روايات

رواية لقاء الجبابرة الفصل الأول 1 بقلم لبنى دراز ونوهان ناصر

موقع كتابك في سطور

رواية لقاء الجبابرة الفصل الأول 1 بقلم لبنى دراز ونوهان ناصر

رواية لقاء الجبابرة الجزء الأول

رواية لقاء الجبابرة البارت الأول

رواية لقاء الجبابرة
رواية لقاء الجبابرة

رواية لقاء الجبابرة الحلقة الأولى

إنْ أعطيتَني ما أطلبُ فبرحمتِك
‏وإن منعتَني فبِحكمتِك..
‏وأنا علي بابِك لا أبرحُ حتى أبلغ.💙
استغفروا الله
_____________________
(في روسيا بتمام الساعة التاسعة صباحًا )
كانت مستلقية على الأريكة ببرود شديد، بصرها معلقٌ بالسقف، تدندن وهي تعبث بيدها في خصلات شعرها بعشوائية، ذراعها الأيمن يتدلى على طرف الأريكة بلا مبالاة، تتساقط على أرضية الغرفة بقع دماء كثيرة؛ حيث كانت أصابع يدها اليمنى غارقة في الدماء بشدة، وهناك فتاة ذات شعر أصفر قصير يصل بالكاد إلى أذنيها ، تجلس بقربها وهي تمسك بيدها اليمنى التي ألقتها عن جانبها بكل برود، تطالع أظافرها بنظرات متهكمة، ثم حركت عينيها عن أظافرها، تنظر إلى ملامح وجه يارينا الخاوية تقول بنبرة صوت مرتفعة حانقة:
“هذه رابعُ مرة يارينا تأتينَ إليّ اليوم ؟؟ ماذا فعلتي بأظافري الجميلة أيتها الشيطانة ؟”
توقفت يارينا عن الغناء ثم مالت بوجهها نحوها ، تطالعها بنظرة حادة ، تقول ببرود شديد وهي تستقيم جالسة :
” أظافرك بالية مارفيلين وتتحطم بسرعه من بعض الخدوش، انظري إلى يدي لقد تلوثت بدمائهم العفنة، وهذا أمرٌ مزعجٌ أكثر من تحطم أظافرك الحمقاء”
فتحت مارفيلين فمها للحديث، فقاطعتها يارينا بنظرة مخيفة من عينيها، نظرة تعلمها مارفيلين جيدًا، لذا وببساطة التزمت الصمت ، و هي تنظر نحوها تراقب تغير نظرات عينيها برعب، فهي وإن كانت مجرد صانعة أظافر لها، فهي ليست بالودودة معها لكي تتقبل حديثها، وتسمح لها بالتدخل في شؤونها، أكملت يارينا حديثها بغموض :
“والآن كُفي عن الثرثرة واصنعي لي شيئًا قويًا، وضاعفي مقدار السم فيه ولا تبخلي ”
أومأت مارفيلين بصمت وهي تبتلع ريقها بوجل، في حين أغمضت يارينا عينيها واتكأت على الجدار خلفها ، تاركة الأخرى تباشر عملها في يدها، حتى انتهت من اقتلاع الأظافر المتهشمة، ثم وضعتهم في سلة المهملات بجوار قدمها وهى تقول بنبرة هادئة:
“سوف أذهب لإحضار مجموعة جديدة كنت قد أعددتها تحسبًا لمثل تلك الحالات ”
لم تجبها يارينا واكتفت بإشارة من يدها، في حين فرت الأخرى هاربة من أمامها لتنفيذ ما طلبته، وأثناء ذلك صدح صوت إحدى المذيعات في شاشة التلفاز الخاص بـ مارفيلين، تبث حدثًا مباشرًا عن الأوضاع التي يمارسها الكيان الصهيـ ـuـني في غـZة :
“قد وصل إلينا بيان أعلنه الهلال الأحمر عن وفاة مئات الأسر الفلـSـطينية جراء المجاعة، التي تفرضها الحكومات الإسـRـائـ ـيلـ ـية على مواطنين غـZة ، بمنع دخول أي مساعدات إلى القطاع، هذا ومحكمة العدل الدولية تغض الطرف عما يحدث من جـ ـرائم تنافي الإنسانية ضد أهالي القـ ـطاع ، وننقل الآن بث مباشر قد وصل إلينا من مصادر خاصة عن تعرض أحد الضباط الإسـ Rـائيـ ـليـ ـين، لبعض الفتيات المقيمات في إحدى المخيمات ، ووفاة إحداهن ضحية لإنقاذ رفيقاتها وإليكم الفيديو ….”
فتحت يارينا عينيها تنظر إلى ذلك الضابط ، والذي يشوشون على معالم وجهه بغضب شديد، ولكن واضح ما يفعله، دققت النظر أكثر في الفيديو، لاحظت أثر بقعة سوداء على ساعد يده الأيمن، ضغطت على قبضة يدها بقوة وداخلها يحترق مما ترى، نظرت إلى بقايا آثار الدماء على يدها باشمئزاز، نهضت واتجهت إلى الحمام الخاص بـ مارفيلين ، غسلت يديها وهي تفكر بأمرٍ ما ، تزامن ذلك مع سماعها لصوت مارفيلين تقول بمرح :
“لقد انتهيت أين ذهبتِ؟”
انتهت يارينا من غسل يديها ولاحظت بعض الآثار بجانب عنقها، تنهدت بضيق شديد ثم خرجت وهى تطلع إلى مارفيلين بنظرات غامضة تقول :
“اؤمل أن لا تتحطم سريعًا مارفي ”
ابتسمت مارفيلين وهي ترفع علبة زجاجية أمامها، والتي تحتوي على بعض الأظافر الصناعية القوية والمدببة ك السكين تقول مبتسمة بفخر بصناعتها :
“لا تقلقي عزيزتي ، هذه من أفضل ما صنعته ولن تتحطم بسهولة ولكن رفقا قليلًا بهم أنتِ …”
انتشلت يارينا العلبة من يدها وهي تقول بينما تنظر لها بحاجب مرفوع :
” وهل أنا قاسية يا مارفي ؟”
اتسعت عيني مارفيلين بقوة، وفتحت فمها لتقول أنها ليست قاسية بل هي فاقت القسوة بأشواط ، ولكن نظرة من عيني يارينا، جعلتها تبتسم متراجعة عن تلك الفكرة تقول بتوتر:
” لا يا عزيزتي، لم أقابل في حياتي من هو بمثل لطفك ورقتك ”
منحتها يارينا بسمة ساخرة وهي تقول:
“وأنا في حياتي لم أقابل من هو بمثل جُبنكِ يا حمقاء ”
ضيقت مارفيلين حاجبيها بضيق شديد، فأردفت يارينا وهي ترمقها بنظرة متهكمه:
” لا تتهربي من تدريباتك، تاتيانا منزعجة منكِ، أتعجب كيف صبرت عليكِ إلى هذا الحد ولم تقتلك لليوم ؟”
“ياري أخبرتك أنا لا أجيد القتال وهذه الأشياء، أنا أصنع الأظافر فقط وهوايتي تركيب السموم، لا أود الظهور على الساحة ”
أولتها يارينا ظهرها، ثم قالت بإيجازٍ:
“سنتناقش في هذا لاحقًا ”
توقفت فجأة ثم التفتت لها وهي تقول بنبرة غامضة :
” ألا زال ذلك الحقير هنا مارفي ؟؟”
ضيقت مارفيلين عينيها تسألها باستغراب :
“من تقصدين ؟”
“ذلك الخنزير يا فتاة قريبك ”
صاحت مارفيلين بعينين متسعتين حينما فهمت حديثها لتقول بنبرة متوجسه:
“أنتِ تقصدين ديفيد ؟”
حركت يارينا عينيها بملل وهي تقول:
“اللعنة ! هو هنا صحيح، إياكِ والإنكار مارفي ”
“أجل هو ما زال هنا، ولقد توقفت عن استقباله كما أمرتِ صدقيني لم أعد أحدثه ”
ابتسمت يارينا بخبث ثم قالت قبل أن تذهب :
“جيد فتاة مطيعة، الآن أريد منكِ أن تدبري لي لقاء معه اليوم ولا تسألي لماذا ؟”
التزمت مارفيلين بالصمت لمدة دقيقة واحدة قبل أن تنبس بفضول لم تستطع السيطرة عليه :
“هل فعل شيء سيء ؟”
سخرت يارينا وهي تنظر للفراغ أمامها :
“السيء هو كونه ذكرًا حقيرًا ”
ختمت بها حديثها وهي ترحل، في حين بقى نظر الأخرى عليها حتى غابت عن مرمى بصرها، لتسرع إلى هاتفها تبحث عن رقم ابن عمها، بأصابع مرتجفة وما إن وصل لها صوته يردف بحنق شديد:
“ماذا تريدين أيتها الفاسدة ؟ ”
تنهدت مارفيلين بصوت مرتفع وهي تشتمه :
“اصمت أيها الغبي، أخبرني هل فعلت شيء خاطئ هذه الأيام ولمَ لم ترحل حتى الآن يا أحمق ؟”
“وما شأنك بي، ألم تنبذيني من حياتك يا ..يا قريبتي ”
جابت قدمها أرضية الغرفة، وهي تشد على خصلات شعرها القصير، بغيظ شديد تصرخ في الهاتف:
“هذا ليس وقته لقد انتهينا من الأمر، اسمعني …”
” لن أستمع، اذهبِ إلى الجحيم …”
أوقفته مارفيلين بصوتها بسرعه وهي تقول:
“انتظر ديفيد …أتتذكر صديقتي ياري ؟”
صمت لبعض دقائق حتى شكت الأخرى بأنه لازال معها على الخط ،فعادت تهتف بنبرة متهكمه:
” ديفيد هل أنت معي ؟”
جاءها صوته يردف بنبرة متهكمة والحنق يقطر من بين حروف كلماته :
“تلك المختلة التي كسرت ذراعي ؛ لأني فقط مددت يدي لأصافحها نعم أتذكرها ”
“حسنا …هي تود رؤيتك اليوم ”
صاح الآخر بفم مفغر، وهو يعتدل في جلسته يشير إلى الفتاة التي معه بالغرفة بالذهاب :
“ماذا …ماذا تريد ؟”
“لا أعرف تمامًا ولكن ربما ترغب في الاعتذار منك على ما حدث ”
أردفت بهم مارفيلين وهي تستهجن حديثها الأحمق، والذي لو سمعته يارينا لقتلتها هي بدلًا من قريبها البالي.
ولم يكن الجواب بعيدًا فقد لمعت عيني الآخر بخبث وهو يقول :
” جيد أنها علمت خطأها، فأنا كنت جندي سابقًا وكان بإمكاني أن أزج بها في السجن ولكن تعلمين كم هو قلبي طيب ”
قلبت مارفيلين عينيها بتهكم شديد وهي تجبر ذاتها على الابتسام :
” نعم يا قريبي كم أنت ذو قلب أبيض ”
” إذن متى اللقاء يا ابنة العم ؟”
همست مارفيلين تحادث ذاتها :
” مستعجل على حتفك يا ديفيد، يا لك من معتوه نساء حقير ”
سمعته يهتف بضيق من صمتها الغريب لتعود إلى الواقع فهو يستحق ثم تمتمت وهي ترتمي على أريكتها :
” في منزلي، هنا سيكون اللقاء ”
أردف ديفيد بلهفة شديدة :
” أتعلمين كم أحبك يا فتاة ”
حركت مارفيلين رأسها في سخرية :
” نعم, تحب كل أنثى على وجه البسيطة كم أن قلبك كبير أيها الحقير
***
(في وقت سابق )
كانت يارينا تتمشى في الشوارع بعد خروجها من منزل مارفيلين، تضع كلتا يديها في جيبي سترتها تفكر في تلك الخطوة، هي متعطشة للفكرة وترغب بتنفيذها بشدة، كم أن عليها البحث عن صيدٍ جديد، وصلت بها أفكارها إلى منزلها، فتحت الباب ، وهي تجول بعينيها بحثًا عن أخواتها، فلم تجدهم ، لتبتسم بهدوء ها هو المنزل هادىٔ قليلًا، وضعت علبة الأظافر على الطاولة الصغيرة أمامها، ثم ألقت بسترتها الجلدية السوداء على الأريكة ، بعد أن نزعتها وهي تزفر الهواء بقوة، أغمضت عينيها وهي ترجع ظهرها للخلف لتسترخي بالكامل .
في تلك الأثناء وصل إلى مسامعها أصوات عالية تأتي من عُلية المنزل، وكأنها ثيرانٍ تركض هنا وهناك بمنزلها بعد هروبها من ماراثون ما، لتزفر بحنق أكثر وهي تفتح عينيها بغضب تقول :
“لا أحد يرتاح في هذا المنزل ”
نادت عليهم بغضب شديد، وهي تنظر إلى وجوههم المحدقة بها، بعد أن توقفوا عند الدرج يطالعونها بدهشة ، في حين كانت يد كل واحدة منهن ممسكة بشعر الأخرى تجذبها منه .
“انزلا حالا ”
بعد دقيقة كانوا يقفون أمامها مطأطأين الرأس وهي تصرخ بوجههم :
“ما هذه التصرفات تاتي وأنتِ إيلينا ؟”
هبت الاثنتان بالحديث في وقتٍ واحد :
“لقد قتلت صيدي ليلة البارحة وهو من حقي، أنا من استدرجته”
“حاولت قتل أليكس ياري، كما أنها ملئت حجرتي بالثعابين ومزقت ملابسي الجديدة، تلك الوغدة ”
رفعت يارينا يدها في وجهيهما تقول بغضب شديد :
” اصمتا لقد ضقت ذرعًا منكما تتشاجران كالأطفال، والآن استمعا أنتما معاقبتان ولن تنفذا عملية قتل واحدة، وإن علمت بأنكما خالفتما أوامري سيكون العقاب قاسيًا احذركما، والآن تصالحا لأرى الحب بينكما ”
صرخت تاتيانا وإيلينا بصوت مرتفع مستنكر، رمقتهما يارينا بنظرة حادة، فالتزما بالصمت غصبًا، ونظرا لبعضهما بابتسامة عريضة زائفة وهن يعانقن بعضهن بمحبة مصطنعة في حين كانت كلٌّ منهن تتوعد للأخرى سرًا، نظرت لهما يارينا بسخرية وهي ترى نظرات _ الحب_ لبعضهما قبل أن تسألهما :
“أين سيبيل ؟ ”
ردت عليها تاتيانا وهي تضحك:
” إنها في الجامعة المسكينة لازالت تعاني، أحيانًا أشفق عليها ”
اتجهت يارينا إلى الدرج تصعد إلى غرفتها، لكي تستحم وبلا أي مقدمات نبست بما لديها ببرود شديد :
“لدى مهمة خارج البلاد اليوم، لا أعلم كم سأبقى فيها، عسى إن عدتُ لا أجد إحداكما قتلت الأخرى، لا أريد أن أفقد أختًا أخرى، يكفيني ما حدث لأرمينيا، واحرصا جيدًا على أختكما الصغرى، إن علمتُ بأن جُردًا حقيرًا اقترب من محيط صغيرتي، أنتما من ستدفعان الثمن”
نظرت لها إيلينا بعينين ضيقه وهي تقول :
“إلى أين هذه المهمة ولما لا نذهب معكِ ؟”
بدون أن تتوقف عن صعود الدرج هتفت يارينا ببرود شديد:
“أنتما معاقبتان لا مهمات، ولا تنسيا لدي جواسيس في كل مكان إن حدثت جريمة واحدة في غيابي لن ارحمكما ”
تهكمت ملامحهما من ذلك العقاب القاسي، لتسألها تاتيانا :
” إذن أين المهمة تحديدًا ؟”
” إلى غـZة ”
***
(في مصر الساعة الثامنة صباحًا _مع مراعاة فرق التوقيت _)
في صباح يوم جديد ذهبت بسيل إلى عملها، فهو أصبح ملجأها الوحيد، بعدما خسرت صديقتها الوحيدة _ رحيل _التي ابتعدت عنها بعد معرفة حقيقتها، و استمعت إلى زملائها في العمل يتحدثون عن ما يحدث في فلـSـطين وتحديدًا غـzة في الفترة الأخيرة، شردت قليلًا في حديثهم و جال بخاطرها أمرًا ما و لكن كيف لها أن تنفذه ؟ و كيف تستطيع إقناع رئيسها بالعمل بالحصول على إجازة لكي تنفذ ما تفكر به .
أسئلة كثيرة تدور بذهنها، كيف ؟ متى ؟ أين ؟ من يساعدها ؟ انتظرت حتى انتهى دوامها، و خرجت مُسرعة إلى مصلحة الطب الشرعي حيث صديقها، الذي تعرفت عليه مؤخرًا، دكتور تميم و الذي يعلم عنها كل شيء، و يحاول مساعدتها لكي تتخلص من السم و تحيا حياة طبيعية مثلها مثل باقي الفتيات، اللواتي في مثل سنها، وعندما رأها تميم نظر لها وأردف بعيون تملأها السعادة :
” كوبرتي الجميلة إيه اللي فكرك بيا ؟”
جلست على المقعد الذى يوجد أمام مكتبه واضعة قدمًا فوق الأخرى بكبرياء وقالت :
“وحشتني، قولت أجي أطمن عليك”
ضيق تميم بين عينيه بشك ثم قال:
“مش ده السبب، هاتي من الأخر يا بيسا جايه ليه؟”
ضحكت بسيل بشدة حتى أدمعت عيناها و أردفت من بين ضحكاتها:
“هو أنت كدا على طول كاشفني و بتفهمني من قبل حتى ما اتكلم، بصراحة بقى يا تيمو بفكر فـ حاجة كده و محدش هيساعدني فيها غيرك ”
“و إيه هي بقى الحاجة دي إن شاء الله يا مغلباني؟”
“بفكر أروح فلـSـطين ”
نظر لها تميم بذهول مما قالته ثم قال :
“نعم !! تروحي فين ؟”
“أروح فلـSـطين ”
“تروحي فلـSـطين تهببي إيه هناك ؟”
اعتدلت في جلستها و نظرت إليه ببراءة و نبرة صوتها تكاد تكون مسموعة:
” أحـ ـارب معاهم بس بطريقتي”
نظر لها تميم بغيظ وقال:
“اللي هي إيه بقى طريقتك دي ؟”
“ما انت عارف يا تميم أنا بعمل إيه ”
” ما هي المصيبة إني عارف، بسيل أنتِ وعدتيني إنك تتعالجي، و اللي بتفكري فيه ده بيخالف وعدك ليا ”
“أرجوك يا تيمو، ساعدني، أعمل حاجة كويسه مرة واحدة فـ حياتي و بعدها هنفذ وعدي ليك”
“لأ، لأ يا بسيل مش موافق ”
نظرت اليه بعيون يملؤها الرجاء قائلة:
“أرجوك يا تميم سيبني أروح أكفر عن ذنبي، و أستخدم سمي مرة واحدة بس و أقتل بيه اللي يستحق القتل فعلا، و أوعدك بعدها هرجع و أتعالج، بس سيبني المرة دي بس”
“ده مش لو رجعتي يا بسيل، بيسا حبيبتي أنتِ بتعرضي نفسك للخطر و اللي بتفكري فيه ده مستحيل يحصل”
“عشان خاطري يا تيمو سيبني أروح و ساعدني أرجوك ”
ظل ينظر لها كثيرًا و هو ممسكًا بقلمه ينقر به فوق سطح مكتبه، وهو لا يعلم بماذا يُجيبها، و لكنه في النهاية _ و بسبب رجائها له و إصرارها على تنفيذ ما أخبرته به _ رضخ لطلبها وبعد تفكير قال مبتسمًا:
“امممم عايزاني أساعدك ازاي بقى إن شاء الله ؟ ”
“مش عايزة منك غير تقرير صغنون قد كده و تقول فيه إني مريضة ومحتاجة اجازة خمستاشر يوم، اسلمه للمدير بتاعي و سيب الباقي عليا ”
” أمري لله، حاضر يا بيسا هكتبلك التقرير، بس هتروحي هناك ازاي ؟”
ابتسمت بسيل و هي تنهض من مقعدها مردفه:
“أكتب أنت بس التقرير و متشغلش بالك بيا أنا هعرف اتصرف”
” لو ماشغلتش بالي بيكِ يا بسيل، هشغل بالي بمين يعنى ؟ ياريت تعرفيني ناوية على ايه ؟”
جلست على مقعدها مرة أخرى و نظرت إلى الفراغ أمامها و أردفت بشرود:
“ناوية أروح عن طريق الأنفاق ”
تحدث تميم و هو ثائر يستشيط حنقًا و صاح بها غاضبًا :
“أنتِ فعلا اتجننتي رسمي، تروحي إزاي عن طريق الأنفاق؟ انتِ كدا تبقي بتنتحري، اسمعي يا بسيل لو مصممة على رأيك انا هساعدك وأخليك تدخلي فلـSـطين من غير ما حد يشك فيكِ”
“بجد، بجد يا تيمو هتساعدنى ؟”
“أيوا يا مغلباني هساعدك وأمري لله علشان تعرفِ بس انكِ غالية عندي”
ابتسمت بسيل بسمة واسعة و صاحت بسعادة :
“أنا بجد مش عارفة اشكرك إزاي، بس ممكن أعرف هتعمل ايه”
“شوفي يا ستي، انا ليا صديق شغال في أكبر مستشفيات انجلترا انا ممكن اكلمه و أخليه يعمل لك ورق تبع الهلال الاحمر البريطاني و تدخلي بيه إيه رأيك ؟”
أردفت بسيل بسعادة :
“و دي عايزة كلام موافقة طبعا، ربنا مايحرمنيش منك يا أحلى تيمو في الدنيا ”
***
(بتوقيت روسيا، بعد مرور ساعتين )
كانت تجلس أمامه ، وهي تتطلع إليه بشرودٍ شديد، لاحظ الآخر نظراتها تلك، ليهتف بغرور شديد ، وهو يعبث بيده في خصلات شعره بعشوائية وتعتلي شفتيه بسمة واسعه _سخيفة _ هكذا وصفتها مارفيلين في عقلها:
“أعلم كم أنا وسيم، هل تتحسرين على خسارتي يا ابنة عمي ؟”
قلبت مارفيلين عينيها بسخرية شديدة ،وهي تداعب عنقها من الخلف، مقررة تجاهله، وهي تنظر بعينها إلى ساعة يدها، تنتظر حضور يارينا حتى تتخلص من ذلك المعتوه، الذي كانت في يومٍ من الأيامِ تسميه حبيبًا لها، وفجأة رأته ينهض وهو ينظر إلى نفسه في المرآة _التي تتوسط البهو_ يقول وهو يبتسم لانعكاس صورته بغرور :
“كم أنا وسيمٌ بالفعل، ألا توافقينني يا مارفي ؟”
زفرت مارفيلين الهواء من فمها ، وهي تشيح ببصرها عنه ثم صدح صوت به شيء من السخرية:
” نعم وسيمٌ للغاية !”
ولم يكن هذا سوى صوت يارينا، التي كانت تقف أمامه في المرآة تمد يدها تدفع زجاج المرآة ، وهي تبتسم بسمة واسعه ، على عينيه اللتين تنظران لها بصمتٍ وفمه يتدلى بشره مقزز، تمالكت يارينا ذاتها وهي ترى ذلك، تخفي قبضة يدها خلف ظهرها.
في حين نهضت مارفيلين تقول بنبرة هادئة:
“أنا بالخارج إن احتجتم شيـئًا ”
لم يرد عليها أحد، سحبت نفسها من بينهم وغادرت سريعًا، سارت يارينا برشاقة أمامه تجلس على الأريكة، وهي تضع ساق على أخرى وبرغم ملابسها السوداء المكونة من بنطال جينز أسود ، وسترة سوداء من الجلد، مغلقة بعناية بالسحاب حتى أسفل رقبتها ويتدلى على ظهرها شعرها الأسود الطويل، وفقط تضع ملمع شفاه باللون …ماذا تتوقعون أحمر صحيح ؟ لا فهي رائعة حتى باللون الأسود .
كل ذلك جعلها فاتنة للغاية في عينيه ، للحد الذي جعله يسير وراءها كالمغيبِ تمامًا وعينيه تعرفان هدف واحد وهو تسليطهما على تلك الفتنة المتحركة وحسب، أسرع ديفيد يجلس على المقعد بجوارها وعلى ثغره بسمة واسعة، يتجاهل حتى كيف خرجت من المرآة، وهل تمتلك ابنة عمه بابًا سريًا؟ ولماذا؟ وهو يقول بصوت خرج من حلقه متوترًا :
” ماذا تريدين مني ؟”
حركت يارينا أهدابها الكثيفة بحركه خفيفة ، وهي ترفع عينيها له، مبتسمة بسمة واسعه ليست بريئة بالمرة، وهي تحدق به بنظرات بدت صافية في ظاهرها، وكأنها فتاة مراهقة تنظر لحبيبها بهيامٍ، في حين كانت عينيها _ في الحقيقة _ تنظران إلى وجهه بِكُره واحتقارٍ ، وهي ترى نفسها تدخل أظافرها في عينيه تفقأهما.
أفاقت من تخيلاتها حينما أطالت النظر له بشكل جعل الأخير يبتسم بقوة ، وهو يعبث بشعره مغترًا بنفسه ، وهو يظنها هائمة به وبوسامته الساحرة، ليناديها بلطف، لتهمس بصوت ناعم ينبعث المكر من بين حروف كلماتها :
“ماذا تريد أنت؟”
ابتلع ديفيد لعابه يردد بصوت أجش بعض الشيء ، وهو يحاول استعادة رباطة جأشه أمامها وألا يظهر لها مدى افتتانه بكل همسه تصدرها :
“أنتِ من ….”
رفعت يارينا ذراعها تعبث بخصلات شعرها وهي تقول بنبرة خطيرة ، سلبت ما تبقى من ذرات عقل لدى الآخر:
“أنت ناديتني فأتيت ؟ قلبي حدثني بذلك ؟ أتراه كاذبًا ديفيد ؟”
الرحمة حين نطقت بحروف اسمه لأول مرة، انهارت حصونه الواهية، ليجد نفسه ينفي سريعًا وهو يردف بلهفة شديدة :
“لا، لا، هو صادق، نعم أنا ناديتك ياري، تعلمين كم أحبك بالأساس و …”
أصدرت يارينا تنهيدة ، وهي تقاطعه تقول بنبرة هامسة:
“أعلم يا عزيزي، ولذلك أنا هنا، سمعت أنك ستغادر إلى تـA Lبيب وتتركني هل هذا صحيح ؟”
كانت يارينا تلعب على أعصابه، وهي تضغط على حروف كلماتها، وبنبرتها الرقيقة أطاحت بعقله ليسارع بالرفض وهو يقول :
” لن أذهب سأبقى هنا لأجلك”
” لا أريدك أن تفعل ذلك !”
غمغم ديفيد مستغربًا :
” إذن ماذا أفعل؟”
” سنذهب سويًا أرغب بزيارة بلدك ، والانضمام إلى الجيش حتى أظل برفقتك أطول وقت ممكن وحينها نقضي وقتًا لطيفًا هناك ”
نهض ديفيد وهو يبتسم بسمة واسعه يهتف بعيون متسعة من الصدمة:
” أحقا ما تقولين ؟ أنتِ لا تمزحين معي صحيح ؟ ما سر هذا التغيير ياري”
وكانت الإجابة هزة بسيطة من رأسها، وهي تبتسم في وجهه بلطفٍ أبغضته بشدة، وهي من داخلها تغلي وهناك مراجل من نارٍ أوقدت مشاعلها في صدرها، بينما خلف ظهرها، كانت تخفي يديها داخل قفازات من الجلد سوداء تجاهد نفسها ألا تنهض وتقوم بتمزيق صفحة وجهه، ونزع تلك البسمة البلهاء عن شفتيه، وهي تتذكر ما تراه على شاشات الهواتف والتلفاز وما يفعله هذا الحقير بالفتيات الصغيرات .
أردفت يارينا بإيجاز وهي تنهض، فقد اكتفت من ذلك اللطف البغيض الذي تمثله، لحظه أخرى وسوف تقتله إن لم تتحرك الآن وستبحث عن طريقه أخرى للدخول :
” وهل هذا التغيير سيء ديفيد؟ هل أعود إلى ما كنت عليه ؟”
سارع ديفيد يهتف بلهفة شديدة لا يهمه سبب تغيرها المهم أنها معه الآن، جمحت به خيلاته إلى منأى بعيد ، لتزفر يارينا بغيظ شديد تضع يدها على سلاحها وهي تقبض بيدها الأخرى على قبضتها من طريقة تفكير ذلك الحقير بها الآن :
” لا يا عزيزتي، لا يهم المهم أنك معي الآن، إذن ترغبين بالانضمام إلينا سيرحب قائدي فأنت فاتنه وأيضًا لديكِ بنية قوية”
” سنسافر الليلة ، ما رأيك؟”
همَ ديفيد بالاعتراض وهو يفتح فمه، يخبرها بأنه يحتاج بعض الوقت لكي يجهز أوراقها، لتشير له يارينا ، وهي تهمس بصوت ناعم قرب أذنه، بينما أغمض الأخير عينيه وهو يستنشق رائحتها بتلذذٍ كبير :
“سأنتظرك بفارغ الصبر أعلم أنك تستطيع فعلها ديفيد، و رغم ما تمر به بلادك ، من مقاومات أنتم تحتاجونني، فقط اعرض الأمر على قائدك، ما حدث معك مؤلم أرغب بالوجود لحمايتك ،وعائلتك هناك سمعت أن أخواتك التؤام أسيرين لدى القـ ـسـ ـام، وأود التعرف عليهم، اثبت لي أنك تستحقني وبعدها …”
أبقت يارينا حديثها معلقًا وهي تبتسم بخبث، ليكمل ديفيد وهو ينظر بعينيها بوله شديد وهناك بسمة خبيثة اعتلت محياه:
“وبعدها ستكونين لي صحيح؟”
غمزت يارينا بعينها وهي تبتسم بوجهه قبل أن تغادر من حيث أتت ، لتختفي بسمتها معها ويعود وجهها إلى ملامحه الجامدة .
***
عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل :
نظرت لهن ببرود شديد وهي تغلق سترتها الجلدية ترفع شعرها للخلف، اقتربت منها أختها الصغرى سيبيل تقول بنبرة ضعيفة بعض الشيء :
” ياري لا تذهبي ”
رمقتها يارينا بنظرة حادة وهي ترفع حاجبها الأيسر بسخط تقول:
” سيبيل لا تتحدثي هكذا أمامي تعلمين كم انزعج من هذا، إياك والبكاء استمعي لإخوتك جيدًا ، واكملي تدريباتك بجانب دراستك، ولا تنسي ما قلته لكِ لا تقتربي من أي حقيرًا يدعى رجلًا”
ختمت حديثها وهي تنظر إلى إيلينا وتاتيانا ، اللتين تضرب كل واحدة منهن الأخرى سرًا، مسحت يارينا المنطقة ما بين عينيها وهي تقول بسخرية :
” يا ويلي منكما، انتبها على سيبيل لن أكرر حديثي وأنتِ سيبي إذا قتلت إحداهن أحدًا أخبريني لأضاعف العقاب”
فتحت سيبيل فمها متذكرة ما فعلته إيلينا عند مغادرة يارينا للمنزل ، حيث رأتها تمسك برجل كان يسير من أمام المنزل ، فدعته لاحتساء بعض الكحول ، وقامت بضربه بشدة وحينما أبصرت نظرات سيبيل أردفت ببساطة وهي تدفع وجه الرجل ليسقط على الأرض :
“ماذا ؟ لم أقدر على منع نفسي إياك وإخبار يارينا بذلك ”
ابتسمت سيبيل تقول بخبث :
” لا أخبرها ولكن بشرط ”
قلبت إيلينا عينيها بتهكم تقول :
” حسنا، أنتِ معافاة من تدريباتي لمدة أسبوع ”
“موافقه ولكن لدي شيء آخر”
” اللعنة ماذا تريدين يا فتاة ؟”
ازدادت ابتسامتها وهي تردد بخبث :
“حفلة موسيقية تعدها الجامعة و أرغب بالذهاب ”
“لن نسمح لكِ !”
ضمت سيبيل ما بين حاجبيها بانزعاجٍ وهي تهتف مغتاظة:
“إذن سأخبر ياري بما فعلتي ”
صرخت ايلينا بغضب :
“أسمح لكِ ولكن أنا سأكون برفقتك وانتهينا ”
” لا أريد …لست صغيرة أنا في التاسعة عشر من عمري”
نظرت سيبيل إلى يارينا تقول ببسمة خبيثه :
” امم بهذا الخصوص ياري حبيبتي لقد رأيت ”
انقضت عليها إيلينا تمسكها وهي تضع يدها على فم سيبيل تبتسم لها بتوعد هامسة بصوت منخفض :
“سأدعكِ تذهبين بمفردك ولكن إن حدث شيء سأقتلك قبل أن تقتلني أختك ”
رفعت إيلينا رأسها تنظر ليارينا ببراءة شديدة وهي تحتضن سيبيل:
“حسنا لا تقلقي أختي كل شيء سيكون بخير ”
تطلعت يارينا نحوهم بملل وهي تميل بجذعها العلوي لتحمل حقيبتها الصغيرة .
***
في مصر بوقتٍ سابق :
بالفعل قام تميم بالإتصال بصديقه و طلب مساعدته، في تجهيز هوية بجواز سفر إنجليزي وأوراق تثبت أنها تابعة إلى الهلال الأحمر، ثم قام بكتابة التقرير الذي طلبته بسيل لكي تستطيع أن تقوم بالإجازة و تسافر إلى فلـSـطين، كي تتمكن من تنفيذ مخططها وتحارب معهم بطريقتها و تستخدم سُمها في القضاء على كل فرد تقابله من أفراد قوى الاحـTـلال الصهـ ـيـUني.
مرت عدة ساعات على لقاء بسيل بصديقها تميم استطاعت فيهم أن تقوم بأجازتها، بعدما كتب لها التقرير المطلوب و قامت بتقديمه إلى رئيسها في العمل و أعطاها الأوراق التي تساعدها على الدخول إلى غـZة مع فريق الهلال الأحمر .
أخذت حقيبة ملابسها بعد أن حقنت نفسها بكمية سُم كافية من أشد أنواع سموم الأفاعي و أخطرها ، ثم غادرت منزلها متجهة إلى رFـح، بعد علمها بموعد قدوم القافلة الطبية التي ستعبر من خلالها إلى غـZة، و بعد مرورها معهم وصلت إلى مخيم قريب من الحدود المصرية لكن اتجاه الأراضي الفلسطينية، واثناء توزيع بعض المعونات على اللاجئين في المخيمات استطاعت بسيل التسلل والهروب ثم توجهت إلى الشمال .
ظلت تتخفى عن الأنظار حتى استقرت بالقرب من إحدى المباني التي تم قذفها بالفعل ، والتي كانت بدورها بالقرب من تمركز قوات الاحتلال ، لتبتسم فهذا سيساعدها لكي تستطيع أن تحقق هدفها، الذي سافرت من أجله إلى هذه البلدة .
و بعد مرور بعض الوقت قررت أن تبدأ في تنفيذ خطتها ليلًا، و قامت بارتداء ذلك الزى الذي صممته خصيصا ، كي يتناسب مع لون جسدها حتى أنها غيرت من لون جلدها لتحتمي من خطر ما ولا تظهر للعين المجردة بوضوح ذلك الزى الذي يعكس أنوثتها الصارخة، و ارتدت قفازها، ثم خرجت تسير في طرقات المدينة تبحث عن مبتغاها حتى وجدته، حيث أوقفها ضابط إسـRـائـ ـيلي قائلا بلغته الأم:
“من أنتِ ؟ و إلى أين تذهبين؟ و ماذا تريدين ؟”
نظرت إليه بعيون يملأها مكر الأفاعي، وتحدثت الإنجليزية بابتسامة ماكرة:
“عفوًا أنا لا أستطيع فهمك ماذا قُلت؟”
تحدث الضابط و هو يتفحصها برغبة من شعر رأسها إلى أخمص قدميها:
“يبدو أنكِ لا تتحدثين لغتنا ”
“نعم ، أنا لا أتحدثها ”
“أنتِ لستِ من أهل البلدة إذن ؟ ”
نظرت إليه بسيل بذهول مصطنع:
” و كيف عرفت ذلك؟ ”
“أهل هذه البلدة يتحدثون لغتنا بطلاقة، ثم إنهم لا يجرؤن على السير، بالقرب من هذه المنطقة، لذا من أنتِ؟ و ماذا تريدين؟ ”
اقتربت منه بسيل بدلال وهمست بالقرب من أذنيه:
” أبحث عن شريكٍ يقضي معي ليلتي، فهل لك أن تشاركني ؟”
أومأ لها الضابط بالموافقة قائلًا:
“أوه بالطبع يا فاتنتي، أيعقل أن أرى كل هذا الجمال و أتركه يقضي الليلة بمفرده ؟ ”
“إذن اتبعني ”
“إلى أين يا عزيزتي؟”
تحدثت بسيل بمكر :
“إلى جنتي يا عزيزي ”
ثم همست لـ نفسها و هي تتجه إلى طريق خالٍ من المارة:
“جهنم و بئس المصير يا ابن الـ….”
ثم نزعت القفاز من يدها، وعندما قام الضابط بالاقتراب منها، قامت بغرس أظافرها داخل رقبته ، و يده وفي أقل من دقيقة سقط صريعًا بعد أن لقى حتفه ؛ إثر انتشار سُمها في جسده، ثم انتقلت إلى مكان أخر تضع شارة الهلال الأحمر لكى تستطيع التحرك بحرية .
***
في روسيا الوقت الحالي ، الثانية والنصف بعد منتصف الليل :
جلست على المقعد في السيارة تنظر إلى ساعتها بملل شديد وهي تتنهد تنهيدات حارة، أرخت جسدها على المقعد، تتكأ عليه بظهرها، حينما سمعت طرق خفيف على زجاج النافذة، لتفتح عينيها ببطء تطالعه بتهكم وهي تردف بغضب :
” ما كل هذا التأخير ..”
صمتت يارينا فجأة عندما كادت تسبه ، لتبتسم في وجهه بلطفٍ ، أخرج ديفيد عدة أوراق من داخل سترته يقول بأنفاس لاهثه :
“أعتذر يا حبيبتي فقط استغرق الأمر بعض الوقت حتى انتهيت من إعداد الأوراق الخاصة بكِ أنتِ نظيفة تمامًا وسجلك مشرق ، لكن لا تبتأسي القائد ما إن يراكِ سيوافق ، هناك بعض الاختبارات و..”
قاطعته يارينا وهي تمسك بالأوراق تقول بإيجازٍ:
“أعلم ذلك هيا بنا أين هي طائرتك ؟”
أشار ديفيد إلى داخل الغابة يقول بنبرة متحمسة :
“هناك في قلب الغابة”
منحته يارينا بسمة ساخرة، وهي تنزل من السيارة تحمل حقيبتها الصغيرة، سار هو بجوارها وأنفاسه تعلو مختلطة بالهواء البارد من حولهم وهو يردف بمكر :
” هل تشعرين بالبرد يا حبيبتي، تعالي إلى ….”
عضت يارينا على شفتيها من الداخل تجبر ذاتها على التماسك أكثر وهي تقول بصوت خرج من أعماقها حانقًا ، وإن حاولت جعله ودودًا بعض الشيء :
“سيكون لدينا كل الوقت لفعل ما تريد لذا اهدأ قليلًا ”
زفر ديفيد الهواء متهكمًا، وهم بوضع يده على كتفها فانحنت يارينا بسرعه تدعي ربطها رباط حذائها ، الذي انحل فجأة، ثم استقامت سريعًا تنظر له ببسمة صفراء، مضت دقائق حتى أشار ديفيد إلى طائرة الهليكوبتر وهو يقول مبتسمًا ما إن أبصرها :
” من بعدك يا عزيزتي ”
“أريد أن أتولى القيادة”
“هل تعلـ ….”
” أجل لا أريد أن أرهقك، أحتاجك بكامل طاقتك لا تنسى أنت لا زلت متعبًا هيا استرح قليلًا”
أومأ ديفيد بصمت وهو لا يصدق ما يسمعه منها، كرمش ملامح وجهه بألم فلا زالت إصابته في قدمه اليمنى تؤلمه ، وما إن استقروا في مواضعهم نظرت له يارينا ببسمة صغيرة وهى تقول :
“هل أغني لك ؟”
” ولما لا ، اطربي قلبي بغنائك حبيبتي”
تنهدت يارينا بصوت مرتفع ، ثم بدأت تدندن بصوت عذب، وهي تنظر لعينيه مباشرة، جاهد ديفيد لإبقاء عينيه مفتوحتين ، وهو لا يدري ماذا أصابه ، حتى سقطت رأسه في نومٍ عميق، ألقت يارينا عليه نظرة مشمئزة وهي تقول بضيق شديد:
“الآن يمكنني التنفس قليلًا أيها الحقير”
***
في صباح اليوم التالي، بدأ يفتح عينيه ببطء ، يستمع لذلك الصوت الناعم الذي يهمس بالقرب من أذنيه ، ليبتسم بسمة واسعه وهو يستدير يطالع وجهها المليح ، يقول بصوت أجش من أثر النوم :
“هل وصلنا يا عزيزتي ؟”
“اجل، نحن الآن فوق الغلاف الجوي لـ تـALبيب وقبل أن يقصفونا ابعث رساله لهم بأننا وصلنا ”
ابتسم ديفيد وهو يمسك بالجهاز يبعث لهم رسالة مشفرة وبعد مرور بعض الوقت ، هبطت الطائرة في مكانها المخصص له ، فوق سطح إحدى البنايات، خرجت يارينا وبرفقتها ديفيد والذي كان في استقباله بعض الضباط الإسـRـائيليـ ـين والقائد معهم، رحب بهم وهو لم ينزع عينيه عن يارينا ، يقول بغزل:
” إنها أجمل في الحقيقة ، الصور لا تظهر مقدار جمالك آنستي ”
ابتسمت يارينا بخجل مصطنع، فرفع ديفيد رأسه مغترًا بأن تلك الفاتنة من نصيبه، يخرج بعض الأوراق وهو ينظر إلى قائده يقول :
“هذه هي الأوراق يا سيدي وإنها مستعدة لأي اختبارات ”
نظر القائد بعينيها الساحرتين يقول بخبث شديد:
“لا، لا، ليس هناك داعي فهي تملك أقوى سلاح يا ديفيد ”
ليضحك ديفيد بقوة يقول مؤكدًا :
“اجل معك حق في ذلك ، إذن سنذهب للاستراحة قليلًا، نحن مرهقين من السفر، أعلمك شيئًا إنها بارعة في كل شيء”
كانت يارينا تتابع حديثهم عنها ونظراتهم التي تجردها من ملابسها وهي تغلي من داخلها ، تفهم تلميحاتهم السخيفة، وهناك حرب في رأسها ومشاهد عدة تتقافز في عقلها عن قتلها لكل واحدٍ منهم وكل مشهدٍ أسوأ من الآخر طاقت نفسها لتنفيذ ما يصوره لها عقلها ولكن مرغمة على الصبر الآن .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لقاء الجبابرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى