رواية ماسة وشيطان الفصل الثاني 2 بقلم نرمين نحمد الله
رواية ماسة وشيطان الجزء الثاني
رواية ماسة وشيطان البارت الثاني
رواية ماسة وشيطان الحلقة الثانية
غبية يا رؤى!!! غبية…غبية!!!
هتفت بها جنة -صديقتها المقربة-بغضب هادر وهي تهز كتفيها بقوة …. ثم أردفت بانفعال:
_لا أصدق كيف وقعتِ في فخه بهذه السهولة!!!!
كان جسدها ينتفض بقوة بكائها وكل ذكريات تلك الليلة المشئومة تغزو مخيلتها ببريق كبريق الدم….
أمسكت رأسها بكلي كفيها وهي تصرخ في انهيار:
_لا أدري…أقسم لكِ أنني لم أشعر بنفسي وقتها…كأنني كنت في حلم!!!
كزت جنة علي أسنانها وهي تتأمل انهيارها التام بحسرة لائمة…
رؤى العاشقة الحمقاء سقطت كالعادة في فخ نصبه لها سافل محترف….
لكنها لن تتركها أبداً…
لن تتخلى عنها ولو دفعت حياتها في المقابل….
لهذا ربتت علي كتفها برفق ثم سألتها بحدة:
_وماذا حدث بعدها؟!!
أطرقت رؤى برأسها لتهمس في خزي :
_تركني وحدي في الشقة وغادر…حاولت الاتصال به لكن هاتفه كان مغلقاً…انتظرته لبعض الوقت ثم اضطررت للانصراف حتي لا أتأخر فيوبخني أخي…ومن يومها وأنا عاجزة عن التواصل معه.
هتفت جنة بسخط:
_بالطبع …هرب الحقير بفعلته!!
عادت رؤى تنتحب بقوة وهي تهمس وسط دموعها:
_لقد ضعت يا جنة…ضعت…!!!
فضمتها جنة لصدرها بقوة وهي تقول بقوتها المعهودة:
_لا تخافي…أنتِ أخطأت حقاً…لكنني لن أتركك تتحملين الذنب وحدكِ…سأعرف كيف أتصرف.
رفعت إليها رؤى عينين ذابلتين من فرط البكاء لكن بعض الأمل عاد يكسوها…
إنها تعرف جنة جيداً…
كلماتها ليست مجرد مواساة…
جنة القوية التي تخرجت منذ ما يقارب الثلاث سنوات لتمتهن المحاماة ظناً منها أنها تستطيع بذلك رد حقوق المظلومين…
جنة التي طالما يبهرها عقلها الراشد وشخصيتها الكاسحة…
وقبلهما…
قلبها الكبير الذي يتسع للكون كله بالحب….
لهذا وجدت نفسها تلقائياً تلجأ إليها عندما وجدت نفسها وحدها في هذه الكارثة….
وأي كارثة!!!!
بينما ربتت جنة علي كتفها للحظات تحاول التفكير في الأمر من جميع جوانبه وحصر كل الخسائر والمكاسب الممكنة….
ثم هزت رأسها لتقول بحسرة:
_ألم تجدي سوى ابن جاسم الصاوي لتتورطي معه؟!!! ألا تعرفين من هو ومن أبوه؟!!! إنه من حيتان السوق…وليت الأمر يقتصر علي المال فحسب…لكن نفوذه يصل لأبعد مما يتصور عقلك.
اتسعت عينا رؤى في ارتياع وهي تهتف مرعوبة:
_ماذا تعنين؟!!!
زفرت جنة بقوة ثم عادت تضمها إليها قائلة بتوتر:
_لا تقلقي…سأتصرف!
============
فتحت ماسة عينيها فجأة لتتلفت حولها في دهشة قبل أن تهز رأسها في إدراك….
إنها لا تزال في رحلتها الطويلة في القطار…
لكن النوم غافلها لدقائق لا تعلم عددها…
ولا تريد أن تعلم…!
من اليوم لن يكون هناك جدوى لحساب الزمن…
لا زمن بعدك يا عزيز…
لا دقائق ولا ساعات…
لقد توقف زمني عندك…
فلا حاضر بات يعنيني…
ولا غد صار يؤرقني…
أنت الأمس الذي سأبقي أسيرته برضايَ…
والماضي الذي ارتاحت جوارحي لسكناه!!!
شعرت بألم في بطنها لتنتبه أنها لم تأكل منذ ساعات طويلة…
ففتحت حقيبتها الصغيرة لتستخرج منها بعض المخبوزات وعلبة عصير….
عندما سمعت هتافاً جوارها يصدح بمرح:
_كنت أنتظر دعوتكِ للمشاركة …فأنا جائعة ولم أحضر معي أي طعام.
التفتت نحو الفتاة التي تجلس جوارها لتبتسم ابتسامتها الملائكية…
ثم مدت لها يدها بكيس المخبوزات كله قائلة بكرم لا تدعيه:
_تفضليه كله!!!
ضحكت الفتاة جوارها وهي تتناول قطعة من الكيس ثم قضمتها ببساطة لتقول بلهجتها العفوية:
_لا بأس…ليكون “خُبز وملح”!!!!
ابتسمت ماسة بتحفظ فهي لا تتفاعل بسهولة مع الغرباء….
ربما يكون هذا بسبب طبيعتها المتحفظة…
وربما هي تربية رحمة الصارمة التي كانت تخاف عليها حتي من خدش النسيم…!!!!
لكن هذه الفتاة تبدو مختلفة…
ضحكتها الساحرة التلقائية تجعلها تدخل القلب دون استئذان…
ووجهها البسيط بملامحه المنمنمة شديدة الطيبة يجعل من أمامها يستريح لها دونما سبب!!!
قاطعت الفتاة أفكارها عندما مدت لها يدها مصافحة لتهتف بمرح:
_دعاء منصور…محاسبة بدرجة رئيس جمهورية…لن أقبل بمعاملة أقل من هذا!!!
ضحكت ماسة برقة وهي تصافحها بدورها لتقول :
_ماسة….ممرضة بدرجة خادمة لسيادتك…هل يرضيكِ هذا؟!!!
ضحكت دعاء بانطلاق لتلتفت نحوهم أنظار ركاب القطار ما بين استنكار وفضول…
لكن دعاء لم تبالِ بل لكزتها في كتفها بخفة وهي تقول بمرح:
_أعجبتِني!!
ابتسمت ماسة وهي تهز رأسها فعادت دعاء تسألها بفضول:
_لم تخبريني عن اسمك بالكامل.
تجمدت ابتسامتها علي شفتيها وكلمات دعاء البسيطة تنكأ جرحها القديم…
اسمها بالكامل…!!!!
هي ليس لها اسماً كاملاً…
صحيح أنها تملك واحداً علي أوراقها الرسمية…
لكنها تعلم -قبل غيرها- أنه ليس حقيقياً…
هي مجرد دخيلة علي هذه الحياة…
نبتة بلا جذور يسهل اقتلاعها في أي وقت..!!!
لهذا ابتسمت في مرارة ثم همست بحزن صادق:
_فقط ماسة…ماسة فحسب!!!
شعرت دعاء وقتها أن هذه الفتاة جوارها تحمل علي عاتقها أطناناً من العذاب…
عيناها اللتان لم ترَ في حياتها أجمل منهما تفيضان بألم رهيب…
تري ما الذي يدعو فتاة ضعيفة مثلها للسفر وحدها؟!!
دفعتها هذه الفكرة لتسألها بلهفة:
_ما هي وجهتك يا ماسة؟!!
تنهدت ماسة لتغمغم بهدوء:
_مدينة(…….)!!!
فاتسعت عينا دعاء لتهتف بفرح:
_إنها مدينتي…أنا عائدة إليها بعد زيارة لأقاربي هنا….ياللحظ!!! لكن من تقصدين هناك؟!!!
ابتسمت ماسة للمفارقة بدورها…
فهي ارتاحت لدعاء هذه ومن الجيد أن تعرف أحداً في تلك المدينة الغريبة بدلاً من أن تكون وحدها تماماً هناك….
فربتت علي كفها لتقول ببساطة:
_السيد عاصي الرفاعي.
هنا شهقت دعاء في فزع وهي تضع كفها علي شفتيها لتهتف بانفعال:
_الشيطان؟!!!
انقبض قلب ماسة وهي تسمع كلمتها مرادفة لانفعال وجهها الذي لا يبشر بأي خير…
فازدردت ريقها بصعوبة وهي تكرر كلمتها بدهشة لا تخلو من رهبة:
_الشيطان!!!
هزت دعاء رأسها بأسف لتقول بإدراك:
_الآن فهمت…أنتِ إذن الممرضة الجديدة التي جلبها لتساعد زوجته السيدة حورية في ظروف حملها الصعبة!!!
نظرت إليها ماسة في ترقب وهي تشعر بالخطر…
عندما عرضت عليها مديرة المشفى الخاص الذي كانت تعمل فيه هذا العمل ظنته فرصة مثالية للهرب من ظروفها الخاصة….
خاصة مع بُعد هذه المدينة الكبير عن مدينتها هذه…
لهذا لم تكترث كثيراً بالسؤال عن تفاصيل عملها ولا مضيفها…
هي فقط علمت أنه بيت رجل من أثرياء المدينة جلبها لتمريض زوجته التي تعاني ظروف حمل صعبة….
لكن ما تقوله دعاء يثير رعبها حقاً…
لماذا يلقبون هذا الرجل بالشيطان؟!!!
ترجمت فكرتها لسؤال مسموع…
فتنهدت دعاء لتقول بشرود:
_كل المدينة تعرفه بهذا اللقب….لا أحد يخفى عليه جبروت السيد عاصي…مسكينة زوجته السيدة حورية…لا ريب أن معاملته القاسية لها هي ما زاد عليها عبء حملها الذي انتظراه معاً طيلة هذه السنوات….نعم…زواجهما الذي استمر منذ عشرة أعوام ولم يثمر عن طفل سوي من بضعة أشهر فقط…لكن السيد عاصي لم يتغير…رغم أننا توقعنا أن خبراً كهذا قد يذيب جمود قلبه.
عقدت ماسة حاجبيها بشدة وهي تسألها بخشية:
_ما هي حدود جبروته بالضبط؟!! هل هو مجرم مثلاً؟!!!
هزت دعاء رأسها لتقول بهدوء يمتزج بالأسف:
_ليس إجراماً بمعناه الصحيح…لكن السيد العاصي يعتبر كبير مدينتنا….لا تخرج صغيرة ولا كبيرة عن سيطرته…ورث هذا الأمر عن أبيه وجدوده…ولا يدخر وسيلة للحفاظ علي سلطته …كبيرنا قبل صغيرنا يخشاه …فالخطأ عنده عقابه أقسي مما يتوقع أي أحد….باختصار …هو رجل بلا قلب منحته الحياة المال والنفوذ ليقهر بها خلق الله.
وضعت ماسة كفها علي صدرها تتحسس سلسلة عزيز كما اعتادت عندما تشعر بالخوف…
فقالت دعاء بإشفاق:
_لا تذهبي يا ماسة….عودي من حيث أتيتِ…أنتِ فتاة ضعيفة وحدك وأخشي عليكِ بطشه!!
دمعت عينا ماسة وهي تفكر بقهر…
أعود…؟!!!!
أعود إلي أين؟!!!
وأعود لمن؟!!!
أنا تذكرتي بلا عودة …
بلا عودة!!!
===================
مد يده ليضغط على مشغل الأغاني في سيارته …
ثم رفع صوته كثيراً وهو يتمايل برأسه مع الألحان الصاعدة…
نظر لنفسه في مرآة سيارته يتأمل ملامحه برضا…
وسيم…؟؟؟
ومن ينكر وسامة فهد الصاوي؟!!!
إنه نجم مجتمعه المخملي بلا منازع…
رجل منحته الدنيا كل ما يريد دون أي جهد…
الوسامة…
القوة…
المال…
النفوذ…
وفوق كل هذا ذكاء شيطاني يمكنه دوماً من الحصول على ما يريد!!!
شقت ابتسامة جانبية طريقها لشفتيه وهو يتذكر آخر -رهاناته- التي ربحها بسهولة…
رؤى..!
دمية لطيفة أتعبته كثيراً حتي نالها…
لكنه يعترف أنه استمتع بالرهان هذه المرة…
وقته الذي ضاع معها لم يذهب هباءً…
الفتاة -حقاً-كانت تستحق!!!
اتسعت ابتسامته العابثة وهو يستعيد ذكري ذلك اليوم عندما تعمد الابتعاد عنها لبعض الوقت …
حتي يذيبها اشتياقاً…
ثم دعاها لشقته في الوقت المناسب تماماً …
وبعدها…
ضمادة رأس وصوت متهدج عاطفي مع الكثير من الأداء التمثيلي الذي يجيده…
لتكون دميته صالحة تماماً للعب…
ومن مثله يجيد التلاعب بالدمى؟!!!!
كان قد وصل لوجهته عند باب النادي الذي يرتاده دوماً…
كاد يتوقف بالسيارة عندما فوجئ بجسدها يسقط أمامه فضغط الفرامل بقوة لتحدث السيارة صريراً عالياً…
ثم ترجل من السيارة ليري من هذه !!!!
توجه نحوها باندفاع ليقول بخشونة:
_أنتِ المخطئة…لقد سقطتِ فجأة أمام السيارة.
لكنها تأوهت بضعف ثم رفعت إليه عينين بندقيتين تنبضان بالسحر هامسة بخفوت:
_لا بأس…أنا أعترف أنني المخطئة….كنت شاردة!!
تأملها بنظرات متفحصة وقد أعجبه تأثير عينيها وصوتها عليه…
قبل أن تنتقل نظراته تلقائياً لجسدها المسجي على الأرض…
فابتسم في ظفر…
دمية جديدة!!!!
ولمَ لا؟!!!
اقترب منها ببطء وهو يشير لحارس النادي إشارة خاصة كي يصرف بعض الجموع التي كادت تلتف حول ما ظنوه حادثاً…
ففرقهم الحارس بسرعة تليق بقدسية نادٍ عظيم كهذا…
ليساعدها فهد علي النهوض وهو يقول بصوته المغوي:
_لا بأس يا صغيرتي…يمكنني إيصالك لأي مكان تريدينه.
عادت ترمقه بسهامها البندقية التي تتوهج ببريق خطير يناقض صوتها الذي خرج ضعيفاً يهمس بدلال:
_شكراً يا فهد.
رفع أحد حاجبيه ليهمس بغرور :
_تعرفينني؟!
فابتسمت في غنج وهي تسبل جفنيها هامسة:
_ومن لا يعرف فهد الصاوي؟!!
هنا ابتسم هو في إدراك ليهمس بمكر:
_لم يكن حادثاً إذن؟!!
قالها وهو يرمقها بنظراته العابثة المتفحصة…ليدهشه تورد وجنتيها المناقض لجرأة ما تفعله…
وما همست به بعد ثوانٍ:
_مجرد لقياك حادث….حادث مثير يا فهد!!
فابتسم في ثقة ثم قال لها بنبرته المسيطرة:
_دعينا إذن نتعارف…تعالي !
قالها وهو يتوجه نحو باب سيارته ليفتحه لها بتملق يجيده في هذه الظروف….
لكنها جلست ببساطة وهي تمنحه ابتسامة مهلكة…
فأغلق الباب برفق …ثم دار حول السيارة ليركب جوارها وينطلق من جديد…
ساد الصمت بينهما للحظات…
فاختلس نظرة جانبية إليها لتدهشه اختلاجة أناملها وصدرها الذي يعلو ويهبط في انفعال…
ما الذي يوترها إلي هذا الحد…؟!!!
هو لم يشعر أنها رافضة أبداً لفكرة مرافقته…
بل علي العكس…
بدت وكأنها تنتظرها!!!
ثم التفت نحوها فجأة ليأسره” وهج البندق” في عينيها من جديد…
لحظات مرت علي لقاء عينيهما…
لتدهشه القسوة التي التمعت للحظة في حدقتيها…قبل أن تكسوهما ظلال من دلالها وهي تهمس:
_إلي أين؟!
ابتسم ابتسامته الآسرة ليهمس بنبرته المسيطرة:
_أنا الذي أقرر…عندما نصل سأخبرك!!
هزت كتفيها في استسلام …
فمط شفتيه في استياء وأشاح بوجهه يحاول التركيز في الطريق….
هو لا يحب الدمى السهلة…
إنه يعشق الألغاز والأحجية…
وجمال الدمية في عينيه يزداد كلما ازدادت صعوبتها…
لكن لا بأس…
ليلة سهلة لن تضر…
خاصة وهذه المرأة تثير شيئاً ما بداخله لا يعرفه…!!!
كان قد وصل لطريق مظلم خالٍ نسبياً في هذا الوقت من الليل…
فهمست بدلال:
_دعنا نتوقف هنا قليلاً!!
التفت نحوها ليقول بخشونة:
_قلت لكِ أنا من سيقرر!!
هنا التمعت عيناها بقسوة حقيقية وهي ترفع يدها فجأة بمدية سلطتها علي رقبته لتهتف بقوة:
_ليس دوماً يا ابن الصاوي!!
أوقف السيارة فجأة لينطلق منها ذاك الصرير المرعب…
لكن هذا لم يغير من ثبات يدها علي رقبته وهي تقول ببرود مثير:
_لا تتهور يا ابن الصاوي…تهورك سيكون ثمنه حياتك هذه المرة!!
عقد حاجبيه محاولاً التظاهر بالثبات ليقول بهدوء:
_هل تعرفين نتيجة تصرفك هذا….ومع من تلعبين بالنار يا صغيرة!!!
ابتسمت بسخرية مريرة وهي تهمس بثبات:
_مع وغد حقير يتسلي على أعراض النساء.
قالتها وأناملها تعبث بحقيبتها دون أن ترفع عينيها من عليه….
ولا مديتها من علي رقبته!
حتى استخرجت ورقة مطوية بكفها الحر وضعتها علي مقود السيارة أمامه…
ثم ناولته قلماً لتهتف بصرامة:
_وقّع على هذا!
فمد بصره نحو الورقة يقرؤها بسرعة…
إنه عقد زواج عرفي يخصه هو و…
رؤى!!!
معقول؟!!!!
هذه المرأة مسلطةٌ عليه من رؤى إذن!!!!
المخبولة تظن هذا سيمنحها أي حقوق!!!
لهذا ابتسم في سخرية وهو يوقع على الورقة ببرود…
فتناولتها منه لتضعها في حقيبتها وهي علي حذرها منه…ثم قالت له باحتقار:
_أمثالك يصيبونني بالغثيان…لو كنت أضمن سلامتي من عقاب السماء لذبحتك حالاً دون تردد!!
بادلها نظرتها القاسية بنظرة أشد قسوة…ثم همس بصوت كالفحيح:
_ستدفعين ثمن ما فعلتِه غالياً!!
ابتسمت بسخرية باردة وهي تقول ببطء ضاغطة علي حروف كلماتها :
_كلنا يدفع ثمن ما يفعله يا ابن الصاوي!!! كلنا!!
قالتها ثم مالت على ذقنه بضربة من مديتها فتأوه بقوة…والدم يسيل من جرحه متدفقاً…
بينما هتفت هي بقسوة:
_سيترك هذا في وجهك ندبة لن تمحى…لتظل تذكرك أن الأعراض ليست لعبة…
ثم أردفت باحتقار وكأنها تسبه بأبيه:
_يا ابن الصاوي!!
عقد حاجبيه بغضب هادر…لتفاجئه برذاذ من سائل مخدر استخرجته من حقيبتها بخفة….
ليسقط بعدها فاقداً وعيه ورأسه على مقود سيارته…
==========
_أنا خائفة يا جنة!!
همست بها رؤى في توتر وهي تستمع لتفاصيل ما فعلته جنة بفهد…فقالت جنة تطمئنها:
_لا تخشيْ شيئاً…فقط ابقي في بيتك ولا تغادريه أبداً الآن…نحن نملك الآن إثباتاً علي علاقته بكِ…صحيح أنها مجرد ورقة …لكنها أفضل من لا شئ.
ازدردت رؤى ريقها بصعوبة وهي تسألها بتردد:
_هل سيكون بخير؟! أعني أنك تركتِه ينزف وقد كان فاقداً لوعيه!!!
فكزت جنة علي أسنانها ثم هتفت بسخط:
_لازلتِ تخافين عليه بعد كل ما فعله؟!!! قلبك الأحمق هذا هو ما ورطنا في كل هذا!!!
دمعت عينا رؤى وهي تشعر بالقهر والخزي….
رغم أنها الآن موقنة من حقارته….
وأنها لم تكن سوى لعبة تسلي بها ثم رماها في عرض الطريق…
لكنها لا تزال عالقة ببقايا عالمها الوردي معه…
عالمها الذي تلطخ بدماء غدره وظلمه…
ومع هذا تبقى عاجزة عن تخيل أن كل ما مرت به معه لم يكن سوى وهم!!!
ربتت جنة على كتفها وهي تقول بمواساة:
_خطؤكِ كبير يا رؤي…لكن رحمة الله أكبر.
فتنهدت رؤى بحرارة لتهمس بألم:
_حياتي كلها انتهت.
لكن جنة هزت رأسها نفياً لتقول بثقة:
_بل بدأت…بدأت بخطأ سنصلحه لتتعلمي ألا تفرطي في الثقة…وألا تمنحي أحداً ما ليس له!!
فعقدت رؤى حاجبيها بقلق وهي تهمس:
_أتظنينه سيتركني وشأني؟!!
تفحصت جنة ملامحها الخائفة بقلق وهي عاجزة عن إجابة سؤالها…
هي الأخري تخشى عاقبة بطشه…
لكنها اضطرت لفعل هذا حتى تضمن لرؤى إثباتاً لعلاقته بها…
ولو مجرد ورقة بلا قيمة ستبرزها في الوقت المناسب لو اضطرتها الظروف لذلك..
تأملت ماسة ملامح دعاء المستكينة التي استسلمت للنوم كطفلة بريئة على مقعدها في القطار…..
لم يتبقَ علي وصولهما للمدينة سوى القليل….
لكن…ما الفارق؟!
الناس ينتظرون الوصول ليستريحوا…
وهي أبداً لن تستريح!
الناس يترقبون نهاية الرحلة ليحصلوا على ما يبتغون…
وهي ما عاد لها هدف ولا بُغية!
لقد كُتبت عليها الغربة قدراً لا مناص منه ولا فكاك…
وهي ارتضتها قرباناً لأناسٍ يستحقونها بجدارة!!!
مالت برأسها على زجاج النافذة تتلمس واحدة من ذكرياتها معه…
لعلها تهون عليها ظلام الطريق…
نعم ….
ذكريات عزيز متألقة مشعة مثله….
تعرف أنها دوماً لن تخذلها عندما تحتاجها…
_ماذا تطعمك رحمة حتى تزدادي جمالاً في كل مرة؟!!!
هتف بها عزيز في مرح يمتزج بشقاوته العابثة وهو يلحق بها إلى مطبخ شقة رحمة الصغير…
فهمست باعتراض يمتزج بالخجل:
_عزيز!!
_يا روح عزيز!!
همس بها بهيام فاحمرت وجنتاها وهي تهمس بخجل:
_أخفض صوتك…أمي ستسمعنا!!
اقترب منها وهو يقول بصوته العذب:
_ليت الدنيا كلها تسمعني وأنا أغازل ماستي!!!
تلفتت خلفه في رهبة وهي تخشى أن تسمعه رحمة…
ثم همست برجاء:
_أرجوك يا عزيز…لا أريد أن تشعر أمي بشئ…لو علمت عما بيننا فلن تسمح لنا بالحديث بعد!!
لكنه اقترب منها أكثر وهو يهمس بخبث:
_وما هو هذا الذي بيننا؟!!
رفعت ملعقة خشبية كبيرة ثم دفعتها في صدره لتهتف بحدة وقد تناست حذرها من علو صوتيهما:
_إياك أن تقترب خطوة أخرى!
ابتسم في إعجاب وهو يتراجع رافعاً ذراعيه جواره وهو يهمس في استسلام:
_عندما تتحول ماسة ل”الشاويش عطية”…ساعتها يجب أن أبتعد!
ضحكت برقة رغماً عنها ثم همست بعتاب مصطنع:
_لا أحب التجاوز يا عزيز…أنت تعلم!!
تأمل خجلها الممتزج بصرامتها المصطنعة ليهمس بخبث متعمداً استفزازها:
_أعلم يا ماسة..أعلم…رحمة ربت “رجلاً”!!
قُطع سيل ذكرياتها عندما رن هاتفها فانتفضت بذعر….
إنه رقم غريب!
هي لا ترد على الأرقام المجهولة في العادة…لكنها تشعر بحاجتها لهذا الآن…
لعله يكون هو…!!!
نعم…
هي أخبرته آخر مرة أنها لن ترد على اتصالاته بعد وقد انتهى كل ما بينهما…
لكنها تتمنى الآن لو تسمع صوته….
جوارحها كلها تناديه…
يا إلهي!!!
لقد اشتاقته من الآن…
فماذا ستفعل إذن في خريف أيامها القادمة دونه…؟!!!
يالغربتي بعدك يا عزيز…
ويالاشتياقي!!!!
فتحت الاتصال بأنامل مرتجفة دون أن ترد…
ليقابلها صمت مماثل على الجانب الآخر من الاتصال!
هل يمكن أن تفصح الأنفاس عن هوية صاحبها…؟!!!
نعم…فقط مع عزيز…!!!
هذه أنفاسه التي تحفظها…
بدفئها الذي يداعب أذنيها عندما يرضى..
ولهيبها الذي يحرق قلبها عندما يغضب…
أنفاس عزيز مميزة فريدة مثله…
يميزها قلبها قبل أذنيها!!
لهذا لم تتعجب عندما سمعت صوته الحبيب بعد دقيقة صمت كاملة يهمس باشتياق:
_ماسة!
ازدردت ريقها ببطء…
وقلبها ينتفض كالذبيح بين ضلوعها….
عزيز لم يحتمل فراقها كما ادّعى…
تماماً كما لا تحتمله هي….
وها هو ذا يخلف وعده معها ليهاتفها…
وبقدر ما هي ساخطة عليه لأنه فعلها….
بقدر ما تتمني لو تشكره !!!
فهي تحتاج صوته الآن…
تحتاجه ليكون زادها في رحلتها الطويلة…
تحتاجه ليطمئنها وسط هذا العالم الغريب الذي هي مقدمة عليه…
تحتاجه…بحق تحتاجه…!!!!
هنا وصلها همسه الدافئ يتمتم برجاء:
_أخبريني فقط أين ستذهبين وأعدكِ ألا أحاول الوصول إليكِ.
أغمضت عينيها بقوة ورجاؤه يكاد يمزق أوصالها…
لا…لن تخبره بالطبع!
عزيز لن يحتمل فراقها…
بضعة أيام وستجده أمامها…
كما كان يفعل دوماً!!!
عزيز لن يستطيع الابتعاد عنها…
لكنه لابد أن يفعل…
هذا هو حكم القدر عليهما …
فليتقبله هو كما تقبلته هي منذ زمن!!
طال صمتها الذي لم تكسره منذ بدأ حديثه….فعاد يقول بنفس النبرة الراجية:
_حسناً…لا تخبريني عن مكانك…لكن دعيني أسمع صوتك…أريد الاطمئنان عليكِ…أرجوكِ يا ماسة…أرجوكِ.
سالت دموعها علي وجنتيها ببطء…
ورجاؤه الحار يغرس الشوك بين جنبات روحها…
بالله عليك لا تعذبني أكثر يا عزيز…
كفاني احتراقي بك…
كفاني عذابي دونك!
تشبثت بالهاتف بقوة وكأنها تتشبث بغرامهما …
بذكرياتهما….
بكل ما جمعهما يوماً….ولن يعود!
لتهمس أخيراً بحرارة:
_لن أنساك يوماً يا عزيز…ماستك ستبقى ملكك للأبد!!
ودون أن تنتظر رده أغلقت هاتفها بسرعة وكأنها تخشى التراجع…
ثم استخرجت شريحتها لتلقيها بعنف من النافذة….
لن تعود للخلف من جديد….
لقد انتهت قصتها مع عزيز….
حتى ولو لم ينتهِ حبهما!!!!
=========
جلس راغب في ورشته يتأمل الوجوه الغادية والرائحة بشرود….
ينتظر مرورها من هنا في طريقها لبيتها ككل يوم….
نظر في ساعة يده بترقب….
لقد تأخرت اليوم عن عادتها…
انتابه بعض القلق لدقائق أخرى ليعود ويعنف نفسه على اهتمامه الزائد بها من جديد…!!!!
لا يدري ما الذي فعلته به هذه الفتاة بالضبط؟!!
هو راغب درويش الذي تعرفه المنطقة كلها بخشونته وتحفظ طباعه…
يجد نفسه فجأة غارقاً بمشاعر يجربها لأول مرة في حياته مع فتاة لا يعرف عن شخصها شيئاً….
بل إنه يخشى الفارق الكبير بينهما في المستوى التعليمي…
نعم…
رحم الله رجلاً عرف قدر نفسه…
ربما يكون هو رجلاً ميسوراً ومن عائلة طيبة…
يمتلك ورشته الخاصة وسيارته وبيته…
لكنه يبقى خريج معهد متوسط….وهي ذات تعليم عالٍ !
فهل يقف شئ كهذا بينهما؟!!!
لا يدري….
هذا الأمر يشغل باله منذ فترة….
ولأنه رجل مستقيم لا يعرف الحلول الوسط حدث أخاها في الأمر وطلبها منه للزواج…
وهو الآن ينتظر الرد…
ينتظره بفارغ الصبر حقيقة !!!!
قطعت أفكاره عندما لمحها قادمة من بعيد…
رؤى العزيزة…!!!
لكن …ما بالها اليوم تبدو متغيرة؟!
كتفاها متهدلان في استسلام…
وخطواتها ما عادت معتزة واثقة…
بل مرتعشة مترددة …
ورغم أنها كانت تخفي أكثر من نصف وجهها بنظارتها الشمسية…
لكنه شعر أنها كانت…
تبكي!!!
طار قلبه فزعاً وكاد يفقد تحفظه المعهود ليستوقفها…
ويسألها عمّ بها….
لكنه تشبث بمقعده في اللحظة الأخيرة وهو يتابع ظهرها المنصرف عنه بحسرة هامساً لنفسه بحزم…
_الصبر يا راغب….الصبر!!!
==========
_من فعل بك هذا؟!
هتف بها جاسم الصاوي بحدة قاسية أمام فهد في المشفى..
فزفر فهد بقوة وهو يشيح بوجهه دون رد…لكن جاسم عاد يهتف بقسوة:
_هل تعلم ماذا سيكون تأثير فضيحة كهذه عليّ؟!!! النادي كله يتحدث عن المرأة التي استدرجتك كغر ساذج من أمام النادي لتتركك بعدها غائباً عن وعيك بعدما أهدرت كرامتك بطعنة مدية على وجهك الوسيم الذي تتباهى به!!
عقد فهد حاجبيه وشياطين الغضب كلها تتقافز على وجهه!
لا يكاد يصدق أنه هو…فهد الصاوي قد تعرض لهذا!!
وممن؟!
من امرأة حقيرة كهذه؟!!!
لكنه سيجعلها تدفع ثمن فعلتها هذه غالياً…
لن يكون فهد الصاوي لو تركها تفلت بفعلتها التي تركت أثرها في وجهه…
رغم أنهم أخبروه هنا في المشفى أن الأمر سيتدارك بجراحة تجميلية….
لكنه لن يجريها الآن…
سينتظر حتى يأخذ بثأره منها أولاً…
حتى تبقي ندبته تذكره بما فعلته تلك ال…..
قطع جاسم أفكاره وهو يقول بمرارة لم تخطئها أذناه:
_أنت دوماً تخيب ظني فيك!!
أطرق فهد برأسه وهو يشعر بالاختناق…
والده لن يغير يوماً معاملته له…
سيبقي دوماً يرى خيبته في عينيه كلما رآه…
قديماً كان يسعى لتغيير نظرته هذه لكنه كفّ عن المحاولة منذ زمن…
مهما فعل…
سيبقى في عيني والده مداناً مذنباً…
وهو ما عاد يكترث!!!!
“جريمته”التي ارتكبها وهو لا يزال مراهقاً في الخامسة عشرة من عمره ستبقى بعينه وعين أبيه نهاية علاقتهما الشائكة….
فمنذ تلك الليلة العصيبة التي لن ينساها أبداً…
وقد كُسر شئ ما بينهما….
وكم من الأشياء التي إذا كُسرت فلن نتمكن من إصلاحها أبداً!!!!
=========
فتح عبد الله حاسوبه المحمول علي أحد تلك المواقع الشائنة وهو يراقب باب غرفته بترقب…
ثم عادت عيناه تنشغلان بالمشاهد الساخنة أمامه…
ليتفصد جبينه بعرق خفيف وهو يشعر بالمزيد من السعادة بهذه المتعة المحرمة….
مد أنامله ببطء يتحسس الشاشة بشغف أسود…
ثم فك أزرار قميصه وهو يشعر بارتفاع درجة حرارة الجو فجأة…لتتسع عيناه في صدمة…
والمشهد يحمله لأقصى مما توقع خياله بكثير!!!!
بينما وقفت صفا على باب الغرفة تتأمله بنظرات غريبة….
قبل أن تهمس بعدها بخفوت:
_هل أعد لك الغداء يا عبد الله؟!
أغلق شاشة الحاسوب بعنف ثم نظر إليها بصدمة للحظة…
قبل أن يتمالك رباطة جأشه ليهتف بنبرة جافة:
_ليس بعد….سأنتظر رؤى.
رمقته بنظرة غريبة لم يعد يفهمها ثم عادت للمطبخ بخطوات رتيبة…
صفا المعموري …
ابنة الحاج ابراهيم المعموري صاحب أكبر محلات الأثاث في المدينة…
ربما لم تكن على درجة عالية من جمال الوجه والجسد…
لكنها تعلم أنها كانت بالنسبة إليه صفقة رابحة…
زوجة لم تكلفه الكثير…
بل على العكس …
منحته أكثر مما كان يحلم به….
هذه الشقة التي يقيمان فيها مع شقيقته الوحيدة….
والسيارة الفارهة التي أهدتها له منذ بداية زواجهما ….
والمحل الذي اشترته بمالها لتكتبه باسمه حتى يبدأ فيه تجارته….
ومع كل هذا لا تشعر أنه سعيد بها!!!
هي لم ترَ شيئاً بعينيها…
ولا تستطيع الجزم بأنه يفعل ما يشين….
خاصة والناس كلهم يعرفون عن تدينه الظاهر بلحيته الطويلة….
وصلاته التي لا يتركها في المسجد….
لكن قلبها يخبرها أنه انجرف لطريق ما بعيد عنها!
وضعت كفها علي صدرها بحسرة وهي تفكر في -ما تظنه- مشكلتها الحقيقية معه…
ربما لو كانت أنجبت منه طفلاً لما شعرت بكل هذا الخوف من أن تفقده…
لكنها للأسف…لم تستطع!!
جربت كل الطرق…وسافرت للعديد من الأماكن سعياً خلف العلاج…
لكن الفشل كان حليفها في كل مرة!
لماذا؟!!
لماذا تحرمها الأقدار هذه المنة؟!!
وعند خاطرها الأخير استغفرت الله سراً…ثم رفعت وجهها للسماء بتضرع هامسة:
_يارب!
قطعت رؤى دعاءها عندما تقدمت نحوها متظاهرة بالمرح تكتم به دموع روحها الكسيرة….
لتهتف بانطلاق:
_بماذا تدعين بكل هذا الخشوع يا صفا!!!
التفتت نحوها صفا لتبتسم بحنانها المعهود متجاهلةً سؤالها لتهمس ببعض الحزن:
_تأخرتِ اليوم يا رؤى…عبد الله يغضب كثيراً عندما تتأخرين.
ازدردت رؤي ريقها ببطء وهي تقاوم شعورها بالخوف….
مجرد اسم عبد الله يثير ذعرها بشدة….
رغم أنها موقنة من أنه يحبها وقد رباها منذ صغرها كابنته بعد وفاة والدهما….
لكن خشونة طباعه دوماً تنفرها منه….
والآن وبعد مصيبتها الأخيرة مع فهد لا تدري كيف سيمكنها وضع عينيها في عينيه….
يا الله!!!
جسدها ينتفض رعباً كلما تصورت أنه قد يكتشف يوماً خطيئتها…
سيقتلها وقتها حتماً!!!
حتى هذه الورقة التي حصلت عليها جنة بمخاطرة عظيمة لن تشفع لها وقتها…!!!!
_رؤى!!
شهقت بعنف عندما سمعت نداءه العنيف خلفها….
فالتفتت نحوه لتهمس برهبة:
_نعم يا عبد الله!
اقترب منها وهو يقول بلهجة صارمة:
_تأخرتِ اليوم!
كادت تكذب عليه بأحد تبريراتها…لكنه قاطعها بإشارة من كفه ليقول بعدها بخشونة:
_لا أريد لهذا الأمر أن يتكرر!
أومأت برأسها إيجاباً ثم أطرقت بوجهها في خوف….
لكنها لم تلبث أن رفعته نحوه بصدمة واضحة عندما سمعت عبارته التي اخترقت قلبها كرصاصة غادرة:
_لقد تقدم أحدهم لخطبتك….وأنا وافقت!
==========
أنهت جنة عملها في مكتب المحاماة الخاص بها عند العصر….
ثم غادرت المكتب لتتوجه نحو سيارتها الصغيرة لتنطلق بها نحو بُغيتها…
اليوم موعدها مع حسن…
موعدها الذي لم تنسَه منذ ثلاث سنوات…
نعم…
في أول كل شهر وعند الخامسة تماماً بالضبط…
كان هذا موعدهما الذي لم يخلفه أي منهما يوماً…
وهي أبداً لن تفعل حتى بعد رحيله!
توقفت بالسيارة أمام المقابر…
ليقابلها الحارس الذي يعرفها من كثرة ترددها…فيهتف بحنان:
_مرحباً بالأستاذة…في موعدكِ بالضبط!!
أومأت برأسها وهي عاجزة عن الرد…لتتجه بها خطواتها كالمسحورة نحو مكان مقبرته….
أخذت نفساً عميقاً تغالب به دموعها …
لكن هيهات….
دموعها العزيزة التي لا يكاد يراها أحد تخذلها دوماً هنا….
حسن الحبيب يهون لأجله كل عزيز…
روحها وقلبها…
قبل دموعها!!!
قرأت له الفاتحة بخشوع ثم أتبعتها بدعاء طويل له….
لتتحسس بعدها شاهد القبر بحنان هامسة بألم:
_اشتقتك يا حسن…اشتقتك جداً…تعبت من وحدتي دونك…يظنونني قوية ولا يعلمون…لا يعلمون أنك أنت كنت قوتي كلها…قوتي التي لم يبقَ منها سوي قشرة زائفة ستنهار مني قريباً لأسقط….
غلبتها دموعها ساعتها من جديد لتنتحب هامسة بانهيار:
_نعم سأسقط يا حسن…ولن أجد ذراعيك يسندانني ككل مرة…لقد صرت وحدي…وحدي دونك ولو التفت الدنيا كلها حولي!!!
وضعت كفها علي شفتيها تحاول تمالك انهيارها للحظات….
ثم اندفعت -كعادتها- تروي له كل تفاصيلها وما حدث معها طيلة الشهر…
كأنه هنا معها…
تماماً كما كانت تفعل عندما كان على قيد الحياة!!
مضي بها الوقت سريعاً وهي غارقة في حديثها الهامس الغريب معه…
حتى انتبهت لقرب غروب الشمس…فتنهدت بحرارة لتهمس بحنان:
_سأضطر للانصراف الآن لكنني سآتيك في موعدي الشهر القادم.
قالتها وهي تهز رأسها في أسف…
ثم خرجت من المقابر لتتجه نحو سيارتها التي استقلتها لتعود لمنزلها…
لكنها فوجئت بسيارتين تقطعان عليها الطريق !!!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ماسة وشيطان)