رواية لولا التتيم الفصل الثاني عشر 12 بقلم ناهد خالد
رواية لولا التتيم الجزء الثاني عشر
رواية لولا التتيم البارت الثاني عشر
رواية لولا التتيم الحلقة الثانية عشر
منذُ ترجل معها للأسفل وهي تغلى كالمرجل حتى أنها تشعر بأن جدران الشقة تطبق على أنفاسها، نهضت تزفر أنفاسها بعنف شديد وهي تهتف لذاتها:
_ لا مش قادرة.. أنا كده هتجنن.
ظلت تطوف حول نفسها في ردهة الشقة وعقلها يفكر فيما تفعله كي تهدأ ذاتها قليلاً.. توقفت فجأة قبل أن تقول بتوعد:
_ لا مانا مش هقعد أكل في نفسي كده.
أنهت حديثها متجهة للباب لتفتحه مترجلة للأسفل على الفور، وقفت أمام باب شقة والدة زوجها تأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تدق الجرس، ثواني وفتحت لها “علياء” ترحب بها:
_ تعالي يا لليان اتفضلي.
ابتسمت لها بتوتر لقلة تعاملها معها وهي تدلف للداخل بصحبتها، رأتهم يجلسون فوق الارضية ملتفين حول الطعام الموضوع أرضًا فوق مفرش كبير، وقفت على بُعد قريب منهم، ليرفعوا جميعًا نظرهم لها، وكانت “شادية” أول المتحدثين وهي تقول:
_ كويس إنك نزلتِ، بدر قال إنك رفضتِ تنزلي.
رمته بنظره من جانب عيناها وهي تقول ممتعضة:
_ هو مسألنيش أصلاً.
اتسعت عيناه بدهشة لكذبتها، هل أعلنت الحرب للتو! كظم دهشته وغيظه وهو يبتلع اللقمة التي في فمه، ويتابع حديثها بصمت.
_ اخص عليك يا بدر.. معلش يا بنتي هو له مواقف بايخة كده ساعات.
هتفت بها “شادية” وهي تزجره بجانب عيناها بعتاب ظنًا منها أنه فعل هذا قصدًا من ضمن خطته الانتقامية السخيفة، أن يشعرها بأنها لا تعنيه..
ابتسمت برضا لوالدة زوجها على ردة فعلها، لتخفت ابتسامتها قليلاً حين أكملت الأولى:
_ تعالي اقعدي كُليلك لقمة.
ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيهِ وهو يستمع لجملة والدته متخيلاً إياها تفعل هذا وتجلس فوق الأرضية لتتناول بعض لقمات الفول والفلافل والجبن الأبيض بخبز بلدي طبيعي بدون سكين وشوكة! وبدون طاولة تمتد لتحوي عشر أشخاص على الأقل.
رأت ابتسامته الساخرة وعلمت تمامًا فيما يفكر،فعنادًا فيهِ وحرجًا من الموقف اضطرت للموافقة والجلوس.
لم تكن جلستها مريحة، ولم تكن لها شهية لتناول أيًا من الأطباق المعروضة سوا البيض المقلي الذي يشبه قليلاً ما كانت تتناوله أحيانًا،ورغم هذا معدتها لا تتقبله بأي شكلاً كان..
حاولت قطعت قطعة الخبز كما يفعلون ونظراتها تراقبهم في الخفاء، وحاولت إظهار أنها حقًا تأكل رغم أنها لم تتناول ما يتجاوز الثلاث لقيمات بعد.. ولكن ما جعل معدتها تتقلص برفض تام للطعام حين وضعت “شادية” أمامها قرصًا من الفلافل التي فاحت رائحتها مخترقة أنفها بشدة، وحثتها على تناوله قائلة:
_كُلي يا لليان طعمية سخنة هتعجبك.
رائحتها لم تكن سيئة لكن لا تعلم لِمَ أثارت غياثنها، تمالكت ذاتها وهي تنهض بحرص من فوق الأرضية مغمغمة بشكر:
_ ثانكس يا طنط أنا حقيقي مش قادرة أكل.
وبشكل تلقائي كانت تمسد على بطنها البارزة لتهدأ من انقلابها، وعيناه كانت تتابعها بسخرية في أول الأمر وهو يرى تحقق توقعاته بأنها لم تستطع التخلي عن إنفتها وتناول طعامهم البسيط الذي بالطبع لم تراه يومًا سوى في التلفاز.. ولكن انتابه القلق حين رأى امتعاض ملامحها وتمسيدها على بطنها بعدم راحة، لينهض واقفًا وهو يقول بلهفة لم تُخفى عن الجميع:
_ أنتِ تعبانة؟
حولت بصرها فورًا ل”زينب” التي تتابع الأمر بهدوء، لتعود بنظرها له وهي تردد بملامح أكثر امتعاضًا:
_ مش حاسة إني مرتاحة، يمكن محتاج ارتاح.
نظرتها ل “زينب” نبهته وأشعرته أنها فقط تتصنع التعب لتثير حنق التي تظنها زوجته، فعاد الجمود يحتل وجهه وهو يقول:
_ خلاص اطلعي ارتاحي.
اشتعل الغيظ في حدقتيها وهي تسمع جملته، ألن يرافقها للأعلى ليطمئن عليها حتى!؟
_تعالي يا لليان هطلع معاكِ.
والعرض الذي كان من المفترض أن يأتي منهُ آتى من شقيقته، فضغطت على أسنانها كابحه غضبها:
_ ثانكس يا علياء أنا هطلع لوحدي متتعبيش نفسك.
اتجهت لباب الشقة خارجة ومغلقة الباب خلفها، لكنها وقبل أن تصعد شعرت أنها لم تشفي غليلها وأت بخاطرها فعل ما فابتسمت بخبث قبل أن تعود للباب ورنت جرسه متوقعة أنه من سيفتح فقد كان الوحيد الذي نهض عن الطعام.. وبالفعل صدق حدسها حين فتح الباب يقول:
_ نسيتِ حاجة؟
كادت تعنفه لطريقته الباردة معها لولا أنها رأت زينب تقف على مسافة خلفه بعدما كان من الواضح أنها أقبلت لترى الطارق..
استندت على باب الشقة بدلال وهي تتمهل في حديثها بصوتٍ قصدت إيصاله للأخرى:
_هتيجي معايا بكره للدكتور عشان تشوف البيبي؟
ورغم لهفته لفعل هذا إلا أنه رد ببرود كي يثير غيظها:
_هشوف ظروفي.
حاولت التحكم في غضبها من رده وهي تسأله بهدوء:
_ يعني ايه هتشوف ظروفك؟ أنتَ مش عاوز تشوف ابنك؟ مش كفاية مجتش معايا ولا مرة عند الدكتور..
كاد يجيبها بأنها السبب في هذا ويندلع شجارًا لن ينتهي الآن لكنه انتبه لنظراتها التي تتركز على شئ خلفه فنظر بجانب عيناه لمن يقف خلفه فأبصر “زينب” والآن فهم الأمر، إذًا هي لا يهمها أن يأتي أم لا كل ما في الأمر أنها تحاول مرة أخرى إثارة غيظ الواقفة خلفه، عاد ببصره لها قبل أن يقول بأنفاس مختنقة:
_ هشوف ظروفي قولت..
ألقت نظره عابرة على “زينب” قبل أن تقول بدلال متقن:
_ براحتك يا حبيبي.. هروح أنام أنا بقى.. تصبح على خير.
أنهت جملتها بقبلة عميقة على وجنته قبل أن تبتعد صاعدة للأعلى، وتابعتها نظراته التي إن تعمق بها أحد لهاله ما يرى! لم تدرك تلك الحمقاء ما فعلته بقبلتها العابرة تلك، فلقد أشعلت بداخله بركان مشاعره الخامدة منذُ أشهر والتي يحاول تجنبها منذُ أتت كي لا يفسد انتقامه منها..
_ياريت تخلص الموضوع ده بقى يا بدر عشان أنا مش متحملة الوضع ده ولا نظرات مراتك ليَّ.
هذا ما هتفت بهِ “زينب” ليلتفت لها بعد أن أغلق الباب وهو يقول بحرج:
_ انا بجد آسف إني وضعتك في موقف محرج زي ده بس..
قاطعته بهدوء:
_ أنا شايلة هم مراتك وابنك من القهرة والزعل أكتر من حرجي.. ياريت تخلص المسلسل البايخ ده بسرعة.
حك مؤخرة رأسه بتوتر قبل أن يسألها:
_ أنتِ ناوية ترجعي أسيوط امتى!؟
_ أنا قايلة لمصطفى إني هقعد هنا الأسبوع الي هيغيبه في شغله.. أنتَ عارف معرفش حد في أسيوط وبخاف أفضل هناك لوحدي.
_هو مؤمريته فين؟
_ اسكندرية، بس حاجة سريعة يعني، وأنا استأذنته أجي هنا المرة دي بدل ما ارجع عند ماما تاني وأنا لسه مروحه من عندها مبقاليش يومين.
ضحك بخفة قائلاً:
_ أحسن.. حد قالك تتجوزي ضابط!
ابتسمت بخبث وهي تصحح:
_ضابط في الأمن الوطني ها.. متنساش بس عشان لو عرف الي بتقوله ده ولا حاجة.
حمحم بتوتر مصطنع وهو يشير لباب الشقة:
_ تقريبًا لليان بتناديلي هطلع اشوفها.
ضحكت بخفة عليهِ ما إن خرج مهرولاً من الشقة.
_______________________
بعد عدة أيام..
لا تشعر أنها بخير أبدًا.. هناك أعراض غريبه تشعر بها، منذُ وقفت لتعد طعام الغداء قبل عودته من العمل وهي تشعر بهبوط حاد حتى أن أنفاسها ثُقلت عليها، وعرقًا غزيرًا يتصبب منها رغم دوران المبرد، والآن دوارن طفيف ألمَ بها حتى كادت تفقد توازنها.. استندت على طاولة المطبخ ذو الطابع الأمريكي، وهي تلتقط أنفاسها بثِقل، تشعر بنيران حارقة تضرب جسدها، بالكاد أطفأت المقود وبخطى مترنحة كانت تصل لهاتفها الموضوع قريبًا من المطبخ، التقطته بعدما جلست على كرسي ما وطلبت رقمه.. أتاها الرنين مرة واثنان وثلاثة ولم يجيب، ومع كل مرة كانت تسوء حالتها بسرعة لا تستوعبها، حتى بدأت تأن وجعًا لا تدرك تحديدًا من أين يأتي لكنه قوي، وانسدلت دموعها بعجز.. تريد من يسعفها حالاً، و”عاصم” لا يجيب كالعادة منذُ اتخذ موقفه منها وهو لا يجيبها حين تهاتفه لتعلم متى سيأتي كنوع من انواع التجاهل، ولكن الآن الوضع اختلف وياليته يعلم..
لا تعلم كيف وصلت لباب الشقة ولم تهتم حتى بملابسها البيتية المكونة من بنطال أسفل الركبة بقليل وكنزة بالكاد تتعدى خصرها.. هدفها هو الشقة التي أمامها التي لا تعلم من يسكنها حتى، هذا لأنها سُكنت من عدة أيام فقط، تسمع غلق وفتح بابها أصوات عادية تأتي من الداخل لكنها لا تعلم عن قاطنيها شيئًا…
دقت فوق الباب وهي تشعر بذاتها تنزلق لأسفل، لكنها تتماسك قدر المستطاع، لا تعلم بعد متى فُتح الباب أخيرًا لترى الشخص الذي أمامها بصورة متضاعفة لكنه تبين لها أنه رجل!! وهل يهم الآن !!؟
كل ما استطاعت قوله هو تمتمه ضعيفة كزقزقة عصفور مريض:
_ ااا.. الحقني.
وبعدها كانت تسقط بين يده!
___________________
زفرت بيأس على حالة ابنتها التي لم تكف عن البكاء كلما شردت مع ذاتها قليلاً، جلست أمامها وهي تقول بنزق:
_ وبعدين يا صفية؟ مش كدة يا بنتي! بقالك كام يوم على الحال ده من آخر مرة يوسف كان هنا!
كفكفت دموعها بظهر كفها وهي تقول بتعب:
_ أنا كويسة.
لوت والدتها فمها بعدم رضا:
_ كده وكويسه!؟
ابتلعت غصة مريرة انتابتها وهي تقول:
_ أنا بس.. أنا بس صعبان عليَّ نفسي، ده حتى مش ملتمسلي العذر.. ده شايفني أوفر و..
صمتت بعدما لم تستطع التحكم في تلك الغصة التي كادت تخنقها، لتستمع لوالدتها تقول:
_ تعرفي أنا ولا لحظة زعلت منه ولا خدت موقف، ده كفاية أنه حافظلي على حياة بنتي.
حولت بصرها لها بدهشة وهي تقول:
_ واللي عمله فيَّ؟ أنتِ بجد امتى هتحسي بيَّ حرام عليكِ بقى أنا تعبت.
صرخت بالاخيرة وهي تنهض ملتقطة حقيبتها بعنف تتجه لباب الشقة لتذهب للروضة لاصطحاب طفلها وصوت والدتها يتبعها:
_ لما ابنك يكبر وتشوفيه بيأذي نفسه من غير ما يحس، وحد اتدخل ينقذه هتشكري الحد ده ألف مرة أنه حافظلك على حياة ابنك حتى لو كان المقابل أذى تاني.. بس اهو قضى أخف من قضى.
أمسكت بمقبض الباب وهي تلتفت لوالدتها وقالت بنظرة معاتبة:
_ لما ابني يكبر دايمًا هحسسه إن لو الدنيا كلها ضده أنا الوحيدة الي هبقى في صفه، لو العالم كله مفهمهوش أنا الوحيدة الي فهماه، هحسسه دايمًا إني حاسة بيه وبمشاكله.
فتحت الباب وخرجت مغلقة إياه خلفها لتتمتم والدتها وهي تنظر لأثرها:
_ لسه مفهمتيش معنى الضنى (الإبن) يا بنتي.
___________
لم يتخيل أن يدق قلبه هكذا لرؤية طفله في هذا الجهاز الصغير وسماع نبضاته، فقد أتى معها للطبيب اليوم بعدما أخبرته منذُ عدة أيام أن الطبيب برحلة عمل ولن يعود في الموعد المحدد لها لذا تم تأجيلها للأسبوع القادم.. ويعلم أنها كاذبة فالأمر كان مجرد كذبة منها لتثير غضب “زينب” حين وقفت على باب الشقة تتغنج له وهي تخبره بضرورة ذهابه معها للطبيب..
_ ها يا دكتور باين نوعه؟
أستفاق على سؤالها المتلهف، إذًا هي لم تعلم نوعه بعد حقًا، ليتلهف قلبه للإجابة، رغم أنه سيسعد بهِ أيًا كان نوعه، ابتسم الطبيب وهو يحرك الجهاز فوق بطنها متابعًا الشاشة الصغيرة:
_ عذبنا الباشا على ما عرفنا نوعه.. شكله كان عاوز يعملها مفاجأة عشان كده كان لافف على نفسه.
ابتسم ثغر “بدر” تلقائيًا مرددًا:
_ هو ولد؟
أومئ الطبيب موافقًا، لتبتسم “لليان” هي الأخرى، فكم رغبت أن يكون مولودها الأول صبي ليصبح سندًا جديدًا لها، وسندًا لمن سيأتي بعده خاصًة وإن كانت فتاة فيكن لها ظهرًا..
خرجا من عند الطبيب و”لليان” مبتسمة بسعادة فهذه أول مرة يأتِ معها للطبيب، لكن ماتت ابتسامتها حين سمعته يقول:
_ هسميه حسين على اسم بابا الله يرحمه.
شهقت بقوة وهي تقف محلها، ليلتف لها باستغراب لملامحها المتحفزة:
_ مالك؟
رفعت إصبعها تهتف بحسرة:
_ حسين.. حسين يا بدر حرام عليك.. بقى أبوه يبقى اسمه بدر وأمه لليان وهو نسميه حسين!؟
تجاهل حديثها ليتجه للمصعد الكهربائي لاستقلاله للهبوط من الطابق السابع في تلك المستشفى الخاصة الضخمة والتي تنتمي لأصحاب الطبقة المخملية، اتبعته وهي تهتف لذاتها:
_ والله أبدًا على جثتي اسميه حسين..أنا ابني يبقى اسمه..
_ حسين.
رددها حين وصلت لجواره وانغلق باب المصعد عليهما، لتحتد ملامحها وهي تنظر له مرددة:
_ انسى يا بدر مش هسميه حسين.
وببرود كان يردد:
_ هنشوف.
ارتفع صوتها وهي تهتف بعصبية:
_ ايه الي هنشوف.. ده ابني ومن حقي اختار اسمه معاك، وأصلاً بقى لو صممت مش والدة ايه رأيك؟
التف بجسده لها ليعنفها على ارتفاع صوتها وحدتها في الحديث، لكن ما أوقفه هو توقف المصعد فجأة في نفس اللحظة التي أُغلقت فيها أنواره، ورن في أذنهما صوت مرتفع يعلموه جيدًا..
لصقت نفسها بهِ وهي تتمسك بذراعه بشدة مرددة بوجه شاحب وشفاه مرتجفة:
_ بدر..ده…دي سرينة الحريق.. صح؟
ابتلع ريقه بخوف مماثل لها، وإن كان خوفه الأغلب عليها وعلى طفله:
_ قطعوا الكهربا.. أكيد فصلوها عشان الحريق.
حاولت دعم ذاتها لتقول برفض:
_ لا.. لا أكيد مش هيقطعوها كتير.. دي مستشفى يعني غرف عناية وأجهزة.
تذكر آخر رقم ظهر على لوحة المصعد ليسألها بقلق:
_ أنتِ تعرفي أدوار المستشفى دي؟
ردت بخفوت:
_ايوه.. أنتَ عارف دي أكتر مستشفى بثق في الدكاترة بتوعها.
طرد أنفاسه بثقل وهو يسألها بقلق أشد:
_ الدور الرابع في ايه؟
رفعت أنظارها له بذعر لتهتف برفض:
– واحنا مالنا ومال الرابع!؟
نظر لعيناها المرتعبة، ليهدأ ذاته وهو يهتف بتروي كي لا يثير الذعر بها أكثر:
_ أو الخامس.. مش عارف أحنا في أنهي.. قوليلي فيهم ايه؟
التقطت أنفاسها وقالت:
_ الخامس خاص بالجراحة.. غرف العمليات وكده أكيد مش هيقطعوا الكهربا فيه إلا..
ابتلعت ريقها بخوف وأكملت:
_إلا لو المستشفى بتولع خالص.. والرابع زي السابع كله عيادات مفيهوش غرف مرضى أصلاً، لو قطعوا الكهربا فيه عادي وممكن ميشغلوهاش دلوقتي.
أغمض عيناه لوهلة بحسرة وخوف متذكرًا أن آخر رقم ظهر على اللوحة كان “٤”!!!
____________
تقلب في الفراش بانزعاج يشعر أن شئ ما يحدث حوله يثير قلقه أثناء نومه، لكنه يحاول تجاهله.. أخذه سلطان النوم مرة أخرى لعدة ثواني فقط قبل أن ينتبه عقله فجأة لِمَ يحدث حوله، وبالفعل فتح عيناه نصف فتحة ليستمع لرنين جرس الباب الذي لم ينقطع.. ويتبعه دق شديد باليد فوق الباب وربما لم يصل الأمر له واضحًا أثناء نومه لبُعد الغرفة قليلاً عن باقي الشقة ولكن الأن يسمع بوضوح.. وهذا ما جعله ينتفض من فوق الفراش راكضًا خارج الغرفة دون أن يرتدي شئ على جسده العلوي العاري حتى.. فتح باب الشقة بفزع ينظر للطارق لينبض قلبه بفزع أشد حين وجدها أمامه “صفية” تبكي بانهيار حتى أنها لا تجد مجالاً للحديث، وشهقاتها تتعالى حتى كادت تصم أذنيهِ..
هناك لحظات نتمنى فيها ألا ندرك ما يحدث.. نتمنى لو بمقدرونا صم أذنينا عن سماع خبرًا لن يرضينا..
ابتلع ريقه غير قادرًا على سؤالها لأنه يدرك جيدًا بشاعة الإجابة، لسانه لا يطاوعه للسؤال عما حدث فقط ينظر لانهيارها بنبضات متسارعة وأنفاس ثقيلة، لم يستطع النطق.. فقط تصنم أمامها منتظرًا أن تلقي مصيبتها.
أخيرًا استجمعت بعض قواها وقالت من بين شهقاتها وهي تنظر له باستجداء وبنبرة أشبه للنواح:
_ ي.. يونس..
وها قد سقط قلبه قبل أن تكتمل الجملة حتى.. بالطبع لا.. لن يكون القدر قاسيًا لهذه الدرجة وسيكون قد أُصيب ولده الوحيد بمكروه..!!
ابتلع ريقة الجاف وهو يسألها بقلبٍ وجِل:
– ماله؟
هزت رأسها يمينًا ويسارًا بانهيار وهي تقول:
_ مش لقياه.. روحت الحضانة ملقتهوش.. ومحدش يعرف عنه حاجه.. مش لاقيه إبني.
بانهيار تام كانت تشرح له الأمر، ليحاول تهدأتها وهو يهتف:
_ اهدي بس مش يمكن أخوكِ عدى خده.
_ بقولك محدش يعرف عنه حاجة.. مش لقيينه اختفى من قلب الحضانة والغفير الي على البوابة بيقول ماشفوش.
حاول تهدأة ذاته واطمأننها وهو يقول:
_ طيب يبقى أكيد جوه الحضانه بس مدوروش كويس.. هلبس هدومي وأجي معاكِ… ادخلي.
أنهى حديثه متجهًا للداخل على الفور واتبعته هي وهي تكمل شرح ما حدث ببكاء:
_ سألوا زمايله عليه بيقولوا آخر مرة شافوه كان في البريك.. وصاحبه الي بيكون معاه دايمًا بيقول سابه وراح الحمام من بعدها مرجعش ففكر ان حد جه خده وروح.
كان يرتدي قميصه وهي تتحدث خلفه لينتبه لرنين هاتفه الموضوع فوق الكمود فقال وهو يتجه صوبه:
_ هتلاقيها الحضانة أكيد لاقوه.
دب الأمل بها لتتوقف عن البكاء وهي تسرع خطاها لتجاوره وهو يجيب على الهاتف، مرت ثانيتان ولم يبدو عليهِ أي شئ.. لتهتف بقلق:
_ هم؟ لقوه؟
كان كالجماد تمامًا وهو يستمع للطرف الآخر حتى انتهى وأنزل الهاتف من على أذنه، لتهتف بقلة صبر:
_ ها.. لقوه؟ ماترد يا يوسف في ايه؟؟
نظر لها بأعين تائهة وكأنه لا يراها أمامها، وجوم ملامحه وشحوب لون بشرته أنبؤها بأن كارثة ما على وشك الإحلال بحياتهما….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)