رواية لقاء في القطار الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم جوجو
رواية لقاء في القطار الجزء التاسع والعشرون
رواية لقاء في القطار البارت التاسع والعشرون
رواية لقاء في القطار الحلقة التاسعة والعشرون
أماتت ابنتى .. هل رودينا لم تعد على قيد الحياة بالفعل ..؟!! كيف ذلك .. إننى أراها الآن .. هذا الرجل اتصل بالخطأ أو أنه بالفعل من المشفى ولكنه قد أخبرنا بمعلومةٍ ليست صحيحة ..
لا .. ابنتى مازالت حيةٌ ترزق .. أشعر بذلك ..
وما حدث كان مجرد حلماً .. فلم تمت ابنتى .. لا لم تمت ابنتى .. مازالت هنا .. فى أحضانى .. تنام على يدى .. تهمس فى أذنى بكلمة ” بحبك ياماما ” ..
تلعب وتجرى أمام عينى وأراقبها وأخاف عليها .. قائلةً لها ” متجريش يارودى عشان متقعيش ” .. ولكنها بالفعل تقع .. ابنتى تحوم حولى تستعطفنى أن أفيق وأقوم لها .. نعم سأفيق .. ابنتى هنا معى .. تلازمنى .. تجلس جانب سريرى وتنتظر استيقاظى ..
نعم سأفتح عينى الآن .. وسأجدها تنظر لى فى ضحكةٍ مكتومة وتقول لى ” برده حسيتى بية ياماما وعرفتى انى جنبك هنا ” فأرد عليها قائلةً ” وازاى محسش ببنتى روح قلبى ” .. تضحك ملء قلبها وتنزع عنى الغطاء الدافئ وتطلب منى القيام للفطور معها .. فهى قد حضرَّت الفطور ..
الآن سأفتح عينى لتقل لى نفس جملتها الدائمة لى قبل زواجها ..
حان الوقت لأفتح عينى ..
فتحت عينى ولم أجد سوى ثلاث سيدات .. هن اختى عفاف ومروة ابنتها وآية .. يحيطهن السواد وإحمرار العين .. أبحث بعينى عن ابنتى رودى ولكن لا أجدها .. غابت ذكرياتى مع ابنتى فى لمح البصر وتذكرت تلك المكالمة التليفونية .. لعلها لعبةٌ سخيفةٌ من أحد موظفى المشفى .. حاولت النهوض ولكن شئٌ ما يقيدنى ويُحَجِّر جسدى .. لم أستطع النهوض وحدى .. فساعدتنى الثلاث سيدات على النهوض .. وتساءلت فى إرهاقٍ وخوف ..
عواطف : مين اللى اتصل بفاروق ؟
آية ( فى خوف ) : المستشفى ياماما ..
عواطف : طلعوا غلطانين صح .. بنتى لسة عايشة مماتتش .. صح ياعفاف .. صح يامروة .. صح ياآية .. ما تردوا علية انتو مبتردوش ليه .. بتداروا وشكم عنى ليه ؟
بالفعل الثلاث سيدات يدارين وجههن ويبكين بشدة حزناً على عواطف وحسرتها على موت ابنتها .. وترجع تتساءل مرةً أخرى ..
عواطف : طيب فاروق فين ؟ وحاتم فين ؟ وجوزك فين ياعفاف وانتى يامروة جوزك جه واللا لسة ؟ هو انا ليه مش سمعالهم حس ..
آية : اهدى ياماما ..
عواطف : فين الناس التانية ؟ راحوا فين .. اهدى ايه وبتاع ايه ؟ حيجبوا رودينا صح ؟
مروة : ياخالتو هما فى المستشفى بيخلصوا الإجراءات ؟
عواطف : معقول ؟ رودى حتخرج من المستشفى بالسهولة دى ..
مروة : لا حول ولا قوة إلا بالله .. هى حتخرج ياخالتو واحنا بعد شوية حنروحلهم ناخدها ونرو……..
عواطف ( مقاطعةً لها فى عنف ) : اخرسى .. نروح بيها فين .. احنا حنجيبها هنا بيت ابوها وامها تخلص بقية علاجها ..
تسرع عفاف لاحتضان اختها قائلةً ..
عفاف : قوى قلبك ياعواطف .. رودى راحت مكان احسن من عندك .. راحت عند اللى رحمها من مرض فتاك .. وكان ممكن بعد العملية دى المرض يرجعلها تانى .. ده من رحمة ربنا عليها انه مطولش عليها التعب .. احمدى ربنا وادعيلها .. هى محتاجة دعاكى ..
تصرخ عواطف بلا حراك .. فقد قلت من قبل أنها قد شُّلت .. ظلت تصرخ وتصرخ وتصرخ ..
عواطف : لا لا انا بنتى مماتتش .. بنتى مماتتش … طب وعيالها .. طب حيعملوا ايه من بعدها .. حيتربوا ازاى من غيرها .. لا لا بنتى مماتتش انتو بتهزروا ..
رن هاتف آية وإذ بالمتصل هو حاتم .. فتتنحى آية جانباً للرد عليه حتى لا تسمع أمه ذلك الحديث الدامى .. ولكن لاحظت عواطف ذلك التحرك فظلت تصرخ بآية ..
عواطف : ردى قدامى هنا .. رايحة فيييييييين .. هنا قدامى ..
آية : حاضر حاضر ياماما .. اهدى انتى بس الله يخليكى انتى مش ناقصة .. ألو أيوة ياحاتم ..
حاتم : خلاص ياآية خلصنا الإجراءات ومن ساعة ما ماتت رودينا وهما حاطينها فى تلاجة .. ومش راضيين يغسلوها .. لو سمحتى تيجى انتى ومروة وسيبى خالتى مع ماما .. عشان تغسلوها انتو ونروح ندفنها ..
آية ( بحزن ) : حاضر ياحاتم ..
تغلق آية الهاتف وتجد حماتها ناظرةً لها .. متسائلةً ..
عواطف : انطقى كان بيقولك ايه ..
آية : لا ياماما مكنش بيقول حاجة ..
عواطف ( فى انفعال ) : متكدبيش علية .. قولى .. انطقى ..
آية ( فى ارتباك وحزن ) : عايزنا نروح انا ومروة عشان نغسل رودينا ..
عواطف : حاجى معاكو ..
مروة : تيجى فين بس ياخالتو وانتى بالحالة دى ..
عواطف : لازم اشوف بنتى ..
عفاف : استهدى بالله بس ياعواطف .. حتروحى ازاى وانتى مش قادرة تتحركى ..
عواطف ( فى صرخة ) : حروح يعنى حروح .. حرام عليكو ياعالم .. دى بنتى الوحيدة وماتت لازم اشوفها .. لازم ابوسها ..
آية ( فى بكاء ) : وحتروحى ازاى بس ياماما وانتى كدة ..
عواطف : حتى لو حزحف .. بس لازم اشوف بنتى قبل ما يخفيها التراب .. ( ثم فى بكاءٍ حار ) : أرجوكم متحرمونيش من اللحظة الأخيرة لية معاها .. أرجوكم .. لو لية عندك خاطر ياعفاف تودينى عند بنتى ..
عفاف : طيب اهدى انا حكلم حاتم ..
خرجت عفاف من الحجرة وأمسكت عفاف بهاتفها المحمول واتصلت بحاتم ..
عفاف : ايوة ياحاتم .. ماما عايزة تيجى معانا ..
حاتم : تيجى فين ياخالتو .. وازاى وهى بالحالة دى ؟
عفاف : اسمع انا لسة عندى الكرسى الطبى اللى كان بتاع جدك الله يرحمه .. حروح اجيبه من البيت وحنيجى بتاكسى ..
حاتم : لا حول ولا قوة إلا بالله .. ياخالتو مينفعش حتتبهدلوا وانتو جايين وهى حيجرالها حاجة لو شافت رودينا ..
عفاف : ارجوك ياحاتم .. امك اعصابها تعبانة وكل اللى هى طلباه تشوف بنتها قبل ما ندفنها تحت التراب .. متحرمهاش من كدة .. ومتقلقش احنا حنقدر نيجى ومن غير مشاكل .. ها ياحبيبى قلت ايه ؟
حاتم ( بحزن ) : حقول ايه ياخالتو .. أمرى لله .. بس لو سمحتو نبهوا عليها متصوتش خالص ..
عفاف : لا ياحبيبى أمك عارفة ان ده حرام ومش حتعمله .. هى عايزة شوف بنتها بس وتبوسها قبل الفراق ..
حاتم : ماشى ياخالتو .. بس نبقى متابعين بعض بالتليفون لحد ما توصلوا المستشفى ..
عفاف : حاضر ياحبيبى .. مع السلامة ..
حاتم : مع السلامة ..
دخلت عفاف الحجرة مرةً أخرى قائلةً ..
عفاف : انا رايحة البيت حجيب حاجة وراجعة وعلى ما ارجع تكونوا لبستوا عواطف عشان نمشى على طول ..
عواطف : بجد حروح اشوف بنتى ؟!
عفاف ( دامعة العين ) : ايوة ياحبيبتى حتشوفيها ..
خرجت عفاف وهى مختنقةٌ من بكاءها على أختها وحسرتها على ابنة أختها ..
وبعد ساعة كانت عفاف كانت قد رجعت بالكرسى المتحرك وكانت آية ومروة قد ساعدا عواطف فى ارتداء ملابسها .. وتحركن جميعاً إلى المشفى .. وهناك .. تجمع الكثير من الأقارب والأصدقاء .. فوجدن أيمن وزوجته فاطمة .. ووجدن زوج عفاف التى لم تكن تتوقع وجوده ..والعديد من زملاء حاتم فى عمله وأصدقاء والده ..
نظرت عواطف إلى فاروق دامعة العينين وعاجزة الحركة .. توجه ناحيتها فاروق وجلس على أصابع قدميه محاولاً مواساتها وهو محترق القلب .. بكى رغماً عنه وأمسكت عواطف برأسه رافعةً إياها جهة عينيها .. متساءلةً فى حزنٍ مبكى لمن حولهم ودامى القلوب ..
عواطف : صحيح يافاروق بنتى ماتت ؟
فاروق ( بإيماءةٍ من رأسه تعنى الإيجاب ) : …………
عواطف ( مستسلمة لحرقة قلبها ) : عاوزة اشوفها يافاروق ..
فاروق : بلاش ياعواطف ..
عواطف ( فى توسل ) : يعنى اهون عليك تحرمنى من انى اشوف بنتى ..
فاروق : انا خايف عليكى ..
عواطف ( باكيةً ) : تخاف علية من بنتى الميتة .. مش حتعملى حاجة .. خلاص ماتت .. ياريتها كانت عايشة وتعمل اللى هى عيزاه فية ..
فاروق : أستغفر الله العظيم .. انا خايف يحصلك انتى حاجة ياعواطف .. انتى مش ناقصة ياحبيبتى ..
عواطف ( بدموعٍ حارة ) : مش حيجرالى حاجة أكتر من ان بنتى ماتت .. ( ثم بحشرجة صوت وبهمس ) : أرجوك متحرمنيش انى اشوف بنتى لاخر مرة ..
فاروق : طيب بعد ما تتغسل ادخلى شوفيها ..
عواطف : لا انا عايزة ابقى معاهم وهما بيغسلوها .. عايزة ألمسها وهى بتتغسل وأحس زى زمان لما كنت بحميها وهى طفلة .. أحس بلمسة جسمها فى صوابعى .. فاكر يافاروق لما كنت بقولك البنت جسمها ناعم اوى ومن غير اى دهان عليه .. فاكر كنت بتفرح بيها قد ايه .. فاكر لما كنت بتلاعبها وكنت بصوت فيك واقولك سيبها تنام بقى عشان نقدر نشوف حالنا .. انا عايزة اشوف كل الذكريات دى وانا معاهم جوة وهى بتتغسل .. أرجوك ..
فاروق ( بألم ) : ده كتير عليكى ياعواطف .. مش ممكن اسمح بكدة .. انتى تموتى فيها ..
عواطف ( بصدقٍ وألم ) : ياريت .. ياريت اموت وادفن جنبها .. أرجوك .. لو لية خاطر عندك دخلنى معاهم أقضى أكتر وقت ممكن معاها قبل ما تبعد عنى من اللى فاضلى من عمرى ..
نظر فاروق إلى حاتم متسائلاً بما يفعل مع عواطف .. فأومئ له حاتم موافقةً على طلب أمه ..
ودخلت عواطف على ابنتها ومعها آية ومروة وعفاف وفاطمة .. وجدتها نائمةٌ .. تشع بياضاً ورائحتها جميلة وذكية .. اندفعت جهتها .. تلمست جسدها .. متحدثةٌ معها ..
عواطف : عمرى ما حنساكى يارودى .. ده انتى اول فرحتى .. حتوحشينى يارودى .. حتوحشى ماما ياحبيبة ماما .. فاكرة يارودى لما كنتى بتقوليلى اوعى تموتى وتسيبينى ياماما .. اهو انتى اللى سيبتينى .. هانت عليكى ماما عشان تسيبيها ياحبيبتى .. هنت عليكى تسيبنى لوحدى فى الدنيا .. طب اعيش ازاى من غيرك ..
ارتمت آية على الأرض من شدة بكاءها وظلت تقول ..
آية : كفاية ياماما .. كفاية .. حرام ..
عواطف : كفاية ازاى ؟ بنتى سابتنى ياآية .. ماتت .. مش قادرة اعملها حاجة .. انا حتى مش قادرة حتى اقوم اقف على رجلى عشان اغسلها معاكو .. طب اودعها ازاى وانا عاجزة ياآية .. ها .. قوليلى انتى يامروة اقف ازاى على رجلى عشان ابوس بنتى .. وانتى ياعفاف تقدرى تقومينى عشان ابوسها واضمها لحضنى .. قوليلى انتى يافاطمة اعمل ايه عشان محسش بالعجز فى اخر لحظات بنتى معايا .. مش عارفين تردوا .. صح ..
كان الأربعة نساء يبكين من حال عواطف وكلماتها المحرقة لقلوبهن جميعاً .. ثم تحركت آية جهة عواطف ومعها مروة وعفاف وفاطمة وساعدوا عواطف على النهوض وأمالوها قليلاً جهة وجه ابنتها الذى يشع نوراً .. وقبلَّتها .. ثم قالت ..
عواطف : سامحينى يانن عين أمك لو كان بإيدى كنت قمت بنفسى .. موتك هو اللى عجزنى ..
مسحت عواطف دموعها وقالت لهن ..
عواطف : ياللا غسلوها .. وخلوا بالكم محدش يجرحها او يعورها .. انا حستنى على جنب اتفرج عليكو .. فى الجنة يارودينا ان شاء الله ..
بدأت النساء الأربعة فى تغسيل رودينا .. وأخيراً انتهوا .. وخرجت آية معلنةً عن الانتهاء .. وبدأ الرجال فى التحرك لحمل الجثمان ..
وداعاً رودينا .. وداعاً لتلك الطيبة التى لم تتواجد فى أحد مثلك .. وداعاً ونحن نطلب من الله الرحمة لكِ والغفران لكِ والثبات منك عند السؤال ياأحب المخلوقات للجميع .. وداعاً ياابنتى ..
كنت أسمع فى الأخبار كلمتى ” إراقة الدماء ” ولكن أثناء دفن ابنتى أمام عينى شعرت بكلمتين أخريتين وهما ” إراقة الدموع ” .. تساقطت دموعى منى كالشلال على قبر ابنتى .. هل شعرتى بها يارودى ؟ هل لامستك دموعى .. هل وصلت لكِ عبر التراب .. هل تصدقين أن أمكِ كانت ولازالت وستظل تحبك مهما تواريتى فى قبرك ..
لآخر لحظة فى عمرى سأظل أحبك ولآخر نقطة دمٍ تسيل من جسدى ستظلين متربعةٌ داخل قلبى ..
كانت عواطف ساهمةٌ وسارحةٌ وغير مصدقة بأنها لن ترى ابنتها مرة أخرى .. ويقطع شرودها صوت ابنها المتبقى لها .. قائلاً ..
حاتم : ياللا ياماما ..
عواطف : ياللا على فين ؟
حاتم : نروح البيت ..
عواطف : ونسيب رودينا لوحدها ..
حاتم : لا حول ولا قوة إلا بالله .. هو ده حال الدنيا .. ادعيلها ياماما .. ده اللى هى محتاجاه منك ..
عواطف : يعنى مش حشوفها تانى .. مش حتدخل علية من باب الشقة تقولى ماماااااااااا وحشتينى .. خلاص ياحاتم الكلام ده كله مش حيحصل تانى ..
حاتم : كفاية ياماما حرام عليكى نفسك .. ادعيلها ربنا يرحمها ويغفرلها .. ياللا ياماما ورانا حاجات كتيرة فى البيت ولازم نمشى ..
عواطف ( فى توسل ) : طيب اقعد كمان شوية .. اطمنها بس .. اطمنها انها حتفضلى فى قلوبنا عمرنا ما حننساها ياحاتم .. عشان خاطرى ..
تتحدث عواطف مع ابنتها المتوفاة فى حزن قائلةً .. أريد أن أجلس بجانبك عمرى كله ياابنتى .. ولكن لا شئٌ بيدى .. فلقد حان وقت الرحيل عنكِ .. ولكنى لن أنساكِ .. كيف تنسى الأم ابنتها .. سأظل بجانبك ودائماً ما سأزورك .. حبيبتى .. تثبتى على دين الله ..
ابنتى .. أستودعك الله ..
رحلت عواطف من المكان وشعرت بأنها قد تركت روحها فيه .. جسداً هزيلاً وعاجزاً لا يستطيع الحراك .. لم تستطع أخذ ابنتها فى أحضانها لآخر مرة وهذا سببٌ من أسبابُ ألمها .. شعرت أنها قد تخلت عن ابنتها فى آخر لحظاتها معها ..
وصل الجميع إلى شقة عواطف مستعدين لاستقبال من سيأتى للعزاء فى ابنتهم .. وذهب معهم محمد زوج ابنتهم .. كان فاروق وحاتم مغتاظين منه ولكنهما لا يستطيعا أن يتحدثا معه فى ذلك الوقت وربما لن يتحدثا معه للأبد .. إلا فيما يربطهما ببعض وهما أبناء رودينا ..
جلس محمد وحيداً فى ركنٍ بالشقة .. لم يعيره أحد اهتماماً .. حتى لم يعزيه أحد .. شعر بأن جميع الأهل والأقارب يعرفون بحكايته وإلا فلماذا يبعد عنه الكثير حتى أمه .. لا يتحدث معه أحد .. كان يفكر .. هل يعتقدون أننى لا أحب رودينا .. الكل يعرف بأن رودينا هى حب عمرى .. نعم أخطات فى حقها وأنا نادمٌ على ذلك وأرجو من الله أن يَصِل لها ندمى هذا .. تخليت عن أحلامنا سوياً وتخليت عن مستقبلنا من تحت رأس تلك المرأة الشيطانية التى تغلبت علىّ وجعلتنى أهجر أحب الناس لى .. تلك المرأة التى أبعدتنى عن أطفالى وكلما أتوا إلىّ تعاملهم بقسوةٍ شديدة ويبكون منها حتى يرجعون مرةً أخرى إلى رودينا ولم أكن أستطيع فعل شئٌ لهم فرقبتى ومالى وشقائى طيلة السنوات الماضية بيديها .. لماذا ذلك الخوف وكيف لا أستطيع استرجاع مالى .. كيف فعلت ذلك بنفسى وأين الملاذ منها وأين الحل لمشكلتى .. ألأننى رغبت فى إمرأة أقبل أن تدمر حياتى .. ماذا أصف نفسى ..
هكذا كان حديث محمد مع نفسه .. كان نادماً وحزيناً على فراق حب عمره عنه .. ولكن يامحمد ماذا سيفيد ندمك الآن .. فلقد ضاعت منك رودينا .. أبعد أن فقدتها تندم عليها وتشعر بجحيم من الألم الذى أصابك .. لماذا بعد الفراق نشعر بنارٍ تحرقنا ونشعر بقيمة من فارقناه .. لماذا ؟!!
ثلاث أيامٍ للعزاء لم يخلو منهم البكاء والحسرة على شباب رودينا .. لم يقتنعوا بعد بأن الموت ليس بالعمر الكبير ولكنه بإرادة الله .. ثلاث أيام والأم المكلومة تجلس وحيدة بغرفتها لا تريد مقابلة أية شخص جاء للعزاء .. فما تزال مقتنعة بأن ابنتها على قيد الحياة .. وما هى إلا أيامٌ قلائل وسترجع رودى فى أحضانها مرةً أخرى .. حالة من الصدمة وصلت لها الأم جعلتها فقدت الذاكرة فى توقيت وفاة ابنتها ..
حاولت معها آية كثيراً .. جاهدت معها عفاف أكثر .. واستها مروة بقدر ما تستطيع .. وتحدثت معها فاطمة بأن ما تنتظره لن يأتى .. فالموت هو الموت دون رجوع ..
وفقط بعد مرور الثلاث أيام أخرجها فاروق من حجرتها لتجلس بينهم دون ضيفٌ يعزى .. الأسرة فقط .. مكونة من الأب والأم والابن وزوجة الابن والخالة وابنتها وزوجها وأطفال المتوفاة .. ثلاثة أطفالٍ يجرون ويلعبون ولا يفهمون ما يحدث .. ابنة رودينا الكبرى وتدعى جنة تسأل جدها عن أمها ويحاول الجد أن يتماسك أمامها ..
جنة : فين ماما ؟
فاروق : ماما ياحبيبتى عند ربنا ..
جنة : طب وحتيجى امتى ؟
فاروق : لا ياحبيبتى مش حتيجى خلاص ..
جنة : ليه ياجدو ؟
فاروق : عشان ياحبيبتى اللى بيروح عند ربنا مبيرجعش تانى ..
جنة : طيب وهى سابتنا ليه ؟
فاروق : تعبت ياحبيبتى شوية فربنا ريحها من تعبها ..
جنة : طب…..
حاتم : خلاص بقى ياجنة روحى إلعبى مع اخواتك ياللا ..
جنة : حاضر ياخالو ..
تنشغل جنة باللعب مرةً أخرى وتنسى أمر أمها .. مازالت صغيرة على فهم كلمة الموت .. فهمت فقط أنها عند الله ومن ذهب إلى الله لن يرجع مرة أخرى .. نظرت لها عواطف ولأخيها كريم فى حزنٍ .. ثم قالت ..
عواطف ( فى حزن يمزق الجميع ) : كان كريم يقول لامه هو انا عشان اكبر لازم اكل تقوله رودينا ايوة ياكريم لازم تاكل عشان تكبر .. قالها بس اللى بيكبر بيموت قالت له ايوة ياكريم مظبوط .. راح قالها طب ياماما متاكليش عشان متكبريش وتموتى ..
انفطرت عواطف من البكاء .. دارت آية وجهها وظلت تبكى فى صمت .. وكانت مروة جالسةً على الأريكة باكيةٌ أيضاً على حالة خالتها .. وأما عفاف فلقد غابت عن الحقيقة فى لحظةٍ بقولها ..
عفاف : دى صغيرة .. ماتت وهى صغيرة .. ازاى ..
مروة : ماما .. حرام الكلام ده .. الموت مهوش بالسن ..
غطت عفاف وجهها بيديها واسترسلت فى البكاء بحرقةٍ .. فلقد اشتركت قبل زواجها مع عواطف فى تربية رودينا .. فلقد تلقتها على يديها أثناء ولادتها .. واعتنت بها كثيراً وكأنها ابنتها .. إنها الأخت الكبرى لمروة .. كيف لا تتمزق ألماً من فراق ابنتها ..
تألم حاتم كثيراً ولكنه لم يستطع فضح مشاعره جهة موت أخته فهو يحاول التماسك مثل والده حتى يأخذونهما قدوة ويفعلون مثلهما .. وأكثر ما يؤلمه انهيار أمه وعجزها عن الحركة .. كيف يمكن علاجها من ذلك العجز .. كيف يمكن إفاقتها قليلاً عن أحزانها .. فبادر بالطلب من أمه أن تتوقف قليلاً عما بها ..
حاتم : اهدى ياماما لو سمحتى ولو سمحتى ياخالتو اهدى انتى كمان .. ياريت نقرا عليها الفاتحة وندعيلها على طول .. ونفتكر ان ربنا رحمها من مرض زى ده ..
عواطف : غصب عنى يابنى ..
آية : ربنا يصبرك ياماما ..
عواطف : قلبى محروق عليها ياآية ..
آية : ربنا يعوضك باولادها ياماما ..
عواطف : ولادها دول حياتى بس مفيش حاجة تقدر تعوضنى بنتى ..
نهضت آية متأثرةٌ بكلمات حماتها ومشاروةً لمروة .. وقائلةً لحاتم ..
آية : حاتم انا حقوم اطبخ انا ومروة ..
حاتم : ماشى ..
آية : ياللا يامروة ..
اتجهتا آية ومروة إلى المطبخ لتحضير الطعام .. فتتلفت آية جهة مروة قائلةً ..
آية : خير يامروة .. كنتى عيزانى فى ايه ؟
مروة : انا بعد ما سيبتكم امبارح سمعت كلامك وروحت كشفت وكان معايا أمجد وانتى عارفة ان فى عمارتنا دكتورة نسا وولادة ..
آية : وبعدين .. قالت لك ايه ؟
مروة ( بحزن ) : قالت لى انى حامل فعلا ياآية ..
آية ( فى سعادة ) : ياحبيبتى ألف مبروك .. عملت لك اختبار ؟
مروة : ايوة عملت عندها الاختبار وفاضل على تحليل الدم حعمله بكرة ان شاء الله ..
آية : ياحبيبتى الف مبروك .. ان شاء الله يطلع حمل أكيد ..
مروة ( بحزن ) : يارب ياآية ..
آية : انتى زعلانة انك حامل واللا ايه يامروة ؟
مروة : بالعكس ياآية .. ده انا حسة بفرحة كبيرة اوى بس فى نفس الوقت مش عارفة اقولهم واللا مقولهمش ..
آية : انتى عايزة ايه ؟
مروة : والله ما انا عارفة ياآية .. انا خايفة اقول ومحدش يفرحلى ويقولوا مش وقته وساعتها حيجيلى احباط .. انا من رأيى استنى شوية .. على الاقل الاربعين .. انتى ايه رأيك ؟
آية : مش عارفة يامروة .. طيب هى طنط عفاف عارفة ؟
مروة : حقولها ازاى بس ياآية وهى بايتة مع خالتو عواطف من امبارح وعلى طول معاها فى اى مكان تروحه حتى لو الحمام ..
آية : خلاص أجلى الموضوع شوية بس مش للاربعين يعنى .. خليها كمان اسبوعين تلاتة كدة .. يكون الجو راق شوية ..
مروة : ربنا يسهل ..
آية : يارب ..
مرت الأيام وكانت آية فى خدمة حماتها منذ طلعة النهار حتى تنام حماتها ليلاً .. كانت تساعدها فى كل شئ وفى أدق الخصوصيات كانت تساعدها فيه .. لم تشعر عواطف بالاستياء بل سعدت بأن أحدٌ ما يساعدها دون ملل أو ضيق وخاصةً آية .. التى ذاقت من قساوة حماتها عليها ولم تتذمر إلا قليلاً .. ولم تشتكِ لزوجها قط .. وحافظت على تلك العلاقة التى بينه وبين والدته ..على عكس عواطف .. فلقد اشتكت لحاتم أكثر من مرة من آية وكانت تزيد فيما يحدث ولم تذكر له أبداً بأنها المخطئة فى حق زوجته ..
رأت فى آية الابنة البارة .. تمارس كل الأعمال المنزلية دون كلل أو ملل .. تذهب معهم فى ميعاد الدكتور رغم حملها الصعب .. تتحامل على نفسها وتتابع مع حماتها .. تعطيها الدواء وتستيقظ فى نصف الليل لمتابعتها ربما تكون محتاجةٌ شئٌ ما ..
كنت قاسية القلب معكِ ياآية ولم تقابلى قساوتى بقسوةٍ مثلها ..
بارك الله فيكِ يازوجة ابنى ..
بارك الله فيكِ ياابنتى التى لم أنجبها ..
بارك الله فيكِ ياآية ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لقاء في القطار)