رواية مقيدة لأصفاد مخملية الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة أسامة نيل
رواية مقيدة لأصفاد مخملية الجزء الثاني عشر
رواية مقيدة لأصفاد مخملية البارت الثاني عشر
رواية مقيدة لأصفاد مخملية الحلقة الثانية عشر
«مُقيدة بأصفادٍ مخملية»
<الفصل الثاني عشر> -١٢-
الأعين مُثبتة عند نقطةٍ ما سابحة بعالمٍ أخر تناست به هذا الألم الذي يفتك بها وحلّت أوجاع أخرى من نوعٍ أخر.
أوجاع موشومة بروحها لم تبرح عنها ولو قليلًا..
خطان من دموع نادرة جدًا هبطوا مُحملين بالأسى، هبطوا ببطء يمتزجوا ببشرتها..
أغمضت أعينها بثقل ونبتت بسمة غريبة فوق شفتيها وردد لسان حالها بداخلها تهمس بلوعة حارة:-
– لا أعلم لماذا أصبحت أسوار الحذر تحاوطني من جديد، لماذا عليّ الحذر دائمًا وخلق مسافات طويلة، لقد امتلأتُ بالحذر حتى أنه لم يعُد في قلبي مساحة آمنة إطلاقًا، إني أعوّد نفسي دائمًا على عدم التعلق وإجادة الإفلات في عِز تعلُقي..
إنه الإحساس .. لا تتركوني لإحساسي فهو دائمًا على صواب ويُكدر عليّ صفوي..
إحساسي لم يُخطأ قط فقد كان دليلي في أشد معاركي، لذا فإني الآن لا أريد بثّ هذا الإحساس بأُذني والتعمق به..
لكن قول لي، إلى متى تلك القيود؟!
وكان هذا وأكثر مما يجهله جبريل مما يعبقها، إنها شخصٌ مُحاط بالأسوار العالية، فهل سينجح في إختراقها والوصول إليها أم أن تلك القيود ستشتد أكثر من حولها؟!
بل سينجح من الأساس باختطافها من يد الموت الوشيك..!!
التفتت رحيق التي تلهو نحو مكان قطوف لتفزع الطفلة حين رأتها مُلقاة أرضًا هامدة..
هرعت نحوها وسقطت بجانبها تحاول إفاقتها ببكاءٍ ملهوف:-
– قطوف .. قطوف .. أنت مالك .. أيه حصلك..
لا .. لا يا قطوف مش تسبيني .. مش أنتِ وعدتني، أنتِ كمان هتسبيني زيهم..
فرقت قطوف بين جفنيها الذابلين تنظر نحو رحيق نظرة مشوشة مليئة بالعجز وهي تجاهد لأخذ أنفاسها شاقهة بقوة، وجاءت تتحدث لتُطمئن فزع تلك الطفلة لكن قد خانتها حروفها وكلماتها…
لقد كانت معاركي الخاصة.
أخوضها وحدِي وسط ظُلماتٍ بعضها فوق بعض، تكفلتُ بإسعاد قلبي دائمًا، حتى عتماتي لم أقبل أن يُضيئها سواي..
في بعض الأحيان أتعبتني قوة وحِدة مُلاحظتي فكانت نوبات حُزني كثيرة، فأُخفي الحُزن في صبرٍ تجلى وفي العتماتِ يهزمني أنيني.
لقد كانت معاركي وحدي التي يجهلها الجميع..
وإلى هنا أغمضت قطوف أعينها بسكون بأهدابٍ مُبتلة..
رفعت رحيق رأسها نحو السماء وقالت ببكاء:-
– يارب انقذها مش تخليها تمشي .. يارب أنت قادر على كل حاجة..
والتفت رحيق نحو ريهام التي تقف تشاهد الموقف ببرود ومازالت تعتقد أن هذه مجرد مسرحية وخداع من قطوف وأن الأمر ليس بهذه الضخامة..
استقامت رحيق وأمسكتها من يدها قائلة برجاء:-
– ممكن تنقذي قطوف .. شوفي أيه حصل لها..
سحبت يدها ورددت بقسوة:-
– دي مجرد واحده بتدلع وبس .. فاكره نفسها في قصر أبوها بتعمل مسرحية رخيصة..
ابتعدت عنها رحيق وهمت أن تركض للخارج لاستدعاء المساعدة لكن توسعت أعينها بسعادةحين رأت جبريل يهم بالدخول..
ركضت نحوه بلهفة صارخة:-
– جبريل … جبريل .. قطوف بسرعة .. إلحق قطوف..
شعر بقلبه يغادر صدره وجفت دماءه بينما ثباته فأصبح كرمادٍ اشتدت به الريحُ في يومٍ عاصف..
التهمت أقدامه الخطوات التي تفصلهم وهو يرى قطوف ممدة أرضًا هامدة…
في حين تصنعت ريهام الإهتمام بقطوف بمكر محاولة إفاقتها وقالت بخوفٍ مصطنع:-
– إلحق يا جبريل مرة واحدة لقيتها حصلها كدا وهي بتاكل الحلويات..
لم يستمع جبريل لأي حديث بل انحنى بلهفة وقلبه قد اجتُث من جذوره وحملها بلهفة بين ذراعيه يركض مسرعًا للخارج بينما يقول بصوت مرتفع لشقيقته ويُشير لرحيق المتمسكة به:-
– خلي بالك من رحيق وأوعي تيجي جمبها مش هيحصلك طيب..
واتجه يقول برفق لرحيق:-
– رحيق يا جميلة قطوف كويسه مش هيحصلها حاجة .. هنرجع عالطول استنينا هنا لغاية ما نرجع..
وتركهم واضعًا قطوف بالسيارة وصعد هو الأخر منطلقًا بسرعة مخيفة نحو أقرب مشفى لهم وهو يتفحص نبضها بين الحين والأخر بقلب ينبض رعبًا..
همس بقوة وأعين دامعة رغمًا عنه وهو يراها بتلك الحالة:-
– مش هيحصلك حاجة يا قطوفي .. أنتِ قوية اتحملي .. أنا مش هسمح لأي أذي يمس حتى شعره منك…
بعد قليل كان جبريل يقف والقلق مستبد به ويدك الأرض ذهابًا وإيابًا بتوتر وهو ينتظر تقرير الطبيب والإطمئنان على قطوف..
مر بعض الوقت والرعب ينهش بقلبه حتى خرج الطبيب وبصحبته طبيبة فهرع نحوهم متسائلًا بلهفة:-
– مالها قطوف .. أيه إللي حصلها ودا بسبب أيه .. هي كويسه..
رددت الطبيبة بلين:-
– لازم يبقى في إهتمام أكتر بأكلها، هي عندها حساسية وأكلت حاجة اتسببت في الحالة دي، الحساسية مش حاجة سهلة أبدًا وممكن مع الإهمال إللي زي ده تروح فيها..
هي بقت كويسه وفاقت بس يبقى في إهتمام أكتر وعناية وتلتزم بعلاجها..
حرك جبريل رأسه بشرود فهو يعلم أن لديها حساسية من اللوز لكن كما يعلم أيضًا أن قطوف حريصة .. كيف وصل اللوز لطعامها..
هل من الممكن أن يكون عِز المتسبب في هذا..!
نفض تلك الأفكار وسارع يدلف للغرفة لتعود روحه ونور الحياة لوجهه حين رأها تجلس فوق الفراش مستندة وأثار التعب بادية على ملامحها الجميلة..
اقترب جبريل منها وأعينه معلقة بها ثم جلس على طرف الفراش وبدون تردد سحبها في عناقٍ طويل يروي به حالة الرعب التي عاشها، يُطمئن قلبه أنها بخير وأنها بجانبه..
تنهدت قطوف براحة واستندت برأسها فوق كتفه ولتزيد من صدمة هذا المسكين رفعت ذراعيها تبادله عناقه بهدوء لتطرد تلك المخاوف التي عاشتها، فهي أصبحت تشعر بالأمان والطمأنينة بجواره فلتستمد منه بعض الأمان..
طاف قلب جبريل في سماء السعادة لتلك الإستجابة، طبع قبلة حانية فوق جبينها وردد بحُب:-
– كنت هتجنن يا قطوفي لما شوفتك كدا قلبي كان هيقف .. الحمد لله إنك بخير يا قطوف من الجنة..
أنا مش هسألك أي حاجة دلوقتي ألا ما ترتاحي..
رفعت رأسها تنظر له ثم تنهدت قائلة:-
– أنا كويسه الحمد لله بس خرجني من هنا .. مش بحب المستشفى ومش برتاح فيها هرتاح أكتر في البيت .. لو سمحت خرجني من هنا..
همّ بالإعتراض قائلًا:-
– بس يا…
قاطعته بإلحاح:-
– جبريل علشان خاطري .. بجد أنا بقيت كويسه.
لم يكن أمامه إلا أن يقول:-
– خاطرك في قلبي يا قطوفي، أنت تؤمري وجبريل ينفذ..
هكلم الدكتور وأجيلك نخرج عالطول…
وابتعد يخرج لكن شعر بإهتزازه يفهم ماهيتها تخرج من هاتفه الذي بجيبه..
أخرجه على الفور ليرى رسالة خاصة من يونس محتواها..
[عرفنا مين الخاين بطرقتنا، المعلومات وصلت لموبايل شريف الهواري، بس وصلت على إنها منك علشان تبان إن أنت إللي كشفته وتكسب ثقته مرة تانيه … الرسالة مش هتتفتح ألا بالرقم السري إللي أنت عارفه.]
زفر جبريل براحة فأخيرًا قد تم الكشف عن هذا الذي يهدد استقرار الجميع…
بعد مرور نصف ساعة كانت قطوف الشاردة تجلس بجانب جبريل بطريق عودتهم، لم تُرد الإفصاح عن ما فعلته ريهام، لكن تعلم الطريقة التي ستقتص بها..
وهي المخطأة، هي من فرطت بحذرها..
ارتفع صوت رنين هاتف جبريل فأجاب على الفور حين رأى أن المتصل شريف الهواري..
قال شريف بلهفة مسرعًا:-
– تعالى حالًا على القصر يا جبريل.. أنت عرفت الخاين .. لازم تفتح الرسالة دي..
ردد جبريل بهدوء:-
– جاي يا شريف بيه .. بس أروح قطوف الأول وبعدين…
قاطعته قطوف قائلة:-
– هروح معاك .. السلطانة فريال وحشتني..
أردف شريف:-
– جيب قطوف معاك هي وحشتنا جدًا بردوا..
– خلاص تمام يا شريف باشا..
**************
تجمع الجميع حول قطوف ووالدتها التي أخذت تحتضنها بشوق وتطمئن أنها بخير..
رددت عبير بلهفة:-
– أنت كويسه يا قطوف .. طمنيني عنك يا حبيبتي .. وماله وشك أصفر ليه كدا..
ابتسمت قطوف وأردفت ببعض المرح:-
– أنا بخير يا بيرو هو حد يقدر عليا..
كان شريف يجلس شاردًا والفضول يغمره، مَنْ مِن عائلته وأسرته الدافئة تفعل هذا به..
حسم أمره ثم تنحنح يقول بجدية:-
– قدامكم كلكم حابب تعرفوا حاجة..
جبريل هيكشف قدامنا شخص قذر جدًا أيًّا كان هو…
الشخص ده خاين ملهوش أمان ولازم نعرفه علشان نبرته ونتخلص منه..
نظر الجميع نحوه بفضول وتعجب لتردد عبير ببعض القلق:-
– خير يا شريف في أيه..
نظر شريف نحو جبريل ومد يده له بالهاتف ثم قال:-
– اتفضل يا جبريل اكشفلي عن الوجه الحقيقي.. حقيقي مخيبتش ثقتي فيك يا جبريل..
أخذ جبريل الهاتف من يده وقال بثقة والفضول يملأه لمعرفة هذا الخائن:-
– خلاص هيتكشف قدامك يا شريف باشا وتتخلص منه وتحاسبه على أفعاله..
وبهدوء بدأ يضع الرقم السري الموضوع لفتح الرسالة تحت أنظار شريف الذي ينظر بتمعن وترقب…
وفجأة تحولت نظراته المتمعنة لأخرى مصعوقة وشعر وكأن عاصفة رعدية أصابت قلبه..
ظلّ ينظر بأعين جاحظة فاقدًا النطق وهو يرى أخر شخص توقعه…
كيف تأتي الطــ..ـعنة من هذا القُرب..!!
كيف تأتي من أحب الأشخاص لقلبه..
لكن .. لماذا..!!
في حين تخشب جسد جبريل وشعر أن ثمة موجة كهربائية تسري بيه وظلت أعينه متوسعة أمام شاشة الهاتف شاعرًا أن العالم يدور من حوله وقد انهارت الأرض من تحت أقدامه..
رفع أنظاره ينظر نحوها بصدمة هامسًا بصوت جاهد لخروجه فخرج متحشرجًا:-
– قطـــــوف .. مستحيل.!
بينما هي فبادلته النظرات التي تبدلت لأخرى متشرسة حادة متوعدة بالجحيم….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مقيدة لأصفاد مخملية)