رواية مصطفى أبوحجر الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آلاء حسن
رواية مصطفى أبوحجر البارت السابع والعشرون
رواية مصطفى أبوحجر الجزء السابع والعشرون
رواية مصطفى أبوحجر الحلقة السابعة والعشرون
الفصل السابع والعشرون
-٢٧- النجاح الأول
بعد مرور ستة أشهر ..
كان تتطلع إلى انعكاس وجهها على سطح مرآتها الصغيرة لتتأكد من سلامة حجابها أعلى رأسها وبساطة تبرجها، حيثُ بدت في غاية تأنقها بفستانها وردي اللون الذى يُناسب بشرتها البيضاء والذى تعلوه تطريزات مُعقدة لامعة بدرجة أدكن قليلًا، ذات أكمام طويلة غير شفافة بينما حجابها من الستان اللامع بنفس درجة الثوب، بعد عدة دقائق أغلقت مرآتها بهدوء وأخفتها داخل حقيبتها الصغيرة من جديد قبل أن تُحاول التنفس بعمق علها تنجح في الاسترخاء والتخلص من ذلك التوتر الذى شملها، لذا وجهت أنظارها إلى النافذة بجوارها وهى تجلس بأريحية واضحة داخل سيارة الليموزين تلك والتي تستقلها لأول مرة بحياتها ..
كان مُبرد الهواء يعمل بصورة جيدة داخل السيارة فلم تشعر بحرارة سبتمبر المُرتفعة، إلا أن من كان يجلس بجوارها بدا مُتعرقًا مُختنقًا مُتوترًا على غير عادته، فلم يخف عنها ذلك القلق الذى يُساوره، لذا ربتت بلُطف على إحدى ساقيه مُحاولة بث الطمأنينة داخله، فالتفت إليها بأعين زائغة صامتة قبل أن يوجه أنظاره الى السائق مُتسائلًا بحزم :
_ فاضل قد إيه ونوصل ..
أجابه السائق باحترام دون أن يلتفت إليه :
_ دقايق يافندم ..
أغمض مصطفى عينيه بقوة لعدة ثوان وكأنه يُحاول استعادة رباطة جأشه قبل أن يقوم بفتحهما من جديد بعد أن زفر بثبات نافثًا ذلك التوتر من داخله، فظهرت عدستاه تلك المرة لامعتين هادئتين يملؤهما الغرور والثقة كعادتهما، في تلك اللحظة بدا وكأنه قد نجح في استرجاع نفسه التائهة، فعَدّل من وضع ربطة عُنقه السوداء بعد أن اعتدل في جلسته وقال لزوجته بنبرة شبه آمرة :
_ أجهزي ..
ملأت علامات الدهشة وجه شمس بعد تغير حال زوجها في ثوان معدودة إلى النقيض، فكيف لذلك الشخص المُذبذب المتوتر القَلِق إلى هذه الدرجة أن يتحول في غمضة عين إلى العكس تمامًا دون أي مُقدمات ..
بدأت الومضات البراقة مُختلفة الألوان تلوح لهما في الأُفق من بعيد فعلمت هي باقترابهما من وجهتهما، لذا تناولت حقيبتها بإحكام قبل أن يحتضن زوجها كفها الصغير بخاصته، وبعد دقيقة واحدة توقفت السيارة أمام ذلك الحشد الضخم الهائل والذى التف حول السيارة فور اصطفافها، فارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي مصطفى وهو يترجل من السيارة بشموخ بعد أن قام أحدهم بفتح بابها باحترام، فاتبعته هي بانبهار واضح مُحاولة حصر ذلك العدد الغير متناهي من عدسات التصوير المُسلطة عليهما ..
تأبطت ذراعه بخجل بينما هو ابتسم بثبات وكأنه مُعتاد على مثل تلك الاستقبالات المُبهرة والعدسات البراقة، وخطى كُلًا منهما أولى خطواته على تلك السجادة الطويلة باللون الأحمر والمؤدية بهم الى القاعة الرئيسية حيثُ العرض الخاص لفيلم زوجها الأول ..
ما إن اجتازا ذلك الحشد من المصورين إلى داخل المبنى المُغلق حتى قام إحدى المسؤولين باستقبالهما استقبالًا حافلًا، فلقد كان جميل الطلعة مُرتب الهيئة قوى البنية يرتدى بذلة رسمية أنيقة، فاقتادهما إلى الصالة المُخصصة للعرض، وهُناك عند بداية ممر الدخول المُظلم إلا من وحدات الإضاءة زرقاء اللون على كلا الجانبين، لاح ذلك الشخص إليها من بعيد والذى طالما عَرِفته من بنيته الخلفية ..
كانت تقف بجواره فتاة أنيقة ترتدى زيًا رسميًا هي الأُخرى فعرفتها على الفور دون النظر إلى وجهها، فلا بُد أن تكون هي خطيبته المزعومة، ماهي إلا عدة خطوات حتى تقابلت الوجوه وتأكدت من شكوكها لكنها تصنعت عدم الاهتمام بل التصقت بذراع زوجها مُتجاهلة تلك التساؤلات التي قفزت على وجه أسامة الذى سلط نظراته عليها بعتاب واضح، إن أشد ما تمنته تلك اللحظة هو أن تكون مُجرد طائر إذا ما ضاقت به الأرض فباستطاعته التحليق في السماء مبتعدًا بل فارًا هاربًا مما لا يستطيع مُواجهته ..
شعر مصطفى بتلك الارتعاشة الصغيرة التي سرت بجسد زوجته فتجاهلها مُقربًا إياها إليه بتملك واضح قبل أن يبتسم بغرور مادًا ذراعه إلى أسامة يُصافحه، فبادله الآخر التحية بغير اكتراث بينما نظراته كانت مُتنقلة بينه وبين شمس التي ركزت بصرها على جيداء والتي وقفت إلى جواره بهدوء، أومأت تلك الأخيرة برأسها إليها فردت لها شمس إيماءتها بجمود قبل أن تتحرك هي وزوجها ويجتازان الثنائي، كانت نظرات أسامة لازالت مُسلطة عليها غير مُصدق أنها تخطته دون أن تُلقى التحية عليه أو حتى ترنو إليه بالتفاته مُجاملة بينما جيداء أشاحت بنظرها عنه مُحاولة التشاغل بالترحيب بالمدعوين حتى لا تقرأ ذلك الحزن في عينيه فيتألم قلبها لأجلها ولأجله، وتشعر بالحسرة على حالها المُزرِ والذى جعلها تقبل ذلك الوضع الذى لا يزيدها إلا رهقًا ..
كانت عدسات المصورين تُحاوطهم من كل جانب وتلتقط العديد من الصور للزوجين فور دلوفهما إلى صالة العرض حيثُ كان فريق عمل الفيلم في انتظارهما وعلى رأسهم لينا التي ما إن لمحت مصطفى حتى صاحت بنبرة مُلفتة وهى تتوجه إليه قائلة بعتاب مُتدلل :
_ مصطفى .. مش معقول أتأخرت ليه ..
حاولت شمس التشبث بذراع زوجها أكثر وكأنه دُمية تخاف ضياعها، إلا أن تلك الشمطاء جذبته من ذراعه الأخرى إليها قائلة دون أن تأبه بوجود زوجته :
_ تعالى الناس كلها مستنياك عاوزين يتعرفوا عليك ..
تملص مصطفى من ذراع شمس المُتشبثة به وأتبع لينا بعد أن همس بداخل أُذن شمس :
_ ثانية واحدة ياحبيبتي راجعلك ..
هزت شمس رأسها بتفهم بينما بداخلها كانت في قمة الغضب، فظلت واقفة بمكانها لعدة دقائق لم تتحرك قيد أُنمله مُنتظرة زوجها الذى انشغل بمُصافحة طاقم العمل، لكن طال وقوفها حتى اقترب منها إحدى المسؤولين بالزي الرسمي قائلًا بأدب :
_ مدام شمس أتفضلى مكان حضرتك هِنا في الصف الثاني ..
أجابته باعتراض :
_ بس أنا مستنية …
قاطع المسؤول جملتها قائلًا بلُطف بالغ وهو يُشير إلى مقعدها :
_ مفهوم يافندم هو هينضم لحضرتك خلال لحظات ..
رغمًا عنها توجهت بخطوات ثابتة مُتثاقلة إلى المقعد المُخصص لها في انتظار انتهاء زوجها، إلا أن ذلك المقعد الشاغر بجوارها سُرعان ما احتله شاب في أوائل العشرين من عُمره فعلقت هي لافتة نظره قبل جلوسه :
_ لو سمحت جوزي قاعد هِنا ..
لكنه أجابها بتحاذق :
_ مش بالحجز يامدام .. هِنا كُل واحد ليه مكانه المكتوب عليه اسمه ..
التفتت شمس إلى الوراء حيثُ مسند المقعد الخاص بها لتقرأ الاسم المُعلق عليه بفضول فاتسعت عيناها بدهشة، فلم تكن تلك الحروف الخمس سوى لشخص واحد فقط طالما حفظت كنيته عن ظهر قلب مُنذُ الصغر ..
فور تأكده من جلوسها؛ توجه المسؤول صاحب الزي الرسمي الى أسامة يُخبره بإتمام مهمته بنجاح، فأومأ له ذلك الأخير برأسه شاكرًا، فهو في كل الأحوال لم يكن باستطاعته تجاهل ذلك المأزق المُهين الذى وُضعت به خاصة بعد إهمال زوجها لها غير مُكترثًا لوقوفها بانتظاره بعدما سيطر عليها علامات الارتباك والخجل، كُل دقيقة يطلب شخص المرور من ورائها فتتنحى جانبًا على استحياء عاجزة عن معرفة ما باستطاعتها فعله ..
لذلك أرسل إليها إحدى المسؤولين لإجبارها على الجلوس بمقعده خاصة وهو يعلم جيدًا أن مقعد زوجها بالصف الأول حيثُ لا وجود لمكان مخصص لها، وهذا ما حرصت عليه لينا بالتأكيد ..
كان الوقت شديد الضيق فلم تُتاح الفرصة لشمس من أجل مُغادرة مقعدها أو حتى الاعتراض، ففور اكتشافها لحقيقة الأمر ساد الظلام أرجاء المكان استعدادًا لبدأ الفيلم ..
حاولت البحث بعينيها عن زوجها بين الجالسين في الصفوف الأولى إلا إنها لم تستطع تمييزه في ذلك الظلام الحالك إلا بجُهد كبير بعد أن ارتفع صوت لينا مُقهقهًا في خفوت فثبتت نظراتها على الجالس بجوارها، ومع أول التفاته منه وعلى ضوء الشاشة الكبيرة التي سطعت مُضيئة ما حولها تأكدت شكوك الزوجة، فهاهو يجلس بجوار تلك العابثة دون اكتراث لها هي زوجته فلم يُحاول حتى البحث عنها أو الاطمئنان عليها ..
لقد كان يختصها بحديثه وكأن الحديث لا ينتهي بينهما، وكانت تضحك وكأنه يُلقى عليها النكات ويُدغدغ قلبها، وكان يضحك هو الآخر معها ضحكات متقطعة مُتهدجة أثارت حنقها وزادت من غيرتها ..
مرت الدقائق الأولى ولم تُلِق هي بالًا للمعروض أو حتى تنتبه إلى أحداث روايتها المُتجسدة أمامها على تلك الشاشة التي سطع أعلاها أسمه هو بدلًا منها، بل استمرت عيناها في التحديق برأس زوجها المائل على لينا فبدا وكأنهما يتحدثان حديثًا خاصًا حميمًا ..
مر الوقت ببطء شديد عليها وهى تنتظر بفارغ الصبر ذلك الوقت المُستقطع للتحرر من مقعدها والتوجه إلى زوجها والجلوس بجواره رغمًا عن أنف الجميع، لكن كُللت آمالها بالخيبة وظهرت عليها علامات الاستياء حينما اكتمل الفيلم دون توقف بخلاف توقعاتها، مما اضطرها إلى مُحاولة تركيز انتباهها على شيء آخر حتى لا تنفجر غيظًا، فلم تجد سوى أحداث الفيلم تجذبها إليه بخيط خفى لم تقدر على مُقاومته خاصة وهى تُشاهد ذلك المقطع المعروض ..
توقفت أهدابها فجأة عن التحرك بل واتسعت مقلتاها والتمعت عدستاها حد البُكاء وهى تعيش بداخل ذلك المشهد والذى تتذكر وقت كتابته وكأنه مُنذُ لحظات مضت ..
لقد جسد ذلك المشهد صورة من صور خُذلان البطل للبطلة، عندما تشككت بحُبه فغادرته رغمًا عنها، مُتجاهلة رفض قلبها وألمُه المُوجع بعد أن حاول مرارًا مُعاندة كبرياؤها والمُحاربة بِجد إلا إنه وللأسف الشديد لم ينجح بالبداية ولم يظفر بانتصار سوى بعد الكثير من الإخفاقات والمُعاناة التي أرغمت البطلة للخضوع إلى رغبته في النهاية دون المزيد من الجدال، وارتمت داخل أحضان المُحب الصادق الذى ظل ينتظر عودتها طوال تلك المدة دون كلل أو ملل ..
تذكرت هي تلك الكلمات التي تلفظت بها البطلة والتي صاغتها هي يومًا ما بقلبها المكلوم، فانهمرت دمعاتها في الحال بعدما لاحت عليها ذكرى ذلك الخُذلان الذى عاشته من قبل والذى لا يزال يؤلمها حتى تلك اللحظة ..
جففت دمعاتها الهاربة بسرعة عندما أحست بهمس يصدر من ذلك الجالس بجوارها فالتفتت إليه لتتفاجئ به يقول دون كُلفة :
_ ركزي في المشهد اللي جاي ده أنا هظهر فيه ..
نظرت إليه باستغراب مُحاولة تبين ملامحه في الظلام إلا إنها فضلت تجاهله في النهاية، إلا إنه أضاف بفخر :
_ أقدملك نفسى .. إسلام مُراد ممثل مبتدئ ..
اومأت هي برأسها دون أن تُجيبه، وهى تعود بنظراتها لمُتابعة زوجها من جديد، فلاحظ ذلك من يجلس بجوارها ولم يستطع أن يمنع نفسه من التطفل مُعلقًا :
_ عينك منزلتش من عليهم من اول الفيلم ما بدأ ..
لم ينتظر تعليقها وأضاف سريعًا باستعراض :
_ طبعًا عاوزة تعرفي مين دول ..
نظرت إليه بتساؤل لم تنطقه شفتيها فاستطرد هو مُوضحًا ولازالت عيناه مُسلطتان على الشاشة بانتباه :
_ انا أقولك ياستي أكيد اللي لفت أنظارك ليهم هو ضحكتها، وبصراحة معاكي حق ..
ثُم أضاف بنبرة ساخرة :
_ زي ما شوفتي في الفيلم طبعًا دي تبقى البطلة، بس اللي متعرفهوش أكيد إنها مُنتجة الفيلم واللي جمبها ده بقى المؤلف اللي مظبطها ..
رغم محاولتها للسيطرة على كلماتها حتى لا تخرج مُنفعلة، إلا أن ذلك التساؤل قفز من شفتيها رغمًا عنها ليظهر بصورة شبه حادة وهى تقول :
_ إزاى يعنى مظبطها هُم على علاقة ؟
ابتسم هو بشموخ قبل أن يتحدث بهدوء وثقة وكأنه على علم ببواطن الأمور قائلًا :
_ انتي أكيد صحفية طبعًا وعاوزة تطلعي بأي سبق، والحقيقة انتي جيتي للشخص المناسب ..
عدّل من جلسته وبدا مُنتفخًا وكأنه ذات قيمة إلا أن صوته خرج هامسًا خافتًا وهو يقول باهتمام كأنه يُفضى إليها بسر خطير :
_ الحقيقة أنا كنت أقصد إنه مظبط دورها في الفيلم لأن زي ماانتي شايفة كده مفيش مشهد إلا وطلعت فيه رغم إنها مش عارفه تمثل من الأساس، إنما الحاجة التانية اللي بالك فيها ….
ازداد همسُه بعدما لاح على وجهه شبه ابتسامة ماكرة وهو يقول بخُبث :
_ بلاش نتكلم في الأعراض .. ربنا يستر على ولايانا ..
*************
صدحت أصوات التصفيق الحار بداخل القاعة المُظلمة فور انتهاء الفيلم، وماهي إلا لحظات حتى أُشعِلت الأضواء بعد أن توالى وقوف أبطال العمل تِباعًا بفخر ومن بينهم كان يقف مصطفى هو الآخر بشموخ واضح ..
لم تكن شمس ضمن المُصفقين بل لم تكن أعلى مقعدها من الأساس، بعكس ذلك كانت أول الفارين إلى الخارج، وكأنها كانت تنتظر اللحظة المُناسبة لالتقاط أنفاسها والهرب بعيدًا باحثة عن حُريتها من جديد ..
اختارت إحدى الأركان البعيدة عن الأنظار لتقف بين طياتها في انتظار خروج زوجها بعد أن تتابع خروج المدعوين، قفزت عدستاها بين أوجه الحضور في رحلة البحث عنه، إلا أن الوجه المألوف الذى تلاقت عيناها به لم يكن سوى لأسامة، والذى كان يبدو أنه يبحث عن أحدهم هو الآخر رغمًا عن تواجد خطيبته بجواره كعادتها ..
ومن ورائهم ظهر لفيف من المصورين يتحركون باتجاه عكسي، حيثُ ظهورهم إلى الخارج بينما عدساتهم مُسلطة على نجوم العمل المُنشغلين ببعض الأحاديث الصحفية أثناء تقدمهم، ومالبث أن ظهر زوجها في الأفق بقامته الطويلة وجسده العريض وسط أبطال العمل فأشارت هي إليه بيدها وحاولت التقدم إليه من بين ذلك الحشد العظيم لكنها تراجعت من جديد إلى مكانها الأول عندما استطاعت رؤية ما تبقى من جسده من خلال إحدى الثغرات فوقعت عيناها على يده المتشابكة مع إحدى يدي لينا ..
شعرت شمس بالدوار يغزو جسدها وقدماها تعجز عن حملها وكأن هُناك شلل يسرى بجسدها ويعقد لسانها فلم تستطع التقدم لأكثر من ذلك وتشبثت قدماها بالأرض من تحتها، وفى تلك اللحظة رغمًا عنها كانت تبحث من جديد عن أسامة وكأنها تستنجد به من صدمتها، إلا إنها لاحظت تجمع حشد من المصورين حوله هو الآخر بعدما لفت الأنظار وأعين عدسات التصوير إليه بلباقته وأناقته ووسامته المعهودة وكأنه إحدى أبطال العمل، لقد بدا مُهتمًا بمن تجاوره يُقربها إليه بفخر وكأنها شريكته في ذلك النجاح الذى وصل إليه، كذلك بدا الثنائي للجميع في نفس الوقت الذى اقترن فيه اسم لينا بزوجها بدلًا عنها لتحل محلها فيما وصل إليه ..
تراجعت شمس عدة خطوات إلى الوراء لتجلس بأقرب مقعد يستطيع حمل ثقل جسدها المُتهاوِ بينما أنظارها مازالت مُتعلقة بالأيدي المُتشابكة، خاصة بعد أن انفرد صاحبيها بإحدى الأركان ليقوم بعض المصورين بالتقاط الكثير من الصور الخاصة لهم …
تأملت ببلاهة واستسلام تلك الأوضاع التي تقوم بها لينا للاقتراب من مصطفى، غير قادرة على الاستيعاب وكأنها تُشاهد إحدى البرامج التلفزيونية وذلك الواقف مُلاصقًا لتلك الشمطاء لا يمت لها بأي صلة ..
ظلت على وضعها ذلك لما يُقارب العشرون دقيقة تغطى ملامحها علامات الانكسار والحسرة، وفى ذلك الوقت اقترب إحدى الأشخاص من الثنائي، والذي تبدو عليه سمات الوقار والأهمية، فقد كان مُمتلئ الجسم طويل البنية مُنتفخ الأوداج يُمسك بين أصابعه سيجار من النوع الفاخر يدل على مدى رفاهية مستواه المادي ..
كانت وجهته إلى مصطفى بالتحديد، فجذبه معه بعيدًا عن أعين المصورين لينفرد به في إحدى الأركان قائلًا وهو ينفث دخان سيجارُه :
_ أحب أعرفك بنفسي أنا ………. رجل أعمل ومُنتج ..
ما إن استمع مصطفى إلى اسم مُحدثه حتى انقلبت ملامح وجهه لاحترام بالغ وقال بتواضع على غير عادته :
_ أهلًا بيك يافندم ، غني عن التعريف طبعًا ..
هز الرجل رأسه قائلًا بجدية :
_الحقيقة أنا عجبني شغلك اللي برة الصندوق، وأنا بقالي فترة بدور على ورق يستحق إني أحوله لفيلم عشان كدة كنت بفكر إننا نشتغل مع بعض ونجرب ..
التمعت عيني مصطفى بحماس وقال دون تفكير :
_ تحت أمرك ، أنا ليا روايات كتير تقدر تختار منها اللي يناسبك ..
حرك الآخر رأسه نافيًا دون تفكير :
_ لا أنا عاوز حاجة جديدة ومختلفة منزلتش السوق قبل كدة ..
تغير لون مصطفى قليلًا، وبدا كأنه يُفكر قبل أن يقول مُحاولًا إقناعه :
_ أنا كتاباتي كلها مختلفة وب……
إلا أن الآخر قاطعه بحزم مُوضحًا :
_ بس على حد علمي إن كل كتاباتك اتنشرت، أنا عاوز حاجة مظهرتش للنور لسة بس بشرط خلال شهر واحد بس ..
تحولت لهجته الجادة إلى المُزاح مُعلقًا :
_ لو انت مدكن كام سيناريو كدة ولا كدة متبخلش بيهم علينا ومش هنختلف على السعر متقلقش ..
حاول مصطفى التملص من ذلك الاتفاق مُبررًا :
_ الموضوع مش فلوس خالص بس أصل …
إلا أن ذلك الأخير قال دون الاستماع إليه من الأساس :
_ لا لا انا مش هقبل منك أي أعذار وهستنى مكالمة منك قريب تقولي إن اللي طلبته جاهز ..
هز مصطفى رأسه بحيرة في نفس اللحظة التي انضمت إليهم لينا بدلالها المُعتاد، في تلك اللحظة وأخيراً..
تذكر مصطفى زوجته التي افترق عنها مُنذُ عدة ساعات فتجولت عيناه في الأرجاء بحثًا عنها إلى أن وجدها تجلس بانكماش وراء طاولة صغيرة في إحدى الأركان الشبه مُظلمة ونظراتها مُسلطة عليه ..
توجه إليها بعد تملصه من أصابع لينا المُتشبثه بذراعه لكن وقبل أن يصل إليها استوقفه إحدى الصحفيين راغبًا في تسجيل لقاء معه، من الجائز أن يكون من الصعب والمُرهق التملص من تلك الحوارات الصحفية، إلا أن الأكيد هو أنه لم يُحاول من الأساس، وكيف له ذلك وتلك هي فرصته الذهبية للشهرة والانتشار بداخل دهاليز ذلك العالم بشكل أسرع ..
تأملته شمس بضعف وهى ترى لينا تنضم إليه من جديد مُتباهية بنجاحهما الساحق سويًا، فأخذت تراقبهم من مكانها بعدما انطفأت بشكل كامل، فلا أحد يعلم سواها في هذا الجمع أنها هي وحدها ووحدها فقط صاحبة الفضل في هذا النجاح المُنتسب للجميع عاداها ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)