روايات

رواية مقيدة لأصفاد مخملية الفصل السادس عشر 16 بقلم سارة أسامة نيل

رواية مقيدة لأصفاد مخملية الفصل السادس عشر 16 بقلم سارة أسامة نيل

رواية مقيدة لأصفاد مخملية البارت السادس عشر

رواية مقيدة لأصفاد مخملية الجزء السادس عشر

مقيدة لأصفاد مخملية
مقيدة لأصفاد مخملية

رواية مقيدة لأصفاد مخملية الحلقة السادسة عشر

«مُقيدة بأصفادٍ مخملية»
<الفصل السادس عشر> -١٦-
– أبوها.؟!!
استفهام استنكاري اطلقه جبريل بعد صمتٍ طويل انتشر حين ألقى يُونس قذ’يفته أمام وجه جبريل والذي أخذ يربط الحديث بعقله لاستيعاب ما سمِع.
ظلّ جبريل يتأمل يونس طويلًا يُقلّب فيه الطرف كالمتعجب وأيقن أنه يوجد الكثير بما لم يُحيط بِه علمًا.
نبس جبريل يقول وهو يُحرك رأسه بإيفاقه:-
– معلش فهمني براحة .. أنت تبقى أبو قطوف، طب وشريف الهواري..!
إزاي يعني مش فاهم، وكنت فين الفترة دي يعني وسايبها.
أنا مش فاهم حاجة يا يونس باشا لو سمحت فهمني أيه إللي بيحصل.
وقبل أن يُجيب يونس كان هذا الصوت الهامس المرتعش يخترق قلب يونس قبل سمعه:-
– بابا … أنت هنا .. يعني أكيد أنا شايفه غلط .. مش ممكن صح .. أنا أصلًا كنت بتخيل كدا كتير فأكيد دا تخيل زي المرات إللي فاتت..
يلا يا قطوف فوقي .. شويه وهيروح دا كله، أنتِ قوية ولازم تخرجي من الوهم .. مينفعش الوهم ده تعيشي فيه…
أيوا أيوا هو مجرد وهم وتخيل.
كانت تتراجع إلى الخلف بخطى متعثرة، تهرب بأعينها الباكية بجميع أركان الغرفة وترفع كفيها المرتجفتين تمسح وجهها الغارق بدموعه بقوة وقد أصبحت كاسفة وتغير لونها للشحوب..
كانت حالتها تلك أشدُ وطئًا على قلب يونس وجبريل وهم يشاهدون تخبطها وصدمتها وتمتمتها لنفسها وهي تحاول احتضان نفسها وضمها إليها مُحركة رأسها بعنف..
سعى يونس نحوها يجذبها رغمًا عنها نحو أحضان أبوته الدافئة ويحويها بشدة بداخلها، يشتم رائحتها التي غابت عنه كثيرًا ويُقبل رأسها ماسحًا على جسدها وهو يرجو أن لو بقدرته مسح كل ما مرت به، أن يمسح على قلبها فيُزهر من جديد..
– يا قطوفي السُكريّة، إهدى يا حبيبتي أنا بابا .. أنا هنا معاكِ .. أنا مسبتكيش ولا لحظة..
كنت جمبك .. كله علشانك يا قطوف … أنا هنا جمبك خلاص كل ده انتهى يا قطوف انتهى..
ولم يتمالك نفسه وسقطت دموعه للمرة الثانية بعد ذاك اليوم عندما فقد زوجته وابتعد عن ابنته وانقطع عن السبب الذي جعله على قيد الحياة حتى الآن.
يد الإدراك سحبت قطوف من غفوتها ومن هذا الوهم وتقاذف الحديث لعقلها وهي تدرك أنها الآن بين أحضان والدها..
إذًا والدها لم يمت.!!
هو على قيد الحياة
لكن هذا اليوم .. تلك الليلة.
وهذا الهجوم على منزلهم، لقد رأت بأعينها رأته وهو يذ’بح والدتها ويطـ•عنها عدة طعـ•نات بقلبها.
رأت والدها مذ’بوح غارقًا بد’ماءه.
تلك الليلة وهي بجسدها المرتعش المتكوم أسفل الطاولة وقد عجزت عن الصراخ وهي ترى تلك الأهوال..
لكن كان الهول الأكبر لها حين هدأت الأجواء وسكنت الأرجاء وفروا هاربين من المنزل تاركين خلفهم حياة تم تمزيقها، وطفلة قد ماتت الحياة بأعينها وارتسمت تلك الأحداث بأعمق مكان بذاكرتها..
نفس الأيدي التي أراقت حياة والديها وذ’بحتهم تمتد لأسفل الطاولة وتسحبها لتتوسع أعينها فزعًا ويموت الإدراك بعقلها وذات الأيدي التي ذ’بحت والديها تمسح على ظهرها ثم يُقبل رأسها بحنان ويُخبرها بأن كل هذا مرّ فلا تخاف..
ولم يكن هذا سوى .. شريف الهواري..
ليسقط رأس الطفلة الصغيرة غافيًا وعلى إثر تلك الصدمة تفقد ذاكرتها الصغيرة تلك الأحداث ليكون رحمةً بها من الله..
وتكون أيدي شريف هي التي راعت قطوف … فماذا ننتظر من قطوف حين تعود ذاكرتها… وتهاجمها أحداث تلك الليلة من جديد، وتدرك مع من تعيش تحت سقف واحد.
لكن الذي لم تعلمه قطوف أن ثمة حلقة مازالت مفقودة لا تعلمها هي.!!
والآن فالتذهب التساؤلات والتعجبات للجحيم،هي الآن بين أحضان والدها، والدها على قيد الحياة..
رفعت ذراعيها وتدفن جسدها أكثر تتشبث بأحضانه بجميع قوتها وشهقاتها الحادة المرتفعة تطغي على هذا السكون، تهمس من بين شهقاتها لتقنع نفسها بما يحدث:-
– بابا .. أنت بابا .. بابا عايش .. بابا موجود .. أنت مش سبتني يا بابا..
أخذ يُقبل رأسها بحنان ويتمنى لو كان باستطاعته أن يُخرج قلبها ويغسله من جميع أحزانه ويمسح من ذاكرتها ما احتشد به، ردد بحنان:-
– خلاص أنا هنا جمبك يا قطوف .. هعوضك عن كل إللي فات .. هنعوض كل إللي فات يا بنتي.
رغم أن جبريل لا يفهم ما يحدث لكنه كان بقمة سعادته فهو للمرة الأولى يرى قطوف بهذا الانفعال تاركة مشاعرها دون تغلف وقيود…
بعد مرور بعض الوقت كانت قطوف تجلس بجانب والدها وهو ممسكًا بكفيها يقبلهم بحنان قائلًا بوجع:-
– شامم فيكِ ريحة أمك .. ملامحك كلها سُندس أمك يا قطوف..
سقطت دموعها متذكرة والدتها التي لم تنساها للحظة واحدة، التي حُرمت منها، ورددت بنبرة شديدة شرسة:-
– هو إللي قتـ•لها أنا شوفته بعيوني، وكمان إزاي أنت يا بابا .. يعني أنا شوفتك يومها..
شوفت شريف الهواري هو بيطـ•عن ماما..
شوفت كل إللي عمله يومها..
وخرج وبعدين رجع كأنه ملهوف عليكم وخايف وكان بيمثل وشالني وبكل بجاحة في الفترة دي يربيني ويعتبرني بنته ويبقى اسمي على اسمه .. أنت مش متخيل إحساسي كان أيه بعد ما رجعتلي الذاكرة..
بكل وقاحة قدامه البنت إللي قتـ•ل أهلها ودمر لها حياتها بيتصرف كأنه مش عمل حاجة.
صدمة قوية هزت أركان جبريل لم يكن ليخطر على باله ما يسمعه الآن!!
شريف الهواري، كيف هذا؟!
وكيف تحملت قطوف وجودها داخل أحضانه.
كيف خبأت كل هذا بداخلها.
خرج من موقفه كمستمع ولم يطيق سكوتًا وتسائل:-
– مش فاهم أيه حصل وقتها .. يعني إزاي شريف الهواري عمل كدا..
هنا انتبهت قطوف لوجود جبريل فالتفتت له بحدة وأردفت بسرعة وشراسة:-
– دي حاجة متخصكش لو سمحت .. وأيه دخلك وموقفك تتصنت على كلامنا..
قبض على كفيه بشدة يصابر كي يظل محتفظًا بجموده متماسكًا، وقال ضاغطًا على أسنانه:-
– اتكلمي معايا كويس يا قطوف متنسيش أن أنا جوزك وأيه تتصنت دي..
انتصبت تقف بعصبية وقالت باستنكار:-
– جوزي لا يا باباي دا كان زمان، خلاص انتهينا .. أنت أكتر واحد منافق في الدنيا دي مش هنسى أبدًا إللي عملته بس أنا متصدمتش فيك ولا حاجة أنا متوقعة منك كدا أصلًا.
أوشك جبريل أن يتحدث لكن سبقه يونس وهو يسحبها من يدها قائلًا بهدوء:-
– أقعدي يا قطوف وبلاش يا حبيبتي الكلام ده، كل إللي عمله جبريل علشان خاطر حمايتك وبطلب مني.
هو خطفك علشان يحميكِ من حامد الجندي؛ علشان كان ناوي يخطفك وكان هيوصلك لأن عايز يإذيكِ..
دا كله لحمايتك يا قطوف.
جبريل من غير ما كان يعرف كان في بيت شريف الهواري بس علشان يحميكِ، من طرفي أنا..
هو مكذبش في أي حاجة.
رفعت رأسها نحوه بألم وقالت وعيناها مغرورقتان بالدموع:-
– يعني أنت كنت عارف كل حاجة … عارف أن أنا في بيت شريف الهواري وأنت عارف هو عمل أيه.
كنت عايش الفترة دي كلها .. ليه سيبتني وسطهم وأنت عارف حقيقته.
وأيه إللي حصل الفترة دي كلها..
ربت على يدها بحنان وقال:-
– هفهمك كل حاجة يا قطوق .. دا آن الأوان نخلص من كل حاجة وتعرفي كل الحقيقة.
ورفع أنظاره نحو جبريل ثم أردف:-
– بس لازم الأول نروح لشريف لازم نتقابل.
قالت باعتراض وقد نبت الخوف بداخلها:-
– بس..
قاطعها قائلًا:-
– مفيش بس يا قطوف .. هناك هتفهمي كل حاجة.
يلا يا جبريل من المخرج السري هتجيب قطوف وأنا هسبقكم..
وخرج على الفور تاركًا جبريل في مواجهة قطوق العابسة..
اقترب منها وبدون مقدمات جذبها لأحضانه يحتضنها بعمق شديد مقبلًا جبينها وهو يتنفس أخيرًا ولم يلتفت لاعتراضها الواهن، وهمس جبريل براحة:-
– الحمد لله … كنت مرعوب عليكِ يا قطوف من الجنة .. كنت هتجنن.
الحمد لله أنك بخير يا قطوفي.
لكزته في كتفه وهي تضربه بقبضتها قائلة وهي تشيح بوجهها عنه:-
– أبعد عني يا جبريل أحسنلك.
جذبها مرةً أخرى وهو يقول بمزاح:-
– هتعملي أيه يا زيتونه..
زجرته بنظراتها ليُكمل هو بمكر:-
– بس أيه رأيك شوفتي خطفتك إزاي، المرة دي كنت بلوتو مش باباي .. بس بردوا باباي..
عمرك شوفتي حد يبقى بلوتو وباباي في نفس الوقت..
صاحت بغضب هادر:-
– جبريل…
ولم تُكمل فقد وجدت نفسها محمولة بين ذراعية وهو يخرج حاملها بينما يقول:-
– يلا بينا يا بنت يونس أما نشوف أخرتها أيه مع كل الأسرار والألغاز دي..
عايز بقاا نعيد الطلب من يونس بيه ونعمل فرح بقاا..
****************
كانت قيود واهية وأصفاد اختلقتها أنا وشيدتُها كسدٍ منيعٌ من حولي.
أكمدني الحزنُ ورَهَنَ جأشي.
كُنتُ مُغلفة بصدمة مُكللة بسوء الظن، لكنها فُرضت عليّ فكانت رغمًا عني.
داخلي كان ظلامٌ حالك كالظلام الشديد قُبيل الفجر الصادق، فقد عسكر ظلامي على جميع أنحائي من الداخل وأوصد جميع الثغور غير سامحًا لمنبع ضوءٍ شحيح في المرور.
اعتدتُ الظلام، اعتدتُ الحواجز.
لقد اعتدتُ عدم الأمان، والوحدة، وهذا ليس بإرادتي.
الآن .. حين تحطمت أصفادي ليس بضغطة زِر أن أمحي كُل ما بداخلي، أن أهب الأمان ويسكن قلبي ويطمئن.
أن أتعلم كيف أأمن؟!
أن يسكن قلبي من اضطرابته الدائمة.
قلبي الذي لا يثق، لا يأمن، لا يألف، لا يعتاد، لا يتعلق، ولا يُصيبه ما يُسمى العشم.
أصبح كُل هذا..
كي لا يُؤذَى..!
هذا القلب الذي أصابني اليأس منه، لم أُصدق يومًا أن يتسلل إليه الضوء مرةً أخرى ويغمره بعدما هجره النور حينما كنت طفلة ورأيتُ أبي يُذ’بح أمام عيني.
لكن كان لربي لطفٌ خفي، كانت رحمته تُحيطني من كل جانب.
ادهشني بكرمه بعد صبرٍ طويل، وأصبحت للحكاية محورًا أخر وزاوية أخرى تُروى منها.
لتتبدل مجرى الحكاية بالكامل وتتغير النهاية.
كنتُ قاسية على نفسي كأن في أضلاعي جَندلة لا قلبًا.
والآن انفلق الجَندل وتفجر منه الماء العذب.
وإنّي مُحدِّثتكُم بحكايتي كيلا ييأس ضعيف، ولا يقنت يائس، وإن رحمة الله قريبٌ من المحسنين..
وهُنا خرج صوت جبريل بثقة وحبٌ ثابت رغم تقلُّب قلبها وصلابته:-
– وإني لغازي هذا القلبُ بحُبي وتحناني حتى يغمره الضياء، ويُطرد الظلام لآخر شُعاع.
ظلامِك لي شمسٌ ساطعة.
ظلامِك الدامس كان هو الشمس الوحيدة التي أعرفها.
ظلامِك القاتم هو الذي عكس لي كُل الدُررُ المكنونة بداخلك.
كان ظلامِك لألئ منسوجة ومُرصعة بروحي.
فما ظَنُكِ برجُلٍ أَحبَ عتمتكِ قبل إشراقكِ.!!
وصلت سيارة يونس حيث قصر شريف الهواري الذي كان يجلس بحديقته أسفل إحدى الأشجار شاردًا بينما يحمل بين يديه تلك الأوراق التي وجدها.
يشعر بالغضب من نفسه لتلك الكلمات التي ألقاها بوجه قطوف، كيف أطاعه قلبه في طردها خارج منزلها.
كيف فعل هذا!!
لن يسامح نفسه أبدًا لما فعله..
لقد بحث عنها كثيرًا لكن لا أثر لها، يدعو أن تكون بخير وألا يصيبها مكروه.
تفاجئ بسيارة سوداء مجهولة تقف في الفناء الواسع، استقام وسار نحوها لكنه فور أن رأى جبريل يهبط منها أسرع نحوه يقول بلهفة:-
– جبريل لقيت قطوف .. عرفت حاجة عنها…
ابتلع باقي حديثه المتلهف حين وقعت أنظاره على يونس الذي هبط من السيارة متجهًا نحوه بهدوء ووقار..
تصنم شريف بصدمة وجحظت أعينه وتمتم بدون تصديق:-
– يونس.!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مقيدة لأصفاد مخملية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى