روايات

رواية ماسة وشيطان الفصل السابع 7 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الفصل السابع 7 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الجزء السابع

رواية ماسة وشيطان البارت السابع

ماسة وشيطان
ماسة وشيطان

رواية ماسة وشيطان الحلقة السابعة

_أنس؟!!!!
هتفت بها صفا في دهشة وهي تطالع ابن عمها أنس الذي كان مطرقاً بوجهه في تهذيب واضح…
ليختلس نظرة إليها قبل أن يقول بهدوئه المعهود:
_آسف لإزعاجكِ في هذا الوقت يا صافي…لكن عمكِ مريض ويطلب رؤيتك.
شهقت صفا بعنف وهي تسمع منه هذا…
عمها هو كل ما بقي لها من عائلتها …
وهي تحبه كثيراً رغم أنه كان ساخطاً على زيجتها بعبد الله…
فطالما أرادها لولده أنس الذي لم يتزوج حتى الآن…
لا تريد الإفراط في غرورها فتظن أن أنس لم يتزوج بسببها…
لكن جزءاً منها يشعر بذلك!!!
تركته واقفاً على الباب حتى بدلت ملابسها بسرعة…
ثم توجهت معه لبيت عمها الذي لا يبعد عن بيتها الكثير…
وعلى سريره كان عمها ينتظرها بلهفة…
وما إن رأته حتى ارتمت بين ذراعيه وهي تشعر بحاجتها الماسة إليه…
طالما اعتبرت عبد الله عالمها كله…
وعندما خذلها …وجدت نفسها وحيدة…
كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار…!!!
دمعت عيناها وهي ترفع رأسها نحوه لتقول بحنانها الفريد:
_شفاك الله يا عمي.
تنهد عمها بحرارة وهو يربت على رأسها…
ثم نظر لأنس الذي كان واقفاً يراقبهما بعاطفة صادقة..ليقول له بحزم:
_اتركني مع صافي قليلاً!!
ابتسمت صفا وهي تسمعه يدللها هكذا كما كان يفعل منذ سنوات…
فيزداد حنينها لتلك الأيام البعيدة حيث كانت طفلة…
لم تحمل هماً بعد…
ولم تدرك ما الذي تخبئه لها الأيام…
دفنت وجهها في صدره تخفي دموعها وهي تهمس بحزن:
_أحتاجك يا عمي…أحتاجك لتكون ظهري الذي أستند عليه…اعتنِ بنفسك أرجوك…لأجلي.
فربت على ظهرها في حنان…ثم قال بغضب مكتوم:
_لقد علمت أنه طلقك للمرة الثانية…وأنكِ تقيمين الآن وحدك.
رفعت رأسها لتمسح دموعها برقة…ثم قالت بتماسك:
_أنت تعرف عبد الله يا عمي…سريع الغضب…لكنه يحبني ولا يمكن أن يتخلى عني أبداً!!
لكنها لم تكد تنهي عبارتها حتى انهارت في البكاء من جديد…
كاذبة…
كاذبة!!!
هي لا تثق في حب عبد الله المزعوم هذا….
بل على العكس…
كل يوم يمر عليها بعدما ألقى عليها يمين الطلاق يشعرها أن المسافة بينهما تزداد بعداً…
وأنها لم تكن تعدو سوى خلف سراب….
كطفلة حمقاء حاولت الاحتفاظ بضوء الشمس بين أصابعها فتفلت منها …
لتجد نفسها بعد كل هذا العمر معه …
قد عادت بكف فارغة…وقلب كسير!!!
شعر عمها بكل ما يدور برأسها…فهز رأسه في عجز…
صفا …بقلبها الكبير وعقلها الأكبر لن تتغير…
ستبقى تدافع عن عبد الله بكل استماتة….
محظوظٌ هو بها…
ومنكوبةٌ هي به!!!
تنهد في حرارة ثم ربت علي رأسها ليهمس بخشوع:
_لله الأمر من قبل ومن بعد…اسمعيني يا ابنتي…أعرف أنه لن يجوز أن أخطبك لولدي وأنتِ لازلتِ في عدتك…لكنني أخاف أن يدركني الموت قبلها…أريحي قلبي يا ابنتي…لو طلبكِ ابن عمك للزواج..فلا ترديه خائباً…لن يحافظ عليكِ مثل أنس.
اتسعت عينا صفا في تأثر لكنها عجزت عن الرد…
لن تستطيع الزواج من أنس…
ليس لعيب فيه…كلا…
بل لأنه لا يستحق بعد كل هذا أن يتزوج امرأة قلبها معلق بآخر…
وهي تظن أنها حتى لو طلقها عبد الله…
فلن يعرف قلبها مالكاً له غيره…!!!
لهذا أطرقت برأسها وهي عاجزة عن الرد…فربت عمها على رأسها في تفهم…
ثم همس برجاء:
_فقط فكري في كلامي…واعقليه.
أومأت برأسها إيجاباً…
لتتركه بعدها بقليل عائدة لشقتها مع أنس الذي أصر على توصيلها في هذا الوقت المتأخر…
لكنه لم يتحدث إليها ولو بكلمة واحدة…
وكذلك هي كانت عاجزة حتى عن النظر إليه بعدما سمعته من عمها…
دخلت شقتها تفكر في كلام عمها بشرود…ثم بدلت ملابسها بتثاقل…
عندما سمعت طرقات عنيفة على باب شقتها…
عقدت حاجبيها وهي تظنه أنس قد عاد ليخبرها شيئاً…
فارتدت حجابها بسرعة وفتحت الباب …
ليندفع عبد الله إلى الداخل مغلقاً الباب خلفه ….وهو يهتف بغضب هادر:
_ما الذي كنتِ تفعلينه مع هذا الرجل في هذه الساعة؟!!!!
لكنها مدت يدها لتفتح الباب ثانية …
ثم قالت بهدوء لا يعكس شيئاً من مشاعرها الآن:
_هو ليس رجلاً…هو ابن عمي …وأنا ذهبت معه للاطمئنان على عمي المريض…لكن أنت…ماذا تفعل هنا…وبأي صفة تسألني عن هذا؟!!!
اشتعل جنونه أكثر وهو يسمعها تحدثه بهذه الطريقة….
صفا لم تكلمه يوماً بهذا الأسلوب …
بل كانت تحيطه دوماً بحنانها واحتوائها….
كانت تتفهم نيران غضبه وتعرف كيف تخمدها بشلال عاطفتها الجارف….
لهذا هتف بحدة أشد:
_ماذا تقولين؟!!! لا تعرفي صفتي هنا؟!!
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي حريصة على ألا تنظر إليه…
نظرة واحدة لوجهه قد تثنيها عن عزمها…
قد تجعلها تستجيب لنداء قلبها الذي يرجوها الآن أن تضمه إليها كعادتها لتحتوي غضبته…
لكنها لن تفعلها …
فجرحه هذه المرة أكبر من غفرانها…
أقوي من حبها…
وأعمق من شوقها!!
وأمامها كان هو واقفاً يشعر بغليان صدره…
مرآها تسير مع ابن عمها أوقد نيران غيرته…
لم يحتمل أن يراها مع رجل غيره…
صفا المعموري ملكية خاصة له…
لن يصدق إلا هذا مهما حدث…
مهما ادّعت من صلابة وبرود كما تفعل الآن…
سيذيبها بين ذراعيه حباً …
سيعرف كيف ينتزع استجابة قلبها وجوارحها له من جديد….
فهو يعرف كم تعشقه…
هذه هي الحقيقة الكونية الخالدة التي لن يغيرها شئ!!!
وبهذا اليقين أغلق الباب من جديد …
فرفعت وجهها إليه بترقب وقد عاد قلبها يخفق بقوة عاطفته…
عندما اعتقل عينيها بحصار عينيه للحظات…
قبل أن يهمس بصدق لا يدعيه:
_افتقدتكِ يا صفا روحي!!
قالها ليس كاذباً ولا مدّعياً…
لا ليسترضيها ولا ليداهنها…
بل قالها وهو يعني كل حروفها….
هي حقاً صفاء روحه التي لا تصفو بسواها….!!!!!
لقد اشتاقها فوق الشوق وأكثر….
رغم كل هواجس عقله الذي يشعر نحوها بالنقص….
ورغم كل ذنوب خلواته التي يشعر أنها تحرقه قبل أن تحرقها…
ورغم مشاعره المتخبطة نحوها والتي لا ترسو أبداً علي قرار…
لكنه …حقاً اشتاقها…
هل هو مجرد احتياج لما كانت تمنحه له من عناية واهتمام…؟!!!!
ربما….!!!
لكن ما يثق به حقاً هو ضرورة وجودها في حياته…
حتى لو لم يكن لهذا مسميً عنده…!!!!
وأمامه كانت هي تجاهد للحفاظ على ثباتها أمامه…
صفا روحي!!!!
بصوته الهامس هذا تصيب دقات قلبها بالجنون…
هل يعلم هذا الرجل كم تحبه…؟!!!
هل يعلم كم تموت وتحيا آلاف المرات بقربه..؟!!!
هل يعلم أن روحها معلقة بدقات قلبه…؟!!!
أنفاس صدرها تخرج مشبعة برائحته…؟!!!
هل يعلم هذا الغيور الذي ينتفض غضباً الآن…
أن طيفه يقف حائلاً بين عينيها وبين كل الرجال…؟!!!!
فلا تكاد تتبين رجلاً سواه وسط الوجوه؟!!!
ليته يعلم…
بل ليته أبداً لا يعلم!!
أطرقت برأسها أخيراً وكأنها تخشي أن تفضحها نظراتها…
فاقترب منها أكثر ليحتضن وجهها براحتيه هامساً بحرارة:
_رددتكِ يا صفا!
دمعت عيناها وهي تشعر بالمهانة…لتهمس بعتاب ذبح قلبه:
_بهذه البساطة يا شيخ عبد الله؟!!!تطلقني بكلمة وتردني بكلمة؟!
ازدرد ريقه ببطء وهو عاجز عن الرد..
صفا تستحق اعتذاراً لكنه لن يعتذر…
لم يفعلها يوماً ولن يفعلها…
فزمّ شفتيه بتوتر وهو يرمقها بنظرات حائرة…ليهمس بعدها متردداً:
_تريدين اعتذاراً ؟!!!
ابتسمت بسخرية مريرة لتهمس بنفس اللهجة القاتلة وكأنها تقرأ أفكاره:
_وهل يعتذر الشيخ عبد الله؟!!!
أخذ نفساً عميقاً وهو يتوه في وديان عينيها اللائمتين…
ليجد نفسه يهمس دون وعي:
_لو طلبتِها أنتِ فسأفعلها لأجلك!!
أغمضت عينيها بألم وهي تشعر بقلبها يكاد يتوقف…
هي تشعر أنه صادق…
قلبها الذي يحفظ معالم خرائطه كلها يخبرها بذلك…
لكنها تخشى العودة إليه…
تخشاها كما تتمناها!!
لكنه -هو الآخر- قد التقط ترددها بشعوره بها….
ليميل على وجهها الذي يحتضنه بكفيه …
فيقبل عينيها هامساً بصدق:
_لا تتركيني أبداً يا صفا…أنا حقاً أفتقد نفسي عندما أفتقدك.
سالت دموعها التي طالما أخفتها على وجنتيها…
فمسحها بأنامله هامساً بألم:
_لا تبكي.
نظرت إليه بألم يمتزج برجائها…
لتلتقي عيناهما في حديث طويل…
كلاهما معذّبٌ بصاحبه…
مقيدٌ به…
وضائعٌ معه!!!!
لتقطع هي صمتهما بعد لحظات هامسة بمرارة:
_لم يتبقَ لنا سوى فرصة واحدة يا عبدالله…طلقة واحدة أخيرة وأُحرّم عليك للأبد!!!!
اتسعت عيناه بصدمة وكأنه انتبه فقط الآن لما تقول…
ليجد نفسه يضمها إليه بكل ما أوتي من قوة…
فيعتصرها بين ذراعيه وكأنه يخشي أن يفقدها…
ثم تأوه بعدها هامساً بحرارة:
_أحمقٌ أنا لو أضعتكِ من يدي.
رفعت عينيها إليه برجائها المذبوح ألماً…
فمال على شفتيها ليتناولهما بقبلة مشتاقة…لكنها دفعته برفق هامسة بعتاب رقيق:
_أنا فشلتُ أن أكون امرأة وأماً…أليس هذا…
قاطع حديثها بشفتيه اللتين اعتقلتا باقي عبارتها…وهو يضمها إليه برفق حانٍ…
وكأنه يعتذر بلا كلمات…
ليغمرها بعاطفته الخاصة فتشعر أنه اليوم مختلف…
لمساته أكثر حنوّاً ورفقاً و…حرارة!!!!
وكأنه حقاً مشتاق!!!!
هل حقاً يفتقدها كما يقول…؟!!!!
وهل يدرك أنه لم تعد له معها سوى فرصة واحدة…؟!!!!
غابت أفكارها عن رأسها الذي تشوش بمشاعرها الآن…
ليختفي سؤالها من دائرة إدراكها تدريجياً…
لكنه أبداً لم يغادر عقلها الذي كاد يجن بحيرته…
تري…كيف ستكون نهاية مشوارنا الطويل يا عبدالله؟!
======
جلست ماسة في غرفتها وهي تشعر بالضيق والملل…
السيدة حورية لازالت في المشفى منذ يومين…
والجنين في وضع خطر…
نعم…هي مهددة بفقده…
لهذا أبقاها الأطباء هناك تحت الملاحظة….
وهي هنا لا تدري ماذا تفعل بالضبط…؟!!!!!
عملها يختص بالسيدة…
والسيدة ليست هنا…
فما الذي يتوجب عليها القيام به…؟!!!
لقد بعثت أحد الخدم يستأذن من السيد عاصي أن تذهب لمرافقة السيدة حورية في المشفي…
لكنه بعث إليها برد مقتضب مفاده الرفض!!!
لا…لم تذهب إليه بنفسها…
فهي لم ولن تنسي حديثه الغامض معها آخر مرة…
ولا جملته -الكارثية -التي أنهى بها حواره معها…
ماذا كان يعني بتخليصه لها من كوابيسها مقابل ماسة؟!!!
ماسة هذه كان يقصدها هي بها…؟!!!!
أم أنه لفظ مجازي لشئ ثمين يريده منها فحسب؟!!
وما هو هذا الشئ الثمين الذي تملكه هي لتمنحه له…؟!!!!
وكيف يثق بقدرته على تخليصها من هواجسها بهذه القوة…؟!!!!
كاد رأسها ينفجر من كثرة تساؤلاتها…
لكنها سعت لنفضها وراء ظهرها وهي تحاول إقناع نفسها أنه لم يكن يقصد شيئاً بعينه …
ربما كان فقط يهذي بأي كلام!!!
لكن عقلها عارضها بقوة….
عاصي الرفاعي كلماته محسوبة بالحرف…
لا حرف يزيد ولا حرف ينقص…
وما قاله كان يعنيه…
وهذا ما يثير جنونها حقاً!!
سمعت طرقات خافتة علي باب غرفتها فقامت لتفتح الباب…
لتفاجأ بالخادمة تدعوها للقاء السيد عاصي في مكتبه…
خفق قلبها بعنف وهي تود لو تهرب من هذا اللقاء…
بل من هذا القصر كله…
نعم…ستفعلها!!!
مع كل هذا الرعب الذي يخنق أنفاسها ستضطر للرحيل…
منحها هذا القرار نوعاً من القوة فذهبت إليه بخطًى واثقة…
حتى وقفت قبالته تنتظر أمره بالجلوس…
فرفع إليها عينين مشتعلتين بغضب لم تعرف له مبرراً…ليقول بعدها بنبرته الآمرة:
_اجلسي!
جلست مكانها وهي تتأهب لتخبره بقرارها في الرحيل…
لكنه بادرها بسؤاله الذي امتزجت كلماته بغضبه المكتوم:
_لماذا بعثتِ برسالتكِ مع الخادمة ولم تأتي إليّ بنفسك؟!!!
أخذت نفساً عميقاً تتمالك به شجاعتها…
ثم تجاهلت سؤاله لتقول بثبات متحاشية النظر لعينيه:
_أنا أريد الرحيل سيد عاصي…لم أعد أرغب في العمل هنا!
لم يصلها رده للحظات فاضطرت لرفع عينيها إليه…
وليتها ما فعلت!
عيناه كانتا أكثر اشتعالاً من أي وقت رأتهما فيه…
ووجهه كان صورة مجسدة للغضب العاصف…
لكنها لم تشأ أن تبدو خائفة أمامه…
لقد تعلمت درسها جيداً…
لن تضعف بعد الآن أمام الضغوط…
كفاها ما قد واجهته من ظلم في ماضيها…
لن تتهاون في حق من حقوقها بعد…
ولن تخفض رأسها لأحد…!!!!
لهذا واجهته بقوة عينيها الصامتة…
تنتظر رده بعد صمته الذي طال كثيراً…والذي أتاها أكثر قسوة بكثير مما توقعت:
_لا أحد يرحل من هنا برغبته…أنا الذي أقرر متى وكيف سترحلين؟!!
انتفضت واقفة مكانها لتهتف بحدة وقد شعرت بالإهانة من كلماته:
_أنا لست محتجزة هنا….ما بيننا عمل قمت بأدائه علي أفضل وجه حتى الآن…ولم أعد أرغب في المزيد.
نقر بأصابعه على المكتب عدة مرات وهو يتأمل غضبها بتفحص…
ليقول بعدها بلهجة آمرة:
_أغلقي باب الغرفة وتعاليْ!!
فغرت فاها في ذهول للحظة تحاول التأكد مما سمعته…
ثم رمشت بعينيها للحظات…
قبل أن يحمر وجهها غضباً وهي تهتف بانفعال:
_كيف تجرؤ على…
قاطعها هاتفاً بغضب أخرسها:
_أغلقي الباب وإلا لن تعجبك العاقبة لو قمتُ وأغلقته أنا!
ارتجف جسدها غضباً ثم أعطته ظهرها متجاهلةً أمره وهي تندفع مغادرة الغرفة…
لكنها لم تكد تخطو خطوة واحدة خارجها حتى فوجئت به خلفها تماماً يسحبها من ذراعها ليدخلها ثانية …
ثم أغلق الباب بعنف ليلصق ظهرها به مواجهاً عينيها بعينين تنبضان بغضب غير محدود …
قبل أن يكز على أسنانه هامساً ببطء مخيف:
_هل تعرفين عقاب عصيان أوامري هنا؟!!!
كان قلبها يدق بقوة وأنفاسها تتعثر في صدرها فيعلو ويهبط بانفعال واضح…
لكنها حافظت على قوتها لتقول بصلابة وهي تنزع ذراعها منه:
_أوامرك التي هي خارج نطاق عملي لا تعنيني….كان هذا هو اتفاقنا من البداية يا سيد عاصي.
دارت عيناه على ملامحها ببطء متفحص…
فشعرت بمزيج من الارتباك والخجل خاصة وهو يحاصرها بينه وبين الباب المغلق بهذا القرب…
ثم خفضت بصرها عنه وهي تشعر رغماً عنها بالخوف…
لكنه ابتعد عنها ليبقي علي مسافة مناسبة بينهما …قبل أن يقول بغموض:
_ماسة مخدوشة شديدة الهشاشة لكنها تبقى كنزاً ثميناً…فقط لمن يقدر قيمتها!
رفعت إليه عينيها بحذر وهي تحاول فهم مقصده مما يقول…
لكنها شهقت بعنف عندما مد يده لينزع عنها سلسلة عنقها بحركة مفاجئة جرحت رقبتها!!!
تأوهت بقوة وهي تشعر بالمفاجأة تنسيها الألم….
لكنها لم تستطع منع صرختها وهو يلقي سلسلة عزيز في نيران المدفأة أمامه لتختفي للأبد….
اختنقت أنفاسها في صدرها وهي تشعر بقلبها يكاد يتوقف….
تحركت خطوة نحوها وكأنها ستهمّ بالتقاطها….
ثم هزت رأسها بصدمة وهي تصرخ بحدة:
_لماذا فعلت هذا ؟!!! لماذا؟!!!
قست نظراته كثيراً وعادت غابات الزيتون تشتعل بنيرانها من جديد…
وهو يقول ببطء حاسم:
_زوجة عاصي الرفاعي لن تحمل اسم رجل غيره!!!
=======
كان عزيز جالساً علي مكتبه شارداً في ماسته المفقودة….
يكاد قلبه يتصدع ندماً على تفريطه فيها….
لقد أفسدت أيامه برحيلها…لتصير بعدها باهتة ذابلة بلا روح!
تنهد في حرارة عندما سمع طرقات قوية على مكتبه…
فارتفع صوته يسمح للطارق بالدخول…
لتدخل هي بخطوات واثقة قائلة بالانجليزية :
_صباح الخير …عزيز!
أطرق برأسه هامساً بتثاقل و-بالعربية-ضاغطاً علي حروفه:
_صباح النور يا ميادة!
ابتسمت بثقة أنثي تعرف قدرها جيداً…وهي تراقب إطراقه الصامت…
عزيز لا يرغب فيها كزوجة!
لا تحتاج لكثير ذكاء لتدرك هذا…
بل إنها تشعر أن في حياته امرأة أخري…
هي تقرأ مدونة خواطره منذ علمت برغبة والديها في ارتباطها به…
كانت تريد التعرف على شخصه أكثر من خلال كتاباته…
وما استنتجته أنه غارق في حب يائس…
وهي تظن نفسها أكثر من قادرة علي انتزاعه من مستنقع ذكرياته الراكد هذا…
لماذا؟!!!!
لأنها ترغب به كزوج لها…
عزيز شاب مثالي بالنسبة إليها من كافة الوجوه….
وسيم…أنيق…ثري…ومهذب….
حب؟!!!!!!
لا لا لا….
هي لا تؤمن بهذه الترّهات….!!!
الحب هذا لفارغات العقول…!!!!
هذا ما استقرت عليه أفكارها بعد سنوات دراستها الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية…
والتي تعتبرها هي منعطفاً خطيراً في حياتها….
هناك تعلمت كيف تعتمد علي نفسها…
كيف تخطط…وتنفذ…
وتنجح!!!!
تعلمت أن الحب…بل العواطف عموماً…تعوق المرء عن إكمال الطريق…
وأن القلب لا ينبغي أن يدق إلا ليعيش الانسان فحسب!!!
نعم…أول دقة غادرة لوهم الحب هي خطوة للوراء…
والعاقل لا يسير بظهره…
وهي عاقلة!!!!!
عاقلة وجميلة بل فاتنة…
وتدرك قدر نفسها جيداً…
وتعرف هدفها …وستحققه!!!!
وبثقتها هذه صوبت نحوه أحد سهام عينيها الجريئتين لتقول بالانجليزية:
_هل ستبقى صامتاً هكذا طويلاً…لو كان وجودي يزعجك فسأرحل!
رفع إليها رأسه بحركة خاطفة ليقول بضيق:
_لماذا تتحدثين بالانجليزية يا ميادة؟!!! لا أحب هذا.
أمالت رأسها بدلال تجيده ثم قالت بابتسامة ساحرة و-بالعربية-:
_حكم العادة يا عزيز…الفترة التي قضيتها في “أميريكا” أثرت كثيراً عليّ كثيراً…لكن لا بأس…سأحاول الاعتياد علي التحدث معكِ بالعربية كما تريد.
أشاح عزيز عنها بوجهه وهو يود لو يخبرها أنه لا يريدها أن تتحدث معه أصلاً…!!
أين هذه المائعة المتغنجة بفتنة فجة من ماسة الخجول التي طالما أسرته بدلالها الفطري…؟!!!!
أين عينيها السوداوين الجريئتين بتنمرّ من عيني ماسته الفضيتين النابضتين بحنان الكون كله….؟!!!!
أين ابتسامتها المتحدية الواثقة من ابتسامة الماسة التي يدفع نصف عمره الآن ليراها …
ويدفع نصفه الآخر ليضمها بين ذراعيه فيحتجز ابتسامتها هذه بين شفتيه ولا يسمح لها بالفكاك منه أبداً!!
أغمض عينيه بألم وهو يعود لواقعه المرير…
حيث لا ماسة…
ولا دلالها…ولا حنانها…ولا ابتسامتها…
بل ميادة…
الصورة المناقضة تماماً لغرام قلبه!!!
وكأنما شعرت ميادة بما يدور في خلده فقالت برقة محاولة جذبه إليها:
_يمكنك أن تدعوني “ميدا” كما يفعل أصدقائي.
تنهد في حرارة ثم قال باستسلام:
_حسناً يا ميدا…كيف هي أخبار عملك هنا؟!!
اختفت ابتسامتها بلحظة عندما أتى علي سيرة العمل كما تعلمت في “أميريكا” …
إذا ذُكر العمل فلا مجال لغيره!!!!
لهذا تجمدت ملامحها وهي تقول بلهجة عملية :
_مشروعك ينقصه الكثير….بعض التفاصيل الخاصة بال(……….) مهمَلة تماماً…لكن لا تقلق…لقد كان هذا مجال عملي بالخارج….وسأسعي لسد هذا الخلل …لكن امنحني بعض الوقت.
عقد حاجبيه وقد استراح -نوعاً-للهجتها العملية في الحديث…ليسألها باهتمام:
_كم من الوقت؟!!!
صمتت لحظة واحدة فقط وكأنها تحسب بذهنها…ثم قالت بحسم:
_ثلاثة عشر يوماً!!
ارتفع حاجباه في دهشة للحظة…ثم قال بتشكك:
_أسبوعان فقط؟!!!
قامت من مكانها لتقول بنفس اللهجة العملية…:
_ثلاثة عشر يوما وليس أسبوعان…هذا هو الفارق بينكم هنا وبينهم هناك….الدقة!!
ابتسم رغماً عنه في إعجاب التقطته عيناها بسهولة ولم تفوته…
فسألته بحذر:
_هل انتهى حديثك عن العمل؟!!!
تأملها للحظات في استكشاف …وكأنه يحاول سبر أغوارها الغامضة…
ثم أومأ برأسه إيجاباً وهو يرمقها بنظرات مترقبة….
فعادت لها ابتسامتها الساحرة وهي تمد له يدها لتقول بدلال:
_إذن اقبل دعوتي علي الغداء.
كاد أن يعترض وقد بدا الرفض علي ملامحه…لكنها لوحت له بسبابتها هاتفة بمرح:
_لا مجال للاعتذار…وإلا صارت الدعوة دعوتين…وكلفتك ثمن الغداء والعشاء معاً!!
ابتسم رغماً عنه …
ثم قام من مكانه ليصافحها قائلاً بهدوء:
_حسناً….ستكون فرصة لأناقش بقية تفاصيل العمل معك.
التمعت عيناها بخبث وهي ترمقه بنظرات ماكرة شقية….
عزيز يحاول التأكيد لها على أن ما بينهما ليس سوى علاقة عمل….
ويظن نفسه قادراً على الصمود في وجه فتنتها…
وهي سترخي له الحبل كاملاً حتى تحكمه حول قدمه ليسقط في فخها…
كما خططت تماماً…
حسناً يا عزيز…
المعركة لازالت في بدايتها…
ورغم أنك لا تبدو خصماً سهلاً…
لكنك تروقني!!!
وأنا امرأة لن تعرف الهزيمة …
وكل ما أردته يوماً…صار لي في النهاية!!!!!
========
_زوجة عاصي الرفاعي لن تحمل اسم رجل غيره!!!
زوجة عاصي الرفاعي؟!!!!
من زوجة عاصي الرفاعي هذه؟!!!
هل يقصدها هي؟!!!!
مجنون!!!!
هذا الرجل مجنون حقاً!!!!!!!
كانت هذه أفكارها العاصفة التي دارت برأسها وهي تنظر إليه بذهول…
لتهمس بعدها بتشتت وهي تتلمس رقبتها المكشوفة تحت حجابها الذي كان متهاوياً نوعاً….
ليبدو جرح رقبتها ظاهراً تحته ….:
_دعني أخرج من هنا سيد عاصي…كفانا ما حدث!!
تجاهل عبارتها وهو يطوقها بنظراته الآسرة….
ثم تعلقت عيناه بجرح رقبتها لتلتمع عيناه بنظرة غريبة….قبل أن يغمغم بغموضه المخيف:
_جرح صغير يؤلمكِ اليوم لكنه سيمنع عنكِ جروحاً أقوى لم تكوني لتحتمليها أبداً.
عادت عيناها لأسرهما بغابات الزيتون خاصته…
وهي ترمقه بنظرات مزجت خوفها بحيرتها…
لكنه أعتقها من هذا الأسر أخيراً ليعود لمكتبه بخطوات واثقة …
ثم جلس علي كرسيه ليقول بعدها بصوته القوي:
_والآن …نكمل حديثنا بعدما تأكدتِ أنتِ ممّ يمكنني فعله !
لا تدري لماذا وصلتها عبارته على أنها تهديد …
بل ربما كان هذا هو ما يقصده حقاً…
لكنها تحتاج لأن تفهم…
تحتاج لفك كل هذا الغموض…
خاصة أنه من الواضح أن هذا الرجل لن يسمح لها بالرحيل بسهولة هكذا!!!
ظلت واقفة مكانها ملتصقة بالباب…
وهي تظنه أكثر الأماكن أماناً هنا بعيداً عن ذاك الرجل هناك…
لكنه عاد يقول بنبرته الآمرة:
_تعاليْ…واجلسي!
أطرقت برأسها للحظة تستجمع شجاعتها…
لكنها حقاً كانت خائفة حد الموت…
ومع هذا تقدمت نحوه بخطى ثابتة حتى جلست لتواجهه قائلة بتماسك:
_ماذا قصدتَ بكل هذا سيد عاصي؟!!
شبك أنامله أمام وجهه وهو يحاصرها بنظراته من جديد….
ليقول بعدها ببطء وكأنه يزن كلماته:
_ستكونين زوجتي يا ماسة.
اتسعت عيناها بصدمة وهي تسمعها منه من جديد…
لا…هذا الرجل لا يهذي…
وليس مجنوناً…
إنه جاد…!!!
عاصي الرفاعي يريد الزواج منها هي؟!!!!!!
حاولت ابتلاع صدمتها وهي تسأله بصوت حاولت أن يكون قوياً:
_لماذا؟!!
ارتسمت ابتسامة جانبية علي شفتيه وهو يقول ببرود:
_هذا هو السؤال المنطقي هنا…لماذا؟!
صمت لحظات بعدها كادت فيها أعصابها تحترق…
ثم أردف باقتضاب:
_ لأنني أريد الولد.
شعرت ببعض الخجل لكن الوقت لم يكن مناسباً لهذا الترف من المشاعر الآن!!!
فازدردت ريقها بتوتر لتهتف بارتباك:
_أنت تنتظر ولداً بالفعل…ولد السيدة حورية!!
قست عيناه للحظة والتمعت ببريق شيطاني مخيف…
حتى أنها تشبثت بمسند مقعدها بقوة وهي تشعر أن خوفها سيوقف قلبها حقاً…
لكن ملامحه عادت لبرودها وهو يقول بنفس اللهجة:
_لا شأن لكِ بولد السيدة…أنا أريد ولداً منكِ أنتِ!!
ظلت متشبثة بمسند مقعدها وهي تتظاهر بالتماسك لتقول بتساؤل يمتزج بدهشتها:
_ولماذا أنا؟!!
عاد بظهره إلي الوراء ليقول باقتضاب:
_ظروفك مناسبة لي!
اتسعت عيناها في إدراك وهي تفهم الآن سر طلبه الغريب….
حقاً…هو جاد في عرضه…
واختار ضحيته المناسبة…
ماسة اللقيطة!!!
تفجرت الدموع من عينيها فجأة عندما وصلها هذا الإدراك لتقوم من كرسيها هاتفة وسط دموعها:
_الآن فهمت…أنت تريد الزواج مني لأنني ضعيفة بلا سند ولا أهل…وعندما تحصل على ولدكِ ستنتزعه مني بالقوة…لترميني بعدها في عرض الطريق…زيجة رخيصة وسهلة…ربما لن تكلفك أكثر من ثمن الحبر على قسيمة الزواج…تفكير جيد يا سيد عاصي…أنت حقاً تجيد استغلال الفرص…لكن هناك مشكلة بسيطة….أن العروس اللقيطة لن تعتبر عرضك هذا كنز عمرها كما تظن…بل سترفض …نعم…عرضك مرفوض سيد عاصي!!
قام من مكانه ليتوجه نحوها…
ثم وقف قبالتها متأملاً ملامحها بتفحص…
وجسدها الذي كان يرتعش بقوة دموعها وخوفها…
والذي يناقض قوة عباراتها التي قذفتها في وجهه…
ليقول أخيراً وهو يضغط علي كلماته ببطء:
_أولاً…هو ليس عرضاً…عاصي الرفاعي لا يعرض…عاصي الرفاعي يأمر…ويطاع!!
كادت ترد عليه بحدة…
لكنه أخرسها بنظرة واحدة من عينيه…
ليردف بعدها بنفس اللهجة:
_ثانياً..زواجنا لن يكون مؤقتاً كما ظننتِ…أنا أنتوي أن يكون دائماً…لكنكِ أنتِ لن تحتملي العيش معي بطباعي القاسية…..ولو أردتِ الرحيل فلن أمنعكِ وقتها…لكن ابني سيبقى لي بالطبع!!!
هزت رأسها بذهول وهي تنظر إليه غير مصدقة….
ابنه؟!!!!
عن أي ابن يتحدث هذا الرجل بكل هذه الثقة….؟!!!
إنه يتكلم بمنتهي اليقين وكأن الأمر محسوم!!!!!
لكنه حقاً كذلك!!!
لو كان عاصي الرفاعي جاداً في طلبه هذا فلن يثنيه عن عزمه شئ…
هي لن تستطيع مواجهته وحدها….
ولا حتى بمساعدة أحد…
الفترة التي قضتها هنا جعلتها تدرك أنه لا أحد يفلت من تحت قبضته هنا…
لكن…ربما في مكان آخر!!!!
راودتها فكرة طارئة….
فأشاحت بعينيها عن عينيه وكأنها تخشي أن يكتشف فكرتها…
لتغمغم بعدها بتوتر:
_حسناً …أنا لن أستطيع الرد الآن…سأعطيك كلمتي غداً!!
ابتسم ابتسامة ساخرة…ثم فرد ذراعه علي طوله ليقول بغموض:
_اعتبري أن كلمتكِ قد وصلتني !
اختلست إليه نظرة خاطفة وقد عجزت عن فهم مراده كالمعتاد…
لكن لا يهم الآن…
ما يعنيها في هذه اللحظة أن تخرج من هنا بأي طريقة….
اندفعت بسرعة نحو الباب …
لكن يدها تجمدت علي مقبضه وهي تسمع صوته خلفها يقول بنبرته التي مزجت الغموض بالهيمنة:
_لا وجود للحب سوى في كتب الأساطير….لو كان هو يحبكِ حقاً لما وصلتِ أنتِ إليّ أنا!!
اتسعت عيناها قليلاً…
لقد قرأ أفكارها كعادته…
لكن الموقف كله لم يعد يحتمل المزيد من الصدمات….
هذا الرجل يبدو أنه يعرف عنها كل شئ….
ولن يذهلها منه شئ بعد الآن…
هكذا كانت تظن…
لكن….ما خفي كان أعظم!!!
==========
_هل جُننتِ؟!!!! انزلي من على هذا الكرسي!!!
هتف بها معتصم بغضب واضح مخاطباً دعاء التي ارتبكت من هتافه العصبي…
حتى كادت تسقط لولا تشبثها بظهر الكرسي…
لتنزل بقدميها علي الأرض مطرقة برأسها في خجل وهتافه الساخط لازال يهدر بأذنيها:
_كيف تقفين هكذا في واجهة المكتب؟!!!
تمالكت نفسها لتقول بخشونتها المعهودة معه:
_أنا كنت وحدي في المكتب ….وكنت أحتاج هذا الملف الذي يصر العامل على وضعه في أعلى رف…
كز على أسنانه وهو يقول بحزم:
_لا تفعليها ثانية . ..وأنا سأنبه العامل أن يبقي كل ملفاتك في متناول يدك.
ورغم سعادتها بغيرته الظاهرة لوحت بكفها هاتفة بسخط:
_وما شأنك أنت بي؟!!
نظر إليها للحظات التمع فيها غضبه بعينيه …
ثم عاد إلى مكتبه ليجلس عليه دون أن يعاود النظر إليها…
فعادت إلى مكتبها بدورها ثم جلست لتتظاهر بالعمل…
لكن ذهنها كان أبعد ما يكون عنه…
كان هناك عالقاً مع هذا- الغيور -الذي لا تعرف حتى الآن تفسير ما يفعله…
هي تشعر أنها تحمل مكانة لديه…
لكن إذا كان هذا صحيحاً فلماذا لم يعترف لها؟!!!
ولماذا يصر على هذه المراوغة؟!!!
ألأنه لا يجيد سوي التسلية مع الفتيات وهو يعرف أنها ليست كذلك؟!!
أم لأنه ليس مستعداً بعد للزواج؟!!
زواج؟!!!
انقبض قلبها بعنف وهي تفكر…
وهل هي أصلاً تصلح للزواج؟!!!
منه أو من غيره؟!!
ماذا ستقول له لو جاء يخطبها؟!!!
كيف ستصارحه بمرضها المخزي؟!!
وحتى لو تقبله هو؟!!
هل ستتقبله عائلته؟!!!
ولو تقبلته عائلته ماذا سيكون مصير أطفالهما؟!!!
هل سيرثون مرضها المخزي؟!!!
هل ستتحمل أن تنجب “دمية معيبة” أخري لتركنها جوارها على الرف دون أن تجد لها الشاري؟!!!!
أسندت مرفقها علي المكتب لتسند رأسها على ساعدها تكاد تدفن وجهها فيه…
وهي تود في هذه اللحظة لو تدفن حلمها معه!
حلمها بالحب ككل الفتيات…
فارس وبيت وأطفال…
لكن حتى هذا الحلم ليس من حقها…!!!!
لقد كتب عليها القدر أن تبقى وحيدة في هذه الحياة…
هي ومرضها فقط…
ولا طرف آخر في المعادلة!!!
_أنا آسف!
رفعت وجهها إليه عندما سمعت جملته…
فهمست بخفوت وهي تتحاشى النظر إليه:
_لا بأس يا معتصم…انس الأمر.
تأمل الحزن المنقوش بعمق علي ملامحها وهو يشعر بأنه يتورط فيها أكثر…
كلما حاول إبعادها عن عقله عانده قلبه …
وكلما استجاب لنبض قلبه عنفه عقله…!!!!
دعاء ليست فتاة للهو…
لو أراد الدخول معها في علاقة فلن تكون سوى زواج…
وهو ليس مستعداً الآن…
هو لا يريد توريط نفسه بالزواج قبل أن يبني مستقبله…
بل إنه يفكر جدياً في الهجرة لبعض سنوات حتى يحصل علي جنسية أخري…
قبل أن يفكر في الارتباط الذي سيكبل قدميه أكثر!!!
وبين قلبه وعقله يجد نفسه عالقاً معها…
تنهد في حرارة عندما دخلت إحدي السيدات إلي الغرفة لتنظر لدعاء بتفحص وهي تسألها:
_الآنسة دعاء ؟!!
التفتت إليها دعاء وقد عاد إليها قناع مرحها المصطنع لتهتف بشقاوتها المعهودة:
_يقولون هذا!!
ابتسمت السيدة بطيبة ظاهرة ثم جلست على الكرسي المقابل لها تتفحص ملامحها بإعجاب واضح …
ثم قالت بعدها بعفوية:
_لن أعطلك عن عملك…سأدخل في الموضوع مباشرة….أنا أريد خطبتك لابني و”أولاد الحلال” دلوني عليك.
عقد معتصم حاجبيه بغضب وهو يرمق المرأة بنظرات حادة…
بينما كانت دعاء غافلة عنه وهي غارقة في ارتباكها …
لا تعرف بمَ تجيب المرأة…
لكن السيدة بدت وكأنها لم تنتبه لوجود معتصم إلا الآن…
فتنحنحت بحرج وقد تفهمت وضعها فقالت بحنان لم تخطئه عينا دعاء:
_نحن نفهم في “الأصول” يابنتي…أعطني عنوان بيتك وسنزوركم غداً.
هزت دعاء رأسها باضطراب والعجز يطوق كلماتها…
فقامت السيدة واقفة لتقول لها برفق:
_لا بأس يا بنتي…أنا أقدر خجلك….العنوان أمره سهل.
ثم مدت إليها يدها مصافحة…
فصافحتها دعاء بارتباك لكن السيدة فاجأتها بعناق حنون…
ثم قالت لها بطيبة :
_أراكِ غداً يا ابنتي…ما شاء الله…أنتِ حقاً كما وصفوكِ …بدر منير.
أطرقت دعاء برأسها حتى انصرفت السيدة لتختلس نظرة نحو معتصم الذي كانت نظراته الآن نارية على أهون وصف!!!
ثم عاودت الجلوس على مكتبها وهي تفكر بقلق…
ماذا ستكون عاقبة هذه الزيارة المنتظرة…
هل ستجد “الدمية المعيبة” شارياً؟!!!
أم ستبقى مكانها علي الرف…؟!!!
ورغماً عنها عادت ببصرها لمعتصم ترمقه بنظرة حائرة…
ليقول هو بغيظ واضح:
_مبارك يا عروس!!!
فزفرت بقوة وهي تعاود التشاغل بملفاتها…وعقلها لازال شارداً بهذه الزيارة المنتظرة…
ترى…كيف ستنتهي؟!!!
_ما الذي تفعله هذه الصورة هنا؟!!!!
قالها فهد ببرود يخفي اشتعال صدره وهو جالس أمامها علي مكتبها …
كان قد قرر المرور عليها لاصطحابها معه للمنزل كأي(زوجين هانئين) !!!!!!
لتفاجأ به يدخل عليها في غرفتها بالمكتب…
شعرت وقتها بالارتباك من وجود مساعدها بنظراته الفضولية…
والذي لا يعرف شيئاً عن زواجهما بطبيعة الحال…كما لا ولن يعرف أحد حسب اتفاقها معه….
لكنها تعاملت معه بصورة شبه طبيعية وكأنه أحد موكليها…
حتى انصرف مساعدها مغلقاً الباب خلفه…
لكنه ما إن جلس على مقعده حتى فوجئ بهذه الصورة على مكتبها…
ليستنتج صاحبها فوراً…
إنه بالتأكيد….حسن!!!!
فيما شعرت هي بمزيج من الارتباك والذنب…
مهما كانت حقيقة هذا الوغد…
فهو صار زوجها…
وهي ستحترم مبادءها ولو علي حساب نفسها…
لهذا تناولت الصورة برفق من على المكتب لتضعها داخل الدرج بهدوء…
فكز علي أسنانه وهو يشعر بمزيد من الضيق…
لم يمر على زواجه منها الكثير…
لكنه يشعر أن كل يوم منها مر عليه كألف عام!!!
لم يصبر على امرأة في حياته كما صبر عليها…
رغم أن توقه إليها فاق كثيراً شغفه بأي امرأة سواها…
حتي أنه فقد التركيز في كل شئون حياته…
ولم يعد له شاغل سوى هذه الغريبة الشرسة التي تخفي بين ضلوعها أرق قلوب الأرض!!!!
نعم…لقد عاد لتوه من شركة الاتصالات حيث يعمل أحد أصدقائه…
ليتأكد حقاً أن الرقم الذي كان على هاتفها تحدثه بخيالها هو ل”حسن”!!!
صديقه أكد له أن هذا الخط لازال يحمل اسم صاحبه…
وأنه مستخدم حتى الآن وفواتيره تدفع بانتظام…
هل هذا معقول؟!!!!
حتى هذه التفصيلة البسيطة لم تنسها في خضم مشاغلها التي رآها بنفسه….
خط هاتفه الذي كان له لم تستطع أن يكون لغيره…
فظلت على استخدامها له وكأنها بهذا تحيي اسمه الذي ظنه الناس قد مات….!!!!
كانت هذه هي فكرته التي سيطرت على عقله ليجد نفسه مدفوعاً للذهاب إليها في مكتبها دون أي تحفظات…
وبعيداً عن أي حذر…
وكأنه بهذا يثبت لنفسه ملكيتها…
ملكيتها التي صارت هاجسه الأول هذه الأيام….!!!!
لكنه جاء ليجد صورة حسن أمامها…
فشعر بصدره يفور غضباً وغيظاً و…
غيرة!!!!
غيرة؟!!!
معقول؟!!!!!
قطعت جنة هدير أفكاره العاصف وهي تقول ببرودها الذي تتعمده مؤخراً لعله يسأم ويعتقها لوجه الله:
_لماذا جئت اليوم؟!!! لا أحبذ زيارتك لي هنا….لا أحد يعلم عن زواجنا…ولا أريد لاسمي أن يزج في إشاعات رخيصة.
لا يدري لماذا أثارته كلماتها أكثر…لكنه حقاً كان غاضباً بجنون…
فوجد نفسه يهتف بسخط:
_أنتِ تقابلين موكلينك هنا في المعتاد…ماذا سيشكل فارقاً بيني وبين غيري؟!!!
تنهدت في حرارة ثم استسلمت لمنطقه هامسة بصوت منهك:
_حسناً…ماذا تريد؟!!
أطفأ صوتها المنهك براكين غضبه كلها…وهو ينتبه فجأة لشحوب ملامحها الواضح…
فعاد ضميره يوخزه بقسوة…
نعم…ضميره الذي استيقظ فجأة منذ دخلت هذه الشرسة إلي عالمه…
لتحيي بصدره ما ظنه قد مات منذ سنوات طويلة…
زفر بقوة ثم قام من مكانه ليقول لها بخشونة:
_سأنتظرك في الشارع المجاور…لا تتأخري.
قالها ثم غادر المكتب بخطوات مندفعة…
فتنهدت في استسلام وهي تمسح وجهها بكفيها للحظات…
تحاول توطين نفسها على وضع حياتها الجديد…
والذي يبدو أنه سيستمر طويلاً على عكس ما ظنت…
فهد الصاوي يعتبرها دميته الجديدة …
والتي سيمارس عليها ألاعيبه كلها حتى يمتلكها…
لكن نجوم السماء أقرب إليه منها…
ستقاومه دوماً ببرودها لعله يسأم فيزهدها ويرحل!!!!
وبعد دقائق كانت جواره في سيارته التي انطلق بها بسرعة جنونية بمجرد ركوبها…
تشبثت بمقعدها في قوة وهي تشعر بغضبه المكتوم الذي يدفعه للقيادة بهذه الطريقة المتهورة…
كادت تنهاه عما يفعله…
لكنها كانت تعلم أن كلمة منها الآن قد تزيد غضبه…
فتنقلب السيارة بهما معاً!!!!
لهذا عادت بظهرها للوراء مغمضة عينيها في استسلام…
وهي تفكر…
ما الذي يمكن أن يحدث أسوأ من هذا؟!!!
لم يعد يهم…
كل الأمور صارت سواء!!!
شرد ذهنها في أشياء كثيرة لدقائق طالت…
حتى انتبهت على صوته جوارها يقول ببرود لم يخدعها:
_هل تذكرين هذا المكان؟!!
فتحت عينيها لتنظر حولها بتفحص…
إنه نفس المكان الذي قابلته فيه أول مرة عندما أوقفته هنا لتطعنه بمديتها في وجهه…
تنهدت في حرارة وهي تطرق برأسها لتهمس بخفوت:
_لماذا جئت بي إلى هنا؟!!!
نظر لجانب وجهها المطرق في تفحص ليسألها باهتمام:
_لو عادت بكِ الأيام…هل تفعلينها من جديد؟!!!
صمتت لحظة تستجمع تماسكها المبعثر…ثم رفعت رأسها نحوه لتهتف بقوة:
_نعم…أفعلها…ولو عادت بي الأيام ألف مرة…سأفعلها في كل مرة ولن أندم.
عقد حاجبيه بتفحص…
فأردفت بقسوة:
_كنت أعلم أن جرح وجهك يمكن معالجته بجراحة تجميلية بسيطة…وأن الورقة التي أجبرتك على إمضائها ليس لها أي قيمة شرعية أو قانونية……تماماً كما كنت أعلم أنك ستصل إليّ بسهولة….لكنني فعلتها فقط لأجعلك تتذوق الألم…المهانة…الشعور بأنك تفعل شيئاً ما رغماً عنك.
ضاقت عيناه وهو يقول بلهجة غريبة:
_لكنكِ دفعتِ معي ثمناً ليس لكِ ذنب فيه!!
هزت رأسها لتقول بإصرار:
_لا يهم….أنا قضيتي خاسرة في هذه الحياة…حتى لو كنت دفعت عمري ثمناً للقصاص منك.
عاد ينظر للأمام وهو يفرد ذراعه علي مقود السيارة ليقول بشرود:
_لا تخافين مني؟!!
فابتسمت بسخرية مريرة لتقول بشرود مماثل:
_لو كنت أخاف من البداية…لما كانت هذه حياتي…أنا كنت أخرج في التظاهرات أيام الجامعة للتنديد بالسلطة القائمة آنذاك…في كل مرة كنت أخرج ..كنت أعرف أنني أحمل كفني على يدي…كنت أتوقع أسوأ مصير…لكنني مع هذا كنت أمضي في طريقي ثابتة …هل تدري لماذا؟!!!
التفت إليها من شروده منتظراً بقية عبارتها…
فهتفت وهي تنظر إليه بدورها:
_لأنني كنت على حق…إيمانك بما تفعله ينزع من قلبك الخوف…يمنحك القوة لتواجه…لتصبر…حتى لو وقعت في منتصف الطريق…ستجد يداً تسندك لتقف من جديد….هذه اليد هي قوتك الداخلية…التي لن ينزعها منك أحد سوى نفسك!!!
أثرت فيه كلماتها كثيراً…
لا يدري لماذا…
ربما لحرارتها…
وربما لصدقها…
وربما لغرابتها…
وربما…لأنها -هي-التي تقولها!!!!
ومع هذا وجد نفسه يبتسم ساخراً ليقول باستهزاء:
_لو كانت مرافعاتك دوماً بهذا المستوي…فلا ريب أنك محامية فاشلة.
أشاحت بوجهها لتنهي هذا الحوار العقيم…
ثم قالت ببرود :
_لو كنت أنهيت غرضك من زيارة هذا المكان…فدعنا نرحل لأنني أكرهه.
أعاد تشغيل السيارة ليغادر المكان فعلاً…
لكنه على عكسها…
كان يشعر أن هذا المكان سيبقى يحمل له ذكري عزيزة منها…
ذكرى عزيزة؟؟؟؟!!!
نعم…رغم أنه يكره الاعتراف بهذا…
لكن حتى لو رحلت هذه الشرسة عن عالمه -ولا يظنه سيسمح لها أن ترحل-
فسيبقى هذا المكان يذكره بأول ضربة تلقاها على وجه غروره…
لعله يفيق!!!!
وصلا المنزل بعد قليل…فقالت له بنبرة محايدة:
_سأبدل ملابسي وأحضر لك الطعام!
لم يرد عليها …
بل توجه نحو غرفته بخطوات بطيئة متثاقلة…
لتبدل هي ملابسها بسرعة ثم توجهت نحو المطبخ…
حيث كانت قد قامت بالطبخ صباحاً قبل نزولها للمكتب…
وما عليها الآن سوى تسخين الطعام فحسب…
كانت منهمكة في إعداد الأطباق…
عندما شعرت فجأة بكفيه على خصرها من الخلف!!!
خفق قلبها بقوة تأثرها من قربه هذا…لكنها حتى لم تلتفت نحوه….
بل تصنعت البرود لتقول بصوت جاهدت ليكون طبيعياً:
_ماذا تريد؟!
لم تصلها منه إجابة سوى صوت أنفاسه الهادرة جوار أذنها…
فبقيت على حالها تتصنع الانهماك في إعداد الأطباق …
حتى سمعته يهمس في أذنها من الخلف:
_رائحة الطعام لا تقاوم…شهية مثلكِ…يا أستاذة!!
ها قد بدأ الثعلب مغامرته…
حسناً…أنا لها!!!!
هكذا حدثت نفسها وهي تغمض عينيها بقوة تستجمع قوتها…
ثم التفتت تواجهه لتنظر لعينيه مصوبة سهام البندق نحوه من جديد وهي تقول ببرود:
_منذ أول لقاء لنا…وأنا لم أستخدم اسمك مطلقاً…دائما أقول “ابن الصاوي” فحسب…أتدري لماذا؟!!
ضاقت عيناه بتساؤل وهو ينتبه -لتوه-لحقيقة ما تقول…
فأردفت بنفس البرود:
_لأنني أحب اسمك هذا الذي لا تستحقه…ولا يليق بك…الفهد يا ابن الصاوي هو رمز للشجاعة…للقوة…وأنت أبعد ما تكون عن ذلك…
كز على أسنانه وهو يشعر بغضبه قد تجاوز حدود سيطرته…
فاقترب منها أكثر محاصراً إياها بينه وبين خزانة المطبخ…
ليقول بغضب مكتوم:
_لا تختبري صبري أكثر…لم أعد أضمن رد فعلي لو لم تحفظي لسانك الطويل هذا!!
هنا كان غضبها هي الأخرى قد وصل لذروته…
وهي تشعر به ملتصقاً بها هكذا…
فهتفت به بحدة وبصوتها الجهوري دون تفكير:
_ابتعد عني وإلا…
لكنها قطعت عبارتها وهي تشعر بالعجز…
فابتسم ساخراً ليقول بسماجة:
_وإلا ماذا؟!!! ستحدثين حسن على الهاتف ليأتي وينقذك مني؟!!!
اتسعت عيناها في ارتياع…وهي تشعر بالخزي من اكتشافه لهذا الأمر…
كيف علم عن سرها هذا…
كيف ؟!!!
تفجرت دموعها غزيزة من عينيها وهي تهز رأسها لتهتف بانفعال فقدت سيطرتها عليه:
_أنت حقير….لا تذكر اسم حسن على لسانك القذر ده…أنا…
قطع عبارتها وهو يمسك كفيها بقوة مكبلاً لحركتها…
قبل أن ينقض على شفتيها بقبلة قاسية عنيفة…
أخذت أنفاسهما معاً للحظات …
قبل أن يدفعها بقسوة ليهتف بحدة:
_قلت لك لن يعجبكِ عقابي لو علا صوتكِ علي ثانية…فلا تدفعيني للمزيد.
وضعت كفها على شفتيها اللتين كانتا تؤلمانها بشدة وهي تشعر بالصدمة…
لقد قبلها…!!!
دنّس شفتيها!!!!
أخذ ما هو حق لحسن!!!!
لتهمس أخيراً بذهول وسط دموعها:
_ماذا فعلت؟!!! يا إلهي…ماذا فعلت؟!!!
أشاح بوجهه عنها وهو يشعر بمزيج من المشاعر الصاخبة ….
التي لا يستطيع وصفها في هذه اللحظة…
لتنهار هي جالسة على ركبتيها في مكانها على الأرض وهي تنتحب بقوة لتصرخ وسط دموعها :
_أنت سرقت حق حسن في زوجته…كما سرق والدك ومن مثله حياته.
انتفض جسده بغضب عندما سمع عبارتها…
لينحني فيرفعها من كتفيها ليوقفها أمامه صارخاً بجنون هو الآخر:
_أنتِ زوجتي أنا….أفيقي من جنونك يا حمقاء…حسن مات…مات…مات…لن يعود حتى لو قضيتِ نهارك على قبره…وقضيتِ ليلك معه علي الهاتف.
كان جسدها الآن يرتجف بقوة مع دموعها الغزيرة وهي تضربه بقبضتيها على صدره صارخة:
_حسن مات مدافعاً عني وعن الحق…وأنت ومن مثلك تعيشون لتغتصبوا حقه…أنا أكرهك …أكرهكم كلكم.
ظلت تردد صراخها العنيف وهي تضربه بقبضتيها …
لكنه احتمل ضرباتها صابراً حتى تخاذل ذراعاها أخيراً جوارها
فضمها إليه بقوة وهو يسند رأسه على رأسها!!!!
حاولت دفعه بما بقي لها من ضعيف تماسكها…
لكنه لم يسمح لها بالإفلات…
وهو يدفن وجهها في صدره…
لتشعر هي برائحة عطره تزيدها اختناقاً….
لكنها استسلمت لضعفها رغماً عنها وهي تعود للبكاء بين ذراعيه شبه واعية !!!
بينما ظل هو يربت على ظهرها برفق…وهو عاجز تماماً عن التفوه بأي كلمة!!!!!!
أي كلام سيسعفه في موقفه هذا؟!!!
إذا كان هو نفسه عاجزاً عن فهم كل ما يدور…
جزء بداخله يرغب في عقابها على كل ما فعلته…
على كسر غرورها هذا…
على انتزاع حسن هذا من أعماقها بقوة…
لكن جزءاً آخر كان يتمزق حزناً عليها…
هذه هي المرة الأولي التي يراها منهارة هكذا…
وهو الذي طالما بهرته قوتها وصلابتها…
لم يكن يعلم أن انهيارها سيمزقه هو هكذا!!!!
لماذا هي بالذات؟!!!
لا يدري…
ربما لأنها الوحيدة التي وقفت في وجهه واستعصت عليه…
ربما لأنها أوقفته عارياً بعيوبه أمام مرآة نفسه ليري سواد روحه …
وربما لأنها تناقض بشخصها الرائع هذا شخصه هو …
شخصه الضعيف الجبان…
الذي لا يليق باسمه كما قالت!!!!
ظل يربت على ظهرها لدقائق لم يدرِ عددها…
وهو يود لو لا يفلتها من بين ذراعيه أبداً…
لا…ليس الأمر مجرد رغبة بها كالأخريات….
لكنه شعوره هو بها هي بالذات…
شعوره بحاجته إليها…و…بحاجتها إليه!!!
أجل…ربما يبدو الأمر وكأنه هو الذي يحتضنها ويربت على ظهرها…
لكنه في الحقيقة كان يحتاج لحضنها أكثر…
وكأنه ترياق لسموم روحه التي ترجو خلاصها مع ملاك مثلها!!!!
كان بكاؤها قد هدأ نوعاً…
فتوقف عن التربيت على ظهرها أخيراً…
ثم قبل رأسها فيما يشابه الاعتذار دون كلمات….
ثم أبعدها عنه قليلاً….
قبل أن يدفعها برفق نحو غرفتها مسنداً لها بذراعيه…
حتى أجلسها على سريرها برفق…
لكنها هي لم تبدُ على وعي بكل هذا!!!!
كانت مغمضة عينيها باستسلام…لكن دموعها لم تتوقف عن السقوط ببطء…
فهز رأسه في أسف …
ثم مددها على الفراش برفق…ليرفع عليها غطاءها الذي تشبثت به بقوة رغم أناملها المرتجفة…
ولازالت مغمضة عينيها وكأنها تخشي أن تفتحهما فتراه!!!
غاب عنها لدقائق لم تكن فيها مدركة لأي شئ…
سوى لشعورها بالضياع التام….
إنها تشعر اليوم وكأن حسن مات من جديد…
نفس الشعور الذي ذبحها يوم فقدته…
نفس الألم…
نفس الجرح..!!
لكنه عاد إليها بعد دقائق يحمل كوباً من الليمون أعده بنفسه…
ليهمس لها بخشونة لم يتعمدها:
_اشربي هذا ثم نامي.
فتحت عينيها أخيراً ببطء…
لكنها كانت عاجزة عن مواجهة عينيه…
كما كانت عاجزة عن الاعتراض على أي شئ…
كل جوارحها الآن كانت مستسلمة لشعورها بالألم…
كأنها ميتة بلا حياة!!!
ارتجفت أناملها وهي تحاول الإمساك بالكوب شبه واعية…
فأسند رأسها علي ذراعه…
ليطبق بكفه الآخر على أناملها الممسكة بالكوب فيدعمها …
ثم رفع الكوب لشفتيها ببطء…
حتى شربته كاملاً…
ثم أغمضت عينيها من جديد وهي تتمنى لو لم تفتحهما بعدها أبداً!!!!!
وضع الكوب جوارهما علي الكومود…
ثم بدأ يربت علي وجنتها برفق…
ولازال مسنداً رأسها علي ذراعه حتى انتظمت أنفاسها المتقطعة…
ليدرك أنها نامت أخيراً!!!
أو -بالأدق-هربت من وعيها وإدراكها لكل هذا الذي ترفضه!!!
مال عليها برفق وهو يطبع قبلة حذرة على جبينها لم يستطع مقاومتها….
ثم أغمض عينيه بألم وهو يشعر بالندم من جديد على ما تفوه به معها…
خطأ يا ابن الصاوي…
خطأ!!!!
ضغطتَ على جرحها بقسوة ولم تحسب أن انهيارها سيزلزلك أنت هكذا!!!!
ابتسم في سخرية مريرة…
وهو ينتبه أنه صار يحدث نفسه ب-لقبه- مثلما تفعل هي…
وكأنه اقتنع بقولها…
إنه حقاً….لا يستحق اسمه!!!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ماسة وشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى