رواية مقامر المحبة الفصل السادس 6 بقلم روزان مصطفى
رواية مقامر المحبة الجزء السادس
رواية مقامر المحبة البارت السادس
رواية مقامر المحبة الحلقة السادسة
_ بـِعُنوان: نباش القبور.
المكان: السيرك الروماني القديم
التوقيت: قبل شروق الشمس بـِ ساعات
وفجأة توقف الجميع عن الحديث، ونظروا تِجاه الثُلاثي الواقِف مُرتبِكًا ومُرتچِفًا مِما حدث.. تحرك الرجُل ذو القِناع الأسود على عينيه تِجاه الساحِر، لـِ يُصفِق الأخير بـِ يدهُ وفچأة تشتـ|عِل الأضواء، يُغلِق إياس عينهُ إثر الضوء الشديد المُتسلِط عليه، ويحتمي غالي ومهد خلفهُ من الضوء ومِن ريب الموقِف
تقدم الرجُل المُقنع تِجاههُم ثُم إبتسم إبتسامة صفراء وهو يقول: إياس علي خطاب، كُنت مراهِن على حضورك ولـِ ذلِك.. جهِزت القِلادات بـِ أساميكُم وتواريخ ميلادكُم.
نظر إياس لـِ عين الرجُل قليلًا، فـ هاب الأخير مِن ذلِك وتحرك بعيدًا وهو يلتقِط صحن حلوى مُلو|ثة بـِ الدِ|ماء ويغرِز الشوكة بِه، ثُم بـِ لذة يتذوقُه.
إياس بـِ صوت خرج ثابِتًا مُستغرِبًا: يعني وجودي هِنا أنا وصحابي مِش صُدفة دا مِترتِب! كُنت حاسِس مِن مُستأجِر العربية الغريب اللي أصر، إصرار تام إنه يرجعلي العربية وأستناه في المعرض، هو فين بقى؟ .
لم يحصُل على إجابة مِنهُ، بل إبتسامة صفراء أخرى تُجزِم أن كعكة ميلادُه قُطِـ|عت بـِ الأمس، شعر إياس أنهُ يختـ|نِق كُلما إكتشف أمرًا، لـِ يُفاچِئهُ المُقنع قائِلًا: السيدة روفيدة والدِتك، سِت عظيمة بـِ الفِعل.. كانت لفتة حنونة مِنها تفريق أكياس لحـ|مة بـِ مُناسبِة المولود الجديد.
ذُهِل إياس من كيفية معرِفة ذلِك الرجُل لِما حدث في المنطِقة! وركز نظرهُ عليهِ مرة أُخرى لـِ يلتقِط الرجُل كأس خمـ|ر ويقول: متستغربش، إحنا لينا عين مُهمِة في المنطِقة٩٠، عشان كِدا متستغربش من معرفِتنا لأمور كتير.
حل محل التوتُر في قلب وعقل إياس، غِربان الشك، كُلًا منهُم ينعق بـ إسم شخص مُختلِف مِن سُكان المنطقة
أفاق مِن شرودُه مُخاطِبًا ذلِك الرجُل ثُم قال: أنا عاوز أخرُج مِن هِنا، هل في مانِع؟
الرجُل بعد ما جلس على مِقعد قريب مِن الطاوِلة: إطلاقًا! لكن هتخرُج بنفسك محدش فينا هيساعدك.
إياس بـِ تساؤل: مش فاهِم؟
قام المُقنع ووقف وخلفهُ الساحر والمُهرجون وفتيات السيرك، وقال: يعني دور على المُفتاح، بعدها الباب.. بعدها إخرُج، لكن ملحوظة صغيرة.. لما نعوزك تاني هنعرف نجيبك.
إياس بـِ سُخرية: والله لو فتحنا مُستشفى ولادة في المنطِقة ٩٠، ما ههتم العيال دي هيكون مصيرها إيه.
إبتسم الرجُل بإستِهزاء وقال: سهرة سعيدة.
صوت خطواتهُم على الأرضية القديمة وهُم يرحلون أصاب إياس وأصدقاؤه بـِ القشعريرة، همس غالي لـِ إياس قائِلًا: هُما هيمشوا عادي كِدا؟ مفيش حد فيهُم هيقولنا فين المُفتاح!
كانت هُنالِك فتاة لازالت واقِفة، تجمع الطعام المُلوث من على الطاولة، كانت ترتدي ثوب قصير للغاية، مُزركش بالأبيض مِن الحواف والأكمام، ولونهُ أزرق.. كـ لون شعرها
إقترب مِنها إياس مُتجنِبًا النظر إلى الجُـ|ثة وقال بـِ نبرة غزل: بقولك إيه يا توت يا أزرق، ما تقولنا نعمل إيه عشان نُخرج مِن هِنا.
توقفت الفتاة عن جمع الأغراض، ثُم ببرود أفلتت الأطباق من يديها لـِ تتهـ|شم أرضًا
ذُعِر إياس عِندما رآها تبتسِم وقالت: شوف الأوض في الإتجاه الغربي، ركز على الأسامي اللي مكتوبة على الباب.
إياس بـِ تركيز شديد: وبعدين؟
لكِنها لم ترُد عليه، بل تركتهُ وذهبت في ذات الإتجاه الذي خرج منهُ البقية، وضع إياس أصابعُه بين خُصلات شعرُه وهو يدور بـِ عينيه في المكان، نظر للجانب فـ وجد ممر بِه ضوء خافِت، وقرر أن يقترِب منهُ هو ومهد وغالي، وبينما هُم يسيرون بـِ حذر داهمهُم صوت فتاة كانت تجلِس على الجانِب مُتربِعة أرضًا وهي تقول: مُفتاح الخروج في الأوضة رقم ٢ في الصف الشِمال مِن الممر.
إبتسم مهد بـ أريحية بعد ما أفادتهُم تِلك الفتاة بـِ هذه المعلومة، أما إياس فـ تجاهلها تمامًا بعد ما سمِع مُساعدتها لهُم وتحرك حتى يصِل لِـ الغُرفة، وصلوا أمامها أخيرًا، كان باب خشبي بـِ اللون الأسود عتيق، ومِقبضهُ مِن النُحاس الباهِت، يتوسطهُ زُجاج مُغيم، ملامِح الغُرفة مِن الداخُل غير ظاهِرة، في مُنتصف ذلِك الزُجاج كُتِب بـِ اللون الأسود ” ليديا- 1994″
تنهد إياس وهو يقرأ الإسم والتاريخ، وضع يدهُ على مِقبض الباب في مُحاولة لـِ فتحُه ولكِنهُ كان مُغلق! بـِ المُفتاح
ركل إياس الباب بـِ قدمُه بـِ غضـ|ب، قال مهد بـِ ضيق: هي البت دي بتستظرف ولا إيه؟ هُما بيلعبوا بينا هِنا!
مد إياس يدهُ مُجددًا لـِ مِقبض الباب وهو يُحاوِل فتحهُ عُنوة، قال غالي مصدومًا: إنت هتُكـ|سر الباب ولا إيه؟
نظر لهُ إياس وهو لا زال يُحاول إقتلاع الباب: عندك
حل تاني! هُما مقالوش شروط.
بينما يحاوِل إياس جاهِدًا فتح الباب وجد يد رقيقة فوق يدهُ، حرك رأسهُ لـ يرى الفتاة التي كانت تجلِس مُتربِعة ودلتهُم على الغُرفة، صدرهُ كان يعلو ويهبُط من المجهود الذي بذلُه ومِن تِلك اللِعبة العبثية التي يُمارِسونها عليه، قطعت الفتاة حبل أفكارِه وقالت: التفكير أفضل من التسرُع.
قبض إياس على مِعصم يدِها وهو يقول: مش عاوز أفكر ولا ألعب، كلامي واضِح أنا عاوِز أخرُج مِن هِنا!
الفتاة بـِ هدوء وبرود: من شوية قولتلك مكان الأوضة، واللي قبلي قالِتلك ركِز على الأسماء اللي مكتوبة على الأبواب.
إياس بـِ غضبِه المعهود: ماشي عرِفنا ليديا، وبعدين؟
الفتاة ببرود: المُفتاح معاها، في السِلسِلة بتاعِتها.
غالي بـِ تدخُل: تمام هي فين عشان تيجي تفتحلِنا الأوضة؟
صوت أخر إقتحم حديثهُم، كانت فتاة مائِلة بـِ جسدِها على الباب الأخر وشعرها الطويل يِلامِس الأرض، وقالت بـِ صوت مُتزِن: ليديا ميـ|تة.
رفع إياس حاجبيه ولوى فمُه وهو يقول: والمرحومة معاها المُفتاح؟ مش مُمكن على السهولة، يعني إحنا المفروض نشوفها في الحِلم وناخُد مِنها المُفتاح !
الفتاة التي كانت تتحدث معهُم في البداية: لا هي مد|فونة هِنا، المقا|بر ورا الباب الصفيح الإسود دا.
إلتفتوا الثُلاثي إلى البوابة التي أشارت إليها الفتاة، إستنشقوا نفس عميق قبل أن يُقرِر إياس أن يتقدم لها وخلفهُ مهد وغالي.. ساروا بـِ خطوات حذِرة للغاية
حتى مد إياس يدهُ وحاول جر البوابة وتحريكها حتى تُفتح، لكِن صدأ الحديد في البداية أعاقهُ
نجح أخيرًا بـِ مُساعدة مهد وغالي في فتحِها.. ثُم إجتازوا الحديقة الغريبة وصاروا في مُنتصفِها
بعدها، أغلقت الفتاتين البوابة مرةً أُخرى خلفهُم، لـِ يجِدوا نفسهُم مُحاطين بـِ أرضية مُتناثر عليها الرِمال، ورائِحة البرد.. وأوراق نباتات ذابِلة تنجرِف تحت أقدامهُم
رفعوا أعيُنهُم لـ يروا جيدًا، مقابِر ذات أحجار سوداء، كُتِب عليها بـِ اللون الأبيض
وورود ذابِلة فوقها، وتماثيل إغريقية قد تأثرت بـِ العوامِل الجوية.. جميع التماثيل تنظُر للـِ الأسفل، في إشارة إلى أن جميعهُم أسفل التُراب
أثار رُعبهُم صوت رجُل عجوز يقول: عاوزين حاجة مُعينة؟
إلتفت لهُ إياس لـِ يجدهُ كهل قد تسارع البياض في أن يسكُن خُصلات شعرُه المعدو|مة، وذقنهُ رثة ما بين الأبيض والرمادي، ناهيك عن الحدائِق السوداء أسفل عينيه
قال لهُ إياس: الراجِل اللي جوا اللي لابس على عينُه ماسك إسود قال..
قاطع العجوز إياس قائِلًا: قصدك فريدريك؟ إنت قابلتهُم جوا؟
إياس بـِ تضييق عين: فريدريك! أه، هو مش مصري؟
سحب الرجُل نفس أخر من سيجار كان يُمسِكهُ بـِ يدهُ ثُم سعل سعلة أشبه بـِ خروج روحه وقال: لا مصري عادي، بس من بعد الثمانينات والناس بقت تسمي عيالها أسامي تجيب المر|ض، قالك محتاج تحفِر؟
إياس بـِ ذهول: هُما قالوا المُفتاح مع ليديا وقالوا إن ليديا هِنا!
ضحك العجوز بـِ سُخرية وقال: يبقى هتحفُر، يعني حيلي هيتـ|هد إنهاردة عشان أنظف وراك.
إزدرد إياس لُعابه، أما مهد وغالي كانوا يقرأون الأسماء المنقوشة على حجر القبو|ر.
إقترب العجوز وهو يُمسِك بـِ يدهِ أداة الحفر وقال: خُد الكوريك اليدوي أهو، شوف إسمها مكتوب على أنهِ قبـ|ر وإحفُره خُد اللي إنت عاوزُه.. لو إنت من الرجالة إياهُم وعاوز تتمتع، نقيلك القبـ|ر اللي عليه ورود طازة.. دي بتبقى لحمها لسه فيها مش هيكل عظمي، وهتمتعك.
إتسعت عينا إياس صدمة وهو يقول: مش فاهِم!
قال غالي بـِ ضيق مِن كُل ما يحدُث: لا هو قصده يقولك لو بتحب النيكتو|فيليا يعني *
-* مُصطلح نيكتو|فيليا ” هي حالة تُلازِم بعض الأشخاص، وهي الرغبة في إقامة عِلاقة جنـ|سية مع الجُـ|ثث، أو الشعور بـِ الإثارة والشهـ|وة عِند مُشاهدة القبـ|ور أو صور الجُـ|ثث ”
فُزِع إياس وقال: أعوذ بالله، لا طبعًا لا، أنا عاوِز قبـ|ر ليديا عشان مُفتاح أوضتها مد|فون معاها
أعطاهُ العجوز أداة الحفر وقال وهو يعود لـِ يجلِس على أحد القبـ|ور: إنت حُر، أنا بديك من خبرتي.
تجاهلهُ إياس وهو يشعُر بـِ الإشمئز|از والقـ|رف من هؤلاء المُختلين ومِن كُل ما يحدُث هُنا، جريـ|مة قتــ|ل، ثُم قبو|ر غير مُرخصة! ثُم أبرياء يتِم خِداعهُم.
كان إياس يسير بين المقا|بر وهو يحمِل أداة الحفـ|ر
ويقرأ الأسماء المنقوشة على الأحجار، مِن بين تِلك الأسماء التي مرت على نظرِه كان إسم ” غبريال ”
وقف إياس بـِ وجه مشدوه وهو يتذكر شيئًا ما..
.. قبل عامين ..
كان إياس يقِف تحت المظلة السوداء الخاصة بِه، والأمطار الشتوية تفيض على المنطِقة ٩٠
وقف أسفل سقف المعرض الخاص بِه وهو يُغلِق المظلة بـِ قبضتهُ القوية، ويستمِد مِن الهواء إلى رئتيه ما يكفيه حتى يهدأ
إقترب مِنهُ غالي وهو يُغلِق مظلتهُ هو الأخر وقال لهُ بـِ هدوء لا يتناسب وسط كُل ما يحدُث: جُـ|ثة غبريال جاتلنا إنهاردة على المُستشفى، ومحطوطة في الثلاجات،
التشر|يح هيتِم كمان ساعتين يكون الطبيب المُختص حضر.
تنهد إياس وقال: أنا فارِض حظر تجول في المنطِقة، طِبقًا لـِ القوانين اللي هِنا، مينفعش حد يخرُج من بيتُه في ليلة وفا|ة شخص من المنطِقة.
غالي بـِ ضيق: دا مش من المنطقة يا إياس ولا عُمره هيكون مِنها، دا دخيل علينا.. وبيني وبينك عشان ميقولوش علينا جا|حدين، جت من ربنا إنُه غار.
نظر لهُ إياس نظرة ذات معنى، قبل أن تتوقف أمام المعرض سيارة داكِنة، صفت أمامهُم وترجل مِنها والِد غالي والأمطار تنهال فوق رأسُه، إلتقط أنفاسُه وقال بـِ رُعب: جُثـ|ة غبريال إختفت! الطبيب المُختص وصل للتشـ|ريح وفتحنا الثلاجة ملقيناهوش!
إياس بـِ غضـ|ب: إزاي يعني؟؟ فين الأمن بتاع المُستشفى! فين كاميرات المُراقبة!
وضع غالي يدهُ على كتف إياس وقال بـِ نظرة مُرتعِبة: إنت عارِف دا معناه إيه؟
.. الوقت الحالي. ..
أفاق إياس على يد غالي توضع فوق كتِفُه وهو يقول: كِدا عرِفنا جُثـ|ة غبريال راحِت فين، بس مش وقتُه يا إياس نحفُر ونشوفه، خلينا نشوف قبـ|ر ليديا عشان نِطلع مِن هِنا
أكمل إياس سيرهُ بين القبـ|ور حتى وجد القبـ|ر المطلوب
” ليديا- 1994″
نظر للورود فوق رِمالُه فـ كانت طازِجة، كأنها قُطِفت للتو
تنفس إياس بـِ عُمق قبل أن يغرِز أدادة الحفر في الرمال، وبدأ في الحفر بـِ الفِعل.
إستغرق مِنهُ الأمر نِصف ساعة تبادُلًا بينهُ وبين مهد تارة وغالي تارة أُخرى، حتى ظهر تابوت مِن الخشب
لوى إياس فمهُ في سُخرية وقال: طب كويس مش بيرموهم في الحُفرة كِدا زي الحيو|انات.
خلع إياس قميصُه لإنهُ لم يعُد يحتمِلهُ على جسدُه، وظل بـِ القميص الداخلي الأسود
قفز للأسفل وهو يتلمس التا|بوت، نظر لـِ أصدقاؤه حتى يستمِد مِنهُم القوة وكانت نظراتهُم داعِمة لهُ، تجرأ وقام بـِ فتحُه.
كانت الجُثـ|ة بـِ أكملِها مُلتفة بـِ الغِطاء الأبيض، فقط كِلتا يديها مضمومتين من فوقِه وغير مُغطاة.. أصابِعها طويلة وأظافِرها مطلية بـِ اللون الأسود، ناهيك عن أن يديها وعروقها باللون الأزرق كـ الكد|مة، بين يديها وردة سوداء على وشك الذبول.. عكس بقية الورود فوق قبـ|رها
مد إياس يدهُ إلى الغِطاء لـِ يحاول إزالتهُ مِن فوق جسدها
حتى نجح بـِ الفِعل، كانت ليديا ذات شعر أسود ناعِم.. عيناها مُغلقتين كـ إنها نائِمة في سُبات عميق، شفتيها صغيرتين ووجهها هاديء، لم تمُـ|ت بـِ بشا|عة
نظر إلى عُنقها لـِ يجد السلسال الخاص بِها، وبِجانِب ميدالية الإسم والتاريخ المُتدلية مِنهُ، مُفتاح صغير.. كان هو مُفتاح غُرفتها!
بـِ يد واحِدة وضعها خلف عُنقها إستطاع رفع الجُثـ|مان، حتى وقعت داخِل حُضنه فـ سرت قشعريرة داخِلهُ رهبة وخوف
أحاطها بـِ ذراعيه وهو يُزيح شعرها الچاف جانِبًا، ثُم بهدوء قام بـِ فك السِلسال وسحب مِنهُ المُفتاح، ثُم ألبسها السِلسال مُجددًا ووضعها بِهدوء في التا|بوت مُجددًا، مُتحمِلًا الرائِحة الكر|يهة المنبعِثة مِنها.. مد غالي يدهُ لـِ إياس وهو يُبلِل شفتيه رهبة ويقول: يلا إطلع!
أمسك إياس بـ يد غالي وقام الأخير بـِ سحبهُ للخارِج، قبل أن تُعلِن السماء عن المسرحية المُحببة لذوي اللحظات المُعتمة، الأمطار!
بلل المطر جُثـ|ة ليديا، فـ هرعوا إياس ومهد وغالي إلى البوابة التي أتوا مِنها، السوداء المُصفحة، في مُحاولة مِنهُم لـِ فتحها، مرت عشر دقائِق قبل أن يبتسِم لهُم القدر وتفتح لهُم إحدى الفتيات البوابة ببرود، دخلوا إلى الداخِل بِسُرعة وهُم يلتقطون أنفاسهُم، مد إياس يدهُ المُبللة المُرتجِفة مِن الأمطار وأخرج مِن جيب بِنطالُه مُفتاح الغُرفة
ووضعها في باب غُرفة ليديا، ثُم قام بـِ فتحُه!
صوت أزيز الباب وهو ينفتِح مع سيمفونية الأمطار بـِ الخارِج كانا كفيلان بـِ إصابتهُم بـِ الهلـ|ع!
إقتحـ|م إياس الغُرفة وخلفهُ مهد وغالي، كان هُنالِك مِصباح يرتجِف ضوؤه، بـِ جانِب فِراشها الذي كان على وِسادتهُ دِ|ماء! والكثير مِن المناشِف الورقية المُمتلِئة بـِ الد|ماء، مِن الواضِح أن ليديا كانت تسعل دِ|ماء.
قام بـِ البحث داخِل الأدراج حتى وجد كِتاب ” الفراشات على ضفائِف البنفسج لا تمـ|وت أبدًا ”
قام بـِ فتح الكِتاب وكان بِه قطرات مِن الدِ|ماء على صفحاتُه.. حتى وهي تقرأ تسعل! بين الصفحات وجد مُفتاح صغير، وجد مُفتاح الخروج وأخيرًا!
إلتفت إياس لـِ يُخبِر مهد وغالي، فـ وجد مهد فقط يقف خلفهُ وهو يُمسِك بـ يدهُ صندوق موسيقى بـِه أحصِنة تدور وتُخرِج الموسيقى الهادِئة للنوم
إياس بـِ أعيُن مُتسِعة: غالي فين!
مهد وهو مُنشغِل بـِ صندوق الموسيقى: مشي ورا الريش.
إياس بـِ عدم فِهم: نعم!!
_ خارِج الغُرفة
كان غالي يسير وراء الريش الوردي المُبعثر أرضًا، وكان مصدر ذلِك الريش، طائِر الفلامنغو الهارِب مِنهُ، فيان!
كانت ترتدي فُستان فوق الرُكبة قصير وضيق للغاية، وفي نهايتهُ ريش.. على طرف نهايتهُ إلتف بـِ الريش، لونهُ زهري فاتِح، وبدون أكمام أو حمالات، وجوارب طويلة شفافة بِها لمعة رقيقة.. وحِذاء رقيق كـ الخاص بـِ راقِصات الباليه.. يليق بـِ رِقتِها
كانت تسير بـِ هدوء وثِقة، حتى قطع غالي المسافة بينهُم ووضع يدهُ على فمها كي لا تصرُخ!
ثُم شرد قليلًا.. عِندما كانت في المشفى، عيناها كانتا مُغلقتين، لكِنها الأن قريبة مِنهُ، يستطيع أن يرى بـِ وضوح أن عيناها، مُقتبسة مِن الغِزلان.. حتى الرسام المُتقِن لن يستطيع رسم لوحة يُمكِنك تأمُلها لـِ ساعات دون ملل، كـ عينيها!
غالي وهو يزدرِد لُعابه ويتلفت حوله قال وهو ينظُر لـِ عُنقها: إيه اللي خلاكِ تهربي من المُستشفى!
ڤيان دون أن تنطق ظلت تنظُر لهُ فـ أضاف هو: إنت هتخرُجي معايا أنا وصُحابي دلوقتي، وهنمشي مِن هِنا عشان إنتِ أمانة طبية لازِم تِرجع.
كانت ترتجِف وهي تتأملهُ، ثُم في حركة مُفاجئة بـِ رُكبتِها قامت بـِ ضر|بهُ في معدتهُ، لـيتلوى هو ويتأ|لم، وقبل أن تركُض بعيدًا ويتناثر الريش حولها قال غالي بـِ صوت مُتألِم: فريدريك، يعرف إن السلسلة اللي إنتِ لبساها عشان تدخُلي السيرك، مُزيفة؟
توقفت هي عن الركض، وإلتفتت لهُ وشعرها يدور حول وجهها، كان غالي يستنِد على الحائِط بـِ يد واحِدة والأُخرى يضعها على مِعدتهُ في أ|لم
ويلتقِط أنفاسُه بـِ صعوبة وهو ينظُر لها.. عقدت حاجبيها خوفًا مِن أن يُفشي سُرها فـ قال هو: الإثبات إن اللي حوالين رقبتك مُزيفة..
مد يدهُ وأخرج السلسال الخاص بِها وهو يُسدِلهُ أمامها: إن الأصلية معايا، قلعتهالك في المُستشفى، وأعتقِد فريدريك هيعرف يفرق بين الأصلية والمُز|يفة كويس.
إقتربت مِنه وقالت بـِ أنفاس دافِئة خائِـ|فة: إنت عاوز إيه!
غالي بـِ إبتسامة: زي ما قولتِلك، تُخرجي معايا أنا وصُحابي.. ومتخافيش كإني خا|طفِك.
تأملتهُ ڤيان قليلًا قبل أن تقول بـِ صوت ملائكي: المفروض إنت اللي تخاف، مِش أنا.
غالي بـِ إصرار: ملكيش دعوة بيا، تعالي ورايا.
سارت وراؤه خوفًا من فريدريك، حتى عادوا إلى غُرفة ليديا، لـِ يجِد إياس يقِف خو|فًا وقال: ما صدقنا لقينا المُفتاح وإنت ماشي ورا الريش!
غالي بـِ حذر: دي ڤيان! البنت اللي معايا السلسلة بتاعتها، واللي أبويا مديني ٢٤ ساعة عشان أرجعها المُستشفى تاني.
إياس من بين أسنانُه: مينفعش ناخُدها معانا هيعملولنا حوار.
غالي بـِ عِناد: مش هخرُج مِن هِنا غير بيها!
كان إياس يتنفس الصعداء حتى يستطيع تمالُك أعصابُه ثُم قال موجِهًا حديثُه إلى ڤيان: باب الخروج فين؟؟ أنا معايا المُفتاح.
ڤيان وهي خائِفة: أنا عارفة هو فين، بس مش هخرُج معاكُم.. هخرُج قبليكُم لـِ برا.
غالي بـِ نظرة ذات معنى: مش واثِق فيكِ، هتخرُجي معانا ومش هياخُد بالُه.
ڤيان بـِ خو|ف: بيتهيألك!
ركض إياس وغالي ومهد خلفها، حتى وصلوا إلى بوابة الخروج.. والغريب أن لم يوقفهُم أحد! أو يسأل ڤيان ماذا تفعل معهُم
وصلوا إلى بوابة الخروج ووضع إياس المُفتاح بِها، نجح في فتحِها وأخيرًا ثُم خرجوا وغالي قابِض يدهُ على ذِراع ڤيان.
ظلوا يدورون حول المكان حتى وجدوا سيارتهِم وأخيرًا، ركض إياس وجلس في مِقعد السائِق وبـِ جانِبهُ مهد.. وفي الخلف غالي ومعهُ ڤيان الخائِفة، بـِ أقصى سُرعة إنطلق إياس خروجًا مِن تِلك المنطِقة المشؤو|مة.
_ صباح اليوم التالي
كانت كادي ترتدي حقيبتها المدرسية فوق ظهرها وهي مُنحنية تُطعِم القِطط الجائِعة، قبل أن تُغلِق چيهان والِدتها باب الشقة وتقول: طنط روفيدة هتاخُدني سوق المدرسة معاها عشان نجيب حجات للبيت، لما ترجعي من المدرسة هرجع قبلِك بـِ إذن الله، متعمليش مشاكِل مع حد! يلا سلام.
كادي بـِ فتور: سلام يا ماما.
نزلت والِدتها على الدرج ثُم ركِبت السيارة مع روفيدة، وإنطلقوا بِها تجاه السوق، إعتدلت كادي وهي تهِم لـِ نزول الدرج حتى تذهب إلى المدرسة، لكِنها فوجِئت بـِ إياس يصعد الدرج بـِ تعب وجسدهُ مُبتل ومليء بـِ الأترِبة
وصل إياس لها وهو يقول بـِ صوت مُتعب: روفيدة فين!
كادي بـِ خو|ف: طنط، طنط روفيدة راحت مع ماما السوق، مـ.. مالك يا عمو إياس!
كان يترنح تعبًا وإرهاقًا وهو يقول: خرجي.. خرجي من جيي بنطلوني مُفتاح شقتنا.
وضعت كادي يدها في جيب بِنطالُه لـِ تُخرِج المُفتاح، وجدتهُ أخيرًا فـ إلتقطهُ مِنها وهو يقول بـِ تعب: روحي مدرستِك.
كادي بـِ قلق: طب وإنت؟
إياس بـِ صوت مُتعب لإن جسدهُ إمتص برودة الجو: هكون بخير.
وقفت هي مُتردِدة، وفتح هو باب الشقة ، وقبل أن تنزِل كادي الدرج، إستمعت لصوت شيئًا ما يرتطِم أرضًا، فـ ركضت تِجاه باب الشقة لـِ تجِد إياس واقِعًا أمامُه
فـ إنحنت على رُكبتيها وهي تصرُ|خ وتقول: عموو إيااس!!
ركضت كادي للأسفل وهي تركُض تِجاه القعوة وقالت: عنو وصيف إلحقني عمو إياس وقِع فوق ومفيش حد طنط روفيدة لسه ماشية مع ماما!
وصيف وهو يضع القهوة للزبون: يا ليلة مش فايتة، فيين
ركض معها وصيف حتى صعدوا للأعلى، وجد وصيف إياس واقِعًا أرضًا وحالتهُ يُرثى لها فـ قال بـِ صدمة: طب خليكِ معاه لغاية ما أنزل أجيبلُه الدكتور، إستني أرفعُه على الكنبة
حمله وصيف بـِ تعب حتى وضعه فوق الأريكة، جلست كادي بـِ جانِبهُ وركض وصيف للخارج
كانت كادي خائِفة للغاية وهي تنظُر له يتفوه بـِ حديث عشوائي غير مفهوم.
حتى فتح نُصف عينُه.. ووضع يدهُ على ذقنها، وقرب وجهها تجاهُه وهي ترتجِف رهبة
وضع شِفتها السُفلى بين شفتيه، فـ إتسعت عيناها وإرتجفت، ثُم إرتطم رأسهُ فوق قدميها وهو يقول بـِ ألم: شفايفك إحلوت عن أخر مرة، يا ميار.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مقامر المحبة)