رواية ماسة وشيطان الفصل الرابع عشر 14 بقلم نرمين نحمد الله
رواية ماسة وشيطان الجزء الرابع عشر
رواية ماسة وشيطان البارت الرابع عشر
رواية ماسة وشيطان الحلقة الرابعة عشر
جلس مكانه في الطائرة عائداً لمدينته بعدما انتهت زيارته -الصادمة- لعاصي الرفاعي…
لقد ضاعت منه ماسته …
ضاعت للأبد…!!!
ستبقى حبيسة قصر عاصي الرفاعي ولن يستطيع أحد انتزاعها منه…
عاصي الرفاعي الذي يعرف -كما الجميع- مدى تسلطه وجبروته…
لكن من يلوم الآن سوى نفسه؟!!!
هو الذي عجز أن يعشقها كما يعشق “الرجال”…
فأضاعها من يده ك”الأطفال”…
والآن دوره ليبكيها ك”النساء”!!!
وجواره كانت ميادة تتأمل شروده بتفحص…
عزيز لا يبدو على طبيعته منذ بداية هذه الزيارة …
بل بالتحديد منذ بدأت زوجة عاصي الرفاعي بالحديث…
لقد انتفض جوارها ساعتها عندما سمع صوتها بل إنه خرج خلفها عندما غادرتهم متذرعةً بإعيائها…
هل من المعقول أنه خرج ليحدثها؟!!!
هل امتلك الجرأة ليفعلها؟!!!
لقد اعتذر عاصي منها بعدها بتهذيب لا يخلو من غضب استشعرته واضحاً ليخرج خلفهما….
لكن الغريب أنه كان أكثر هدوءاً عندما عاد إلىهما بعدها بل إنه ودعهما بترحيبٍ خالٍ من التحفظ الذي استشعرته بحدسها في بداية لقائه بهما!!!!
فما الذي حدث بالخارج وقتها؟!!!
ظلت غارقةً في أفكارها المتخبطة لدقائق طويلة حتى التفت هو نحوها ليسألها بحنانٍ يغزوه حزنٌ لم تفهم سببه:
_هل أنتِ بخير؟!
ابتسمت ابتسامة حقيقية وهي تشعر بصدق حنانه الذي يلون روحها الباهتة بلونه الدافئ…
والذي منحه لها بلا حساب منذ ليلة زفافهما رغم أن “قلب الشاعر” لم يزل يحرّمها على نفسه كزوجة…
صحيحٌ أنها تظهر أمامه عدم مبالاتها بهذا الأمر وطالما زعمت له أن زواجهما ليس بالنسبة إلىها أكثر من صفقة رابحة…
لكنها في نفسها تعتبر فعلته إهانةً تستوجب في شرع -أنوثتها – أقصى عقوبة!!!
لهذا أمالت رأسها بدلالٍ تجيده ثم احتضنت ذراعه لتسند رأسها على كتفه ناظرة لفيوضه الزمردية بلمعتها العسلية والتي اكتست بظلالٍ من حزنٍ أسود ….لتهمس بغنج:
_كانت رحلةً شاقة…أتمنى لو لا نعيدها!
أسند رأسه على رأسها المستريح على كتفه ثم ربت على كفها قائلاً بشرود:
_اطمئني…لن نعيدها!
زادت لهجته الغامضة من شكوكها فعادت تسأله بحذر:
_هل يعني هذا أننا سنرفض شراكة عاصي الرفاعي؟!
أومأ برأسه قائلاً بنفس الغموض الذي احتل شروده :
_ما عادت تجوز لي معه شراكة…هو أخذ كل شئ!!
ضاقت عيناها بتفحص لملامحه وسؤالها القادم يجذبه من شروده قسراً:
_ماذا تعني بأنه قد أخذ كل شئ؟!
انتبه في التوّ لما تفوه به دون قصد فرفع رأسه ليشيح بوجهه بعيداً للحظات…
قبل أن يقول بحزم :
_أنا سأكتفي بمشروعي…لو أراد أبي شراكته فليفعل.
كانت تعلم أنها تضغط علىه أكثر لكنها أكملت الحوار بقوة:
_لم يكن هذا رأيك عندما قبلنا دعوته إلى هنا.
زفر زفرة مشتعلة ثم هتف بحدة لم تجد هي لها مبرراً:
_لم أشعر بالراحة في الحديث معه…رجلٌ متغطرسٌ بارد يظن نفسه قد ملك الدنيا بين كفيه!!!
أومأت برأسها بلا اقتناعٍ حقيقي لكن ذكاءها أخبرها أنه من الأفضل إنهاء الحوار الآن…
فأغمضت عينيها متظاهرةً بالنعاس على كتفه حتى انتهت رحلتهما بالطائرة….
ولم يكادا يصلان إلى منزلهما حتى ابتدرته بقولها:
_سأجري اتصالاً هاماً…اسبقني أنت لغرفتنا ولو أردت النوم فلا بأس!
اغتصب ابتسامة باهتة وهو يربت على رأسها قبل أن يذهب لغرفتهما بخطواتٍ متثاقلة ورأسٍ منكّس كما العائدُ من جنازة بعدما فقد أغلى من يملك!
والواقع أن هذا حقيقةً كان ما يملأ قلبه الآن….
كلمات ماسة التي ألقتها -كالرصاص-في صدر رجولته أصابته بمهارة….
لقد تخاذل وضعف وجبن…والآن يندم وقتَ لم يعد ينفع الندم!!!
بدّل ملابسه بلا وعيٍ تقريباً ثم تمدد على فراشه يناظر السقف بشرود ….
وقلبه يكاد ينزف ألماً وحسرة…
قبل أن يرحمه عقله بالاستسلام لغيبوبة نومٍ طمعاً في الهروب!!
وفي مكانها تناولت ميادة هاتفها لتتصل بالرقم الذي سيفك لها كل هذه الطلاسم….
فهي لن تهدأ حتى تتبين لها كل الحقائق …
وخيوط اللعبة يجب أن تبقى كاملةً في يدها…
لهذا ما كاد الاتصال يُفتح حتى هتفت بمرح مصطنع:
_عمي شاكر…كيف حالك؟!
ضحكة رائقة وصلتها متبوعةً بهتافه الودود:
_كيف حالكِ أنتِ يا ابنتي؟!! وكيف حال عزيز؟!
انتقت كلماتها بحذر وهي تقول ببساطة مصطنعة:
_نحن بخير…لقد عدنا لتوّنا من (…..).السيد عاصي الرفاعي دعانا هناك ليناقش معنا فكرة المشروع التي اقترحتها عليك.
وصلتها ذبذبات التوتر في صوته ممتزجةً بدهشته وهو يسألها:
_عاصي دعاكما لبيته؟!أمرٌ غريب!!
حاولت التظاهر بالسذاجة وهي تقول بمرح:
_وما الغرابة؟! نحن عروسان…والمناظر هناك ساحرة…الرجل لم يدخر وسعاً في الترحيب بنا هناك بل إنه دعانا لنزهةٍ نيلية خلابة…لقد كانت زيارةً مميزةً ومختلفة.
لم يرد عليها للحظات استشعرت فيها حيرته أكثر…
فأردفت بنفس اللهجة المتباسطة:
_وزوجته أيضاً تبدو امرأةً رائعة!
لم تكد تتم عبارتها حتى اخترق أذنها هتافه القلق:
_زوجته؟!!!هل التقيتما بزوجته؟!
أجابته بالإيجاب في اقتضاب …
فأردف بقلقٍ أكبر:
_أيهما؟!الأولى أم الثانية؟!
كان يدرك سذاجة سؤاله فهو يعلم أن زوجة عاصي الرفاعي الأولى لا تغادر فراشها بسبب ظروف حملها…
لكنه كان يريد التأكد مما في باله…
لتجيبه ميادة بقولها:
_لا أدري…هي كانت ترتدي نقاباً على وجهها…ويبدو أنه يقدرها كثيراً فهو لم يترك كفها منذ دخل بها حتى غادرتنا!
سمعت صوت زفرته الحانقة قبل أن يسألها بترقب:
_هل تحدثت إلىكما؟!
تأكدت شكوكها بعض الشئ لكنها أجابته محاولةً استنباط المزيد:
_ليس كثيراً…فقد اعتذرت بسرعة وتركتنا.
ثم أردفت ببطء وهي تلقي بآخر أوراقها:
_لكنّ عزيز لم يبدُ على طبيعته هناك…حتى أنه أخبرني برفضه لشراكة عاصي الرفاعي رغم تحمسه في البداية.
لتسأله بعدها أهمّ سؤالٍ أجرت لأجله هذه المكالمة:
_هل تعرف اسم زوجة السيد عاصي يا عمي؟!
تنهد شاكر بضيق قبل أن يجيبها ببعض التحفظ:
_إحداهما تدعى حورية والثانية ماسة…لا أدري بالضبط من منهما كانت في استقبالكما..لماذا تسألين؟!!
هنا تأكدت شكوكها تماماً وهي تسمع اسم “ماسة” الذي كان يحتل ظنونها منذ البداية…
فصمتت قليلاً ثم استعاد صوتها قوته الكاملة وهي تقول:
_دعنا نتحدث بصراحة يا عمي…أنا أعرف أن عزيز كان على علاقة بماسة هذه قبل زواجها من عاصي الرفاعي…لكنني أريد معرفة تفاصيل الأمر منك!
صمت هو الآخر لبعض الوقت فبدا وكأنه يستوعب مفاجأته ….
ثم قال بحزم:
_لا تدعي هذا الأمر يشغل بالكِ يا ابنتي…مجرد علاقة فاشلة وانتهت…إنها مجرد فتاة لقيطة بلا أصل ألقت شباكها حول عزيز مستغلةً علاقتها بوالدته…لكنني تدخلتُ في الوقت المناسب وطلبتُ من عاصي استجلابها للعمل في قصره هناك كممرضةٍ لزوجته بعيداً عن عزيز…لكن يبدو أن تلك الفتاة ليست سهلةً أبداً…فلم يكد يمضي وقتٌ قصير على عملها هناك…حتى فوجئت بعاصي يبلغني برغبته في الزواج منها.
سكتت للحظات تعقل حديثه ثم سألته باهتمام:
_وما الذي دعاها لترك عزيز هنا والسفر للعمل بعيداً هكذا؟!
كانت كلماته مفاجئةً لها وهو يجيبها باقتضاب:
_يقولون أنها تعرضت لحادث اغتصاب فهربت من فضيحتها هنا!
اتسعت عيناها بإدراك وخيوط القصة تكتمل في رأسها …
فأنهت الاتصال بلباقة وهي تقول له ما تعلم أنه يريد سماعه…
قبل أن تعبث أناملها في هاتفها باحثةً عن صفحة مدونة عزيز الاليكترونية…
لتقرأ كتاباته من جديد بتفحص محاولةً فهم ما حدث بينهما بالضبط…
انقبض قلبها بشعور غريب أرجف أعماقها وهي تقرأ الآن كلماته لها…
ورغم أنها لم تكن المرة الأولي التي تقرأ فيها أشعاره بل إنها طالما سخرت منها…
لكنها هذه المرة كانت تشعر بمرارةٍ لم تتبين سببها…
أو ربما…لم تشأ الاعتراف به!!!
ميادة التي كان عقلها دوماً سيّد قراراتها بلا منازع…اليوم تشعر بقلبها يظهر من خلف أستاره التي طالما تواري خلفها ليطعنها في ظهرها طعنة غدر بشعورٍ لم تختبره من قبل…
الغيرة!!!!
لكنها نفضت هذه الفكرة عن رأسها و استعادت قوتها بسرعةٍ تُحسَد علىها لتلقي هاتفها بعنف على الأريكة…
قبل أن تجلس عليها وهي تمسك رأسها بكفيها تفكر لدقائق…
الصورة كما تفهمها الآن أن عزيز تخلى عن ماسة هذه بعدما حدث لها لكن ضميره لازال يؤنبه…
وقلبه “عدوها الحقيقي” في علاقتها معه يعذبه بماضيه معها…
عزيز ضعيفٌ حقاً كما كانت تظن به…لكن قلبه هو أقوى ما فيه…
قلبه الذي ستشرب اليوم نخب هزيمته !!
فهي لن تحتمل بعد لحظة انتظارٍ واحدة!
لا تعنيها الآن أسبابٌ لما تشعر به من ضيق….المهم الآن أن تستحوذ على عزيز كاملاً وبأي طريقة….
رفعت كفها الذي تزين إصبعه بدبلته الماسية أمام وجهها لتبتسم ابتسامة انتصار …
ثم التمعت عيناها بقوة وهي تهمس لنفسها بصوتٍ مسموع:
_حسناً يا “قلب الشاعر”…فلنطرق الحديد وهو ساخن…الليلة تكون جولتنا الأخيرة!
وبعدها بساعات….
استيقظ هو من نومه قرب منتصف الليل على صوت موسيقا صاخبة تنطلق من الخارج…
عقد حاجبيه بدهشة وهو يتلفت حوله بتفحص…قبل أن يقوم من فراشه ليبحث عنها…
فتح باب الغرفة لتتسع عيناه بصدمة وهو يشاهد المنظر أمامه…
فعلى الأنغام الصاخبة هناك كانت هي تتمايل بحركاتٍ ناعمة غايةً في الأنوثة والإغراء…
بثوب رقصٍ شعبي بعيدٍ عن أناقتها -الغربيّة -المعتادة…
أظهر مفاتنها بسخاء فلم يبخسها شيئاً من أثرها…
وقد نثرت شعرها حول وجهها بشكلٍ غجريٍّ مثير مع إضاءةٍ مميزةٍ في المكان بدت وكأنها تقصدها لتلقي علىها بظلالٍ جعلتها أشبه بالحلم…
مع رائحة عطريةٍ غريبة أثارت حواسه كلها بصورة مذهلة!!!
وقف مكانه يراقبها مبهوتاً لدقائق وهو يشعر أنها ليست حقيقية…
بهذه الفتنة وهذا السحر الذي يدعوه فلا يملك إلا أن يستجيب…
حتى التفتت إلىه وسط رقصها الثائر بالفتنة لترمقه بنظراتٍ داعية لم يخطئ تأويلها…
قبل أن تتقدم نحوه بخطواتٍ راقصة دفعت دقات قلبه للجنون مع اشتعال خلاياه كلها باشتهاءٍ خالص…
لتتوقف على بعد خطوة واحدةٍ منه هامسةً بإغواء:
_تعال ارقص معي يا عزيز.
قالتها وهي تتعلق بعنقه لتزداد نظراتها حرارة وهي تردف:
_الأغنية ستعجبك!
ازدرد ريقه ببطء وكفاه يحيطان بخصرها ليقربها إلىه أكثر…
وعيناه تتوهجان بسهامٍ زمرديةٍ آسرة اختفي منها حنانه المعهود معها لتحل محلها مشاعر أخرى تدركها هي الآن جيداً…
لتسير الأمور بعدها كما خططت تماماً…
والنتيجة….. هزيمةٌ ساحقة ل”قلب الشاعر”!!!
============
استند على جدار الشرفة بكفيه وهو يتطلع للسماء بشرود…
دارت عيناه بحثاً عن القمر كعادته عندما وجده هناك في كامل استدارته…
لكنه -للعجب-لم يشعر بنفس الشعور الذي كان يتملكه كل مرة عندما يراه…
بل على العكس…
كان يشعر بالغربة في كل شئ…
هذه السماء ليست سماءه التي طالما حلقت فيها أحلامه…
ولا هذا القمر هو نفسه الذي كانت ترتسم علىه صورة حبيبته الضاحكة…
ولا هذه النجوم تعلن ولاءها الأبديّ لحبهما الذي هوى من بينها نجماً محترقاً!!
الليلة فقط يمكنه القول أنه خانها…!
نعم…بالأمس كان يرى نفسه ضعيفاً متخاذلاً…
واليوم صار خائناً أيضاً!!!
لكن…لماذا يلوم نفسه؟!!
ألم تفعلها هي قبله؟!!!
ألم تسلم نفسها راضيةً لعاصي الرفاعي وهي التي طالما أقسمت له أن ماسته ستبقى ملكه للأبد؟!!
ألم تعلنها صريحةً في وجهه أنها صارت زوجة عاصي الرفاعي وأن حبه كان كصفرٍ كبير في خانة اليسار؟!!!
حسناً…لقد تساوت الرؤوس الآن..
خيانةٌ بخيانة…والبادي أظلم!!
كان هذا حديث عقله الصاخب بحسرته وفداحة خسارته…
لكن هناك…في عمق ضلوعه …كان “قلب الشاعر” ينتحب بمرارة ناعياً خسارته مرتين…
مرة بفقدان حبيبته …ومرةً بخيانتها…!
وكلتاهما أقسي من الأخرى!!
قطعت أفكاره عندما وضعت هي كفها على كتفه من الخلف لتقول بنبرة قوية أخفت بها مرارتها هي الأخرى:
_نادمٌ أنت؟!
التفت إلىها من شروده ليهرب من عينيها اللتين التمعتا ببريق غريب…
مزج “شهد” انتصارها ب”علقم” خيبتها …
خيبة امرأةٍ يهرب زوجها من نهر عطائها لهثاً خلف سراب في بيداء أحلامه…
لتنقلب كل موازينه…
فيصير حبه لمعشوقته شرفاً يستحق الإخلاص…
وتصير علاقته بزوجته خيانةً تستوجب الندم!!!
لهذا لم تتعجب صراحته وهو يقول بصوتٍ كسير:
_ليس ندماً ….أنا فقط…لم أكن أريد أن أظلمك معي.
ابتسمت بسخرية باردة تناقض اشتعالها الغاضب وهي تغمغم:
_ألستَ متأخراً قليلاً في إدراكك هذا؟!
عقد حاجبيه بضيق فجّرته فوضى مشاعره التي تكتسحه الآن بلا رحمة وهو يلوح بسبابته في وجهها هاتفاً بحدة غريبةً على طبعه الهادئ:
_أنا لم أخدعك…أنتِ كنتِ تعلمين أنني أحب امرأة أخرى لكنكِ مع هذا اعتبرتِ زواجنا صفقة رابحةً كما كنتِ تزعمين!!
أثارتها حدته أكثر لتجد نفسها تهتف بانفعال فاجأها قبله:
_ومن قال أنني أريد حبك هذا؟!! بماذا أفاد حبك ماستك المفقودة؟!! لقد تخليتَ عنها كما الجميع…حبك هذا لم يعالج ضعفك وقلة حيلتك…لتدفعها بيديك للزواج من رجلٍ منحها القوة التي افتقرتَ أنتَ إلىها!!
نظر إلىها مصدوماً للحظات وهو يكاد يكذّب أذنيه…
ليهمس بعدها بدهشة:
_كيف عرفتِ كل هذا؟!!
أشاحت بوجهها دون ردّ وهي تشعر بالسخط على نفسها…
لقد بدأ عقلها يفقد السيطرة على أفعالها ويرضخ لانفعالاتها…وهذا خطأ..!!
خطأٌلا تدري هل سيتكرر…وهل سيمكنها تداركه أم لا…
لكنه أمسك ذراعها بعنف ليهتف بحنق:
_أخبريني ماذا تعرفين أيضاً؟!!
تأوهت بقوة وأصابعه تنغرس في لحم ذراعها لتفقد أعصابها من جديد وهي تهتف بعصبية:
_أنا لا أترك شيئاً للمصادفات..كل الأمور يجب أن تبقى واضحةً أمامي كالشمس…..والدك أخبرني تفاصيل القصة كلها…التفاصيل التي ربما لا تعرفها أنت كاملة…عمي شاكر هو الذي طلب من عاصي الرفاعي إقصاءها عن هنا بطلبها للعمل لديه حتى يبعدها عنك…لم يكن يعلم أنه ليس بحاجةٍ لهذا وأن ابنه سيتخلي عنها قبلها !!
ترك ذراعها بعنفٍ أكبر وعيناه تتوهجان بغضبٍ أسود لم ترَه فيهما من قبل…
وهو يكز على أسنانه ليهتف بنبرةٍ أخافتها:
_إذن…أبي هو من كان خلف سفرها الغريب هذا!!!
أشاحت بوجهها عنه وهي تشعر بالاضطراب…
لقد أفلتت منها الأمور تماماً ويبدو أنها أيقظت مارد غضبه الكامن دون قصد واغترت بطول حلمه…
لهذا حاولت تدارك الأمر وهي تغمغم بتوتر:
_والدك فعل ما رآه في صالحك!
اشتعل غضبه أكثر بسخريةٍ قاتمة هذه المرة وهو يغمغم بشرود:
_نعم…كما كان يفعل طوال عمري!!
قالها وذهنه يستعيد ذكريات طفولته البعيدة….
عندما اختطفه والده من حضن والدته غدراً ليسافر به بعيداً عنها لسنوات…
فيحرمه من حضنها الدافئ ويستبدله بلياليه الباردة الموحشة التي قضاها وحده دونها…
ويقحم امرأة غريبةً في حياته لم يرها يوماً إلا زوجةً لأبيه بصورةٍ مناقضة تماماً لما كانت عليه رحمة الحنون ذات الخلق كما كان يذكرها …
والآن يحرمه من حبيبته غدراً بنفس الطريقة…
فيلتف من خلف ظهره ليعبث بحياته ويرسمها له كما يشاء…
وللأسف…هو سلّم له عنقه ليسوقه أينما يريد….
لكن…ليس بعد!!!!
لقد انتهى هذا العهد…!
هذه كانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر بعير ضعفه واستسلامه…!!!
أما هي فقد عقدت حاجبيها بقلق وهي تشعر بغرابة رد فعله عما توقعته منه….
خاصةً عندما أزاحها عن طريقه بعنف ليندفع مغادراً الغرفة …
بل والشقة كلها!!!
لكنها لحقت به عند الباب لتجذب كفه هاتفةً :
_إلى أين ستذهب الآن؟!
نفض كفها من كفه ليرمقها بنظرة مشتعلة أخيرة…
قبل أن يهتف بقسوة لم تتخيل يوماً أن يملكها:
_يؤسفني إبلاغكِ أن صفقتكِ لم تكن رابحة كما ظننتِ…من الليلة لن يكون لي أي علاقة عمل بالسيد شاكر …سأترك له كل ماله وأعود لأقيم مع أمي وأبدأ من جديد.
شهقت بعنف وهي تضع كفها على شفتيها قبل أن تصرخ بانفعال:
_أنت مجنون؟!!علامَ كل هذا؟!!أنا لن أقبل بهذا أبداً..!!!
ازدادت عيناه توهجاً بغضبه الكاسح وهو ينزع دبلته من كفه ليلقيها أرضاً بعنف قبل أن يرد بنفس القسوة الغريبة على طبعه:
_كما تشائين…أنتِ طالق!!!!!
===========
خرج معتصم من محل عمله ليهيم على وجهه في الطرقات وهو يشعر بالاختناق…
حديثه الأخير مع دعاء أنهك روحه حقاً…
وبقدر سعادته اللا متناهية والتي لا يستطيع إنكارها الآن عندما علم أنها تحررت من خطبتها أخيراً…
لكن هذا عاد يضعه أمام حيرته من جديد..
هو لا يريد الارتباط الآن…
لا يريد تقييد نفسه بهذه المسئولية التي يعلم أنه لن يتحملها…
وهو يخشى أن يظلمها معه…
خاصةً وهو يعلم أن فتاة مثلها بجمالها وشخصيتها الجذابة ستكون حلماً لمن هو أفضل منه بكثير…
ولعل خطيبها السابق أفضل مثال…
من هو كي يقارن نفسه بسيادة الرائد العظيم الذي كان يستقل سيارة يكفي ثمنها وحده لشراء شقة كاملة لعائلته بدلاً من منزلهم المتهالك الذي يوشك على السقوط…؟!!!
طالما كان معجباً بالمثل الشعبي القديم ” مُدّ لحافك على قدر رجليك”…
وهو الآن يعلم أنه حتى لا يملك هذا “اللحاف”…!!!!
فلماذا يورطها معه بحياة بائسة شاقة وهو الذي -بالكاد-يحمل همه وهم أسرته…؟!!!!
ولا ينقصه أن يحمل همها هي الأخرى…
أو على أفضل تقدير يأتي بها لتحمل الهم معه!!!!
لهذا سيكتفي منها بالحلم …
ولو أن مجرد الحلم لمن في ظروفه “رفاهية” !!!
فليَدَعْ ماسةً قيمةً كدعاء لمن يقدرها بقيمتها…. وليكتفِ هو ب”فصوص الزجاج المكسورة ” اللائي يضيع معهن وقته فهنّ فقط من يليق بهن ويلِقنَ به!!!
لا يدري كم ظل على سيره الهائم هذا لكنه عاد لبيته في النهاية لتستقبله والدته بقلق هاتفة:
_لماذا تأخرت هكذا يا معتصم؟!!وهاتفك مغلقٌ أيضاً؟!!
ابتسم بسخرية مريرة وهو يطرق برأسه…
لم يشأ أن يخبرها أنه باع هاتفه منذ يومين لتوفير مصاريف أخيه الدراسية على أمل أن يتمكن من شراء آخر من راتب الشهر الجديد….
بل إنه يذهب ويعود من عمله سيراً على قدميه حتى يوفر مصاريف مواصلاته…
لهذا اكتفي بصمته العاجز قبل أن يتمتم بخفوت:
_آسف يا أمي…هاتفي “فرغ شحنه”!!!
أومأت والدته برأسها وهي تربت على كتفه قائلةً بحنان:
_بدل ملابسك حتى أعد لك الطعام…ال”ملوخية بالأنارب” التي تحبها!!
ابتسم رغماً عنه وهو يتذكر كيف تصر والدته على نطقها ب”الأنارب” بدلاً من “الأرانب” كل مرة…
وكيف يشاكسها هو كل مرة أيضاً بدعواه أنه لن يأكلها حتى تنطقها صحيحة…
لكن الحوار دوماً ينتهي بخبطتها له في كتفه وهي تمصمص شفتيها مغمغة بعتاب:
_لا تتكبر على من علمتك الكلام…الآن تأتي لتسخر مني يا ولد؟!!
وحينها يضعف هو فيقبل رأسها بعمق امتنانه لهذه المرأة التي ترملت صغيرة ومع هذا كافحت بصبر حتى تربيه هو وأخاه رافضة الزواج رغم حاجتها لرجلٍ وهي التي ليس لها أحد!!
لكنها بدت وكأنها قرأت أفكاره فاختصرت الطريق وخبطته بكفها في كتفه كالعادة هاتفة بطيبتها المعهودة:
_وإياك أن تسخر مني يا ولد!!
ضحك ضحكة قصيرة وهو يرفع كفيه أمام وجهه هاتفاً بمرح:
_لم أقل شيئاً يا أم معتصم …قوليها كما تشائين المهم أن آكل…فأنا أكاد أموت جوعاً.
شهقت وهي تضع كفها على صدرها هاتفة بجزع:
_حبيب أمك يا ابني…حالاً!!!!
التمعت عيناه بتأثرٍ لحنانها وهو يراها تهرول نحو المطبخ بخطواتٍ مندفعة…
ثم التفت للأريكة الصغيرة هناك حيث كان أخوه نائماً جوار كتبه فتنهد بحرارة وهو يفكر…
لا بأس …هذان الاثنان يستحقان التضحية…!!!
ذهب لغرفته ليبدل ملابسه ثم رفع كفه أمام عينيه يتأمله بشرود هائم…
دعاء!!!
ماسته باهظة الثمن التي لا يملك حق تملكها…لهذا يكتفي فقط بنظراته المنبهرة بها…
واليوم لا يصدق أنه تجرأ وأمسك كفها…!!!!
ابتسم بعبث وهو يفرك أنامله محاولاً تذكر شعوره وقتها …
غريبٌ أمر هذا القلب!!!!
رغم أنه يصادق العديد من الفتيات وبعضهن يتجرأن معه لما يجاوز لمسة كف بريئة…
لكن شعوره اليوم بلمستها هي كان مختلفاً…
غريباً…
حارقاً ملتهباً حاراً ومع هذا بعث فيه قشعريرة باردة !!!!
كشعوره برشفة شاي ساخن تصدم أسنانه بعد المثلجات…!!!
كلفحة الهواء الباردة التي تواجه بشرته عندما يفتح النافذة فور استيقاظه منعماً بدفء فراشه…
أو كموجة غادرة تضرب وجهه بعنف اصطدامها قبل أن تنحسر مبتعدةً بسرعة…
تنهد بحرارة وهو يفكر بحسرة…
ماذا لو كان بإمكانه أن يتزوج امرأة فقط لأنه أحبها ويريد أن يكمل عمره معها…؟!!!
ماذا لو كان بوسعه أن يجذبها من كفها إلى هنا في بيته لتصبح زوجته أمام الجميع دون تعقيدات مهر وشبكة وشقة وأثاث…؟!!!!
ماذا لو كان الزواج حقاً كما يزعمون قبولاً وإشهاراً فحسب؟!!!
هكذا ببساطة…!!!!دون أية تعقيدات!!!!
قطعت والدته أفكاره وهي تدعوه لتناول طعامه فخرج ليسحب كرسياً ويجلس جوارها على المائدة …
قبل أن ينتبه لشئ جعله يسألها باهتمام:
_من أين أتيتِ بالنقود لكل هذا الطعام؟!!
قالها وعيناه تدوران على أطباق المائدة العديدة مع طبق كبير من الفواكه المتنوعة …
فابتسمت والدته بحرج وهي تغمغم بهدوء مصطنع:
_عمك عاد يرسل ال”شهرية” كما كان يفعل!!!
انعقد حاجباه بغضب وهو يخبط على المائدة بكفه هاتفاً :
_ماذا؟!!! ولماذا قبلتِها يا أمي؟!!!
ثم هب من مقعده هاتفاً بنبرات مشتعلة غضباً وقهراً:
_وأنفقتِها أيضاً؟!!! هذا يعني أن أتورط في ردها الشهر المقبل .!!!
ثم لوح بذراعه وهو يردف رغماً عنه بثورة عارمة:
_ارحموني …أنا تعبت…أنا أبذل ما في وسعي لنعيش بكرامة وأنتِ تقبلين معونته كالشحاذين …!!!
قطع عبارته عندما اصطدمت عيناه بدموع العجز في عينيها …
فأشاح بوجهه للحظاتٍ محاولاً تمالك غضبه…
ثم زفر بقوة قبل أن يعاود جلوسه متناولاً كفها ليقبله هامساً باعتذار:
_سامحيني يا أمي…لم أقصد إهانتك …أنا فقط…
قطع عبارته وهو يدفن وجهه في صدرها ضاماً لها بذراعيه وهو يهمس بيأس:
_تعبت…تعبت !!!
ضمته لصدرها أكثر وهي تربت على رأسه هامسةً وسط دموع قهرها هي الأخرى:
_لهذا قبلت مساعدته هذا الشهر يا ابني…أتظنني لا أشعر بك وبما تفعله لأجلنا؟!!!…أنت تنحت في الصخر لتوفر مصاريف المعيشة لي ولشقيقك…وعندما ذكرت أمامي أنك تبحث عن وظيفة أخرى مسائية أشفقتُ علىك من هذا المجهود…سامحني يا ابني…فعلتها لأجلك ويشهد ربي على هذا!!
ظل مخفياً وجهه للحظات في صدرها وكأنه يخفي معه عجزه وقلة حيلته…
ماذا عساه يصنع في بلدٍ ينهب خيره الحيتان ولا يبقون لصغار السمكِ سوى الفتات ؟!!!
وحتى عندما فكر في الطفو على السطح بفرصة للسفر لأي بلد عانده الحظ ليبقي مكانه واقفاً مكتفياً بمراقبة عمره الذي يتسرب من بين يديه دون ثمن!!!
عادت والدته تربت على رأسه وهي تهمس برجاء:
_استغفر الله يا ابني…ما ضاقت إلا وفُرجت!!!
رفع إلىها عينين غارقتين بالهمّ فربتت على وجنته مردفةً بحنان:
_كُل يا حبيبي الآن قبل أن يبرد الطعام…وبعدها نتفاهم!
ابتسم بشحوب وهو يعتدل بجسده ليبدأ في تناول طعامه …
ثم التفت إلىها يسألها باهتمام:
_هل تناول وليد طعامه؟!!
ابتسمت وهي تومئ برأسها فقال لها برجاء:
_اهتمي بدروسه يا أمي…أريده أن يحصل على مجموع عالٍ هذا العام حتى يلتحق بكلية محترمة.
ظهر التردد في عينيها وهي تغمغم بارتباك:
_كلية؟!! كنت أفكر…
عقد حاجبيه بضيق وهو يرمقها بنظرة متسائلة…
فأردفت بتلعثم:
_لا داعي للكلية ومصاريفها …كفاه تعليماً لهذا الحد…وليعمل أي عمل كي يساعدك.
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يهتف بحزم:
_لا يا أمي….وليد سيكمل تعليمه تحت أي ظروف…سنصبر قليلاً ونضغط على أنفسنا حتى نكمل الطريق الذي بدأناه…وليد هو أمانة أبي التي تركها في عنقي ولن أفرط فيها أبداً!
اتسعت ابتسامتها الحنون وهي تربت على كتفه قائلة:
_أرضاك الله يا ابني…كما ترضيني!!
ابتسم أخيراً ثم عاد يلتفت للطعام قبل أن يقطع لها قطعة من لحم “الأرنب” ليضعها في فمها هاتفاً :
_خذي هذه من يدي يا “زوزو”!!!
ضحكت وهي تمضغها قبل أن تخبطه في كتفه قائلة :
_”زوزو” هكذا فقط ؟!!!
ضحك بانطلاق هذه المرة قبل أن يتراقص حاجباه وهو يقول بمكر:
_ألا أذكركِ ب”الذي مضى” عندما أناديكِ بها؟!! أبي لم يكن يناديكِ إلا هكذا!!!
عادت تخبطه على كتفه وهي ترمقه بعتاب ممتزج بحنانها…
قبل أن تتنهد بحرارة هامسة:
_رحمه الله!!
اتسعت ابتسامته وهو يعود لتناول طعامه متظاهراً بالمرح كي لا يثير ضيقها…
قبل أن يقوم ليتوجه نحو غرفته ممنياً نفسه بخلوة مع أفكاره الرمادية الخانقة…
يالله!!!!
كل ما في عالمه صعبٌ بعيدٌ يعانده…!!!
حتى شعوره بالحزن يحتاج لخلوة كي يسمح لمارده بالتحرر من صدره دون أن يراه أحد…
لقد تعود منذ زمن بعيد أن يكون هو صاحب المسئولية الذي يحمل همّ الجميع…
ولا يجب أن يحمل همّه أحد!!!
لهذا استلقى على سريره بانهيارٍ سبقته فيه روحه قبل جسده….
ثم دفن وجهه في وسادته قبل أن يطلق عدة آهاتٍ مكتومة وهو يشعر بأن جدران الغرفة كلها تكاد تنطبق على صدره…
لم يدرِ كم مرّ عليه من الوقت هكذا…
لكنه سمع باب الغرفة يفتح…
وشعر بوالدته برائحتها المميزة …رائحة الحنان والسكينة تربت على ظهره برفق…
رفع رأسه من على وسادته وقد خانته عيناه لتفضحا حَكَايا حزنه وعجزه كلها…
فعادت والدته تربت على كتفه وهي تهمس بقلق:
_ماذا بك يا ابني؟!! قلبي يخبرني أنك تخفي عني شيئاً يحزنك.
ابتسم بشحوب وهو يغمض عينيه لعله يحاول الهرب من نظراتها التي تخترقه بسهولة لتسبر أغواره كاملة …
عندما شعر بها تضع كفها على جبهته ل”ترقيه” الرقية الشرعية كعادتها معه ومع أخيه ….
فاستسلم لشعوره الحالي بالطمأنينة قبل أن يستغفر الله سراً داعياً إياه بما يحفظ من أدعية…
حتى انتهت والدته مما تفعله…
ثم سألته بتردد:
_هل تريد الزواج يا معتصم؟!
اتسعت عيناه بدهشة للحظة قبل أن ترتسم ابتسامةٌ ساخرة على شفتيه وهو يغمغم بفتور:
_الزواج هذه الأيام صار ك”الحجّ” يا أمي…لمن استطاع إلىه سبيلاً!!
كست المرارة عينيها الحانيتين للحظات …قبل أن تهمس بحزن ممتزج بالترقب:
_مَن دعاء هذه ؟!!
قام من نومته في رد فعلٍ عنيف زاد من يقينها بما تشعر به …خاصةً عندما هتف بضيق:
_ماذا تقصدين ؟!!
تنهدت بحرارة وهي تفتح درج الكومود المجاور لسريره لتستخرج منه ورقة فردتها أمامه هامسة بحنانها الفطري:
_وجدتها وأنا أنظف غرفتك!
ازدرد ريقه بتوتر وهو يتعرف على هذه الورقة التي رسم عليها بالقلم الرصاص ملامح دعاء كما يتصورها وقد رسم اسمها تحت الصورة بطريقة مزركشة …
طالما كانت هذه طريقته الوحيدة في التسرية عن نفسه كلما راودته أحلامه بها…
لا يذكر كم مرةٍ فعلها منذ غافله قلبه “الغني” بعاطفته متناسياً “فقر ” حاله لينطلق في سماء لم يكن من المفترض أن ينتمي إلىها والآن مصيره كما ارتفع…أن يقع!!
لهذا كان يمزق الورقة بعنف بعدما يفرغ فيها كل شحنات عاطفته الحبيسة …
لكنه نسيها هذه المرة كما يبدو لتقع في يدي والدته…
والدته التي قرأت ب”قلب الأم” كل نزيف أفكاره العاجزة…
فمالت عليه لتضم رأسه بذراعيها إلى صدرها هامسة بحنان:
_لمن سوايَ تشكو همك يا ابني؟!! ألديك من هو أقرب مني؟!!
ظل مخفياً وجهه في صدرها للحظات وهو يتمني الآن لو يعود طفلاً صغيراً لا يعرف شيئاً عن هموم الكبار…
ووسط كل هذا الطوفان الهادر من مشاعره الممتزجة بيأسه شعر بحاجته حقاً الآن لأن يحكي…فحكي!!!
حكي لها وكأنه يحدث نفسه عن مشاعره نحو دعاء…
وتفاصيل علاقته بها حتى انتهي لما حدث بينهما اليوم…
ليختم “فضفضته” الصادقة بهمسه الحار:
_كانت عيناها تتوسلانني أن أبوح…أن أعترف بمشاعري نحوها…أن أنقذها من الغرق في بحرٍ لا تجيد السباحة فيه…لكنني عجزت…لم أستطع أن أمنحها أملاً أنا أول من يعرف أنه كاذب…الغرق يأساً أهون علىها من الموت عطشاً في صحراء حبٍ ساعيةً خلف سراب…
سكتت والدته للحظاتٍ وقلبها يكاد ينفطر على حاله…
لكنها قالت أخيراً بحكمة :
_أنت أخطأتَ يا ابني…أخطأتَ عندما منحتَ نفسك وحدك الحق في الحكم على هذه العلاقة…طالما تحبها وهي كما تقول تبادلك شعورك…فلماذا لم تتقدم لخطبتها شارحاً ظروفك كلها …من يدري؟!! ربما يوافقون عليك.؟!!!
رفع رأسه إليها أخيراً بابتسامة ساخرة قائلاً:
_من لا يرى خلال “الغربال” أعمى كما يقولون…كيف أتقدم لخطبتها بظروفي هذه؟!!! أنا بالكاد أعيش…أهلها سيرفضونني قبل حتى أن أكمل كلامي.
التمعت عيناها ببريق إصرار وهي تقول بحزم:
_ساعتها ستكون بذلت ما في وسعك…حتى لا تلوم نفسك فيما بعد على تفريطك فيها.
أشاح بوجهه في عدم اقتناع هاتفاً بنفاد صبر:
_دعي “الطابق مستوراً” يا أمي!!! لا أريد أن أخسر كرامتي أمامها.
أدارت وجهه إليها من جديد لتهتف بلوعة:
_أليس هذا أفضل من أن تكسر قلبك وقلبها؟!!!
أغمض عينيه بألم وهو يسند ظهره على ظهر السرير عاجزاً عن الرد…
عندما سمعها تقول ببعض الأمل:
_أنا أدخر بعض الأساور الذهبية منذ زمن بعيد..بِعْها وتصرف بثمنها…ويمكنكما العيش معنا حتى تجد فرصةً في السفر…ومادامت هي الأخرى تعمل فراتبها على راتبك يكفيكما…والله يبارك في القليل!!
ابتسم ابتسامة باهتة دون أن يرد…
ماذا عساه يصنع بهذه الأساور التي تحكي عنها؟!!!
وكيف يقيم مع دعاء هنا في هذا البيت المتهالك الصغير.؟!!!
إنه بالكاد يكفيهم هو ووالدته وأخاه…!!!!
وأي راتبٍ هذا الذي سيكفيهما معاً؟!!!
لكنها قرأت سخريته المريرة في عينيه فقالت بحزم:
_اسمع كلامي يا ابني…المرأة قد تتقبل العاشق العاجز لكنها لا تتقبل أبداً العاشق الضعيف…توكل على الله ودعنا نذهب معاً غداً لخطبتها كي نطرق الحديد وهو ساخن…مادمتَ تقول أنها فسخت خطبتها اليوم فهذا يعني أن أهلها لا يزالون غارقين بخيبتهم …دعنا نستغل هذه الفرصة مادامت الفتاة تحبك.
انتعش بعض الأمل في صدره من حديثها…
لكنه عاد يغمغم بتردد:
_لكن ماذا لو رفضني أهلها؟!! كيف سأستطيع النظر في وجهها وهي تعمل معي؟!!!
هزت رأسها وهي تقول بابتسامة حانية:
_لن تستطيع رفع رأسك في وجهها حقاً لو خذلتَها كما كنت تنتوي…افعل كل ما تستطيع لأجلها وفي النهايةلا يكلف الله نفساً إلا وسعها!!
===========
انتفضت والدته من مكانها عندما سمعت صوت الباب يفتح لتهتف بقلق:
_ماذا فعلتَ معهم يا حسام؟!!! هل وافقت دعاء على العودة إليك؟!!
اكتست ملامحه بقسوة فظة وهو يغلق الباب خلفه بعنف قائلاً ببرود :
_وهل تجرؤ على الرفض؟!!
هزت والدته رأسها باستياء لا يخلو من حزن ثم تقدمت إليه لتقول برفق:
_دعاء فتاة طيبة ومعدنها أصيل يا ابني…لا تجعلها تدفع ثمن ماضيك.
التمعت عيناه ببريقٍ حاد وهو يهتف بصرامة:
_ألم أخبركِ قبلاً ألا تفتحي هذا الموضوع من جديد؟!!!
ازدردت ريقها بتوتر وهي تهمس بأسي:
_سامحني يا حسام…أنا فقط لا أريدك أن…
زفر بقوة وهو يقاطعها هاتفاً بسخط:
_لا داعي لهذا الكلام…لقد اتفقتُ معهم على عقد القران مساء غدٍ!!
شهقت بدهشة متمتمة:
_عقد قران؟!!! غداً؟!!!
أشاح بوجهه دون رد…
فتفحصت ملامحه بقلق قبل أن تهمس بتردد:
_هل أخبرتَها بال…..حقيقة يا ابني؟!!
التفت إليها بحدة فتراجعت برأسها للخلف مردفةً بحسرة ممتزجة بالحزن:
_حقها أن تعرف الآن قبل العقد حتى لا…
اشتعل وجهه بغضب صارخ حتى نفرت عروقه وجسده كله يهتز انفعالاً:
_حتى لا تتراجع؟!!! ومن هي كي تقبل أو ترفض؟!!! من الذي سيعطيها حق التراجع؟!! ألا يكفي أنني اخترتها على عيبها؟!!! مَن مثلها يجب أن تبقي كسيرة العين والوجه تحمد الله كل يوم أن وجدت رجلاً مثلي يقبلها !!!
قالها ثم اندفع لغرفته بخطواتٍ سريعة صافقاً بابها خلفه…
فأغمضت عينيها بألم وهي تهمس بحسرة موجوعة:
_كان الله في عونك يا ابني!!
ثم تنهدت بحرارة وهي تعاود النظر لغرفته مردفةً :
_أم أقول…هداكَ الله لنفسك ولتلك المسكينة !!
وفي غرفته كان هو يدور فيها كأسدٍ غاضب…
وملامح دعاء لا تكاد تغادر رأسه…
خاصةً عيناها…
عيناها الواسعتان كسماء رحبة بلا غيوم …
كبحرٍ بلا أمواج…
كصحراء شاسعة لا يبلغ مداها بصر…
عيناها اللتان تحملان شعلة تمرد يقسم لنفسه كلما رآها أن يطفئها…
وجرحاً -للعجب-يستفزه كي يداويه…!!!
ورغم أنه لا يفهم نفسه معها لكن من قال أنه يهتم…؟!!!
لقد كفّ عن التفكير منذ زمن بعيد وقرر أن يقتنص من الحياة كل فرصها …
ودعاء ليست سوى “فرصة مناسبة” وقعت في طريقه مصادفةً وزادها عنادها وتمردها فتنةً في عينه…
تمردها الذي يعشقه كما يمقته!!!!
لكنه سيقمعه على أي حال…
يجب أن يكسرها…
أن تخضع له بأي طريقة!!!
تمردها الذي يثير كل ذرة في كيانه …
والذي -ربما-لو كان يمتلك مثله يوماً لتغيرت حياته كلها!!!!
زفر بقوة وهو يضرب قبضته في الجدار بعنف…
وملامح دعاء تختفي من مخيلته لتحل محلها ملامح أخرى أكثر بساطةً وربما أقل جمالاً…
لكنها وحدها من تملكت قلبه بعقد ملكيةٍ لن يبلى ولن ينتهي…
وكأنما كانت تلك الملامح برداً وسلاماً على نيران روحه التي خمدت الآن عندما ذكرها…
ليتوجه نحو خزانة ملابسه فيفتح خزانة صغيرة مغلقة بداخله حَوَت كل تذكاراته الصغيرة معها…
ومنها كان عقد “فلّ” جافّ اصفرت وريقاته لكنه احتفظ بما تبقى منه لعله يذكره كل مرة بما صارت إليه حياته بعدها…
يقولون أن لكل امرئٍ من اسمه نصيباً…
وهي كانت مثل اسمها … “طيفاً ” عبر حياته بسرعة خاطفة ليصبغها بلونٍ فريد….
حتى إذا ما رحلت عاد عالمه باهتاً بلا ألوان…
“طيف” كانت حب قلبه الأول…والأخير…
وجرح روحه الذي لن يبرأ أبداً…
بل تزيده الأيام التهاباً وألماً!!!
طيف كانت ضحيته وقاتلته…
وما أقسى الضحية عندما تتحول لقاتلة!!!
أغمض عينيه بألم وذكرياته العامرة معها تجتاحه بلا رحمة …
فتارةً تنثر بتلاتٍ من زهور الحنين لعشقٍ تملّكه سحره…
وتارةً تفجر شظايا انفجار مكتوم هو وحده شاهده وضحيته…!!!
مد أنامله يتلمس عقد “الفلّ” الذابل بشجن ثم وضع يده على صدره هامساً بصوتٍ ذبيح:
_آه يا طيفي الذي أتاني زائراً…واحتلني ثائراً…وتركني مغدوراً وغادراً…غداً أكون لامرأة أخرى سواكِ …غداً أفعلها من جديد…لكنني هذه المرة لن أخونكِ كما المرة السابقة…بل ربما أكون أثأر لكِ!!!!
==========
ظلت دعاء تتقلب في فراشها بغضب ممتزج بالغيظ ….
لقد كان أسوأ يومٍ مرّ عليها في حياتها كلها….
مواجهتها الصباحية مع معتصم الذي لا يزال متشحاً بغموضه وجبنه…
مروراً بصدمتها في عودة حسام البغيض لحياتها…
وانتهاءً بخزي مرضها الذي كسرها أمامه فلم تستطع الاعتراض وهو يعاملها كالجواري!!!!
لكن…هل ستستجيب لطغيانه هذا حقاً؟!!
إنها وبرغم خوفها من بطشه واستغلاله لوظيفته لكنها لا تستسيغ الاستسلام الخانع هذا…
لقد صارت تكره حتى رؤيته…فكيف تقبله زوجاً؟!!!
قضت ليلتها مسهدةً مؤرقة حتى استقر رأيها على أن تبلغ والديها برفضها القاطع لهذا الزواج…
لقد قررت المقاومة وليكن ما يكون…
لكنها ما كادت تغادر غرفتها حتى سمعت حوار والديها بشأنها…
والديها اللذين كانا في غاية السعادة وكلاهما يبوح للآخر بفرحته لأنه اطمأن عليها أخيراً…
حتى أنها رأت دموع والدها لأول مرة وهو يخلع نظارته ليمسح عينيه قبل أن يقول لوالدتها بتأثر:
_لا أصدق أنني أخيراً سأطمئن عليها في عصمة رجل…كنت أخاف أن يدركني الموت قبلها.
لترد والدتها بفرحة غامرة:
_ولا أنا أصدق !!! الفتاة صبرت ونالت…أخيراً لن تنالني نظرات الشماتة من الجارات والأقارب…كلهنّ كنّ يعايرنني بابنتي المريضة التي لن يقبل بها أحد…وهذه الزيجة سترفع رأسنا بين الجميع.
أومأ والدها برأسه في رضا ثم غمغم بقلق:
_لكنني أخاف رأس ابنتك الصلب…لقد كادت تُطير الرجل من يدها الليلة بسوء تصرفها معه.
ضحكت والدتها بطيبة وهي تربت على ركبته قائلة:
_دلالٌ زائد يا حاج!!! والرجل قدّر هذا ويبدو أنه يحبها حقاً…لقد كاد قلبي يتوقف عندما رآها في حالتها تلك…لكنه أثبت أنه حقاً متمسكٌ بها.
ثم رفعت رأسها ويديها للسماء مردفةً بدعاء ملهوف:
_أتمم فرحتنا على خير يارب…!!!
ثم تهدج صوتها بدموعها:
_سأخبرك شيئاً لم أصارحك به من قبل…لقد كنتُ أخاف أن يراها أحدٌ في نوبات مرضها لهذا كنت أتجنب زيارات الأهل والأصدقاء…بل إنني أنا نفسي كنتُ أخاف منها عندما تنتابها هذه الحالة…كنتُ أظنها ممسوسةً كما كانوا يدّعون فينتفض قلبي بين ضلوعي وأنا حائرة…كم مرةٍ تمنيتُ لو أضمها لصدري لكنني كنتُ…أخاف!!!
دمعت عينا والدها فاضحةً تأثره…عندما أردفت والدتها بين دموعها الغزيرة:
_كنتُ أشفق علىها من مرضها الغريب …حتى أنني تمنيتُ كثيراً لو لم أكن أنجبتُها من الأساس!!
أغمضت دعاء عينيها بألم وحديثهما هذا يدمي روحها أكثر…
خاصةً عندما قال والدها بحزنٍ صادق:
_أنا الآخر تمنيتُ لو ننجب بعدها ولداً ذكراً يسند ظهري ويكون لها هي الأخرى سنداً…لكنني خشيتُ أن نبتَلي فيه مثلها…فرضيتُ بقسمة الله لنا!!
هزت والدتها رأسها موافقةً لتقول بعدها بفرحة وسط دموعها:
_وعوّضنا الكريم بفضله…الحمد لله!
ساعتها لم تشعر دعاء بنفسها وهي تعود لغرفتها خائبة بخطوات تئنّ ألماً…
قلبها لم يطاوعها أن تفسد فرحتهما التي رأتها بنفسها على ملامحهما الكسيرة….
نعم…مرضها لم يكسرها وحدها…بل كسرهما هما قبلها…
كسرهما خزياً وقهراً….وخوفاً عليها !!!
والآن يجئ حسام وسط كل هذا كهدية قدريةٍ لامعةٍ براقة فكيف تطالبهما برفضها؟!!
كان عقلها يستغيثها بأن ترفض وتقاوم وتصرخ ….
لكن قلبها الذي طالما تجرّع كئوس قهره ويأسه وألمه لم يرضَ لوالديها مثلها….
وبينهما كانت هي حائرة حتى حسم ضميرها الصراع بينهما…
قُضي الأمر الذي فيه يستفتيان…
وحسام صار خيارها الأخير…والوحيد أيضاً!!
==========
_أين دعاء يا عمي؟!!
قالها حسام بلهجته “شديدة التهذيب” وهو ينظر لوالد دعاء باحترام في “صالون” منزل الأخير حيث أنهى المأذون إجراءاته وبقي فقط توقيعها …
قام والدها يهمّ بحمل الدفتر إليها في غرفتها…
فسحبه حسام من ذراعه برفق إلى جانب مستتر من الشقة ليقول بقلق مصطنع:
_ما الأمر يا عمي؟!! لم أرَ دعاء منذ أول الليلة ولا تريد الرد على مكالماتي.
ثم أردف بنبرة خاصة وهو يدرك أنه يصيب هدفاً رابحاً:
_أخشى أنها لا توافق على هذه الزيجة …دعني أنا أحمل إليها الدفتر لأتأكد من موافقتها بنفسي.
نظر إليه والدها بتردد وهو يتلفت حوله قائلاً بحرج:
_لكن الأصول يا سيادة الرائد أن…
قاطعه حسام قائلاً بنبرته الأنيقة:
_لا تدعُني “سيادة الرائد”…أنا الآن في مقام ابنك يا عمي.
ابتسم الرجل وهو يشعر بالحرج أكثر عندما أردف حسام محاولاً إقناعه:
_لا أحد هنا غريب…أنا فقط أريد أن أسمعها منها بنفسي…فقد كانت حالتها مضطربة تماماً بالأمس.
عاد والدها يتلفت حوله ليصطدم بنظرات والدتها القلقة ثم أطرق في استسلام وهو يناول حسام الدفتر مغمغماً بفتور:
_تفضل يا ابني…تعال معي.
تناول حسام الدفتر ثم قال بلهجة حازمة:
_وحدي يا عمي…دعاء تكون مُقيدةً بحضوركم…وأخشي أنكم تجبرونها على هذا الأمر.
صمت والدها للحظات متردداً…
ثم غمغم وقد حسم أمره:
_ولماذا نجبرها يا ابني؟!! هل ستجد من هو مثلك؟!!! اذهب وتأكد بنفسك من موافقتها لكن عُد بسرعة حتى لا يقلق المأذون.
ابتسم حسام بانتصار وهو يومئ برأسه قبل أن يعطيه ظهره ليتوجه نحو غرفتها بخطواتٍ واثقة…
ثم طرق الباب بقوة ينتظر إذنها بالدخول…
وفي غرفتها كانت هي جالسةً أمام مرآتها تتأمل صورتها بخواء…
كان من المفترض أن تكون هذه أسعد ليلة في حياتها…
لكنها تشعر وكأنها ستُساق إلى القبر!!
ومع هذا ستفعلها …
لو لم يكن خوفاً من بطش “سيادة الرائد”..
فلأجل والديها وما سمعته بأذنيها بالأمس…!
لقد تحولت من “دمية معيبة” ل”وزرٍ ثقيل”يجب أن يتحمله عنهما أحد…
ورغم أنها لا تفهم سر تمسك حسام هذا بها…
لكنه الآن فرصتها الوحيدة…
فلتستسلم إذن لكلمة القدر ولتدع قلم الأيام يكتب عنها بقية الحكاية ..
حتى كلمة النهاية!!!
سمعت صوت طرقاته على غرفتها فظنته والدها ….علا صوتها وهي تسمح للطارق بالدخول…
فاتسعت عيناها بدهشة للمفاجأة وهي تراه يدخل عليها حاملاً الدفتر بنفسه بدلاً من والدها …!!!!
اقترب منها بخطواتٍ بطيئة متعمداً إثارة توترها قبل أن يقول بحزم ساخر:
_توقيع العروس!
اشتعلت عيناها بجذوة تمرد ملتهبة للحظات …
لكنها لم تلبث أن خبت تماماً كما كان يخطط عندما تعمد أن يدخل عليها -هو -بالدفتر وكأنه يخبرها بلا كلمات أنها صارت أسيرته للأبد…
أسيرته هو وحده!!!
لكن صوتها حمل بعض الحدة وهي تهتف بانفعال:
_لا أدري سرّ تمسكك بامرأة لا ترغبك…لكن دعني أخبرك أنك ستندم…يقولون إن المرأة كالقهوة لا تُشرَب باردة!!
ابتسم بتسلية وهو يميل رأسه متأملاً إياها بنظراتٍ متفحصة …
قبل أن يميل عليها هامساً بجرأة وقحة:
_لا تحملي همّ قهوتي…فأنا….أجيد تسخينها !!
التمعت عيناها بدموع قهرها وهي تتمنى الآن لو تصفعه على وجهه…
لكنها اكتفت بنظرة حملت كل احتقارها وهي تهمس بحدة :
_قبولي بك لا يعني سوى شئٍ واحد…أنني وصلتُ لقمة يأسي…فاحذر امرأة يائسة أنت محطة حياتها الأخيرة.
أغمض عينيه للحظات وعبارتها تصيب قلبه في مقتل…
وذكرى معينة تلتمع بخياله الذي يحاول تناسيها…
قبل أن يفتحهما لتتدفق منهما مرارته التي لم يستطع إخفاءها وهو يهمس :
_لا أحد يعرف شيئاً عن محطته الأخيرة قبل أن يتوقف القطار تماماً…ساعتها يمكنه الحكم بصدق!!
ارتعشت حدقتاها وشعورها الغامض نحو هذا الرجل يكتنفها من جديد…
هذا رجلٌ محملٌ بأعباء ماضٍ ثقيل وهي للأسف ستحمله معه…
شاءت أم أبت!!!
هذا رجلٌ مذبوح بجرح قديم ولن يكون لها معه إلا خياران …
إما أن تشفيه من جرحه بعدما تخضب كفاها بدمائه رغماً عنها…
وإما أن تبقى لتشهد موته الكامل…
وفي الحالتين هي ليست رابحة…
فمن مثلها اعتادت الخسارة حتى احترفتها..!!!!
لهذا أخذت نفساً عميقاً ثم تناولت منه القلم والدفتر…
لتمنحه “توقيع العروس”!!!
ثم رفعت عينيها إليه بترقب لتجده يتناول منها الدفتر فيضعه جانباً…
قبل أن يتناول منديلاً ورقياً من جوارها ليفاجئها بأن مسح زينة وجهها البسيطة بعنف…
قبل أن يهمس أمام عينيها بنبرة مسيطرة:
_لا أحب المرأة الملطخة بالأصباغ…دعيني دوماً أراكِ على حقيقتك.
أطرقت برأسها وهي تشعر بأنها في حلم…
بل كابوس!!!
حتى أنها لم تشعر به وهو يمسك مرفقها بتملك وبيده الأخرى يتناول الدفتر…
ليخرج من غرفتها سائراً جوارها بعينين تفيضان بمزيج غريب من النصر والهزيمة…
والشراسة والألم!!!
ثم سلم والدها الدفتر وسط عاصفة من الزغاريد والتهاني…
لم يكن كلاهما يسمع أو يعي منها شيئاً وسط خفقات القلب الصارخة بجنون…
وهناك على باب منزلها كان هناك قلبٌ آخر يصرخ …
وقد سقطت باقة زهورٍ كان يحملها تحت قدميه…
وهو يراها كما تمناها دوماً في خياله …
عروساً ماسية متألقة…
لكن الفارق بين حلمه والواقع أنها الآن….ليست له!!!!
ليفيق من صدمته على صوت والدته التي هزت رأسها بأسى وهي تحتضن ذراعه بكلي ذراعيها …
قبل أن يلتفت إليها هامساً بابتسامة مذبوحةٍ بحزنها:
_تأخرنا يا أم معتصم!
_السماء لا تكافئ الشياطين بالماسات…وأنا أعرف قدر نفسي كماسة…ماسة لن تكون يوماً لشيطان!!
كانت عبارتها تدوي في أذنه وهو عاجزٌ عن التفكير فيما سواها…
بكل ما حوته من حسرة وألم وخيبة ولو تغلف كل هذا برداء شفاف من كبريائها الماسيّ!!!
لقد تركها بعدها وخرج دون كلمةٍ أخرى فقد شعر أن كل الحديث هذه الليلة سيكون بلا طائل…
ربما لو كان قد سمع هذه الكلمات من سواها…
أو منها هي نفسها في ظروفٍ أخرى لنالها من عقابه الكثير…
لكنه كظم غيظه معها لأنه يدرك الآن بحق مدى جرحها….
وها هو ذا يحاول النوم منذ ساعات بلا جدوى…
هذا أصعب يومٍ مرّ عليه منذ وقتٍ طويل…
لم يكن من الهين عليه أبداً أن يرى لهفة ذاك “الفتى” عليها وسعيه خلفها ليعترف لها بما يزعم أنه “حب” !!!!
هنا!!!!
في بيته!!!
بيت عاصي الرفاعي الذي لا يجرؤ أحدٌ على التعدي على حرماته…
لكنه كان يتوقع شيئاً كهذا …
بل وربما كان ينتظره !!!
كان يريد معرفة رد فعلها هي أمامه…
وعزيز هذا يعود إليها باسطاً كفيه الملطخين بدماء خيانته لها بوهم الحب الذي يزعمه!!!!
حب؟!!!
حب؟!!
ماذا يعرف هذا عن الحب؟!!
فليسأله هو الذي عاش يكتوي بناره صامتاً لسنوات قبل أن يحترق به وله!!!
فليسأله كيف يعشق الرجل حتى لا يبقي في خلاياه كلها مثقال ذرة سوى لامرأته ومع هذا لا يقوى على نطقها أو حتى مجرد إظهارها؟!!
فليسأله عن أن يعيش مذبوحاً بجرحها وجرحه معاً…
فلا يدري هل ينزف قلبه ألماً عليها أم عليه!!!
ومع هذا يأبى أن يفرط فيها أو يدعها ترحل عن عالمه لأنه يعلم أنها لو غادرته فلن يعود أبداً كما كان!!!
فيحتفظ بحبها جمرة مشتعلةً في كفه يأبى أن يتركها حتى ولو احترق بها!!!
هذا هو الحب الذي يعرفه عاصي الرفاعي وليس هذا الوهم الشبيه بخيوط العنكبوت والذي يدعيه ذاك “الفتى” !!!!
قام من نومته ليستند بظهره على الفراش وأفكاره تعود رغماً عنه لماسة….
ماسته الليلة مذبوحة بخنجر بارد وللأسف هو من فعلها …
تنهد بحرارة وهو يرفع رأسه للسقف بشرود ثم التفت لجانب الفراش الخالي جواره وهو يتذكر كيف كانت تنام هنا تحت لمساته المطمئنة فلا تنتابها كوابيسها المعتادة…
كوابيسها التي غادرتها منذ فترة لا بأس بها بعد العلاج…
لكن….هل تراها تعاودها هذه الليلة بالذات؟!!!!
لم يكد يتم فكرته حتى سمع صوت صرختها الطويلة آتيةً من غرفتها…
فانتفض من فراشه ليتوجه بسرعةٍ نحو غرفتها ولم يكد يدخلها حتى راعه ما رآه…
ماسة لم تكن تصرخ فحسب…
لقد كانت في حالة هياجٍ لم يرها عليها من قبل…
كانت تدور حول نفسها ببطء في منتصف الغرفة محتضنة جسدها بقوة دون أن تتوقف عن الصراخ…
وقد بدت وكأنها ليست في وعيها…!!!
حتى أنها لم تنظر إليه عندما دخل بل ظلت على حالها من الدوران البطئ المصحوب بصرخاتها الذبيحة حتى ترنحت لتسقط جالسةً على الأرض وقد تقطع صوتها من الصراخ لتغرق بعده في بكائها الهستيري ولازالت تحتضن جسدها بذراعيها وكأنها تقوي نفسها بنفسها وقد علمت أن لا أحد سيفعلها لها…!!!
لكنها ما كادت ترفع رأسها لتنتبه لوجوده أخيراً حتى قامت من مكانها ترمقه بنظراتٍ متحفزة وجسدها كله يرتجف انفعالاً…
قبل أن تمتد يداها لتلقي بكل ما تجده في طريقها على الأرض في اندفاعٍ مجنون…!!!
وقف مكانه مبهوتاً وقد عجز عن مجرد الحركة…
وانتصبت شعيرات جسده كلها بقشعريرة باردة غلفت قلبه بخوفٍ لم يعرفه من قبل…
كانت الأشياء حوله تتكسر بدويٍ هائل لكنه لم يكن يسمع سوى صوت نفسه اللائم على ما تسبب لها فيه!
أما هي فقد كانت غائبةً عن شعورها بالمرة…
كان جسدها يتحرك وكأنه بإرادة مستقلة وهي تحاول تكسير كل ما تقع عيناها عليه…
حطام…حطام…!!!!!
هذا هو ما ينبغي أن يكون كل شئٍ عليه الآن…
حطامٌ يشبه روحها التي تفنن الجميع في كسرها دون أي ذنب منها…
كلهم كسروها…
كلهم!!!
كانت هذه صرخات روحها التي تملأ عقلها الآن وهي لا تكاد تعي سواها!!!
لكنه أفاق أخيراً من صدمته بمرآها هكذا عندما شعر أنها قد تؤذي نفسها في حالتها هذه…
فاندفع نحوها ليطوق ظهرها بذراعيه من الخلف مانعاً حركتها لكنها ظلت تضرب بيديها في الهواء وكأنها عاجزةٌ عن السيطرة على انفعالها الثائر على كل شئ…
ظلت تنتفض بين ذراعيه للحظات مقاومةً حصاره لها…
لكنه كان يتشبث بها بقوة وقد نفرت كل عروق جسده انفعالاً وخوفاً وغضباً….
غضباً من نفسه قبل أي أحد!!!
لهذا ما كاد يشعر بانهيار جسدها بين ذراعيه أخيراً حتى ارتفع صوته ينادي الخادمة آمراً لها بالبقاء معها حتى يعود…
غادر غرفتها ليهاتف الطبيبة غير آبهٍ بالوقت المتأخر من الليل…
ولم يكد يسمع صوتها حتى هتف بها بغضب هادر:
_ألم تقولي أن هذه المواجهة ستكون في صالحها؟!!! أنا وافقتكِ فقط لهذا السبب والآن هي في أسوأ حالاتها…
صمتت الطبيبة للحظات قبل أن تطلب منه المزيد من التفاصيل…
زفر زفرة مشتعلة ثم تحكم في غضبه ليسرد لها تفاصيل ما حدث…
حتى انتهي من روايته فطمأنته الطبيبة أن هذا أمرٌ طبيعي وطلبت منه فقط أن يعطيها حقنة مهدئة كانت قد كتبتها لها من قبل…
أغلق الاتصال معها بعنف لم يتعمده…
وهو يرسل في طلب الممرضة الجديدة التي استدعاها لحورية …
وعندما دخلا عليها غرفتها كانت قد هدأت من هياجها الهستيري نوعاً…
لكن جسدها بقي على انتفاضته المحمومة والخادمة تحاول احتضانها وتهدئتها دون جدوي…
صرف الخادمة بدعوة حازمة ثم جلس جوارها على طرف الفراش يطوقها بذراعيه حتى تمكنت الممرضة من إعطائها الحقنة المهدئة ثم انصرفت لتتركه معه وحدهما…
لكن ماسة كانت غائبةً عن كل هذا في غياباتٍ من ذكرياتٍ تشابكت ببعضها في عقلها لتتركها في دوامات من الألم…
ابتسامة عزيز التي لقيها بها أول مرة…
لمعة عينيه الزمردية التي طالما داعبت خيالاتها بأطياف الحب الملونة…
أول مرة اعترف لها عزيز بحبه …
صورته وهو يلبسها سلسلته التي نقش عليها اسمه وكأنه يعلن بهذا ملكيته لها…
كلمات حبه التي كانت ترفعها كالأميرات فوق عرش الهوى..
صوته الحبيب الذي كان شفرة قلبها الخاصة فلم ينفتح لرجلٍ قبله…
الورقة التي رسمت علىها بيتهما كما تتمناه…
البيت الذي ما كان…
ولن يكون يوماً لهما!!!
فقد استبدله ببيت آخر لامرأة أخرى…
أخرى أخذت مكانها على صدره ليبدأ معها حياته من جديد ناسياً تلك التي لم تعد تليق به كما يزعمون!!!
كل هذه الذكريات كانت تتداخل مع كوابيسها حتى ما عادت تفرق بين الحقيقة والخيال!!!!
وجوارها كان عاصي يتأمل ملامحها الغارقة بدموعها بمزيج من الغضب والألم…
حتى هدأت ارتجافة جسدها بين ذراعيه فمددها برفق على الفراش…
ثم تمدد جوارها ليضمها إليه برفق قبل أن تعرف أنامله طريقها لشعرها في حركته المميزة…
عادت لجسدها ارتجافته للحظات…
فضمها إليه أكثر حتى استكانت من جديد وقد شعر بارتخاء جسدها كله بعد تشنجه السابق…
ظل صامتاً للحظات يحاول تمالك انفعاله الصاخب في هذه اللحظة…
قبل أن يهمس في أذنها بحرارة غاضبة ملتاعة ودّ لو تستشعرها مثله:
_لم أفعلها إلا لأجلك!!!
للحظاتٍ بدت وكأنها لم تسمعه حتى شكّ أنها قد استسلمت لنومها…
فابتعد بوجهه قليلاً لينظر إليها فتخبره دموعها السائلة بصمتٍ أنها لازالت مستيقظة …
كانت أنامله لازالت تبعث الأمان والسكينة في روحها وهو يعاود همسه في أذنها:
_احكي لي ما رأيتِه في كوابيسك الليلة ليجعلكِ هكذا…اطردي كل مخاوفكِ على صدري وأقسم لكِ أن أمحوها كلها.
شهقت عدة شهقاتٍ باكية لكنها عجزت عن فتح عينيها مع هذا الشعور بالاستسلام الذي انتابها فجأة بعد هياجها السابق…
فلم ينله منها سوى صمتٍ طويل…
تحمله صابراً لدقائق مرت وكأنها ساعات…
حتى يأس من استجابتها…
فاكتفي بضمه الصامت لها مع مداعبته لشعرها بأنامله ….
لتهمس هي بعدها بخفوت شديد دون أن تفتح عينيها:
_رأيتهم يذبحونني مثل كل مرة.
تشنج جسده بغضب وهو يتمنى الآن لو يقتلهم ألف مرة لكن عزاءه أن عقابه لهم كان أسوأ من الموت!
بينما أردفت هي بنفس الهمس الخافت المختنق بألمه:
_لكن هذه المرة…هو كان ….كان ….يذبحني معهم.
تجمدت ملامح وجهه رغم طوفان مشاعره الغاضب الذي كان يكتسح روحه بلا رحمة…
مع أنها لم تذكر اسمه لكنه كان موقناً أنها تعني عزيز..
ضمها إليه بكل قوته وهو يود لو يخفيها الآن بين ضلوعه…
لكن همساتها التالية أصابت قلبه بسهم غادر:
_وأنت…كنت…هناك!!
رفع وجهه إليها بصدمة وهو يتطلع إلى ملامحها التي سكنت أخيراً…
ما الذي تعنيه بعبارتها؟!!!
هل تساويه بهم؟!!!
هل كانت تراه يذبحها معهم؟!!!
أم أنه كان يدافع عنها أمامهم؟!!!
ماذا تراه هي الآن؟!!!!
شعر بألم مفاجئٍ في رأسه الذي ضج من كثرة التفكير فازدرد ريقه بتوتر وهو يهمس بقلقٍ قلما يشعر به:
_ماذا كنتُ أفعل؟!!
لم تصله إجابتها وقد تثاقل رأسها على ذراعه مع انتظام أنفاسها أخيراً فأدرك أنها قد نامت…
زفر بخفوت وهو يسند رأسها على وسادتها برفق ساحباً ذراعه من تحته…
ليمد أنامله ويمسح بقايا دموعها على وجنتيها بحنان …
قبل أن يطبع على خدها قبلة خفيفة وعيناه تسبحان في ملامحها التي استكانت أخيراً وقد عادت إلىها ملائكيتها …
ثم عاد يهمس وهو يداعب شعرها بشرود:
_دوماً سأكون هناك يا ماسة…لن أترككِ وحدكِ أبداً!!
===========
استيقظت من نومها لتجد نفسها وحدها على فراشها…
تأوهت بقوة ورأسها يكاد ينفلق من الصداع الرهيب…
قامت من نومتها لتسند رأسها على وسادتها وهي تتطلع للغرفة بدهشة لأول وهلة …
ما كل هذه الفوضى؟!!!
شردت ببصرها للحظات وهي تحاول تذكر ما حدث بالأمس…
لتعود إليها ذكريات اليوم السابق كله…
بدايةً من لقائها بعزيز…ثم مواجهتها العنيفة مع عاصي…
ومروراً بكوابيسها التي عادت إليها أكثر قسوة وضراوة…
وانتهاءً بحالة الهستيريا التي أصابتها والتي لا تذكر ماذا حدث لها بعدها…
سوى بقايا من لحظاتٍ خاطفة رأت فيها عاصي يحتضنها هنا على فراشها هامساً بكلامٍ لا تذكره!!!
تلفتت جوارها تتحسس الفراش بحيرة ثم هزت رأسها بألم وهي تشعر بالضياع…
رباه!!!!
هل أصيبت بالجنون؟!!!
إنها صارت عاجزة عن تمييز الحقيقة من الوهم…
لكن ما الجديد؟!!!
ابتسمت في سخرية مريرة وهي تردد لنفسها …
طالما عجزتِ عن ذلك يا حمقاء!!!
حياتكِ السابقة كلها لم تكن أكثر من وهم…
عشتِ مع امرأة لم تكن أمكِ…
في بيتٍ لم يكن بيتكِ…
باسمٍ ربما هو ليس اسمك…
وحتى عندما أحببتِ…
كان عشقكِ وهمكِ…!!!
ما أجهلكِ يا سيدة الأوهام…!!!
وما أكثر حماقاتك!!!
مرايا أيامكِ كلها تآمرت عليكِ لتعطيكِ دوماً الصورة الخاطئة…
وللأسف…لم تكتشفي هذا إلا بعد فوات الأوان!!!
تنهدت بحرارة ثم قامت من فراشها لتتوجه نحو حمام غرفتها الصغير…
قبل أن تخرج لتؤدي صلاتها بقلب أثقلته الهموم.
ولم تكد تنتهي حتى سمعت طرقات الخادمة على الباب تدعوها للطعام معه في غرفته كالعادة.
ازداد قلبها انقباضاً وكادت تبلغ الخادمة باعتذارها لأي سبب ملفق…
لكنها كانت تعرف أنه لن يتركها وشأنها…
لو لم تذهب هي إليه فسيأتيها هو…
عاصي الرفاعي صار قدرها الذي يجب أن تتقبله أو ربما…تواجهه!!!!
لهذا بدلت ملابسها بأخرى ربيعية الألوان…
ثم مشطت شعرها باهتمام متجاهلةً ارتداء حجابها كما العادة…
قبل أن تكحل عينيها الرماديتين بكحل شديد السواد أظهر جمالهما أكثر…
مع بعض اللمسات الإضافية لمداراة شحوب وجهها الواضح…
وعندما شعرت بالرضا عن صورتها في المرآة خرجت من غرفتها لتطرق باب غرفته طرقاتٍ قوية ثابتة…
قبل أن تدخل وعيناها مثبتتان عليه تحاول تبين رد فعله على مظهرها الجديد…
لكنه -للعجب-لم ينظر إليها!!!!
بل ظل محدقاً للفراغ أمامه حتى جلست هي متظاهرة باللامبالاة…
ألقي عليها نظرة عابرة لترتسم ابتسامة جانبية صغيرة على شفتيه اختفت بسرعة وهو يتشاغل عنها بالنظر للأطباق أمامه…
لقد كان يراهن نفسه عليها منذ الصباح…
ماسة التي يعرفها لم يكن أمامها سوى خيارين بعد ليلة أمس…
إما أن تستمر في انهيارها الصامت حتى تذبل زهورها كاملةً…
وإما أن تنبت بذورها الجديدة لتعانق سيقانها أشعة الشمس رافعةً رأسها ببراعم تتفتح بصبر واثق!!!
ويبدو أنها اختارت الأخير!!!
لكنه كان يعلم أنه من الأفضل لهما أن يبتعد هو الآن…
لقد علمته خبرته الطويلة في الحياة متى يشد اللجام ومتي يرخيه حول خيوله الجامحة…
وماسته ليست أكثر من فرسٍ جامح سيسعد كثيراً بترويضه !!!
لهذا حافظ على صمته الغامض مكتفياً بتناول طعامه دون أن ينظر إلىها!!!
وأمامه شعرت هي بالحيرة أول الأمر من صمته الغريب هذا…
لكنها فكرت أنه ربما كان هذا أفضل…
فآخر ما ينقصها الآن هو الجدال مع هذا الرجل الغريب…
ليته يكتفي بصمته هذا للأبد ويتركها وشأنها!!!
لهذا أنهت طعامها بسرعة ثم قامت دون كلمة إضافية…
لتغادر الغرفة متوقعةً أن يستبقيها بكلمة أو أمرٍ من أوامره التي لا تنتهي…
لكنه حافظ على صمته البارد بمنتهى الأمانة!!!
وعلى الغداء تكرر هذا الأمر بتفاصيله فلا هي تخلت عن صمتها ولا هو تنازل عن بروده…
لكن وجبة العشاء حملت تعديلاً بسيطاً…
فلم تكد تضع يدها على مقبض الباب لتغادر الغرفة…
حتى سمعته خلفها يقول بلهجةٍ آمرة:
_نامي جيداً فلديكِ أمرٌ هامٌ صباحاً!!
التفتت نحوه وهي تهمّ بسؤاله لكن نظرته الجامدة رغم شرودها أخبرتها أنه لن يفصح عن المزيد…
فتمسكت ببرودها هي الأخرى لتخرج مغلقة الباب خلفها بعنف وكأنها تفرغ فيه كل غضبها…
ظلت ساهرةً في غرفتها بعدها لساعات تخاف النوم حتى لا تعاودها كوابيسها….
توجهت ببصرها نحو باب الغرفة ونفسها تراودها أن تخرج إليه طالبةً حقنةً مهدئةً كالأمس…
لكن كبرياءها منعها حتى من إعادة التفكير في الأمر…
ستتناسى مأساتها هذه…
وستبدأ من جديد…
وأول خطوة في طريق البداية أن تشغل نفسها بشئٍ تحبه حتى لا تقتلها أفكارها…
هكذا علمتها رحمة …
وهكذا يجب أن تفعل…
ستشغل نفسها بالحق قبل أن تشغلها هي بالباطل!!!
لهذا استراحت لفكرة ما تراودها منذ وقتٍ طويل…
وقررت تنفيذها غداً…
حسناً يا سيد عاصي موعدنا الصبح…
أليس الصبح بقريب؟!!!
وفي الصباح توجهت لغرفته بخطواتٍ أكثر ثقة وقوة…
لتجلس أمامه متمتمة بخفوت:
_صباح الخير.
رفع عينيه إلى عينيها بنظرة مستكشفة فقد قضى ليلته كلها مؤرقاً بسببها…
ورغم أنه يكره الاعتراف بهذا لكن نفسه راودته كثيراً أن يذهب ليطمئن عليها لكنه كان يتراجع بحسم…
ومَن مثل عاصي الرفاعي في كبح جماح نفسه عما تشتهيه؟!!!
ولما اطمأن لمظهرها الهادئ وعينيها المستريحتين رد تحيتها الصباحية الفاترة بأخرى أكثر فتوراً…
ظلا على صمتهما لبضع دقائق أخرى إضافية حتى قطعت هي هذا الصمت بقولها المقتضب:
_أريد مالاً!!
رفع عينيه إليها بحدة متفحصاً تعابير وجهها الجامدة للحظات..
ثم قام من مكانه ليتوجه نحو الكومود المجاور لسريره حيث استخرج دفتر “شيكاته” …
وقّع بسرعة على إحدي وريقاته ثم وضعها أمامها قائلاً بحزم:
_اكتبي المبلغ الذي تريدينه…أنا وقّعت!!
وبرغم أن حركته هذه أثارت عجبها لكنها أزاحت الدفتر جانباً وهي تقول دون أن تنظر إليه:
_لا داعي لهذا…أنا لا أحتاج إلا مبلغاً بسيطاً!
عاد يجلس أمامها منتظراً تفسيرها…
فرفعت عينيها إليه ببحار فضتها التي انسابت أمواجها هادئة ولكنها قوية وهي تردف بنبرة واثقة:
_أريد أن أنشئ مشغلاً صغيراً ل”التريكو” …سأستغل موهبتي في التصميمات وتعليم بعض الفتيات حتى يمكنني التوسع أكثر…وسيكون خيرياً بأسعار زهيدة لمساعدة الفقراء.
ظل ينظر إلىها بوجه جامد دون تعبير…
فأردفت بنفس النبرة لكنها اكتست بسخرية مريرة بعض الشئ هذه المرة:
_فكرتُ أن أعمل بالتمريض لكنني رأيت هذا لا يليق بزوجة السيد عاصي الرفاعي…أعتقد أن فكرة المشغل ستكون أفضل لواجهتك الاجتماعية.
ظل وجهه على جموده وهو يسألها:
_ولماذا تعملين من الأساس؟!!
عادت بحار الفضة بعينيها تزأر بأمواجها وهي تجيبه باقتضاب:
_حتى لا أُصاب بالجنون هنا!!
غامت عيناه بطيفٍ رماديٍ من مرارته التي لا تفهمها دوماً…
قبل أن تعود الصلابة لغابات زيتونه وهو يومئ برأسه موافقاً…
فقالت بلهجة محايدة:
_لي صديقة هنا …أريد منها مساعدتي.
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه وهو يقول :
_دعاء.
كانت كلمته أقرب للإجابة منها للسؤال …
لكنها لم تعد تتعجب من هذا…
لا ريب أنه كان يعلم أنها هي من ساعدتها في الهرب من القصر قبل عقد قرانهما مادام تمكن من منعها بتلك البساطة…
لهذا أومأت برأسها إيجاباً وهي تقول بقوتها ال-مستحدثة-:
_لا تقلق…لن أحاول الهرب من جديد…ماسة القديمة خسرت كثيراً لأنها دوماً كانت تهرب…ماسة الجديدة ستبقى وتواجه …وتكسب!!
ابتسم ابتسامة حقيقية هذه المرة وهو ينظر إليها نظرة خاصة…
قبل أن يقوم من مكانه ليرفعها من كتفيها فيوقفها أمامه لتتلاقى نظراتهما بشراراتٍ من مشاعر مختلفة…
ومعها اصطدمت هي بنظرة حارة في عينيه غريبةٍ عن برودته المسيطرة التي تعرفها…
وبرغم أنها حاولت أن تشيح ببصرها عنه…
صدقاً حاولت وبقوة!!!
لكنه بدا وكأنه حاصر نظراتها داخل غابات زيتونه التي اشتعلت الآن بنظرة خاصة رفعت الدماء رغماً عنها لوجهها الذي تخضبت وجنتاه بحمرة خفيفة …
قبل أن يميل على جبينها بقبلة عميقة ليهمس بعدها في أذنها بلهجة خاصة:
_هذه لأجل ماسة ال-جديدة-التي ستبقى وتواجه و…
صمت لحظة ليعطي كلمته التأثير المطلوب…ثم همس بحرارة لفحتها:
_وتكسب!!
ازدردت ريقها بصعوبة وهي تحاول الابتعاد عن حصار كفيه…
لكنه تشبث بها أكثر وهو يعيد احتضان ملامحها بعينيه بنظراتٍ أكثر حرارة…
قبل أن يميل على أذنها الأخرى هامساً بجرأة وقحة-كما رأتها-وقتها:
_وتذكري ما قلته لكِ من قبل على أثر خجلكِ هذا على فتنتكِ أمام رجلٍ قليل الصبر مثلي.
خفق قلبها بجنون وهي تشعر الآن أن إحساسها به لم يعد مجرد شعورها بالأب الذي افتقدته…
وأن شعورها الجديد ب-خجلها- هذا أمامه يعني أنها قد بدأت تنظر إليه نظرة أخرى!!!
لكنها نهرت نفسها عن هذا التفكير وهي تطرق برأسها في ارتباك نسف مظهرها الواثق الذي دخلت به…
فرفع ذقنها إليه ليستمتع بترقرق أمواجها الماسية بشعورها الجديد الذي أدركه بحدسه…
والذي انعكس على مراياه الزيتونية التي التمعت ببريق خاص وهو يهمس ببطء واثق:
_ماستي تستحق المفاجأة التي أعددتها لها!!
تمالكت قوتها من جديد وهي تغمغم بسخريةٍ لاذعة:
_ما عاد لديك شئٌ يفاجئني…قبعة الساحر نفدت من عصافيرها الطائرة!!
اقترب بوجهه منها أكثر وهو يهمس بثقة:
_قبعتي لا تنفد أبداً…خاصةً أمامكِ أنتِ.
أشاحت بوجهها في عدم رضا متجاهلةً وثبات دقاتها المجنونة …
عندما سحبها من كفها إلى إحدى غرف القصر …
ولم يكد يرفع يده ليطرق الباب حتى تشبثت بكفه في قوة بكلتي يديها وهي تهمس بانفعالٍ حار:
_من بداخل الغرفة؟!!
كاد يجيبها برد ساخرٍ من ردوده اللاذعة…
لكن ارتجافة جسدها وصدرها الذي كان يعلو ويهبط في توترٍ مذعور وعيناها اللتان امتلأتا بالدموع فجأة …
كل هذا جعله يصمت محاولاً اختيار كلماته…
عندما عاودت هي همسها المرتجف وهي تتشبث بكفه أكثر:
_أنا كاذبة…كاذبة…لست قادرة بعد على أي مواجهة جديدة…أنا كاذبة …كاذبة.
قالتها وهي تبتعد دون أن تترك كفه وكأن كفيها التصقا به لتهمس بتوتر أكبر:
_سأعود لغرفتي…لا أريد أن أري مفاجأتك هذه…لا أريد.
انعقد حاجباه بقلق حقيقي وهو يرى ذعرها يعاودها…
فجذبها إلى صدره بقوة ليخفي رأسها في كتفه للحظاتٍ حتى شعر بهدوء أنفاسها…
ثم ربت على ظهرها برفق هامساً :
_لا تخافي…صدقيني هذه المرة ستشكرينني على مفاجأتي.
رفعت عينيها إليه بترقب لكن شموسه الزيتونية غمرتها بدفء من السكينة كانت تحتاجه الآن…
لتحمل ابتسامته الحقيقية بعدها أشعة ملونة من حنانه أشعرتها بالأمان أكثر…
ساعتها رفع هو كفها هي ليجعلها هي التي تطرق الباب!!
ثم أشار لها برأسه أن تفتحه …
ولم تكد تفعلها حتى شعرت بقلبها يتوقف مكانه للحظة قبل أن يرقص بين ضلوعها وهي تصيح بفرحة :
_أمي!!!!
=============
وقفت في مطبخ “الشاليه” تعد لهما القهوة عندما شعرت به يطوقها بذراعيه من الخلف مسنداً ذقنه على كتفها وهو يهمس لها بحرارة:
_لقد أدمنتُ قهوتك هذه.
أمالت رأسها ناظرة لرأسه المستكين على كتفها لتتوهج أشعتها البندقية بدفء عاطفتها وهي تهمس بدلالٍ :
_قهوتي فقط؟!
ارتفع حاجباه بدهشة للحظة من تغير أسلوبها معه…
قبل أن يضحك ضحكة طويلة وهو يضمها إليه أكثر قبل أن يهمس في أذنها من جديد:
_قهوتكِ..وطعامكِ…وهج البندق في عينيكِ…وعناد شفتيكِ…سحر كلامكِ…وصخب صمتك…شعوري كالطفل بين ذراعيكِ…وإحساسي بسكينتكِ أنتِ على صدري…حاجتي إليكِ…وحاجتكِ إلىّ…
ثم حررها من ذراعيه ليديرها نحوه مردفاً أمام عينيها:
_باختصار…أدمنتكِ كلّك!!
تعلقت بذراعيها في عنقه وهي تهمس بدفءٍ حنون:
_كلامكِ جميل لكنه لا يساوي شيئاً أمام شعوري بصدقه…أنا امرأة لم تغرّها يوماً كلمات …لكن قلبي طالما كان دليلي في مشوار حياتي كله.
اقترب بوجهه أكثر وهو يضمها إليه هامساً بمكر :
_وماذا يخبركِ قلبكِ عني؟!!
أغمضت عينيها للحظة قبل أن تفتحهما لتهز رأسها هامسةً باستسلام:
_قضية صعبة!!
داعب أنفها بأنفه وهو يهمس بثقة:
_سنكسبها يا أستاذة!!
ضحكت بانطلاق وهي تعود برأسها للخلف قبل أن ترتفع على أطراف أصابعها لتقبله على وجنته بخفة هاتفةً بمرح غريب عليها:
_انتظرني إذن بالخارج حتى أعد القهوة…وجودك معي يربكني.
ابتسم بسعادة جارفة وهو يتحسس موضع قبلتها على وجنته هامساً بدهشة ممتزجة بالفرح:
_إنها أول مرة تقبّلينني فيها هكذا!!!
تنهدت بحرارة وهي تملأ عينيها من ملامحه قبل أن تقول بحنانها الفطري:
_لأنك اليوم مختلف…شعوري بك مختلف…لا أدري ما السبب .
قالتها وهي تعنيها بكل حروفها…
هذا الرجل أمامها يختلف تماماً عن ابن الصاوي الذي تركت مديتها يوماً ندبتها على وجهه!
يختلف عن ابن الصاوي الذي تزوجها قهراً ليكسرها انتقاماً…
يختلف حتى عن ابن الصاوي الذي أغرقها باحتوائه وحنانه وتفهمه…
هذا الرجل أمامها بحرٌ هائجٌ من عواطف صاخبة افتقدها عالمها الهادئ الرتيب…
بحرٌ تخشى الغرق في أمواج المجهول التي تهدر حولها فيه…
لكن ما يطمئنها أن شطآنه تعدها بأمانٍ بلا حدود.
أمانٍ يأسرها بقيوده الحانية رغماً عنها فتستسلم له دون شروط!!!!
هذا رجلٌ وُلد من جديد على يديها…
ليكون لها -هي نفسها- حياةً جديدة في عالم جديد…
فهل هناك أروع من رجلٍ جمع لامرأته سحر الميلاد ونشوة البعث بعد الموت؟!!!
وأمامها كان هو يقرأ كل رسائلها بوضوح في مراياها البندقية التي لم تكذبه يوماً…
والتي منحته الآن أجمل صورة قد يتمنى رؤيتها فيها…
صورة امرأة عاشقة بحق …
وليس هذا فحسب…
بل إنها أيضاً …سعيدة!!!
هاتان الصفتان اللتان تمنى أن تحملهما هي بالذات منذ تسلل حبها إلى خلاياه بخفة ساحرة حتى تملكها كلها…
فصار بكل ما فيه ملكها هي…هي فقط!!!
لهذا وجد نفسه يجذبها من مرفقيها ليلصقها بصدره هامساً بحرارة:
_بل أنتِ التي كانت وستبقى مختلفة …كيف يمكنكِ أن تكوني هكذا..؟!!.كيف اختزلتِ كل سحر النساء في عينين لم تعرفا يوماً فن الغواية …ومع هذا سقطت أنا في أسرهما منذ أول لقاء…لأجد نفسي كل يومٍ أتعلق بكِ أكثر…أعشقكِ أكثر…وأذوب فيكِ أكثر وأكثر.
انتهت همساته الحارة بلقاء شفتيهما الأكثر حرارة والذي التهبت فيه عاطفتهما معاً للحظات…
قبل أن يطمع هو بالمزيد ….
لكنها تمالكت نفسها وهي تبتعد بوجهها عنه لتدفنه في صدره هامسةً برجاء :
_فهد…أنت وعدتني!!
اعتصرها بين ذراعيه بقوة وهمساته اللاهثة الحارة تلهب أذنيها:
_إلى متى؟!!
رفعت عينيها إليه بتوسل قبل أن تهمس بعجز:
_رغماً عني …صدقني…لا أريد أن أري نفسي بعينيك مجرد علاقة عابرة ككل النساء اللائي سبقنني إليك…دعني فقط أتمالك أنفاسي من هذا الطريق الذي قطعتُه عدواً …دعني أستكين بين ذراعيك حتى تثبت خطواتي المرتبكة على أرضك.
تألقت عيناه بنجومها البراقة وسط ليلها الساحر…
لتلمح فيهما عاطفةً من نار!!!
قبل أن يزفر بقوة فابتسمت وهي تربت على وجنته بما يشبه الاعتذار…
لكنه أومأ برأسه في تفهم وهو يدرك الآن شعورها…
هي تخاف أن تكون مجرد اسم في سجلّ علاقاته الحافل…
لا تريد أن تكون علاقتهما مجرد علاقة رجل وامرأة…
بل إنه حتى فهم ما لم تتمكن من البوح به…
أنها تعتبر علاقتهما الجسدية نقيصة في قدرها مع ما تعلمه عن علاقاته السابقة خاصةً وهي لازالت لا تري مستقبلاً واضحاً لعلاقتهما…
لا تريد أن تتحول لمجرد عشيقة سرية ورفيقة فراش …!!!
جنة الرشيدي لا تزال لا تعترف به زوجاً وإن كان قلبها يصرخ باعترافات عشقه في كل حين!!!
لكن…لا بأس…
الأيام كفيلةٌ بهذا الأمر…
كلاهما يحتاج للتمهل في المرحلة القادمة حتى يزداد يقينه من عاطفته نحو الآخر…
ولو كان هذا هو- البرهان- الذي سيثبت لها به أنه حقاً يحبها لنفسها لا لأيّ غرضٍ آخر فسيقدمه لها بطيب خاطر.
لهذا وجد نفسه يقبل كفها الذي تربت به على وجنته قبل أن يتبعها بقبلة عميقة على رأسها المستريح على صدره وهو يبتسم هامساً بشقاوة لذيذة:
_ثقل حسابكِ يا أستاذة…وأنتِ تعلمين أنني رجلٌ لا ينسى حقه…يوماً ما سأقتص منكِ على دلالكِ هذا!!!
ابتسمت في خجل وهي ترمقه بنظراتٍ مفعمة بعاطفتها …
قبل أن تبتعد عنه قائلةً بحزم مصطنع:
_القهوة بردت…اخرج حتى أعد غيرها .
============
خرجت من المطبخ حاملةً صينية القهوة لتضعها أمامه على المائدة…
فجذبها ليجلسها على ساقيه ثم رفع كفه المضموم أمام وجهها ليهتف بمرح:
_حزري ما هذا!!
ابتسمت بترقب وهي تحاول تخمين ماهية الشئ الذي في يده للحظات..
قبل أن تمسك كفه لتفتحه عنوة وهي تهتف بمرح مشابه:
_لن أتعب نفسي في التفكير اليوم…ألم تعدني بذلك؟!!!
ضحك ضحكة قصيرة ثم فتح كفه ليبدو الشئ الذي كان يحمله…
_طلاء أظافر؟!!!
هتفت بها جنة باستنكار ممتزج بالدهشة وهي تقلبه بين يديها …
فتناوله منها ليهمس أمام عينيها بدفء:
_رأيته على أصابع امرأة على غلاف إحدي المجلات…أعجبني لونه النبيذيّ …لا أدري لماذا رأيت ملامحكِ أنتِ وقتها على وجهها…فأرسلتُ في شرائه مع ثوب وطلاء شفاه بنفس اللون.
زادت الدهشة في عينيها عندما فتح الزجاجة الصغيرة ليتناول أناملها فيفردها أمامه ويبدأ في طلاء أظافرها بنفسه تحت نظراتها المصدومة بما يفعله…
أما هو فقد بدا مستمتعاً جداً بما يقوم به وهو يردف بصدقٍ وجد صداه في قلبها:
_هل تعلمين؟!! أصبحتُ لا أري أي امرأة سوى بملامحكِ أنتِ…وكأنكِ صرتِ فجأة كل النساء!!
خفق قلبها بقوة وهو يرفع أناملها -المطليّة-أمام شفتيه لينفخ فيها كي يجف طلاؤها…
قبل أن يصطدم بنظراتها الغريبة فهمس بترقب:
_ما الأمر؟!!ألم يعجبكِ لونه؟!!
رمشت بعينيها للحظات …ثم سألته فجأة:
_لماذا أنا بالذات ؟!!
ابتسم وهو يهز رأسه قبل أن يتناول كفها الآخر ليكمل ما بدأه…
وهو يهمس بشرود:
_هذا هو السؤال الذي أتمنى لو أعرف إجابته.
ثم التفت إلىها من شروده ليردف بابتسامة حملت عشق الدنيا كله:
_وأظنني لن أعرفها يوماً…وهذا هو سر سحركِ الخاص …أنه مجهول !!
ظلت ترمقه بنظرات حائرة للحظات..
قبل أن تنتقل ببصرها لكفيها هامسةً بابتسامة غريبة:
_أنت حقاً غريب…كيف تستفز كل مشاعر أمومتي في لحظة ثم تعيدني بين ذراعيك طفلةً في اللحظة التي تليها؟!!!
ثم هزت رأسها لتردف بنفس النبرة المشدوهة:
_لم أسمع يوماً عن رجلٍ أجلس حبيبته على ساقيه ليطلي لها أظافرها!!!
وضع ما بيده جانباً ثم أمسك كفها يقبله عدة قبلاتٍ متتابعة…
قبل أن يهمس أمام عينيها بعينين غارقتين بعاطفتهما:
_ومن قال أنك حبيبتي؟!!
دمعت عيناها بتأثر بينما أردف هو بحرارة:
_أنتِ قلتِها بنفسك…أنتِ أمي وابنتي…وصديقتي وزوجتي…أنتِ ستّ النساء…وكل النساء!!
تأوهت بقوة وهي تسند رأسها على صدره هامسةً بشرود:
_لا أذكر آخر مرة وضعت فيها طلاء أظافر أو زينتُ وجهي كالنساء…لا أذكر آخر مرة أسدلت فيها شعري على ظهري أو ارتديتُ حذاءً بكعبٍ عالٍ…لقد عشتُ طويلاً أتناسى أنني امرأة حتى نسيتُ حقاً!!!
ربت على رأسها برفق ثم رفع ذقنها إليه هامساً بمكر:
_أنا أذكر!!
رمقته بنظرة متسائلة فتحسس ندبة ذقنه بحركة ذات مغزى…
تنهدت بحرارة وهي تتذكر ذاك اليوم الذي التقته فيه لأول مرة عندما اضطرت لتبدو بذاك المظهر الجذاب -نسبياً-كي تلفت انتباهه إليها…
ثم مدت أناملها تلامس موضع ندبته هامسةً بعاطفةٍ مفعمة بالمرارة:
_إلى الآن لا أدري…هل كانت أعظم لحظات حياتي حظاً…أم أشدها حماقة!!!!
أحاط خصرها بكفيه ليقف ويوقفها معه أمامه قائلاً بحزم:
_ألم نتفق أن اليوم ليس للتفكير؟!!
ابتسمت وهي تومئ برأسها…
فعاد يقول بنفس الحزم :
_الآن تذهبين لغرفتك …وترتدين الثوب النبيذي الذي اشتريته لكِ …ستجدينه على السرير…والحذاء جواره .
ثم احتضن وجهها بكفيه هامساً بنبرة أرق:
_اليوم أريدكِ أن تشعري بأنوثتكِ كما لم تفعلى من قبل…أريدكِ أن تريْ نفسكِ كما أراكِ…ماسةً متوهجة بالسحر والفتنة.
احمرت وجنتاها بخجل حاولت مغالبته وهي تنسحب من أمامه بسرعة إلى غرفتها فتغلق بابها خلفها…
قبل أن تتناول الثوب النبيذي من على الفراش متأملةً له بسعادة طاغية…
وكأنها طفلةٌ يهديها أحدهم يوماً ثياب العيد!!!
وبعدها بدقائق…
كانت جالسةً على كرسيّ الزينة تتأمل صورتها الجديدة في المرآة بمزيج من مشاعر مختلطة…
مشاعر امرأة دفنت نفسها حيةً لسنوات حبيسة قبرٍ من الماضي…
جفت فيه كل زهور مشاعرها وأنوثتها…
والآن تشعر بها تتفتح براعمها من جديد بأمل!
هل يمكن أن تختلف زينة المرأة عندما تشعر بالحب؟!!!
إنها الآن وهي تطلي شفتيها تتمنى لو يقرأ عليهما كل ما يزدحم بقلبها من مشاعر نحوه…
فتبدوان لها أكثر جمالاً!
إنها الآن وهي تكحل عينيها تتمنى لو يرى فيهما كل ما عجزت عن قوله من كلامٍ …
فتبدوان لها أشد سحراً!!
بل إنها عندما أسدلت شعرها الكثيف على ظهرها تمنت لوتطول أيامهما معاً بقدر عدد شعيراته!!!
يزعمون أن الحب للجميلات…
ولا يعلمون أن الحب هو الذي يهب المرأة جمالها…
هو الذي يزيد توهجه وبريقه…
ودونه جمالها باهتٌ شاحب كأوراق الخريف!
قطعت أفكارها عندما فتح باب الغرفة ليدخل وهو يتأملها بنظراتٍ مفتونة…
مد لها كفيه ليتناول كفيها فيوقفها أمامه متفحصاً لها بهيام…
قبل أن يترك كفيها ليمشط شعرها بأنامله هامساً بحرارة:
_ما رأيك؟!!
ابتسمت بخجل وهي تخفض بصرها عنه حياءً قبل أن تهمس:
_من المفترض أن أسألك أنا هذا السؤال!!
قرّب وجهها إليه لتنساب شفتاه على بشرتها بقبلاتٍ هائمة متبتلة…
قبل أن يهمس بصوت متهدج:
_أنا لا أحتاج لسؤال…وأنتِ لا تحتاجين لإجابة.
اتسعت ابتسامتها وهي تهرب من نظراته الحارة لتنظر لقدميها قائلة بمرح لا يخلو من خجل:
_أجمل ما في هذا الحذاء أن كعبه العالي قد قارب بين طولينا…رغم أنني لم أحمل يوماً لقب “قصيرة” لكنني أشعر أمامك أنني كذلك.
ضحك بدوره وهو يضمها إليه هامساً أمام عينيها بمكر:
_وما حاجتكِ للكعب العالي؟!! أنا أحملكِ متى تريدين!!
قالها وهو يرفعها من خصرها بكفيه فأطلقت صيحة دهشة عالية…
تبعتها بضحكاتٍ رنانة وهي تضرب الهواء بقدميها هاتفةً بمرح طفوليّ لم تعرفه منذ زمن بعيد:
_أنزلني يا مجنون.!!!!
نظر إليها بمكر عابث وهو يرفعها أكثر ليهتف بشقاوته اللذيذة:
_ها قد صرتِ أطول مني …راضية؟!!
تشبثت بكتفيه وهي تهتف وسط ضحكاتها العالية :
_راضية …راضية…أنزلني!
ضحك بانطلاقٍ هو الآخر وهو ينزلها برفق فأخفت وجهها في صدره للحظات…
قبل أن ترفع عينيها إليه هامسةً بحبٍ زلزل أركان روحه:
_ماذا أفعل فيك؟!!
ألصق جبينه بجبينها وهو يهمس بين شفتيها :
_أحبيني…فقط أحبيني!!
ضجت روحها بعاصفة من مشاعرها حتى شعرت أن قلبها يكاد يتوقف…
لتجد نفسها دون وعي تمد كفها لتحتضن به رقبته كي تلصق وجهه بوجهها أكثر وهي تهمس بصوتٍ مرتعش:
_هل تفعلها يوماً يا فهد؟!!
حاول أن يبتعد بوجهه قليلاً لينظر لعينيها…
لكنها تشبثت بكفها على رقبته كي تبقيه ملتصقاً بوجهها …ليشعر بجسدها كله يرتجف بين ذراعيه فهمس بقلق:
_أفعل ماذا؟!!
اختنق صوتها بغصة حلقها للحظات شعر هو بها عندما أردفت بصوتٍ خفيضٍ جداً يكاد لا يُسمع:
_هل …تتركني…يوماً؟!!
دق قلبه بقوة وكفاه ينغرسان أكثر في خصرها وكأنه يتشبث بها في إجابةٍ غير منطوقة لسؤالها…
لكنها أردفت بنفس الهمس الخفيض المختنق:
_هل أصحو يوماً من نومي فلا أرى نور الصبح بعينيك أمام نافذتي؟!!ولا أسمع همسك اللاهث باحتياجكِ في أذني؟!!!ولا…
عاد صوتها يختنق بغصة دموعها فصمتت للحظات قبل أن تردف برجاء حار:
_لا تفعلها بي ثانيةً …لا أريد أن أتذوق هذا الجرح من جديد…سأموت حقاً هذه المرّ..
قطع همسها بشفتيه اللتين اعتقلتا شفتيها بقوة كاسحة حملت كل عشقه وخوفه من فقدها هو الآخر…
قبل أن يبتعد بوجهه عنها ليهمس بحزم أمام عينيها اللتين غامتا بفيض من المشاعر والدموع:
_حتى تزهق آخر أنفاسي …لا أفارق ولا أخون!!
تعلقت عيناها بعينيه تقرأ فيهما مراسم قَسَم عشق ملكية توجتها على عرش قلبه للأبد…
وحكايات غرامٍ طويلة تعدها بحبٍ لا يعرف نهاية…
وأغاني حبٍ ساحرة بألحانٍ قدسية تشدو بنبض الخلود.!!!
قبل أن يقطع هو حديث عينيهما بقوله :
_ما رأيك لو نتمشى على الشاطئ تحت ضوء القمر؟!!
ابتسمت وهي تومئ برأسها في رضا…
فأحاط كتفيها بذراعه وهو يخرج معها إلى الشاطئ حيث خلعت حذاءها لتسير جواره حافية القدمين مستمتعةً بملمس الرمال الناعمة…
وبدفء عاطفته أكثر…
حتى أنهكها السير فتلتفتت حولها قبل أن تشهق هاتفة بجزع:
_لقد نسيتُ وخرجتُ هكذا قد يرانا أحد!!
قالتها وهي تضع يدها على رأسها فضمها إليه أكثر وهو يقول ضاحكاً :
_لا تخافي…كل هذه الأرض ملكنا أنا وأبي…لا أحد هنا سوانا أنا وأنتِ!!
انعقد حاجباها بضيق خفي وهي تطرق برأسها…
ثم جلست مكانها على رمال الشاطئ لتلاعب الرمال بأناملها في شرود …
وأفكارها المتخبطة نحو “ابن الصاوي” توخز ضميرها من جديد!!!
لكنه كان غافلاً عن هذا وهو يتمدد على ظهره على الرمال أمامها مسنداً رأسه إلى ساقيها وهو ينظر للسماء الصافية التي التمعت بنجومها للحظات…
قبل أن ينظر لعينيها اللتين أظلتا عينيه بعاطفتهما المتوهجة…
فابتسم هامساً بسكينةٍ كانت تملأ روحه الآن:
_هل تعلمين أنني كنت أخاف الليل جداً..؟!!! .طالما كان أصدقائي يسخرون مني لهذا السبب…طالما رأيتُ السماء بالليل سقفاً يوشك أن يسقط على صدري…حتى نجومه كنت أشعر بضوئها يلسعني …يجلدني بسياطٍ لا أراها لكن ألمها محفورٌ على جلدي.
رق قلبها له أكثر فربتت على وجنته بحنان ثم امتدت أناملها تداعب خصلات شعره…
أغمض عينيه باستسلامٍ لهذا السلام الذي يشعر به الآن رطباً بين جنبات روحه التي طالما تشققت بجفافها…
قبل أن يعاود همسه الصادق:
_الآن لم أعد أخافه…هذي السماء صارت ملاذاً أهرب إليه من ضيق أرضي…ونجومها صارت شواهد على مكنون صدري…ضوؤها الآن يبدو وكأنه نابعٌ من روحي أنا…وكأن ومضاتها متزامنة مع دقات قلبي.
ابتسمت وهي تتمتم بشرود:
_صرتَ شاعراً يا ابن الصاوي.
انعقد حاجباه بضيق وهو يتأمل شرودها للحظات…قبل أن يسألها :
_لماذا عدتِ تنادينني هكذا؟!!
أفاقت من شرودها على نظراته الضائقة قبل أن تعي سؤاله…
فأغمضت عينيها تخفي عنه حديثهما ثم همست بحزنٍ شفاف انسلّ لقلبه بسهولة:
_لا تهتم…مجرد عادة!!
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يغمغم بشك:
_عادة؟!!
فتحت عينيها أخيراً وهي تشعر بالصراع يدور في رأسها من جديد…
بين فهد…و “ابن الصاوي”!!!!
لكنها نفضت أفكارها متشبثة بما تبقى في هذا اليوم الذي ارتضته خارج حدود زمانها وأفكارها ومخاوفها…
فابتسمت برقة وهي تميل على جبينه بقبلة ناعمة همست بعدها بحنان:
_لقد بدأت أشعر بالبرد…هل نذهب للنوم؟!!
مط شفتيه باستياء وعيناه تناجيان عينيها برجاء هامساً:
_لا أريد النوم هذه الليلة…لو نمتُ سينتهي هذا اليوم الذي انتزعناه خارج حدود الزمن…وأنا لا أريده أن ينتهي.
اتسعت عيناها بتأثر وهي تشعر أنه يتحدث بلسانها…
كلاهما كان يتمنى لو لا ينتهي هذا اليوم…
لو يلقي كل شئ خلف ظهره فلا يعود يذكر سوى عشقه لصاحبه…
لو تتوقف الأرض عن دورانها فلا يعود هناك ماضٍ يخنقهما بسواده…
ولا مستقبل يؤرقهما بخوفه…
بل هذه اللحظة فحسب وكلاهما متشبثٌ بالآخر تشبثه بالحياة نفسها!!!!
لهذا بقيا على هذا الوضع لوقتٍ لم يعلما مقداره…
لكن الحياة بخيلةٌ حقاً على العاشقين!!!
فقد مضت الساعات في عدوها كالدقائق…
ليعودا بعدها إلى داخل الشاليه …
بدلت ثيابها في غرفتهما بأخرى مريحة أكثر بينما اختفي هو بالخارج للحظات…
قبل أن يعود حاملاً بعض الشطائر والمشروبات…
فابتسمت وهي ترفع الغطاء لتتمدد على الفراش جاذبة حاسوبها المحمول من على الكومود جواره وهي تقول ببساطة:
_سأكتفي بشطيرة واحدة حتى أتناول دوائي.
اندس جوارها في الفراش وهو يقول بضيق:
_ولماذا تفتحين حاسوبك الآن؟!!ألم نتفق أن هذا اليوم خاص بنا وحدنا؟!!
تلاعبت أناملها بأزراره وهي تغمغم بما يشبه الاعتذار:
_سأقرأ آخر الأخبار على بعض المواقع فحسب…قد يكون هناك ما يتعلق بقضيتي الأخيرة…فموكلي قلق للغاية بشأن قضيته ويتهمني بالتقصير وأنا…
لكنها قطعت عبارتها وعيناها تتسعان بارتياع وهي تقرأ هذا الخبر أمامها على الشاشة…
فالتفت نحوها وقد أقلقه مظهرها ليدير الشاشة نحوه وهو يقرأ ما أثارها هكذا…
قبل أن ينعقد حاجباه بغضب وهو يكز على أسنانه فقد كان الخبر أمامه صادماً لأبعد حد:
_سر العلاقة المشبوهة بين ابن رجل الأعمال الشهير جاسم الصاوي ومحامية تكبره سناً .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ماسة وشيطان)