة طويلة كأنها لملمته كله في حقائب عينيها محتفظة به.
همست متذكرة الماضي وهي تشير لحمزة (هنا جولت لأبوك إني حامل بيك)
دارت قليلًا وأشارت (هنا أكلنا وضحكنا واتمنينا وحلمنا.. وهنا إنت مشيت وكبرت..)
هبطت دموعها فاقترب منها يضمها من كتفيها لتردف ونظراتها تتعلق به (هنا جيت وجولت أنا نجحت)
قبّل جانب رأسها مواسيًا وجع فقدها لتردف بأمنية (بس نفسي تلاجي السكن، وأشوفك بتفرح وأشوف ولادك..)
همس متأثرًا بحالتها (العمر الطويل ليكِ يا جلب حمزة وروحه)
وزّعت نظراتها في أرجاء المنزل تشكو له فقدها واشتياقها (وحشني حكيم يا حمزة ونفسي أروحله، بس عايزه أطمن عليك وبالي يرتاح من ناحيتك، مستنية اليوم دِه بفارغ الصبر)
ضمها أكثر وهو يخبرها بضياع (تروحي فين بس هو حمزة يسوى حاجه من غيرك، دا أنا أموت بعدك)
همست مستسلمه لأنامله المرتجفة التي تمسح لها دموعها (بعيد الشر عندك يا حبيبي)
ودّعا المنزل وذكرياتهما، إن لم ينطق لسانها بالسؤال عنها فنظراتها التي بحثت عنها سألت، وقفت تأبي ركوب السيارة تنتظرها ربما تأتي لكنها تأخرت أو ربما امتنعت لا تعرف لكن حين همست تسأل عنها أجابتها مودة بحزن وحرج (راحت درس) صعدا السيارة متسائلًا (خلاص يا ورد..؟)أجابته بجمود وهي تودّع كل ما حولها بنظراتها(خلاص يا حمزة)
أوضح قائلًا يصرف ذهنه عن التفكير في تلك التي تغيبت (حسن فجنا مستنينا هنركب الجطر وهياخد هو العربية ويروح أسيوط ويرجع بيها)
أومأت متفهمة بصمت، يحاول الثرثرة ليطغي الانشغال على شعوره بالمرارة الذائبة في حلقه، يريد السؤال عنها ولا يستطيع.. لماذ لم تأت لتوديع والدته.؟ لماذا اختفت.؟لماذا غادرت وتركتها بعدما انفردتا في الحجرة.؟ كلها أسئلة تداخلت مشكّلة حلقة من الحيرة أحاطته، تأفف وهو يقود السيارة بضيق واختناق..وصلا بعد مدة طويلة، سلّم عليهما حسن وأخذ السيارة وبقيّ هو وهي بحالٍ يرثى له، منتظرين كأن على رأسيهما طير.
ركضت لاهثة في أرجاء المحطة تفتش عنهما، ورغبةً في البكاء تنتابها، تبحث بين الوجوه عن وجهه أو وجه والدته، لن تسامح نفسها لو غادرت ورد قبل أن تودعها..ظنت أنها ستقدر على فعلها لكنها لم تستطع تركت حصتها وخرجت راكضة دون توضيح.
أمسكت الهاتف تحاول الاتصال بها لكن هاتفها مغلق.. فزاد ذلك من ألمها وحسرتها..
لم تجد أمامها سواه.. ضغطت فوق اسمه منتظرة رده الذي طال وسقطت مع انتظارها الدموع.. تتوسله بخفوت أن يفعل لكنه كان ينظر للهاتف بتردد حسمه وهو يضغط متجاهلًا مكالمتها.. ماذا تريد.؟ تتأكد أنه غادر دون رجعة.؟ رغم رغبته في وصلها بعد إنقطاع وشوقه لأن تلثم أحرفها مسامعه وتضم أنفاسه صوتها الضاحك.. لكنه حسم كما فعلت،لا سبيل لعودة وإن أصبح طريقه مُوحشًا دونها.
استدار ممسكًا بالعصائر متنهدًا براحة من قراره، فلا مزيد من التخبط والحيرة
اصطدم جسده بجسد آخر فسقط ما بيده تزامنًا مع شهقتها التي ارتفعت.. ترك ما سقط يتناثر ورفع نظراته معتذرًا ليجدها هي، أوهنها الاصطدام فجلست أرضًا على ركبتيها تتنفس بقوة. هتف بفزع لم يخفيه وكأن لشوقه إرادة أخرى حرّكته (سكينة)
أمسكها من كتفيها ورفعها متسائلًا بخوف (إنتِ كويسه.؟)
هزت رأسها بتأكيد دون أن تنطق، ازدرد ريقه وسألها ببعض العتب الذي تآزر مع نبرته اللا ئمة (جايه ليه..؟ )
همست بصوت متقطع تتخلله الأنفاس، سؤالها كان توضيحًا وإجابةً لسؤاله(مرت خالي فين.؟)
أشار لها متحيرًا، قاطبًا لا يفهم مايحدث ، فركضت سكينة تاركةً له، جلست منهكة تلتقط أنفاسها، فهمست ورد بعينين مغرورقتين بالدموع (سكينة.؟) لم تخيّب الصغيرة ظنها بقلبها الفريد.
ضمتها سكينة معتذرة بدموع حارقة وشهقات لا تتوقف(معرفتش أجعد، ولاتمشي ومسلمش عليكي)
وقف يتابعهما دون تدخل، يترك لنظراته حرية العناق والتوديع ووالدته تضمها بحنو وتهدأها، لتسألها سكينة وهي تمسح دموعها (هتيجي تاني ولا هتمشي خلاص وتنسيني؟)
قالت ورد مؤكدة وهي تداعب ذقن سكينة بإبتسامة رقيقة (هاجي تاني بس إنتِ كلميني دايما يا سكينة متغبيش، وأوعي تجفلي باب موارب يا سكينة يمكن الباب دِه هو باب الفرح عشان متندميش يا بتي )
هتفت بمرح زائف كملامحها التأكيدية رغم عدم فهمها لما تقوله ورد (حاضر)
ابتسمت ورد وهي تربت على خدها قائلة (كأن ربنا اختارك إنتِ بالذات تطبطبي على جلبي يا سكينة، من وجع سكينة الكبيرة وجسوتها ومرّ كلامها)
ضحكت سكينة من بين دموعها وهي تسأل بفرحة طفولية (أنا يا مرت خالي أنا.؟)
أكدت ورد وهي تطالع الواقف بطرف عينيها في أسف (أيوة إنتِ)
عانقتها سكينة بقوة ترفض إفلاتها، وهي تهمس (هتجطعي بيا وهتوحشيني)
قالت ورد بنصيحة باطنها التحذير (خلي بالك من نفسك وصوني نفسك، واعرفي مش كل الناس هتفهم طيبة جلبك دي وحلاوة روحك)
أطاعت بهزة رأس (حاضر)
نهضت مغادرة بعدما انتهت وحان وقت الرحيل، مرت من أمامه بصمت فاستوقفها معاتبًا (متأخرة ليه يا سكينة وجاية تجري.؟)
حدجته بنظرة حادة قبل أن تخبره بقسوة (أحسن من الي بينسى يا دكتور)
ابتلع ريقه وتوتر من هجومها عليه وتلك الحدة التي تتحدث بها، تجاهل وأردف (حد معاكي ولا هتروّحي لوحدك.؟)
تنهدت بإستياء لا تريد الحديث معه، قالت وهي تتحرك (مع السلامة يا دكتور خلي بالك من ورد ويارب متنسهاش هي كمان)
تابع السير خلفها قائلًا بغلظة لام نفسه عليها وندم (مش كل الناس تتنسي يا بت عمتي)
زوت ما بين حاجبيها، منزعجة من رده الغريب عليها، أخفضت نظراتها الحزينة تخفي عنه ضيقها في ترفّع وكبرياء متنهدة من فظاظته ومعنى كلماته المبطن.. أكانت هي لا تستحق أن يتذكرها.؟ أن ينساها.؟
تابع بإهتمام أسِفًا لما قاله ونطق به (استني أوجفلك تاكسي يروّحك)
رمته بنظرة مستهينة وغادرت بأقصى سرعة ليتراجع هو عائدًا لوالدته التي استقبلته حين وصلها الحوار بلومها (احنا بنصلّح ولا بنبوظ ياحمزة.؟ بنراضي ولا بنزعّل.؟ ليه كلامك دِه.؟)
قال بحنق شديد ورأسه يميل ليتابعها بنظراته (هي الي بدأت)
أوضحت له بإبتسامة حنون متفهمة سبب ضيقه الذي يتجاهله ولا يفصح عنه (دي بتعاتبك ياحبيبي، وبعدين بتناكفها ليه ولا صعب عليك تمشي من غير ما تكلمك)
أخفض نظراته في خجل من انكشاف أمره، أصابت والدته كبد الحقيقة… لا يستسيغ ابتعادها كل هذه المدة وخصامها الذي طال كثيرًا وإن كان يريده.. تجاهُلها له وأخيرًا قسوتها وصلابة رأيها على عدم المغفرة.
نهض ممسكًا بذراعها في صمت، قادها حيث القطار راحلين إلى حياتهما من جديد.
خارج المحطة كان هناك من ينتظرها بقلق ما إن أبصرها بهيأتها تلك وحالتها حتى هتف في قلق (حصل حاجه.؟ حمزة زعّلك ولا إيه.؟)
استنكرت بنظراتها قوله، لتقول بضيق لا تعرف سببه (لا وحمزة هيزعلني ليه يا هشام.؟)
ارتبك من سؤالها الصريح، ليبرر (روحتي ورجعتي كِده.؟)
تنهدت موضحة، متذكرة ورد (لا بس زعلانه علشان مرت خالي مشيت)
تبسّم قائلًا (زعلك عفش على كده؟ فكرت حمزة مثلا ضايجك ولا جالك حاجه)
قالت مدافعة ونظراتها تحتد في شراسة (على فكرة حمزة مش كِده.. ومبيزعلش ولا بيضايج حد ياهشام بالعكس)
نظر إليها طويلا نظرة لم تستطع فك طلاسمها ليقول بإبتسامة مربكة غامضة (ماشي إنتِ محموجه وزعلانه ليه كِده أنا مجولتش حاجه)
ازدردت ريقها متوترة من توضيحه، ومواجهتها بإنفعالها غير المبرر من وجهة نظره بل غريب ويدعوه للشك.
قالت بضيق من نفسها لاتعرف لما تستمر في الدفاع عنه والخوف من أن يمسه سوء.
(من ساعة ما طلعت وإنت حمزة حمزة وأنا جيلالك هسلّم على مرت خالي ورد لأنها ماشية)
تهرّب من الحديث فالأمر والثرثرة فيما سيجلب المشاكل بينهما، فيبدو أن ورد مكانه خاصة عندها وكذلك حمزة لذا تراجع بفطنة وحذر، لن يهدم ما بناه.. ولن يخسر ثقتها الآن وهو يعافر لينالها ويكسب ودّها.
سألها (هتروحي.؟ ولا معاكي لسه حاجه)
تنهدت قائلة (لا خلاص)
اقترح وهو يتأملها (بجولك ايه ما تيجي تروّحي معايا عمك بيسأل عليكي ومرت عمك وآية عايزين يشوفوكي)
تطلّعت إليه مذهولة من اقتراحه عليها، قبل أن تذم شفتيها وتتقدم خطوتين في رفض لما يقوله (إنت اتجننت باين.؟ بيت إيه الي أروحه معاك.؟)
ابتسم لها معجبًا قبل أن يحاول إقناعها(البيت اهو جنبنا، هتسلّمي وتجعدي مع عمك علشان هيسافر مصر يكشف وعايز يشوفك)
قالت بإرتباك من قلبها الذي يدفعها للموافقة (لااا هبجا أكلمه)
قطب قائلًا مستاءً من وقفتهما هكذا (بجولك يلا بدل الوجفة دي، بعدين أظن خلاص اطمنتي وعدينا مرحلة الخوف دي يا سكينة)
رمقته متحيرة، هي تحتاج بحق لجلسة عائلية دافئة بعد رحيل ورد، لا تريد الذهاب للمنزل ووحشته ووحدتها.. لما لا تذهب معه وتبقى لوقتٍ قليل ربما تتحسن نفسيتها.
ضيّق نظراته فوق ملامحها التي تتضارب بمشاعر شتى موقنًا داخله أنها ستوافق.. قالت فارتوى (ماشي بس هسلّم وأمشي )
هز رأسه فرِحًا لموافقتها، قال وهو يقود دراجته ببطء ليجاري خطواتها (يلا ورايا)
تبعته منقادة تسوقها رغبتها في الابتعاد عن المنزل حتى تألفه دون ورد وحنانها، تريد تعويض روحها وقلبها.. دخلت العمارة خلفه.
لاهية عن صديقتيها اللتان رآينها منذ وقفت معه والتقطتا لها عدة صور وحين غادرت تتبعاناتها حتى دخلت العمارة السكنية فقامتا بإلتقاط العديد من الصور لها وهي تدخلها
ابتسمت سما بإنتصار وهي تضع هاتفها بجيبها قائلة (أنا حظي من السما انهردا، لو اتمنيت مكنتش هتمنى أكتر من كِده) قالت أبرار (هتعملي إيه يابت.؟)
نظرت سما لمدخل العمارة قائلة (بكره تشوفي هعمل إيه.؟ والله لأوريها الي شايفه نفسها دي علينا وعلى الرجاله وشغاله من واحد لواحد)
ضربتها أبرار موبخة (إيه يا بت الشر دِه.. سكينة طول عمرها صحبتنا ومشوفناش منها حاجه عفشة)
لوّن الشر ملامح سما وهي تنطق بغل (اسكتي إنتِ مفهماش حاجه..)
قالت أبرار متراجعة قلقة من أفكار الأخرى (بجولك إيه ابعدينا عن المصايب احنا لا ناجصينها ولا ناجصين أهلها)
لوت سمها فمها بتهكم قائلة (أهلها.؟ والله لأخليهم خلج وسط الناس بلا أهلها) حاولت أبرار ردعها وإيقاف شرها خوفًا من القادم (ابعدي عنها دي صاحبتنا)
دفعتها سمها مغتاظة منها (بطلي عبط، دي لو احنا الي مكانها كانت فضحتنا وبعدين خلي أهلها يربوها سابوها لغاية ما أهاااا وصلت للشجج)
تطلّعت أبرار للعمارة السكنية المرتفعة قائلة وبقايا ضمير حي ينبض داخلها(ما يمكن رايحه تكشف ولا حاجه.. سبيها لحالها وبلاش سوء ظن )
قالت سما ناقمة عليها (نجطيني بسكاتك بلا تكشف.. أمال لو مكنتيش شوفتي الواد معاها زيي؟)
جاهدت أبرار لتثنيها عن عزمها (يمكن جريبها)
مال فم سما تقول بسخرية (جريبها.؟ ما احنا عارفين جرايبها كلهم! بعدين بجولك إيه اسكتي وخليكِ بعيد)
تأففت أبرار مستسلمة، هاربة من الجدال وحِدة الأخرى وشرها (أحسن ويلا بينا نمشي)
تركتا المكان وغادرتا في الطريق اقترحت سما بضحكة خبيثة (تيجي نتصل عليها)
امتنعت أبرار (ماليش دعوة مش هتدخّل اعملي الي تعمليه)
أخرجت سما هاتفها وبحثت عن اسمها حتى وجدته، رفعت الهاتف لأذنها، حين جاءها صوت سكينة المرتبك تصنعت قائلة (ايه يا بت فينك.؟ طلعتي من الحصة روحتي فين.؟)
نظرت سكينة حولها ثم قالت (تعبت فجأة وروّحت)
سألتها سما وهي تصنع بفمها صوت أسف (ألف سلامة يعني إنتِ ف البيت دلوك)
ارتبكت سكينة وتلعثمت ثم قالت كذبًا (أيوة مصدعة وهنام)
قالت سما بتصنّع و ضحكة مكتومة (الف سلامة سلام نشوفك بكره)
أغلقت الاتصال وأفلتت ضحكاتها قائلة لصديقتها التي تعجبت مما تفعله (شوفتي دِه دليل إنها مش تمام)
قالت أبرار بخوف وضيق مما يحدث (شكلك مش هتعديها على خير باين)
أكدت سما بعزم (لا مش هعديها)
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
بمنزل عمها نفت القلق والأفكار المزعجة بعيدًا و انغمست معهم متناسية، تشاكسهم وتحاورهم، تثرثر ولا تتوقف.. تجلس بجانب عمها متنسمة ريح أبيها فيطمئن قلبها وترتاح.. تتذكر عزيز قلبها فتطالع هذا الذي ينظر إليها بهيام وإعجاب لا يخطئه قلبها، يحيطها بنظراته كأنها أعظم ما منحه القدر وأعطته الصدف.. يتدخل أحيانا ويحدثها وأحيانًا يكتفي بالنظر إليها بإبتسامته الجذابة.
تناولت معهم العشاء وبقيت حتي أدركت تأخر الوقت.. ركضت تلوم نفسها على نسيانها وانغماسها.. حاول هشام اللحاق بها وتوصيلها
لكنها منعته فاضطر أن يتتبعها بدراجته النارية حتى اطمئن لوصولها سالمةً وعاد من حيث أتى.
عاد لمنزله، استقبلته والدته بسؤالها(وصلت بخير.؟) هز رأسه قائلًا برضا (الحمدلله)
لتهتف أخته بإعجاب وانبهار(جميلة جوي سكينة، وطيبة وروحها حلوة)
أكد الأب مبتسمًا بإبتهاج (كيف أبوها وعمتها ) ثم أردف بحزن (الله يرحمه ) قالت زوجته مؤكدة (جيتها بتملا البيت فرّح و جعدتها حلوة)
ظل جالسًا ينقر فوق هاتفه يستمع بعقل منشغل بها، كل يوم يزداد تعلقه ويرغب بها أكثر، يريد ولا يريد سواها فكيف السبيل وكل الطُرق مغلقة.
جذبته والدته من أفكاره بسؤالها الماكر (ولا إيه جولك يا هشام.؟)
رفع نظراته قائلًا بضحكة (مش محتاجة جول يا أما)
سخرت منه آية ضاحكة غير مستوعبة ما تنطق به ( ولدك جال كل حاجه دِه مبيشلش عينه من عليها خالص وبيفضل متنّح جدامها، وقع ومحدش سمى عليه)
مصمت والدته بحسرة قائلة (وكيف يطولها في المرار دِه.؟)
تنهد والده قائلًا (ربنا يحلها من عنده)
سألته ابنته بأسف (هو انتوا مش بعتّوا ناس للصلح.؟)
هتفت الأم في غيظ وقهر (منه لله رفعت مرضيش وجال يا جاتل يا مجتول)
نظر هشام لوالده مترقبًا وهو يخبره بتنهيدة (حمزة وأمه كانوا هِنا لسه ماشيين من كام ساعة) سألت الأم وهي تنظر لزوجها بتوجس (تفتكر هو بعتلهم..؟)
قال الرجل بفطنة (الي يرجّع حمزة وأمه بعد السنين دي أكيد موضوع كبير)
حلّقت خفافيش الخوف فوق رؤسهم واتخمت صدورهم بالقلق لتهمس الأم وهي تحيط وحيدها بنظرات الشفقة والزعر (ربنا يجصر شر رفعت ومرته ويحلها)
قال هشام بنظرات ثاقبة وثقة عُجنت بعزمه (حل الموضوع دِه هيكون مع حمزة و أم حمزة، مش رفعت ولا غيره..)
أومأ والده بصمت مؤكدًا قوله وفي رأسه يتكاتف ألف عزم، يحيك الأصرار ثوبًا سيرتديه وينال ما يتمناه.
*****”
♥️♥️♥️♥️♥️♥️
في منزل الجد الجد بقنا
جاءت سكينة مرتديةً أفضل ثيابها وأجملها بعدما هاتفتها عاليا وطلبت منها الحضور لمساندتها وبث الدعم لها، فالليلة سيأتي خاطًبا هو ووالدته ليراها.. قالت لسكينة التي تجلس أمامها
أن والدتها أخبرتها أنه من عائلة كبيرة ذات صيت وسمعة جيدة والعريس يعمل ضابط شرطة له مكانته المرموقه وسط المجتمع.
هتفت عاليا بتوتر شديد (اتأخروا جوي.. هما مش هيجوا ولا إيه.؟) ابتسمت لها سكينة قائلة بمكر (مستعجلة على إيه.؟ دلوجت ييجوا)
وقفت عاليا أمامها متسائلة وهي تمشط فستانها بنظرة مستكشفة (حلو الفستان دِه.؟) ثم رفعت كفيها تتحسس حجابها متسائلة بإضطراب (ولفة الحجاب حلوة.؟)
تأففت سكينة منزعجة منها (سألتيني ألف مرة وجولتلك حلو حلو..)
جلست عاليا تفرك كفيها قائلة (خايفة جوي يابت) ابتسمت لها سكينة بحنان وهي تتقدم تبثها الطمأنينة (وتخافي ليه..؟ عروسة زي الجمر وبت ناس هيلاجي زيك فين.؟)
أوضحت عاليا (مش جصدي بس الموجف كله غريب ويوتر) قالت سكينة بعقلانية وهي تبتعد عنها(لو ليكِ نصيب هتعدي كل حاجه بخير)
دخلت نفيسة الحجرة فانتفض قلب عاليا من مكانه وتعلقت نظراتها بها في تساؤل لتبتسم نفيسة قائلة وهي ترمقها بفخر (العريس وأمه بره يلا يا عاليا)
نهضت عاليا مرتجفة لتطمئنها سكينة وتؤازها بنظراتها الحنون فتغادر للخارج بينما عادت نفيسة تأمر سكينة بوجه عابس (وإنتِ يا ملكومة روحي جهزي صينية الضيافة اعمليلك حاجه)
رمقتها سكينة بنظرة زاجرة معترضة، لكنها وافقت لأجل خاطر ابنة خالها وابتلعت لسانها لتمر الليلة بسلام.. خرجت متجهة للمطبخ ممسكة بهاتفها الذي لا تتركه.. تحادث ابنة عمها حينًا وهشام وعمها حينًا… يومها حافل بمحادثتهم ومحاطة بإهتمامهم الشديد.. ارتبطت بهم وارتبطوا بها.. كثرت زياراتها لمنزل عمها خلسةً، أحيانًا تتهرب من دروسها لتذهب،وأحيانًا تتعلل كذبًا بمراجعات وحصص إضافية وتخرج قاصدةً زيارتهم.. غير مهتمة ولا عابئة… لا تترك لعقلها السلطة فيردعها، تستسلم لرغبتها وقلبها الذي يقودها
جلست عاليا في خجل شديد لا ترفع نظراتها إلا لحاجة.. ثرثرن السيدات وجلس العريس بعيدًا مع والدها وأخيها.. لا تقدر على رفع نظراتها ورؤيته جيدًا وتأمُل ملامحه..
خرجت سكينة تحمل ضيافتهم فتعلقت النظرات بها في إعجاب وانشداه ..
هتفت الجدة بتفاخر مستقبلة سكينة (سكينة بت بتي) ثم أردفت وهي تشير لسكينة الباسمة براحة (همّي جدمي العصير)
قدمت سكينة العصير للسيدات مرحبة ببشاشة، لتتطلع إليها والدة العريس بإنبهار شديد، تتأملها بنظراتها وهي تغمغم (ماشاء الله اللهم بارك)
وهتفت سيدة أخرى وهي تلكز والدة العريس (صلاة النبي الله وأكبر)
لم يكن العريس أقل منهم انبهارًا، منذ وعت نظراته تلك الفاتنة وهو
يمشطها بنظراته مستكشفًا تفاصيلها وجمالها الجذاب الذي سلبه تعقله ورزانته ولم ينتبه لحديث رفعت..
نهض سعد من مكانه ضائقًا بخروجها الآن، أخذ منها صينية الضيافة ومنحها إشارة وهمس مقتضب (يلا على جوا اخلصي)
فطن لنظرات العريس وإعجابه فتحرك بسرعة لصرفها وإخفائها، لا ينقصه هذا الآن.
رمته بنظرة ممتعضة، غير عابئة وجلست بجانب جدتها معاندةً له..
قدّم المشروب للعريس وجلس يصرف انتباهه عنها بثرثرات كثيرة.. غادرت سكينة مستأذنة فتعلقت نظرات العريس بها في خيبة وعتها نظرات سعد المراقبة كصقر.
انتهت الأمسية ورحل الضيوف دون أن يتفوهوا بكلمة، تتأرجح ملامحهم بين الرفض والقبول وشيئًا آخر..
بهتت ملامح عاليا وشعرت بالخيبة الشديدة والإنزعاج، أما نفيسة فأدركت عظم فعلتها وندمت على إخراج سكينة أمامهم..لامت نفسها على سوء تقديرها فهاهي ابنة راضية خطفت أنظار الجميع بجمالها الذي يشبه جمال جدتها.
لام سعد والدته بعدما انفرد بها وانفضّ الجمع (طلعتي الحزينة دي ليه..؟)
تأففت نفيسة بضيق من كلماته وعتابه، فقالت زاعقة ورأسها يكاد ينفجر (خايف عليها يا خيبة أمك.؟ومزعلانش على كسرة خاطر اختك لو رفضوا)
نفض سعد ذراعيه مستاءً من كلماتها وتوبيخها له (اختي يا جيها الي يجدرها دلوجت)
أسندت نفيسة جانب وجهها على سبابتها وابهامها قائلة (لما نشوف ردهم الأول)
اقتحم رفعت الجلسة محمحمًا جلس قائلًا بخيبة نطقت بها ملامحه (الجماعة اتصلوا وردوا.)
اعتدلت نفيسة تسأله بلهفة (جالوا إيه.؟)
نظر رفعت لولده المُنتظر قائلًا (طلبوا سكينة)
هتفت نفيسة في حنق وغيظ من فعلتهم المشينة (الناس الناجصين.. والله ما هيطولوا دي ولا دي)
سأله سعد وهو يضرب بقبضته حافة الأريكة (وجولتلهم إيه يا بوي.؟)
سعل رفعت قائلًا بثقة وقوة (جولتلهم صغيرة، ومخطوبة لولدي)
هتف سعد بإستحسان شديد (يسلم جولك يا أبو سعد)
صرّحت نفيسة برفضها (مين دي الي مخطوبة لولدي.؟)
أجابها رفعت بنظرة حادة غليظة (سكينة)
قالت بغضب شديد (والله ما يحصل)
هتف رفعت موبخًا يستفسر منها بتجهم (مالها بت أختي يا مرة إيه ينجصها.؟)
قالت في حدة وتصميم (لاه متنفعش معايا)
سخر منها سعد في حنق شديد(هو إنتِ الي هتتجوزيها ولا أنا يا أما)
وبخته بغضب حاسمة أمرها(اتكتم.. لو عايز تتجوز خد مودة أهي غلبانة وطيبة مش هتخرج عن طوعي ولا هتناقرني وتعمل رأسها براسي)
هتف رفعت وهو يزفر بإختناق من عنادها (ما تسبيه براحته) نهض سعد يهتف بعناد (يا سكينة يا بلاش خالص) قالها وغادر يسب ويلعن بينما توعدته هي (ماشي ياسعد هنشوف) ثم أردفت وهي تنظر لزوجها المنشغل بأفكاره (سامع ولدك)
نهض رفعت ممسكًا بعباءته يخبرها بضجر (بجولك إيه أنا دماغي مش رايجه لرغي الحريم دِه، هغور من وشك علشان مش ناجصك)
غادر وتركها لغضبها وغيظها يأكلها، تلعن راضية وبناتها
**********
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
بعد مرور شهرين
(يابلوتي إنتِ والباء حاء)
(اشتقت فهل من عودة..؟)
كتبها على صفحته وقام بنشرها، مقرًّا معترفًا أن تلك الصغيرة تركت بقلبه قدّرًا من الاشتياق، احتلت مكانًا بروحه لا يُستهان به ولا يقدر على إخراجها منه بسهولة..
نهض من فوق سريره، خرج باحثًا عن والدته ليجدها حيث مكانها المفضل ممسكةً برواية تطالعها بإهتمام وقف أمامها صامتًا مشعث الخصلات مترددًا لا يعرف من أين يبدأ الحديث ولا كيف يخبرها بما يدور بخاطره.
كطفل مذنب يخشى عواقب اعترافه، هتف بتصميم (ورد)
رفعت نظراتها تقرأه أولًا كعادتها قبل أن تبتسم بحنو وتلبي (نعم يا حمزاوي)
أدرك حين دللته أنها التقطت الشرارة، قرأت ما يجول بخاطره ويُرهق روحه..و ما يؤرقه ليالٍ منذ عاد..
قال وهو يحك خصلاته مُحرجًا (أنا عايز سكينة يا ورد وعايز أرجعلها)
رمته بنظرة باردة وملامحها توأد الابتسامة في أرض الجمود، قالت متخابثة (عايزها إزاي يعني مش فاهمة.؟)
حك خصلاته من جديد مُفكرًا، بينما صبرت هي تتأمله بحنان تسند خدها على باطن كفها مترقبة إجابته، ليقول بخجل (يعني أنا موافج أتجوزها وعايز أرجع علشانها)
عادت لروايتها قائلة تلعب بأعصابه متلذذة (لا ياحمزة مش هينفع صغيرة، وحرام تظلمها.؟)
بهتت ملامحه وشرد مشتتًا فأشفقت عليه..
هز رأسه مؤكدًا بضياع (صح)
استدار متخبطًا لتضرب ورد ظهره بكتابها زاعقة (ما ترسى على بر بجا.. هو إنت عيل صغير.؟ إيه هو الي صُح.؟)
التفت مبتلعًا ريقه صامتًا.. عاد وجلس بجانبها مُفصحًا (مش عارف يا ورد..بعد كل الوجت دِه حسيت إني عايزها هي.. مش غيرها.. محتار وتايه بس الي متأكد منه إنها وحشاني)
مسدت ورد خصلاته بعدما لملمتهم بأناملها في حنان، ثم قالت وهي تطالع عينيه بنظرتها الثاقبة محتويةً مشاعره وشتاته (خير يا حبيب أمك.. نرجع ونشوف وربنا ييسر)
سأل والحيرة تفرد ردائها الأسود فوق نظراته المتعلقة بوالدته (هي هترضى…؟)
شردت ورد مثقلة بمعرفتها، تفكر فيما تعرفه عن الصغيرة، لتجيبه ببعض الشك (ترضى يا حمزة.. البت كانت متعلجة بيك)
اهتزت نظراته مدركًا بحدسه ومعرفته بوالدته، أن أمرًا ما يقلقها ويطفيء سعادتها.. سألها بخوف احتل كيانه المعذب(جلجانة من حاجه)
قالت بنظرة مُهيمنة بالوجع (خايفه تكون اتأخرت يا حبيبي)
انتابته رجفة الفزع من مقصدها المبطن ليسارع بالسؤال (تجصدي إيه يا أمي.؟)
ربتت على خصلاته بحنان قائلة بإبتسامتها التي تطمئنه وتدثره بالأمان (متجلجش يا حمزة ولا تخاف خير)
رغم طمأنتها له لكنه ممتليء بالقلق، التفكير يؤلم رأسه.. كلمات والدته تجعله يتساءل هل سيفقد الصغيرة.؟
♥️♥️♥️♥️
هناك تلقت مودة منشوره، مازالت مهتمة تفتش عن أخباره بلهفة لا تموت… قرأته مراتٍ ومرات، تبتسم مرة وتعبس مرة.
تتذكر همسه باسم أختها واهتمامه الذي لاحظته بها وكلمات أختها عنه، حتى بدأ الشك يتسرب إليها ناحية سكينة.. هل خدعتها أختها.؟ هل تُصرف تفكيرها عنه لتستحوذ هي عليه وتناله..؟
نظرت لأختها المنشغلة بهاتفها كعادتها مؤخرًا، وقالت بترقب متصيدة ردود أفعالها (سكينة شوفتي حمزة كاتب إيه.؟)
رفعت سكينة رأسها عن الهاتف ومازال ثغرها يحتفظ بالابتسامة، تسأل بغياب أفكار (حمزة..!) وقفت أفكارها أمام اسمه كأنها تتذكره ثم أردفت بلا مبالاة(لا مشوفتش ماله.؟) عادت بنظراتها للهاتف بحماس يقلق مودة التي تراقبها منذ مدة، لتتابع مودة وهي تخطو ناحيتها (كاتب كلام لذيذ كِده)
قالت سكينة بعدم اهتمام (اها طيب)
سألتها مودة وهي تتربع فوق الفِراش (مش عايزه تعرفي.؟)
لوّحت سكينة منشغلة بالهاتف، منغمسة فيه بأفكارها وكيانها(عادي مش مهم هيفيد بايه أعرِف.؟)
لكن مودة تابعت متحيرة في رد فعل أختها، تقرأ لها بصوتٍ عال(يا بلوتي إنتِ والباء حاء
اشتقت فهل من عودة..؟)
لم تعط سكينة عقلها الفرصة لفهم كلماته والوقوف عليها لتفسيرها واكتشاف رسالته المخبأة بين أحرفه. كانت تسمع بنصف وعي ونصف عقل.. رنتّ الكلمات بأذنها لكنها لم تصل لحدود أفكارها لتفهمها.. قالت تصرف مودة عنها (آه حلوو)
غضبت منها مودة ومن طريقتها (ايه هو الي حلو.؟ مالك مشغولة دايما بالفون)
ارتبكت سكينة من حصار مودة وثرثرتها بشأن حمزة هذا الذي لا تريد اسمه يُنطق بمحيطها من الأساس لعظم ما يتركه من تأثير في نفسها فتقف متخبطة تائهة. لذلك تهرب منه ومن ورد ومن اسمه حين يُنطق.. تنفضه وتتابع طريقها.
(في إيه يا مودة مش فاهمة بكلُم صحباتي فحاجه تخص الدروس.. وبعدين ما يكتب الي يكتبه حمزة أنا مالي)
صارحتها مودة غير راحمة لها (مبتكلميش ورد ليه.؟ دايما بتسأل عليكي وبتجول مبترديش عليها)
هربت بنظراتها من ترقب مودة، قالت مرتبكة حروفها تتلعثم وتسقط في حفرة الخوف من انكشاف أمرها (عادي مشغولة)
قالت مودة بضيق (سكينة إنتِ متغيرة بجالك مُدة وأنا مش فهمالك)
تأففت سكينة منها ومن التضييق عليها، نهضت واقفة تقول بحدة تردع بها مودة وأسئلتها التي تلاحقها(مودة خليكِ فحالك وفحمزة بتاعك وسبيني مش نجصاكي)
قالتها وهربت كعادتها من النقاش، تركت الحجرة ممسكة بهاتفها تاركةً مودة يزداد يقينها بأن هناك ما تخفيه سكينة عنهم.
تنهدت متذكرة الصموت؛ الغائب المتجاهل.. لم يعد يهاتفها ولا يراسلها ولم تعد هي كما كانت فارغة تتنسم كلماته وإن كانت لا تنكر أن له داخلها مكانًا لا يقربه أحد ولا تقدر على طرده منه، مكانًا محفوفًا بسياج الحيرة والشتات.. تنهدت بضيق قبل أن تهبط درجات السلّم باحثة عن والدتها.
*******
بعد مرور يومين
تركت سكينة هاتفها فوق الفِراش وغادرت للمرحاض، مطمئنة فمودة بالخارج وحجرتهما لن يدخلها أحد.. منذ ارتبطت بعمها وأولاده ومحادثتها هشام تتمسك بهاتفها رغم الاحتياطات الشديدة التي تتخذها والحفاظ الدائم عليه بين كفيها وألا تطاله يد مودة.
دخلت مودة الحجرة باحثة عنها ولم تجدها، سقطت نظراتها فوق الهاتف فنازعتها رغبةً في البحث خلف أختها ومعرفة سبب تغيّرها، خاصةً أنها تخشى عليها من تهورها واندفاعها الشديد، وقفت متحيرة تتابع الهاتف بتفكير
وصول عدة رسائل متتابعة ورنات قصيرة كثيرة أكد لها فكرتها .
تسلحت بالقوة واتجهت ناحية الهاتف أمسكت به مستكشفة، لتصعقها تلك الرسائل بذيئة المحتوى.. نفرت حواسها مما قرأت وصُدمت بشدة، استمعت للرسائل الصوتية بقلب ينبض بخوف ساحق..
رمت الهاتف تصم أذنها في رفض واستنكار لما تسمعه..
حين جاءت سكينة ورأتها عبست من هيأتها وارتجفت من نظراتها، كان أول ما فعلته فتشت بعينيها عن الهاتف لتجده مُلقى أرضًا.. ازدردت ريقها بتوتر وتصلّبت مكانها منتظرة حرب مودة عليها
(إيه الرسايل دي يا سكينة.؟)
تخابثت عليها وهي تتصنع الثبات (رسايل إيه.؟)
اندفعت مودة تجاهها في غضب مجنون قيدت ذراعها بعنف وسحبتها تجاه الهاتف مشيرةً بغضب (امسكي تلفونك وشوفي)
صمدت سكينة ممتثلة لطلبها، قلبها ينبض بعنف، انحنت ملتقطةً هاتفها وهي لا تدري بماذا ستجيب عليها.؟
فتحت هاتفها والرسائل لتشهق هي الأخرى متفاجئة مما تسمع، اتسعت عينيها في صدمة قوية لتوضّح بعدها (والله ما أعرف مين دِه ولا الي بيبعته)
كذّبتها مودة بغضب وهي تسحب منها الهاتف (مش مصدجاكي إنتِ بجالك مدة مش طبيعية وماسكة فتلفونك)
حاولت سكينة التوضيح ونظراتها تتوسل مودة الاستماع لها (صدجيني والله ما أعرف حاجه..)
سحبتها مودة من كفها في قسوة وتوعُّد، ناقمة عليها من أفعالها (هنروح لأمك ونشوف يا سكينة جولها)
توقفت سكينة مكانها تثبت قدميها في الأرض بينما تحاول سحب كفها من قبضة مودة الحديدية وهي تتوسلها (استني اسمعي يا مودة.. لو إنتِ مصدجتنيش مين هيصدجني)
توقفت مودة تعقد ذراعيها بصبر ونظراتها تُكذبها، قالت (عايزه تجولي إيه.؟ إنتِ بجالك شهر مش مظبوطة ومفيش مذاكرة..)
فركت سكينة جبهتها متوترة، نبضاتها تزداد علوًّا وصدرها يضيق، نظراتها تائهة تركض بغير هدى كأنها تُطارد، همست بإرتجاف(بجالي مدة بيجلي رسايل ومكالمات كتيرة وغريبة والله يا مودة.. بعملهم بلوك)
مال فم مودة بسخرية وداخلها لا يصدق قولها ولا تنطلي عليها كذبتها(ومجولتيش ليه.؟)
فردت سكينة كفها فوق صدرها الذي بدأ يضيق بقوة قائلة (كنت فاكرة عادي اتصالات غلط بس الموضوع زاد جوي من أسبوع)
صارحتها مودة بما في نفسها (مش مصدجاكي يا سكينة إنتِ كدابة)
لامتها سكينة بحزن تستنكر اتهامها لها ودموعها تهبط في تتابع بينما أناملها تمسّد رقبتها وشعورها بالاختناق يزداد كأن أنامل غير مرئية تقبض على رقبتها (يعني أنا هعمل حاجه غلط يا مودة.. دِه رأيك فيا.؟ دا إنتِ أول واحدة تدافعي عني لو حد جال عني كِده مش تصدجي)
صرخت بها مودة فانكمشت سكينة مرتجفة لا تدري ما تلك البرودة التي تكتسح جسدها ببطء وكأن أحدهم يسحبها لأعماق مياه باردة.
زاغت نظراتها، رمشت تحاول جاهدة احتواء صورة مودة التي تبهت وتتتراقص أمام عينيها
قالت مودة وهي تدفعها (أمال مالك.؟ ما تحكي)
ترنحت سكينة وجسدها يفقد طاقته وقدرته على الثبات أمسكت بجبهتها توضح بتلعثم (ما…. شي.. هفه.. مك)
لتسقط بعدها أرضًا فاقدة الوعي تحيطها صرخات مودة العالية.
******
راقبت والدته حركته المتوترة، وسيره في الشقة دون وجهةً يهاتف أحدًا بإبتسامة روتينية فهناك ما يشغله بشدة، ذلك الحلم الذي رآه أمس مازال تأثيره عالقًا بذهنه يقبض قلبه… تُرى هل أصابها مكروه.؟
مختفية تتنصل حتى من والدته..
سألته ورد وهي تضيّق عينيها على ملامحه الشاحبة (جلال دِه يا حمزة)
هز رأسه بالموافقة لتبتسم ورد وتخبره بسعادة (جوله حبايبك مبسوطين جوي من الي عملته وبيبشروك بمسك حتة من الجنة)
عاد حمزة للهاتف يخبر رسالة والدته لجلال الذي هتف يسأل ببلاهة غير مصدق ما وصله (قصدها إيه.؟)
عاد حمزة لوالدته يخبرها بقوله لتضحك قائلة (جوله ميسافرش ببراءة أسوان علشان الحمل )
اتسعت ابتسامة حمزة حين فهم، بارك لصديقه الذي انتفض مُحدِثًا جلبه قوية، يسأل بصوت عالي (براءة حامل.؟ إنتوا بتضحكوا عليا ولا بجد؟)
هربت ضحكت حمزة من براثن القلق قائلًا (مبرووك يا أبو مسك)
استمع حمزة لأصوات عالية فسأله (فينك.؟)
هتف جلال (ماشي رايح لبراءة..)
استنكر حمزة مندهشًا من حالة جلال وسعادته التي أفقدته رزانته (يا ابني إنت مش فالشغل)
قال جلال وهو يعاود السؤال مجددًا بعدم تصديق(همشي لازم أشوفها.. طيب يعني حامل بجد ولا إيه)
ضحك حمزة يطمئنه مشاركًا له سعادته (خدها حللها وشوف)
قال جلال بتوهة (ماشي تمام تمام اقفل دلوقت هروح أشوفها)
أغلق حمزة الاتصال وصمت منشغلًا متذكرًا المبلغ المالي الكبير الذي أعطاه له جلال طالبًا منه أن يصرفه على النحو الذي يليق.. مشاركًا في وجباته الخيرية لدور الأيتام صدقة على روح والده ووالدته ووالدي براءة وخالته.. واعدًا له بمبلغ شهري سيساهم به في أعمالهم الخيرية.
سألت ورد وحيدها شاحب الوجه (مالك يا حمزة ياحبيبي مش طبيعي انهردا)
اعتدل متنهدًا، متذكرًا كابوسه ونزاعه ليقول لها بزعر احتل نظراته وسلبه راحته (شوفت كابوس عفش جوي يا أمي)
سألته بإنقباض وهمّ عظيم وكلها يرتعش (كان فيه سكينة يا حمزة.؟)
نظر إليها طويلًا غير متفاجيء من معرفتها، ثم أومأ بضياع قائلا (أيوة كله يخص سكينة)
أغمضت ورد عينيها مغمغمة (ربنا يسلمها ويحفظها من شرور الإنس والجن)
هتف بحسم (هخلّص شغلي وأرجعلها يا أمي)
هزّت ورد رأسها بالموافقة والرضا وملامحها تنقبض بقلق ووجع غير مفهوم له.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)