رواية مرسال كل حد الجزء الثاني الفصل السادس 6 بقلم آية السيد
رواية مرسال كل حد الجزء الثاني الجزء السادس
رواية مرسال كل حد الجزء الثاني البارت السادس
رواية مرسال كل حد الجزء الثاني الحلقة السادسة
الفصل السادس
اتقدمت ناحيته وأنا مش فاهمة حاجة بسأله باستغراب: أنت بتتكلم عن ايه؟
بصلي بنظرات استحقار لوهلات وبعدين رمى الدفتر في الإرض وخرج بر الإوضة, نظراته لي كانت غريبة وموجعة في ذات الوقت مكنتش فاهمة ليه كان بيبصلي كدا لحد ما أخدت الدفتر من علي الإرض واكتشفت إنه قرأ الرسالة الي أنا كنت كاتبهلك, خرجت بر أوضتي وروحت علي أوضته بس هو قفل الباب في وشي مخلنيش أدخل حاولت أكلمه من ورا الباب وأفهمه كتير إنها كانت مجرد رسالة وهمية كتبتها في وقت كنت محتاجة فيه لحد يسمعني بس مكنش قادر يصدقني وكان بيسألني: وليه تكتبي لواحد تاني وتشكيله؟ واحنا معاكي وحواليكي ليه قررتِ تشكيله هو مش بابا؟
سكت وقتها ومقدرتش أرد, مكنش ينفع أقوله إن هو نفس أبوه الي اضطرني أكتب رسالة وهمية لحد تاني, في الوقت الي حسسني فيه بأني نكرة ولا شيء يذكر علشان كدا خاني معها واتجوزها كمان بدون ما يعمل اعتبار لمشاعري مكنش ينفع أقوله إن أبوه هو نفس الشخص الي اديتله كل ثقتي وخانها في النهاية مكنش ينفع أقوله إني لما كنت في أشد احتياجي له كان هو مع وحدة تانية مكنش ينفع أخلي ثقته بأبوه تهتز مكنش ينفع أشوه الصورة العظيمة الي كان رسامها لباباه, هو كدا كدا فقد الثقة فيّ أنا ومهما حاولت أوضحله مكنش هيصديقني فعلشان كدا كنت خايفة إنه يعرف حقيقة باباه ويفقد الثقة فيه هو كمان فتجيله صدمة عصيبة أو يهرب من البيت ويتشرد. علي الأقل لو كبر من غيري هيكبر بين ايدين باباه.
ووقتها لما ملاقش مني رد غير الصمت كمل وهو بيقول: أكيد فيه بينكم حاجة وأكيد مش دي الرسالة الوحيدة. أنا بس دلوقتي فهمت ليه بابا سابك, أكيد علشان أكتشف إنه كان مخدوع فيك الوقت ده كله.
كلماته كانت بتجرحني أوي والي كان بيجرحني أكتر إني حتى مش عارفة أرد, كنت خايفة أخسر ابني لو عرف حقيقة باباه من ناحية شايف أمه بتكتب لحد غريب ومهما حاولت أوضحله إنها رسالة مكنتش هتتبعت أصلا وإنها الرسالة الوحيدة وإن كتبتها في وقت كنت فاقدة فيه لكل شيء مكنش هيصدقني, وحتي ولو صدقني صورتي قدامه اتهزت خلاص لأن الأسم إني بكتب لراجل غريب في الأخر, وطبعا مكنش ينفع أزيد الطين بلة وأقوله حقيقة باباه وقتها كنت هخسره فعلًا. قاطع وقتها صمتي وهو بيخبط علي باب أوضته الي كان واقف وراه وهو بيقول: طب قولي أي حاجة, أنتي ساكتة ليه؟ قولي إن كل الي بقوله ده كذب. قولي إني فاهم غلط, أرجوك يا أمي قولي إني فاهم غلط, متخلنيش أبعد عنك, أنا محتاج أبقي جمبك.
سكت وأنا بحاول أكتم دموعي, كان نفسي أخده في حضني وأقوله إن كل الي فاهمه ده غلط بس كان هيفضل يسأل ليه ومش ليه لحد ما يعرف حقيقة باباه, ولما صمتي طول سمعته وهو بيقول بيأس: متصورتش إنه هيجي اليوم الي هكرهك فيه بمقدار حبي لك.
دموعي زادت من غير ما أحس, وقع كلماته علي قلبي كان زي الصاعقة تمامًا, الحاجة الوحيدة الي كنت عايشة علشانها هي كمان خسرتها خلاص. قومت من مكاني بخطوات متثقلة ودخلت اوضتي واترمت علي السرير بكتم صرخات دموعي بين الوسائد لا أنا قادرة أعلي صوتي ولا قادرة أحرره من تكتمه زي مانا مش قادرة أحرر النار الي جو قلبي. من كتر الانهاك والعياط نمت ومفوقتش إلا عالساعة 2 بليل قومت بسرعة من عالسرير علشان أشوفه بس ملقوتهوش في أوضته ولقيت دولابه فاضي وشنطة سفره مش موجودة, كنت هتجنن.
نزلت أدور عليه في الجنينة والشارع زي المجنونة وحتي مانتبتهش إني كنت ماشية في الشارع حافية, فضلت أدور لحد ما جه في بالي أروح لباباه هو أكيد راحله وفعلًا روحلته واكتشفت إنه كان هناك, بمجرد ما باباه فتحلي بصلي مستغرب هيئتي الي مش متعود عليها, شعري مبهدل ونازلة بهدوم البيت وجاي كمان حافية, كان بيبصلي بنظرات شفقة وهو بيقولي: دينا؟..ا..ادخلي واقفة عندك كدا ليه؟
“أنا مش عايزة أدخل أنا عايزة ابني, هو هنا مش كدا؟ قولي إنه هنا أرجوك.”
“هو.. هو فعلًا هنا من الساعة 9 بليل جالي ومعه شنطة هدومه ولما حاولت أسأله عن السبب, تجاهلني ودخل أوضته ورتب هدومه في الدولاب وبعدين نام علي السرير واتغطي باللحاف وبصلي وقالي: أنا خلاص قررت أعيش معاك بس مش لازم تسألني ليه إلا لو أنت مش حابب وجودي فوقتها أنا ممكن أسيب البيت وأمشي بهدوء. قال كلامه الأخير واتغطي باللحاف ونام ولسه مصحيش لحد دلوقتي.
سألته وأنا جسمي بيرتعش ومش قادرة اتحكم في نبرة صوتي الي بترجف وعياطي الي مش راضي يقف: هو..هو ينفع أشوفه؟
“دينا هو أنتِ كويسة؟”
“ينفع أشوفه؟”
بصلي بملامح استفهام وهو بيقول: أه, أه طبعًا اتفضلي.” قال كلامه الأخير وهو بيفتحلي الباب علي الأخر علشان أدخل, علي الرغم إني مكنتش ناوية أدخل البيت ده تاني بس مكنتش قادرة مأشوفهوش أو أودعه اللقاء الإخير يمكن متصحليش الفرصة الي تخليني أشوفه تاني.
طعلت علي أوضته ودخلت بهدوء, حبيبي كان نايم لسه, اتقدمت ناحيته, ضمته أوي وكأني مشوفتهوش من سنين أو كأن قلبي حاسس إنه مش هيشوفه لسنين. قبلت ايديه وبين عيناه وأنا ماسكة ايده مش راضية أسيبها مش متخيلة إني مش هشوفه تاني. باباه كان واقف عند الباب وهو بيبصلي باستغراب وعلامات استفهام كتير مش لاقيلها جواب. قومت بس قبل ما أقوم حضنته للمرة الأخيرة لما بدأت أحس بحركته, خرجت بر الأوضة وقفلت الباب وبعدين بصيت لباباه وانا بقوله: ينفع تخلي بالك منه, خليه ديما أول أولوياتك وعوضه بالحب الكافي الي يغنيه عن وجودي, هو في أمس الحاجة لك, متنشغليش عنه حتى بشغلك هو بحاجة لحبك ولاهتمامك ووجودك أكتر من فلوسك, وبغض النظر عن أي أولويات تانية في حياتك معلش متظلمهوش أو تجي عليه علي حساب الالويات دي, أنا سايبة معك حياتي كلها بين ايدك.
بصلي بملامح استفهام ممزوج بالاستغراب بيسألني: دينا أنت كويسة؟
سكت ومردتش فكمل: ايه الي حصل خلاكي تسيبه كدا او حتي هو فكر يسيبك؟ ده في اليوم الي قرر فيه إنه يجيلك مكنش قادر يستني للصبح وخلاني أوديهولك الساعة 12 بليل, أكيد فيه حاجة أنا مش فاهمها.
“مفيش زي مانت احترمت رغبته إنه يكون معي أنا كمان احترمت رغبته فأنه يكون معك مينفعش نجبره علي حاجة هو مش عايزه.”
“بس أنا ليه حاسس إن الموضوع أكبر من كدا؟”
“مش ديما الاحايسس بتطلع صح, بصراحة هي عمرها ما كانت صح معي أنا بالذات كل مرة بقرر فيها أسيب عقلي وأمشي ورا احساسي كنت باخد علي دماغي في الآخر.”
سكت وميل راسه بأسي وبعدين بصلي وهو بيقول: يمكن علشان بتفقدي الثقة في احساسك في الوقت الي المفروض كان تثقي فيه وتصدقيه.
“طب مانا وثقت وايه الي حصل؟ خسرت كل حاجة بما فيهم ابني.”
“صدقيني كنت اتغيرت خلاص, كنت حبيبتك ولسه بحبك بس انتي مش راضية تتديني الفرصة الي اثبتلك فيها ده, دينا انا لسه عايزك, ولسه مستينك تتدني الفرصة الي اثبتلك فيها إني اتغيرت فعلا علشانك, انا تفكيري كله بقي منحصر فيك.”
“مانا عطيتك فرصة وايه الي حصل؟”
“استغلتها بس اتعاقبت علي أخطاء الماضي بعد ما اتعلقت بكي, ولسه متعلق بكي.. اديني فرصة ارجوك وادي لابننا فرصة إنه يكبر بينا.”
مكنش ينفع قلبي يلين بس منكريش إني كنت عايزة اديله الفرصة دي بس ازاي وابني مفكريني خاينة, ازاي هرجع وابني بيبصلي بنظرات احتقتار, بس حتى ولو ابني تقبل وجودي بينهم انا ايه الي يضمنلي إني لما أرجع أثق فيه تاني مش هيكسرني تاني؟
لحد ما قاطع شردوي وهو بيقول: ولو خايفة بخصوص ريما فصدقني مبقاش لي بها أي صلة وانفصلنا في نفس الشهر الي انفصلت فيه عنك, لأني مكنتش قادر أعيش معها وأظلمها أكتر وأنا لسه بفكر فيك وهي وقتها فهمت ده ولما جيت قولتها قالتلي إنها كانت عارفة وحاسة إن تفكيري لسه معاكي وإنها حاسة إني هجي في أي لحظة وهطلب الانفصال, ومن يوم ما انفصلنا وأنا معرفيش عنها حاجة صديقني.
كنت خايفة ومترددة بس نظراته ورجائه وكل حاجة كانت بتدل إن صادق في كلامه وكنت خلاص هضعف وعلي وشك إني أقوله موافقة, بس فجأة فونه رن ولما طلع الفون وبص عالرقم انتبهت إنها هي, مشيت بسرعة من عنده وأنا مش قادرة أتخيل إني كنت علي وشك إني أثق بواحد غشاش وخاين زيه تاني, حاول يلحقني بس طلعت علي أول الطريق وكان زحمة بالعربيات وهددته إنه لو حاول يقرب مني أنا هرمي نفسي قدام أي عربية, خاف وتراجع ومشيت بوجع قلب أكبر من الي قبله. ده كان آخر لقاء لي به وبابني لأني من يومها ومن حوالي تلاتين سنة تقريبًا لا شوفته ولا شوفت ابني تاني, سبت باريس خالص وسافرت هولندا لحاتم بس للاسف حاتم كان معظم اليوم في شغله وكنت حاسة إني شخص غير محبذا لزوجته ولأولاده , فسبت البيت عندهم وقررت أخد بيت قريب منهم بحيث أطمئن عليهم كل شوية قعدت حوالي سنة كدا وأنا لسه حاسة بنفس الاحساس ده غير إن علاقتي بأولاده بدأت تتحسن شوية بس مامتهم كانت طول الوقت بتكرهم فيّ وكانت ديما بتغذي عقل أخوي إني جيت بعد كل السنين دي بسأل عليه لمجرد إني عايزة أشاركهم ميراثه خصوصًا إنه معندوش غير بنتين بس, أنا عمري في حياتي ما تخيلت إن دي الصورة الي ممكن تكون شايفني بها, أنا مكنتش علي اتصال وثيق به بس أنا فعلًا كنت جاية أعيش معه لمجرد إني أتخلص من شعوري بالوحدة مكنتش حابة أعيش لوحدي وأنا ماليش أي حد في الدنيا, بس وجودي كان مسبب مشاكل لأخوي مع مراته فسبتهم مكنش ينفع أفضل وأكون أصل المشاكل في أسرته, مشيت وأنا لأول مرة أحس بالمعني الحرفي والشعوري لكلمة مقطوع من شجرة , كنت فعلا شبه غصن الشجرة الي اتقطع وجف ومات بعد ما انقطع عنه سبل الحياة الي كانت بتوصله من الشجرة, مكنتش عارفة وقتها أرجع مصر ولا أرجع فرنسا تاني بس ابني كان واحشني أوي كان نفسي أشوفه ولو لمرة واحدة وبسبب شوقي له رجعت تاني لفرنسا, استينت الفترة الي باباه بيبقي فيها في الشغل لأني مكنتش حابة يحصل أي تصادم بينا أو مقابلة, ورغم كدا برضو مكنتش عارفة ردة فعل ابنى هتكون ايه بس كنت علي أمل إن الايام دي كلها الي بعدتنا عن بعض تكون ولدت في قلبه الشوق الي يخليه يلين ويحن لي بس للاسف لما روحت اكتشفت إنهم عزلوا من أكتر من تلات شهور, حاولت أعرف فين بس معرفتش, فضلت في فرنسا في بيت أبوي عايشة علي ذكرياته وذكريات ابني.. سكتت شوية وبعدين كملت: وأوقات تانية كنت بهرب لذكريتنا سوي ومع جدو هادي, مكنتش أعرف إنه هيوحشني كدا, كان مهوني علي كتير كان ديما بيحسسني إني حفيدته ومفيش فرق بيني وبينك في المحبة. معه حسيت بجو ودف العيلة الي كنت محرومة منه من سنين بسبب انشغال بابا طول الوقت زي مانت كمان كنت بتمثل جزء كبير من عيلتي أوقات كتير كنت بتمني إن مشاعري ناحيتك تفضل زي ماهي علي عهد الطفولة من غير ما أحبك بشكل تاني علي الأقل كنت هحتفظ بك كأخ أو كعيلة, بس تجري الرياح بما لا تشتهي السفن للاسف مش ديما بنعرف نختار نحب مين ونكره مين, يمكن لو كان عندنا القدرة علي التحكم في الحب مكنتش عشت تلاتين سنة في وحدة تامة. في التلاتين سنة دول حاولت فيها نفسي بالشغل والصحاب بس الشغل كان بيكبر واصحاب المصالح هم كمان كان بيكتروا زي ما وحدتي كانت هي كمان بتزيد ومن كتر وحدتي وعيشتي بين أربع جدران دخلت في نوبة اكتئاب حاد كانت بتجيني ن فترة للتانية, عشت فترة علي المهدئات والمسكنات بس كانت من غير فائدة, كنت ديما بظهر قدام الموظفين بشكل جاد وحازم في فترة الشغل وناس كتير كانت شايفني شخصية ناجحة وناضجة وكانت بتتمني إنها تكون زيي بس لما كنت برجع للبيت كنت بتحول لشخص تاني شخص تاني معرفهوش حاول ينتحر عشر مرات خلال الفترة الي فاتت ولما كنت بصحي الصبح وبلاقي نفسي لسه عايشة كنت بحس بمشاعر كتير متلغبطة مشاعر من ناحية ازاي فكرت أعمل كدا ومشاعر تانية ليه ممتش مش كان زماني ارتاحت بس كان بتجي مشاعري تالتة وأنا ايه الي يضمنلي إني كنت هرتاح وانا ميتة علي ذنب كبير, مكنتش عارفة اعمل ايه كنت حاسة إني هتجنن. ميتة بس مرغمة علي الحياة, كنت كل مرة بحاول انهي فيها حياتي كان بيحصل معي نفس السيناريو لحد ما في آخر محاولة لي أنقذني واحد من الغرق, وبعدها بكام يوم جه زارني علشان يتطمن علي ووقتها قالي: أوقات كتير بتضيق علينا الحياة للدرجة إننا بنفكر إن مفيش مخرج ولا طوق نجا كأن النار حاوطتنا من كل حتة للدرجة إننا ممكن تهون علينا نفسنا ونحكم عليها بالموت والصلاحية دي مش في ايدنا أصلا علشان النفس دي مش بتاعتنا هي بتاعة الي خلقها وبس, أنا معرفيش أنتي مريت بايه ومقدريش أحكم عليك بس الي عايز أفكرك به ديما إنه لا مفر لنا من الله إلا إليه هو الوحيد الي لو لجأتي له مستحيل يخذلك, هو الي وعد إن مع كل عسر يسر فأحسنى الظن به وقربي منه وادعي كتير بس خدي بالاسباب, لربما يكون الي وصلك للحالة دي سبب نفسي أو جسدي محتاج يتعالج, خدي بالاسباب وروحي للدكتور وخليك قريبة ديمًا من ربنا. مقدريش أقول إن كلامه مر علي مرور الكرام بالعكس كان له أثر مهم في حياتي وقررت أخد خطوة جدية وأحاول أصلح من حياتي, روحت لكذا دكتور نفسي بس فشلوا زي الي قبلهم, يمكن لأن علاجي كان بسيط ومكنتش محتاجة لأكتر من وجود عيلة أو حد جمبي. بطلت فكرة الدكاترة بعد عشر سنين من التعب معهم واللاشيء , مر الوقت وأنا زي مانا كنت بحاول اشغل وقتي باي حاجة رياضة, شغل, أي حاجة بس كنت مهما حاولت أشغل نفسي في طول اليوم كان بيرجع الليل يرجع كل أحزاني تاني, لحد من حوالي شهر اكتشفت إني عندي مرض أطباء كتير عجزوا عن تشخصيه لحد ما أخيرا دكتور فيهم قدر يحدده وقالي إن المرض ده نادر جدا وإن كل الاشخاص الي أصيبوا به معيشوش لفترة طويلة وإني أتوقع موتي في أي لحظة بصراحة أنا مزعلتش لما عرفت الخبر كنت حاسة إنه رحمة من ربنا علشان أنهي الحياة الي أنا مش قادرة أتحملها بسرعة, بس أنا كل خوفي مكنش إلا أني أموت لوحدي بدون ما حد يحس بي, كنت خايفة جثتي تتعفن ويتأففوا من حملها ودفنها في التراب وكنت خايفة يرموني لأي مشرحة أو مكان نايء ويدفنوني بعيد عن بابا علشان كدا رجعت مصر, رجعت وأنا عندي أمل إني أقلايك لمجرد إني أعيش ايامي الأخيرة وأنا مطمنة إني لو مت هلاقي إلي هينتبه علي جثتي قبل ما تتعفن ومش هيتأفف من حملها, أنا عارفة إني وجودي هيضايق مرسال وطبيعي تتضايق لأني أكيد لو مكانها هحس بنفس الاحساس فعلشان كدا أنا مش جاية أكتر من أني أشوفك وأطلب منك إنك تجي تتطمن علي وجودي ما بين الحين والتاني بس متطوليش الغيبة يا حد محدش عارف دلوقتي هنا وبكرا فين؟
قاطع كلامها بملامح مزجها الاستياء وبنبرة مالها الحزن وكنت ملاحظ رعشة ايده وهو بيقول: ينفع تبطلي كلامك ده, لأنك إن شاء الله هتخفي وتعيشي وكمان يعني أنا مش فاهم ايه جحودك ده ازاي لما تجي تشوفني بعد كل السنين دي كلها تجي علشان تودعيني ثم مين قالك إني هسمحلك ترجعي تعيش لوحدك تاني وبعدين هو أنتي مرسال علشان تقرري عنها هي هتضايق ولا لا, ثم أنا عارف مرسال كويس وصدقني مش هتضايق من وجودك.
ابتسمت ابتسامة خفيفة متخللها مشاعر كتير مختلطة وهي بتقول: أول مرة بشوفك بتكدب بعد العمر ده كله.
وفجأة قبل ما حد ما يرد دخلت مرسال الاوضة وهي بتقول بنبرة مزجها السخرية والانزعاج: أوه آسفة إن كنت قاطعت عليكم جوكم الشاعري الجميل ده.
كنت ملاحظ علي دينا علامات الخجل الي تخللت ملامح وشها وايدها الي كانت بترتعش وهي ماسكة ايد بالتانية بتحاول توقفها وبنبرة متقطعة بصت لحد وقالته: أ..أشوفك في وقت تاني.. وبعدين بصت لمرسال وهي بتقول بنفس النبرة المتلعثمة: ش..شكرا علي استضافتك في بيتك.. قالت كلمتها الأخيرة وخرجت بر الاوضة بتسابق خطواتها , حاول حد يوقفها وهو بينادي عليها: دينا استني.
مردتيش عليه ومشيت, أنا كمان خرجت بر أوضتي بسرعة أشوف الي هيحصل لأنهم خرجوا بر الاوضة فمبقتش قادر أشوفهم, ولما خرجت لقيت حد موقفها في الجنينة وهو بيقولها: أنا مش قلت إنك مش هتمشي.
“حد أرجوك متصعبيش عليّ الأمور أنا يستحيل أفضل في مكاني يتبصلي فيه نظرة مش كويسة علشان أنا حقيقي تعبت.”
“دينا اسمعي أنا عارف إن كلام مرسال ضايقك بس هي متقصديش صدقيني أنتي عارفة كويسة قد ايه هي شخص عفوي بس طيبة جدا, ثم قوليلي كدا هتروحي تعيش فين؟! في بيت أستاذ أحمد الي مهجور من عشرات السنين وبعدين هتعيشي ازاي في البيت ده كله لوحدك؟”
ردت بابتسامة بتحاول تخفي بها الدموع الي كانت في عيناها بتقول: متقلقيش أنا اتعودت خلاص ومبقتاش مشكلة بالنسبالي أنا بس زي ما قلتك مش عايزك تنسي تجي تطمن عليّ من وقت للتاني.
“ده لو كنت هسيبك تمشي من الاساس.”
“حد أرجوك متكونيش نقطة تحامل علي أنا مش عايزة أقعد هنا خليني أمشي كدا هأكون مرتاحة أكتر في آخر أيامي بدون ما أحاول أبرر لأي حد حسن نيتي.”
“بس…”
“أرجوك.”
سكت وهو بيبصلها بألم وبعدين لف وشه عنها وهو بيقولها بنبرة استياء: اعملي الي أنتي عايزه طول عمرك وأنتي مش بتعملي غير الي في دماغك وبس.
كانت بتبصله بنظرات ماليانة حسرة مقدرتيش أفسرها , خرجت بر البيت وركبت العربية الي جات بها ومشيت بعد ما عطيت لعربيتها الأوامر إنها تمشي. خرجت مرسال لحد وهي مضايقة وقبل ما تتكلم بصلها حد بنبرة حملت العتاب وهو بيقول: ليه كدا يا مرسال؟
“هو ايه ده الي ليه؟ أنت كمان شايف إن أنا الي غلطانة مش أنت؟”
رد بنبرة هادية مزجها اللوم والعتاب: مكنش فيه أدني داعي إنك تقوللها كلام مالوش لازمة.
“قصدك ايه بكلام مالوش لازمة؟ حد أنت بتعاتبني علشانها؟ يعني أنا مش فاهمة كنت عايزني أقول ايه وأنت قاعد مع الهانم أكتر من ساعة لوحدكو.. أوع تقولي إنك كنت عايزها تعيش معنا؟”
“وفيها ايه؟”
“لا أنت كدا بتهرج بقي, مين دي الي هتجي تعيش معنا وبصفتها ايه؟”
رد حد ولأول مرة أشوفه بيتكلم بعصيبة وهوبيقول: بصفتها بنت الراجل الي اخدني من الشارع و أنا مشرد, بصفتها عيلتي الأولي الي كانت ديما معي وبتدعمني, بصفتها أختي وبنتي الأولي يا مرسال, و مش معني إن مشاعري ومشاعرها كانت مختلفة يبقي مشاعري ناحيتها تختفي, محدش بينسي عيلته ولا بيكرهها وهي كانت عيلتي قبل ما تكوني في حياتي.” قال كلامه الاخير ودخل البيت متعصب لأول مرة أشوفه بالشكل ده, كنت حاسس إنه علي تكة ودموعه تنزل بس كان بيخفها بعصيبته, مرسال كانت واقفة في مكانها مصدومة مش قادرة تستوعب كلامه, قعدت مكانها في الارض واتقوقعت في نفسها, حاولت أهديها بس رفضت وجودي جمبها, دخلت البيت وانتبهت علي نور المكتبة منور, ولما بصيت لقيته هو كان قاعد علي الكرسي الي بيقعد عليه ديما علشان يقرأ بس المرة دي مكنش بيقرأ, كان مميل راسه وحاطط ايده علي وشه وأنا شايف لحيته اتبللت من دموعه, كانت المرة الأولي الي بشوفه فيها بيعيط معرفيش ايه الي خلاني أدخل بس لقيت شعور غريب بيشدني ناحيته لحد ما وقفت قدامه وضمت راسه لي وأنا بمسح علي شعره من غير ولا كلمة, هو كمان متكلميش ودثر راسه فيّ تحت أسفل صدري بمحاذة موضع جلوسه, كنت بشوفه للمرة الأولي الي بيتخلي فيها عن وقاره وبيتحول لطفل بيعيط , فضل يعيط بدون ولا كلمة لحد ما باشر في الكلام وهو لسه ضامنني بيقول: أنا السبب, أنا الي خليت حياتها بالجحيم ده, مكنتش أعرف إن أنانيتي هتأذيها بالشكل ده.
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مرسال كل حد الجزء الثاني)