رواية مصطفى أبوحجر الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم آلاء حسن
رواية مصطفى أبوحجر البارت الرابع والعشرون
رواية مصطفى أبوحجر الجزء الرابع والعشرون
رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الرابعة والعشرون
-٢٤- تغيير مُفاجئ
كان يجلس بداخل غرفة معيشته بعد أن تحرر من ربطة عُنقه وهو يستمع إلى كلمات زوجته وهى تتحدث إلى والديها عبر الهاتف للاطمئنان عليهما مُتجاهلًا إشاراتها له لإلقاء السلام عليهما ..
استرخى بجسده ومدد ساقيه أعلى المنضدة بلامُبالاة بعد أن قام بتشغيل التلفاز وبدأ بمطالعة شاشة هاتفه، فلم تمر دقائق حتى انشغل بمراجعة نسخة العقد الإلكترونية والتي تحمل توقيعه بضعف الرقم الذى توقعه ..
وفى أثناء انشغاله بمراجعة البنود ظهرت أمامه رسالة إلكترونية من إحدى التطبيقات مُحتواها :
_ مبروك علينا ..
ظهرت ابتسامته المُغترة مُستنتجًا هوية الراسل فأجاب على الفور :
_ الله يبارك فيكى ..
جاءته رسالتها سريعًا وهى تقول :
_ كنت عارفة إنك هتعرفني على طول .. ده رقمي الخاص مش بديه لأى حد على فكرة .. ها هنتقابل امتى ؟
لم تُفارق الابتسامة وجهه وهو يضغط على حروف شاشته قائلًا :
_ ونتقابل ليه ؟
أجابته :
_ انت نسيت إني بطلة فيلمك ومحتاجاك توضحلي شخصية البطلة ..
أجابها بعد عدة ثوان عقب أن ازدادت ابتسامته بخيلاء :
_ احنا كده هنبقى محتاجين نتقابل كتير … جدًا ..
((إيه ياحبيبى بتعمل إيه ؟))
أغلق مصطفى ذلك التطبيق فور سماعه لصوت زوجته والتي أتت من خلفه فلم يشعر هو باقترابها منه، وقال بهدوء وهو يُقلب في قنوات التلفاز بلا اهتمام :
_ كنت براجع العقد ..
جلست بجواره صامتة لبضع لحظات قبل أن تقول بابتسامة حاولت إخراجها طبيعية :
_ مبروك ..
هز رأسه دون أن ينبس ببنت شفة، فأضافت هي :
_ المفروض هيبدأوا تصوير امتى ؟
أجابها دون أن ينظر إليها قائلًا :
_ لسة معرفش تفاصيل، لينا هتبقى تبلغني ..
تغيرت ملامح وجهها فور ذكر اسم تلك الأخيرة فقالت بنبرة حاولت إخراجها هادئة :
_ على كدة هيبقى في بينكوا مكالمات كتير ..
هز رأسه قائلًا :
_ ومقابلات كمان ..
التفتت إليه بجسدها مُستنكرة قبل أن تقول بنبرة تملؤها الغيرة لم تختلف كثيرًا عن نبرتها السابقة داخل السيارة من قبل :
_ وده اسمه إيه إن شاء الله !
أجابها مُوضحًا بعدما تذكر ذلك الموقف السابق والذى لم يتخذ رد فعل مُناسب عليه بعد :
_ اسمه أنها بطلة الفيلم وأعتقد إنك عارفة كدة قبل ما نمضي العقد ..
حاولت شمس التدلل عليه فقالت بطفولية :
_ لا متقابلهاش ..
لكنها تفاجئت بردة فعله الغير محسوبة حيثُ قال بكلمات خرجت حادة رغم هدوء قائلها :
_ في تلت حاجات ياشمس لازم تعرفيهم وتحفظيهم كويس أوى لأنى مش هكررهم تاني ..
أولًا مش من حقك إنك تدخلي في شغلي وتقوليلي أقابل مين ومقابلش مين ..
ثانيًا أنا شغلي أهم حاجة فيه هي العلاقات فأنا مش هسمحلك إنك تبوظيه تحت مبرر الغيرة والشك وعدم الثقة أو حتى …..
صمت قليلًا قبل أن يُضيف بنبرة خاصة :
_ أو حتى إنك تخلطي بينه وبين علاقاتك إنتى الشخصية ..
ظهر التوتر على ملامح شمس والتي قالت بارتباك :
_ انت .. انت تقصد إيه بكلامك ده ..
ثُم أضافت بتحفز :
_ وبعدين مالك بتكلمني بعصبية كدة ليه …
أجابها بنفس النبرة الهادئة :
_ بالعكس أنا مش متعصب خالص ..
ثُم التفت إليها قائلًا بحزم :
_ أنا بحطلك حدودك عشان متتعدهاش بعد كدة ..
هالتها كلماته القاسية تلك فنظرت إليه بعتاب قبل أن تبدأ في التحرك من مكانها مُغادرة إلا إنه أوقفها بلمسة خفيفة من يده قائلًا دون أن ينظر إليها بعد أن شعر بتماديه :
_ أنا لو عاوزها كنت أتجوزتها .. مفيش حاجة أجبرتني إني أختارك انتي غير إني بحبك .. انتي عارفة كدة كويس ..
نكست رأسها وهى تقول :
_ عارفة ..
ثم أضافت بحُزن وهى تعبث بأصابعه راغبة في التأكد من مدى إخلاصه لها :
_ بس أنت مش هتخذلني صح .. ومش هيبقى في أي حاجة بينك وبينها أو بين أي واحدة تانية ..
انتظرت منه تشبثه بيدها وإخبارها بأنه لن يسمح لنفسه بخُذلانها أو بتخييب ظنها به ذات يوم، وأن عيناه الغارقتان في تفاصيلها لن تقعا ولو سهوًا على وجه أُخرى بعد أن امتلأ واكتفى قلبُه بحُبها، انتظرت أن يُمسد على شعرها بحنان كعادته أو أن يضمها إليه بدفء، إلا أنها تفاجئت بيده تنسحب من أسفل خاصتها وهو يقول بجمود مُحولًا دفة الحديث إلى جهة أُخرى تمامًا :
_ الظاهر ياشمس إنك واخدة فكرة عني إني خاين ومليش آمان .. طيب أنا بس محتاج أوضحلك نقطة صغيرة عشان عارف إنها ممكن تكون خطرت على بالك ولو لثواني .. انتي لو فاكرة إنك عشان وافقتى إن الرواية بتاعتك تبقى باسمي فده يديكي الحق إنك كل شوية تشككي فيا بالشكل ده وتوقفيني قدامك زي العيل الصغير وتسأليني قابلت مين وعملت إيه وكل ده بحجة إنك غيرانة عليا أو خايفة أنى أخونك فأحب ألفت نظرك من دلوقتي إن ده مش هيحصل ..
وكلمة مش هيحصل دي مقصدش بيها الخيانة .. لأن أي راجل لو عاوز يخون هيعمل كدة في أي وقت ومع أي حد من غير ما مراته تعرف ..
لكن أقصد بكلامي إنك تكوني فاكرة انك بتلوي دراعي أو مسكتي عليا ذلة بالرواية بتاعتك اللي انتي بنفسك ألحيتي وصممتي أنها تتنقل لأسمى ..
بس احنا لسة فيها وممكن أكلم الناس دلوقتي وألغى العقد قبل ما يتوثق ..
لم يُعطها الفرصة للرد بل أضاف ساخرًا بعد أن نهض من مجلسه :
_ أو بردو انتي ممكن تكلمي ابن عمتك اللي مجبتليش عنه سيرة قبل كدة وتقوليله يلغي العقد وأعتقد إنه بيعزك بالقدر الكافي اللي يخليه ميرفضلكيش طلب مش كده … ولا انتي كنتي ناوية في المرحلة الجاية تخليه يجيبلك أخباري ..
رفعت شمس وجهها إليه بعينين ذاهلتين قائلة بعدم تصديق :
_ أنت إيه اللي بتقوله ده أنت بجد متوقع إني ممكن أعمل كده ..
أجابها بهدوء راغبًا في استفزازها تلك المرة قائلًا :
_ على العموم اعتبري ده تحذير عشان لو حبيتي تعملي كدة في يوم من الأيام ..
حقًا بذلت الكثير من الجهد حتى يُمكنها أن تنطق، وبالنهاية قالت بنبرة مُنكسرة حزينة :
_ أنت اتغيرت أوى يامصطفى ..
أنحنى بجسده مُقتربًا منها قبل أن يتحدث لكن بدفء تلك المرة فقال مُوضحًا بعدما رق قلبه لنظرتها الحزينة :
_ ده مش تغيير ياشمس .. دي النقط اللي لازم تراعيها في علاقتنا .. زي ما أنا بحترمك وواثق فيكي المفروض تبقى الثقة دي متبادلة ..
أجابته بعتاب :
_ أنا بس كنت محتاجاك تطمني إنك مش هتبص لحد غيري ..
جلس بجوارها من جديد وأمسك يدها بداخل راحتيه قائلًا بنبرة حانية تُخاطب عقلها قبل قلبها :
_ تفتكري إن الكلام صعب عليا ! ما أنا ممكن أقولك من هِنا لبكرة كلام عن إني عُمرى ماهبص لغيرك ولاأخونك وإنك مالية عيني ودنيتي وأخليكي تشوفينى ملاك وأطلع من هِنا وأقابل واحدة من غير ما تعرفي ..تفتكري ده صعب عليا !
عبست بحاجبيها وانقلبت ملامح وجهها من الضعف والحزن إلى التحدِ والعناد قائلة :
_ وهو انت فاكرني هبلة للدرجادي إنك تضحك عليا بكلمتين وأصدق ..أسهل حاجة هفتح موبا….
استعاد من جديد لهجته الجادة قبل أن يُشير بهاتفه أمام وجهها قائلًا :
_ دي بقى ثالثًا اللي كنت مأجلها لآخر كلامنا .. موبايلي ميتفتحش من ورايا ويتفتش فيه من غير إذني …
ما لبث أن استقام من جديد وهو يضع هاتفه بداخل جيب سُترته قائلًا بسخرية وهم يهم بالمغادرة وكأنه فقد الأمل من الحديث معها :
_ على فكرة لسة قدامِك حلول كتير، تقدري تتنكري زي الأفلام وتطلعي ورايا تراقبيني أو لما أرجع تفتشى في هدومي عن روج على ياقة القميص أو ريحة برفان حريمي ماسكة في هدومي ..
لكنه قبل مغادرته انحنى إليها من جديد مُقربًا وجهه من وجهها وهو يهمس مُحذرًا بجدية :
_ بس قبل ما تعملي كدة خليكي فاكرة إن كُل ده مش هيعمل حاجة غير إنه هيزود المسافات بينا وهتقلبي بإيدك حياتنا لجحيم وتدمري البيت وحياتنا الزوجية اللي لسة مبدأتش واللي انتي فعلًا زرعتي فيها أول بذور الشك ..
هبت شمس واقفة من مقعدها قائلة بنبرة هجومية :
_ آه قول كدة بقى .. كل ده عشان اللي حصل النهاردة في العربية ..
لم يُجيبها بل وضع راحتيه بداخل جيبي بنطاله مُتأملًا وجهها العابس وهى تقول بلهجة حاولت إخراجها ثابتة واثقة تُبين بها مدى اعتزازها بنفسها :
_ على فكرة ده من حقي، وبعدين يعنى هو أنت فاكر إني لو شاكة فيك بجد فهستنى لما أوصل نفسى للمرحلة دي وأعمل زي ما بتقول ! ليه هو انت فاكرني إيه !
كانت تنتظر منه تعليقًا ساخرًا أو مُقتضبًا يُلائم تلك النبرة الجادة التي كان يُحدثها بها وتلك الاتهامات المُهينة التي كان يقذفها بها للتو، إلا إنها تفاجئت به يقترب منها قائلًا بنبرة صادقة بعيدة كُل البُعد عما سبقتها :
_ فاكرك حبيبتي ..
عبس وجهها وابتعدت عنه عدة خطوات وهي لازالت مُكفهرة لتقول بصوتٍ عالٍ مُستنكر :
_ حبيبتك ! كل اللي بتعمله فيا ده وبتقولهولي وتقولي حبيبتك؟
اقترب منها تلك الخطوات التي ابتعدتها بعدما رقت ملامحه وظهرت ابتسامته قائلًا بخفوت وهو يُمسك يدها :
_ وأكتر من حبيبتي كمان ..
في تلك اللحظة شعرت شمس بكرامتها التي بُعثرت مُنذ قليل تثور عليها مُذكرة إياها بكلماته الحادة التي قذفها بها، فنفضت يده عنها وولته ظهرها قبل أن تتعالى شهقاتها وتنهمر دمعاتها مُعبرة عن ذلك الألم بداخل صدرها وهى تقول بانكسار ملئ صوتها :
_ أنت كداب .. أنت محبتنيش أصلًا ..
دون مُقدمات شعرت بجسدها الصغير يُرفع في الهواء، فإذا به يحملها بين ذراعيه قائلًا :
_ طيب أنا كدة محتاج أثبتلك أنا بحبك قد إيه ..
حاولت شمس الاعتراض والتملص من بين ذراعيه رافضة أي محاولة منه للصُلح إلا إنها في النهاية لم تجد سوى أحضانه تلجأ إليها للفرار منه، فتشبثت به في نفس الوقت الذى بدأت فيه دمعاتها تتوقف عن الانهمار، وفى تلك اللحظة شعر هو باهتزاز هاتفه داخل جيب سُترته مُعلنًا عن رسالة ورادة والتي كان فحواها :
(( هستناك الليلة في المكان اللي إتقابلنا فيه أول مرة الساعة عشرة متتأخرش )) ..
*****************************
_ ليه عملت كدة ؟
خرج ذلك التساؤل من فم جيداء والتي كانت تجلس باستكانة إلى جوار أسامة بداخل سيارته وهما في طريقهما لإيصالها إلى المنزل كعادتهما اليومية، كانا قد قطعا أكثر من مُنتصف الطريق حينما لفظت هي بتلك الجملة، فنظر إليها مُبتسمًا وكأنه لم يفهم المقصد من سؤالها، فتساءل بجهل مُصطنع قائلًا :
_ عملت إيه مش فاهم ..
رمقته بنظرة خاصة تذكر هو بها قراءتها جيدًا لسرائره بل وحِفظها عن ظهر قلب جميع انفعالاته في كُل حالاته، لذا لم يجد مفرًا من الإجابة قائلًا وهو لازال مُحتفظًا بابتسامته :
_ قصدك على موضوع إعلان خطوبتنا ..
قالها باستهانة شديدة وكأنه لم يكن بالأمر الجلل، فرفعت هي إحدى حاجبيها باستنكار قائلة :
_ إعلان خطوبتنا ! على أساس إننا فعلًا مخطوبين !
بحماس حقيقي تلك المرة كان يتحدث وهو لازال ينظر إلى الطريق من أمامه قائلًا :
_ إحنا فيها .. كلمي مامتك قوليلها إني عاوز اقابلها ..
التفت إليها بجدية قائلًا بابتسامة مُتسعة وكأنه يُغريها بها :
_ هطلب إيدك منها ..
رمقته بنظرة طويلة مُترددة قبل أن تقول بأسى وحُزن واضح :
_ ومين قالك إني هوافق ..
لوهلة هُيئ إليه أن هُناك خطب ما بأُذنه أو أنها من فرط فرحتها قد أخطأت في كلماتها أو أنها تتدلل عليه إلا أن ملامح وجهها الحزينة أخبرته بجدية ما قالته، لذا تساءل هو بخفوت :
_ يعنى إيه ؟
أجابته بشموخ وكبرياء مُوضحة :
_ يعنى أنا مش هكون خطيبتك لمجرد إنك عاوز تغيظ حد بيا ..
صمتت قليلًا قبل أن تُكمل وهى تُطأطأ رأسها :
_ زي ما عملت النهاردة ..
وقبل أن يُفكر هو في الحديث أو التبرير أضافت جيداء على الفور :
_ بص ياأسامة من غير ما تحاول تنكر، أنا من أول مرة شوفت نظراتك ليها في فرحها وأنا فهمت كل حاجة وعرفت إن هي دي الإنسانة اللي كنت بتحبها طول الفترة اللي فاتت وهى اللي سببتلك الجرح اللي عشانه لجأتلي يومها وغلطت نفس غلطتك النهاردة وطلبت مني الجواز ..
قاطعها نافيًا :
_ ومين قالك إنها كانت غلطة ..
اكملت هي مُتجاهلة كلماته :
_ أنا قَدّرت صراحتك ليلتها ووافقت إني أسيب الأيام تقرب بينا أكتر يمكن تحبني، بس للأسف اللي عملته النهاردة أثبتلي إنك فعلًا مش معتبرني غير أداة تنساها أو تغيظها بيها ..
أنت حتى مهتمتش بمنظري قدامهم ولافكرت فيا ولو ثانية واحدة، أنا احترمت اتفاقي معاك بس للأسف أنت لا ..
لم يدرِ أسامة بما يُجيبها، فما كان منه إلا أن قال بتردد :
_ جيداء انتي فاهمة غلط …
استمرت هي في حديثها بقلب كاد أن ينفطر من فرط الألم فقالت وكأنها لا تشعر بوجوده :
_ ياريتني كنت فاهمة غلط، أنا كنت بحاول أكدب نفسي طول الفترة اللي فاتت ومستنياك أنت اللي تجيلي وتصارحني بس النهاردة عرفت إني صح .. أنت لسة بتحبها .. مشوفتش نظراتك ليها عاملة إزاى .. لو كنت بصتلي مرة واحدة بس نظرة زي دي كنت صدقتك، بس للأسف ….
في تلك اللحظة لم يستطع هو الصمت لأكثر من ذلك لذا قاطعها بحدة مُوضحُا :
_ آه حبيتها ويمكن لسة بحبها، بس أنا اتجرحت منها بالقدر اللي يخليني أرفضها حتى لو هي اللي جاتلي، يمكن أكون أتسرعت في اللي قولته بس ده مش معناه إنك متفرقليش بالعكس ياجيداء انتي عارفة قد إيه إنتى مهمة بالنسبالى ..
قاطعته قائلة باستخفاف :
_ مهمة زي أختك الصغيرة وبنت صاحبك اللي وصاك عليها قبل ما يموت …
أجابها بكلمات صادقة جادة :
_ آه أنا كنت بقول كدة، بس إنتى عمرك ماكنتي كدة بالنسبالى، أنا كنت بشوف فيكى حاجة مكنتش لاقيلها تفسير، كنت برتاح وبطمن بوجودك جمبي، بس مكنتش بسيب نفسى للإحساس ده عشان عارف إنه مينفعش.. يمكن كنت بحب غيرك بس بردو فرق السن بينا مخليني مش عاوز اظلمك معايا، أنا داخل على الأربعين وانتي لسة في العشرينات، ليه تربطي نفسك بواحد مش هتعيشي معاه شبابك …
لم تعي جيداء بنفسها وهى تصرخ بانفعال قائلة :
_ عشان بحبك، لو أقدر أكرهك كنت عملت كدة من زمان، بس أنا قلبي مش بإيدي .. تفتكر مكنتش بتعذب السنين اللي فاتت دي وانت مش شايفني ولا حاسس بيا، تفتكر محاولتش أبعد عنك أكتر من مرة لما كنت بتصدني وتجرحني بكلامك، تفتكر ده مكنش بيتعذب كل ليلة وبيقتلني معاه …
قالت جملتها الأخيرة وهى تضرب بقبضتها مكان قلبها بقوة، علها بذلك تخفف من حدة ألمه وانقباضاته ..
قبل أن تُنهى كلماتها، اصطف أسامة بسيارته حتى يستطيع تهدأتها، فالتقط يدها الحُرة بين راحتيه يُمسدها بلُطف قائًلا :
_ أنا آسف إني وجعتك للدرجادي ..
كانت دموعها تنهمر بتتابع على وجنتيها فامتدت يده القريبة منها تمسح وجهها برقة وكأنه يمسحها بأطياف روحه التي شعر بانفطارها لمُجرد رؤية دموعها والتي يراها لأول مرة طوال تلك السنوات، لذا قال بصوت صادق نبع من أعماق فؤاده :
_ تسمحي تديني فرصة تانية ..
ثُم تساءل بخوف :
_ ولا أنا مستحقهاش !
بقلب حائر يستمع إلى طرقات الحُب على بابه، وعقل تائه لا يستطيع التمييز بين الخطأ والصواب، وأعصاب مشدودة كأوتار قيثارة جديدة لم تلن بعد بين أصابع صاحبها، ابتسمت جيداء رغمًا عنها مُجيبة وهى تُغمض عينيها عنه وكأنها تُحاول منع صوت عقلها الرافض، قبل أن تقول بقلب مُعذَب مُشتاق :
_ للأسف تستحقها ..
*****************************
كانت الساعة قد شارفت على الثانية عشر مُنتصف الليل عندما ألقت شمس نظرة أخيرة على نفسها داخل المرآة تتفحص أناقة ما ترتديه وتتأكد من سلامة حجابها واعتدال تبرجها، وعقب انتهائها من ذلك قامت بمهاتفة زوجها الذى أخبرها منذُ نصف الساعة بأنه في طريقه إليها، إلا إنه لم يُجيبها تلك المرة ..
لقد استيقظت من نومها مُنذُ ساعة تقريبًا ولم تجده بجوارها فبحثت عنه لكنها لم تعثر له على أي أثر في أرجاء المنزل بأكمله لذا شعرت بالخوف يعتريها والقلق يتمكن منها إلا إنها سُرعان ما اطمأنت وهدأ بالها حين قرأت تلك الرسالة التي أرسلها إليها يُخبرها باضطراره للذهاب إلى مُقابلة عمل مُفاجئة لكنه سيحاول إنهائها مُبكرًا، وأن عليها الاستعداد والتأنق للخروج برفقته لحضور حفلة منتصف الليل في إحدى السينمات ..
سُرعان ما مرت الدقائق وشعرت شمس بالملل يُسيطر عليها من الانتظار عقب انتهائها من ارتداء ملابسها، لذا قررت التوجه إلى الشرفة لانتظاره، مُتمتمة وهى تنظر إلى ساعة الحائط المُعلقة :
_ كدة مش هنلحق السينما .. معرفش إيه اللي أخره ده كله ..
لكن قبل أن تطأ قدمها عتبة الشُرفة ارتفع رنين باب المنزل فقالت بصوت جهور وهى تُسرع إليه :
_ حاضر يامصطفى جاية أهو ..
التقطت حقيبتها على عجل من غرفة نومها وارتدت حذائها في نفس الوقت الذى تتابعت فيه الدقات بعُنف، فانتابها الهلع وتوجهت مُسرعة إليه وهى تُتمتم :
_ هو نسى مفتاحه ولا إيه .. أستر يارب ..
قامت بفتح الباب بملامح قلقة مُتوجسة قبل أن تقول دون أن تنظر إلى هوية القادم :
_ في إيه يامصطفى بتخبط كدة ليه إيه اللي …….
لكن توقفت الكلمات في حلقها عندما طلت عليها إحداهُن بوجهها باسمة، فتراجعت شمس إلى الوراء بفزع بعد أن تملكها ذلك الشعور بأنها قد رأت ذلك الوجه المألوف من قبل ..
تفتكروا مين اللي بيخبط ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)