رواية ما بين العشق والهوس الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر
رواية ما بين العشق والهوس الجزء السادس
رواية ما بين العشق والهوس البارت السادس
رواية ما بين العشق والهوس الحلقة السادسة
كانت مقررة عدم الاستمرار وانهاء المحادثة، حتى وصلها إشعار الصورة، لم تدري بيدها التي ضغطت بفضول حارق لتراها، شهقت بانبهار معجبة بهذة الهيئة الشبابية التي لم تعتاد عليها أبدُا للطبيب الرزين، توسعت عينيها تتطلع في الصورة بتمعن، هذا شكله ولكنه شاب صغير، بشعر ناعم وقصة عصرية كانت سائدة في هذه السنوات.
-يا إلهي.
غمغمت بها بصوت واضح بابتسامة ارتسمت على ملامح وجهها وهي تراه يمازح شاب اًخر يشبهه في الملامح ولكن على أصغر، ذراعه تطوق عنق الشاب بغلاظة وحميمية تُظهر مدى قربهم، حاولت منع نفسها من التعقيب ولم تقدر، لتجد نفسها باعثة بسؤالها الملح:
-متى أخذت الصورة؟ ومن هذا الذي معك؟
بابتسامة ظافرة أجاب على الفور برسالة عاتبة:
-أراكِ لم تُجيبي على رسائلي إلا بعد إرسال الصورة.
عضت بأسنانها على شفتها السفلى بحرج ترسل ردها إليه:
-أنا لم أفتح سوى الان.
قرأ رسالتها ليطلق ضحكة مجلجلة في فضاء المكان الخالي حوله، حتى انتبه له أحد المارة خارج سور المركز، فتسمرت أعين الرجل عليه باستغراب حتى اختفى، وهو مازال يضحك على سذاجة هذه المرأة وردها الغير مقنع لطفل صغير.
تمالك نفسه قليلًا يفكر في رد مناسب، ثم كتب لها:
– أعلم انكِ تكذبين ولكني لن أعيد السؤال، وسأكتفي بإجابتك رغم علمي بعدم صدقها.
قرأت الكلمات وازداد حرجها لترد بدفاعية ورسالة مطولة لأعذار واهية ليس لها معنى، كان يقرأها بتسلية
وضحك مستمر لا ينقطع، ليُجيبها اخيرًا:
-لما هذا التشنج بردودكِ؟ أنا لا أحقق معكِ عزيزتي، لقد ذكرت لك قبل ذلك، أنني أنشأت الحساب مخصوص لمراسلتكِ أنتِ فقط، بعد أن أسعدني لقاءك، وردودك العفوية التي ذكرتني بطيبة اهل البلد، انا اراسلك لأصلك الطيب يا ابتسام.
رفرفت بأهدابها تعيد قراءة الجملة مرارًا وتكررًا، وهي لا تجد من الكلمات ما ترد بها عليه، حتى تذكرت سؤالها الأول لترسل له:
-الله يحفظك، شكرًا لك، ولكنك لم تُجبني على سؤالي حتى الآن؟
تبسم مع قراءة الرسالة وقد نجح برده السابق في تشتيتها، فرد مرسلًا لها:
-حسنًا يا ابتسام، هذه الصورة لأخي مهندس البرمجيات، مروان، وهذا اليوم كان وقت ظهور نتيجتي في الصف الثانوي العام.
كنت قد نجحت بمجموع يقارب الثمانية والتسعون، وسعيدًا جدًا وقتها لهذا الإنجاز وأنا ارى قرب تحقيق حلمي، في دخول كلية الطب لأمارس المجال الذي أحبه كأبي، وهو كان يشاكسني على ذلك، فالتقطت لنا الصورة في هذا المكان بالحديقة.
تبسمت وهي تقرأ رده المطول بتفصيل لتردف بما علمته قبل ذلك:
-شقيقك هذا الذي أتته منحة في إحدى الدول الأوربية ليعمل بشركة عالمية كما علمت، واستطاع خلق فرصة أيضًا لشقيقه الأصغر معه، ليُقيما بهذه الدولة ويأخذا جنسيتها؟
أرسل لها رمز حزين مع إجابته التي اجادها بتقمصه لشخصية الطبيب:
-نعم، وأخذا أمي معهما ايضًا، لأظل أنا وحدي هنا في الوطن مع إرث والدي الذي أجاهد لإحافظ عليه، التمسك بذكريات الطفولة والشباب في المركز عندكم، وعلاج أهل منطقتي.
انهى الرسالة بابتسامة متوسعة وهو يعلم بتأثرها الاَن، بما اخبرها به، ليصدق تخمينه مع رسالتها التي أتت على الفور:
-لا تحزن، فزوجتك صالحة وأولادك بارك الله فيهم، وأقر عيناك بهم .
أرسل يرد بادعاء الإمتنان لها كرد فعل على رسالتها:
-شكرًا جدًا يا ابتسام، لقد أسعدتني جدًا رسالتك البسيطة، انتِ امرأة رائعة ولابد أن زوجك يعلم بقيمتك، وصفاء قلبك هذا.
أرسلت ترد مع ابتسامة ساخرة اعتلت وجهها:
-نعم هو يعلم قيمتي بحق.
قرأ الكلمات ليعود مجلجلًا بضحكاته العالية، وكأنها ذكرت له نكتة فكاهية، مع معرفته بكذبها المفضوح، ليقطع فجأة منتفضًا على صوت الباب الحديدي وعصام يلج منه، يطالعه قاطبًا حاجبيه باندهاش:
-هذه ضحكاتك أنت يا عمران؟.. يا إلهي، صوتك انت ما كان يصل إلي الاَن في الشارع الخلفي؟!
❈-❈-❈
وكأن دلوًا من الماء البارد سقط فوق رأسه برؤيته، وقد أجفله بالحضور في هذا الوقت بالذات، بعد اندماجه في المحادثة معها، كان يتقدم نحوه، ويرسم ابتسامة على وجهه لكن مضطربة وليست عادية كالتي كانت منذ قليل، قبل لقاء المرأة، حتى وصل إليه ليخاطبه بمرح:
-لم تُجب على سؤالي يا أبا عمران، ما الذي يضحكك إلى هذه الدرجة يارجل؟ وجعل ضحكتك التي لم أسمعها طوال فترة عملي معك وعشرتي التي تعدت السنتين، سوى في مرات قليلة تنعد على أصابعي كما اذكر .
بضغطة واحدة فعلها الآخر وأغلق الهاتف نهائيًا ليجعل انتباهه كاملًا إلى جاره الذي اقتحم خصوصيته في المحادثة المهمة! ورد بثبات يدعيه:
-رسالة فكاهية من أحد الاصدقاء أو أي شئ آخر لايهم، لماذا تسأل با عصام؟
ضحك يطالعه بمكر وهو يجلس على مقعده المقابل له:
-أسألك من أجل الأسباب التي ذكرتها سابقًا، أنت نادر الضحك يا حبيبي، وأنا رجل فضولي أتشوق لمعرفة السبب الذي جعل عمران رفيقي الكتوم والرزين يضحك للدرجة التي أدت جعلت صدى صوته يصل لخارج السور، انه حدث تاريخي، قل لي يا حبيبي وأرح قلبي.
صمت عمران يتطلع إليه بتماسك دون رد ليتابع الاخر بإصرار:
-هل في الموضوع امرأة؟
توقف للحظة يتابع رد فعل الاَخر على صفحة وجهه المغلقة بإحكام، ثم إجاب على نفسه:
-نعم هو كذلك امرأة، سكوتك المريب هذا يؤكد شكي.
ظل على صمته عمران والاَخر يستطرد بتخيمنه:
-إذن اَخيرًا فعلتها، ولكن أجبني هل هي جميلة وتستحق المغامرة، أم هي امرأة وفقط؟ هل قابلتها وعرفتها وعرفتك؟
الحاحه الشديد جعل حالة عمران تتحول من توتر اللص الخائف على كشف سرقته، إلى الاحتقان الملازم له دائمًا، فعلقه الشيطاني لا يخفى عليه استغراب عصام، خوضه مغامرة الدخول في علاقة مع امرأة مع ظرف تشوه وجهه، فتحرك يجيبه بالسؤال:
-لما الإلحاح يا عصام؟ إن كنت في علاقة مع امرأة أو لا، هذا إن صدق تخمينك.
تبسم عصام بزهو ليرد وهو يتلاعب بياقة قميصه:
-حتى أعطيكِ من خبرتي، فرفيقك لاعب قديم ومحترف، أستطيع إعطاء المشورة وعن ثقة.
-أها
تفوه بها عمران وهو يحرك رأسه يدعي التفهم، ليتبع بسؤاله هو الآخر:
-وهل المرأة التي أخذتك بسيارتها منذ قليل، كانت من ضمن فرقتك؟
تحول وجه عصام ليردف بلهجة غاب عنها الهزل:
-إنها امرأة عادية كنت على معرفة بزوجها قبل تمكني من العمل هنا، يعني امرأة متزوجة وليست من هذا النوع الذي تظنه.
ظهر سن عمران مع ابتسامة ساخرة يخاطبه بعدم تصديق:
-يبدوا أنها فعلًا فاضلة بدليل العباءة السوداء التي تفصل جسدها الممشوق بدقة، وزينه وجهها الصاخبة بالمساحيق المتعددة، وحجابها الصغير العائد لنصف رأسها حتى يظهر خصلات شعرها الملونة بالأصباغ.
رغم الإرتياع الذي شعر به من دقة الوصف التي ذكرها عمران عن المرأة وانتباهه الشديد إلا أنه استطاع التماسك، ورد بادعاء المزاح:
-أرى انك جيد جدًا في وصف النساء، هذه موهبة جديدة اكتشفها بك يا رجل، عكس ما اراه منك دائمًا.
استطاع بكلماته إثارة غضب الاَخر من جديد، فهذا العصام رغم كل ما يدعيه من هدوء، الا أنه ليس قليل الحيلة ودائمًا ما يجد الحل للهرب حينما يحاصره أحد ما في الزاوية، فقال عمران يرد بدفاعية:
-لست أنا يا عصام من ينطبق عليه كلامك هذا، تعلم جيدًا بأخلاقي، وأني دائمًا ما أغض النظر عن النساء.
ولكني لست اعمى حتى لا أرى بعيني وأفهم طبيعة من يقف أمامي، وهذه المرأة بأسلوبها وملابسها توجه دعوة صريحة للفت انظار الرجال إليها والتفكير بها بأشياء أخرى، أنت تعلمها جيدًا .
توقف يتطلع إلى الاَخر وهو يتنهد بغيظ بعد إفحامه ليشيح بوجهه إلى الناحية الأخرى، فاستطرد يجذب انتباهه مرة أخرى بسؤاله؛
-لكن عندي سؤال، ألم تذكر يا رجل في بداية رؤيتك لها؛ أنك لا تعرفها؟ إذن كيف ذهبت وجلست معها بالسيارة وتظل لقرب الساعة.
قال الأخيرة وتوقف يرى انسحاب الدماء من وجه عصام، فقد غفل وتناسى كذبته عقب مفاجأته بزيارتها، ورد يجيبه بارتباك وهو يبحث عن كلمات:
-لم أتبين من شكلها في البداية، ولكن حينما اقتربت منها عرفتها على الفور، زوجة رئيسي في العمل السابق، ولقد أتت طالبة خدمة لزوجها فهو مريض الان.
ردد من خلفه بتشكك:
-جاءت إليك في خدمة لزوجها المريض، وهل أنت طبيب؟
-لست أنا الطبيب، ولكني أعمل لدى الطبيب وعلى معرفة به.
قالها بنفاذ صبر وهو ينهض عن مقعده منهيًا النقاش بقوله:
-أنا ذاهب لأقوم بجولة تفقدية حول المبني، ولأرى حالة الأمن.
تبسم عمران بارتياح وهو يتابع مغادرته، وقد تمكن بذكائه من صرف انتباهه عما كان يفعل، بعد أن أجفله بقطع المحادثة معها، وعلى ذكر المحادثة غمغم بالسباب بغيظ، وقد تعكر مزاجه بفعل هذا الأحمق، بعد أن شعر بسعادة لم تصادفه على الإطلاق قبل ذلك .
❈-❈-❈
وفي الأعلى كانت ماتزال ممسكة بالهاتف تتطلع برسائل المحادثة وهذه الصور الجديدة، رغم توقفه فجأة، ولكنها لاتزال لا تستوعب ما يحدث، كل ما تراه من شواهد يجعلها تصدق، فالرجل يحدثها بذكرياته الشخصية.
يذكر تفاصيل لا يعلمها إلا هو أو أشقاءه، كما أنه يعبر
عما يشعر به من ارتياح منه نحوها، وعن إعجابه به وبعغويتها التي لا يصادفها في عالمه العملي، وزوجته الطبيبة، بالتأكيد انها لا تجد الوقت لسماعه، وسماع ما يود البوح به عن نفسه وعما يشعر به ويريده
فالمرأة أيضًا معها العذر بهذه المسؤوليات الكثيرة الملقاة على عاتقها من عمل بالجامعة والمشفى وعيادة أخرى غير التي يعملون بها هنا.
-إذن هو أيضًا معه الحق.
غمغمت بها بصوت واضح مع خاطرها الاَخير، ثم نهضت من محلها لتقترب من المراَة لتجلس أمامها تتلاعب في خصلات شعرها الذهبي وتتأمل بجمال وجهها وبشرتها النضرة بفضل الإهتمام المستمر مع المواظبة على متابعة كل جديد يساهم في العناية بها من منتجات جديدة، تطلبها من عصام ولا يتأخر عن تلبية طلبها،
فهذه من أهم مميزاته، ثم أشياء طبيعية أخرى تفعلها في المنزل مع عزة أحيانًا، فتأتي بنتائجها السريعة لتزيد من نعومته وإشراقه، فتتساءل، هل بحديث الطبيب معها يقصد فقط العفوية والطيبة كما يذكر لها دائمًا؟ أم أنها حجة لإعجابه بها هي نفسها.
تنهدت بحالمية مغمضة عينيها أن يكون ما تتمناه حقيقة بالفعل، الطبيب الشهير يعجب بالمرأة الريفية زوجة الرجل الذي يعمل لدي….
فتحت أجفانها فجأة تستفيق من هذا الخاطر الغريب، لتهزهز برأسها لتنفض عنها هذه الأفكار التي شطح بها عقلها، ليُخالف الواقع الذي تعيش فيه ويخالف المنطق.
نهضت من أمام المرأة لتعقد شعرها للخلف بإهمال قبل أن تعود لتختها كي تغطس تحت غطائها، مقررة النوم حتى تهرب من حيرتها وخيالها البائس، ظلت تتقلب على فراشها وتستجدي النوم حتى غلبها سلطان النعاس، فلم تشعر بنفسها سوى على صوت رنين الهاتف صباحًا، بالنغمة المخصصة بزوجها
تناولته من فوق الكمود لتجيب بصوتٍ ناعس:
-الوو … لماذا تهاتفني يا عصام الان.
وصلها رده من الجهة الأخرى:
-ااا لقد اتصلت بكِ لأخبرك أنني لن اَتي على المنزل بعد انتهاء نوبة عملي بعد قليل، فلدي أمر هام سوف أذهب لأفعله .
-اي أمر هام؟
سألته باستفهام ليجيبها على نزق:
-سأبحث عن علاج أمي المستورد عند أحد أصدقائي القدامي؛ والذي يعمل بالجمارك، هل لكٍ من أسئلة أخرى؟
كانت تود سؤاله عن اسم الشخص أو إلى متى سيتأخر ولكن لهجته الحادة جعلتها تبتلع كل كلماتها، لتجيبه باستسلام:
-لا يا عصام، صحبتك السلامة.
رد بصوت هادئ نسبيا ليخفف من حدته:
-لن أتأخر كثيرًا، اذهبي انتي اقضي وقتك مع عزة، ولتفرحي معها بالخبر الجديد:
-اعتدلت بجذعها لتسأله بانتباه:
-أي خبر؟
أجابها من جهته:
-لقد وافق زوجها على اقتراحك اليوم، وسنذهب في نزهة عائلية كما اتفقنا.
-هللت بصوتها تساله بلهفة:
-على حق يا عصام، يعني أنت لا تكذب ولا تضحك علي ككل مرة.
وصلها صوت زفرته عبر الاثير ليردف بغيظ:
-لا أكذب يا ابتسام هذه المرة، واغلقي هذه المكالمة اللعينة الاَن حتى لا أتأخر على الرجل.
-حسنًا، مع السلامة يا عصام.
أردفت بها قبل إنهاء المكالمة من جانبه، لتنهض سريعًا عن تختها تغمرها الحماسة والبهجة.
فهذه النزهة تحلم بها منذ شهور، ولا تصدق انه وافق اليوم عليها واخذ أيضًا موافقة زوج عزة،
صفقت بكفيها بسعادة لتذهب نحو خزانة الملابس تنتقي ما يليق بالخروج من ملابس، قبل الذهاب إلى عزة لفعل التجهيزات اللازمة والاتفاق على المكان المقصود.
❈-❈-❈
وفي الشقة المجاورة
خرج عمران من حمام غرفته بعد أخذ حمامه اليومي عقب انتهاء نوبته كطقس روتيني تعود عليه كل صباح قبل أن يخلد للفراش، كان يجفف بمنشفته الصغيرة على شعر رأسه، حينما وصل إليه صوتها في هذا الوقت المبكر.
عقد حاجبيه مندهشًا من قدومها قبل ميعادها بساعة على الأقل، فهذا موعد إفطار عصام كما يعلم ويعرف عن كرهه لأكل الشارع، تناول كرسي مراَة الزينة بهدوء ليجلس ويراقب كعادته من نافذته الصغيرة عبر ثقب الباب الخشبي لغرفته.
-سنخرج معًا يا عزة اَخيرًا وافق المجنون واقنع زوجك أيضًا، أقسم بالله مازالت لا أصدق حتى الآن.
قالتها ابتسام بفرحة تخاطب الأخرى اثناء جلوسهم في الصالة التي توسطت المنزل، تبسمت لها عزة وهي ترد على كلماتها ببهجة ارتدت عليها من فعل الأخرى لتشاكسها:
-حبيتي يا فرحانة، الا تجدي انك تبالغين بحماسك هذا؟ فربما كان يكذب عليكِ ماذا سيكون وقتها رد فعلك؟.
شهقت فاغرة فاهها بقوة وبصوت عالي مستنكرة جعلت عزة تضحك من قلبها، قبل أن تردف لها:
-اقسم بالله وقتها لن أسامحه أبدًا، بعد أن يعشمني يخلى بي؟
أكملت عزة لتتحدث مابين ضحكاتها:
-وماذا ستجني ان لم تسامحيه بعد أن يصيبك الإحباط واليأس.
-عزة!
هتفت بها توقفها لتردف بحزم
-كفي عن المزاح الثقيل يا امرأة، ولا تفسدي فرحتي.
لقد تعطف علي هذا المتعجرف واتصل ليخبرني عبر الهاتف كي ابشرك ولتفرحي معي أيضًا، افرحي يا امرأة وكفي عن رسم السيناريوهات للبائسة.
سألتها باستغراب:
– ولما يتصل بكِ ليخبرك عبر الهاتف؟ الم تنتهي نوبته هو الاَخر مع عمران، لقد عاد الرجل منذ ساعة، قبل أن يدخل غرفته لينام بها.
ردت ابتسام:
-نعم اعلم، ولكن زوجي خرج في ميعاد ضروري، لقد أخبرني انه سيذهب إلى أحد اصدقائه القدامي كي يأتي له بعلاج والدته المستورد، لأنه يعمل بالجمارك.
-ومنذ متى وزوجك يبحث عن علاج غائب لوالدته؟
سألتها عزة بعفويتها لتُنبه الاَخر بداخل الغرفة على غير قصد، وردت ابتسام تمط بشفتيها:
-لم يذكر لي قبل ذلك، ولكن هذا ما أخبرني به.
صمتت برهة بتفكير في ما قالته عزة، ثم ما لبثت أن تنفض رأسها سريعًا قائلة:
-دعينا في المهم الاَن.
رددت عزة من خلفها لتسأل:
-وما المهم الآن؟
اعتدلت لتردف بغبطة تملأ قلبها:
-أننا نجهز بكل شئ، يعني مثلًا تذهبي أنتٍ من الاَن لخزانتك، تختاري الفستان الذي سترتديه والحجاب المناسب له، والحذاء إن كان يحتاج لتلميع
لابد أن تكوني على اهبة الإستعداد، حتى إذا قال لك زوجك هيا، تكوني منتهية من كل شئ.
اومأت لها عزة بتفهم وابتسامة مرحة:
-فكرة جيدة يا أستاذة ابتسام، وقد اقتنعت.
-إذن فتنهضي وتنفذي في التو واللحظة، وانا أيضًا.
هتفت بها وهي تستقيم واقفة من جوارها، سألتها باستغراب توقفها:
-إلى أين يا مجنونة؟
التفت إليها تجيبها قبل أن تستدير:
-سأتناول فستاني الجديد والذي اخرجته من الخزانة قبل قليل، ثم اقوم بغسله وكيه أيضًا، وبالمرة أضع على وجهي بعض الأقنعة الطبيعية لكي تصبح بشرتي نقيه وصافية وقت الخروج.
ردت عزة ضاحكة لها:
-مجنونة.
.
سمعت منها تبادلها الإبتسام وهي تومئ برأسها، ثم ذهبت نحو شقتها لفعل ما قالته، وفي داخل الغرفة نهض هو أيضًا بعد انتهاء الجلسة ليعيد كرسي مراَة الزينة إلى مكانه الطبيعي، ثم ارتمي على تخته وفراشه وعقله يستعيد سؤال عزة، ويبحث عن إجابة عن المكان الذي ذهب إليه عصام في هذا الوقت صباحًا.
لقد انتهت مناوبتهما وذهب كل واحد في طريقه، هو عاد إلى منزله على الفور والاَخر خرج مغادرًا من باب الخروج نحو الشارع فورًا وكأنه على موعد مهم، لقد ظن بعقله ان يكون ذاهبًا لابتياع شئ من سوق الخضروات خلف المركز، أو يشتري شيئًا اَخر من محل البقالة المقابل لهم،
وقد مرت ليلتهما هذه المرة بجو مشحون يشوبه التوتر، بعد حديثهما عن المرأة اللعوب التي مازال منذ الأمس يذكر نظراتها الجريئة نحوهما، ورغم مزاحه في اول ألليل، إلا أنه قضى معظمه تدخين في السجائر والسير على أقدامه ذهابًا وإياباً في الجزء الذي كان يحرسه بشكل فضح توتره .
انتفض فجأة وعقله عمل بسرعة ليخمن مكان عصام لا بل هو متأكد بنسبة كبيرة، بعد هذه الليلة الطويلة من التوتر وانقلاب حالة من بعد رؤيتها، لابد أنه ذهب إلى المرأة، ولابد انها هي صاحبة الاتصالات المتكررة التي تأتيه بكثرة هذه الأيام .
تنهد يعود لنومته باسترخاء وقد توصل للمعلومة دون جهد،
فهذا الغبي تسير الخطيئة داخل وريده مهما فعل أو أنكر، تنهد يتناول هاتفه، ليكمل ما قطعه الأمس، فلا داعي للإنتظار الاَن، أرسل يبدأ بالتحية؛
-صباح الخير.
لم ينتظر طويلًا حتى أتته رد التحية برسالتها:
-صباح النور.
ليتبع بالرسالة الأخرى وكذبه متقنة:
-أرجو أن تتقبلي أسفي لقطع المحادثة امس دون استئذان، فقد اقتحم أولادي الصغار علي خلوتي وقتها ولم اتمكن بعدها من إمساك الهاتف.
وصله رسالتها:
-أنا أيضًا خمنت ذلك، مع أن ظني ذهب نحو زوجتك، لكن لا بأس
ارسل لها:
-شكرًا جدًا لتفهمك
ردت بواحدة أخرى:
-هذه اول مرة تراسلني صباحًا أليس هذا ميعاد تدريسك في الجامعة؟ أم تكون مناوب في المشفى كما اعرف عنك في هذا الوقت.
تنهد متبسمًا بمرح يبعث برده:
-نعم هذا وقت المناوبة، ولكني استقطعت نصف ساعة من وقتي كي أحدثك، هل تسمحين؟
ضحك ينتظر إجابتها المتوقعة بالنسبة إليه:
-نعم نعم، انا أيضًا تقريبا متفرغة الاَن.
زام بفمه المطبق يفكر في رسالة أخرى تتخطى هذا الحاجز الرسمي قليلًا، ثم أرسل لها:
-إذن ماذا تفعلين؟
❈-❈-❈
نهض عنها ليعطيها ظهره ثم تناول ملابسه ليرتديها سريغًا بصمت، رافضًا النظر إليها وقد تمكنت بإغوائها له حتى راودته عن نفسه، ليعيد تكرار ذنب قد ظن واهمًا أنه قد تاب عنه.
تناول سيجارة من علبتها لينفث دخانها عبر فتحة صغيرة من النافذه تمكنه من استنشاق هواء الطبيعي من خارج هذه الغرفة الملوثة بكل شئ فيها حتى هواءها، وبنفس الوقت لا تلفت نظر الجيران إليه.
يشعر باختناقه ورغبة قوية في كره نفسه وضعفه، لقد كان مصرًا على رأيه وكان يظن أنه قادر على المقاومة رغم معاناته طوال الليلة الفائته في التفكير المستمر وخلق الأسباب التي تمعنه من الذهاب إليها.
لقد وضع خططًا وأشياء يود فعلها لتلهيه عن التفكير فيها او مطاوعة نفسه للإنسياق خلف العرض المستمر لها، لكن ماذا حدث؟ لا يذكر.
يذكر فقط انتهاء مناوبته وبعدها تحركت اقدامه نحو الخروج واللحاق بأول وسيلة مواصلات أتت به إلى هنا.
ثم يجد نفسها بأحضانها وعلى الفراش الذي اعتاد عليه منذ سنوات، وكأنه عقد مشاركة دائمة مع صاحبه!
انتفض فجأة على لمسة من كفها على ظهره من الخلف ليلتفت إليه بوجهه المتجهم يسألها بحدة:
– ماذا تريدين؟
لم تجيبه ولكنها اكتفت بتناول السيجارة من يده لتنفث منها عدة مرات أمام وجهه مع ابتسامة مغوية تجيدها جيدًا.
ثم استدارت عنه لتسير بخطوات متمهلة واثقة، مع ارتداء منامتها الكاشفة عن مفاتنها بسخاء،
حتى وصلت إلى تختها لتجلس على طرفه واضعة قدم فوق الأخرى وكأنه تناكفه أو هي بالأصل تريد استفزازه وإخراج شياطينه، نعم فهي تبرع في ذلك جيدًا.
تخصر بوقفته أمامها يطالعها بغضب، وصدره يصعد ويهبط بتلاحق أنفاسه الهادرة بتحفز لتجد نفسها مطلقة ضحكة مدوية على هيئته تزيد من استفزازه قبل أن تخاطبه:
-مابك يا راجل؟ لما انقلاب حالك المفاجئ هكذا، بعد أن كنا….
قطعت عن قصد لترى رد فعله وهي تشير بيدها على التخت، ليشيح بوجهها عنها وكأنه لا يحتمل النظر إليه، لتطلق ضحكة مدوية مرة أخرى مرافقة لقولها:
-إلى هذه الدرجة المنظر بشع؟
زفر يضرب بكفيه على إطار النافذة بعنف جعلها تستشعر غضبه هذه المرة بالفعل، لتقف فجأة وتخاطبه هذه بجدية مصاحبة لانفعالها:
-كف عن أفعالك الصبيانية هذه يا عصام، فلست وحدي الشيطانة.
التف إليها بوجهه المظلم ليجدها تردد بتأكيد:
– نعم حبيبي هذه معلومة معروفة، فلا تحاول التنصل من ذنبك، هذا لو اعتبرته ذنب.
عقد حاجبيه بشدة يطالعها بدهشة وكأنه يريد تفسير، فوجدها تجيبه على الفور بسهولة أدهشته:
-لا تعتبره ذنب حتى لا تشعر بتأنيب الضمير.
اعتلى وجهه ابتسامة ساخرة وهو يرد على،كلماتها:
– هكذا وبكل بساطة يا حبيبة، لا اعتبره ذنب وكفى، حتى لا أشعر بتأنيب الضمير، ما بالك يا امرأة؟ هذه المشاعر كان من الواجب أن تسبق إحساسك عني، فا أنتِ امرأة وانا رجل.
اعتدلت لترد باستهجان:
-وما الفرق بين الرجل والمرأة، في الخطأ المسؤلية تقع على الطرفين، وليس واحدًا فقط كما تظن، فالمرأة الخائنة لم تخن مع نفسها والرجل بالمثل أيضًا.
توقفت بعد أن ظهر على وجهه التأثر. فتنهدت بصوت عالي قبل ان تنهض من محلها وتقترب منه مستطردة باستنكار:
-لما تدخلنا في هذا النقاش الأحمق؟ لم نعكر صفو جلستنا، بعد أن كنا على مقربة من لمس النجوم منذ قليل..
ظل مطرقًا رأسه نحو الأرض فكلماتها تزيده اختناقًا وشعورًا بالذنب، ولكنها تابعت وهي ترفع بسبابتها وجهه من أسفل ذقنه لتقابل عينيها خاصتيه:
-عصام انظر إلى يا حبيبي، أنا وأنت ناخذ حقنا من الدنيا، متعتنا الوقتية هذه كانت ومازالت هي المخذر الذي ينسينا ما نقاسيه، انا بزواجي في السر من رجل أحمق يكبرني بثلاثين عامًا يظن أنه امتلكني بماله، وأنت بهروبك إلي من عشق امرأة كانت تتمتع بجرح كرامتك بتكبرها وتفوقها عليك.
صمت يستوعب كلماتها التي تمكنت من امتصاص غضبه، ثم قال ردًا على كلماتها:
-ولكن الحياة تعطينا الفرص، وانا دائمًا ما أحاول التمسك بالفرصة، ونسيان الماضي بكل ما فيه، حتى أنت يا حبيبة، فاأنتِ أيضًا من الماضي
تبسمت بثقة لتجيبه:
-لن تستطيع ولو حاولت، فا أنا أجري بدمك وبداخل أوردتك، لقد قولت لك قبل ذلك، أنت تريدني وأنا أريدك، والاَن اضيف لك، أنت أبدًا لن تستطيع الاستغناء عني .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين العشق والهوس)