رواية ما بين العشق والهوس الفصل الخامس 5 بقلم أمل نصر
رواية ما بين العشق والهوس الجزء الخامس
رواية ما بين العشق والهوس البارت الخامس
رواية ما بين العشق والهوس الحلقة الخامسة
خرج من الغرفة وفور أن وقعت عينيه على المائدة الصغيرة للطعام وقد توسطها الطبق الكبير للون الأخضر لمحشي ورق العنب الذي يعشقه بالفعل، صياح الأمعاء الجائعة اصبح وحوش تعوي بداخله وقد زاد جوعها لأضعاف فور الرؤية المحببة إليها، ولكنه اللتزم الهدوء حتى جلس على مقعده على رأس السفرة.
وضعت اقراص الخبز بجانبه ثم ذهبت للمطبخ لتأتي بالبقية، انتهز الفرصة ليتناول اربعة خلف بعضهم سريعًا، والطعم بفمه يكاد أن يطيح بعقله من الروعة، تناول بعضهم سريعًا مرة أخرى قبل إن تخرج من المطبخ ليتمهل بالمضع حتى لا ترى لهفته.
اقتربت لتلامس كتفه الأيمن بذراعها المكشوفة وهي تضع طبق الدجاج المحمر أمامه، ثم الأطباق الصغيرة بالتوالي وهي تتعمد التلامس عن قصد لتزيد من ارتباكه الذي يحاول بصعوبة للسيطرة عليه، رائحتها الرائعة مع شهيته المفتوحة للطعام كل هذا يجعله بعالم اَخر معها.
جلست اَخيرًا لتتناول الطعام على مقعدها، لتجده انكفأ على طبفه يتناول بصمت دون أن ينظر إليها، الأمير المتعجرف يتعمد التجاهل رغم كل ما تفعله معه، وكأنها هي من أخطأت كما تفوه بالأمس وأردف بالكلمات التي سرقت النوم منها، ليتها تفهم ما يدور برأسه.
عصام زوجها الذي يشعرها في لحظة أنها ملكة متوجة على قلبه، ثم يقلبها بغتة ليزرع الخوف بقلبها مع تهديده الدائم أنه قادر على الاستغناء عنها في أي وقت وبدون تفكير، ولكنها تعلم أن لها مكان ما في قلبه، ولكنه يأبى الإعتراف أو الشعور به.
تطلعت إلى شهيته المفتوحة وهو يتناول الطعام بنهم، وقد تناسى تحفظه معها، يبدو أن الجوع مع طعم طعامها الشهي قد أتى بمفعوله معه.
-بالهناء والشفاء على قلبك.
قالتها فجأة وكأنه تنبهه على لهفته على طعامها، سمع منها يومئ برأسه لها دون صوت.
تابعت هي بمخاطبته سائلة بقصد فتح الحديث معه وفك جموده، فقد ضاقت من المحاولات الكثيرة التي لم تؤتي بنتيجة جيدة حتى الاَن معه:
-لم تقل لي رأيك في الطعام؟ هل أعجبك؟
صمت قليلًا ثم أجابها وعيناه الحادة تأسر خاصتيها:
-تعلمين أني أحب محشي أوراق العنب، هذا يعني أن طعامه بفمي سيكون جميلًا حتى لو هو ليس كذلك.
اعتلت ابتسامة رائعة ثغرها لتردف له:
-نعم أعلم وفعلته مخصوص من أجلك يا عصام، كما فعلت أنت صباحًا وأتيت إلي بالشئ الذي أحب.
عاد إلى طعامه ليُظهر عدم اهتمامه رغم فهمه لما تقول، وشعورها هي بما يقصده من تجاهل، لتجفله فجأة بمسك يده ليرفع أبصاره إليها باستفهام ليجدها تخاطبه برجاء:
-أرجو منك ألا تفعلها مرة أخرى يا عصام، انا أحاول دائمًا لإرضاءك، ومجاهد بكل قوة حتى تفشل زيجتنا.
صمتت برهة لتتابع:
– عدني ألا تفعلها أرجوك، إن وجدتني أخطأت نبهني أو حتى وبخني، أو اضربني لو لزم الأمر، لكن لا تهددني بالانفصال.
كانت تتطلع إليه ياستجداء وهو يبادلها النظر بصفحة مغلفة لوجهه لاتظهر أي رد فعل لقولها.
ظل على وضعه لحظات بصمته يحارب لعدم الإستسلام، يرغم نفسه لعدم الإستماع لهذا النداء الخفي بداخله والذي يأمره بمطاوعتها والإستجابة لرجائها، أنهي حديث حيرته بالنهوض فجأة عن الطعام، وقبل أن يلفها الإحباط وخيبة الأمل جيدًا، باغتها بطبع قبلة على وجنتها أجفلتها من خلف ظهرها.
شهقت متفاجئة من فعلته فتبسمت بفرحة، لتجده حاوط كتفيها بكفيه، ليمرر بشفتيه على عنقها بتمهل أربكها عن المقاومة وشتت عقلها عن التفكير، حتى وصل بالقرب من أذنها ليكمل هامسًا لها بصوته الدافئ:
-سأنتظرك بالداخل لا تتأخري…. هممم لا تتأخري.
ختم بقبلة كبيرة أخرى ثم استقام ذاهبًا نحو غرفته، وقد زررع بداخلها فرحة وقتية ونجح بخبرته أن يُنسيها ما كانت تُصر عليه منذ قليل، ألا وهو؛ الوعد الذي لم ينطق به.
❈-❈-❈
في الشقة المقابلة
كانت عزة متكئة بجلستها على الاَريكة تشاهد مسلسلها المفضل على على شاشة التلفاز المعلقة على الحائط، حينما شعرت بفتح الباب الخارجي والذي دلف منه زوجها بعد ذلك، يحمل بيديه عدة أكياس، ألقى التحية لتجيبه على عجل قبل أن تسأله:
-أين ذهبت يا عمران؟ لقد دخلت الغرفة منذ ساعة ولم أجدك نائمًا على فراشك، كيف خرجت وانا لم أشعر بك؟
أجابها وهو يُلقى سلسلة المفاتيح أمامها على الطاولة قبل أن يجلس ويضع بجوارهم الأكياس التي بيده:
-لقد خرجت بعد ان خاصم النوم جفني، فبعد نومي على التخت القديم ظللت لمدة طويلة اتقلب على فراشي ولم أجد فائدة، تذكرت الدواء الناقص معك فنهضت وارتديت ملابسي وخرجت لاَتي بهم، وأنت مشغولة في مطبخك بإعداد الطعام.
صمت برهة ليتابع:
-ألقي نظرة على ما أتيت به من أدوية، لتري هل هي نفسها الأصناف المطلوبة في علاجك أم لا؟
قطبت بدهشة من الأكياس المتعددة أمامها، فاقتربت لتفحصهم، لتجد كيس به مجموعة الأدوية الخاصة بها والأخر فاكهة والثالث كان….
شهقت بفرحة طفولية وهي تخرج العلبة المغلفة لتردف بغبطة لعمران.
-انها علبة مشكل لمجموعة من الحلويات.
تبسم يجيبها بفرحة لفرحتها:
-نعم يا عزة لقد أتيت بها لأجلك حينما وجدت محل الحلويات أمامي وتذكرت عشقك لهذه النوع.
تطلعت إليه بامتنان قائلة:
-شكرًا لك يا عمران، لأنني فعلا كنت أتشوق لتذوقها ولكني كنت خجلة من طلبها،
-مرة أخرى يا عزة، ألم أقل لكِ قبل ذلك ألا تتردي في ذكر أي شئ ترغبين به، لما الخجل من الطلب بما ترغبين به يا امرأة وانا زوجك؟
قالها باستياء حقيقي.
-حسنًا سوف أفعل.
قالتها بعدم انتباه وهي تفتح العلبة وتخرج لها قطعة حلوة لتأكلها باستمتاع قبل أن تبحث في الكيس الاَخر فهتفت ضاحكة:
-هذا تفاح ومعه.. تين! ما قصتكما اليوم يا رجل مع التين، أو تكون متفق مع جارك؟
سألها يدعي عدم الفهم:
-ماذا تقصدين؟ وما دخل جاري بما ابتعت من فاكهة؟ ما القصة يا عزة؟
ضحكت ببرائة تجيبه:
-ليست قصة ولا رواية إنما فقط هو جارنا العزيز أتى لزوجته بالتين الذي تحبه من أجل صلحها بعد مشاجرة أمس، وقد أتت إلي بطبق منه صباحًا.
-اممم.
زام بفمه يدعي الفهم لما تقصده، ليردف لها:
-إذن هي من أتت بالطبق الذي وجدت به ثلاث حبات في البراد، بصراحة يا عزة رأيت حبات التين الطازجة، وهممت بأخذ واحدة منهم ولكني غيرت رأيي وفضلت أن اشتري أفضل.
حجة زكية منه ليبدو الأمر منطقيًا أمام زوجته الغافلة، فهي لا تعلم أنه قام بشراء التين ليرى رد فعل الأخرى غدًا برؤيته، بعد أن سمع قصتها اليوم عن جدها وجدتها حينما كان يتصنت خارج المطبخ، فلم يتمكن من الرؤية الجيدة كما يفعل دائما من ثقب غرفة نومه.
توقف عن شروده ليرى فرحة عزة بهذه الأشياء البسيطة، وهي تتناول في قطع الحلويات المختلفة وتدعوه لمشاركتها:
-سوف اَتي من المطبخ للطبقين.
هتف بها يوقفها باعتراض:
-لا داعي يا عزة، لقد تناولت قطعة من يد الرجل البائع ولم تعد بي شهية لأي صنف من الحلوى .
أومأت عزة بتفهم لتكمل بعرضها:
-إذن فلتتناول طعامك بوجبة الغداء، سوف أقوم وأحضرها لك، فقد أعددت اليوم محشي أوراق العنب مع جارتي، شهيًا وسيعحبك بحق.
أومأ لها بالموافقة، لتنهض متلهفة رغم حرسها الشديد على صحة الجنين بخطواتها المتأنية، فظلت عينيه مثبتة عليها على ظهرها النحيل وهي تنصرف نحو المطبخ من أمامه بتفكير يحدث نفسه من الداخل:
-طيبة وتستحق كل الخير، ولكنها متواضعة في كل شئ، ولم تصل أبدًا إلى الصورة التي رسمها بخياله، ووضعت نصب رأسه في اختيارات العروس سابقًا، قبل أن يصدم من كم النساء الاَتي رفضنه جميعًا لصورته.
ولكنها الوحيدة التي وافقت عليه، ورغم امتنانه لموافقتها، ولكنه أبدًا لم يقدر أن يراها كما تمنى، أو يراها كما يرى جارته العزيزة إبتسام.
❈-❈-❈
في المطبخ
وبعد أن دلفت إليه وتناولت الأطباق من البراد فوضعتهم في السخان الكهربائي، توقفت محلها بالمدخل، وذهبت عينيها إلى الصالون حيث الاَريكة التي جلس عليها باسترخاء ومد أقدامه على الأرض أمامه، يقلب بجهاز التحكم في شاشة التلفاز بعدم انتباه لنظراتها.
وهي تشمله بعينيها بتفحص ليس بالجديد عليها، بل تفعله دائمًا حينما يكون منشغلًا أو غافلًا عنها، بغض النظر عن التشوه الكبيرة الذي أخذ نصف وجهه، فهو يمتلك بنية جسدية رائعة في طوله وعرض عظامه، لا هو بالسمين المترهل بدهونه، ولا هو رفيع بعظام بارزة.
عريض المنكبين، مستقيم الأنف رغم انفراج فتحتي التنفس قليلًا، شعره ليس بالمجعد ولا بالكستنائي الحريري، انما هو ناعم ومعظم الوقت لا يحتاج ألى التصفيف بالفرشاة، وإنما بأنامل أصابعه تكفي.
لديه مميزات بشكله غافل هو عنها كمعظم من يراه في المرة الأولى قبل أن يعرفه جيدًا أو يتعامل معه بعد ذلك ويعتاد عليه، تذكر اول لقاؤها به حينما تقدم لخطبتها، بعد أن دله أحد أقاربها عليها ثم تدخل هذا الرجل وكان الوسيط في تجميع رأسين في الحلال.
في هذا اليوم
تفاجأت بكم التعليقات الناقدة له من أهلها، وقبل حتى أن تدخل إليه وتراه؟ فقد أجمع الجميع على أنه لن يعجبها وسيخرج كما أتى، وعلى الوصف المبالغ فيه توقعت أنها سترى وحشا أو مسخ بتشوهه.
ولكن هذا لم يحدث فعندما دخلت إليه كانت مهيأة نفسيًا في استقباله، وحينما رأته لم تركز على تشوه وجهه لتعتبره عيبًا وتأخذه حجة للرفض، لا بل هي تقبلته بشكل وجهه هذا، رغم أنه لم يكن ينظر إليها من الأساس، أتاها إحساس أن هذا من حسن أخلاقه.
واتسمت فيه التعقل، فشعرت أنه مكسور باليتم مثلها، حن قلبها إليه وظنت أنها ستكون سكنًا له، ويكون هو سندها بعد أن فقدت سندها بموت والديها، فوافقت رغم استغراب ألجميع لموافقتها وظنهم أنها تمزح بالبداية، ولكنها فاجأتهم بإصراراها عليه، حتى استجابوا لرغبتها ووافقوا عليه.
تنهدت بعمق ما تحمله بقلبها نحوه، تتمنى لو يحمل بقلبه لها ولو النصف منه، لتمتم بداخلها بأسى:
-يا ليته يراها كما رأته هي من أول مرة، يا ليته أحبها كما أحبته دون النظر لوجهه لو صورته.
❈-❈-❈
-يا أبا عمران تريدها سادة أم زيادة؟ قولي يا رجل ولا تخجل، الخير كثير.
قالها عصام بتفكه وهو يخاطب الاَخر أثناء نوبة عملهما معًا، والذي كان يتابعه بسكون تام، مندهشًا من مزاحه الدائم وتغير مزاجه عن الأمس من النقيض إلى النقيض، فقال يجيبه:
-تعلم كيف أشربها يا رفيقي العزيز، فما داعي للسؤال؟
جلس على عقبيه عصام يرد متبسمًا وهي يحرك في مشروب القهوة التي يعدها على النار في الأسفل:
-ولكني أًريد أن أسمعها منك، فربما وددت التغير مثلي، أما رأيتني أشربها بالأمس سكر خفيف لكسر المرار فقط، ولكني اليوم سأشربها زيادة، زيادة جدًا.
بادله ابتسامة لم تصل لعينيه ليعقب على قوله:
-تبدوا لي رائق المزاج يا راجل، وهذا ما يجعلك منعتشًا بسعادة، وشهية مفتوحة على الدنيا وعلى كل شئ جميل وطعمه حلو أيضًا.
التف إليه عصام يتطلع إليه بذهول فقد تمكن رفيقه من وصف حاله بدقة، أو يكون هو مكشوفًا أمامه لهذه الدرجة، أومأ له برأسه موافقًا:
-نعم يا عزيزي، لا أعلم كيف تمكنت من إيجاد الكلمات المناسبة لحالتي، ولكنها فعلًا كما قولت هذا ما أشعر به، مزاجي جيد بحق.
اومأ له بابتسامة يدعيها بود عكس ما كان يشعر به بداخله من نيران، فقد تمكن من استنتاجه، لقد تصالحا، هو والغبية زوجته، والتي يجزم من نفسه وعلى غير معرفة، أنها هي من بادرت ولا يستبعد أن تكون ترجته أيضًا الحمقاء، مدام عصام مبسوط هكذا، مشرق الوجه بغبطة بداخله، فهذا يعني أن تخمينه هو الأكيد، غبية.
تفوه بها بداخله قبل يتمتم له بمجاملة:
-أدام الله عليك السعادة يا رفيقي، فمن لا يتمنى ذلك.
رد عصام وهو يُنزل الركوة من على النار قبل فورانها ليصب قهوتها في الكوبين الزجاجيين:
-لي ولك يا صديقي، ومن لا يتمنى؟ إذن فلتتفضل بتناول قهوتك وقد أعددتها مظبوطة لي ولك، فكما قولت، أنا أعلم بها.
تناولها منه ليضعها على الطاولة البلاستيكية بجواره بصمت، يستمع بتركيز إلى ما يردف به الاَخر بشرود:
-أتعلم يا عمران، أن هذه الدنيا دائمًا ما تعوضنا بالأشياء الجميلة بعد الإنكسار، ولكننا لا نراها أو نشعر بها، وذلك لوجود الماضي بأوجاعه بعقلنا فدائمُا ما يضع الحاجر بيننا وبينها.
على الرغم من علمه لما يقول وبدون أن ينطق لسانه بالكلمات، وذلك لمعرفته الوثيقة به منذ توليه العمل معه واخباره بقصة فشل زواجه الأول من المرأة الوحيدة التي أحبها بحق، ولكنه ادعي عدم الفهم ليسأله:
-ماذا تقصد بالحاجز؟ وما هي الأشياء الجميلة التي عوضك الله بها؟ فسر لي كي أعلم .
تبسم عصام يجيبه بمرواغة:
-لا تدقق يا رفيقي، هذه هي الدنيا، يوم جميل واَخر بائس، وهذا شئ لا يحتاج لتفسير أو تدقيق.
إستجاب إليه عمران بشبه ابتسامة جانبية، لعدم رضاه عن الإجابة المبهمة.
ليظل صامتًا يراقب الاَخر؛ الذي ونهض يتمخطر بخطواته وهو يرتشف من قهوته بتلذذ مع صفاء مزاجه، ليجفله فجأة بالتفافه إليه قائلًا:
-مارأيك يا عمران لو خرجنا قريبًا أنا وأنت وزوجتي مع زوجتك، كعائليتن معًا ونتنزه في مكان ما.
مال برأسه فجأة متعجبًا من عرضه المفاجئ ليسأله باستفهام:
-أين تقصد؟ ولما؟
على صوت ضحكة عصام لتزيد من احتقان الاَخر قبل يجيبه:
-يا رجل، أنا اعرض عليك نزهة للعائليتين، هذا شئ طبيعي ويكفله الدستور، نذهب لمجمع تجاري، أو حديقة عامة أو حتى صالة سينما نشاهد فيلم ما أو مدينة الملاهي نتمتع بالصخب واللعب فيها.
هم ليرد بالإعتراض رافضًا، ولكن لسانه أبى أن ينطقها بعد تذكره لها.
ورؤيتها هن قرب وسماع حديثها وقهقهاتها كما حدث في المرة السابقة في عيد شم النسيم، حينما جلسا أربعتهم في الحديقة وبين الخضرة على مفرش القماش وأكل معها من نفس طبق السمك المملح، ليشعر بسعادة شديدة؛ ينقصها فقط عدم النظر إليه على الإطلاق أو توجيهها الحديث إليه ولو مرة واحدة حتى.
-ما رأيك يا رجل؟ لما كل هذا التفكير في شئ صغير وعادي كهذا؟
هتف بها عصام بسأم يخرجه من شروده، فرد يجيبه وهو يزوم بفمه:
-أممم. مع عرضك هذا لا أستطيع الفكاك أو التنصل، فعزة لو علمت برفضي لن تمرر الأمر على خير .
أردف عصام بتفكه:
-نعم يا عمران فصديقك لن يبتلع رفضك بدون أن يخبر زوجته والتي بدورها ستُخبر زوجتك.
استجاب هذه المرة لدعابة عصام بابتسامة حقيقية ليرد بالموافقة ولكن بتحذير:
-إذن فقد استسلمت لقدري، ولكن احذر على ذكر عزة لا نريد إجهادها بالمشي الكثير، حتى لا يتضرر حملها، فا أنت تعلم بحالتها.
لا تقلق.
اردف بها عصام ليذهب بكوبه الفارغ ويغسله من صنبور الحديقة وهو يتابع:
-سوف نتفق على مكان ما ولن نذهب لغيره، مطعم أو كافتيريا مثلًا، أو صالة السينما كما ذكرت لك سابقًا، هي فقط تترجل من السيارة أمام المكان المقصود، وإن احتجنا شئ نذهب أنا وأنت ونترك النساء.
أومأ له بتفهم يهز رأسه ثم التفت على صوت طرق على باب السور الحديدي الكبير، ووجه امرأة رائعة الجمال، بكامل زينتها تتبسم وهي تتطلع إليهما:
-من هذه المرأة؟
تفوه بها عمران باستفسار قبل أن تتنقل أبصاره نحو رفيقه الذي تغير لون وجهه واتسعت عينيه بارتياع.
ليتابع عمران بسؤاله:
-أتعرفها يا عصام؟
نفي الاَخر برأسه على الفور بارتباك قبل أن تجفله المرأة بالنداء بأسمه:
-عصام، يا عصام.
حدق به عمران بتشكك لينهض عن مقعده يخاطبه:
-أنا ذاهب إليها لأرى ما تريد.
-لا بل أنا من سيذهب ، ودعك أنت منها
هتف بها عصام بعجالة ثم تحرك على الفور نحو المرأة بفعل يناقض نفيه، ليُشرق وجه المرأة بابتسامة عريضة برؤيته قادمًا إليها، وتتلقفه بقولها:
-اَخيرًا رأيتك يا عصام؟
وصل المذكور ليلكزها على ذراعها ليدفعها للخلف يقول بتحذير:
-تحركي من أمامي، إمشي إمشي
طاوعته المرأة دون اعتراض وهي مستسلمه لدفعه لها بخشونة كي تسير أمامه، لتردف بميوعة غير مبالية بعنفه أو غضبه:
-جيد حتى ننفرد معًا بالحديث داخل سيارتي بعيدها عن أعين الناس المتربصين.
❈-❈-❈
وبداخل السيارة وبعد أن انضم بجوارها في الأمام صفق الباب بقوة وهو يغلقه، كي يهدر عليها بغضب:
-أجننتي يا حبيبة؟ في مكان سكني وعملي تأتيني؟
كورت شفتيها المطلية بالأحمر القاني لتُجيبه بدلال يشوبه العتب:
-أشتقت إليك يا عصام وأنت لا تُجيب عن اتصالاتي، ولو برسالة .
هتف بوجهها يكز على أسنانه:
-ولماذا أرد يا حمقاء، ألم تستوعبي ما قولته لكِ في اَخر لقاء جمعنا؟ ألم أُنبه وأُشدد على طلبي لكِ لعدم إزعاجي بالإتصال مرة أخرى؟
-نعم قولت… ولكنك لا تقصد.
هتفت بها تعقيبًا على أسئلته لتكمل بابتسامة متسعة:
-أعلم هذا جيدُا يا عصام، في كل مرة تطلب مني الإبتعاد، وبداخلك لا تريد، والدليل أنك لم تحظرني حتى الآن رغم كل تحذريراتك لابتعادي عنك.
تسمع رنين اتصالاتي وتتركها متعمدُا دون رد، كي اَخذ أنا زمام المبادرة كالعادة لأقترب منك بنفسي، اليس كذلك يا عصام؟
سمع منها وازداد احمرار وجهه مع احتقان صدره لما تتفوه به متعمدة كشف ما يدور بعقله، رغم إنكاره الدائم، أجمع قوته ليجيبها بالنفي:
-لا يا حبيبة لست كما قولتي، فا أنت امرأة متزوجة وانا كذلك، لا يحق لي ولا لكِ الخيانة حتى لو بالكلام…
قاطعته بضحكتها الرنانة في قلب السيارة لتقول من بين ضحكاتها:
-رائع أنت جدًا بتفكيرك في هذه الأشياء الجميلة والرائعة، ولكنك لاتفعل بها وأنا أيضًا، هذا طبعي وطبعك، أنت تريدني وأنا أريدك.
قالت الأخيرة بنعومة لتزداد بإغواء وهي تقترب بوجهها منه لتردف:
-لا يمنعك زواج من امرأة للقرب مني، وأنا لا يمنعني رجل عنك، حتى لو كان زوجي.
بالاَخيرة كانت وصلت بقربها منه حتى أصبح وجهها لا يفصله عن وجهه سوى بضع سنتيمترات قليلة، إزدرد ريقه لهذا القرب المهلك منها، فهم بالتشبث باعتراضه الواهي، ولكنها لم تعطيه فرصة لتكمل:
-لقد سافر زوجي يا عصام لزوجته الأخرى في البلدة، يعني قد أصبحت متاحة الاَن لك وفي أي وقت حتى يعود.
يود رفض الدعوة الكريمة منها وتوبيخها بالكلمات القاسية، رفضًا للخيانة التي تبررها له وبكل سهولة ولكن شيئًا ما يمنعه.
يربط لسانه، يشل حركته عن المقاومة، تقوده الشهوة لخيانة غرزت اقدامه بوحلها ولا يعرف كيفية للخروج منها، زادت من قربها، لتهمس بأذنه وصوتها يصل إليه كأنه صدى ما يتحدث به لنفسه:
-تعالى لنستعيد أيامًا جميلة مضت، تعالى لتنسى نفسك وهويتك معي بل والعالم أجمع…
❈-❈-❈
في الجهة الأخرى
وخلف باب السور الحديدي من الداخل، صدره كان يغلي كمرجل نار من فرط ما يشعر به من سوء حظ مقابل ما يمتلكه الاَخر، بنفس ظروفه تقريبًا في كل شئ، إلا هذه الصورة الجميلة التي يتميز بها فتجذب النساء إليه كالذباب حول قدر العسل، وهو المسكين يكفيه التجاهل حتى لا يرى النفور منهن.
يضرب بكفه على اختلال ميزان العدل معه دائمًا، فهذا يمتلك المرأة الجميلة التي يتكبر عليها حتى ولو بكلمة غزل، وهو المسكين يحلم بنظرة واحدة منها إليه، يدعي الصلاح وكره النساء ومع هذا لا يستطيع تخطى ما تعود عليه دائمًا.
فالخطيئة أصبحت تجري بدمه، بداخله الرفض ولكن ضعف نفسه يجعله يخفق في كل محاولة منه للإستقامة، يدعي القوة معها حينما يتفوق بإذلالها، على أتفه الأسباب حينما يقرر فرد عضلاته أمامها، حتى لا تتجرأ وتنقلب عليه، ولكنه في الحقيقية ضعيف ضعيف ضعيف.
نفض يده بضربة قوية على الباب الحديدي حتى اهتز بشدة، قبل أن يعود لجلسته على الكرسي ويتناول الهاتف ليراسلها على حساب الأمس.
-السلام عليكم.
انتظر ردها ولم تُجيب رغم رؤيته للعلامة التي تظهر أن حسابها يعمل والاَن، فتابع لها برسالة أخرى كنداء باسمها:
-إبتسام
أيضًا لم تُجيب على هذه الرسالة لتزيد من غضبه، فيخرح من فمه اللعنات والسُباب عليها قليلة الكرامة، التي يُهينها زوجها وهي ترمي نفسها عليه تترجى وتتوسل رضاه عنها حتى وهو المخطئ:
-غبية حقاء.
لفظ الأخيرة ليُلقي هاتفه على الطاولة البلاستيك بإهمال، ثم تناول من علبة سجائره واحدة يشعلها ليخرج بها غيظه، ينفث دخان الهواء مع انفاسه المتهدجة، طال انتظاره لردها وطال الاَخر بجلسته في السيارة مع المرأة اللعوب.
ولكن من الوارد أن يأتي في أي لحظة، قبل أن تجيبه هذه الغبية وتضيع فرصته في محادثتها الليلة وربما إلى الأبد إذا استمرت بدور الزوجة التي لا تريد إغضاب زوجها وشغلت عقلها، ومض ذهنه فجأة بتذكر الصور القديمة التي نقلها اليوم إلى هاتفه
تناوله على الفور ليُعيد المحاولة معها بإرسال واحدة منهن وهي كانت للدكتور عزيز وهو شاب صغير في السنة الثانية للتعليم الثانوي، بطلة شبابية مبهرة، وهو يرتدي البنطال الجينز في الأسفل وفي الأعلى تيشرت ملتصق بصدره العريض.
شعره الكستنائي الطويل كان منطلق بحرية قبل أن يدخل كلية الطب وتدهسه مسؤوليات التعلم الجدي والممارسة العملية مع أبيه، واقفًا في وسط حديقة المنزل يتشاجر ويضحك مع أخيه، تبسم بداخله حينما تذكر كواليس أخذ هذه الصورة وقد التقطها هو بنفسه لهما.
أرسلها ثم كتب معلقًا في الأسفل:
-هذه صورتي وأنا في الصف الثاني الثانوي، لو تريدي اسألي وانا أذكر لك اليوم الذي أتُخذت فيه؟
وكما توقع لم يصبر دقيقتين إلا ووجدها فتحت وجأته علامة رؤيتها للرسالة، تبسم يسترخي بجسده لخلف المقعد ليتنظر ردها بثقة هذه المرة.
❈-❈-❈
في الجهة الأخرى كانت جالسة على الأرض كعادتها في هذا الوقت تشاهد مسلسلها على شاشة التلفاز، طبق المسليات، في حجرها تتناول منه أثناء اندماجها مع الأحداث، وبنفس الوقت تتابع إشعارات الرسائل التي تصلها دون أن تفتح كما علمها عصام حينما يريد الأفلات من محادثة لأحد الأشخاص.
بداخلها كانت عاقد العزم والنية لعدم الرد أبدًا حتى لو هو نفس الدكتور عزيز، بعد ما حدث بينها وبين زوجها،
وانتهاء الجفاء بينهما، لقد وصلها اليوم منه كلمات غزل لم ينطقها، مشاعر عشق فضحتها عينيه رغم نكرانه الدائم.
لهفة ورغبة حقيقية كافية لرفعها محلقة طائرة في سماء عشقه، رغم خوفها الدائم من انقلاب الأجواء فجأة بالغيوم والضباب المُعتم، فعشرتها معه منذ زواجها به، علمتها أنه غير مضمون، وهي متأكدة من هذا ولكنها تحاول دائمًا لإنجاح الأمر.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين العشق والهوس)