روايات

رواية مرارة العشق الفصل الثالث 3 بقلم دندن

رواية مرارة العشق الفصل الثالث 3 بقلم دندن

رواية مرارة العشق الجزء الثالث

رواية مرارة العشق البارت الثالث

مرارة العشق
مرارة العشق

رواية مرارة العشق الحلقة الثالثة

مَرَّت عِدَّة أَعوَام وسنوات تَغيرَت بِهَا كثيرًا مِن الأشْياء ، اِسْتيْقظ رَاسِخ على قُبلَة مَياسِين الرَّقيقة ، نَضِر لَهَا بِحبٍّ وابْتَسم ” قَلْب حَبيبِك ، فَايِقة تشْتاقين عليْه ”
ضَحكَت بِدلال قَبْل أن تَنظُر لَه وَتغمِز بِمَرح ” عُمْر حبيبَتك أَنْت يَلِي لَازِم يَفُوق اليوْم عِيد مِيلَاد خُلُود ”
اِبتسَم لَهَا قَبْل أن يَنهَض لِلْحمَّام بِكَسل مِن ثمَّ نَهضَت هِي اَلأُخرى أيْضًا ونزلتْ لِلْأسْفل ، كان فَارِس يَجلِس رُفقَة أُخْتِه على الأريكة يحْتضنهَا بِقوَّة وَحَنان وَقَال ” أَحلَى عِيد مِيلَاد لِأحْلى خُلُود فِي الدُّنْيَا ”
اِبْتسَمتْ لَه بِمَرح ” رَبنَا يُديمك لِيَا يَا قَلْب أُخْتِك أَنْت ” اِبتسَم لَهَا بِحنان وقبْل رأْسهَا ، نَزلَت والدتهَا واحْتضنتْهَا بِالْمثل تبارَك لَهَا عِيد مِيلادهَا الثَّاني عَشْر وَكذَلِك والدهَا . بعْد مُدَّة كان اَلجمِيع يلْتفُّون حَوْل مَائِدة الطَّعَام يُخطِّطون لِحفْلة عِيد مِيلَاد خُلُود
بَعْد اِنتِهاء اَلفُطور أَصبَح اَلجمِيع يَعمَل على قدم وَسَاق لِترْتيبات الحفْل وَزِينَة اَلمنْزِل ، كَانَت الصَّغيرة خُلُود تَلعَب بيْنمَا جَدتُها فِي جَلسَة الحديقة مع وَالدِها يتحاورون ، نَضرَة إِلى خُلُود ثُمَّ حَولَت نظراتهَا إِلى اِبنهَا وقالتْ بَعْد أن هَمسَت بِأذنه ” اليوْم ذِكْرى وَفَاة صَابِرة ”
حَدَّق بِهَا وَقَال بَعْد أن أَغمَض عُيونه بِأَلم ” عَارِف يَا مَامَا ، هُروِّح أزورهَا ”
اِبْتسَمْتُ بِودٍّ وقالتْ ” دَوْر على بِنْتِك ”
حَدَّق بِهَا بِنَدم وَقَال ” قَلبَت عليْهَا البلد كُلهَا ، مش عَارِف هِي فَيِن ”
نَضرَة بِأَسى على حَالِه وقالتْ ” خُلُود لَازمَهَا أُختَهَا عشَّان تعيش ، يَا تَمُوت وَتَسبنَا ”
أَغمَض عُيونه مُتذكِّرًا آخر كلمات تِلْك الصَّغيرة ” هِيجي يَوْم وَزِي مَا إِتْرجيتْك تُتْرجاني ” بِالْفِعْل الآن حَيَاة اِبنتِه الصَّغيرة مُتَوقفَة عليْهَا ، حَيَّت كان لِلْقدر كَلِمتَه وفعْلا الآن هُو يَقِف على وُجودِهَا ، لَكِن أَيْن هِي ” فَتْح عُيونه بِإرْهَاق مِن إِحسَاس الذَّنْب ، والنَّدم ، نعم قسَى عليْهَا وَعلَى والدتهَا اَلتِي أَرَاحهَا اَللَّه مِن اَلوُجود ، لَكنَّه فَرْط فِي أَغلَى مَا اِمْتلكتْه صَابِرة وَهِي زُمُرد
نَضِر إِلى والدَته وَتَنهَّد بِنَقل ، ” كان عِنْدهَا حقٌّ ، محْتاجهَا الآن عُشَّان خُلُود تعيش ” أَمَات بِرأْسِهَا بُحيْرَة وقالتْ بِشرود ” يَا تُرَى هِي فَيِن الآن ” ثُمَّ اِسْترْسلتْ بِجدِّيَّة بَعْد أن نَضرَة لَه ” يُوسُف كان بِدَور عليْهَا ”
ردٌّ عليْهَا بِثبات ” فِعْلا يُوسُف بِدَور عليْهَا ، لَكِن مِش لَاقَى مَعلُومة عشَّان يُوصِّل لَهَا ، لََا اِسْم ولَا نِسب ، لََا عَارفِين أَنهَا حَيَّة أو مَيتَة ”
رَبتَت على كَتفِه مُوَاسيَة لَه وقالتْ بَتقَة عَالِية ” لَو على زُمُرد أنَا مُتَأكدَة أَنهَا حَيَّة ”
نَضِر لَهَا حائرًا واسْترْسل ” طَلعَت بِنْتِ اثنَّاشر سنة قد خُلُود ، اَزَاي هتْقدر تعيش أو هَترُوح فَيِن ؟ ! ”
نَضرَت إِلى الأمَام شَارِدة وقالتْ ” إِن شاء اَللَّه يَكُون خيْرًا ”
اِنتفَض على صَرخَة خُلُود اَلمرِحة بَعْد أن رَكضَت نَحْو صَابِرة واحْتضنتْهَا بِقوَّة وقالتْ ” وَحشتْنِي آوي ” اِبْتسَمتْ لَهَا بِحنان وقالتْ بَعْد أن رَبتَت على شعْرهَا ” وأنْتَ وحشاني يَا خُلُود عَامِلة إِيه يَا قَلبِي ” اِبْتسَمتْ وقالتْ ” الحمْد لِلَّه بِجْهِز لِحفْلة عِيد مِيلادي ” اِبْتسَمتْ وقالتْ بَعْد أن حَملتِها ” القمر كَبرَت وَبقَت إِثْناشر سنة
ضَحكَت بِدلال وقالتْ ” أَيوَة وبقيتْ سِتَّ بَيْت مُحترمَة يَا صَابِرة ، اَلعُقبى مَا تجوزوني وتفْرحون بِأوْلادي ” اِبْتسَمتْ عليْهَا مِن ثمَّ رَبَّت على كَتِفهَا، تَقدمَت نَحْو عَمهَا رَاسِخ واحْتضنتْه بِمحبَّة بَالِغة وأعادة السَّلَام على جدَّتهَا ، اِبتسَم لَهَا رَاسِخ وَقَال بِترْحَاب ” عَامِلة إِيه يَا صَابِرة ” اِبْتسَمتْ لَه تِلْك الصهباء ذات اَلعُيون العسليَّة وقالتْ ” كُويْسَة يَا عَمِّي ، وأنْتَ عَامِل إِيه ؟ ! ”
اِبتسَم لَهَا بِمودَّة وَقَال ” الحمْد لِلَّه ” ثُمَّ اِسْترْسل حديثه ” أَبُوك وَأخُوك مِشّ هَيجُوا ثَانِي ؟ ! ”
نَضرَة لَه بِخَجل وقالتْ ” بَابَا هِيجي المرَّة دِي بس يُوسُف لََا ”
تَنهُّد رَاسِخ اَلذِي بات يَعلَم كُرْه يُوسُف لَه وعلاقته المتوترة بِأخيه يَأمَن وَقَال ” لَسه حزين مِنِّي ؟ ! ” أَمَات لَه بِاسْتسْلام ” أَنْت عَارِف اَللَّي فِيهَا يَا عَمِّي ، لَيه يُوسُف مِش هِيجي ، وبابَا هِيجي يَزُور قَبْر خَالَتِي صَابِرة رَبنَا يرْحمهَا وِهيمر مِن هُنَا عُشَّان ياخْدَني ”
تَنهَّد على مَا وصل إِلَيه حَالِه ، أخيه اَلوحِيد فَقدُه وفقْد حَتَّى إِحسَاس اَلأُخوة اَلذِي كان يُغْدِقه بِه ، تَوجَّه نحْوهم فَارِس ، اِبتسَم فَوْر رَأيِته صَابِرة سلَّم عليْهَا ثُمَّ قال بِتفْكِير ” أَخوكِي مِشٍّ نَاوِي يُشَرفنَا ”
نفتْ بِرأْسِهَا فقالتْ الصَّغيرة بَعْد أن جَلسَت على أَقدَام صَابِرة ” أنَا مُمْكِن أُكلِّم سُوفَا ، هُو بحْبنيْ وَممكِن يِجِّيْ عَشانِي ”
نَضرَة لَهَا أُخْتِه بِأَسى ثُمَّ جَذَبتهَا مِن يَدهَا فِي مُحَاولَة تَغيُّر اَلحدِيث وقالتْ ” تَعالَى نَنفُخ البوالين ” أَومَأت لَهَا الصَّغيرة بِرحابة صدر لِتغادر بِرفْقتهَا بيْنمَا جلس فَارِس بِجانب وَالدِه وَقَال بَعْد أن تَنهَّد ” هَكلَم يُوسُف وأحاول أَقنَعه يَرجِع ”
نَضِر لَه وَالدِه وَقَال ساخرًا مِن نَفسِه ” طالمَا زُمُردَه أنَا السَّبب فِي ضَياعِها عُمرُه مَا يَرجِع ”
تَنهُّد بِعمْق قَبْل أنَّ ياخْد هاتفه مِن جَيْب بِنْطاله وَقَال لِوالِده بِأَمل ” إِن شاء اَللَّه لِمَرة دِي يَقتَنِع ” أَومَأ لَه بإستسلام واسْتقام فَارِس لِلاتِّصال على يُوسُف
**************************************************
فِي غُرفَة مَكتَبِه يُوسُف المنْهمك بِالْملفَّات الملْتفَّة حَولَه ، لَم يَجِد وَقْت لِلرَّاحة ، زفر بِأَلم مِن شِدَّة تَعبِه ثُمَّ ترك الأوْراق اَلتِي بِيَده واسْتقام يَتَوجَّه بِخطًى تُقيله نَحْو الحائط الزُّجاجيِّ الشَّفَّاف ، تَنهَّد طويلا قَبْل أن يضع يديْه بِجيوب سَترَت بدْلته السَّوْداء ، تَأفُّف بَعْد أن رنَّ هَاتفِه مُعْلِنا عن اِتِّصال مِن فَارِس ، حَدَّق بِالْهاتف ثَوَان مَعدُودة قَبْل أن يحْمله ويضْغط زِرُّ الاسْتقْبال وَأَجابَه بِاسْتسْلام ” بَلَاش تَقُول أَجِي عشَّان هُقفُل فِي وَشْك ”
اِبتسَم فَارِس على كَلامِه وَقَال ” كُنْت هَقُولَك تَعالَى نَدُور على زُمُردَه ”
أجابه بِاهْتمام ” فِكْرِك مِشَّ بِدَور عليْهَا ، دِي كأنَّ الأرْض اِنْشقَّتْ وبلعتهَا ”
_ “عَارِف أَنَّك بَتدُور عليْهَا ، بس لَازِم تَنزِل أَنْت ، مِين عَارِف يُمْكِن تُظْهِر”
اِستمَع إِلى كلماته بِعقْلانيَّة وَجلَس على كُرْسِيه بِإهْمَال وَقَال بِغَلب ” مَاشِي يَا فَارِس ، أنَا المرَّة دِي هِنْنزل أَدُور عليْهَا بِنفْسي ، كذَا كذَا مِشّ وَاثِق فِي حدٍّ ”
أُعْجِب فَارِس بِرَده وَقَال ” تَمَام يَا يُوسُف بَاشَا أنَا فِي اِنْتظارك ، اِقْفِل يُوسُف الهاتف ثُمَّ رَمَاه دُون مُبالَاة على المكْتب ، نَضِر إِلى صُورتِهَا اَلتِي يَضعُها فِي إِطَار على مَكتَبِه وتمْتم بِأَلم ” وبعْدَيْنِ مَعاكِي يَا غَزَال ، فَيِن أَرضِك ، ويَا ترى بَقيتِي زِيُّ مَا أَنْت ولَا الزَّمن غَيرَك”
على إِثْر كلماته المتألِّمة دخل صديقه اَلمُقرب جاويد ، نَضِر لَه بِإمْعَان وَقَال مُمازِحًا ” شهْريَار الولْهان ، إِيه مُشقْلَب حَالِك ” حَدَّق بِه بِغَلب قَبْل أن يَقُول ” أنَا هَنزَل مِصْر ، أَدُور على زُمُرد ”
تَقدُّم جاويد وَجلَس على اَلكرْسِي مُقَابلَه وَقَال بِتفْكِير ” مَا أَنْت كُلُّ مَرَّة بَتدُور عليْهَا ، وعمْرك مَا جِيتْ بِنتيجة ” ثُمَّ اِسْترْسل مُوَضحا بِنْت قَاصِر فِي نصِّ اللَّيالي أَتوَقع أيُّ حَاجَة ”
حَدجَه بِنضرَات حَارِقة فَقَال جاويد بِهدوء ” عَارِف إِنَّك مِشّ مُمْكِن تصدِّق أَنهَا مَاتَت ، بس يَا بُنَي كِفاية إِلى ضَيعَتِه مِن حَيَاة وأنْتَ بَتدُور عليْهَا ”
نَضِر لَه يُوسُف بِعَدم رِضًى وَقَال بِضيق ” مُمْكِن تخْرِس ”
رَفْع جاويد يديْه بِاسْتسْلام يعلم تعلق صديقه بتلك الفتاة وَقَال ” أنَا آسف يَا سَيدِي وَحقَّك عليًّا ، وَإِن شاء اَللَّه تَلاقِي الغزالة بَتاعِك ”
تَأفُّف يُوسُف بِانْزعاج قَبْل أن يَقُول ” الأحْسن تَسكُت ، مِشّ ثم إسترسل مستفهما ،هِتْنزل تَشوُّف أَهلِك ”
نَضِر لَه جاويد بِضيق وَقَال ” أَنزَل لَيُّه ، أنَا هَارِب مِن مَاضِي مِشٍّ مُحْتاج أَفتكِره ”
كان يُوسُف يتفحَّصه بِدقَّة قَبْل أن يَقُول بِحَزم ” جاويد لَازِم تَرجِع لِبلدك ، وتعْتَرف بِغلطك ”
نفى بِرأْسه وَقَال بِأَسى ” البنْتِ مَاتَت ، أنَا هغير أيّه”
حدق به يوسف ساخرا وقال ” تقول الحقيقة ،إنك إعتديت على العيلة ،القاصر ،وسبتها ”
تغيرت عيون جاويد للون الأحمر وقال بضيق بعد أن إستقام مغادرا ” كانت غلطة والبنت ماتت وأنا إتجوزت وخلفت ونسيت اللى حصل بطل تفكرني ” قال كلماته وخرج صافعا الباب بقوة جعلت يوسف يسبه بداخله
**************************************************
استيقظتْ بكسلٍ منْ ألمِ جسدها ، إرهقها منْ الكرسيِ الخشبيِ الذي قضتْ بهِ ليلتها الماضيةَ اعتدلتْ تمددَ يديها بكسلٍ ، حدقتْ بالمارةِ بينما تتأتبْ ، وضعتْ يدها على فمها ، استقامتْ منْ على الكرسيِ الخشبيِ ، والمارةُ ينظرونَ لها بخوفٍ ، والأغلبَ يضنيها ولدَ مجنونٌ متشردٌ ، فهيَ دائما ما تنامُ بالشارعِ ، قلبتْ عيونها بمللٍ ، منْ نضرات الناسَ التي باتَ آخرٌ شيءٍ تهتمُ لهُ ، حدقَ بها رجلٌ في الخمسينياتِ منْ عمرهِ ، طالعَ سروالَ الجينزِ الفضفاضِ والمهترئِ الذي ترتديهُ وقميصها الأزرقَ الطويلَ يخفي جسدها النحيلُ وتلكَ السترةُ الجلديةُ المتقطعةُ والقبعةُ الشمسيةُ التي تداري بها شعرها ، تنهدَ بأسفٍ على حالها وقالَ بضيقٍ ” لازمٍ تلاقي مكانٍ تعيشينَ فيهِ أنا خايفْ عليكَ منْ أولادِ الحرامِ ”
نهضتْ بهمةٍ منْ على المقعدِ وقالتْ بينما تتحدثَ معهُ ” طالما الكلّ عارفينَ أني ولدَ ، لا أحدَ يقدرُ يطمعُ فيا ، وأنتَ عارفْ أخرتْ الليَ يقربُ منيَ يا عمي ، أقطعهُ بسناني ، ”
ابتسمَ بيأسِ منها وقالَ ” الصبحُ بتتبهدلي في الطرقِ تصلحينَ العربياتُ وبالليلِ تشتغلينَ بتحرسيهمْ ، وفي الآخرِ بتنامي هنا في الجنينةِ ، إيهْ أخرتها معاكي ”
نفتْ برأسها وقالتْ بضياعِ ” مشٍ عارفةٍ ، هدورْ على شغلِ اليومِ عندَ أيِ ميكانيكيٍ ، وأشوفْ لوْ ممكنٍ يسبني أنامْ في المرآبِ عندهُ
حدقَ بها بغيضٌ مسترسلا حديته بجديه ” يا ابنتي هيحصل إيهْ لوْ أخدتي حتى اوضة في السطحِ تنامي فيها ”
تأففتْ هيَ باتتْ تعلمُ حالها ووضعها الحرجُ بأنها لأتحملَ هويةً فأجابتهُ بحنقِ ” كيفَ لحدِ يقبل أني أعيشُ في بيتهِ منْ غيرِ أوراقٍ أوْ نسبٍ”
نضر لها باستعطافٍ وقالَ ” ارجعي الميتمَ يا بنتي ، أحسنَ ليكي منْ الإهانةِ دي ”
ابتعدتْ عنهُ قليلاً تمشطُ المكانَ بعيونها مردفهِ بينما تتفقدُ المكانَ منْ حولها ” سيبكْ مني ، أنا لوْ كنتُ محتاجةً أبقى فيهِ مشُ مهربِ منهُ ” ثمَ التفتتْ لهُ وقالتْ بجديةِ ” غيرَ أنا بقيتُ اثنتينِ وعشرينَ سنةً ، يعني بلغتْ سنَ الرشدِ منْ زمانٍ ”
نضرٍ لها لمدةَ قبل أنْ يقولَ بيأسٍ ” أعملُ فيكَ إيهْ ؟ ! ” رفعتْ كتفيها دونَ مبالاةٍ وقالتْ ” ما فيشْ حاجةٌ تعملْه ، وبعدينِ عندي مهمةٌ اليومِ ، ولازمٌ أروح أشوفْ سناءْ في الميتمِ لوْ ناقصها حاجةً ، وبعدينِ أشوفْ كم عربيةٍ أصلحها وأجي هنا أناوب مكانكَ باليلْ ”
حدقَ بها بسخطٍ هيَ عنيدةٌ لا تصغي لأحدٍ ، تنهدُ مطولاً وقالَ بهدوءِ ” مهما أقولُ مشٌ ممكنٌ تسمعي مني ”
نفتْ برأسها مبتسمةً ” عندي مسؤولياتٍ كثيرةً ، لازمَ أخذُ الأكلِ للميتمِ الأولادِ بيستنوني ، وسناءُ أنا الليُ ليها وسندها بعد ربنا ، كلُ دولٍ معتمدينَ عليا مشِ هقدرْ أسبهمْ ”
أومأَ برأسهِ ونضرٍ لها ، كانتْ شاردةٌ ، حدقتْ بطفلِ أمامها يحملهُ والدهُ ويمزحُ معهُ ، تابعتهمْ عيونها إلا أنَ اشترى لهُ والدهِ بالونا ، جعلَ الصغيرُ سعيدا ليحتضنَ والدهُ بحبٍ يشكرهُ وينعمُ بحنانهِ استيقظتْ على صوتِ العمِ مرسي الذي ناداها لأكثر منْ مرةٍ إلا أنها لمْ تجبهُ ، نضرة لهُ شاردةٌ وشعرتْ بالحزنِ وقالتْ ” اليومِ ذكرى وفاةِ صابرةَ ”
علتْ قسماتِ وجههِ بالحزنِ وقالَ بعدَ أنْ جدبها لأحضانهِ وربتْ على ظهرها بحنانِ قائلاً ” ربنا يرحمها ويصبركَ على فراقها يا بنتي ”
خدلتها دمعتْ سقطتْ منْ عيونها وقالتْ بعدَ أنْ ابتعدتْ عنهُ قليلاً ” لازم أروحَ الآنُ وبعدينِ نتكلمُ ” غادرةٌ منْ أمامهِ حتى لا تضعفُ ، وتنهارَ حصونُ قلبها الضعيفِ ، تنهدَ بيأسِ وأسى عليها ، تلكَ الفتاةِ التي وجدها ليلاً مختبئةً خلفَ الأشجارِ تبكي خوفا ، أخذَ بيدها إلى الميتمِ الذي عاشتْ فيهِ ، لكنها لمْ تكملْ ست أشهر حتى هربتْ منهُ مرةً أخرى وبدأتْ تعملُ وتتعلمُ كيفيةُ الحصولِ على قوتِ يومها ، الآنُ أصبحتْ شابةً لكنَ الماضيَ لا يزالُ يطاردها
تسللتْ إلى الداخلِ بعدَ أنْ قفزتْ منْ حائطِ المبنى ، دخلتْ بهدوءِ إلا أنَ أوقفها صوتٌ حادٌ ” ثانٍ يا زمردٌ ” التفتَ بضيقٍ وحدقةٍ بمديريةِ الميتمِ مختنقةً ” أنتي مشَ بتنامٍ ، ارحمي نفسكَ ”
حدقتْ بها بسخريةِ ” ارحمينا أنتَ منْ الدخولِ شبهَ الحراميُ ”
تأففتْ زمردَ بضيقٍ قبلَ أنْ تقولَ ” طالما مسكتيني ، خدي دولٌ للأولادِ وانا هشوفْ سناءْ ”
حدقتْ مديرةَ الميتمِ بتلكَ الأكياسِ المليئةِ والحلوياتِ المختلفةِ ، أخدتهمْ منها وابتسمتْ ” مستحيلٌ تبطلينَ عادتكَ ”
هَزَّت كتفيْهَا دُون اِهتِمام وقالتْ ” داء بَيتِي والْأوْلاد دُوَل عِيلتي ، مش بِصَرف على حدٍّ غريب ”
أَومَأت لَهَا بِامْتنان قَبْل أن تَقُول ” هُروِّح أَجهَز الأكْل لِلْأوْلاد ” أَومَأت لَهَا وَغادِرة نَحْو غُرفَة سَنَاء ، دَقَّت اَلْباب قَبْل أن تَدخُل ، نَضرَت إِلى تِلْك الغافيَّة على اَلسرِير المهْترئ مِن شِدَّة تَعبِها وَذلِك الفتى بِجانبهَا يَصرُخ مِن ألم جُوعه ، حمْلته زُمُرد واحْتضنتْ وَجهَه تَمسُّح دُموعه قَبْل أن تَأخُذ حليبه وَتجلِس على اَلسرِير لِتطْعِمه ، سكتَ الطِّفْل وَتَناوَل حليبه بِجوع ، اِبْتسَمتْ بِخفَّة على مَظهَرِه ، ومع اِنْشغالهَا فَتحَت ذات اَلعُيون الخضْراء عُيونَهَا بِكَسل ثُمَّ قَالَت بِنوم بيْنمَا تَعتَدِل ” جِيتي ”
رَفعَت عُيونَهَا وَأَومأَت لَهَا قَائِلة ” جِيتْ يَا سَنَاء هَانِم ، بزْمتك فِي أُمِّ تَنَام وتسيُّب اِبنهَا بعَيط ”
حَدقَت بِهَا ونفختْ وجنتيها المكتنزة بِضيق فِي حِين تُشير إِلى طِفْلهَا بِانْزعاج ” وبعْدَيْنِ يَا زُمُرد الكائن دَا حارْمَني مِن الحاجة اَلحُلوة الوحيدة فِي حَياتِي وَهِي النَّوْم ”
حَدقَت بِهَا بِتهكُّم وقالتْ سَاخِرة ” لََا بِتْتعَبي آوي ”
تَنهدَت بِضيق وقالتْ بَعْد أن اِقْترَبتْ مِنهَا ” زُمُرد عَايزَة اِشتغَل تَعبَت مِن القعْدة ”
نَضرَت لَهَا ورفعتْ حاجبَهَا بِضيق وقالتْ ” والْوَلد تَسيبِيه فَيِن ”
اِبْتسَمتْ قَائِلة ” الحضانة ، نَاخِد بَيْت أنَا وَأنتِي نعيش فِيه ونشْتَغل ويوسف أَسِيبَه فِي الحضانة ”
حَدقَت بِهَا بغيض وقالتْ ” مِن عُيوني ، البيْتُ دَا نَجيبِه مِن فَيِن يَا ذَكيَّة زمانك ، لََا أَنتِي ولَا أنَا مُعَانا أَورَاق ”
تَنهدَت بِإحْبَاط وقد ضَهرَت مَلامِح الأسى على وجْههَا وقالتْ بِضيق ” والْمفْروض نعمَل إِيه لِحدِّ أُمَّتي نَبقَى عَايشِين فِي الملْجأ بِالسِّرِّ وَأنتِي بِتنامي فِي الشَّارع
زَفرَت زُمُرد وقالتْ بِتفْكِير ” أُلَاقِي حلٌّ ولَا يَهُمك ”
أَومَأت لَهَا بِإيجَاب فقالتْ سَنَاء بِمشاغبة ” زِيزو شِيل الطَّاقيَّة مِن على دِماغك ” كَادَت أن تَقتُلها مِن شِدَّة غيْضهَا لَكِنهَا فاجأتْهَا بَعْد أن أَبعَدت اَلقُبعة عن رأْسهَا لِتسْقط خُصلات شعْرهَا العسَليِّ اَلقصِير اَلمُموج ، أَكمَل اَلصغِير حليبه وابْتَسم على شعْر مِن تَحملِه لِيجْذبهَا مِنْه بِقوَّة ، صَرخَت بغيض وأبْعدتْه بِيديْهَا تَحملِه مِن قَدمَه تَقلبُه رأْسًا على عُقْب وحدَّقتْ بِوالدته بشر ” مَاشِي يَا شِبْر ونصَّ إِلى تَعملِيه أَنْت يُكْمِله اِبْنك ” ضَحكَت سَنَاء بِقوَّة على فِعْل اِبنهَا قَبْل أن تَقُول ” عَيْب يَا زَيْدان دَا أنَا سِتٌّ وَعلَى قد حَالِي ” حَدقَت بِهَا زُمُرد بِذهول ومَا هِي إِلَّا ثَوَان حَتَّى وَضعَت اَلصغِير على الأرْض وانْقَضتْ على سَنَاء تَمسكِها مِن رَقبتِها ، ضَحكَت سَنَاء مِن كُلِّ قلْبهَا وقالتْ بِدلال رَغْم أَلمِها ” عَيْب يَا زِيزو عارفَاك بتحبَني ، بس شَويَّة شَويَّة عشَّان بِتْكسف ”
رغْمًا عَنهَا تَرَكتهَا زُمرَة اَلتِي ضَحكَت بِأعْلى صوْتهَا و شاركتهَا سَنَاء كدلْك ، اِرتمَت كُل وَاحِدة مِنهَا على اَلسرِير تَضحَك بِقوَّة وبالْكاد تَلتَقِط أنْفاسهَا ، اِبْتسَمتْ سَنَاء بيْنمَا تَنظُر لِلْصقف ” بِحبِّك يَا زُمُرد ”
اِبْتسَمتْ زُمُرد قَبْل أن تَعتَدِل وتسْتقيم مِن مَجلسِها وقالتْ بِهدوء ” وَانَا بِحبِّك يَا سَنَاء ” ثُمَّ حَملَت يُوسُف وقالتْ مُمَازحَة ” وَبحُب يُوسُف ” اِبتسَمت سَنَاء واسْتقامتْ ، مَدَّت لَهَا زُمُرد بِابْنِهَا وقالتْ ” هُروِّح ورايًا مِشوَار ، اَفطَرِي وخدِّي بَالُك مِن الأوْلاد ” أَومَأت لَهَا بِإيجَاب وقالتْ بِامْتنان ” شُكْرًا يَا زُمُرد ” اِبْتسَمتْ لَهَا وَغادِرة بيْنمَا أَمسَكت سَنَاء اِبنهَا وقالتْ بِلطْف ، تَعالَى نُفْطِر وِنْغلس على الأوْلاد اِبتسَم لَهَا بِودٍّ قَبْل أن تَخرُج مِن غُرْفتِهَا
*****************************************************
جَلسَت على رُكْبتيْهَا أَمَام قَبْر والدتهَا اِحْتضَنتْ تُرْبتهَا كأنَّهَا تَضمهَا ، سَقطَت دُموعَهَا بِقوَّة وقالتْ بِضَعف ” وحْشتيني يَا صَابِرة ، وحْشتيني يَا أُمِّي ، أنَا كُلُّ يَوْم يَفتكِرك وبْدعيلْك بِالرَّحْمة مِشَّ ناسْياكي ، وَعمرِي مَا أنْساكي ، تَعرِفي ، أنَا بَقيَت مَسؤُولة عن وَلإِد كثير ، اَللَّه وَكِيلَك مَرَّات بِيتْهد حِيَلي بس لَازِم أَكمَل ، مِشُّ عَايزَة البنَات دُوَل يَحصُل فِيهم إِلى حصل فيَا زمان ”
عَارِفة يَا صَابِرة أنَا مُتَابعَة أَخبَار رَاسِخ وَحدَة بِوحْدة ، بنتْه كَبرَت ، وابْنه كَمَان ، بِحبِّهم كثير كُلِّ سنة بِياخدوا صُورَة عَائلِية وِبتنْتشْر فِي الجرائد ، اليوْم عِيد مِيلَاد بنتْه خُلُود كَملَت اثنَّاشر سِنُّه ، زِيُّ السِّنِّ إِلى طَلعَة فِيه مِن البيْتِ لِلشَّارع مِن غَيْر أَمَان ، بس ولَا يَهُمك بِنْتك كَبرَت وطلْعتْ قَدهَا . رَاسِخ اِخْتَار مَايسِين ، حَتَّى اليوْم نَفسَه إِلى وَلدَت فِيه أَنْت سِبْتِي الدُّنْيَا بِسببه هُو ومرَّاته وبنْته دِي ، وربُّنَا الغالي تعيش عُشَّان أَشُوف فِيه يَوْم زِيِّ اَللَّي عمل فِينَا ، حُرمْنَا مِن بَعْض ، فَضْل بنتْه عُليَا كُنْت فاكْره بس عشَّان فَارِس ولد ، طَلْع المشْكلة أَنِّي بنتْ صَابِرة
ثُمَّ أَردَفت بِتساؤل مَزَّق قَلبُها لِأشْلَاء ” مَامَا ليه بَابَا مِشّ بحبني ؟ ! إِيه دنْبِي ؟ ! ” وَاَللَّه أنَا كُنْت مُحتاجَة حنانه وَحُبه لِيَا ، عُمرُه مَا كان أب لِيَا ، كان أب لِأوْلَاد مَايسِين بس ، حَرمَنِي مِن أَبسَط حقٍّ وَجُمد قَلبُه وَسابْنِي أَطلِع لِلشَّارع وَحدِي فِي نصِّ اليالي طفلة مش فاهمة الحياة ”
مَسحَت قَطَرات دُموعِهَا بِضَعف وقالتْ ” أنَا دِيمَا محتاجَة لِيكي يَا صَابِرة ، محتاجَة حِضْنك أَسنَد رَأسِي على صَدرِك ، بِحبِّك يَا صَابِرة وَعمرِي مَا أَبطَل أُحبُّك ، كَانَت كُلُّ كَلمَة تَخرُج مِن لِسانِهَا تُرافقهَا قَطَرات دُموعِهَا الفتَّاكة ، ضَلَّت تَبكِي على فِقْدانهَا والدتهَا كأنَّهَا مَاتَت الآن ، خالجَهَا إِحسَاس الضَّعْف والْوحْدة والْخَوْف ، شَعرَت أَنهَا تِلْك الفتَاة الصَّغيرة الضَّائعة فِي غَابَة مَضْلَمة ، فَاقِدة لِإحْسَاس الأمَان ، حَتَّى كَادَت أن تَختَنِق مِن ألم فُؤَادهَا اَلذِي ضاق بِهَا ، شَعرَت بِيد تُربِّت على شعْرهَا ، حَدقَت نَحْو المصْدر ، اِبْتسَمتْ بِاتِّسَاع بَعْد أن ظهر خَيَال والدتهَا يُواسيهَا اِحْتضنتْهَا بِقوَّة تَبكِي على فِراقِهَا شَعرَت بِهَا تُمرِّر يداهَا بِحنان على ظهْرهَا ، وتمسُّح دُموعِهَا تبث بها الطمأنينه ، شَعرَت بِقبْلة والدتهَا على رأْسهَا تَأنَس وحْدتَهَا
آفاقهَا مِن خَيالِها صَوْت سُقُوط مَفاتِيح على الأرْض ، اِسْتوْعبتْ نَفسُها ومكانهَا شَعرَت بِالْحزْن أَنهَا كَانَت تَتَخيَّل فقط ، أَلقَت نَضرَة حَانِية على قَبْر والدَّتهاو اِسْتقامتْ مُغَادرَة تَحمُّل طَعْن الفرَاق وألمًا حادًّا شديدًا بالوجدان
كَانَ يُوسُفْ يَتَقَدَّمُ نَحْوَ اَلْقَبْرِ وَهُوَ يَتَفَحَّصُ دَالُكَ اَلشَّابَّ اَلَّذِي يَجْلِسُ بِجَانِبِ اَلْقَبْرِ وَيُوَلِّيهُ ضَهْرَهْ ، دُونُ أَنْ يَنْتَبِهَ سَقَطَتْ مَفَاتِيحَهُ ، اِنْحَدَرَ يُوسُفْ يَلْتَقِطُهَا مِنْ عَلَى اَلْأَرْضِ ، ثُمَّ رَفْعِ عُيُونِهِ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ اَلشَّابِّ اَلَّذِي كَانَ يَجْلِسُ بِجَانِبِ قَبْرِ صَابِرَةَ نَادَاهُ بِصَوْتٍ عَالٍ
تَسَمَّرَتْ مَكَانَهَا بَعْدَ أَنْ أَوْقَفَهَا صَوْتٌ مَأْلُوفٌ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا ” أَنْتَ يَاوْلِدْ اَسْتَنِىْ ”
اَلتَّفَتُّتُ إِلَى مَصْدَرِ اَلصَّوْتِ لِتَجِدَ صَدِيقَ طُفُولَتِهَا يَقِفُ أَمَامَهَا ، اِنْدَهَشَتْ غَيْرَ مُصَدَّقَةٍ بِوُجُودِهِ ، حَدَّقَ بِهَا يُوسُفْ مُدَّةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَ بِاسْتِفْهَامٍ ” أَنْتَ مِين ؟ ! ”
حَدَّقَتْ بِهِ تَسْقِي عُيُونَهَا مِنْ اِشْتِيَاقِهَا لَهُ ، وَكَمَّ وَدَّتْ أَنَّ تَهَرُّب إِلَى أَحْضَانِهِ مَتْلُمَا كَانَتْ تَفْعَلُ مُنْذُ أَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً عِنْدَمَا تَشْعُرُ بِالْوَحْدَةِ ، وَقَالَتْ بَعْدَ أَنْ اِسْتَدْرَكَة نَفْسَهَا ” زَيْدَانْ ” نَضِر لَهَا يُوسُفْ بِتَدْقِيقٍ مُشَكِّكٍ بِأَنَّهَا سَارِقُ مِنْ هَيْئَتِهَا اَلَّتِي تُخْفِي مُعَضَّمْ جَسَدُهَا وَمَلَامِحُ وَجَّهَهَا وَقَالَ بِشُكْرِ ” عَايِزْ أَشْكُرُكُ دَائِمًا بَتَسْقِي اَلْقَبْرُ دَا وَتَاخِدْ بَالُكَ مِنْهُ ”
نَضْرَتْ لَهُ وَأَعَادَتْ نَضْرَاتَهَا إِلَى قَبْرِ وَالِدَتِهَا تَحَجَّرَتْ اَلدُّمُوعُ بِعُيُونِهَا مِنْ شِدَّةِ قَهْرِهَا ، وَحُرْقَةُ فُؤَادِهَا ، كَيْفَ لَهَا أَنْ تُهْمِلَ وَالِدَتَهَا اَلَّتِي تَعْشَقُهَا ، ثُمَّ حَوَّلَتْ نَضْرَتَهَا لَهُ وَقَالَتْ بِهُدُوءِ ” دَا وَاجِبٍ ” شُرُودِهَا اَلدَّائِمَ أَثَارَ رِيبَةَ يُوسُفْ اَلَّذِي نَضِرٍ لَهَا بُحَيْرَةٌ وَقَالَ بِتَسَاؤُلٍ ” أَنْتَ دَائِمًا بِتْجِي هُنَا ؟ ! ”
أَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَاسْتَرْسَلَ مُتَسَائِلاً ” عُمْرُكَ شُوفْتْ بَنَتْ هُنَا ؟ ! ” رَفَعَتْ حَاجِبَهَا وَقَالَتْ بِتَهَكُّمِ ” وَأَنْتَ مَالِكِ يَاسْطَا ؟ ! ”
حَدَّقَ بِهَا يُوسُفْ بِضِيقٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَحْ لَمَنَضْرْهَا وتابع قوله” اَلْقَبْرِ دَا لِإِنْسَانَةِ زِيِّ أُمِّيِّ اَللَّهِ يَرْحَمُهَا ، كَانَ لَيُّهَا بِنْت ، وَهِيَ أَكِيدُ بِتْجِي تَزُورُهَا ”
هَزَّت كَتفُها بِعَدم اِهتِمام وقالتْ دُون مُبالَاة ” عُمْرِي شُوفْتْ حدَا ، اَللَّه وَكِيلَك ، فِي بس وُلِد بِيجي يزورهَا وَيمشِي ”
تَنهُّد يُوسُف بِأَسى على حَالِه وَعلَى غَزالَه الضَّائع وَقَال بينما يصفهما كما يتذكرها في مخيلته ” بِنْتُ سُمرَة ولوْن عيْنيْهَا شِبْه الغزَال ، مَا بَيْن الأزْرق والْأخْضر وَكُل مَرَّة عيْنيْهَا بَتبَقِى فِي لَوْن على حسب نُور الشَّمْس ”
خفق قَلبُها مِن كلماته ورمشتْ أهْدابهَا غَيْر مُصَدقَة أَنَّه لََا يَزَال يتذكَّرهَا ، بل يَبحَث عَنهَا ” غَزَال ” تِلْك اَلكلِمة اَلتِي طالما ميَّزهَا بِهَا عن غيْرهَا ، نَضرَة لَه بِعيونهَا العسليَّة وقالتْ بِصَوت جَاهِدة تُحَاوِل إِخْراجه جادًّا ” عُمْرِي شُوفْتْ حدًّا هُنَا غَيْر الولد اَللَّي قُولتَلْك عليْه ، سَلَام يَا بَاشَا ”
غادرتْ مِن أَمامِه دُون أَدنَى كَلمَة أُخرَى بيْنمَا هُو عاد يَجلِس أَمَام القبْر بِجانب وَالدِه اَلذِي كَانَت دُموعه تَنزِل مِن شِدَّة حُزْنِه وتمزُّق قَلبِه على حبيبَته الرَّاحلة ، وَضْع يُوسُف يده على كَتِف وَالدِه يُواسِيه وَقَال ” هِي عِنْد إِلى أَحسَن مُنِي ومنْك ”
أُومًّأ بِرأْسه بِإيجَاب وَقَال بِحزْن ” زَعْلان على أمانتهَا ، إِللى معرفَتْش أحافض عليْهَا ، جِيتْ مُتَأخر ، ضَيعَت زُمُرد اَللَّي مِشَّ عَارِف أراضيهَا فَيِن ”
تَنهَّد دَلِك العاشق وأغْمض عُيونه يَتَذكَّر سَارِقة نَومِه وَصَديقَة طُفولَته اَلتِي رَحلَت دُون أيْ أثر ، وَقْف بِهمَّة وَقَال بِثبات ، المرَّة دِي هدُّور عليْهَا بِجدٍّ ، مِشُّ نسيب الحرس بس هُم إِلى يَدُورَا عليْهَا كَانَت تُراقبهم مِن بعيد بِقَلب يُخْفِق ألم وَحُزن ، إِلَّا أَنهَا نَهرَت نَفسُها ، وقالتْ لِنفْسِهَا بِحَزم ” أَنتِي لَعنَة يَا زُمُرد ، كِفاية اَللَّي حصل زَمَان ” ثُمَّ حَدقَت بِيوسف اَلذِي نَضِر إِلى مَكانِها ، فابْتعدتْ على الفوْر دُون اِنتِباه لِلطَّرِيق اَلذِي تَقطعُه ،اِتسعَت حدقتاهَا بَعْد أن شَعرَت بِصَوت مَكابِح السَّيَّارة اَلتِي كَادَت أن تدْهسَهَا لِتَقف أَمامها ولَا يَفصِل بيْنهَا وَبَينهَا شَيْء غَيْر اَلْهَواء ، كَانَت مَصدُومة ، لَكِن صدْمتَهَا اِكْتمَلتْ عِنْدمَا خرج فَارِس مِن السَّيَّارة يَنظُر لَهَا بِضيق وَغضَب فَهِي كَادَت أن تَتَسبَّب بِحادث يُؤدِّي بِحياتهَا وحياته ، حَدَّق بِهَا بِضيق وأمْسك بِهَا مِن يَدهَا ينْهرهَا بِقوَّة ” أَنْت مَجنُون يَا ولد كُنْت هتْموتنَا ؟ ! ”
اِشْتعلتْ عسليتاهَا وقالتْ بِصَوت غليظ كالرِّجال بَعْد أن جَدبَت يَدهَا مِنْه بِقوَّة ” اِحترَم نَفسَك ، وشيك أَيدَك ، أَنْت إِلى سَائِق مَتْل الأعْمى ، مِشّ شَايِف قُدَّامك ”
حَدَّق بِهَا بغيض وَكَاد أن يَلكُمها إِلَّا أنَّ والده صرخ به بِقوَّة ” سِيبه يَا فَارِس ”
أَغمَضت عُيونهَا بِشدَّة بَعْد أن رنَّ الصَّوْتِ فِي أُذنِها ، كُلُّ خَليَّة فِي جسدهَا أَصبَحت تَرتَجِف مِن التَّوَتُّر والْغَضب خَوْف وَقلَق ، فَتحَت عُيونَهَا وحدَّقتْ بِه ، أَنَّه هُو ، رَاسِخ ، اَلأَب اَلذِي تَركهَا مُنْذ أَكثَر مِن أَثنَى عشر سنة يُحدِّق بِهَا وَهِي أَمامِه ، وسؤالهَا اَلوحِيد الذي يدور فِي عقْلهَا ” لِماذَا لَم تُحبْنِي يَا أَبِي ؟ ! ” اِرْتجَفتْ شَفَتاهَا وقالتْ بِهَمس خَافِت غَيْر مَسمُوع ” رَاسِخ ! ! “

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مرارة العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى