روايات

رواية ماسة وشيطان الفصل التاسع 9 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الفصل التاسع 9 بقلم نرمين نحمد الله

رواية ماسة وشيطان الجزء التاسع

رواية ماسة وشيطان البارت التاسع

ماسة وشيطان
ماسة وشيطان

رواية ماسة وشيطان الحلقة التاسعة

فتحت ماسة باب غرفتها فتحة صغيرة تتأكد من خلو الرواق…
السيد عاصي الآن مع السيدة حورية في غرفتها كما اتفقا…
فقد استدعته حورية زاعمة أنها تريد التحدث معه في أمر خاص حتى تلهيه عن تفقد ماسة في هذا الوقت…
حملت حقيبة صغيرة وضعت فيها أشياءها الضرورية فحسب حتي تكون سهلة الحركة…
ثم هبطت الدرج بسرعة…
حتى توجهت لباب خلفي مهمل من الحديقة دلتها السيدة حورية عليه…
وأخبرتها أنه بلا حراسة لأنه لا أحد يعلم عنه شيئاً…
فتحت ماسة الباب القديم بصعوبة…
فقد كان قفله صدئاً من قلة الاستخدام…
لكنها عندما تمكنت من فتحه وجدت السيارة التي أوصت بها دعاء تنتظرها قريباً منه…
ركبت السيارة بسرعة لتأمر السائق بالانطلاق…
لا تصدق أنها أخيراً خرجت بقدميها من هذا السجن!!!!
وفي غرفة حورية كان عاصي واقفاً يسألها ببرود:
_لماذا أرسلتِ في طلبي؟!!
تلاعبت أناملها بطرف الفراش تخفي ارتباكها ثم سألته بتردد:
_لماذا تريد الزواج بعد كل هذه السنوات التي كنت ترفض فيها هذا الأمر؟!! ولماذا ماسة بالذات؟!!
التمعت عيناه ببريق قاسٍ كعادته ثم قال بغموض:
_السبب الذي كان يمنعني من الزواج قد زال.
هزت رأسها في عدم فهم…
فأشاح بوجهه عنها لتعلم أنه لن يمنحها المزيد من التفاصيل…
لكنها عادت تسأله بإلحاح:
_ولماذا ماسة ؟!!
عاد ينظر إليها طويلاً نظرة لم تفهمها…
ثم قال باقتضاب:
_تناسبني!!
أطرقت برأسها للحظات…
وهي عاجزة عن فهمه كعادتها…
طوال هذه السنوات كان عاصي الرفاعي لغزاً كبيراً…
ولا يزال…!!!!!
رفعت عينيها إليه لتراه يحدق فيها بنظرة متوعدة….
فازدردت ريقها بتوتر ثم همست بخوف واضح:
_صدقني…الأمر بيني وبين عدنان لم يكن..
كز علي أسنانه لتقسو ملامحه بشكل مخيف…
ثم اقترب منها ببطء حتى صار قبالتها فانحنى فجأة ليقبض على عنقها هامساً :
_منذ متي تجرؤين على ذكر اسمه على لسانك؟!!!
شهقت بعنف وهي تشعر بالرعب يخنقها فهمست بصوت مختنق حقيقة لا مجازاً:
_ألم تقل أنك …قتلته…هل…هل تغار…من …رجل …ميت؟!!
رفع كفه عن عنقها أخيراً فتنفست الصعداء…
ثم ابتسم ابتسامة قاسية وهو يهمس باحتقار:
_أغار؟!!! عاصي الرفاعي لا يغار على امرأة مثلك!!!
أشاحت بوجهها ودموعها تتساقط رغماً عنها على وجنتيها وسط أنفاسها اللاهثة…
لن تكترث بعد الآن بإهاناته فهذا هو أهون ما ستلاقيه…
ومن يدري…؟!!!!
ربما كان سينتظر حتى تضع مولودها ثم يقتلها هي الأخري…!!!!
ليته يفعل…!!!!
هي حقاً لم تعد تهتم…
هذه حياة ليست كالحياة…
بل كل يوم لها معه هو موت متجدد!!!
هي لا تريد رؤيته …
ولولا اضطرارها لمساعدة ماسة بهذه الطريقة لما فعلتها….
لهذا عادت ببصرها إليه من جديد هامسة بضراعة:
_اتق الله يا عاصي…أنت تعلم جيداً من فينا الظالم …ومن المظلوم.
فابتسم ساخراً في مرارة لم تخطئها عيناها…
لينقبض قلبها بعنف…
هذه هي المرة الأولي التي ترى فيها المرارة في عيني الشيطان…
لم يستطع السيطرة على شعوره بالألم هذه المرة…
لحظة واحدة خانته عيناه فيها…
لكنها تكفيها!!!!
تكفيها لتنتقم من كل هذه السنوات التي قضتها معه…
لحظة واحدة من المرارة الممتزجة بألمه ليست هينة…
إنه عاصي الرفاعي!!!!
أطرقت برأسها وهي تشعر بمزيج من المشاعر…
لا تستطيع توصيفها…
لترفعه بعدها في ذعر وهي تسمع صوت باب الغرفة الذي صفقه خلفه بقوة قبل أن يغادرها ….
وكأنه ما عاد يرغب حتى في مجرد الكلام معها!!!!!
====
شردت ماسة بأفكارها طوال الطريق لا تدري إلى أين ستذهب…
النقود التي معها لن تكفيها طويلاً…
لكنها ستحاول تدبر عمل قريباً…
المهم الآن أنها تخلصت من زواجها الكارثي هذا!!!
تنهدت في حرارة ثم مدت يدها إلى عنقها لتعود خائبة!!!
سلسلة عزيز لم تعد مكانها…
لكن من يدري…؟!!!
ربما كان هذا هو الأفضل…
لن تعود ضعيفة تستمد قوتها من أحد سوى نفسها…
حتى لو تخلى الجميع عنها …
لن تنكسر …
هذا هو قسمها لنفسها!!!
وكأنما منحتها فكرتها الأخيرة بعض السلام…
فاستسلمت للنوم حتى استيقظت بعد قليل لتشعر بالسيارة وقد توقفت…
تلفتت حولها في دهشة لتجد نفسها فيما يشبه ميداناً كبيراً بمدينة ما…
نظرت إلى السائق تسأله بفضول:
_أين نحن الآن؟!!
لم يرد السائق عليها لكنها فوجئت به يلتفت محدثاً أحداً ما خارج السيارة:
_حسناً يا سيدي…تماماً كما أمرت.
التفتت لمحدثه بحركة تلقائية…..
عندما فُتح الباب الذي جوارها وأمامه كان هو واقفاً يقول ببروده القاسي:
_انتهت الرحلة…لقد وصلتِ!!
======
ترجلت من السيارة وقد تعلقت عيناها بعينيه فما استطاعت الفكاك كعادتها…
كادت دموعها تخذلها لكنها تذكرت قسمها لنفسها فقالت بصلابة :
_دعني وشأني وإلا صرخت وجمعت المارة في الطريق.
عادت غابات الزيتون تشتعل بلهيبها الثائر وهو يهمس ببطء:
_جربي وافعليها!!
تلفتت حولها باستنجاد صامت…
لكنها كانت تعلم أن أحداً لن ينقذها من بطشه…
شئٌ ما بعينيه أخبرها أنها صارت له…
وانتهي الأمر!!!
جذبها من كفها ليصعد معها بناية ما…
ثم توقف معها أمام مكتب علقت عليه لافتة”مأذون شرعي”!!!
فشهقت بعنف وهي ترى الأمر يتطور بسرعة…
ثم التفتت إليه قائلة بقوة حقيقية:
_لو كنتَ عاقلاً بما يكفي لما تزوجت امرأة رغماً عنها…قد أكون فشلتُ في الهرب هذه المرة….لكنني لن أكف عن المحاولة…سأظل أهرب منك ما حييت…وسأنجح يوماً صدقني.
التمع الإعجاب بعينيه لحظة…
لكنه عاد يختفي وراء غيوم غموضه الداكنة…
وهو يقول بثقة:
_افعليها كما تشائين…وأعدكِ أن أعيدكِ في كل مرة كما اليوم!!
هزت رأسها بيأس وهي تسأله :
_كيف علمت عن هروبي؟!
ابتسم ابتسامته الجانبية وهو يجيبها بلهجته المسيطرة:
_تظنين أن شيئاً بقصري قد يخفى عني؟!!! أم تظنين أن تمثيلية السيدة حورية التي طلبت لقائي فجأة قد انطلت عليّ…؟!!!
ازدردت ريقها بصعوبة هامسة بكذب واضح:
_السيدة حورية لا شأن لها.
اتسعت ابتسامته الجانبية وهو يدرك دفاعها السريع عن حورية…
ليهمس ببرود خالطه بعض الإشفاق الذي لم تفهمه هي:
_بريئة أنتِ يا ماسة…!!
نزعت كفها من كفه وهي تقول بانفعال:
_لا تظنني فتاة ضعيفة سترضخ لجبروتك…أنت لا تعلم ماذا واجهتُ في حياتي…ضربات القدر التي لم تقتلني زادتني قوة.
اختفت ابتسامته بسرعة كما ظهرت وهو يقول بلهجته المسيطرة:
_وأنا لا أريدكِ ضعيفة…بل أريد قوتكِ هذه!!
أشاحت بوجهها في مرارة حقيقية وهي تغمغم :
_هل تفعل هذا لأنني نوع مختلف عمن عرفت ؟!!! امرأة وقفت في وجهك وقالت لا!!! هل تريد كسري بهذه الطريقة؟!!! لو كان هذا فقط ما يعنيك فسأعتذر لك وأشهد لك بأنك رجلٌ عظيم لا يُقهر…لكن دعني أرجوك…أنت لا تعلم كم عانيتُ لأهرب بنفسي وأستعيدها ثانية….لن أقبل بسجن جديد…
نظر إلى عينيها طويلاً يراقب بحار الفضة التي التمعت ببريق الدموع…
ثم همس ببطء:
_وما يُدريكِ ؟!!! لعل هذا السجن الذي تتحدثين عنه سيكون هو الفضاء الشاسع الذي ستحلق فيه روحكِ كما تحلمين؟!!
هزت رأسها وهي تهمس بعجز:
_بماذا تحاول أن تقنعني؟!!! أنا…
قاطعها بإشارة من يده…
ثم قال ببطء وبكلمات بدت وكأنه عدّها عداً:
_أنتِ لم تستعيدي نفسكِ بعد كما تظنين…أنتِ فقط لملمتِ شظاياها المكسورة…وأنا واثقٌ من قدرتي معك علي إعادتها كما كانت…
نظرت إليه مأخوذة بهذا اليقين الذي يتحدث به…
لماذا يقول هذا؟!!
هل من المعقول أنه قد أحبها؟!!!
لا…غير معقول…
عاصي الرفاعي لا يعرف الحب…
لو كان يعرفه لكان أولي أن يمنحه لامرأته…
إذن لماذا يصر عليها هي هذا الإصرار…؟؟!!!
لمجرد أنها لقيطة ضعيفة بلا أهل ولا سند ستترك له ابنها -المفترض-وترحل ؟!!!
ربما…ربما يكون هذا هو السبب…
لكنه يمكنه العثور علي كثيرات مثلها بنفس الظروف…
فلماذا هي بالذات؟!!!
تشبثت بآخر خيط مقاومة وهي تستنفر نخوته قائلة بمزيج مدهش من القوة والضراعة:
_سيد عاصي…أنا لا أخون…ولا يمكنني أن أفعل….لو تزوجتك فسأخون عزيز معك بجسدي وأخونك معه بقلبي…فهل ترضاها؟!!
أشاح بوجهه للحظات …
ثم عاد يلتفت إليها قائلاً ببرود:
_هل تعلمين أنني لم أصبر في حياتي علي جدالٍ مع أحد مثلك؟!!
انتعش بعض الأمل في صدرها فهمست بنفس اللهجة :
_لأنك تعلم أنني علي حق!!
هز رأسه نفياً ثم قال بثقة:
_بل…لأنني أشفق عليكِ…أنتِ لازلتِ لا تدركين حاجتك الحقيقية…تلهثين خلف سراب…وتظنين أنك شهيدة…لكن الحقيقة أنكِ مجرد غافلة جديدة سيدهسها قطار لا يعرف الرحمة…قطار اسمه وهم الحب…
كادت تعترض لكنه أشار إليها بكفه ليردف بلهجة أكثر قسوة:
_الحب هذا ليس سوي وهم يسقط عند أول احتكاك بالواقع…
أطرقت برأسها وقد شعرت أن هذا الحوار استنزفها تماماً…
لم تعد تعرف ماذا تفعل…
كيف يمكنها أن تقف في وجه جبروته وهي وحدها تماماً في هذه الحياة..؟!!!
ربما لو كانت نجحت في الهرب منه لكانت لها فرصة…
لكنها الآن تشعر أنه لم يعد لها مصيرٌ سوي الزواج منه…
هو أفضل بدائلها الآن وهي عاجزةٌ أمامه….
بلا أهل ولا بيت ولا مال!!!!
همس باسمها فرفعت إليه سهاماً مشتعلة من الفضة أضرمت النيران في غابات زيتونه…
ليقول هو بعدها ببرود مشتعل لا يجيده مثله:
_لن تخوني أحداً منا يا ماسة…أعدكِ وعداً لا يقبل الجدل أن أقتلع جذوره من قلبكِ قبل أن تكوني كاملة لي!!
قالها ثم عاد يتناول كفها بتملك ليتوجه بها نحو الباب فيرن الجرس …
وقد كان هذا آخر ما وعته قبل أن تغيب أفكارها في متاهات مضطربة ..
لا تكاد تصدق كل هذا الذي يحدث…
حتى خرجت من مكتب المأذون وهي شبه واعية….
هل هذا حقيقي؟!!!
هل صارت حقاً زوجة عاصي الرفاعي؟!
================
ركبت معه سيارته عائدين للقصر وهي تشعر بالغضب…
الغضب من نفسها قبله!!!
كيف سيطر عليها حتى تم الأمر هكذا بهذه البساطة…؟!!!
لماذا لم تصرخ…؟!!!
لم تبك…؟!!!
لماذا لم تعدُ هاربة …؟!!!
ألأنها كانت تدرك أن كل هذا عبث؟!!!!
وأن عاصي الرفاعي سينالها حتماً في النهاية؟!!!
أم لأنها شعرت ببعض الأمان في وعوده؟!!!
أمان؟!!!
مع عاصي الرفاعي؟!!!
الشيطان؟!!!
آآآآه…
تأوهت سراً وهي تتذكر آخر مرة شعرت فيها بهذا الشعور…
أيام كانت في حضن رحمة وحب عزيز يملأ عينيها وقلبها…فترى غدها معهما كل الأمان!!!
رمقها عاصي بنظرة جانبية ثم تناول “شيكا” من” تابلوه “سيارته أعطاه لها قائلاً بحزم:
_مهرك!
نظرت إليه بصدمة للحظة …
ثم أشاحت بوجهها قائلة:
_لا أريد!
ابتسم ابتسامته الجانبية ليقول وكأنه يتوقع ردها:
_ألا تقرئين قيمته أولاً؟!!!
التفتت إليه بحدة لتهتف بقوة :
_لو كنت أهتم بالمال لكنت وافقت على هذه الزيجة من البداية…أنا تربيت فقيرة…لكن أمي علمتني كيف أقنع بما في يدي ولا أطمع بما ليس لي.
اتسعت ابتسامته الجانبية وهو يضع الشيك جوارها على المقعد…
ثم عاد يركز بصره على الطريق أمامه دون أن ينظر إليها …
قبل أن يقول باقتضاب:
_أعرف!
ظلت ترمق جانب وجهه بدهشة للحظات…
ثم سألته برهبة:
_لماذا أشعر أنك تعرف أمي وعزيز؟!!!
التفت إليها أخيراً لتشتعل غابات زيتونه من جديد وهو يقول بنبرته المسيطرة:
_كل شئ عنك يا ماسة …كل شئ.
نظرت إليه بشك ثم أطرقت برأسها تفكر….
لماذا يبدو هذا الرجل وكأنه يعرف تاريخها كله…؟!!!
بل إنه يؤكد على هذا!!!!
من أين يعرفها؟!!!
ولماذا تزوجها؟!!!
ولماذا يجعل الأمر يبدو لها وكأنه يساعدها بهذه الزيجة؟!!!!
لن تنسى يوم قال لها أن الغريق لا يستأذنه أحد قبل أن ينقذه…
هو يراها غريقةً إذن!!!
ويظن نفسه المنقذ؟!!!!!
ظلت تفكر في الأمر لدقائق عجزت فيها عن استنباط أي شئ…
فعادت تنظر لجانب وجهه تسأله بترقب:
_هل كنت تعرفني قبل أن آتي إلى هنا؟!!
ظل صامتاً للحظات وصل فيها ترقبها لذروته…ثم قال دون أن ينظر إليها:
_ليس بالضبط…لكنني كنت أعرف عنكِ كل شئ!!!
ازدردت ريقها ببطء ثم عادت تسأله:
_أنت كنت تخطط للزواج مني؟!!
ظل يخبط بكفه علي مقود السيارة للحظات في نغمة رتيبة…
ثم فجر مفاجأته القادمة:
_لا…اتفاقي مع السيد شاكر كان أن أحضركِ فقط إلى القصر لتعملي لفترة مناسبة!!!
اتسعت عيناها في ارتياع وهي تضع كفها على شفتيها….
ثم همست بذهول:
_السيد شاكر…والد عزيز؟!!!!
أومأ برأسه ثم قال باقتضاب:
_أحد شركائي في تجارتي
أطرقت برأسها وقد ملأت الدموع عينيها وهي تشعر بالقهر والإهانة…
والد عزيز أراد التخلص منها حتى يزوّج ابنه من الفتاة التي يريدها…
تعامل معها كأنها أحد المجرمين الذين يجب نفيهم…
ولم يجد أفضل من قصر الشيطان ليكون منفاها!!!!
مسحت دموعها بسرعة بحركة خاطفة كي لا يراها…
لكنه اختلس نظرة جانبية إليها ليلمح بكاءها الصامت….
فاحترم صمتها للحظات…
حتى وجدت هي صوتها أخيراً لتهمس بسخرية مريرة تقطر ألماً:
_لم يكن يعلم أنني أنا التي اخترت الابتعاد؟!!!!كان يظنني وباءً يخشى أن يصيب ابنه…صحيح؟!!!!
قرأ مشاعرها المقهورة في نبرات صوتها الذبيحة…
فرفع كفه من على مقود السيارة ليتناول كفها بقوة مسيطرة دون أن ينظر إليها…
ثم قال برفقٍ غريب على صوته القاسي:
_ولماذا لا تقولين أنه شعر بقوة تأثيرك ؟!
هزت رأسها بلا معني ثم همست بخفوت:
_وعزيز بالطبع لم يكن يعلم!!
ابتسم ساخراً وهو يضغط كفها بكفه أكثر في إشارة واضحة لسيطرته …
ليقول بعدها بتهكم:
_وهل تظنين علمه كان سيشكل فارقاً؟!!!
التفتت إلى جانب وجهه تنظر إليه بتشتت…
فالتفت إليها بدوره يلتقط نظراتها الضائعة ليأسرها في متاهات عينيه من جديد…
قائلاً ببطء وهو يضغط علي حروف كلماته:
_متى ستدركين أنه كان أضعف من أن يكمل معك طريقك الصعب؟!!
أومأت برأسها ثم أغمضت عينيها تحاول استيعاب جرحها في هذه اللحظة…
ثم ذبحتها فكرة أن يعلم عزيز عن زواجها…
هي تعرف كم سيؤلمه هذا…
بل سيمزق قلبه!!!
فهمست بقوة غريبة في موقفها هذا دون أن تفتح عينيها:
_لا تجعل السيد شاكر يخبره عن زواجنا…لقد انتهت حكايتنا…لا داعي لختمها بجرح جديد!!
ضغط كفها بين راحته ففتحت عينيها تنظر إليه …
ليشعر ببحارها الفضية تلتمع بأمواج رجائها وهي تهمس:
_هل تعدني بهذا ؟!!
ظل مأسوراً بأمواجها الماسية للحظات …
ثم سألها بلهجة غريبة :
_وهل تصدقين وعودي؟!!
أسبلت جفنيها لتهمس بعجز:
_وهل أملك غير هذا؟!!
أوقف السيارة فجأة علي جانب الطريق…
فتلفتت حولها في دهشة…
ثم نظرت إليه بتوجس فاقترب بوجهه من وجهها حتى شعرت أن العالم كله قد اختُزل في غابات زيتونه فحسب…
ليقول بنبرة مؤكدة:
_عاصي الرفاعي قلّما يمنح وعداً لأحد…لكنه إذا فعل فلا يخلفه أبداً!!
دق قلبها بعنف وهي تشعر به يسيطر عليها بقوة..
كفه الذي يضغط على كفها…
وعيناه اللتان احتلتا الكون فجأة…
ونبرات صوته التي تغزو أذنيها بقوة لتخترق رأسها فتدوخها…!!!
لكنها مع هذا همست بصلابة أثارت إعجابه:
_إذن عِدني…وسأصدقك.
ابتسم وهو يومئ برأسه…
فأطرقت برأسها لتنتبه ل”الشيك” الموضوع جوارها على المقعد منذ كان يحدثها عنه…
فتناولته لتعطيه له قائلة بحزم يروقه حقاً:
_خذ يا سيد عاصي لا أريده…المهر تأخذه عروس راضية وأنا لست براضية.
التمعت عيناه ببريق عجيب ثم فتح راحتها ليضع فيها “الشيك” ثم يطبق راحتها عليه قائلاً بلهجته المسيطرة:
_المهر تأخذه عروسٌ تستحق…وأنتِ تستحقين!!
أشاحت بوجهها فأدار وجهها إليه قائلاً بلهجة آمرة:
_افتحيه واقرئي قيمته.
تنهدت في استسلام ثم فتحته لتتسع عيناها في ذهول من الرقم الضخم المكتوب عليه…
التفتت إليه بصدمة واضحة وهي تغمغم باضطراب:
_لماذا كل هذا؟!
ابتسم ابتسامته الجانبية ثم أعاد تشغيل السيارة لينطلق بها…
قبل أن يقول بلهجته الغريبة ودون أن ينظر إليها:
_هل تستهينين بماسة؟!!!
===================
وصل بها إلى مدخل قصره فأوقف سيارته ثم قال دون أن يلتفت إليها:
_سنقيم احتفالاً صغيراً للإشهار الليلة في حديقة القصر….ستجدين كل ما يلزمكِ في غرفتكِ…
ابتسمت بسخرية مريرة وهي تهمس:
_دوماً تسيطر على كل التفاصيل!
أطرق برأسه للحظة ثم عاد ينظر للأمام قائلاً:
_لو لم أكن هكذا …لما وصلتُ لما أدركتُه في عمري هذا.
أشاحت بوجهها دون أن ترد…
ليصلها صوته المسيطر :
_لا أريد أي خطأ في حفل الليلة….استعدي للزفاف جيداً.
شهقت بعنف وهي تلتفت إليه هاتفة باستنكار:
_زفاف؟!!!كنت أظن…أقصد…
تلعثمت عبارتها وهي لا تدري كيف تكملها…
فأطرقت برأسها وهي تشعر بأنفاسها تتلاحق كعادتها عندما تنفعل…
لكنه بدا غافلاً عن مقصدها وهو يقول ببرود:
_غرفتي لا يدخلها أحد…حتى السيدة حورية كانت لها غرفتها …وكذلكِ أنتِ…عندما أريدكِ سآتيكِ أنا.
فتحت باب السيارة بعنف وهي تشعر بنفسها عاجزة عن احتمال كل هذا….
فناداها بحزم ثم قال ملوحاً بسبابته:
_لا أخطاء الليلة…الحفل سيحضره نخبة القوم.
أومأت برأسها في اقتضاب ثم عادت لغرفتها تكاد تعدو…
تناولت بخاخها بسرعة لعل صدرها يعود لسكونه…
ثم جلست على طرف فراشها تتحسس الثوب الموضوع عليه…
ثوب شديد الفخامة والرقي…
لو كان الأمر بيدها لما اختارت ثوباً مثله…
هي تميل للبساطة وهذا الثوب شديد البذخ بالنسبة إليها…
بل هو قطعاً لا يناسبها…
لكن لم العجب؟!!!!
الواقع أن هذه الزيجة كلها لا تناسبها …!!!!
خفضت بصرها أرضاً لتري الحذاء الأنيق الذي كان هناك…
مدت قدمها تجربه لتجده مناسباً تماماً لقياسها!!!!
ابتسمت بسخرية وهي تخلعه بعنف لتتجول ببصرها على كل هذه الأشياء التي وجدتها…
بداية من مستحضرات التجميل المتنوعة وزجاجات العطر الباذخة…
والحقائب المكدسة التي لم تفتحها لكنها علمت -بحدسها-ما تحتويه…
لكن ما أسر عينيها للحظات كانت “طرحة الزفاف” التي استلقت كعروس متدللة على ظهر أحد الكراسي..
توجهت نحوها ببطء كالمسحورة تتلمسها بأناملها ثم دمعت عيناها بقوة…
ثوب زفاف وطرحة زفاف وليلة زفاف…
بلا عزيز…وبلا رحمة!!!!
تشبثت أناملها بظهر الكرسيّ لتتهاوى جالسة مكانها على الأرض …
ثم همست بشرود تحدث نفسها حديثاً تثق الآن أن لا أحد سيكون معها ليقوله لها:
_لا بأس يا ماسة…لا بأس….لن تضعفي…ولن تنكسري…أنتِ قوية بنفسكِ…لا بأي أحد…
==========
لم تكن تعي أي شئ مما يدور…
كل هذا عبث…!!!
ضوضاء وضجيج وأناس يبتسمون ونساءٌ يثرثرن …
غمزات وهمزات ونظرات تتراوح بين الاستنكار والحسد والفضول…
كيف يتزوج عاصي الرفاعي من فتاة صغيرة كهذه وبلا أصل معروف في مدينتهم الصغيرة…؟!!!!
ولماذا يتزوج الآن بعد أن عوضه الله بحمل زوجته وهو الذي ظل عازفاً عن الزواج طيلة هذه السنوات بلا إنجاب؟!!!
وكيف تم الأمر بهذه السرعة؟!!!
ولماذا هي بالذات؟!!!
كل هذه الهمزات كانت تسمعها في الخفاء من النسوة اللاتي التففن حولها يدّعين الفرح ويتملقنها في الظاهر…
لكنها لم تكن تهتم…
كانت تشاهد الأمر من بعيد وكأنه لا يعنيها…
هذه العروس ليست ماسة…
ماسة هناك عند رحمة…تحلم بفارسها عزيز الذي يعشقها وسيأتي ليحملها على حصانه نحو عالم الحب…!!!!
نفضت رأسها بقوة وهي تغالب دموعها…
وقلبها يكاد يصرخ بداخلها خوفاً واشتياقاً…
أمام صوت عقلها الذي كان ينهرها بقوة…
أفيقي من الحلم أيتها الماسة المخدوشة…
عزيز لم يعد فارسك…
لقد كبا به حصانه فسقط من فوقه …
تماماً كما سقط الآن من حياتكِ كلها…
عالم الحب صار محرماً على من هي مثلكِ…
فاقنعي بتصاريف القدر…
ولا تضيفي لخدوشكِ واحداً جديداً!!!!
كانت هذه أفكارها وهي تري كما يرى الحالم ظل عاصي يتقدم ليتأبط ذراعها كما العادة…
ثم تبدأ طقوس واحتفالات لم تكن تدرك منها سوى صوت الضجيج…
حتى انتهي كل هذا بصعوده معها إلى غرفتها ثم دخولهما وإغلاقه الباب!!!
هنا التفتت إليه من شرودها لتنظر إليه نظرة غريبة هامسة بعدم تصديق:
_هل…انتهى الأمر؟!!
اعتقل نظراتها كعادته بقوة نظراته الجبرية ثم قال بلهجته المميزة:
_بل بدأ!!
أطرقت برأسها أخيراً بعدما استعادت بعض تماسكها وهي تقبض أناملها بقوة…
والآن ماذا بعد؟!!!!
رغم كل ما حاولت دعم نفسها به…لكنها لازالت تشعر بالخوف…
هل كتب عليها القدر أن تُغتصَب مرتين؟!!!
لكن هذه المرة بغطاء شرعي!!!!
ارتجف جسدها للفكرة فأحاطت جسدها بذراعيها تلتمس بعض الدعم….
لكنه قرأ أفكارها كعادته فاقترب منها قائلاً بلهجة أكثر رفقاً:
_ألم أخبركِ أنكِ لن تخوني أحدنا؟!!! لن أمسّكِ حتى أنتزعه من قلبك.
رفعت عينيها إليه بحذر فقال باقتضاب:
_تصبحين علي خير.
اتسعت عيناها بدهشة للحظة وقد أربكها رد فعله…
هل سيتركها حقاً؟!!!
لكنه منحها إجابة سريعة عندما أعطاها ظهره ليخرج مغلقاً الباب خلفه!!!!
================
جلس راغب في غرفة الصالون الخاصة بمنزل عبدالله ينتظر قدومها بفارغ الصبر….
كم تمنى هذه اللحظة منذ زمن بعيد …
ربما منذ أول مرة رآها فيها لتسحره ملامح وجهها التي جمعت براءة الطفولة بفتنة النساء….
اختلس نظرة جانبية لوالدته التي كانت تتهامس مع هيام ….
ثم مط شفتيه في استياء وهو يفكر…
هيام لن تغفر له عزوفه عن الزواج من شقيقتها وإصراره الشديد على رؤى…
لكن والدته طيبة القلب…
ستحب رؤى عندما تتعامل معها…
فهي أولاً وأخيراً لا تعنيها إلا سعادته!!!
قطعت أفكاره عندما دخل عبد الله ليصافحه من جديد هو وشقيقه بترحاب ظاهر …
وصفا التي اندفعت بدورها لترحب بوالدته وهيام…
جلس مكانه متململاً وهو يطالع الباب بنظرات مختلسة ينتظر قدومها…
حتى انتبه لصوت عبد الله يقول بود ظاهر:
_مرحباً بك يا سيد راغب…سمعتك الطيبة تسبقك في كل مكان…ونسبك شرف لنا.
كاد راغب يرد عليه لولا أن سقط القمر في عينيه فجأة!!!!!
هكذا كان شعوره تماماً وهو يراها تتقدم نحوهم بخطوات خفيفة كفراشة….
وكأن قدميها لا تلامسان الأرض!!!
تعلقت عيناه بها وهو لا يكاد يرى سواها…
لتتشبع حناياه كلها برائحة عطرها الليمونية…
فيخفق قلبه بقوة وهو يتمنى لو يختفي الجميع وتبقي هي وحدها معه!!!!
وتحققت أمنيته بأسرع مما توقع…
فقد تركهما الجميع ليجلسا وحدهما كما اقترح عبد الله حتى يتعارفا أكثر…
أطرقت رؤى برأسها وهي تشعر باليأس يخنقها….
حتى أنها لم تنظر إليه…
لم تكترث أن تتبين شكله فلم يكن الأمر يعنيها…
هي ميتةٌ تسير علي قدمين !!!
الحكاية كلها مسألة وقت…
وستنكشف خطيئتها…
ساعتها سيقتلها عبد الله لو لم يقتلها هذا الرجل بنفسه!!!
للأسف…
قُضي الأمر ولم يعد بيدها شئ..
طوال الشهر الماضي منذ حلت بها تلك الكارثة وهي تحاول العثور على مخرج…
لقد فكرت أن تقوم بإحدى هذه “العمليات الشائنة” التي تلجأ إليها النساء في مثل حالتها…
لكنها تعلم أنها لن تجرؤ…
تخاف تبعات هذا الأمر…
وتخاف أكثر أن يكتشفه عبد الله بأي طريقة فتكون قد عجلت بنهايتها!!!
كما أن -غرضاً آخر في نفسها – يدفعها لتقبل مصيرها كما اقتضته السماء…
لهذا ستستسلم لقدرها…
وليكن ما يكون!!!
كفاها خداعاً!!!
وأمامها كان هو مأخوذاً بمشاهدتها بهذا القرب…
طافت عيناه على ملامحها التي يحفظها حتى توقفت على طابع الحسن الذي يشق ذقنها…
ابتسم رغماً عنه وهو ينتبه له لأول مرة…
كم يليق بها طابع الحسن….وكم تليق به!!!
لو لم تحمل رؤي طابعا للحسن فمن في النساء تستحقه؟!!!
فسّر صمتها الطويل بخجلها فتنحنح قائلاً بصوته الخشن:
_كيف حالك؟!!
رفعت عينيها إليه أخيراً ترمقه بنظرة خاطفة…
لتشعر بارتياح غريب نحوه….ملامحه -رغم خشونتها-بدت لها مألوفة…
فسألته بدهشة :
_هل التقينا من قبل؟!
ابتسم وهو يملأ عينيه من ملامحها كظمآنٍ ينهل من بئر ماء ثم قال بنفس الطريقة المتحفظة:
_أنا كنت أشاهدكِ في طريقك للجامعة …أنتِ تمرين على ورشتي تقريباً كل يوم!!
أومأت برأسها ثم عادت تخفض بصرها عنه…
همس باسمها وهو يشعر أنه يتلذذ بحروفه التي ينطقها أمامها لأول مرة …
فعادت ترفع إليه وجهها بنظرات تائهة…
ليردف بصوته الخشن:
_أنا لا أجيد الكلام المنمق كباقي الشباب….لكنني أعدكِ أن أفعل كل ما بوسعي لأسعدكِ.
ازدردت ريقها ببطء ودمعت عيناها رغماً عنها….
لكنه لم ينتبه لهذا وهو يردف بنفس النبرة المتحفظة:
_حياتي كلها ستكون مقسمة بين عملي وعائلتي…وأنتِ بالطبع…. لو وافقتِ علي إتمام الأمر!
تهدج صوته في عبارته الأخيرة واشياً بخشيته من رفضها….
لكنها أطرقت برأسها وهي تزم شفتيها بقوة كي تكتم دموعها…
ليس لي حق القبول أو الرفض يا راغب…
لقد قضى عبد الله بحكمه وانتهي الأمر…
ترى كيف ستكون نهاية قصتي معك…؟!!!!
أنت ستكون القاضي والجلاد…
وأنا حتماً سأكون المتهم…
متهمٌ ستثبت حتماً إدانته …
وستطبق عليه أقصى عقوبة!!!!!!
وأمامها كان هو يجاهد للحفاظ علي تحفظه الظاهر…
مع دقات قلبه التي كانت تتواثب بجنون…
لقد أكّد له هذا اللقاء ما كان يشعر به دوماً…
هذه الفتاة -الليمونية-كما ستحلو له تسميتها من الآن هي توأم قلبه…
ونصفه الآخر الذي سيكتمل به عمره…
وكم سيكون محظوظاً به!!!!
=========
وقفت صفا تراقبه خفية وهو يصلي بخشوع…
لتدمع عيناها عندما ختم صلاته ثم جلس متربعاً ليرفع كفيه للسماء هامساً بصوت متهدج:
_تبتُ يارب…فردني إليك رداً جميلاً…واحفظ عليّ نعمتك.
مسحت دمعتها الخائنة من على وجنتها…
ثم مدت بصرها نحو حاسوبه الذي رفعه بعيداً فوق خزانة ملابسه…
وكأنه يبعده عن متناول يده كي لا يضعف من جديد…
إنها تشعر أن عبد الله قد تغير منذ ردها إليه بعد طلقتهما الثانية…
صار أكثر حنوّاً ورفقاً معها…
وكأنه أدرك أنه لم تعد لهما معاً سوى فرصة واحدة…
ويسعى بكل طاقته لاستغلالها!!!
تقدمت نحوه مبتسمة ثم جثت علي ركبتيها لتكون في مستواه…
قائلة بحنانها المعهود:
_آمين يا شيخ عبد الله…أدام الله عليك نعمه كلها!!!!
قام من مكانه ثم أمسك كفيها ليرفعها إليه هامساً أمام عينيها:
_أنتِ نعمةٌ لن أوفي حق شكرها مهما فعلت.
اتسعت ابتسامتها وهي تتعلق بعنقه هامسة بعشقها اللامحدود:
_أما أنت فلست مجرد نعمة…بل أنت جنتي نفسها.
ضمها إليه بقوة وهو يشعر وكأنما يتشبث بها من ضعف نفسه وهواجسه…
صفا تستحق أن يحارب نفسه من أجله…
أن يصارع كل هواجسه التي تنتابه بشأن علاقته بها….
هي امرأة كاملة وليس ذنبها أنه يرى في نفسه نقصاً…!!!!
رفعت عينيها إليه وهي تهمس بسعادة :
_أنا سعيدة لأجل رؤى…راغب يبدو شاباً مهذباً وسيصونها.
ربت علي ظهرها برفق وهو يقول برضا:
_الحمد لله رب العالمين…أنا سألت عنه جيداً وعلمت أن أخلاقه وطباعه لا غبار عليهما…لهذا تغاضيت عن فرق مستوي التعليم بينهما…لأنه حقاً رجل يعتمد عليه.
أومأت برأسها إيجاباً ثم أسندت رأسها على صدره هامسة بحب:
_أتمني أن تحبه رؤى كما أحبك.
ابتعد برأسه قليلاً ليرفع ذقنها إليه هامساً بمزيج من الامتنان والحب:
_لا أظن امرأة يمكنها أن تعشق مثلك…حب صفا المعموري مميز مثلها…لن تجيده سواها….حب لا يعرف حدوداً ولا غاية…صافٍ مثل صفاء روحها.
ابتسمت في خجل وهي تمرغ وجهها في صدره هامسة :
_حبيبي يا عبدالله…!
تنهد في حرارة وهو يربت على رأسها ثم همس بخفوت:
_هل سامحتِني حقاً من قلبك؟!!!
رفعت وجهها إليه ثم أحاطت وجنته بكفها هامسة بحرارة:
_أنت ابن قلبي كما قلت لي يوماً…مهما أرهقني عصيانك لن أملك معك إلا العفو.
فتناول كفها من على وجنته يقبل باطنه هامساً بصدق:
_صدقيني هذا شعوري أنا الآخر…مهما ابتعدت سُفُني تبقين أنتِ المرفأ الذي أعلم أنني عائدٌ إليه.
==========
_مباركٌ يا دعاء!!!
_ضابط شرطة ؟؟!!! وبهذه الوسامة؟!!! كم أنتِ محظوظة!!!!
_قصة حب ؟!!! أم زواج “صالونات”؟!!!!
_متي سيكون الزفاف؟!!! ستكون الدعوة عامة لنا جميعاً!!!
كانت هذه هتافات زميلاتها في المكتب وهنّ يشاهدن صور حفل خطوبتها على هاتفها المحمول….
بعدما أتيْن يهنئنها على خطوبتها التي تمت بسرعة فائقة كطرفة عين….
حتى أنها لا تزال لا تصدق أن رجلاً مثل حسام خطبها هي!!!!
“الدمية المعيبة” وجدت شارياً ممتازاً حقاً…
تراها محظوظة فعلاً كما يقولون؟!!!
إذن لماذا لا تشعر بالسعادة…؟!!!
قلبها ينزوي بين ضلوعها مكسوراً كطفل يتيم!!!
وعقلها غارقٌ في متاهات متشابكة بخصوص علاقتها بحسام…
حسام الذي يعاملها منذ أول لحظة وكأنها “جنديٌّ” تحت إمرته…
ورغم أنها تفهمت هذا بحكم طبيعة عمله…
لكن ما أدهشها حقاً هو شخصيته المزدوجة…
أمام الناس يعاملها بمنتهي اللطف…ضحكاته مرسومة بعناية كأنه صورة على غلاف أحد المجلات….ثيابه الأنيقة منتقاةٌ بعناية…كلماته شديدة الرقة والرقيّ!!!
لكنه عندما يختلي بها تتغير نظراته لصرامة قاسية مع لهجة مسيطرة قوية لا تسمح لها بأي اعتراض…
بل لا تسمح لها بمجرد إبداء رأي!!!!!
رأي؟!!!!
من يتحدث عن “الرأي” ها هنا؟!!!
وهل تجرؤ من كانت -مثلها-أن يكون لها مع رجل -مثله- أيّ رأي؟!!!!!
تنهدت في حرارة وهي ترتدي قناع مرحها المصطنع كعادتها لترد عليهنّ بسعادة زائفة…
حتى انصرفن إلى مكاتبهنّ…
فجلست هي على مكتبها دون أن تجرؤ حتى على اختلاس نظرة لهذا -المشتعل-على مكتبه جوارها!!!!
لقد قررت أن تتجاهل قلبها وتمضي في طريق العقل حتى النهاية…
ومن يدري؟!!!
ربما يتصالح القلب مع العقل يوماً!!!
قطع معتصم أفكارها وهو يقول ببرود مصطنع:
_مباركٌ يا دعاء!!! تستحقين كل خير!!!
هزت رأسها بلا معني وهي تتحاشي النظر إليه…
فاشتعل غضبه أكثر وهو يسألها بنفس البرود:
_هل أنتِ سعيدة؟!!!
كان دورها هي لتشعر بالغضب هذه المرة وهي تلمح عتاباً خفياً في سؤاله…
علامَ يلومها -هذا – الآن؟!!!
لو كان يملك بعض المشاعر نحوها فلماذا لم يصارحها؟!!!
ماذا كان ينتظر منها؟!!!
أن تتقدم هي لخطبته؟!!!
ألا يكفيها صراعها الحالي بين قلبها وعقلها؟!!
فيزيده هو بعتابه -الصامت-هذا؟!!!!
وبهذه المشاعر المشتعلة التي تملؤها وجدت نفسها تهتف بحدة غير مبررة:
_نعم…سعيدة…سعيدة بأكثر مما يمكنك تخيله…!!
اتسعت عيناه بدهشة للحظة…
لم تلبث أن تحولت لغضب شديد…
فقام من على مكتبه وهو يهمّ بمغادرته عندما اصطدم بحسام الذي كان واقفاً هناك بحُلّته الرسمية يراقبهما بتفحص!!!
قامت دعاء من على مكتبها وهي تهتف بارتباك:
_حسام…تفضل بالدخول…لماذا لم تخبرني…أقصد…أهلاً بك…
بينما رمقه معتصم بنظرة مشتعلة فابتسم ابتسامة قاسية وهو يمد له يده مصافحاً قائلاً بغرور :
_الرائد حسام!! من المباحث العامة!!
صافحه معتصم ببرود وهو يقول له :
_أهلاً وسهلاً يا “سيادة” الرائد!!! فرصة سعيدة!!
قالها ثم غادرهما بخطوات مندفعة تفضح غيظه…
فاقترب منها حسام ليصافحها بقوة شديدة حتى شعرت بالألم وهو يضغط كفها بكفه ….
ناظراً إليها بتفحص فهمست بارتباك:
_ما الأمر يا حسام؟!! لماذا تنظر إليّ هكذا؟!!!
ابتسم بسخرية قاسية وهو يترك كفها أخيراً ليقول بتهكم:
_وكيف تريدينني أن أنظر إليكِ؟!!
أطرقت برأسها وهي تشعر بالإهانة من أسلوبه المتهكم وسيطرته الفجة…
عندما جلس هو ليقول لها بلهجة آمرة:
_اجلسي!
جلست كما أمرها وهي تتهرب من نظراته القاسية…
ليعود يسألها بتفحص:
_نظرات زميلكِ هذا لم تعجبني… هل هو مجرد “زميل” ؟!
كان يضغط علي حروف كلمته الأخيرة بإشارة ذات مغزي..
فازدردت ريقها بتوتر وهي تعود لقناعها -الواقي-فضحكت وهي تقول بمرح مصطنع:
_هل ستبدأ بالغيرة من الآن يا “حضرة الضابط” ؟!!! هل أعد نفسي لدور- زوجة رجل مهم-؟!!!
ظهر الإعجاب في نظراته للحظة مختلطاً بقسوته المعتادة ليصمت قليلاً…
قبل أن يقول ببطء:
_يعجبني مرحكِ هذا…ضحكتكِ التي تنير وجهكِ …وصوتكِ المزدان بدلاله دون تكلف…
احمرت وجنتاها ببعض الخجل وهي تطرق برأسها ليصدمها بعبارته التالية:
_لكنني لا أحب تهربكِ من الإجابة علي تساؤلاتي؟!!! تَعلّمي أن يكون لديكِ دوماً جوابٌ لسؤالي!!
رفعت إليه عينيها بحذر تتأمل ملامحه الثلجية باستكشاف خائب…
نعم…وجهه الجامد كان كحائط صلب في وجه نظراتها الحائرة…
خاصة عندما أردف بصرامة قاسية:
_أجيبي!!
أشاحت بوجهها وهي تشعر بالضيق من معاملته الجافة الغريبة…
ثم قالت باقتضاب:
_نعم يا حسام.. .مجرد زميل…!!
أومأ برأسه ولازال يتأملها بتفحص…
ثم قال بحزم:
_هيا لنسافر إلى القاهرة…لقد اتفقتُ مع أحد محلات الأثاث هناك…وحجزتُ لنا مكانين على الطائرة.
هزت رأسها بدهشة وهي تسأله:
_سنسافر بالطائرة؟!!الآن؟!!! هكذا؟!! دون أن تخبرني؟!!!
ابتسم بسخرية قائلاً لها ببرود:
_أي اعتراض؟!!!
زاد نفورها من لهجته وأسلوبه المتغطرس…
لكنها لم تجرؤ على الاعتراف بهذا…..
فهمست بخفوت:
_وعملي هنا؟!!
اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول لها بغرور مسيطر:
_لهذا تعمدتُ الحضور بحلّتي الرسمية….مديرك وافق على أن تأخذي بقية اليوم إجازة بمنتهي السهولة.
تنهدت في حرارة وهي لا تدري بماذا يُفترض أن تشعر الآن؟!!!
بالسعادة لأن هذا الرجل -المهيب المُطاع -سيكون زوجها؟!!!
أم بالخوف لأنه من الواضح أنها لن تجد أمانها معه؟!!!
أغمضت عينيها بقوة تتمالك ضعف مشاعرها في هذه اللحظة…
ثم قامت من على مكتبها لتقول باستسلام سيكون دوماً عهدها معه:
_حسناً…كما تريد!!
ركبت معه سيارته وهي تتغافل عنه بالمرئيات التي تتوالى تباعاً بسرعة فائقة على الطريق…
عندما انتابتها نوبة من نوبات شرودها -المَرضية-لتغيب عن إدراكها لبعض ثوانٍ…..
لكنها انتفضت فزعاً عندما أفاقت بعدها على صوته الغاضب جوارها:
_لماذا لم تجيبيني؟!!! أنا ناديتكِ ثلاث مرات!!!
أطرقت برأسها في خجل للحظات …
ثم همست بخفوت:
_تنتابني أحياناً نوبات من الشرود أغيب فيها عن الوعي لقليل من الوقت…لا أشعر فيها بأي شئ…هذا من تبعات مرضي الذي تعرفه.
انعقد حاجباه بشدة للحظات…ثم عاد يسألها باهتمام:
_وهل تنتابك في أوقات معينة؟!!!
هزت رأسها نفياً وهي تهمس بنفس الخفوت:
_ليس لها وقت معين…لكنني أفقد فيها الإدراك …حتى لو ضربني أحدهم فلا أشعر.
أومأ برأسه وهو يسألها بنفس الاهتمام:
_وهل لمرضكِ أعراضٌ أخري ملحوظة؟!!!
ظلت على إطراقها وهي تشعر بالخزي -المعهود-من هذا الأمر لتجيبه باستسلام:
_نوبات التشنج قلت كثيراً بعد انتظامي في الدواء…لكنها تعود على فترات متباعدة.
صمت للحظات طويلة…
ثم قال لها بحزم:
_لن يعرف أحدٌ من عائلتي أو معارفي بأمر مرضكِ هذا…واجهتي الاجتماعية هامة جداً خاصة لرجل في وظيفتي.
ازداد شعورها بالخزي وهي تسمع منه هذا…
لكنها لم تستطع إلقاء اللوم عليه…
أما يكفيها أنه قد قبل بها -علي عيبها-؟!!!
لهذا بقيت على صمتها المستسلم طوال الطريق …
حتى وصلا إلى محل الأثاث…
وكما توقعت تماماً…
لم يأخذ رأيها في أي شئ!!!!
هو الذي كان يختار ويقرر وهي فقط كانت تمنحه إيماءة رأس!!!!
هذا كان كل دورها في هذا الأمر…
وعندما خرجا من محل الأثاث…
فوجئت به يتوجه معها نحو أحد المطاعم القريبة وهو يقول بلهجته المسيطرة:
_سنتناول غداءنا أولاً قبل أن نبدأ رحلة العودة.
سارت جواره بنفس الاستسلام الصامت حتى جلسا على إحدى الموائد …
تلاحقهما الأنظار بمزيج الاحترام والتوقير ل”حُلّة حضرة الضابط” الرسمية!!!!!
تناول قائمة الطعام يتفحصها باهتمام أمام نظرات النادل الذي كان واقفاً جواره باحترام مبالغٍ فيه…
ثم أعطى النادل أوامره بلهجته المسيطرة دون حتى أن يسألها عمّ ترغب!!!!
أطرقت برأسها وشعورها بالخزي والاستسلام يزداد رسوخاً في أعماقها…
لقد حدد “سيادة الرائد” دورها جيداً في حياته…
مجرد دميةٍ حلوة المظهر تليق بواجهته الاجتماعية…
دمية ليس لها حق إبداء الرأي أو الاعتراض…
لكن ما يحيرها حقاً هو لماذا اختارها هي بالذات رغم ظروف مرضها التي يعرفها…؟!!!
ربما لو كان قد عاملها ببعض الحنان والرقة لقالت أن في الأمر بوادر حب…
لكنه يصرّ على معاملتها بمنتهى الغرور والغطرسة…
وكأنه يقمع أي محاولة لها للتمرد أو الاعتراض…
هذا الرجل يبدو وكأنه كان يريد جاريةً يؤدي أمامها دور السيد…
وليست زوجة يحبها ويحترمها…
فما هو دافعه وراء هذا؟!!!
قلبها يخبرها أن رجلاً مثله لن يتقبل -عيب دميته- إلا إذا كان هو يحمل عيباً أكبر…
فماذا عساه يكون؟!!!!

_تبدين في غاية الأناقة اليوم…نحن محظوظون بفاتنة مثلكِ هنا!!!
غمغم بها أحد زملائها في المكتب وعيناه تتفحصانها بوقاحة…
فقامت من على مكتبها وهي تمسك قلمها لتتوجه نحوه…
التمعت عيناه بنظرات مشتعلة يرقب خطواتها البطيئة نحوه بشغف من أسفل إلى أعلى وهو يزدرد ريقه بتوتر…
حتى صارت قبالته تماماً …
لتفاجئه بأن دفعت قلمها بعنف نحو إحدى عينيه!!!
لكنها أوقفته في اللحظة الأخيرة على بعد عدة سنتيمترات منها…
شهق بعنف وهو يتراجع برأسه للخلف…
فلوحت بالقلم أمام عينيه هاتفة بصرامة:
_في المرة القادمة التي ستتجرأ فيها بكلماتك أو نظراتك…لن أتردد عن فقأ عينك هذه!!!
عقد حاجبيه بشدة وهو يرمقها بنظرات ساخطة…
ثم أطرق برأسه متشاغلاً بأوراق العمل أمامه…
وعلى بعد خطواتٍ منهما كان عزيز يراقبهما من خلف نافذة غرفتهما التي تجاور غرفته…
ليبتسم في إعجاب وهو يهز رأسه مندهشاً…
غريبةٌ ميادة هذه…!!!
رغم كل غنجها المتدلل معه تتعامل مع الجميع بطريقة عملية تماماً…
وبرغم ثيابها الكاشفة التي تدفعهم للجرأة معها – كما فعل زميلها هذا الآن- لكنها تعرف كيف توقفهم عند حدهم!!!
لا تبدو له خليعة بطبعها…
بقدر ما تبدو امرأة تعرف كيف تستغل كل إمكانياتها للحصول علي ما تريد!!!!
وهو ليس غبياً أو ساذجاً ليدرك أنها تريده…
تريده كصفقة رابحة تراها…
وليس كأي شئٍ آخر…!!!!
في ظروفٍ أخري ربما كان سيشعر بالفخر لأن امرأة مثلها تسعى خلفه…
لكنه الآن لا يشغل تفكيره سوى ماسة…
ماسته التي تبدو وكأنها تبخرت تماماً…
ولا يعرف عنها أحد أي شئ!!!!
حتى أن رحمة تخلت عن تماسكها -الزائف-بالأمس لتنهار أمامه طالبة منه أن يبحث عنها بأي طريقة…
حتى لو تطلب الأمر إبلاغ الشرطة أو المستشفيات..
وقد كاد يفعل حقاً…
لولا أنه تذكر رسالتها التي أرسلتها إليه رداً علي خاطرته…
قولوا له صارت حبيبتك القديمة دُميةً صمّاء…
من كنت تعشق سحر ابتسامتها…
استكانت للبكاء…
مات الربيع بمقلتيها…
وما أقسي الشتاء!!!
رغم أنها لم تذكر اسمها لكنه عرفها…
وكيف لا يفعل وعباراتها وشت بها…!!!
ابتسم في مرارة وهو يتذكر كم كان يشاكسها بأن عينيها لا تليقان بها…
لونهما الرمادي الذي يذكره بغيوم الشتاء لا يتناسب وربيع روحها الزاهي بألوانه!!!!!
لهذا عرف أنها هي من أرسلتها..
بل يكاد يقسم على هذا…
وهذا ما يطمئنه أنها -على الأقل-بخير…
وأن اختفاءها هو حصاد قرارها الأخير بشأنهما فحسب!!!
تنهد في حرارة وهو يحاول دفع صورتها عن رأسه كي يبتلع حسرته…
ثم توجه بخطوات متثاقلة نحو مكتب ميادة…
ليواجه زميلها هذا هاتفاً بحزم:
_سلّم أوراق عملك لأحد زملائك وبعدها توجه لمكتب شئون العاملين فقد استغنيتُ عن خدماتك.
احمر وجه الرجل خزياً وهو يغادر المكتب دون كلمة إضافية…
فلهجة عزيز الصارمة كانت تعني أنه عرف بما حدث…
وأنه لن يغير قراره!!!
بينما توجهت هي نحوه لتسأله باهتمام:
_لماذا فصلته من عمله؟!!
زفر بخفوت وهو يشيح بوجهه عنها قائلاً:
_لقد رأيت ما كان بينكما منذ قليل.
تأملته بنظرات متفحصة ثم قالت بلهجة عملية:
_ستخيب ظني حقاً لو كنت فعلتها لأجلي لا لأجل العمل.
التفت إليها بحدة…
فأردفت بنفس اللهجة العملية:
_لو كنتُ مكانك لفصلته من عمله لأنه يضيع وقته بلا طائل…وليس من باب المجاملة لصديقتك.
زفر زفرة قصيرة …
ثم هتف بضيق:
_أنتِ لستِ صديقتي يا ميدا…لا أعترف بصداقة بين رجل وامرأة….كفاكِ تشبثاً بأفكاركِ الغربيّة هذه.
ابتسمت ساخرة وهي تتفحصه ليصله صوتها الذي عاد إلي غنجه:
_وماذا أكون إن لم أكن صديقتك؟!!!
أشاح بوجهه ضائقاً فأردفت بنفس النبرة التي تمزج دلالها بسخريتها:
_هذه هي ازدواجية الفكر يا “صديقي” والتي تعانون منها هنا في مجتمعاتكم الشرقية….أنت تخرج معي وحدنا نتنزه ونتحدث ونضحك…ولا أجدك تمانع هذا…أنت تحب الفعل وتكره المسمّي!!!!
صمت لحظاتٍ عاجزاً عن جدالها…
فعادت تقول بلهجتها العملية:
_أما أنا فلا تعنيني المسميات بقدر ما يعنيني أن أفعل ما أحب وقتما أحب وأينما أحب…هذا ما تعلمته في “أميريكا”…البساطة هي أفضل الطرق التي تعيش بها حياتك.
نظر إليها بتعجب مصبوغ ببعض الاستنكار قائلاً:
_أفكاركِ الغريبة هذه هي ما تدفعهم للجرأة معك.
اتسعت ابتسامتها الساخرة وهي تلوح بقلمها هاتفة بلهجة واثقة:
_خطوطي الحمراء لا يتجاوزها أحد….وحدتي الطويلة علمتني كيف أدافع عن نفسي جيداً.
ثم أشارت بالقلم لجانب رأسها مردفة بنفس الثقة:
_إضافةً إلى عقلي الذي يعرف كيف يزن الأمور فلا أخسر أبداً.
ابتسم فيما يشبه الإعجاب وهو يسألها بحذر:
_تثقين كثيراً في عقلك؟!!!
عقدت ساعديها أمام صدرها لتجيبه بابتسامة واثقة وهي تضغط على حروفها ببطء:
_القلب طالما يخذل أتباعه أيها الشاعر….لكن العقل قلما يفعلها!!!!
هز رأسه بحيرة وهو يتفحصها بنظراتٍ طويلة…
يكاد يقسم أنه لم يرَ في حياته امرأة مثلها…
ويبدو أنه لن يفعل…!!!
لا ينكر أنه شديد الإعجاب بمهارتها في العمل…
بل تميزها الواضح فيه…
لكن طريقة تفكيرها تربكه…
يشعر بها وكأنه تخبطه على رأسه بعنف…
ومع هذا لا ينكر انجذابه لها…
لا…
ليس انجذاب رجل لامرأة…
لكنه انبهاره -المعتاد-بما هو غريب ومعقد….
ومن أكثر من هذه المرأة غرابة وتعقيداً؟!!!!!
بينما لاحظت هي تفحصه لها…
فأمالت رأسها بدلال لتقول بلهجة تحدٍ لذيذة:
_نقيضان نحن أيها الشاعر…ومن أشهر قواعد الفيزياء أن الأقطاب المتناقضة تتجاذب.
ضحك رغماً عنه ضحكة قصيرة وهو يهز رأسه قائلاً:
_لكنّ قطارين يسيران متعاكسيْن لا يلتقيان أبداً…
اقتربت منه خطوة …
لتأسر نظراته الزمردية بأمواجها السوداء وهي تهمس مبتسمة بثقة :
_بل يلتقيان في منتصف الطريق…ومن يدري ؟!!! ربما يغيّر بعدها أحدهما اتجاهه ليسير خلف الآخر!!!!
=========
أسندت جنة رأسها على مكتبها وهي تشعر بصداع قوي….
شهر مرّ على انهيارها الغير مسبوق أمامه بعد قبلته الكارثية التي هدمت آخر حصون مقاومتها…
انهيارها الذي غيّبها تقريباً عن وعيها لعدة أيام بعدها حتى بدأت تستعيد صفاء ذهنها تدريجياً….
شهر بأكمله لم يدخر هو فيها جهداً كي يظهر لها اهتماماً وحناناً لا تصدقه…
رغم أنها لا تنكر أنها كانت تحتاجه!!!!
تمثيل!!!!
كل هذا تمثيل!!!!
هذا ما كانت موقنة به تماماً…
فهد الصاوي يحاول كسب رهانه على قلبها لتحقيق انتصاره الوهمي…
وهدفه من هذا الزواج…
لكن الغافل لا يعلم أن قلب جنة الرشيدي ذهب مع حسن إلي قبره…
ولن يعود!!!
ابتسمت ساخرة وهي تتذكر حرصه الصباحيّ طوال الشهر الماضي على أن يستيقظ قبلها ليفتح لها نافذة غرفتها ….
ثم يتوجه نحوها ليطبع على وجنتيها قبلتين مستفزتين مثله…
يزعم أن إحداهما تذكرها بأنها تحتاجه والأخرى بأنه يحتاجها أكثر…
المحتال يتصورها كفتياته الساذجات ستنزلق قدماها في مستنقع كذبه…
لكنها تفهمه جيداً…
برودها هو سلاحها الوحيد في مهاجمته!!!
فهد الصاوي يعشق استفزازها لأن شراستها تروقه…
ولو تمسكت بقناع برودها هذا قليلاً فسيزهدها ويمل هذه اللعبة …
ليطلق سراحها وينتهي كل هذا العبث!!!
هذا ما كانت تحدث به نفسها عندما أنهكها التفكير فقامت من على مكتبها …
ثم حملت حقيبتها لترحل …
ولم تنسَ بالطبع أن ترسل له رسالة على هاتفه كالعادة تخبره فيها أنها غادرت المكتب إلي المنزل…
كل تحركاتها يجب أن يكون هو على علم بها ….
حسب أوامر السيد!!!
ابتسمت بسخرية تمتزج باحتقارها وصورته تملأ ذهنها…
فطردتها وهي تزفر بسخط…
لا تطيقه!!!!
وكيف تفعل؟!!!
ورؤى هاتفتها منذ قليل وهي شبه منهارة بعدما تحدد موعد زفافها…
الذي سيكشف خطيئتها حتماً…
ومن يدري ما الذي سيفعله به زوجها وقتها؟!!!!
لكنها للأسف لم تدرِ كيف تساعدها….
نصيحتها الوحيدة لها كانت أن تخبر راغب عن الأمر قبل الزواج…
وليس بعده!!!!
حتى لا يتهمها بخداعه فيما بعد…
وربما كانت الأقدار رحيمة بها فيعزف عن فكرة الزواج منها دون أن يخبر عبد الله بأسبابه!!!
لكن رؤى التي تربت علي الخوف والخنوع لم تستجب لنصيحتها…
كانت ترى تأجيل الأمر قدر ما استطاعت…
ورعبها من أن يشك عبد الله بشئ يشلّ حركتها…
بل تفكيرها كله!!!!
وكأنما تنتظر معجزة من السماء تنتشلها من ورطتها دون أي عقاب!!!!
مسكينةٌ رؤى ستدفع وحدها ثمن خطيئتهما المشتركة…
بينهما يعيش ابن الصاوي حياته دونما اكتراث!!!!!!
عادت إلى المنزل لتأخذ حماماً دافئاً…
ثم أعدت الطعام واستسلمت لنوم عميق..
استيقظت من نومها لأول مرة منذ شهر وحدها لتجد الغرفة مظلمة…
حتى فتحت هي النافذة بنفسها…
ورغم راحتها -المؤقتة-بالتخلص منه…
لكنها شعرت أن شيئاً ما …ينقصها!!!!!!!
تنهدت في حرارة ثم غادرت غرفتها ….
لتحاول تمضية وقتها في أي شئ بعيداً عن التفكير في واقعها الغريب..
لم تكن لها شهية للطعام فأعدت لنفسها كوباً من القهوة المرة كعادتها…
ثم جلست على الأريكة لتجد الساعة قد قاربت الثامنة صباحاً…
غريب؟!!!
أين ذهب طوال الأمس واليوم؟!!!
تفقدت هاتفها باهتمام لتجد أنه لم يهاتفها….
لم يصلها منه اتصال واحد منذ الأمس وهو الذي كان عودها طيلة هذه الأيام أن يهاتفها كل ساعة ….
ابتسمت في سخرية وهي تقول لنفسها..
لعلها خطته الجديدة…
سياسة المد والجزر الشهيرة…
يريد إغراقها باهتمامه حتى إذا ما انسحب كما اليوم تشعر هي بالفقد وتشتاقه!!!
ما أشد سذاجتك يا ابن الصاوي!!!
حركاتك مكشوفة تماماً كوجهك!!!
لكنني لست لك…
أخطأتَ التصويب بل أخطأتَ الهدف كله هذه المرة يا صاحب البطولات الرخيصة!!!!
زفرت بقوة ثم تناولت كوب قهوتها لترتشف منه رشفة…
لتجد نفسها دون وعي تتذكر عبارته يوم قال لها عن قهوتها التي بنكهة شفتيها:
_مُرّة…قابضة…لكنها لذيذة…تماماً كما أحب!!
ابتسمت رغماً عنها وهي تهز رأسها بلا معني لتهمس باستهجان:
_وقح!!
أنهت قهوتها بشرود وهي تحاول صرف صورته عن ذهنها…
حتي غلبها النوم من جديد على الأريكة…

لم تدرِ كم مر عليها من الوقت نائمة هكذا…
لكنها استيقظت على حركة أنامله على وجهها…
فتحت عينيها لأول وهلة غير مدركة …
حتى انتبهت إليه فقامت من نومتها لكنه دفعها برفق ليعيدها مكانها هامساً بلهجة غريبة:
_ابقي كما كنتِ!!
نظرت إليه بدهشة للحظة …
وهي تشعر بشئ غريب في نظرته…
شئ ربما تراه لأول مرة…
شئٌ صادقٌ لا ينكره قلبها رغم عدم تصديقها…
شئ يشبه ال….اشتياق!!!
أما هو فقد كان في وادٍ آخر…
لقد اضطر للسفر مع جاسم الصاوي في رحلة عمل صباح اليوم السابق…
لم يستطع إخبارها فقد تم الأمر كله بسرعة…
لكنه صنع ما يشبه المعجزة كي يعود إليها بهذه السرعة…
ورغم أن ابتعاده عنها لم يتجاوز يوماً واحداً وبضع ساعات…
لكنه كان يشعر أن الدقيقة الواحدة تمر عليه كألف عام!!!
كل يوم كان يمر عليه معها كان يعلقه بها أكثر…
حتى أنه انتبه الآن فقط أنه لم يمس امرأة منذ زواجه الغريب بها…
أو بالأدق…منذ حادثه الأغرب معها والذي تركت فيه ندبتها على وجهه…
وعلى قلبه أيضاً كما يبدو!!!!
ابتسم في حنان لا يدعيه وهو يداعب وجنتها برفق هامساً:
_لماذا تنامين هنا على الأريكة؟!!
أشاحت بوجهها تبتعد عن لمساته الدافئة لوجنتها قائلة ببرود لا يخلو من خشونة:
_غلبني النوم هنا!
اتسعت ابتسامته وهو يهمس بصوت مُتعَب:
_كم أحسدكِ على هذا يا أستاذة…أنا لم أنم منذ يومين!!
ظلت مشيحة بوجهها دون أن ترد…
وهي تشعر بحصار جسده الجالس جوارها علي الأريكة يربكها…
فدفعته بكفها برفق لكي تقوم…
لكنه أمسك كفها ليهمس بنفس النبرة الغريبة على أذنيها:
_صباح الخير يا أستاذة.
قالها وهو يميل على وجنتيها بقبلتيه كالمعتاد..
فتشبثت بقناع برودها وهي ترد بجفاء:
_صباح النور…دعني أقم من فضلك.
اتسعت ابتسامته ممتزجة ببعض الخبث وهو يهمس بمكر:
_بقيت لديّ قبلتان لم آخذهما صباح الأمس…أنا لا أنسى..ولا أترك حقي…!!!!
خفضت بصرها عنه وقد بدأت تشعر بالضيق يشوب ارتباكها…
عندما شعرت بشفتيه على وجنتيها من جديد…
بقبلتين أكثر عمقاً هذه المرة…
ثم همسه الحار جوار أذنها:
_تحتاجينني…وأحتاجكِ أكثر!!
ازدردت ريقها ببطء تخفي تأثرها ثم ابتعدت بوجهها عنه وهي تشعر بمزيد من الضيق…
هو كاذب كما تعلم…
كاذب ويجيد التمثيل كعادته مع الأخريات…
وهي أبداً لن تتأثر بكلماته ولا أفعاله!!!
لكن كل هذا لا يعجبها…
هي تتصرف عكس طبيعتها النارية التي يستهويها الآن صفعه على وجهه واستفزازه…
لكنها تعلم أن هذا بالضبط هو ما يريده…
هو ما أعجبه فيها وجذبه ليجرب نوعاً من النساء غريباً عليه…
لهذا تدعي البرود لعله يسأم…
لعله يمل…
لكن من الواضح أنه لازال مصراً على هذا العبث…
للأسف!!!
قطع أفكارها عندما سألها بمكر:
_لا تريدين أن تعرفي سبب اختفائي بالأمس…الأستاذة لم تفتقدني؟!!
ابتسمت في سخرية وقد لمعت عيناها قائلة باستهجان:
_مع إحدى رفيقاتك…أو تصطحب والدك في رحلة عمل…أو ربما سهرة عابثة مع رفقائك الماجنين….ماذا يعنيني أنا من كل هذا؟!!! لا أهتم!!
_مرحباً بوهج البندق من جديد…
هذاماحدث به نفسه وهو يتعلق بعينيها الملتمعتين ببريق التحدي والعناد …
ليتوه فيهما للحظات قبل أن يغمض عينيه بقوة للحظة…
وكأنه يدخر نظراتها هذه في ذاكرته …
ثم يفتحهما ليقول بهدوء متجاهلاً عبارتها:
_هل تناولتِ طعامكِ أم نسيتِ كالعادة؟!!
أشاحت بوجهها وهي تشعر ببعض الخجل…
لقد غفلت عن هذا تماماً كعادتها…
لكنه قرأ إجابتها على وجهها فزفر زفرة قصيرة ثم هتف بضيق:
_لا فائدة في إهمالكِ هذا!!! هيا قومي…سنتناول إفطارنا في الخارج!!
قالها وهو يقوم ليسحبها من كفها حتى قامت بدورها متأففة في ضيق هي الأخري…
تود لو تقذف في وجهه كل أفكارها السوداء الآن…
لو تخبره أن تمثيله السخيف هذا لن ينطلي عليها…
لو يوفر وقته ووقتها الذي يضيعه في هذه المهزلة…
لكنها كظمت غيظها وهي تعطيه ظهرها لتتوجه نحو غرفتها…
لكنه استوقفها بندائه فوقفت مكانها دون أن تنظر إليه…
وقف قبالتها ليعطيها كيساً أنيقاً وهو يقول بلهجة آمرة:
_لقد أحضرت لكِ هذا معي …ارتديه كي تخرجي به.
فتحت الكيس ببرود لتستخرج الثوب الذي كان فيه…
فردته بين ذراعيها ثم مطت شفتيها قائلة بخشونة:
_لا أرتدي مثل هذه الأشياء!
أمال وجهه في تسلية وهو يسألها ببرود:
_لماذا؟!!
ألقت الثوب على أحد الكراسي جوارها ثم عقدت ساعديها أمام صدرها لتقول ببرود مماثل:
_هذه الثياب صُنعت لنساءٍ يردْنَ لفت الأنظار…أنا لا أرتدي ثوباً يفصل جسدي ويجعله بضاعة رخيصة لعيون أرخص!!!
التمعت عيناه بإعجاب للحظة…
ثم شعر بالكثير من الضيق…
كيف لم ينتبه إلي هذا وهو يأمرها بالخروج به معه…؟!!!
ربما لأنه لم يتخيله كما تقول…
نعم…لو كان رآه عليها ضيقاً فما كان ليسمح لها بارتدائه!!!
لكنها أساءت فهم الضيق على وجهه فهتفت بانفعال:
_كيف تريد من زوجتك أن ترتدي ثوباً كهذا أمام الناس؟!!! ألا…
قطع عبارتها وهو يتقدم نحوها ليضع سبابته علي شفتيها فصمتت مرغمة …
ثم أشاحت بوجهها في غضب…
عندما أدار وجهها إليه ليهمس بابتسامة ماكرة:
_معك حق…لا يصح أن ترتدي “زوجتي ” هذا الثوب أمام أحد.
كان يضغط على حروف “زوجتي” هذه بقوة وبلهجة ذات مغزى…
ومع هذا تنهدت في ارتياح مؤقت لأنه ابتعد عن هذه الفكرة…
لكنه عاد يهمس جوار أذنها:
_الأستاذة سترتدي هذا الثوب لزوجها فقط!!
اتسعت عيناها في استنكار وقد تأهبت للشجار وليكن ما ليكون…
لكنه قرأ أفكارها بعينيها فلوح بسبابته هاتفاً بخشونة متعمدة:
_ولو اعترضتِ فستدفعينني للوجه الآخر الذي لا يروقكِ!!
غطت وجهها بكفيها للحظات…
تحاول تمالك غيظها لكنها لم تستطع…
غلبها طبعها الناري الذي طالما أحكمت السيطرة عليه طوال الأيام السابقة…
فأزاحت كفيها لتصرخ بحدة:
_أكرهك يا ابن الصاوي…أكرهك.
ضحك ضحكة عالية زادت من غيظها حتى كاد رأسها ينفجر …
ثم داعب أنفها بسبابته هامساً باستفزاز صارخ:
_لم أسألكِ حبك يا أستاذة!!
أزاحت سبابته بعنف ثم اندفعت نحو غرفتها ليلحق هو بها مناولاً لها الثوب قائلاً بصرامة:
_لن نضطر للخروج…سأطلب الإفطار هنا…هيا…ارتديه.
تناولته منه بحدة ثم دخلت غرفتها صافقة الباب خلفها بعنف كاد يكسره….
فابتسم في جذل ثم تنهد هامساً لنفسه بحرارة:
_رائعة يا أستاذة…في كل أحوالكِ رائعة!!!
وبعدها بقليل…
كان الطعام قد وصل من المطعم القريب…
فطرق باب غرفتها بقوة هاتفاً:
_هيا…الطعام جاهز!!
فتحت باب الغرفة وهي تتحاشى النظر لعينيه …
وحسناً فعلت!!!!
فعيناه في هذه اللحظة كانت مثالاً حياً للانبهار…
هذا الثوب بدا وكأنه قد صُنع خصيصاً لها…
قماشه الناعم يحتضن جسدها بنعومة فتبدو فيه كملكة جمال في حفل تتويجها…
ولونه العسليّ يغازل وهج البندق في عينيها تارة…
وفي خصلات شعرها تارة أخري…
فيصنع معهما مزيجاً قاتلاً أصاب قلبه في الصميم!!!
فاتنة…
بل ساحرة!!!
لقد كانت محقة عندما رفضت الخروج به…
بل إنه الآن يود لو لم تلبسه حتى أمامه هو…
كل هذا كثيرٌ على صبره!!!
لكنه تمالك مشاعره ببراعة كعادته وهو يمط شفتيه قائلاً ببرود كي يغيظها:
_لا بأس به!!!
رمقته بنظرة لا مبالية…
فتناول كفها كعادته ليجلسها على المائدة ويجلس أمامها…
لم ينسَ دواءها كالعادة …
والذي يناوله لها بنفسه كل صباح…
كي يختلس تلك الضمة الخاطفة من شفتيها على أنامله عندما يقرب قرص الدواء منهما. …!!!
بدأت في تناول طعامها بشرود…
فسألها باهتمام لا يدعيه:
_أين شقيقتاكِ؟!!! لم أسمعكِ تتحدثين عنهما طيلة هذه الأيام؟!! هل تعلمان عن زواجنا؟!!!
التفتت إليه بحدة وهي تهتف بانفعال:
_بالطبع لا…لا أحد سيعلم عن هذه المهزلة لأنها ستنتهي قريباً.
رمقها بنظرة تهديدية فأشاحت بوجهها لتخفض صوتها قائلة بيأس :
_مجرد وجودي معك في هذا الشقة دون إعلان زواجنا يهدد سمعتي…لو كان الوضع بيني وبين شقيقتيّ طبيعياً لشرحت لهما الظروف…لكن …
قطعت عبارتها وقد شعرت أنها استطردت في حديثها معه زيادة عن اللازم…
ماذا يعنيه هو من علاقتها مع شقيقتيها؟!!!
بل ماذا يعنيه من تشويه سمعتها؟!!!
هو تزوجها ليكسرها…
وكل يوم يمر عليهما تشعر أنه حقاً قد بدأ ينجح!!!
أسندت جبهتها على كفها للحظات…
ثم نظرت إليه وهي تهز رأسها قائلة :
_متى سينتهي هذا الأمر؟!!! متى ستشعر أنك اكتفيت من انتقامك؟!!
أطرق برأسه مخفياً عنها حديث عينيه …
ما أشبهها الآن بطفلة وحيدة عاجزة…!!!!
نعم…هذه التي تدعي القوة والصلابة….
ليست أكثر من شجرة عارية في طريق مقفر…!!!
وحيدة تماماً…
لقد صدقت يوم أخبرته أنها امرأة لم يعد لديها ما تخسره!!!!
كم يود الآن لو يضمها لصدره فيمحو عنها هذا الشعور بالوحدة…
فيقسم لها أنه لم يعد يكترث بهذا الانتقام المزعوم….
وأنه أبداً لن يتركها…
لكن…
هل هذا ما يريده هو حقاً؟!!!
نعم…
نعم…الآن يدرك أنه بحق يريد هذا…!!!
لكن حتى لو كان هذا ما يريده…
فهي -قطعاً-لا تريده!!!!
لهذا قام من مكانه ليسحبها من كفها فيوقفها أمامه قائلاً بلهجة لا تقبل الجدل:
_زواجنا لن ينتهي يا أستاذة…أخبرتكِ أن ما أمتلكه يصير لي للأبد.
ابتسمت في سخرية لم تُخفِ مرارتها وهي تهمس بنبرات مختنقة:
_وهل امتلكتني حقاً؟!!
ترك كفها من كفه ليحيط وجهها براحتيه …
ثم نظر لعينيها هامساً :
_الآن بيني وبينك خيط رفيع…يشتد سمكه يوماً بعد يوم…الأمر فقط يحتاج لوقت…ويحتاج لصبر…وأنا لا أفتقد كليهما.
دمعت عيناها وهي تشعر بمزيد من العجز…
هل هو محق؟!!!
أي خيطٍ هذا الذي يتحدث عنه…؟!!!!
ليتها تراه مثله فتقطعه…!!!
هي لا تريده…
بل لا تريد الحياة نفسها…
يالله!!!
متى سينتهي هذا الكابوس؟!!!
لمح دموع العجز التي تترك دوماً سهامها في قلبه…
فأسند رأسها على صدره ثم قبل رأسها هامساً:
_غداً…عندما يمر العمر بنا…ستدركين أن كلاً منا كان طوق نجاة للآخر.
وفي عصر نفس اليوم….
كان جالساً مع جاسم الصاوي وبعض رجال الأعمال الكبار في غداء عمل بأحد المطاعم….
يكاد يموت من فرط الإرهاق…
ثلاثة أيام لم يذق فيها ساعتي نومٍ متصلتين…
إن لم يكن بسبب الإرهاق والسفر…
فبسبب “الأستاذة” !!!!
نعم…هذه الساحرة البندقية التي تتملك روحه وعقله يوماً بعد يوم…
فلا يستطيع الفكاك من سحرها -الغادر-الذي ترك أثره على قلبه…
ربما حتى دون أن تقصد هي!!!
مال عليه والده ليهمس في أذنه:
_ماذا بك؟!! تبدو شارداً عن الجميع.
وجه إليه نظرة اعتذارٍ ثم تنحنح ليعاود الاندماج مع الحضور….
ومناقشة تفاصيل عملهم الجديدة…
حتى أنهوا حديثهم وبدأوا في تناول الطعام…
امتدت أنامله لهاتفه ببطء عندما وصله صوت رسالة منها…
فراقب الجميع بحذر…
ثم قرأ رسالتها بسرعة:
_أنا في مطعم(…….. ) سأتناول وجبة سريعة قبل عودتي للمكتب.
ابتسم للمفارقة فقد ذكرت اسم نفس المطعم الذي هو فيه الآن….
كان جالساً معهم في أحد قاعات المطعم المغلقة بحيث لا يمكن لمن بخارجها رؤيتهم…
و المحاطة بزجاج عاكس حيث يمكنه هو مشاهدة من بالخارج ….
فدار ببصره يترقب وجوه رواد المطعم…
حتى لمحها هناك بعيداً في مائدة منزوية تتناول طعامها بشرود كعادتها…
اتسعت ابتسامته الحانية وهو يتمنى لو يترك هذا الجمع الآن ويتوجه إليها هي…
يشاكسها كعادته متلذذاً بوهج البندق في عينيها….
والتمعت عيناه بشغف وهو يتذكر شكلها صباحاً بثوبها العسليّ….
الذي أثار جنونه….!!!!
مقارناً بينه وبين قميصها الأسود المتحفظ الطويل الذي ترتديه الآن…
ابتسم ابتسامة عابثة وهو يكتب لها رسالة:
_الأسود لا يليق بكِ…أنتِ امرأةٌ خُلقت للألوان!!!!
اتسعت ابتسامته العابثة وهو يراقب تعابير وجهها عندما قرأت رسالته….
كيف ارتسمت الدهشة على ملامحها وهي تتلفت حولها بتفحص عاجزة عن رؤيته مكانه…
ثم وصلته رسالتها بعدها:
_كيف عرفتَ أنني أرتدي الأسود؟!!!
_اترك هاتفك هذا وانتبه لنا!!
همس بها جاسم في أذنه من جديد وهو يرمقه بنظرة زاجرة…
فأعاد هاتفه قسراً إلى جيبه وهو يعيد الاندماج مع الجمع المتحاور…
دون أن تغيب عن عينيه المراقبتين لها…
حتى اضطر للالتفات نحو أحد محدثيه وهو يناقشه في أمرٍ هام جذب تركيزه بالكامل لبضع دقائق….
وما إن عاد يلتفت نحوها…
حتى وجد رجلاً غريباً يجالسها علي الطاولة!!!!!
اشتعلت عيناه بغضب مكتوم…
وهو يكاد يندفع نحوهما لولا خشيته من أن ينتبه والده للأمر…
ظل يراقبهما للحظات حتى سمع صوت والده يهتف بلهجة دبلوماسية:
_هكذا يمكننا القول….مباركٌ لنا المشروع الجديد.
تشتت انتباهه عنها عندما وقف الجميع يصافحونه هو وأباه….
ولم يكد يعود ببصره إليها هي وذاك الرجل…
حتى وجدهما قد اختفيا!!!!!
جنّ جنونه وهو يعتذر من والده للخروج لأمر طارئ…
ثم ترك المطعم متعجلاٌ يبحث عن سيارتها لكنه لم يجدها…
تناول هاتفه بسرعة ليتصل بها…
ولم يكد يسمع صوتها حتى هتف بغضب :
_أين أنتِ الآن؟!!!
وصله صوتها مرتبكاً رغم قوته وهي تقول باقتضاب:
_عائدة للمكتب.
كز علي أسنانه وهو يقول بحزم قاسٍ:
_لا تعودي إلى المكتب….أخبريني أين أنتِ الآن بالضبط وتوقفي مكانك حتى آتيكِ!!!
ذكرت له مكانها بنبرة ساخطة….
ثم زفرت زفرة حانقة وصوتها يأتيه مشبعاً بغضبها:
_حسناً أيها السيد!!! أي أوامر أخري؟!!!
أغلق الاتصال بعنف دون أن يجيبها وهو ينطلق بسيارته نحو المكان الذي وصفته حتى وصل إليها…
ولم تكد تغادر سيارتها وتركب جواره حتى هتفت بحدة:
_ألن تكف عن هذا الجنون؟!!! ما سرّ هذا التصرف الأحمق؟!!!
لم يرد عليها…
بل تشنجت عضلة فكه وهو يحاول تمالك غضبه حتى لا ينفجر في وجهها الآن…
فأشاحت هي الأخري بوجهها وهي تزفر بقوة هاتفة بسخط:
_إلى أين سنذهب؟!!!
لم يرد عليها أيضاً هذه المرة وهو يحاول كظم غيظه قدر المستطاع…
هذه هي المرأة الوحيدة التي يتملكه وحش الغيرة في كل ما يخصها…
لو كان الأمر بيده لبنى لها سجناً في ضلوعه لا يراها فيه سواه!!!
بينما عجزت هي عن أن تنال رداً فزفرت مرة أخري …
ثم عادت تتسلح بقناع برودها من جديد….
وهي -الأخرى -تحاول كظم غيظها لأبعد حد…
حتى تمضي في مخططها -السابق-معه…
برودها هو حصنها الأخير معه…
لعله يسأم هذه اللعبة المملة!!!
وصلا إلى منزلهما وكلاهما متشحٌ بصمته…
حتى أغلق هو باب المنزل لينهار قناع تماسكه فجأة وهو يمسك ذراعها هاتفاً بحدة:
_من هذا الرجل الذي كان يجالسكِ في المطعم؟!!!
انعقد حاجباها بدهشة للحظة…
ثم تحولت لهجتها لسخرية غاضبة وهي تهتف بدورها:
_هل تراقبني يا ابن الصاوي؟!!!
ازداد ضغطه على ذراعها وهو يرمقها بنظرات عاصفة…
فعادت تهتف بانفعال:
_إنه أحد العملاء التقيتُه صدفة هناك…كان يسألني عن شئٍ بخصوص قضيّته…ثم…
قطعت عبارتها وهي تسحب ذراعها من قبضته لتشتعل نبراتها أكثر:
_لكن لماذا أبرر لك أساساً؟!!! هل أصبح شرفي الآن محل شبهة يا ابن الصاوي؟!!! وممن؟!!! منك أنت يا عديم الشرف؟!!!!
لم تكد تهتف بعبارتها الأخيرة حتى تجمدت ملامحها فجأة وهي تشعر أنها قد تجاوزت حدودها…
خاصة عندما أغلق هو عينيه بقوة للحظات ….
قبل أن يفتحهما لتعكس له مراياها البندقية صورةً من ندم!!!!
ولعل هذا هو ما أنقذها مما كان ينتويه بها!!!
فأشاح بوجهه ثم تركها ذاهباً لغرفته دون كلمة أخري!!!!
راقبت ظهره المنصرف في حيرة حتى اختفى عن ناظريها…
فتوجهت نحو الأريكة لتجلس عليها وهي تهز رأسها بعجز…
ما الذي يجري هنا؟!!!
أي مهزلةٍ هذه؟!!!!
وأي مسرحية؟!!!!
حياتها التي ظنتها قد تخضبت بالسواد بعد حسن…
تراها اليوم صارت أكثر سواداً!!!
وهذا الرجل الغريب الذي هبط على أراضيها فجأة …
ليقطع كل خيوط تماسكها الواهية…
فتجد نفسها معه بلا هوية!!!!
وكيف تفعل؟!!
وهو يبدل أقنعته يوماً بعد يوم…
تارة هو حنون متفهم يربت على جروح روحها بلينٍ مسيطر…
وتارة هو غاضب كبهر هائج تتقاذفها أمواجه…
وهي وسط كل هذا تجاهد لتحافظ علي تماسكها المزعوم أمامه…
لأنها لا تريد كل هذا…
لا تريد الاستسلام لسمّ حنانه الخطير الذي يتسلل عبر أوردتها لتدمنه خلاياها كلها ببطء شديد….
لهذا ستقاومه بكل ما أوتيت من قوة…
وبكل ما تحمله نحوه من نفور!!!
لكنها مع كل هذا تشعر ببعض الندم على ما تفوهت به منذ قليل…
الألم الذي اكتسح ملامحه عندما أهانته عبارتها كان أقوى من أن تتجاهله!!!
ازدردت ريقها ببطء وهي تمد رأسها تتطلع نحو غرفته بترقب…
ثم زفرت زفرة قصيرة ونفسها تحدثها باعتذار!!!
اعتذار؟!!!!!
اعتذار لابن الصاوي؟!!!!!!!!!
عقدت حاجبيها بشدة وهي تشيح بوجهها هامسة لنفسها بقوة:
_أبداً..!!!!
ثم عاودها عنادها الأصيل وهي تتناول “ريموت” التلفاز فتشغله بصوت عالٍ متظاهرة باللامبالاة…
ثم نزعت عنها حجاب رأسها بحركة عنيفة لتلقيه جوارها بعصبية واضحة…..!!!!
وفي غرفته جلس هو على طرف فراشه ينظر لباب الغرفة بترقب…
رغم الألم الذي شعر به من إهانتها له…
لكن ما قرأه من ندمٍ في عينيها بعدها قد شفع لها عنده…
لا بأس!!
هو يعرف أن طريقه معها طويل…
لكنه يستعذب خطواته كلها…
لا…ليست غريزة التحدي ولا رغبةً في استكشاف جديدها…
بل تعلقاً حقيقياً بها هي…
هي التي يزداد يقينه يوماً بعد يوم أنه ….
يحبها؟!!!!
معقول؟!!!
نفض عن رأسه هذا الخاطر -المزعج-عندما سمع صوت التلفاز الذي شغلته هي بالخارج ليبتسم بجذل…
ساحرته البندقية تشاكسه…!!!!
تتظاهر باللامبالاة ولا تدري أنه صار يفهمها حقاً….!!!
لهذا قام من مكانه ليخرج إليها مقاوماً شعوره بالإرهاق الشديد والذي يتملكه منذ الصباح…
اختلست نظرة مترقبة نحوه وهي تشعر بالاضطراب…
عندما شعرت به يجلس جوارها ليمد ذراعه محيطاً به كتفيها وهو يدير وجهها إليه -قهراً -ليحتل نظراتها البندقية أسوأ احتلال وهو يقول بنبرته الرخيمة:
_تعتذرين أنتِ أم أعتذر أنا؟!!!!
ارتعشت حدقتاها وهي غارقة في حيرتها وارتباكها…
لا تدري لأول مرة معه بماذا ترد…!!!!
لم تتوقع أبداً أن يكون هذا رد فعله على إهانتها…!!!
لهذا أسبلت جفنيها بخجل يناقض قوة عبارتها التالية:
_وهل أخطأتُ أنا كي أعتذر؟!
ابتسم رغماً عنه وقد بدت له في هذه اللحظة كطفلة عنيدة مكابرة….
فرفع ذقنها إليه هامساً بحنان صادق مس قلبها رغماً عنها:
_حتى لو فعلتِ…أنا أسامحك!
أغمضت عينيها بقوة عن فيوض مشاعره التي كانت تجرف في تيارها كل حصون مقاومتها الواهية…
عندما سمعته يردف بنفس الحنان:
_لا أريد أن أنام وأحدنا غاضبٌ من صاحبه!!
فتحت عينيها لتشيح بوجهها قائلة ببرود:
_لستُ غاضبة…لو كنتَ أنتَ غاضباً فهذا شأنك.
اتسعت ابتسامته الحنون وهو يتفهم مكابرتها الواهية وبرودها المشتعل….
ثم فك ذراعه من على كتفيها ليتمدد جوارها على الأريكة مسنداً رأسه على ساقيها وهو يهمس بإرهاق حقيقي:
_ألا تتشدقين دوماً بأنكِ أكبر مني سناً..؟؟!!!!.اعتبريني الآن ابنك ..!
ثم تأوه بحرارة هامساً بصوت منهك:
_ابنكِ المُرهَق جداً…لم أنم منذ فترة طويلة.
ثم تناول كفها ليضعه -قسراً-على وجنته ويحتضنه هامساً بخفوت:
_ابقيْ هكذا فقط حتى أنام.
قالها وهو يغمض عينيه مستسلماً لتعبه الواضح…
وكذلك كانت هي مستسلمة لشعورها الغريب به في هذه اللحظة…
ملامحه الآن تبدو لها مختلفة…
بعيدة عن عبثه ومكره…
وغضبه وحدته…
وحتى عن حنانه وتفهمه!!!
ملامحه الآن وقد رسم التعب عليها ألف خط…
بدت لها كملامح طفلٍ غلبته شقاوته طوال النهار حتى استكان آخر الليل نائماً في حِجر أمه…
صمت للحظات طويلة حتى ظنت أنه قد نام….
ثم وصلها صوته الهامس كالهذيان وهو بين اليقظة والنوم يداعب أوتار روحها بصدقه:
_متعبٌ أنا …متعَبٌ جداً…ليس اليوم فقط…بل…منذ سنوات…
عضت على شفتها بقوة تتمالك تأثرها من هذيانه الناعس…
عندما أردف بعدها بخفوت شديد:
_لو كانت مثلك…لما قتلتها!!!
اتسعت عيناها في ارتياع وهي تستمع لعبارته الأخيرة…
لتهمس بعدها بدهشة:
_قتلتها؟!!! من هذه التي قتلتها؟!!!!
لم يصلها رد سوى صوت أنفاسه التي انتظمت ببطء لتدرك أنه قد نام أخيراً…
ظلت تتأمل ملامحه للحظات بصدمة…
هل كان يهذي؟!!!
أم أنه حقاً قد قتل امرأة؟!!!!
ظلت غارقة في حيرتها للحظات…
قبل أن تنفض عنها أفكارها بعجز وهي تطمئن نفسها بأن كل هذا هراء…
لابد أنه لم يكن يعني ما يقول!!!
شردت بأفكارها التي استعمرها هو من جديد ….
لتغافلها أناملها المحتضنة لوجنته فتربت على وجهه برفق….
شهقت بخفوت وهي تفيق من شرودها لتنتبه -أخيراً-لما تفعله…!!!!!
فازدردت ريقها ببطء وأناملها تتلمس ندبته التي تسببت هي بها على ذقنه…
والتي زعم أنه لن يعالجها حتى يثأر منها…
أتراه حقاً قد فعل؟!!!!!
سحبت كفها ببطء من كفه كي لا توقظه….
ثم عقدت ساعديها على صدرها كي لا تغافلها أناملها من جديد…
مُقاوِمةً رغبتها في تخلل خصلات شعره بأناملها…!!
أعادت رأسها إلى الخلف مستسلمة للنوم جالسة في هذا الوضع…
تخشى عليه من فرط ما أحسته من إرهاقه…
أن تقوم من مكانها فتوقظه!!!!!
لكنه استيقظ بعدها بوقتٍ ما…
ليتلفت حوله بدهشة ثم يرفع عينيه لرأسها المستلقي علي الأريكة …
حيث غلبها النوم في هذا الوضع…
رفع رأسه عن ساقيها وهو يبتسم بحنان…
لقد تركته ينام هكذا ولم تحاول دفعه بعيداً هذه المرة…
وهذه خطوة جيدة تعني له الكثير في طريقهما الطويل الذي ينتوي إكماله معها….
قام من على الأريكة ثم ربت على وجنتها برفق ليوقظها…
لكنها كانت مستغرقة تماماً في النوم كعادتها …
وهذا من مميزاتها التي يراها في حالتهما الغريبة هذه…
“نومها الثقيل”!!!!
فاتسعت ابتسامته وهو يحملها بين ذراعيه ليسير بها برفق حتى وضعها على فراشها…
عندها فتحت عينيها بدهشة للحظة ثم عاد النوم يغلبها…
فتثاقل جفناها لتغمضهما من جديد!
بينما زفر هو زفرة قصيرة وهو يرفع رأسه لأعلي مقاوماً إحساسه الحار بها الآن…
ليهمس لنفسه بحزم:
_الصبر يا ابن الصاوي….الصبر…لا يزال الطريق طويلاً….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ماسة وشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى