رواية مصطفى أبوحجر الفصل الأربعون 40 بقلم آلاء حسن
رواية مصطفى أبوحجر البارت الأربعون
رواية مصطفى أبوحجر الجزء الأربعون
رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الأربعون
الفصل الأربعون
-٤٠- الختام
الوحدة والألم ..
وجهان لعملة واحدة في بعض الأحيان، فكُلما زادت وحدتك وانفرادك بذاتك كلما شعرت بألمك يتزايد ممن حولك خاصة عند ابتعاد من ظننته حقًا حُبًا، يُسيطر عليك الغضب والإحساس بالظلم والخُذلان من أقرب الناس إلى قلبك..
لكن في أوقات السكون عندما تهدأ ثورتك وتشعر بالضعف يُسيطر على كل جزأ بداخلك، في تلك اللحظة عندما تنتفض روحك لتنفصل عن جسدك وتقف على بُعد خطوات منك تتأمل كينونتك بحيادية بينما عقلك يبدأ بالتمعن في التفكير بذاتك مُستفسرًا .. لربما كُنت أنت حقًا الطالح الوضيع المُؤذِ الفاسد ليس فقط في روايتهم إنما بداخل روايتك انت أيضًا !!
أراد هو في البداية الانفراد بنفسه المُحطمة بعيدًا عن البشر مُعللًا ذلك بأن حياة الوحدة هي مصير كُل الأرواح العظيمة مثل خاصته، لكنه وجد نفسه بمرور الوقت قد أصبح نهمًا لوحدته يتوغل بها أكثر وأكثر خاصة بعد أن وجد بها ملاذه للاختباء بداخلها من قسوة النظرات المُشمئزة والألسنة التي قامت بذبحه دون رحمة عند سقوطه..
وبعكس ما توقع سُرعان ما تحولت تلك الوحدة هي أيضًا إلى وحش مُؤنب ينهش به بوحشية غير مُكترث بجرح قلبه الذى لم يندمل بعد، فكُلما فَتح صفحة من حياته باحثًا عن بذرة أمل بداخلها تُنبئه أنه لم يقترف خطأً، وجدها للأسف أسوأ من سابقتها مليئة بالشرور التي طالما أعتبرها هو سمة من سمات الإنسان الناجح ذات يوم ..
مرت أشهر الشتاء بثِقل على ذلك الجسد المُتهالك الذي لم يُبارح غرفة معيشته سوى لعدة ساعات من كُل أسبوع يتسلل ليلاً لشراء ما يلزمه من احتياجات لازمة للبقاء قبل أن يلجأ إليها من جديد بضعف وكأنها ملاذه الوحيد من قسوة العالم، عجز عن النوم بداخل غرفة نومه بعدما اعتاد على تواجد جسدها الدافئ بجواره ليلًا، عجز حتى عن الدخول إلي غرفة الصغيرة كي لا تقع عيناه على ألعابها المُلقاه في أركان الغرفة فيزيده ذلك حسرةً وقهرًا ..
لذلك كانت غرفة معيشته أخف وطأةً عليه من باقِ الغُرف، رغم أنها لم تتوان عن تذكيره كل فترة بتلك اللحظات التي قضاها فيها بصحبتها هي وابنتها أمام التلفاز، لحظات عبثهم وضحكاتهم المُجلجلة التي لم تنقطع سوى عندما بدأ هو بالانشغال بمصالحه التي لم تنته ..
فتلك هي الأريكة التي طالما جلسا فوقها بارتياح حيثُ كانت زوجته تميل برأسها مُستندة على كتفه بدلال ليشعر هو بالدفىء يُحاوطه بينما الصغيرة تجلس أرضًا أثناء تناولها وجبتها المفضلة ..
بالرغم من ذلك فتلك الغرفة أيضًا أيقظت بداخله كل ذكرى مُتعلقة بوقاحته وتجاهله لزوجته التي كادت أن تجثو إليه ذات يوم من فرط حُبها ترجوه لقضاء الليل بجوارها بينما هو تجاهل ذلك العديد من المرات مُنصرفًا إلى سهراته اليومية مُنشغلًا بمجده وشهرته ..
لذلك هو يجلس الآن .. اليوم .. الليلة .. وكل ليلة منذُ أشهر ..
يعيش حياة كاملة .. يغفو ويستيقظ ويتناول طعامه أعلى تلك الأريكة الجلدية التي تتوسط غرفة معيشته دون كلل أو أدنى شعور بالملل ..
لم يُثيره ولو للحظة تلك المُهملات وبواقِ الطعام أو أوراق الجرائد المُمزقة المُلقاه بجميع أنحاء الغرفة التي باتت أرضها خالية من أي موضع صغير لقدم..
هو من الأساس لم يهتم حتى بمظهره المُهمَل الذى طالما كان محط انشغاله الأول بالحياة ذات يوم، فلم ينظر إلى مرآته منذُ أشهر لذلك لم ير شُعيراته الطويلة المُشعثة ولا ذقنه البيضاء النامية والتي غطت مُعظم رقبته بشكل عشوائي وزادته كهولة …
أو لربما أنه وجدها وسيلة مُلائمة للتخفي عند التسلل ليلًا في بعض الأوقات مُتلحفًا بوشاح صوفي كي لا يتعرف عليه أحد، وهو الذى طالما تباهى بتواجده والإعلان عن كينونة شخصه أمام العامة ..
أما الآن أصبح الإفصاح عن هويته لعنة حقيقية يُحاول هو ألا تُصيبه عند خروجه من المنزل ..
وكيف له أن يتجاهل ذلك وهو لم يفتأ أن يتذكر تلك الليلة المشؤومة عِند مغادرته لتلك الندوة، حين توجه إلى منزله بغضب باحثًا عن هاتفه والذى وجده في استقباله أعلى الطاولة المجاورة لباب المنزل وبجواره ورقة بخط يد زوجته تحمل تلك الكلمات ..
(( عاوز تعرف حقيقتك !! ببحث بسيط على جوجل وهتقرا فضايحك بعنيك، هتلاقي كل واحدة ضحكت عليها وعشمتها بالحب، هتلاقي اعترافاتك كاملة في المحاضر بإنك بتسرق روايات غيرك، هتلاقي كُل حاجة كانت حلوة في عينك وانت بتعملها تقدر تشوفها دلوقتي بعد ما انقلبت عليك، ومتنساش تشوف الجرايد اللي سيبهالك في أوضة الليفنج …متمناش إني أشوفك تاني في حياتي حتى لو صدفة )) ..
زاد احمرار وجهه بحنق قبل أن يُلقى تلك الورقة أرضًا ويقوم بفتح هاتفه وهو في طريقه إلى غرفة المعيشة للبحث عن تلك الصحف التي أشارت إليها ..
وكأن الصُحف هي من وجدته لا العكس، ففي تلك اللحظة وماإن وقعت عيناه عليها بدت وكأنها تستقبله بوريقاتها المفتوحة على مصرعيها تدعوه إليها كي يقرأها جاذبة إياه بمغناطيس فشل هو في مقاومته ..
تسمرت عيناه على ذلك العنوان بالخط العريض ..
“مصطفى أبو حجر .. من أسطورة كاتب إلى حرامي روايات”
وآخر بصحيفة أخرى ..
” استغل قلوب الفتيات للوصول إلى الشهرة والمجد وقتل إحداهن كي لا يفتضح أمره.. مصطفى أبو حجر ”
وآخر …
” كاتب يستغل وسامته وكلامه المعسول للإيقاع بالفتيات …مصطفى أبو حجر يعترف بالسرقة وينفي القتل”
وخبر آخر مُزود بصور بعض الفتيات …
” تعرف بالصور على الكاتبات الأصليات لروايات مصطفى أبو حجر ”
وتصريح من على لسان منافس له طالما مقته ..
” مصطفى ابو حجر عار على المجال الأدبي ومينفعش نطلق عليه لقب كاتب هو حقيقته حرامي زيه زي حرامي الغسيل مش اكتر من كده والحمد لله إنه بان على حقيقته ”
استمرت عدستاه في القراءة بنهم وبسرعة مهولة قبل أن تقع عيناه على تلك الكلمات أسفل العناوين الفاضحة ..
((اعترافات آلاء …. سرق روايتي وضحك عليا وطلع عليا إني مجنونة بحُبه وبجري وراه عشان معرفش أثبت إنه سرقني .. ))
وبصحيفة اُخرى قرأ تلك الكلمات …
((من إحداهن دون ذكر الاسم … قالي إنه بيحبني ومعجب بيا وطلب مني أبعتله روايتي وبعديها عملي بلوك واختفى ولما حاولت أكلمه من حساب تاني هددني إنه هيبعت الكلام اللي بيني وبينه لأهلي عشان كده سكت .. ))
أما تلك الكلمات في حوار صحفي على لسان لينا الوهداني والتي علقت قائلة :
” بصراحة أنا اتصدمت من حقيقته ومن الأول مكنتش مطمناله بس هو اللي فضل يلح عليا عشان أعمل روايته فيلم واللي لحد دلوقتي معرفش مين كاتبها أو كاتبتها الأصلية، وغير كده كانت أخلاقه باينه أنه مش مظبوط لأنه على طول كان بيحاول يتقربلي رغم إنه متجوز بس الظاهر أنه افتكرني لقمة سهلة زي البنات اللي استغلهم وضحك عليهم، والحقيقة إني كنت فاهماه من اول لحظه قابلته فيها .. عشان كده ده تصريح مني باسم شركة الإنتاج إننا بنلغي أي تعاقد معاه وهندور على الكاتب الأصلي للرواية ونعمل معاه عقد جديد …
وأسم مصطفى ابو حجر هيتشال من أي نسخ للفيلم زي ماهيتشال من التاريخ كله ” ..
لم يشعر بحاله سوى وهو يُمزق تلك الصحف إربًا ويُلقى بها أرضًا بنفور قبل أن يقوم بفتح هاتفه لتتوالى الرسائل الإلكترونية إلى صندوق البريد خاصته فأسرع بفتحها على عجل يقرأها تِباعًا بعد أن انهار أعلى أريكته بضعف ..
لقد تنصل منه جميع معارفه وألغت دار النشر تعاقدها معه بالإضافة إلى ذلك العقد المُبرم حديثًا لفيلمه الجديد قد أُلغى هو الآخر كما الحال في عقود شركة الإنتاج الخاصة بالعاهرة الحمراء ..
وبعض الرسائل الأخرى تحتوى على مقاطع فيديوهات لنوال وآلاء وجميع من خرجن لكشف أسراره على الملأ، ومقالات الصحف الصفراء تُهول جميع ما قيل عنه لتزيده وصمًا وعارًا..
لقد انتهى …تحطم .. تناهت أسطورة مصطفى أبو حجر إلى الحضيض .. فاسمه الذي طالما حرص البعض على الالتصاق به طوال الوقت بعد أن عمل هو على بناءه وترسيخه طوال العشرون عامًا الماضية، انهار الآن على مرأى ومسمع من الجميع وأُتلِفت أساساته المُزيفة ليُصبح مصدر عار على أي شخص يقترن اسمه به، بل أصبح سُبة وخزي له هو أيضًا ..
فقد كان يأمل في نهاية سعيدة يختم بها قصته إلا أن نهايته لم يكن يتوقعها أو ينتظرها، نهاية كئيبة مؤلمة لا ينقصها سوى دق دفوف الموت ليتم إخراجها ..
*****************************
– “عندما تُدرك مقاصد القدر ..حينها لن تتوقف عن الابتسام” جلال الدين الرومي
تلك هي المقولة التي طالما حفظها واستعادها بداخل ذهنه العديد من المرات ساخرًا مُنتظرًا منها المثول أمامه على أرض الواقع كي يستطع الابتسام بعد كل ذلك الحزن بداخله، لكنه في كل مرة لا يلبث إلا أن يتجاهلها باستسلام مُصدقًا أن ذلك القدر الذى يُحاول إدراك مقاصده لم يمنحه يومًا فرصة مع محبوبته من الأساس !
لكنه اليوم يتذكرها ويبتسم ..
حقًا يبتسم من داخل تلابيب قلبه، لقد أدرك في النهاية مقاصد ذلك القدر، رغم كل تلك الآلام التي مرت به إلا إنه اليوم يستطيع أن يروي حلمه الذى تحقق، لكن تُرى هل فات الأوان على ذلك !
كان على الجهة اليُمنى من تلك الطاولة البيضاء التي تفصله عن شمس الجالسة أمامه على استحياء، بداخل إحدى الأماكن المفتوحة المُشمسة حيثُ انتهى فصل الشتاء بأعاصيره المضطربة ورياحه الحزينة وأمطاره الباكية وبدأ الربيع بهدوئه وسماحته يُرافقه بسمة الرضا و نضارة النسيان ..
تأملت حلته الأنيقة ورائحة عطره النفاذة التي ملأت انفها فأشرق وجهها الخَجِل مُحاولًا تلاشي الارتفاع بنظره كي لا تتلاق أعينهما، فتنحنح هو بالنهاية قائلًا بلهجة جدية :
_ مبروك نجاح روايتك ..
أجابته بابتسامة مُشرقة دون أن تنظر إليه :
_ الله يبارك فيك ..
ثُم أضافت مُداعبة :
_ مش هنحتفل ولا إيه ..
رمقها بنظرة طويلة قبل أن يستند بظهره على ظهر مقعده المُريح قائلًا بترحاب :
_ أكيد .. تحبي نحتفل أزاي ..
أجابته بنظرة خاصة اتبعتها بقولها ولمحة خفر تُزين محياها :
_ فكر شوية ..
اخفض انظاره عنها بتردد بعد أن فهم ما ترمي إليه فرغب في تغيير مجرى الحديث قائلًا وكأنه قد تذكر :
_ على فكرة أنا قابلت آلاء من فترة، بدأت ورشه كتابة وبتكتب في رواية جديدة حاليًا وشكلها بقى أحسن بكتير من قبل كده ..
تغيرت ملامحها إلى اُخرى تفضح غيرتها وهي تقول مُعلقة :
_ انتوا بيتقابلوا ؟
أجابها دون تفكير :
_ أوقات أنا وجيداء بنشوفها ..
انقلب وجهها بشكل واضح فور ذكر اسم تلك الاخيرة لكنها حاولت تجاهل ما اعتراها وقالت بابتسامة مرتعشة :
_ آه جيداء .. ياترى هنفرح بيكوا امتى ..
أشاح بنظره عنها دون أن يُجيبها فقالت هي بمكر :
_ الغريبة ياأسامة إن لا ماما وبابا ولا حتى اخواتك يعرفوا حاجة عن موضوع الخطوبة ده، هو انت عاملها في السر !
رمقها بنظرة طويلة استطاع من خلالها إدراك معرفتها بسره لذا قال بضيق واضح :
_ انتي كنتي محتاجاني في إيه ياشمس .. كلمتيني وقولتيلي في حاجة ضروري عاوزاني فيها ..
تحركت اهدابها بتسارع وابتلعت لُعابها بصعوبة قبل أن تنظر إليه قائلة بجدية :
_ أسامة انت اكيد لاحظت إن اللي قدامك دلوقتي مختلفة عن شمس القديمة اللي …
اخفضت نظرها عنه قائلة بخفوت :
_ اللي انت ممكن تكون حبتها في وقت من الأوقات ..
هز رأسه دون أن يُعلق وكأن هُناك مايمعنه فتجاوزت خجلها بسرعة مُضيفة :
_ انت شوفت اللي أنا اتعرضتله الفترة اللي فاتت، وعرفت اللي مريت بيه، عشان كده أنا قررت مبقاش تاني أبدًا ضعيفة أو بمعنى أصح هبلة ومش هسمح لنفسي إني أتجرح أو أتأذي تاني ..
رغمًا عن تجاهل قلبه وعدم رغبته في التعليق إلا إنه لم يملك سوى أن يتساءل وكأن تلك الكلمات ماهي إلا اتهام صريح له :
_ بتقوليلي الكلام ده ليه ؟
هزت رأسها مُعلقة بكلمات صريحة :
_ عشان أنا حاسة إنك انت اللي هتقدر تحافظ عليا ..
ثُم أضافت بجدية وهى تُطأطأ رأسها خجلًا :
_ أسامة انا مش هكابر وأعاند لأكتر من كدة ومش هغلط نفس الغلطة اللي غلطتها زمان وعدتها تاني من سنة ..
صمتت قليلًا قبل أن تُضيف وكأنها تستعيد ذكرى بعيدة :
_ مهما حاولت افتكر اللحظة الأولى اللي حبيتك فيها مش بقدر أعرف، واحترت كتير وقولت يمكن هي الدقيقة اللي اتولدت وفتحت عيني على الدُنيا لقيتك جمبي؟ ولا وانت جمبي بتمحيني وأنا طفلة ولسة بنلعب على سلم بيتكوا ؟ ولا وانت قدام عيني لما بدأت أكبر وانت تكبر ويفصلونا عن بعض ؟
تململ المُستمع في مجلسه وكأنه لا يرغب في سماع المزيد، فأخذ يعبث بشاشة هاتفه مُتصنعًا عدم الاهتمام في نفس الوقت الذي أردفت هي فيه :
كُل اللي فاكراه إنك لما بدأت تبعد عني ساعتها قررت إني اتجوزك في يوم من الأيام، مكنش حد كلمني عن الجواز ولا الحُب ولا عرفت معناهم، بس أنا اعتبرت نفسي إني خلاص هبقى مراتك وحبيبتك وعشت على الأساس ده مستنية اليوم اللي هتتحقق فيه أمنيتي، مكنتش بلعب مع البنات ولا بهتم باللي بيشغل البنات، كان في قلبي سعادة وفرحة تغنيني عن اللعب وعن تكوين صحاب، وكنت كُل مااشوفك وتتلاقى عنينا بحس كأني بتزف ليك والزغاريد حواليا صداها في وداني …
مكنش بيبقى في بينا إلا المقابلات الصغيرة دي، عنينا تتقابل في نظرة سريعة وإدينا تتقابل في سلام خفيف قصير، بس كان بالنسبالي دول بالدنيا ومافيها، ومكنتش ببقى عاوزة اكتر من كده ..
تسمرت عيناه عليها بعدما هاله ما تسمعه أُذناه، وكأنها قد عادت من جديد فتاه في العشرين من عمرها تبوح بحبها دون خجل أو تردد، وكأن الزمان لم يمر ويتكرر نفس الموقف من جديد، لكنه حقًا تلك المرة وبخلاف سابقتها لم يدرِ بما يُجيبها لذا فضل الصمت في نفس الوقت التي قالت هي فيه بعدما رفعت أنظارها إليه ومدت أصابعها تتلمس خاصته بدفيء مبتسمة كقطعة السكر التي تذوب خجلًا :
_ مش شايف إن آن الآوان عشان ناخد الخطوة اللي اتأخرنا فيها سنين !
لقد علم مقصدها وفهم مرماها من قبل أن تُكمل كلماتها، لكن هل هذا حقًا ما يريده الآن ! في تلك اللحظة التي تمتثل هي أمامه طوعًا لأمره عازمة على تلبية رغبته التي ألح عليها ومانعتها هي مرارًا من قبل، هل هو واثق بأن ذلك ماسيُريح قلبه ويُعيد إليه سكينته !
هل لازال يُحبها أم … !
رغمًا عنه قفزت أُخرى على ذاكرته، أُخرى لا تستحق أن تُقابل بالخيانة، أُخرى ضحت وأعطت دون مُقابل، أُخرى ليس من العدل أن لا تجني في النهاية سوى الألم والحسرة، أُخرى أحبته بقلب اُم صادق حنون لم يبغ يومًا سوى راحة باله وهدوء نفسه ..
أُخرى لم يكن يعلم أنها تقف على بُعد عدة خطوات منه تّطالع ذلك المشهد بأعين جامدة لا تقدر على الحِراك، ترى الأصابع وهي تتماس وتقترب بغير وعي راغبة بشده في التعانق وكأن صاحبيهما في موعد غرامي لا يعكر صفوه شيء، وكأنها عيني قلبها الذى تتابعت دقاته ومع كل دقة وُلدت شرارة ..
لقد انهار الدير بداخلها وتساقطت أقنعة القديس المُتربع داخل معبده، وفي تلك اللحظة التفتت بعينيها صعودًا إلى تلك اللافتة الإعلانية التي يُضيئها نور النهار الساطع، استطاعت وعلى بُعد عشرات الأمتار رؤية ذلك الإعلان الخاص برواية تلك الجالسة برفقة قديسها ..
قرأت اسم كتابها بداخلها دون أن تنطق، وكأن كل حرف به يُشعل نارًا بداخلها ..
((كلهم مصطفى ابو حجر ؟))
دون أن تشعر هزت رأسها بالموافقة من غير أن تنبس ببنت شفة وكأنه سؤال مُوجه إليها، في نفس الوقت الذى تتابعت فيه دمعاتها بحسرة وانهالت أعلى وجنتيها بينما بداخلها يحترق ويتحول إلى رماد ..
تمت بحمد الله
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)