روايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثاني عشر 12 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثاني عشر 12 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الجزء الثاني عشر

رواية ملاذ قلبي سكن البارت الثاني عشر

ملاذ قلبي سكن
ملاذ قلبي سكن

رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة الثانية عشر

فتحت عينيها بوهن، صداع رأسها يعود إليها من جديد بعدما فقد جسدها تأثير حبات المسكن الذي تتناوله بكثرة هذه الأيام ولا تتخلى عنه.. تململت تحت الدثار لا تجد قوة للجلوس.. جسدها يؤلمها بشدة وعظامها منخورة ببرودة شديدة لا تعرف سببها..قاومت الوهن حتى اعتدلت جالسة تفتش بكفيها عن الهاتف..
منذ وقوعها فاقدة الوعي وراضية ومودة يتناوبان عليها لمراعاتها، يجلسان بالقرب منها في عناية واهتمام..
ثلاثة أيام لم تبرح فراشها ولم تخرج لدروسها، لا تقدر على التفريق بين جفنيها المثقلين ولا تحريك جسدها المُخدّر..
أمسكت بهاتفها تبحث فيه وتفتش، رسائل كثيرة من هشام وعمها وآية، سما أبرار.. الجميع يبحث ويراسل ليطمئن..
ارتجفت حين أضاءت الشاشة باسم ورد، تشتت أفكارها وتنازعت بين رغبتين كلاهما مرًا كالعلقم.. ظلت نظراتها شاخصة فوق الاسم بتردد قاتل حتى يأست ورد.. تنهدت سكينة براحة وهي تُرّجِع رأسها للخلف في إنهاك..
لم تستسلم ورد وراسلتها معاتبة (بجا كِده يابت جلبي هو دِه اتفاجنا اخس عليكي)
تجمعت الدموع بعيني سكينة حين قرأت كلماتها وعتابها الرقيق مثلها رغم سعادتها بتلك المكانة التي لها في قلب ورد وتاج المودة الذي وضعته فوق رأسها إلا أن هناك ما يبعدها عن ورد ولا تستطيع السيطرة عليه أو ردعه.
لا تعرف كنهه ولا تجد مسمى له لكنها مستسلمة له، همست وهي تطالع الكلمات(معلش يا مرت خالي ورد أنا مش جادرة أكلمك)
توسلتها ورد من جديد غير يائسةً (طمنيني عنك طيب إنتِ بخير وصحتك كويسة.؟)
ظلت نظراتها تعانق الحروف وتعيد قراءتها مرات ومرات لا تقدر على الرد…
خرجت من المحادثة متجاهلة والندم ينهش كبدها ويصيبها بالقهر.. هربت لمحادثته، قرأت رسائلة التي لم تنقطع منذ ثلاثة أيام دون يأس وأجابت (أنا بخير بس تعبانة شوية واخدة دور صعب مكنتش جادرة أمسك الفون يا هشام)
أجاب بلهفة وكأنه ينتظرها(ازيك يا سكينة وحشتينا جلجتيني عليكِ.. كنت هتجنن وخلاص كنت هركب وأجي عندكم والي يحصل يحصل)
ابتسمت من بين دموعها بفرحة، وتابعت (الحمدلله بخير..)
رن اتصالًا لكنها رفضته وكتبت (مش هجدر يا هشام تعبانة لسه)
كتب لها (الف سلامة عليكِ.. طمنيني بجيتي أحسن..؟)
أجابته (أيوة شوية، بس الصداع مبيروحش وحتى مش عارفه أذاكر)
كتب لها (مش مهم المذاكرة المهم صحتك وبعدين مالك بيها الدراسة والمذاكرة، لو موضوع الصلح دِه عدى هتجدملك ونمشي من هنا خالص)
فغرت فمها ونظراتها تتسع فوق حروفه تقرأها وتكرر، صمتت في خجل عاجزة عن الرد من دهشتها فأردف هو (اليومين الي فاتوا كنت هتجنن يا سكينة من غيابك، عرفت إنك غالية وإني مجدرش استغنى عنك ولا يوم واحد)
ركضت نظراتها فوق حروفه بأنفاس متسارعة، مبهورة بعذوبة كلماته واعترافه الذي وجد صدىً بقلبها المنهك بمجاعات الحب، لا تنكر أنها أحبته وأنها أفتقدته طوال الثلاث أيام لكن ما حيلتها مودة تراقبها منذ ما حدث.
كتب واعدًا (هعمل كل الي أجدر عليه علشان المسافات الي بينا تجصر والي بيبعدنا يروح)
مسحت رسائله وأعادت الهاتف لمكانه قبل عودة مودة… ممتنة هي لتعبها الذي خلّصها من براثن مودة واحتفظت بسرها لنفسها دون بوحٍ أو إفشاء حتى يأذن الله.
********
تحاملت على نفسها وخرجت، حضرت حصتها وقابلته بعد إلحاحٍ منه وعادت مسرعة.. الوقت باكرًا لكن ماذا عن تلك البرودة التي تكتسح جسدها وألم ورأسها الذي لا يتوقف.
وقفت قليلًا أمام منزل خالها تتأمله بحنين غريب، قلبها يدق بإضطراب متذكرة ليلة أن سهرا سويًا لصنع البسكوت… ابتسمت وأكملت خطواتها وكلها شوق لرؤية ورد والحديث معها، تمنت لو استطاعت أن تحكي لها؟ وتشركها في أمرها.. تُطلعها على ما في قلبها فترشدها وتنصحها.. لكن كيف.؟
بُنيّ بينها وبين ورد سورًا ظاهره التجاهل والبُعد وباطنه العذاب لها والشوق الذي تتلظى فيه وحدها.
رمت نظراتها لنافذة المطبخ فوجدتها مفتوحة، مطت شفتيها بإستياء مرجّحة أن الهواء أمس قد يكون فتحها….اقتربت واضعة أغراضها فوق جذع نخلة في ناحية وفوق الأخرى ارتفعت فوقه لتغلق النافذة حفاظًا عليه من الأتربة والهوام.
ألقت نظرة حنين على المطبخ ومحتوياته ثم تنهدت، مبتسمة متمنية لو قفزت للداخل وقضت بعض الوقت ثم عادت، تحتاج حقًا لدفء المنزل وهدوئه، والطمأنينة التي لا تجدها فمكان غيره… هزت رأسها نافضة تلك الفكرة من عقلها وأكملت سحب ضلفتي النافذة الخشبية..
توقفت متسعة العينين في خوف امتزج بقلقها وهي تشعر بكف دافئة تمسك بكفها وتمنعها المواصلة.
انتفضت شاهقة، تحاول سحب كفها لكنه أزاح النافذة من جديد وأعاد فتحها وهو مازال يمسك بكفها ويقبض على ابتسامته الرائقة (أنا عايزه مفتوح على فكرة)
تأملته أولًا ببلاهة قبل أن تنفض كفه بعيدًا بضيق، مال جسدها للخلف وكادت أن تسقط على ظهرها أرضًا فهتفت بغيظ وهي تحاول الثبات (امسكني هجع بسببك يا حمزة)
قبض على كفها وسحبها ناحية النافذة، فثبتت كفيها بحماية النافذة المعدنية وهي تتنهد بإرتياح، مال متكئًا على الطاولة الموضوعة أسفل النافذة بمرفقيه يقول بنفس الابتسامة (مش بسببي بسبب مخك)
تطاير الشرر من عينيها متذكرة ما دفنته الأيام في قبور التجاهل، فأشاحت بوجهها ليبادر بهمس دافيء ونظراته القلقة تستكشفها وتلثم كل ما فيها بشوق (ازيك يا حلوة)
عادت نظراتها إليه صاغرة، تركض بلهفة من سحر همسته التي جذبتها كمغناطيس إليه.
ازدردت ريقها وسألته (إيه جابك يا دكتور.؟)
قطب مفكرًا ثم قال (في بجرة وحشتني جيت أشوفها وأشوف هتتصالح ولا إيه الدنيا؟)
تضرجت وجنتاها بخجل شهي زادها جمالًا وبهاء، ارتبكت وازدادت دقاتها علوًا.. فابتعدت قليلًا مقررة الرحيل خارج مداره وتأثيره عليها،لن تعود مجددًا لنطقة الصفر مهما حاول ، عانت الكثير في غيابه، انتزعته كمخدر من روحها ، وهو سهّل عليها الأمر بتجاهله واختفاؤه.. فلن تعود وتترك روحها حرة طليقه معه.
أوقفها بسؤاله (مشكلتك معايا أنا، مزعلة مرت خالك ليه؟ وجلجاها عليكي..؟)
أدارت رأسها تواجهه بحدة (جول إنها أجبرتك تيجي تطمن)
ابتسم قائلًا بصراحة شديدة (أيوة جالتلي أجي وأطمن وأطمنها بس أنا برضو كنت هاجي علشان أصالحك زعلك طوّل جوي وأنا افتقدتك)
أهداها مع همسه قبسًا من دفءٍ وحب ، صادقًا في همسة وعاطفته، لكنها لم تعد تلك التي تركها منذ شهرين
قالت صادقة تصفعه بشعورها الجديد تجاهه والذي درّبت نفسها عليه طوال الشهرين(وأنا مفتقدتكش يا دكتور عادي وجودك زي غيابك)رحلت غير آسفةً ولا نادمة.
فتنهد ليس بمصدومًا من كلماتها، لكنها تزيده حزنًا وضيقًا يتمنى لو يعرف كيف السبيل لوصلها من جديد.
*********
أول شيء فعلته حين دخلت الحجرة راسلت هشام وأخبرته بمجيء حمزة، ابتسم هشام لرسالتها فها هي توافق على طلبه وترحّب بالصلح وتمهد له الطرق.
(سكينة في حاجه مهمة لازم تعمليها)
(إيه هي يا هشام.؟)
(تنزلي تحكي لأمك عن الي سمعتيه فبيت خالك بخصوص حمزة)
(ليه وهيفيد بايه.؟)
(أمك لو عرفت هتخاف على حمزة وتجول لجدك وساعاتها ممكن الوضع يختلف)
(ممكن)
(في حاجه كمان عايزين عنوان أم حمزة ف القاهرة جبل ما يرجع حمزة)
(هحاول أجبهولك يارب أعرف)
(اسألي حمزة)
(مبتكلمش معاه)
(ليه.؟)
(عادي)
(عامة أحسن إنك مبتكلمهوش مش حابب دِه اصلا)
أصابها الضيق والإستياء، لتكتب متخلصة من المحادثة (تمام هشوف وأبعتلك يا هشام)
تركت الهاتف وجلست مُفكرة فيما طلبه منها وكيفية تنفيذه،دخلت مودة الحجرة متفادية لها ركنت بجانب مكتبها تقلّب فيه، لتسألها سكينة (مودة هو حمزة جه متى.؟)
رمقتها مودة بنظرة باردة تعودتها منذ ماحدث وأجابتها (امبارح كِده)
ازدردت ريقها وعادت لتسأل بعتاب (محدش جلي يعني)
قالت مودة بتنهيدة بائسة متذكرة تعب أختها وغيابها عن الوعي وكوابيسها الكثيرة التي كانت تنهض منها صارخة باسمه ثم تعود للنوم من جديد لا تعي شيئًا مما حولها.
(كنتِ تعبانة ومش دريانه وبعدين عادي اهو شوفتيه..)
هزت رأسها بصمت متذكرة طلب هشام منها، لتسأل وهي تنهض عازمة على التنفيذ(فين راضية.؟)
قالت مودة وهي تتناول ما جاءت لأجله (في المطبخ بتجهز غدا علشان حمزة هيجي ياكل معانا)
شحبت ملامحها وتوترت، قالت في شبه اعتراض جذب انتباه مودة (ليه ياكل معانا.؟ ما توديله أكل.)
عقدت مودة ذراعيها أمام صدرها تسألها (وإنتِ زعلانه ليه..؟ أمي مش راضية تبعتله أكل بتجول يجي ياكل وسطنا ويتونس بينا)
لوّحت سكينة بضيق وسخط (ماشي خلاص براحتكم)
نهضت لتبدل ملابسها فقالت مودة بترقب(غيري وتعالي اتغدي)
قالت سكينة بعزم وهي تسحب عباءتها البيتيه من الخزانة وترتديها بعدما نزعت عنها ثياب الخروج (مش عايزه ماليش نفس.. هنام)
أحسّت مودة أن أختها تتهرب من مقابلة حمزة فشددت (أمك مش هترضى فخلصي وانزلي)
بعد دقائق
هبطت السلّم متعبة تتنقل نظراتها في المكان ببحث، حتى وجدته واقفًا ينتظر مجيء والدتها
تأففت بضجر وقلة حماس رافضة تلك العزيمة وإجبارها على الحضور، لا تريد الإلتقاء به ولا الحديث معه ثانيةً.
تسللت للمطبخ منعزلة، والدتها تفترش الأرض ولا تكفّ عن الحديث معه والثرثرة بحب، ومودة صامتة تعمل بآلية، ملامحها مشرقة وعينيها تبتسم في محبة وتفاؤل..
ظلت بالمطبخ حتى جهزوا الطعام وافترشوه أرضًا، تمنت لو نسوها كعادتهم لكن هيهات دقائق وكانت والدتها تنادي عليها (تعالي يا سكينة)
لم يرفع لها نظراته، ظل يضم ملامح عمته بإهتمام بينما أذنه ترهف السمع لحديثها وكلماتها.. جاورته رغمًا عنها لضيق المكان الذي افترشا فيه.. بتلقائية وضع أمامها معلقة نظيفة كانت أمامه مُذكرًا لها بموقفها معه وتناولها الطعام بمعلقته .. تركتها في تعمُّد وأشارت لمودة (مودة هاتي معلجة من جدامك)
وضع هاتفه بينه وبينها،لا يهتم لفعلتها الطفولية وإن ضايقته.. لعنت الموقف ووجوده قريبًا منها هكذا مما يجعلها تفقد تركيزها وتتخبط في أفكارها..
هتفت راضية مستعجبة (واه ساكته يعني يا سكينة مش عوايدك)
تأففت قائلة بغلظة (اتكلم مش عاجب متكلمش مش عاجب)
ابتسمت مودة بينما ظل هو على ثبات موقفه وخشونة ملامحه، هتفت راضية بأسف وهي تتأمل فتاتها التي تعاني (بجالها تلت أيام مجامتش ولا أكلت ولا شربت حاجه…)
هتفت سكينة بحدة تردع والدتها عن مواصلة الحكي(أما…..
أدار رأسه ناحيتها يسألها بقلق حقيقي لم يتصنعه وهو يتأمل ما تركته أيادي العلة فوق ملامحها الجميلة (مالك إيه بيتعبك.؟)
هتفت من بين أسنانها وهي ترمي المعلقة بحدة (وإنت مالك.؟ إنت دكتور بهايم مش هتفهم حاجه، خليك مع الي تفهمه)
صرخت بها والددتها ونظراتها تزجرها بعنف(سكينة)
انتفضت سكينة واقفة، تصرخ فيهما (جولتلك مش عايزه اتغدى..) قالتها وركضت للدرج..
ابتسم لعمته في عمليه قائلًا (مفيش حاجه يا عمتي سبيها براحتها)
اعتذرت راضية بلطفها وحنوها(معلش يا غالي)
أخفضت مودة نظراتها للطعام في صمت وضيق، لم تعد تفهم أختها ولا ما يحدث لها.. أصبحت أفعالها المتضاربة لغزًا لا تستطيع حلّه، لكن تُرى هل يفهم هو.؟
رفعت نظراتها إليه لتجد ملامحه منقبضة بحسرة، يغمض عينيه متنهدًا بضيق وكلما فتحهما طارتا لموضع جلوس سكينة وكأنه يشكوه قسوة صاحبته وافتقاده لها ويأسه منها.
استأذن من عمته وهو يرسم ابتسامة مزيفة (الحمدلله ياعمتي يجعله عامر)
قالت بضيق(اجعد يا ولدي هو إنت لحجت أكلت حاجه..؟ )
ابتسم لها بحنو متملصًا (أكلت كتير الحمدلله تسلم يدكم)
غادر لمنزله وبقيت راضية تضرب كفًا بكف من أفعال سكينة المفاجئة وتهورها غير المحسوب (ليه يا بتي كِده ربنا يهديكِ)
شردت مودة ثم عادت ببصرها لوالدتهاقائلة (متزعليش يا أما حمزة خد على سكينة وطبعها مش هيزعل)
قالت والدتها بحزن (نلم الأكل وأبجا أروحله أجعد معاه بس حضريله طبج حلويات يا مودة من الي عملتيه)
أومأت مودة بطاعة ثم شرعت في لملمت الطعام.
حينما انتهت اندفعت للدرج راكضة، دخلت الحجرة وصفعت الباب خلفها، فانتفضت سكينة بقوة مما جعل مودة تسخر في غلظة مقصودة (بجيتي تتخضي كتير يا سكينة)
لوحت سكينة بإستياء (إنتِ بتدخلي زي الجضا المستعجل)
تركت سكينة الهاتف ورمته بإستهانة فوق الفراش في تعمُّد حتى تطمئن مودة، التي أدركت فعلة سكينة بذكائها وهتفت وهي تجلس خلف مكتبها (برضو متكلمناش فالي حصل)
أيقنت سكينة أنه حان وقت الهجوم، صرخت في حدة وقسوة(نتكلم فأية.؟ جولتلك أرقام معرفهاش بترن وتبعت رسايل وبعملهم حظر)
توقعت مودة من سابق معرفتها بأختها أنها ستفعل هكذا لتتهرب فقالت بصبر وبرود(مين عرّفهم رجم تليفونك.؟)
فكرت سكينة في منطقية سؤال مودة، فكيف عرف هؤلاء رقمها؟.. قالت بصدق لا تدّعيه تشاركها التفكير (معرفش والله.؟)
حذرتها مودة بقسوة شديدة لا لين فيها (والله ياسكينة لو كنتِ كدابة وبتشتغليني ما هعديها وهجول لعمار وأمك وإنتِ عارفة الباجي)
بهتت ملامح سكينة ولوّن الانكسار نظراتها فقالت بصوت أوهنه الوجع وتراقص على نبرته الأسف والخذلان (إنتِ بتشكي فيا أصلا يا مودة.؟)
أشاحت مودة متهربة من الإجابة، هي لاتشك فيها لكنها تخشى تهورها وفضولها، اندفاعها الدائم وعفويتها لذلك تخاف أن تكون ألقت بنفسها في مستنقع وغاصت فيه بتهور..
نهضت قائلة بجفاء(جولتلك الي عندي يا سكينة وخلاص)
مال فم سكينة بإبتسامة ترفع رايات الخيبة، لتمسك هاتفها من جديد وهي تخبرها (طالما كِده يبجا الكلام مالوش لزمة.. عايزه تروحي تجوليله دلوك يا مودة عادي براحتك)
شعرت مودة بالحزن والأسف لأجلها لكنها استمرت في معاملتها الجافية وعدم الاستسلام خوفًا عليها وحتى تأخذ سكينة الموضوع بجديه شديدة غير مُهملةً للأمر الذي قد يجلب لها الكواراث، كما أنها تخشى لو كان كلامها حقيقي أن يسحبها فضولها ويغريها فتحادث أحدهم ممن يرسلون لها تلك الرسائل وتتجاوب معه.. لذلك لا مجال أمامها إلا ردعها بالتخويف والتحذير شديد اللهجة.
أمسك هاتفها مقررة بدأ من اتفقا عليه هي وهشام
راسلته تسأله (عايزه برشام مسكن من الي كنت بتديهوني)
تعجب من مراسلتها له بعدما حدث لكن هذه هي دائما تفاجئه بردود أفعالها، كتب لها مشفقًا عليها (تعالي خديه)
رتبت ملابسها وأمسكت هاتفها وخرجت مُتجهةً ناحية منزله، وجدته جالسًا ممسكًا بهاتفه وقفت أمامه مرتعشة كعادتها مؤخرًا، نظراتها مهزوزة لا تحتوي صورة ثابته، زائغة بها لمحة غريبة والتماع مخيف أحيانًا لا يفهمه
(فين يا دكتور..؟)
ناولها الحبوب ونظراته لا تكف عن تأملها لها، قال بقلق ووحشة بددت سعادته بمجيئها وطلبها (سكينة لازم تروحي لدكتور ضروري.؟ مينفعش المسكنات الكتير دي)
جلست بالقرب منه هامسةً بغصة وجع وحرقة قلب (لما يفضى عمار هيسأل على دكتور كويس.. كشفت عند الي هنا)
طالعها بإهتمام متسائلا (جالوا إيه.؟)
أجابته وهي تتثاءب بإرهاق(مفهمتش كتبوا علاج وخلاص)
ثقل رأسها واهتزت الصور في نظراتها، فركت جبهتها بأناملها هامسةً بإستنجاد وفزع، والرؤية تتشوش لديها وتغيم (حمزة مين الي وراك دِه.؟)
استدار ليرى موضع نظراتها لكنه وجده خاليًا.
خاف عليها فنهض ووقف أمامها ينحني أمام وجهها متسائلا (مالك يا سكينة.؟)
رفعت ذراعها وأشارت لما خلف ظهره بتغيّب وعدم وعي(إيه جابني الجبانة «المقابر» يا حمزة.؟)
ثم صرخت بخوف وسواد عينيها يذوب في بياضه وجسدها يرتجف بقوة (حمزة خلي بالك جاي ياخدك ويسحبك)
لم تكمل كلماتها وسقطت فاقدة الوعي.. صرخ بإسمها في جزع بعدما تلقى ثقل جسدها على ذراعيه.. حملها وركض بها تجاه منزلها.. استقبلته عمته بصراخها..
(في إيه.؟)
أجابها وهو يضع جسدها فوق أقرب أريكة (معرفش جات تاخد مسكن وفجأة وقعت)
بعد جهدٍ أفاقت مرهقة، ترتعش تطالع ما حولها بشتات كأنها تتعرف عليهم من جديد.
تمخضت ملامحه ألمًا ووجعًا لأجلها، جلس بقربها يسألها بحنو وعاطفة (مالك يا سكينة جوليلي حاسة بأيه وإيه تاعبك.؟)
سألت مُتعجبةً كأنها تراه لأول مرة (حمزة.!)
قفزت واقفة بحركة سريعة، جعلته يهتف بقلق وهو يضمها بنظراته(سكينة خدي بالك إنتِ تعبانة)
هربت من أمامه غير عابئة ولا مهتمة بنداء والدتها ولا نظراته المتوسلة، ركضت للأعلى وارتمت فوق الفراش بوهن لتغوص بعدها في نوم عميق.
بالأسفل شرحت له والدتها بأسف (اهو دِه حالها يا حمزة يا ولدي)
فرك جبهته متذكرًا غمغماتها باسمه التي سبقت إغمائها، مشتت الأفكار تائه ليقول بجدية (ينفع أخدكم معايا تكشفوا فمصر وترجعوا يا عمتي..)
لاح الرفض في نظراتها جليًا ليردف برجاء نطقت به نظراته (هناك دكاترة أحسن وهنطمن عليها الوضع، بيسوء يا عمتي ومش هينفع تسبيها)
فكرت راضية قليلًا ثم قالت بحيرةً (طيب يا ولدي هشوف.. أنا مينفعش أسيب حالنا لمودة الي هتمتحن قريب)
شعر بالإحباط الشديد من كلماتها ليتنهد مستسلمًا ويقول (طيب وديها دكتور تاني هنا وأنا هروح معاكم ونشوف رأيه.؟)
أحسّت راضية بخوفه وقلقه الشديد بعدما رفع الستار عن عاطفته ولهفته،وأظهرها جليًا غير عادته فتبسمت في حنو واطمئنان وداخلها يحيك الأمل ثوبًا ستتباهي به الأيام القادمة (ربنا ييسر يا حبيبي شوف دكتور وبإذن الله نروح)
أومأ برأسه ثم استأذن مغادرًا لمنزله، أول ما دخله هاتف والدته وأخبرها بما حدث تفصيلًا
قالت له والدته بقلق (حمزة لازم تجيبلي سكينة)
قال متحيرًا في أمرها (هعمل كِده إزاي بس.؟)
فكرت متنهدة بيأس لتقول مستسلمة (ربنا يحلها.. بس أنا لازم أشوفها وتفضل معايا يومين) خرجت نبرته مرتجفة (هي فيها إيه يا أمي.؟)
قالت بصدق (والله ما أعرف ياحمزة بس خير اطمن وكمّل فالي رجعت علشانه متسبهاش لمزاجها واصبر، مش هوصيك اصبر )
هتف بطاعة منشغلًا بالتفكير فيما حدث لها (حاضر يا أمي، المهم إنتِ بخير؟ الواد هيما عندك..؟ )
جاءه صوت صياح واعتراض ممزوج بالضيق( متقرفناش قاعد اهو)
لم يكن في مزاج رائق يسمح له بمسايرة الآخر أو مناقشته، أغلق الاتصال بعدما ودّع والدته وجلس مكانه مفكرًا فيما يحدث، يموت رعبًا عليها، أيقونته المشتعلة تنطفيء، جمال روحها يبهت، وتتبدل بسرعة غير مفهومة، يريد ضمها بين ذراعيه واحتواء خوفها لكنه لا يقدر، وهي تبتعد وتنزوي فلا طريقة للتواصل معها والاستعلام ومعرفة ما يحدث لها بالتفصل وخوفها الشديد المرهون باسمه هو ونطقها له في كوابيسها ويقظتها.
حاول مراسلتها لكنها قرأت وتجاهلت لا ترد حتى راسلته مطالبة (هو عنوان بيتكم في مصر إيه.؟)
لم يفهم سبب سؤالها فراسلها(ليه يا سكينة.؟)
قالت مراوغة له تتهرب في خبث وكذب عرفته مؤخرًا (علشان لما أحب أبعت حاجه لمرت خالي ورد)
كتب غير مقتنع (ردي عليها هتفرح أكتر، ولو في حاجه هبجا أخدها أنا معايا)
خجلت من مواجهته لها بتهربها من ورد لكنها تابعت بإصرار (علشان خاطري يا حمزة اكتبلي العنوان هكون مبسوطة لو عملت كدا وفاجئتها لوحدي بدون مساعدة)
كتب بإستسلام رفقًا بها (حاضر)
كتب لها العنوان كاملًا.. فلمعت عيناها بظفرٍ وانتصار لا تصدق أنها نجحت بسهولة عكس ما توقعت، على الفور أرسلته لهشام الذي استقبله بلهفة.
********
في المساء
ارتدى جلباب أبيه على غير عادته وخرج قاصدًا منزل جده بعدما طلب منه الحضور على وجه السرعة لأمر هام وحضور جلسة عرفية في المندرة الخاصة بمنزل العائلة..
في طريقه قابلها جالسةً بنفس الارتباك والشتات الذي أصابها مؤخرًا، والذي يحطمه حينما يراه بنظراتها، حزين هو لأجلها..
(ازيك يا سكينة بجيتي أحسن.؟)
تأملته بالجلباب قبل أن يعلو ثغرها ابتسامة حلوة، بينما أخبرته نظراتها بمدي إعجابها بطلته المختلفة.
همست بما يشبه التأكيد (رايح بيت جدي..؟)
هز رأسه بالموافقة، ثم سألها ونظراته تجوب خريطة وجهها بلهفة (أيوة.. بس المهم طمنيني بجيتي أحسن.؟)
أكدت بإمتنان حقيقي (أيوة شكرًا على البرشام يا دكتور)
همس وعينيه تطالعها بنظرة خاصة ورجاء حار أحاط كلماته(عايز أتكلم معاكِ يا سكينة فحاجات كتير هينفع.؟)
ابتسمت بوهن ومازالت نظراتها مثبتتة عليه بشرود، هزت رأسها قائلة بخفوت كأنها تمنت لو لم يخرج صوتها وتوافق لكنها أُجبرت (تمام.. لما تخلّص جعدتك يا حمزة وترجع)
اتسعت ابتسامته ورفعت ملامحه رايات النصر وآيات البشرى.. تركها وخطا ناحية منزل جده بحماس وروح خفيفة.
طرق الباب المفتوح قبل أن يدخل المندرة بهيبة وملامح لا تُقرأ..
لم تبحث نظراته عن جده حيث كان جالسًا مواجهًا للباب ينتظر مجيئه بلهفة..
وزّع نظراته في وجوه الموجودين يملأ من ملامحهم قوارير من حقائق مؤكدة، عاد بذاكرته لسنوات ماضية حين كانت تلك الوجوه أغلى ما يملك وأحنّ من احتضن جسده..
اشتعلت نظراته كالنيران وهو يلمح ترقبهم وانتظارهم القاتل لرد فعله.. تجمدت ملامحه فوق وجه جده الذي أشار له (تعالى ياحمزة)
هتف من مكانه ونظراته تركض فوق الوجوه (خير يا جدي)
هتف جده بوقار وفطنة (اجعد ياحمزة)
هتف حمزة بصلابة وسخرية ومازالت نظراته خنجرًا يمزق وجوههم (أجعد ليه.؟ ومع مين.؟ مش شايف حد يتجعد معاه.؟)
تعالت الهمهمات من حوله، وخليت الوجوه من الدماء.. تبادلوا النظرات المزعورة.. ليهتف الجد بحزم (عيلة حسان جايين طالبين الصلح والرجوع للبلد يا حمزة والقرار ليك )
حك حمزة ذقنه النامية وهو يطرق برأسه مفكرًا، ليرفع نظراته القاسية في وجوههم قائلًا بإصرار (مفيش صُلح، ومفيش رجعة)
تعالت الهمهمات من جديد والنظرات المستنكرة لينسل أحدهم ويقف قائلًا (احنا مستعدين لأي ترضيه وأي شروط يا دكتور حمزة)
رمقه حمزة بنظرة ساخطة متعالية، ليهتف آخر بإستياء واستنكار(حجكم خدتوه زمان وجتها وهجّرتونا من بيوتنا وخدتوا أرضنا، وحسان اتحبس يا واد عايز إيه تاني يا واد عبد الحكيم )
هتف حمزة بثبات وهو يرمق الرجل بقسوة (دي أجل حاجه، الي راح مكانش أي حد.. ولو الزمن اتعاد والحكاية اتكررت كنا هنعمل كِده وزيادة، ملكمش أرض ولا بيوت ولا في صُلح ولا رجعة)
رغم استحسان جده لما قاله لكنه يشعر بالحزن، يريد الصلح لقطع طريق الشر، وإبعاد حمزة عن مكائد عمه.. يريد أن ينجو به من شر رفعت ومحاولاته لإعادة الثأر وإشعال الحرائق في النفوس..
هتف الرجل موجّهًا كلماته لعامر الجد (دِه آخر كلام عندكم.؟)
زعق حمزة بقسوة وعنف وهو يخرج سلاحه ويرفع ذراعه للأعلى مطلقًا عدة أعيرة نارية تساند وتؤيد قوله (كلامك معايا والكلمة ف الموضوع دِه ليا.؟ والحج حجي والدم دم أبوي.. حجنا خدناه زمان أيوة بس مفيش صُلح ولا رجعة )
شحبت الوجوه متطلعين لعامر بإستنجاد، الذي صمت وأطرق في حزن، دخل رفعت المندرة هاتفًا بخبث وابتسامة متشفية ماكرة بعدما تسسللوا لوالده من خلف ظهره وأخبروه برغبتهم في الصلح وها هو ابن أخيه يرفضه..(الي خلّف مماتش يا حمزة.. حجك يا ولدي وحج أبوك)
نهض أحدهم وهتف بغضب شديد ساخرًا من قول رفعت (الاستاذ عبد الحكيم لو عايش مكانش رضي بالحال، كان راجل بحج ويعرف ربنا وحدوده..)
زعق حمزة بغضب (دِه آخر كلامي وجولي.. والراجل الي بتجول كان على حج إنتوا جتلتوه فخلاص)
نهض الرجال متقدين بالغضب، ينسحبون واحدًا تلو الآخر من المندرة بينما ظل حمزة واقفًا مكانه بثبات.. حتى بقيّ أخرهم تقدم ووقف أمام حمزة قائلًا بتحذير (خلي بالك طيب يا واد الاستاذ من الي حواليك، إحنا جينا وطلبنا الصُلح والترضية وإنت رفضت)
قالها وهو يرمق رفعت بحقد وغيظ، رفعت الذي ابتسم له بخبث راضيًا عن ما حدث فما كان ليتوقع أن يُسهّل حمزة عليه الأمور هكذا.
******
في اليوم التالي وقت الظهيرة
رفع هاتفه يطالع الساعة، بعدما شعر بتأخرها عليه، سألها أمس إن كانت ستذهب للمحافظة فأخبرته أن لديها حصة ستحضرها.. فطلب منها أن ينتظرها بالمطعم الذي التقيا فيه من قبل ليتحدث معها على انفراد.. بعيدًا عن المنزل والتأثيرات الكثيرة.
أدار ظهره متطلّعًا لتصطدم نظراته بها واقفة تفتش عنه بين الوجوه، ابتسم بحنو وهو يراقبها منتظرًا. حتى خرج من خلفها ما جعل عيناه تتسع بذهول وصدمة، مرّت نظراته فوق ملامح الآخر مستكشفًا يطلب تصديقًا من دفاتر ذاكرته، تأكيدًا من ذكرياته المنزوية، يُكذّب عينيه واحساسه ثقةً بها هي لكن هيهات
هو هشام وهي معه ليست صدفة بل حقيقة وواقع والصغيرة تآمرت عليه بدهاء وجلبته هنا لغرضٍ ما في نفسها.
وقف هشام بجانبها متحدثًا يسألها عنه..
(فين حمزة.؟)
التقت نظراتها المهزوزة به قبل أن ترجع لهشام منتصرة (موجود اهو)
تطلّع هشام مكان إشارتها، واندفع بعدما تهيأ واستعد لتلك المقابلة، عاد حمزة لجلسته غير مصدقٍ،يكاد يجن مما يحدث.. وقف مكانه ململمًا أغراضه مقررًا أن يفهم ما يدور خلف ظهره.
هل هذا هو سرها.؟ سبب حزنها وتغيّرها عليه.؟ إبتعادها عنه.؟
ازدرد ريقه مُحملقًا أمامه يحاول السيطرة على صدمته، والثبات.. جاءته تمشي على استحياء يجاورها هشام الذي يحيطها بنظراته وحمايته الواضحة.
همست بإرتجاف وهي تقف أمامه (دكتور حمزة)
ابتسم داخله في سخرية، قبل أن يرفع لها نظراته الباردة ويشملها بنظرة نافرة محتقرة
سألها وأمل داخله يجاهد لينجو (جايين مع بعض.؟)
نظرة واحدة من عينيها لهشام كفيلة لأن يفهم وتعود نظراته مصلوبة بالخديعة
بادر هشام (ازيك يا حمزة)
جلس من جديد و أراح ظهره للكرسي مستسلمًا يحاول السيطرة على غضبه والحرائق المشتعلة بصدره، قال بثلجية مترفّعًا عن النظر إليهما (خير.؟ إيه جمعكم على بعض..)لم يمهلهم الرد وأجاب بسخرية (ولا جايب بت عمتي تتحامى فيها يا هشام وتقنعني أوافج عالصلح)
هنا انتفض هشام، هتف بغضب محذرًا له في بجاحة (متغلطش يا حمزة)
وجّه حمزة له نظراته الحادة وهو يسخر في غلظة (أنا أغلط براحتي.. قالها وهو يضرب فوق الطاولة بعنف أرعبها فملامحه الغاضبة الثائرة أربكت أفكارها.
تراجعت محملقة فيه تنقّل نظراتها بين حمزة والناس حولهم وهي توضّح بإرتجاف(حمزة إحنا جايين نتفاهم)
حدجها بنظرة غاضبة وهو يسألها زاعقًا فيها (وإنتِ مالك.؟ دخلك إيه.؟)أخفاها هشام خلف ظهره في حماية، انقبض لها قلب حمزة… وهو يهتف بغلظة وجفاء (دكتور مفيش داعي للعصبية دي، وياريت يكون كلامك معايا أنا )
هتف حمزة يخفي حسرته وخيبته فيها (اخلص عايز إيه، كلامي ورأيي بلغت بيه أهلك؟)
قال هشام وهو يتزود القوة من نظرات سكينة المزعورة (الصلح)
قال حمزة ناهيًا الأمر (لا مش هيحصل، ولو فاكر إنك لما هتجيب سكينة هوافج غلطان..)
صفعة هشام بكلماته التي حملت التشفي والتأكيد (أنا مش جايب سكينة.. هي الي جايه معايا ولها نفس رأيي وموقفي)
أغمض حمزة عينيه يحاول السيطرة على نفسه وألمه، حاولت سكينة الكلام لكنه وضع كفه فوق الطاولة وضرب بقوة فارتجفت وعادت خطوة، تطالع الناس حولها بخجل، حاوطتهم النظرات الفضولية من حولهم
فسحبها هشام لتجاوره ومنحها نظرة حماية جعلتها تشتد وتحاول مرة أخرى
وضع حمزة سبابته على فمه محذرًا (اش اخرسي خالص) احتدت نظرات هشام من معاملة حمزة لسكينة، مسح وجهه وقال (متخرسش حجها تتكلم احنا مالناش ذنب ف الي حصل زمان ومش عايزين ندفع تمنه)
هز حمزة رأسه وسأله بنظرة زاجرة وغضب (برضو هي دخلها ايه فكل دِه .؟)
فجّر هشام قنبلته في وجه الآخر (أنا وسكينة عايزين نتجوز يا حمزة)
تحركت نظراته تجاه سكينة تلقائيًا يطلب تأكيدًا قبل أن يُهلِك بجموده أي صدمةً أو تأثر.. طأطأت رأسها في خجل أبلغ من إجابة لينهض حمزة منتفضًا يقول (المرة دي أمها ومرت خالها الي يجولوا مش أنا لوحدي)
رمى قراره واندفع للخارج تاركًا المكان ، أنفاسه تُحتبس داخل صدره، ولا يستطيع التنفس
استوقفه هشام يرد له سخريته (إنت كِده الي بتتحامى في الحريم)
التفت حمزة يمسك هشام من ياقة قميصه و يهزه بعنف لكنه دفعه بقوة حينما عبرت لأذنه توسلات سكينة (سيبة ياحمزة)
سحبها من كفها وغادر بها ضاربًا برجاءتها عرض الحائط نزعت كفها ووقفت صارخة، سحبها هشام ناحيته من كفها وهو يقول (أبوي دلوك عند أمك يا حمزة هي صاحبة الوجع الأكبر والمصيبة)
تصلّب جسده في ذهول،نقل نظراته بينهما
فهتفت سكينة تؤكد كلمات الآخر وهي تخفي نظراتها من مواجهته وتتحاشى شرارات غضبه(أيوة يا حمزة عمامي دلوك فمصر عند مرت خالي ورد)
انتفض واقفًا محملقًا فيها بذهول، قال وملامحه تشحب بقلق (عند أمي.؟ مين اداهم عنوانها يا سكينة.؟)
فغر فمه متذكرًا حينما تنازلت وراسلته تطلب عنوانه، صرخ بها في جنون غير مصدق خدعتها ولا تدبيرها الماكر (بعتيلهم العنوان وجولتيلهم إني هنا علشان يطمنوا ويسافروا يا سكينة.؟ إنتِ عملتي كل دِه.؟هي دي هدية ورد يا سكينة.؟ )
تساقطت دموعها في تتابع مؤلم، فأردف بإستنكار لا يرحمها(إنتِ عملتي كِده فورد.؟ وعرّضتيها للموقف دِه وهي لوحدها..؟ هانت عليكِ)
اختض جسدها بشهقات بكاء عالية، هتف بغضب صارخًا غير عابيء بحالتها (والله إنت أنانية و متستاهليش أي حاجه)
رماها بغضبه مستحقرًا لها وغادر لسيارته، قادها بسرعة جنونية مقررًا جمع أغراضه والعودة فورًا لوالدته، رفع هاتفه يحاول الاتصال بها والاطمئنان عليها أولًا..
بينما جلست سكينة باكية بحرقة، لا تعرف كيف حدث كل هذا.؟ ولا كيف ستعود للمنزل وتواجه الجميع من المؤكد أن حمزة سيخبرهم بما حدث..
حاول هشام تهدأتها وطمأنتها لكنه عبثًا حاول، نظرت إليه بضياع غير مستجيبة لكلماته التي كانت تكويها بذنب انصياعها له والتآمر على ورد وتعريضها لمواجهة مع الماضي غير محسوبة العواقب.. مسحت دموعها ونهضت مغادرة تلحق به لتعرف ماذا حدث، حاول هشام ردعها وإيقافها (استني لما الأمور تهدأ وترتاح، مش هينفع ترجعي مضمنش رد فعل حمزة.. خليكي ياسكينة لو حصل حاجه تفضلي معانا ومترجعيش لهم تاني)
انتفضت صارخة فيه بقوة (أنت اتجنيت عايزني أفضل معاكم وأسيب أهلي)
ازدرد ريقه وأجابها بهدوء (هنتجوز وملهمش عندنا حاجه)
دفعته بكلتا كفيها في نفور صارخة به (ابعد عني دلوك)
هرولت بسرعة منتقلة للجانب الآخر، استقلت أول سيارة قابلتها وهربت قبل أن يلحق بها.
بعد نصف ساعة كان داخل منزله يلملم أغراضه داخل حقيبة صغيرة، وهو لا يكف عن المحاولة مع هاتف والدته.. حتي يأس وقرر الاستنجاد بحسن وهند.
جمع كل أغراضه وأغلق حقيبته، حملها خلف ظهره وخرج من الحجرة مندفعًا تطارده شياطين الجحيم.
وصلت المنزل لاهثة، ركضت طوال الطريق لتلحق به، وجدت باب منزله مفتوحًا دخلت منادية بصوت واهن (حمزة)
وقفت مفتشةً عنه بنظراتها حتى وجدته واقفًا أمامها متحديًا بنظراته القاسية، سألها وهو يدور في المنزل مغلقًا النوافذ (جايه ليه.؟)
تتبعته في كل مكان تحاول توضيح موقفها (افهم يا حمزة الصلح دِه مهم ليك وحماية من شر عمك)
مال فمه بإبتسامة ساخرة وهو يستدير ساخرًا في فظاظة ومازالت نظراته إليها تزجرها بالإحتقار والنفور (يا شيخة.؟ يعني مش علشان حضرتك تتجوزي ابن عمك.؟)
صمتت مرتبكةً، ليقترب ويسألها بغضب (إنتِ عايزه إيه.؟ مكنتش افتكر إنك أنانية كِده ومبيهمكيش حد)
سلبت نفسًا قويًا وقالت مُطمئنةً له (متجلجش يا حمزة مرت خالي ورد هتكون بخير)
اندفع ناحية حقيبته، حملها فوق ظهره واتجه ناحية الباب قائلًا في استهزاء (بأمارة إيه اطمن.؟)
ازدردت ريقها وفكرت بتشت قبل أن ترفع نظراتها وتواجهه في حدة قائلة (بأمارة إنهم أخواتها أجرب ما ليها وهما مش هيأذوا أختهم.. ولا السنين نسّتك دِه وإنك اتربيت فبيتهم وسطهم وعلى كتف عمي عزام .؟)

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى