روايات

رواية ماسة وشيطان الفصل الرابع 4 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الفصل الرابع 4 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الجزء الرابع

رواية ماسة وشيطان البارت الرابع

ماسة وشيطان
ماسة وشيطان

رواية ماسة وشيطان الحلقة الرابعة

أفاقت من غيبوبتها لتجد نفسها ممددة على سرير وثير…
عقدت حاجبيها بدهشة تمتزج بتوجسها وهي تتلفت حولها حتى اصطدمت بنظرته المتفحصة …
كان جالساً على كرسيه جوار سريرها يراقبها بنظراته الثاقبة….
فحاولت النهوض من رقدتها لكنها لم تستطع…
جسدها مستسلمٌ لإرهاقه خارج حدود سيطرتها…
فأغمضت عينيها بقوة وهي تسأله بثبات رغم ضعف نبرتها:
_ماذا حدث؟!
وصلها صوته الغاضب وهي مغمضة العينين يهتف بحدة:
_هل العناد في المرض أيضاً؟!! لماذا لم تخبريني أنك “مريضة سكر”؟!!!لماذا لم تتناولي طعاماً ولم تفكري حتى في طلب دوائك؟!!
طال صمتها للحظات أخرى فعلم أنها لن تجيبه على تساؤلاته…
عنادها هذا يثير جنونه…
لكنه يعجبه…
يعجبه حقاً!!!
فزفر أخيراً بقوة ثم سألها بتفحص:
_لماذا؟!هل خشيتِ مثلاً أن أتهمك بالكذب….أو…ربما… أصدقك فترين الشفقة في عيني؟!!
فتحت عينيها فجأة لتبتسم بسخرية هامسة بصوتها الضعيف:
_شفقة؟! عندك أنت يا ابن الصاوي؟!!!
فابتسم ساعتها ابتسامة حقيقية وهو يقول بخبث:
_الآن أستطيع الاطمئنان عليكِ…مادام لسانك الطويل هذا بخير فأنتِ أيضاً كذلك!!
أشاحت بوجهها للحظات…ثم سألته ببرود:
_أين نحن؟!
مال بجذعه للأمام وهو يقول ببرود مستفز:
_في شقتي!
التفتت إليه بحدة لتهمس بدهشة:
_هل هي نفس الشقة التي كنت تلتقي فيها برؤى؟!
شعر بالضيق عندما ذكرت أمر رؤى…
ربما لأنه تذكر فعلتها- السوداء -به والتي تركت أثرها على وجهه….
لكنه هز رأسه نفياً ليقول بابتسامة ساخرة:
_بالطبع لا…تلك الشقة ليست من مقامك…هذه شقة أخرى …
ثم غمزها ليقول بوقاحة:
_للغاليات!
خفضت بصرها عنه وهي عاجزة عن مجاراته…
إنها متعبة حقاً…
جسدها كله يؤلمها…
لو كانت فقط تستطيع النهوض لصفعته علي وجهه…
لكنها فعلاً في أسوأ حالاتها…
خائفة؟!!!
لا…!!
لم تكن خائفة للعجب!
بل مستسلمة في يأس ..تنتظر نهايتها المحتومة مع وغد مثله!!!
وأمامها كان هو يتأملها بدقة…
هو يعرف أنه يكذب عليها الآن!!
هذه الشقة -بالذات- لم تدخلها امرأة قبلها…
إنها شقته الخاصة التي يختلي فيها بنفسه عندما يريد الهرب من كل ضغوطه….
لكنه لم يجد مكاناً آخر يذهب بها إليه ليتمكن من العناية بها بعد سقوطها فاقدة للوعي!
العناية بها؟!!!!
نعم…كل ما كان يشغل باله عندما سقطت بين ذراعيه أن يستعيدها…
يستعيدها بكامل قوتها!!
امرأة كهذه صنف نادر جديد يشعر أنه سيستمتع كثيراً بترويضه…
شئ ما يجذبه إليها…
ليس اليوم فقط…
بل منذ أول مرة رآها فيها…
ليتعمق شعوره هذا مع كل موقف لها معه…
هذه امرأة مختلفة عن كل من عرف من النساء…
امرأة كانت على استعداد لقتل نفسها حتى لا يمسها…
وهو الذي ترتمي تحت قدميه الفاتنات؟!!!
لقد سقط قلبه بين قدميه عندما وقعت بين ذراعيه منذ ساعات…
في البداية ظنها تتظاهر بفقدان الوعي في حيلة جديدة منها…
لكن زرقة شفتيها وشحوب وجهها الشديد أنبآه بأنها حقاً في مشكلة…
فاستدعي طبيباً خاصاً بسرعة …
ليخبره أنها “غيبوبة سكر”!!!
و ساعتها لم يملك إلا أن يتعجب كثيراً!!
لم يتصور أن شابة مثلها في حيويتها وانطلاقها قد تكون مصابة بمرض كهذا…
لكن يبدو أن هذه المرأة ستحقق رقماً قياسياً في إثارة ذهوله!!!!
طال صمتهما معاً…
حتى قطعه هو عندما سألها بلهجة محايدة:
_هل تتناولين دواء بعينه؟!
أومأت برأسها إيجاباً ثم قالت دون أن ترفع عينيها نحوه:
_في حقيبتي.
خرج من الغرفة لدقائق تمكنت فيها من تفحص الغرفة بدقة…
غرفة راقية بأثاث فخم يليق بأمثاله…
لها نافذة عريضة ستتفحصها عندما تستطيع النهوض …
لعلها تجد لها مخرجاً من هذا السجن…
ولو أنها لا تعتقد في جدوي ذلك…
فهد الصاوي سيسحقها بقوة تليق بقوته وبضعفها…!!!!
في عالم كهذا…فهد الصاوي دوماً هو الوجه الرابح للعملة!!!
أغمضت عينيها بقوة وهي تشعر بدوار شديد…
لكنها لن تسمح له برؤية ضعفها…
حتى لو كانت هي النهاية…فستتقبلها وهي مرفوعة الرأس!!!
دخل عليها ليعطيها الدواء فتناولته منه بأنامل جاهدت كي لا ترتجف…
حاولت النهوض لتشرب كوب الماء الذي ناوله لها لكن قوتها خانتها…
اقترب منها ليسند رأسها على ذراعه لكنها قالت بقوة مناقضة لصوتها الضعيف:
_ابتعد…أنا سأقوم وحدي.
ابتسم في جذل وهو يبتعد كما طلبت…
هذه المكابِرة العنيدة غافلة عن أنه حملها بين ذراعيه حتى الفراش!!!
والآن تنكر عليه مجرد إسنادها!!!
لكنه سيمتثل لرغبتها …فهو يستمتع -حقيقة- بكل ردود أفعالها دون استثناء!!!!
بينما تحاملت هي على نفسها حتى استطاعت النهوض بصعوبة بعد عدة محاولات فاشلة…
تناولت منه كوب الماء لتأخذ دواءها…
ثم أسندت رأسها علي ظهر السرير لتهمس بشرود:
_والآن…ما الذي تنتوي فعله؟!
اتسعت ابتسامته وهو يعاود الجلوس أمامها ليقول بغطرسة:
_سأترك التخمين لسيادتك!!
لكنها ظلت على شرودها للحظات أخرى قبل أن تهمس بخفوت:
_المشكلة أنك تتعامل مع امرأة لم يعد لديها ما تخسره!!
لا يدري لماذا أصابته كلماتها كحجر صُوب نحو قلبه!!
ربما للهجتها اليائسة…
وربما لأنها خالفت قوتها التي صدمته بها منذ أول لقاء…
وربما لأنه شعر بصدقها….
شعر أنها تخفي جرحاً عميقاً بداخلها بعيداً عن واجهتها الشرسة!!
ومع هذا وجد نفسه يسألها بنفس البرود المستفز:
_متأكدة؟!
التفتت نحوه ليلتمع وهج البندق بعينيها من جديد وهي تهمس بثبات:
_صدقني لا أهتم بما يمكنك فعله…لقد أديت واجبي نحو إنسانة ضعيفة احتاجتني…ولست بنادمة…حتى لو ضاعت حياتي فداء لذلك!
فابتسم في سخرية ليقول بوقاحة:
_هذه الانسانة الضعيفة التي تتحدثين عنها ليست قاصراً…هي جاءتني بمحض إرادتها…ولم أجبرها على شئ!!
تنهدت في حرارة ثم عادت تهمس بخفوت:
_نفس ما يقوله الشيطان بعدما يغوي خلق الله…وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي.
هنا عقد حاجبيه بشدة وهو يهتف بسخط:
_أنا شيطان وصديقتك ملك كريم؟!!!
هزت رأسها نفياً لتهمس بثقة:
_كلاكما مخطئ…لكن لماذا تضطر هي لدفع الثمن وحدها؟!!!
_لأنها غبية ومنحطة وبلا أخلاق!!!
هتف بها بحدة وهو يقوم من مكانه ليردف بعدها بغضب هادر:
_كل ما حدث حدث برغبتها هي…هي وقحة متساهلة …خائنة بطبعها ككل النساء!!!
عقدت حاجبيها بشدة وهي تتأمله بتفحص لأول مرة…
غضبه هذا ليس طبيعياً…
وحديثه لا يبدو موجهاً نحو رؤى بعينها…
يبدو أنها نفس القصة القديمة…
لعله عاشق موتور خدعته امرأة يوماً فعاش ينتقم من صورتها في باقي النساء…!!!
لكن …حتى لو كان هذا صحيحاً…
لن تشفق عليه أبداً ولن تجد له أي عذر!!!
هو ومن على شاكلته ليسوا سوى شياطين إنس…
يظنون الكون كله مسخراً لهم وحدهم…
والشمس تدور في فلكها لأجلهم!!!
بينما تمالك هو غضبه بعد قليل ليعاود جلوسه وهو يزفر بقوة…
ثم سألها ليغير الموضوع:
_منذ متى وأنتِ مبتلاة بهذا المرض؟!
ابتسمت بسخرية شاحبة لتهمس بصوتها المنهك:
_منذ كنت طفلة…لقد ورثته عن والديّ كما ورثت أنت عن أبويك المال والنفوذ!!
فابتسم في مرارة- لم تفهمها- وهو يسألها بلهجة غريبة:
_تحسدينني؟!!
هزت رأسها نفياً لتهمس ببطء:
_كلانا ورث مرضاً يا ابن الصاوي…لكن مرضك أنت ليس له علاج!!
عقد حاجبيه بتساؤل فأردفت بشرود:
_مرضك في سواد روحك…ومرض الروح لا يبرأ بسهولة…بل ربما لا يبرأ أبداً!!
قام من مكانه وقد آلمته كلماتها لأبعد حد…
كيف أمكنها توصيف حقيقته هكذا بهذه السهولة لتعرّي عيوبه كلها أمام نفسه بكلمات بسيطة؟!!
حقاً…صدقت…
مرض الروح لا يبرأ بسهولة…
وربما لا يبرأ أبداً!!!
لقد صدق حدسه…
هذه امرأة خطيرة!!!
زفر بقوة ثم قال بضيق لم يتمكن من إخفائه وهو يستعد للمغادرة وتركها:
_الخادمة بالخارج ستحضر لك الطعام والدواء…أنصحكِ ألا تتهوري فرجالي يحيطون بالمكان ولن يسعدكِ رد فعلهم لو حاولتِ الهرب.
ثم أردف ببرود :
_أما عن انتقامي فسأخبركِ به لاحقاً.
خفضت بصرها عنه دون رد وأناملها تتلاعب بطرف غطائها…
فسار نحو باب الغرفة ثم أمسك مقبض الباب قبل أن يعاود الالتفات إليها وهو يسألها ببرود:
_تريدين شيئاً؟!
انفرجت شفتاها وكأنها ستطلب شيئاً…
لكنها عادت تطبقهما من جديد…
فضاقت عيناه في تفحص وهو يعيد سؤاله بإصرار:
_ماذا تريدين؟!
ترددت للحظات….
ثم توردت وجنتاها بحمرة خفيفة وهي تهمس بخفوت- امتزج بخجلها رغماً عنها- دون أن تنظر إليه:
_وشاح!
ارتفع حاجباه في دهشة للحظة…
ثم ابتسم ابتسامة جانبية وهو يرمق وجهها بنظرات ثابتة….
قبل أن يخرج من الغرفة صافقاً بابها خلفه بعنف…!!!
زفرت في ضيق وهي تسبّه في سرها….
ثم حاولت لملمة خصلات شعرها الثائرة وهي تفكر في حقيقة وضعها الجديد…
وإلى أين ستصل بها الأمور….
عندما فوجئت به يعود بعد دقائق….
وفي يده وشاحها الفيروزي…!!!
نظرت إليه بترقب…
فاقترب منها وعيناه مثبتتان بعينيها في إصرار…
ازدردت ريقها ببطء وهي تمد يدها لتتناوله منه…
لكنه أبعده عن متناول يديها ليقول ببرود مستفز:
_أنا خلعته عنكِ وأنا من سيضعه!
أطرقت برأسها وهي عاجزة عن الجدال…
لقد سئمت هذه المعركة معه…
فليفعل ما يريد…
ولينته الأمر…!!!
لف الوشاح حول رأسها بحرص…ثم تأمل وجهها المطرق للحظات…
هذه امرأة يزيدها حجابها فتنة وليس العكس!!!
رغم إعجابه بخصلات شعرها الثرية …
لكن حجابها الذي يحيط بصفحة وجهها في تملك يزيد التركيز على ملامحها أكثر…
وكأنه يجذبه لتفحص وجهها الذي بدا له ساعتها كصفحة القمر!
كانت تسبل جفنيها كي لا تلتقي عيناها بعينيه …
لكنه كان يحفظهما جيداً…
عينان واسعتان كفضاء عريض…
ثائرتان كبحر هائج…
تلتمعان ببريق خاص…بنكهة البندق!!!
ورغماً عنه انتابته رغبة عارمة في تقبيل عينيها…
عينيها فقط!!
لكنه تمالك نفسه ليتراجع عنها ببطء…
ثم همس ببرود يناقض ما يشتعل الآن بصدره:
_ها هو ذا وشاحك!!
ثم أردف بغموض:
_ولو أنكِ لن تحتاجينه أمامي قريباً !!
رفعت رأسها إليه بحدة تنتظر تفسيراً…لكنه ابتسم ببرود…
ثم غادر الحجرة دون كلمة إضافية…
=========
دخلت ماسة لبهو المنزل الكبير الخاص بالسيد عاصي…
منزل؟!!!
لا لا لا!!
من الظلم أن يطلق على هذا القصر الكبير لقب “منزل”!!!
فمساحته كانت شاسعة مهولة…
وأثاثه كان غاية في الفخامة …
لم تتوقع أبداً أن ترى منزلاً كهذا في مدينة من مدن الجنوب…
بل ولم تتصور ترفاً كهذا حتى في مدينتها الكبيرة…
هذا القصر يبدو أشبه بما كانت تشاهده في التلفاز عن قصور الأثرياء قبل ثورة يوليو!!!
استقبلتها خادمة بسيطة تغطي وجهها بطرف وشاحها لتقول بطيبة فطرية:
_تفضلي يا سيدتي…السيد عاصي سيأتي حالاً!!
ابتسمت في ارتباك وهي تتلفت حولها في حيرة…
عندما تناولت منها الخادمة حقيبتها لتقول برفق:
_سأضع الحقيبة في غرفتك حتى تنهين لقاءك بالسيد عاصي.
أومأت برأسها إيجاباً وقلبها ينتفض بقوة…
هذه هي المرة الأولى التي تقيم فيها في منزل غريب…
وليس أي منزل…
لكنه قصر مهيب ويخص رجلاً أقل ما يوصف به أنه عظيم الشأن…
ومجرد خطأ واحد منها قد تدفع ثمنه غالياً…
حتى ولو كان غير مقصود…
تنهدت في حرارة وهي تتذكر ما روته لها دعاء عن بطش هذا الرجل…
لكنها عادت تطمئن نفسها أنها ستتحاشى التعامل معه…
نعم…مالها هي به؟!!!
ستحرص أن يكون تعاملها مع السيدة حورية فقط…
ومن الواضح أنها امرأة طيبة…وهذا هو ما يعنيها!!!
قطعت أفكارها عندما دعتها الخادمة للجلوس…
فجلست علي أحد المقاعد…
وكعادتها عندما تشعر بالقلق….
تحسست سلسلته الحبيبة في عنقها…
لتلفها حرارة ذكري أخري من ذكرياتها معه….
_خذي هذه !!
همس بها عزيز بشقاوته المعهودة وهو يناولها ورقة بيضاء…
كانت تجلس على كرسيها مقابلة له أمام مائدة المطبخ في شقة رحمة…
فرمقته بنظرة متسائلة ليهمس بمرح:
_ارسمي تصورك لشقتنا المستقبلية حتى يمكنني الاستعداد لأحلامك من الآن.
ابتسمت في سعادة…
وهي تتناول منه الورقة لتخط عليها بعض الخطوط هامسة بنبرة حالمة:
_صالة صغيرة بغرفة استقبال بسيطة…تنتهي بطرقة قصيرة…تؤدي لمطبخ كبير وحمام صغير…وثلاث غرف…
كانت تتبع همساتها بخطوطها المرسومة وكأنها تنفذها…
فارتفع حاجباه في مشاكسة وهو يسألها:
_ولماذا المطبخ بالذات يكون كبيراً؟!!
اتسعت ابتسامتها وهي تقول بفخر طفولي:
_لأن زوجتك سيدة منزل من الطراز الأول…أغلب وقتي سأقضيه في المطبخ!!
التمعت عيناه بعاطفته الصادقة وهو يهمس بحرارة:
_زوجتي؟!
احمرت وجنتاها بقوة وهي تنتبه لما تفوهت به دون قصد…
فأطرقت برأسها وهي تعض علي شفتها بقوة…
ليبتسم هو في حنان متأملاً ملامحها بعشق جارف…وقد قتلته كلمتها- العفوية -اشتياقاً ليوم تكون فيه زوجته بحق…..
فهمس بسعادة لم يستطع إخفاءها:
_أكملي رسمكِ يا زوجتي!!
تنحنحت في حرج…
ثم عادت ترسم علي الورقة المزيد من الخطوط لتهمس بشرود:
_إحدى الغرف الثلاث لأمي فلن نتركها تقيم وحدها أبداً…والثانية لأطفالنا …سأجعل طلاءها وردياً…لكنني سأترك حائطاً واحداً بطلاء أزرق لتلائم الصبي والفتاة.
اتسعت ابتسامته الحنون وهو يسألها بمكر:
_والغرفة الثالثة؟!!
انتفضت من مكانها لتهمس بخجل يمتزج بعتابها الرقيق:
_عيب يا عزيز!!
انطلق ضاحكاً في مرح…ليرقص قلبها طرباً وهي تختلس إليه نظرات عاشقة…
فيهمس بعدها بعاطفة صادقة:
_يا “قلب” عزيز!كم أعشق خجلك هذا!
_هل ستظلين شاردة هكذا طويلاً؟!!
انتفضت واقفة مكانها وصوته الخشن يكاد يخدش أذنها بقسوته…
فالتفتت نحوه بحدة من شرودها لتغمغم باضطراب:
_السيد عاصي؟!
لم يرد عليها وهو يتقدم ليجلس أمامها…
ثم تفحصها بنظراته الثاقبة قبل أن يقول بنبرته المتسلطة:
_اجلسي!
اختلست نظرة إليه قبل أن تجلس في ارتباك…
لم تتمكن من التفرس في ملامحه…
لكن هذا الرجل يمتلك طلّة كاسحة مسيطرة بلا شك…
إنها تشعر بنظراته الثاقبة تكاد تخترق أعماقها لتسبر أغوارها كلها…
تكاد تقسم أنه بنظرة واحدة من هذه يمكنه استجواب أي أحد عن كل أسراره!!!
لكن ما أذهلها حقاً كان ثيابه…
لقد توقعته كما تتصور الرجال دوماً من مدن الجنوب…
بجلباب واسع وعباءة فضفاضة…
وعمامة رأس!
لكن الرجل أمامها كان يرتدي قميصاً بسيطاً وبنطالاً حديث الطراز من القماش…
جسده كان ضخماً يليق بتصورها السابق عنه…
لكن مظهره كان يعطيها انطباعاً عن سن أكبر مما توقعته…
ربما لخصلات الشيب التي غزت فوديه…
وربما بسبب هيبته الواضحة التي لم تعرف لها سبباً محدداً!
بينما كان هو يتأملها بتفحص مستغلاً إطراقها الصامت…
الفتاة لم تختلف كثيراً عما توقعه منها…
وعما عرفه عنها من معلومات…
لكنها -وللحق-أقل جمالاً مما كان يظن!!!!
ملامحها عادية لا تغري بالنظر…
أو- هكذا كان رأيه – قبل أن ترفع عينيها إليه لتقول بثبات:
_أين السيدة ؟!
اتسعت عيناه للحظة وهو يلتقي ببحر الفضة في عينيها…
ليغير رأيه السابق عن جمالها فوراً…!!
لم يرَ عينين كهاتين من قبل…
لونهما مميز بحق…
وكأنهما خاصتان بها وحدها…!!
أما هي فقد منحتها نظرتها الجديدة نحوه المزيد من تفاصيل ملامحه…
حاجبان كثّان منعقدان بتلك الطريقة التي تظن معها أنهما لن ينفرجا أبداً…
عينان زيتونيتان ثاقبتان أثارتا في جسدها قشعريرة خوف خفيفة…
أنف أشم مرتفعٌ في كبرياء يليق به…
ذقنٌ خفيفة مهذبة راود شعيراتها الداكنة القليل جداً من أثر المشيب الذي زادها رونقاً…
رأسٌ حليق بخصلات شعر داكنة بالغة القصر …
شفتان…!!!
انقطعت أفكارها عند هذه النقطة وهي تغض بصرها عنه في مزيج من حياء ووجل…
بينما ضاقت عيناه أكثر وهو يعيد التفرس في ملامحها ليقول بصرامة:
_بدلي ملابسك واستريحي اليوم من عناء السفر…. وغداً تتسلمين عملك.
كانت عبارته من الرقة بمكان…
لولا تلك النبرة الصارمة التي يتحدث بها…
ياإلهي!!!
إذا كانت هذه طريقته في التحدث بلطف…
فماذا سيكون أسلوبه لو أراد تعنيفها…؟!!!!
ستتجنبه تماماً…
ستتحاشى حتى مجرد رؤيته…
كان الله في عون زوجته…
إنها بالكاد تحتمل نظراته القاسية…
فكيف بمن احتملته طيلة هذه السنوات؟!!!
قامت من مكانها أخيراً وهي تقول بتهذيب:
_أين غرفتي؟!
نظر إليها بقسوة للحظة ثم قال بصرامة:
_اجلسي!
شعرت بالخوف يجمدها مكانها من تلك الشرارات المشتعلة التي انبعثت بين” زيتونيّتيه”…
لكنها جلست بعدها وهي ترمقه بنظرات وجلة…
ليقول بعدها وهو يلوح لها بسبابته في لهجة تحذيرية:
_من أذن لكِ بالوقوف ؟!!!هذا هو درسك الأول هنا…لن تفعلي شيئاً دون إذني.
ثم وقف مكانه ليقترب منها بخطوات بطيئة مثبتاً بصره بعينيها الخائفتين …
حتى صار قبالتها تماماً…فقال بلهجته المسيطرة:
_لا أحد هنا يفعل شيئاً إلا بإذني!!
وجدت نفسها رغماً عنها تومئ برأسها في صمت…فقال بخشونة:
_قومي!
قامت من مكانها لتقف قبالته…
وعيناها تتعلقان بعينيه في خوف يمتزج بالترقب…
هذا الرجل لا يستحق هاتين العينين الزيتونتين…
الزيتون رمز “السلام”…
وهذا رجل تدق نظراته طبول “الحرب” في حدقتين مشتعلتين بالقسوة!!
لكنها لن تستسلم لضعفها أمامه…
حتى وهي تعلم أنها تحتاج هذا العمل…
لكنها لن تسمح لهذا الرجل بامتهان كرامتها …
لن تخفض رأسها له ولا لغيره!!
لقد اكتفت من صفعات قسوة البشر على صفحة براءتها…
ولن تخضع بعد!!!
لهذا أخذت نفساً عميقاً….
ثم واجهته بنظرة قوية أبعد ما تكون عن نظراتها التي كان الخوف يكسوها منذ قليل…
لتقول بعدها بصلابة:
_ أوامرك تقف عند حدود عملي…لكن تصرفاتي الشخصية تخصني وحدي…لو كان هذا لا يناسبك فاطلب من الخادمة أن تعيد لي حقيبتي وسأرحل فوراً.
قست عيناه أكثر وهو يتأملها بنظرات مخيفة…
قبل أن يقول ببطء:
_أعيدي ما قلتِه !
ورغم الخوف الذي كان يغزوها وهي كارهة….
تشبثت بقناع صلابتها فرفعت رأسها بكبرياء ثم أعادت عبارتها بنفس التماسك…
هنا ضاقت عيناه أكثر ثم التمعتا ببريق عجيب…
وقد ساد الصمت بينهما للحظات…
ليقول بعدها ببرود أخافها أكثر من قسوته:
_الخادمة ستذهب بكِ إلي غرفتك.
رمشت بعينيها عدة مرات…
لا تصدق أنه أنهى الحوار هكذا!!!!
هي لاتزال غارقة في أفكارها المتخبطة نحو هذا الرجل…
لا تستوعب ردود أفعاله الغريبة…
لقد توقعت منه غضباً أو ثورة…
أو حتى جدالاً…!
لكن بروده هذا يخيفها!!!
لهذا وجدت قلبها ينتفض ذعراً عندما سمعته ينادي الخادمة…
ليقول لها بعدها بنفس البرود المخيف:
_شعركِ هذا يجب أن تغطيه.
عقدت حاجبيها بشدة فلوح بسبابته قائلاً بلهجة أكثر قسوة:
_هذا ليس تصرفاً شخصياً…هذه عاداتنا هنا!
أطرقت برأسها للحظات…ثم أومأت برأسها إيجاباً…
لترفع وجهها نحوه بعدها مترقبةً المزيد من كلماته…
لكنه كان قد أعطاها ظهره لينصرف…
دون أن ينتظر ردها…!!!!
_كفاك الله شر الحرام يا ابني!!
همس بها الشحاذ الفقير لعبد الله الذي خرج لتوه من صلاة العشاء بالمسجد بعدما أعطاه صدقته…
فوخزت عبارته ضميره…
وهو يشعر بها تملأ كيانه طوال طريق عودته للمنزل….
لكنه نفضها عن رأسه وهو يصعد الدرج نحو شقته…
ليشعر بحمل ثقيل على صدره…
صفا المعموري!!!
امرأة كاملة يحسده عليها الجميع…
صفقة رابحة بدت له في أول الأمر ككنز ثمين…
امرأة عاقلة حنون …
تحبه كثيراً ولا تبخل عليه بشئ…
لا بعاطفة…
ولا بمال….
لكنه يشعر دوماً أنه لا يكتفي بها!
لا…ليس الأمر في قدرتها علي الإنجاب فهذا الأمر لا يؤرقه كثيراً…
لكن المشكلة أنها -كأنثى-لا ترضيه!
عندما يقارن بينها وبين النساء اللاتي يراهن على تلك المواقع الشائنة….
يشعر أنه قد غُبن حقاً في هذه الزيجة….
ولو أضاف لهذا- شعوره بالنقص- نحوها لأنها أكثر ثراءً منه ….
فالمحصلة هي شعوره بأنها اشترت رجولته بمالها…
وهو ما يشعر به كحجر ثقيل علي صدره!!!!
ولعل هذا هو سبب تهوره معها دوماً…ونفوره -الغير مبرر-منها…
حتى أنه قد ألقى عليها يمين الطلاق مرة من قبل ….
لكنه ردها بسرعة بعدها عندما شعر بحاجته إليها!
كان قد وصل في هذه اللحظة لباب منزله….فزفر في ضيق وهو يفتح الباب بقنوط…
ليهتف كعادته:
_السلام عليكم !
تلفت حوله في دهشة وهو يرى صالة المنزل خالية…
قد تكون رؤى معتزلة بغرفتها كعادتها…
لكن…أين صفا؟!!!
إنها دوماً تنتظره هنا لتكون في استقباله عندما يعود من صلاة العشاء!!!
توجه نحو غرفتهما ليجدها مستلقية علي سريرهما تعطيه ظهرها….
فجلس جوارها علي طرف الفراش يهمس بخفوت لم يُخفِ دهشته:
_صفا…هل نمتِ مبكراً هكذا؟!!!
انتفض جسدها ببكائها فتنهد في حرارة….ثم أدار جسدها نحوه ليهمس بإشفاق:
_لماذا تبكين؟!!
لم تستطع إجابته مع كل هذه الدموع التي كانت تغرق وجهها….
فربت على كتفها برفق ليعاود همسه بحنان لا يدعيه:
_هل هو موضوع الأطفال ثانية؟!!!
أغمضت عينيها بقوة للحظات دون رد…
ثم قامت من الفراش لتتوجه نحو حاسوبه المحمول الذي نسيه مفتوحاً على طاولة مكتبه…
ثم أدارت شاشته نحوه لتهمس بعتاب:
_ما هذا يا “شيخ” عبد الله؟!!!!
==========
_ما الأخبار؟!
هتف بها فهد محدثاً الخادمة في مطبخ تلك الشقة التي يحتجز فيها جنة…
كان قد تركها منذ الصباح ولم يعد إلا الآن…
فأجابته الخادمة بتهذيب خانع:
_تتناول دواءها وطعامها بانتظام …ولا تقوم من سريرها إلا للصلاة.
عقد حاجبيه بشدة وهو يسألها:
_الصلاة؟!
أومأت الخادمة برأسها إيجاباً …
فازدرد ريقه ببطء وهو يشعر بشعور غريب…
هذه المرأة…
متى ستكف عن إثارة ذهوله؟!!!
إنها -بالكاد-تستطيع الوقوف…
ومع هذا تحرص على صلاتها بهذا الانتظام!!!
لهذا عقد حاجبيه باهتمام وهو يسألها السؤال الذي كان يشغله منذ الصباح:
_هل تبكي؟!
هزت الخادمة رأسها نفياً لتقول بنفس اللهجة الخانعة:
_لا…إنها دائمة الشرود…وكأنها لا تنتمي لعالمنا…حاولت استدراجها لحديث كما طلبتَ مني…لكنها كانت ترد باقتضاب ثم تعود لشرودها.
أومأ برأسه في إشارة للخادمة بالانصراف ثم تنهد في حرارة وهو يتوجه نحو غرفتها…
كاد يطرق الباب لكنه تراجع…
ليبتسم في خبث وهو يفكر…
لن يطرق الباب بل سيدخل هكذا فجأة…
ليرى كيف ستكون ردة فعلها…!!!!
إنه يحب استفزازها بشدة…
يحب بريق العناد والتحدي في عينيها…
ثم إنها لا تزال تدين له بالكثير…
هو لم يبدأ انتقامه بعد…
وهو رجل لا يترك ثأره أبداً!!
لهذا فتح الباب فجأة لتلتفت هي نحوه بحدة…
فيلمح وجهها الذي كان يلتمع لمعة حقيقية هذه المرة…
لمعة دموع!!
عقد حاجبيه بشدة وهو يقترب منها بخطوات ثابتة…
لكنها أشاحت بوجهها بسرعة…
ثم رفعت ركبتيها إلي صدرها لتحيطهما بذراعيها وتدفن وجهها الباكي بينهما…
لن تسمح له أن يفرح برؤية دموعها أبداً…
لقد أخذها على حين غرة عندما فاجأها بقدومه…
لكن ما ناله من نظرة تشفٍّ ستكون الأولى والأخيرة!!
هي لا تبكي خوفاً منه…
ولا ندماً على ما فعلته…
هي تبكي لأنها تخشى أن يقهرها…
أن يأخذ منها -عنوة-ما هو حق ل”حسن”!!!
حسن وحده هو زوجها الذي يستحق جسدها…
حتى لو واراه التراب…
ستبقى على عهدها معه حتى تلقاه!!!!
جذب الكرسي جوار سريرها ليجلس عليه بهدوء وعيناه عالقتان بوجهها المدفون بين ذراعيها…
لم يتصور أن رؤيتها تبكي ستؤثر فيه هكذا…
لكن يبدو أن هذه المرأة كل ما فيها قوي طاغٍ
قوتها ساحرة…
وضعفها آسر..!!!
ظل على صمته المتأمل لها لدقائق…
لكنها لم ترفع رأسها…
فاضطر لاستفزازها عندما قال ببرود:
_وهكذا تبكين أخيراً مثل بقية النساء ؟!! لماذا جرؤتِ على أن تقفي في وجهي إذن ؟!! ماذا كنتِ تتوقعين كنهاية لتحديكِ الوقح لي؟!!
لم يصله ردها للحظات أخري…
فزادت رغبته في استفزازها أكثر ليقول بسخرية لاذعة:
_يمكنني العفو عنكِ لو قبّلت يدي الآن واعتذرتِ.
ظلت على حالها لدقيقة أخري كاد يفقد فيها صبره فيرفع وجهها إليه ولو قهراً…!!
لكنها رفعت رأسها أخيراً لتمسح دموعها بأناملها في قوة ملكية…
ثم قالت بصلابة:
_تظنني أبكي خوفاً أو ندماً؟!!! لا يا ابن الصاوي…دموع جنة الرشيدي أغلى من أن تذرفها لذلك.
ابتسم في إعجاب حقيقي وهو يدور بعينيه علي ملامحها في انبهار لم يملك سواه في هذه اللحظة…
لكنه سألها ببرود أجاد إخفاء مشاعره الحقيقية:
_وما سبب دموع جنة الرشيدي الآن إذن؟!!
أشاحت بوجهها عنه لتهتف بحدة:
_ليس هذا من شأنك!
هنا اتسعت ابتسامته وهو يقوم من مكانه ليجلس جوارها على طرف الفراش …
ثم أدار وجهها الذي أشاحت به إليه قائلاً ببطء:
_الآن وقد صارت صحتكِ أفضل…يمكنني البدء في انتقامي.
ابتسمت بسخرية لتقول بتماسك يناقض بكاءها منذ قليل:
_قلت لك ليس لديّ ما أخسره!
ارتفع حاجباه للحظة ثم همس باقتضاب:
_حريتك!
عقدت حاجبيها بتساؤل فأردف ببطء قاتل:
_أنتِ جعلتني أوقع علي عقد زواج رغم أنفي…وأنا سأفعل المثل معكِ…هذا هو العدل أليس كذلك؟!
ارتدت للخلف في صدمة لتهمس بذهول:
_ماذا تقول؟!
ابتسم في رضا واضح عن صدمتها التي كست ملامحها…..
ثم هز كتفيه قائلاً:
_ترى كيف سيكون تصرف شقيق رؤى المتزمت لو علم عن عقد الزواج العرفي الذي تعتبرينه أنتِ كنزاً؟!!!
عقدت جنة حاجبيها بشدة وهي تفكر…
هذا الوغد محق…
تلك الورقة التي أجبرته على التوقيع عليها ليست مكسباً حقيقياً…
لكنها اعتبرتها وقتها أفضل من لا شئ!
ومع هذا لو نفذ ابن الصاوي تهديده وعلم شقيق رؤى بهذا الأمر فسيقتلها…
سيقتلها حقيقة لا مجازاً ودون تفكير!!!!
هي تعرفه جيداً…
لا مزاح لديه في هذه الأمور…
رؤى الحمقاء ستدفع ثمن خطئها غالياً…
أغلى بكثير مما توقعت!!!
لهذا قست ملامحها وهي تقول له بحنكة محامية اعتادت التفاوض:
_ألقِ أوراقك كاملة…أنا أستمع!
ابتسم وهو يشعر بقرب انتصاره ليقول بغطرسة:
_هي ورقة واحدة رابحة يا صغيرة…صمتي مقابل زواجي منك!
عقدت حاجبيها بشدة ليقرأ الرفض في عينيها….
فتناول هاتفه ليلوح به أمام وجهها قائلاً:
_مكالمة واحدة لعبد الله…ونقرأ الفاتحة سوياً لصديقتك صاحبة الصون والعفاف!!!!
هزت رأسها في عدم تصديق لتهتف بعدها بذهول:
_أنت مجنون؟!تسلبها هي شرفها وتريد أن تتزوجني أنا؟!
أمال رأسه يتفحصها بتسلية ثم ابتسم ابتسامته الجانبية المقيتة ليقول ببطء:
_تعودت من صغري أن أتملك كل ما يعجبني…
عقدت حاجبيها بشدة وهي تكز على أسنانها…
فيما أردف هو ببرود مستفز:
_وأنتِ تعجبينني!!
ارتجف جسدها ارتجافة خفيفة…
لا…ليس خوفاً …
ولاحتى خجلاً!!
لكنها كانت ارتجافة طير ذبح بسكين ثلم!
هي تعرف أن هذا الوغد جاد في عرضه رغم جنونه….
تفهم من هم على شاكلته وتدرك أنها صارت رهانه الجديد…
ومثله يستنكف أن تستعصي عليه امرأة….
تماماً كما تعرف غرضه من هذا الزواج…
ليس أن ينالها…
بقدر أن ينال منها!!!
وهي لن تسمح بكليهما!!!!!
لكن…
كيف تقبل أن تتزوج رجلاً غير حسن؟!!!!
ومن؟!!!!
هذا الوغد ؟!!!!!
لكنها لا تملك حق الرفض…
الحقير أحكم شباكه حولها….
يريد أن يتملكها بعقد زواج وبالطبع سيكون سرياً…
لأن فهد الصاوي العظيم لن يسمح بانتشار خبر كهذا!!!!
ازدردت ريقها ببطء ثم سألته بتماسك تدعيه:
_وماذا لو رفضت ؟!
اقترب بوجهه منها ليهمس بنبرته المسيطرة:
_لو فكرتِ جيداً فستعلمين أنها فرصة لكِ …أنتِ في قبضتي بالفعل…ويمكنني فعل ما أشاء بكِ لكن هذا ليس غرضي…أنا أريد كسر أنفك هذا…أريدكِ أن تكوني لي كاملة…حريتك ستكون ملكي…حتى يمكنني أن أزهق أنفاسكِ ببطء متي شئت.
ابتعدت بوجهها عن وجهه وهي تعيد التفكير في عرضه…
هي لا تضمن ماذا يمكنه فعله بها حتى دون زواج…
هي فعلا تحت قبضته بالكامل….
كما أن هذا الوغد يهددها بإبلاغ عبد الله لو رفضت…
لكن ماذا عن زواجها به؟!!
كيف تسمح لرجل آخر بتملكها سوى حسن؟!!!
لا…أبداً لن يكون…
لن يكون جسدها إلا لمالك قلبها الأول والأخير…
حسن..
حسن وفقط!!!
إنها مضطرة للقبول…
للأسف هذا الوغد يبدو مريضاً بداء التملك…
ويبدو أنه يراها ضحيته الجديدة…
لكنها ستعرف كيف تترك ندبتها على كبريائه…
كما تركتها على وجهه من قبل!!!!!
وبهذا اليقين رفعت رأسها إليه لتقول بصلابة:
_هل تعرف أنني أكبرك بثلاثة أعوام؟!
ابتسم ساخراً وهو يميل رأسه متفحصاً لها بجرأة قبل أن يهمس بثقة:
_ثلاثة أعوام وستة أشهر ويومين بالضبط….لكن…من يهتم؟!!
ثم أردف ببرود:
_زواجنا لن يعلم به أحد…لكنني سأعرف كيف أخنقكِ به .
عادت تكز على أسنانها وهي تشعر بالغيظ…
الوغد جمع عنها المعلومات الكافية بالطبع…
ويبدو أنه لا شئ سيزيحه عن قراره بالانتقام.
ازدردت ريقها ببطء وهي تهمس بصوت خرج رغماً عنها مهزوزاً:
_كنت متزوجة!!
قست ملامحه فجأة ليلوح بسبابته في وجهها هاتفاً بحدة لم يدرِ سببها:
_عقد قران وليس زواجاً كاملاً.
ثم جذبها من ملابسها فجأة ليهتف بعنف:
_أم أن حسن هذا قد نال منكِ؟!!
شهقت بعنف عندما ذكر اسم حسن….
ثم وضعت كفها على شفتيه بقوة وهي تهتف بقسوة حادة:
_إياك أن تذكر اسم حسن على لسانك ….إياك!!
اتسعت عيناه في صدمة وهو يطالع مزيج المشاعر الغريب في عينيها الآن…
قسوة مفرطة وقوة هادرة وغضب عارم….
لكن كل هذا محاط بغلالة رقيقة من دموع فضحت حسرة لم تنجح في إخفائها!!!
هل كانت تحب حسن هذا إلى هذه الدرجة؟!!!
المعلومات التي جمعها تفيد بأنه كان زميلها في الجامعة…
لكنه كان يكبرها…
وعقد قرانه عليها ليموت بعدها بأيام في إحدي التظاهرات المنددة بالسلطة السابقة…
ومن يومها وهي عازفة عن الزواج…
هل من المعقول أنها لازالت تحبه حتى الآن؟!!!!
لا لا…
لا يصدق أن هناك امرأة بهذا الوفاء!
كلهن سواء…
لعلها فقط لم تجد فرصة أفضل…
وهو سيمنحها هذه الفرصة…
ليثبت لها قبل أن يثبت لنفسه …
أنه لا وجود للحب والوفاء في هذا العالم….
بل المصالح…
والمصالح فقط!!!
لهذا أزاح كفها عن شفتيه ببطء…
ثم قال لها بخشونة لم يتعمدها:
_سأمر عليكِ في الصباح مع المأذون…لن تخرجي من هذا المكان إلا وأنتِ زوجتي!!
==========
_ما هذا يا شيخ عبد الله؟!!
همست بها صفا بمنتهى الألم….
همسها لم يحمل عتاباً بقدر ما حمل شعورها بالانكسار والخيبة….
لا تزال حتى الآن غير مصدقة لما رأته بمصادفة بحتة!!
لقد كانت تنظف مكتبه الصغير…
عندما انطلق صوت غريب من حاسوبه المحمول….
فتحته وهي تحاول إسكات هذا الصوت….
لتفاجأ عيناها بهذه المناظر البشعة…
لم تتمالك نفسها وهي تعدو نحو الحمام لتفرغ كل ما في جوفها من فرط الاشمئزاز….
لكنها عندما عادت لسريرها منهكة….
انحسر عنها شعورها بالاشمئزاز وعدم التصديق….
ليملأها شعور آخر…
شعور بالنقص…
بالإهانة!!!
لماذا يلجأ عبد الله المتدين و المتحفظ بطبعه لمثل هذه المواقع وهو رجلٌ عفّه الله بالزواج؟!!!
هل هي زهيدة في عينه إلى هذه الدرجة؟!!!
هل هذا هو سبب تباعده عنها منذ فترة؟!!!
أنها لم تعد ترضيه كامرأة؟!!!!
شعورها هذا أحرق صدرها بنيران جديدة….
الآن لم تعد مشكلتها معه مشكلة إنجاب فحسب….
لكن الأمر صار يتعلق بها هي…
بشخصها….
هي التي أحبته ومنحته كل ما يمكنها منحه دون تفكير في مقابل….
لتشعر اليوم…
واليوم فقط…
أنها لم تكن لديه سوى مجرد صفقة رابحة!!!
دجاجة منحته العديد من البيض الذهبي….
دون تعب!!!!
قطع هو أفكارها المذبوحة عندما اندفع نحو حاسوبه ليغلقه بقوة…
ثم أخذته العزة بالإثم ليهتف بحنق:
_كيف تجرؤين على التفتيش في حاجياتي؟!!! هل تراقبينني؟!!
أطرقت برأسها وهي تفكر بألم…
عبد الله لن يتغير…
لن يعترف أبداً بخطئه….
هي دوماً الملومة على كل شئ…
هي وحدها المطالَبة بدفع “فواتير” هذه العلاقة!!!!
لهذا لم يكن غريباً أن رفعت رأسها نحوه بعد لحظات…
لتهمس بخفوت وبكلمات مقتضبة:
_كانت مصادفة…كنت أنظف…آسفة!
قالتها وهي تكاد تتوجه نحو فراشهما من جديد…
لكنه سحبها من ذراعها بقوة وقد أسخطه ردها البارد أكثر…
ليهتف بغضب هادر:
_إياكِ أن تظني أنكِ ستكسرين عيني بشئ كهذا…نعم…أنا أشاهد هذه الأشياء….تدرين لماذا؟!!! لأنني أفتقد امرأة في بيتي…أنتِ فشلتِ أن تكوني امرأة كما فشلتِ أن تكوني أماً!!
ولم يكد يتفوه بعبارته القاتلة حتى أشاح بوجهه وهو يشعر بالندم ….
لا يدري كيف خرجت منه هذه الكلمات…
بهذه القسوة…
وهذه الحقارة….
ولمن؟!!!
لصفا؟!!!!
وفي موقفه هذا الذي يستوجب أن يشعر بالخجل…
لا أن يتبجح هكذا؟!!!
لكن…لعل هذا بالضبط هو السبب…
هو لن يعترف أبداً بخطئه أمامها…
كفاه شعوره بالنقص معها…
ولن يزيده اليوم بذنوبه التي ظنها مستترة عنها!!!!!
وأمامه كانت هذه -المطعونة-بكلماته في الصميم واقفة في ثبات….
تتلقي سهام كلماته بصبر امرأة ليست عاجزة…
ولا ضعيفة….
لكنها ببساطة…عاشقة!!!!
هي تحبه حقاً…وتعرف أن معدنه أصيل…
لكنها -حتى الآن-عاجزة عن فهم سر هذا التشوه بروحه…
هذا التغير الذي طرأ عليه…!!!
طال صمتهما سوياً بعد عبارته القاتلة…
لتكون هي أول من يقطعه عندما همست بصلابة لعلها تجبر كسر روحها بكلماته:
_ولماذا تُبقي على امرأة -بلا قيمة-مثلي في حياتك؟!!!
كان غضبه الآن قد بلغ ذروته….
شعوره بالخزي مما اكتشفته عنه…
والذي زاد من الحِمل الثقيل الذي يشعر به علي صدره من ناحيتها…
جعله يؤول عبارتها على أنها تسخر منه و تعيّره بمساعدتها الدائمة له….
لهذا لم يشعر بنفسه وهو يهزها بين ذراعيه ليصرخ بحدة:
_هل تعيّرينني ؟!!! تظنين نفسك أفضل مني؟!!!!
أغمضت عينيها بقوة وهي تشعر أن صبرها حقا نفد…
لم تعد قادرة على التظاهر بالبرود والصلابة…
كل هذا كثير علي تحملها….
حقاً كثير…!!!
لهذا واجهته بقوة عينيها -التي تخيفه أحياناً-لتهتف بحدة مماثلة:
_أنت الذي تظن نفسك أقل مني….أنت الذي يشعر بالنقص!!
التمعت عيناه بجنون وهو لا يصدق أنها تجرأت على قولها….
على الضغط بكل قسوة على الجرح القديم…
ليجد نفسه أخيراً يصرخ دون وعي:
_أنتِ طالق!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ماسة وشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى