رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل العاشر 10 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء العاشر
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت العاشر
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة العاشرة
١٠ – ” أتت النهاية مبكرة ”
تركض بأروقة تلك المشفى ، كمن تركض بمتاهة لا نهاية لها ، كمن خدعها النعاس بكابوس ، جعلها لا تعلم إذا كان ما حدث حلماً أم حقيقة ، فذلك النبأ الذى تلقته مسامعها ، من أن أبويها لقوا حتفهما نتيجة حادث سيارة ، أصاب قنوات الحس والادراك لديها بما يشبه الغيبوبة ، فإن كانت قدميها تسعفها بالركض ، وعيناها لا تكف عن ذرف الدموع ، فهى تشعر بتوقف حواسها بأكملها ، كأنها صارت بلا روح وأن جسدها ماهو إلا دماء وعظام ولحم تستجيب لحركة قدميها ، فربما هى مازالت نائمة ، وسيأتى أحد ويوقظها الآن ولن يكون سوى والداتها ، فهى لن تصدق أنهما رحلا بتلك البساطة والسهولة ، وأن نهايتهما أتت هكذا بهذا الوقت المبكر
ولكن ذلك لم يكن حلماً أو كابوساً ، بل أمراً واقعاً ،وها هى تقف أمام جثتهما بتلك الغرفة المخصصة للموتى التى يطلق عليها ” المشرحة ” ، ترى جثمانين مغطان بغطاء أبيض لا يرى منهما شيئاً
رآت الطبيب يقترب منهما يرفع طرف الغطاء عن وجههما ، لتأتى لحظة أنهيارها التى حافظت على أن لا تزورها ثانية إلا بعد أن تتأكد مما سمعته ، فها هما متسطحان أمامها فاقدان للحياة
فصرخت بجماع صوتها وهى تحتضن جسد مديحة وتنادى عرفان :
– مامااااا لاء أصحى يا بابااااا متعملوش فيا كده لااااااااء أنتوا مش هتسيبونى لوحدى لاااااء
حاول نادر سحبها من تعلقها بجثمان مديحة تكاد تسقطه معها أرضاً وهى تنتحب ملأ فاها فحاول ثنيها عما تفعل :
– إهدى يا حياء دا أمر الله حرام عليكى اللى بتعمليه ده
جثت على ركبتيها ، فظلت تضرب ساقيها وهى تندب ما حدث :
– أاااهدى إزاى دول خلاص راحوا ، بابا وماما سابونى فى الدنيا لوحدى أعيش إزاى من غيرهم إزااااى ياااااااارب
كانت تلك أخر كلمة تقولها ، قبل أن يبتلعها الظلام ، الذى زحف إليها بعدما بدأ جسدها بالإرتخاء ، تشعر ببرودة أطرافها ، فأغشى عليها فى الحال ،فأنحنى إليها نادر ليجعلها تستعيد وعيها ، ولم ترى مجئ قسمت وزوجها بعدما علما بما حدث لعرفان وزوجته
فأقتربت قسمت من جثمان شقيقها وهى تلطم خديها وتنتحب :
– يا خراب بيتك يا قسمت أخوكى اللى كان باقيلك راح يامصيبتى يا مصيبتى
ظلت تلطم خديها تارة وتضرب صدرها تارة أخرى ، لتعود وتضرب بيدها على رأسها ، لتصرخ بعد ذلك صرخة مدوية هزت أرجاء الغرفة وهى تستمع للطبيب يقول :
– ياريت تخلصوا إلإجراءات بسرعة علشان الدفن ، البوليس جه وعمل معاينة ، فإكرام الميت دفنه ، وأنتوا تتابعوا سبب الحادث
تقدم شكرى من الطبيب يسأله عن الخطوات اللازمة لإنهاء الإجراءات :
– طب ممكن حضرتك تيجى معايا تقولى ايه الاجراءات المطلوبة
خرج شكرى برفقة الطبيب ، يعمل مسرعاً على إنهاء الاجراءات اللازمة ، ليتم دفن عرفان ومديحة
فباليوم التالى… بعد أداء صلاة الجنازة ، تم حمل الجثمانين إلى مقابر عائلة الطيب
أستندت حياء على جسد هبة التى شاركتها البكاء على وفاة خالها وزوجته ، ظلت تربت عليها تواسيها ، فلم تمنع حياء صراخها برؤيتهما وهما يتم إيداعهما بالقبر
فصرخت بجماع صوتها وهى تنحوح :
– بااااابا ماماااا سبتونى لمين
حاولت حياء الفكاك من بين ذراعى هبة التى شدت عليها بعدم التحرك وهى ترى المراسم الأخيرة لتشييع الجثمانين ، فرمقتها حياء بعينان حمراوتان من كثرة البكاء
فخرج صوتها تلك المرة يحمل وجع العالم أجمع :
– سبينى أشوفهم للمرة الأخيرة يا هبة عايزة أشوفهم
أبتلعت هبة تلك الغصة الباكية وهى تجيبها :
– بلاش يا حياء أنتى شوفتيهم قبل الدفن ودلوقتى خلاص القبر هيتقفل عليهم
– لااااااء سبونى أشوفهم أنا عايزة بابا وماما أنا عايزة أشوووفهم
صرخت حياء بعبارتها ، فلم تحتمل ما يحدث ، فسقطت مغشياً عليها ربما للمرة الثالثة منذ سماع خبر الوفاة ، فمرتها الأولى ، كانت بسماع الخبر من صالحة
أقتربت صالحة منها ، تساعد هبة فى إفاقتها ، فتجمع حولها النسوة ، حتى إستعادت وعيها وعادت لبكاءها ونحيبها مرة أخرى ، فضمتها صالحة إليها ، وحالها لا يفرق عنها ، فهى لو بكت عمرها بأكمله ، لن يكون كافياً للتعبير عن حزنها بفقدانها مديحة وعرفان ، ألتف حولهما النسوة كأنهما دائرة مغلقة ، يشعرن بالحسرة على تلك الفتاة التى صارت عيناها ذابلتان من كثرة الدموع والحزن ، ووجهها شاحب أقرب لوجوه الموتى ، وجسدها متشنجاً كمن أصيبت أطرافها بشلل مفاجئ
فبعد إنصراف المشيعين ، لم يتبقى سوى نادر وقسمت وزوجها وإبنتها وصالحة ، فجلست حياء أمام القبر ، تتلمس بيدها التربة الرطبة بالماء ، بعد إنتهاء الدفن ، كمن أصبح العالم حولها مختفياً لا ترى سوى القبر فقط ،وكأن كل شئ صار باللون الأسود ، لاترى شيئاً ولا تسمع أحداً
_____________
بالمساء…..
ارتدى راسل ثيابه المكونة من بنطال أسود وقميص بلون مماثل، وظل يحدق بالمرآة وقت لابأس به ، كأنه يبحث عن إجابة لشئ يؤرقه ، وما كان هذا الشئ ، سوى إقدامه على الذهاب لمنزل ” عرفان الطيب ” لتقديم تعازيه، ولكن حسم الأمر قبل أن يتفاقم تفكيره المشتت أكثر من ذلك ، فخرج من غرفته ، وهبط الدرج حتى وصل للصالة
رأته سجود فركضت إليه تتعلق بساقيه وهى ترمقه بطفولية ، فما كان منه إلا أنه جلس القرفصاء أمامها وهو يمسد على ذراعيها بلطف ، فهى إذا رأته خارجاً الآن ستصر على الذهاب معه
فتبسم لها بتشجيع :
– سيجو أنتى هقعدى مع تيتة على ما أرجع ماشى يا روحى
تعلقت الصغيرة بعنقه وهى تقول برفض :
– لاء يا بابى هاجى معاك
ربت على ظهرها بحنان وهو يجيبها :
– مش هينفع يا روح بابى تيجى معايا دلوقتى أنا رايح مشوار بسرعة وهرجع ماشى
بكت الصغيرة وخاصة وهى تعلم أن إذا عاد أبيها من مشفاه ، لا يذهب لمكان أخر إلا إذا كانت هى برفقته ، فهى تظن أنه يريد أن يتملص من وعده لها بأخذها لمدينة الألعاب مثلما أعطاها وعده بذلك
فتعلقت أكثر بعنقه وهى ترفض تركه :
– لاء هاجى معاك أنت قولتلى هتودينى الملاهى
لا يعرف كيف يستطيع إفهامها ، أنه طرأ أمر أخر الآن ويجب عليه الذهاب فلم يكن منه سوى أن نادى وفاء:
– ماما ماما تعالى خدى سجود
خرجت وفاء من المطبخ على صوت مناداة راسل لها ، فهى تعلم بشأن ذهابه لتقديم تعازيه لطبيب يعمل بمشفاه ، بعد علمه بوفاة والداى عروسه
فأقتربت وفاء من سجود تحملها وهى تحاول إسكاتها :
– حبيبة تيتة تعالى يلا هجبلك حاجة حلوة وبابا مش هيتأخر هو رايح عزا يا سجود مش هينفع يأخدك معاه
بعد عدة محاولات إستطاع راسل الخروج من المنزل ، فأستقل سيارته وذهب لمنزل عرفان المقام به مراسم العزاء ، صف سيارته بالخارج ، فتقدم من نادر وشكرى ووحيد الذى أتى إكراماً و مواساة لهبة ، لعلمه بأنها كانت تحب خالها وزوجته ، صافح راسل ثلاثتهم يردد عبارات المواساة ، وجلس على أحد المقاعد ، فالعزاء مقام بالحديقة ، وتجلس النسوة بالداخل
تردد صوت المقرئ بأيات القرآن الكريم ، ولم يقطع هذا الصوت إلا صوت صراخ قادم من الداخل ، ليرى جميع الحاضرين حياء تخرج إليهم وهى صارخة :
– أنتوا جايين تعزوا فى مين بابا وماما مماتوش مماتوش فاااااهمين
شعر الجالسين بالحرج والشفقة أيضاً على تلك الفتاة التى يبدو عليها أن وقع الخبر عليها ، أصابها بنوع من الجنون ، فأنصرف الحاضرين تباعها ، وعندما هم راسل بالمغادرة
أقترب منها نادر قائلا بصوت هامس :
– حياء مينفعش كده إهدى وأدخلى جوا خلاص يا حياء أتقبلى الموضوع وأدعيلهم بالرحمة ، عمايلك دى مش هترجعهم تانى
فقدت أخر ذرة تعقل لديها ، فدفعته بصدره يكاد يترنح بوقفته من مباغتتها له بفعلتها ، فصرخت بوجهه :
– أسكت فاهم أسكت خالص ومتقلش عليهم أنهم ماتوا ماشى سامعنى
بعد قولها خذلتها قدميها ، فسقطت جالسة على الأرض ، تضع وجهها بين راحتيها وأجهشت بالبكاء ، ساقته قدميه إليها ، ولا يعلم لما فعل ذلك ، فالأمور بينهما لم تكن على وفاق منذ البداية
وقف على مقربة منها وهو يقول :
– البقاء لله يا أنسة حياء
رفعت وجهها بعد سماع صوته ، فما كان منها إلا أنها أستقامت بوقفتها وهى تجيبه بصوت هادر بإندفاع :
– جاى علشان تتشمت فيا مش كده يا دكتور راسل ، فرحان فيا صح
أيقن الواقفين أنها حقاً أصيبت بالجنون ، فلم يرد راسل جواباً على ما قالته ، فما كان منه سوى أنه ترك المكان مغادراً ، تاركاً مهمة إسكاتها عن التفوه بتلك الترهات لنادر ، فأخذ سيارته يقودها ليعود لبيته ، فهو فعل ما أملاه عليه الواجب الإجتماعى ، ولكنه لا يلومها على ما قالت فألتمس لها العذر ، فهى لا تعى ما تتفوه به من كثرة حزنها
____________
تلك الفرصة المتاحة لديها الآن ، ستكون فرصتها الذهبية فى البحث والتنقيب بغرفة والداتها ، فهى حرصت على العودة للشقة بعد عودتها من عملها ، ولم تذهب لمتجر والداتها مثلما تفعل يومياً ، ولا تعلم لما صار عقلها يصرخ بها بأن تبحث بالشقة ، لعلها تجد ما يجعل أفكارها الثائرة تهدأ قليلاً ، بدأت بالتفتيش بكل مكان بالغرفة ، حتى أصابها اليأس من عدم وجود شئ غير مألوف ، جلست على الفراش المبعثر ، تلتقط أنفاسها بغيظ ، من أن محاولاتها باءت بالفشل
فراحت تدمدم بغيظ :
– يعنى قلبت الأوضة كلها ومش لاقية حاجة خالص ، طب وبعدين هفضل كده مش فاهمة حاجة
بعد أن أطلقت زفراتها المرهقة ، تركت مكانها لتعيد كل شئ لما كان عليه ، قبل أن تبدأ رحلة البحث خاصتها ، فبدأت بالفراش تعيد ترتيبه ، وبدأت بلم بعض الدفاتر التجارية الخاصة بالمتجر ، التى كانت تقذفها لترى ما خلفها ، فبدأت بإلتقاطها الواحد تلو الآخر ، ولكن وجدت وسط تلك الدفاتر ، دفتر شخصى صغير ، أخذته بين يديها لترى من يخص ذلك الدفتر
فبالصفحة الأولى وجدت إسم من كانت تخط ذكرياتها بذلك الدفتر ، ولم تكن سوى شقيقتها الراحلة ، أخذت الدفتر وجلست على الفراش ثانية ، وبدأت بقراءة كل ما خطته يداها ، فعند كل كلمة تقرأها دمعة تذرفها بحنين إليها ، وعبرات حارة بوصفها معاناتها من قسوة أبيهما ، حتى وصلت لأخر ورقة بذلك الدفتر ، فقرأت أخر كلمات تركتها شقيقتها أشجان
قرأت ولاء ما كُتب بصوت شابه الحزن والقهر والذهول أيضاً :
– أنا بابا جايبلى عريس كبير فى السن وكمان مش مصرى عايزنى أتجوزه وهو فى إجازته فى مصر ويأخد فلوس على الجواز وبعد كده يسافر ويطلقنى ، هو قالى كده أن دى جوازة مؤقتة ، عايز يتاجر فيا زى البضاعة ، بس أنا مش هسيبه يعمل فيا كده ، كفاية القسوة اللى من وأنا صغيرة بشوفها منه ، أنا قررت أنتحر ، عارفة أن ده حرام وربنا هيغضب عليا ، بس مش هقدر أكون زى حتة اللحمة اللى بابا عايز يكسب من وراها لما كل واحد ينهش منها حتة ، سامحنى يارب
بعد أن أنتهت من القراءة ، أخذت ولاء الدفتر تضمه لصدرها وهى تنتحب وتنادى شقيقتها بقهر :
– أشجان أشجان
كمن بإنتظار أن تجيبها على مناداتها ، فهى علمت الآن سبب إقدام شقيقتها على الانتحار ، ولم يكن ذلك سوى نتاج لقسوة أبيهما ، أرادها كاللعبة التى يتربح من أوجاعها وبيعها ، لكل من سيدفع ثمناً لها ، فعوضاً عن أن يكون الحامى والسند ، صار البائع وبأرخص الأثمان
أستلقت على الفراش وهى مازالت تنتحب وتضم مآسى وقهر شقيقتها المتمثل بدفتر خطت به أوجاع سنوات عمرها ، حتى قررت هى إنهاءها وبتلك الطريقة الآثمة ، بعد إسترسالها فى البكاء ، غلبها النعاس كنتيجة طبيعية لأوجاع رأسها ، وتخدر حواسها من كثرة بكاءها ، لعل الأحلام تجمعها بها ، وتراها تعاتبها على ما فعلته ، ولكن من تعاتب فمن الأحق أن يعاتب وليس بأى طريقة سوى القسوة هو والدها
فتحت إسعاد باب الشقة ، وهى واضعة الهاتف على أذنها ، فهى تهاتف ولاء ولكن لا مجيب ، فأصابها القلق من أن يكون حدث لها مكروه ، ولكن سمعت صوت هاتف ولاء يأتى من غرفتها هى
ولجت الغرفة بسرعة ، رأت ولاء نائمة بأعين باكية ووجه رطب من أثر دموعها ، فشعرت بالقلق والخوف ، أكثر من ذى قبل
فأقتربت من الفراش توكزها بلطف وهى تقول :
– ولاء ولاء
فتحت ولاء جفنيها بصعوبة ، لترى أمها ماكثة بجوار الفراش تنحنى إليها بقلق ، فما لبثت أن عادت للبكاء ثانية ، توليها ظهرها ، كأنها غير راغبة فى رؤية أحد
بتنحنى ولاء عن طرف الفراش ، أتاحت الفرصة لإسعاد بالجلوس جانبها ، فسحبتها من مرفقها ، لتجعلها تنظر إليها ، فالقلق يساورها بأن خطب عظيم قد وقع
– فى إيه يا بنتى ردى عليا مالك إيه اللى حصل
قالتها إسعاد بما يشبه الاستعطاف لها بأن تجيبها
فأنتفضت ولاء وهبت جالسة بالفراش وهى تمد يدها بالدفتر أمام وجه إسعاد وهى تنوح :
– اللى حصل إن عرفت أشجان أختى أنتحرت ليه وعلشان إيه عملت فى نفسها كده بسببه هو بسببه
اصفر وجه إسعاد بعد سماع حديث ولاء ، فأزدردت ريقها للمرة التى لا تعلمها ، فبما تجيبها هى الآن ، حاولت ضمها إليها ، فظلت ولاء تتخبط بين ذراعيها إحتجاجاً كأنها تحمل لها إتهاماً هى الاخرى بما حدث لشقيقتها ، ولكن بإحكام إسعاد ذراعيها حولها ، جعلها تستكين بالنهاية ولكن مازالت تنتحب بمرارة
فأنسكبت دموع إسعاد هى الأخرى ، بعدما تذكرت إبنتها الراحلة ، وإنها هى بسبب خوفها وجبنها ساهمت بدون أن تدرى بإنتحار إبنتها
– دا أمر ربنا يا ولاء
نطقت بها إسعاد ، ظناً منها بأنها بذلك ستخمد نيران غضب وحزن إبنتها
فما كان من ولاء سوى أنها ابتعدت عنها فتعالت صيحتها المحتجة :
– ربنا مبيرضاش بالظلم ، أنتوا ظلمتوها وظلمتونى أنا كمان وأنتى السبب بسكوتك على عمايله أنتى السبببب
كنسمة من رياح عاتية ، كانت ولاء تترك الفراش تاركة إسعاد تأخذ دورها بالبكاء والنوح ، فحتى إبنتها المتبقية لها ، صارت تراها الآن من منظور أخر ، وهو أنها شاركت فى إنهاء حياة أبنتها الكبرى
ولكن قبل أن تصل ولاء لعتبة الباب ، إستدارت لأمها ومسحت عيناها وهى تقول بإصرار :
– بعد اللى عرفته النهاردة مش هرتاح يا ماما إلا ما أعرف سبب سكوتك ده إيه وإنك إزاى كنتى عايزة تسبيه يعمل فى أشجان اللى كان عايز يعمله ويتاجر فيها ، لأن حجتك بتاعت ضل راجل ولا ضل حيطة دى مبقتش تاكل معايا وهعرف برضه ايه اللى مخبياه عنى
خرجت ولاء من الغرفة ، تصفق الباب خلفها ، فكفت إسعاد عن البكاء وتحجرت عيناها بعدما سمعت إصرار إبنتها ، وجدت ذاكراتها تأخذها لذلك اليوم الذى جعل حياتها رأساً على عقب تعيش بهوية مزيفة ، ترتجف من إفتضاح أمرها
عودة لوقت سابق
بأحد جلسات رفقاء السوء من إحتساء الخمور والمخدرات ، التى أعتاد زوجها على إقامتها بشقتهما حديثة العهد بها وهى مازالت فتاة يافعة لم تكمل عامها التاسع عشر بعد ، فهى مازالت عروس منذ ما يقرب الثلاثة أشهر ، فهى فضلت الزواج عن إكمال دراستها هرباً من أقاربها ، تبدى موافقتها على أول عريس طرق بابها ، ولم يكن سوى حسان ، الذى كان بتلك الآونة يعمل سائق لإحدى شاحنات النقل ، فهى ظنت بزواجها منه ، ستهنأ بعيشها وتجد راحتها التى كانت لا تجدها بين جدران منزل أقاربها ، فهى يتيمة الأبوين ، ولم يأويها بمنزله سوى رجل كان أحد اقارب والدها الراحل
همست من شق الباب المفتوح تحاول تنادى زوجها :
– حسان حسان
لم ينتبه حسان على ندائها إلا بعد وكز الراجل الجالس بجانبه له بكتفه ، فاليوم لم تكن الجلسة على نطاق واسع مثلما أعتاد أن يفعل ، بل أكتفى بمجئ صديق واحد
– قوم ياعم الجماعة بتوعك بينادوا عليك
رفع رأسه الثقيل من كثرة إحتساءه الخمر ، يحاول أن يزيل الرؤية الصبابية التى تغيم على عيناه ، قام من مكانه وساقيه يلتفان ببعضهما البعض ، وهو يبتسم ببلاهة
وصل للغرفة فتنحت للداخل تختفى عن أعين ذلك الرجل الجالس بالخارج وعيناه لم تفارقها ، ولج حسان الباب فأغلقت هى الباب خلفه ، لتتوارى عن أنظار صديق زوجها
بدفعة خفيفة كانت تسقط زوجها على الفراش وهى تصيح به:
– حسان أصحى وفوق بقى وكفاية القرف ده حرام عليك عامل الشقة زى الخمارة ، دا حتى عيب تدخل حد غريب ومراتك موجودة معندكش نخوة ولا رجولة
لم يكن إجابته سوى صفعة تلقتها وجنتها تكاد تسقطها أرضاً ، فخرجت كلماته تفوح منها رائحة الخمر وهو يقول :
– أتلمى يابت أنتى ولمى لسانك دا أنا أرجل من ١٠٠ راجل مش كفاية لميتك وأنتى لا أهل ولا أب ولا أم مقطوعة من شجرة إحمدى ربنا أن أتجوزتك يا نبيلة
أنهمرت دموعها بسخاء على وجهها وهى تقول :
– وأنا أفتكرت أنك هتكون سند وأمان وتحمينى بس فاتحلى البيت لكل من هب ودب أنت مش خايف عليا يا أخى من أصحابك دول اللى كل واحد فيهم عينيه يندب فيها رصاصة
– هششش بطلى نواح وأسكتى وروحى أعمليلى لقمة أكلها و فنجان قهوة علشان اصحصح
تتابعت حركة يده على فمه كمن يتثأب ، فأصابها اليأس والسأم من أقواله وأفعاله
أرتدت حجابها الفضفاض ، وذهبت للمطبخ لتعد له الطعام و قدح القهوة الذى أوصى به ، ولكنها شعرت بأقدام خلفها وأنفاس تقترب منها ، فظنت أنه زوجها ، فدمدمت بغيظ بدون أن تلتفت إليه :
– القهوة والأكل لسه مخلصوش يا حسان
ولكن لم يأتيها رد سوى شعورها بحرارة أنفاس تضرب عنقها من الخلف ، ويدان تتسللان لتقبض على خصرها ، شهقت برعب من تلك الفعلة التى باغتها بها صديق زوجها ، فأنسكبت القهوة بأكملها على الموقد ، زاد رعبها أكثر بإحكام الرجل قبضته عليها
فنادت بأعلى صوتها ليغيثها زوجها :
– حسان ألحقنى حسان
تحاول بكل ما أوتيت من قوة دفع ذلك الرجل عنها ، وهى تهتف به بذعر :
– أبعد عنى أنت بتعمل ايه انت اتجننت أبعد يا حسان
كمن تنادى بوادى فسيح ، لا تسمع به سوى صدى صوتها ، فتبسم الرجل بشر وهو مازال يحاول عناقها :
– حسان نايم زى القتيل برا ومش دارى بالدنيا خليكى معايا بس يا نبيلة أنا من ساعة ما شوفتك فى الفرح وأنا هموت عليكى ، حسان ميستاهلكيش ، أنتى عايزة واحد يقدرك ويقدر جمالك زيى كده
حاول إستمالتها بشتى الطرق ، ولكنها مازالت كالفريسة التى تحاول الفرار من صيادها الغادر ، ولوهلة أستطاعت إبعاده عنها ، وهو ملتصق بها كالعلكة التى لا تستطيع التخلص منها ، فحاولت أن تبحث عن شئ ترهبه به ، لعله يكف عن أفعاله ، ولكنها لم تجد سوى سكين حاد
فأشهرته بوجهه مهددة :
– لو مبعدتش عنى هضربك بالسكينة دى
ألتوى ثغره وهو يقول هازئاً:
– نزلى اللعبة دى من إيدك يا حلوة أحسن تعورك
لم يأخذ حديثها على محمل الجد ، بل أنه عاد للأقتراب منها ثانية ، ولكن تلك المرة كانت تسبقه بغرز السكين فى صدره بموضع قلبه ، كمن تبلد إحساسها بتلك اللحظة ، فظلت ترمقه بعينان متسعتان ، يكاد بؤبؤ عينيها يترك مكانه
صوت إرتطام جسده بالأرض بعد وقوعه ساكناً لا يأتى بأى حركة ، هو من جعل جسدها ينتفض فجأة يخلع عنها رداء الذهول ويلبسها ثوب الخوف والرعب ، وهى تراه مسجياً بدماءه بجوار قدميها
أرتجاف جسدها بتذكرها ماحدث ماضياً ، جعلها تعود لواقعها الحالى ، وتغلق باب تلك الذكرى ، كمن شاهدت فيلماً سينمائياً ولم تستطيع إكمال مشاهدته للأخير مكتفية بجزء منه كفيل بجعل الأرق والخوف لديها يتزايد أضعافاً كثيرة ، وخاصة الآن بعد أن أخبرتها ولاء صراحة ، أنها لن تهدأ قبل أن تعلم ما تخفيه عنها
______________
تأخذها بين ذراعيها تهدهدها ، لتجعلها تكف عن البكاء والارتجاف ، فمنذ يوم الوفاة وحتى الآن ، وهى مازالت تبكى فاليوم مر شهراً على رحيل عرفان ومديحة ، أصاب جسدها النحول بسبب إمتناعها عن تناول الطعام ، فهى لاتضع بفمها من الزاد إلا قليلاً ، لكى تظل على قيد الحياة ، ولا تترك غرفتها ، فالطبيبة تزورها يومياً للإطمئنان عليها ، بعدما اوصى نادر لها بذلك
أبتعدت حياء عن صالحة ، ترغب فى شرب الماء ، فهى تشعر بجفاف مفاجئ بحلقها ، من كثرة تذوقها لملوحة دموعها
ناولتها صالحة كوب الماء ، وبعد أن أخذت كفايتها منه أعادته إليها ، فربتت صالحة على ظهرها وهى تحاول الابتسام :
– بالهنا يارب أجبلك حاجة تاكليها يا حبيبتى
هزت حياء رأسها رفضاً وهى تجيبها بصوت خافت :
– مش جعانة يا دادة
مدت صالحة يدها أسفل ذقنها لترفع وجهها ، فتفرست بملامحها الشاحبة وهى تقول بأسى :
– أنا عارفة أن اللى راحوا ما يتعوضوش ، بس دى إرادة ربنا ، والحزن بيفضل فى القلب العمر كله ، بس برضه لازم تاخدى بالك من نفسك ، أنتى كده بتموتى نفسك بالبطئ ، لما ترفضى الأكل والشرب وعايشة حابسة نفسك فى أوضتك ليل ونهار ، أخرجى حتى أقعدى فى الجنينة شمى شوية هوا غيرى هوا الاوضة اللى بقى كله أدوية و المحاليل اللى مبقتش تتقطع دى بسبب قلة أكلك ، أنا مش بقولك متحزنيش عليهم ، دول لو الواحد عاش عمره كله حزين عليهم مش هيبقى كفاية ، بس أنتى لسه صغيرة متخليش الحزن والهم يكسرك بدرى يا حبيبتى ، وسبحان الله كل شئ فى الدنيا بيبدأ صغير وبيكبر إلا الحزن بيتولد كبير وبيصغر مع الوقت ، وأنتى ان شاء بكرة تتجوزى وتخلفى وتعيشى حياتك أينعم مش هتنسى اللى حصل ، بس هيبقى عندك اللى يشغلك ، فلو ليا معزة عندك قومى من سريرك خديلك شاور كده وتعالى أقعدى فى الجنينة شوية ماشى يا حبيبتى
إستمعت حياء لحديثها للنهاية ، وبعد إلحاح منها أطاعتها وذهبت للمرحاض ، أغتسلت وأرتدت ثيابها وخرجت منه ، يلتصق شعرها المبتل بخديها ، فكأنها نسيت تجفيف شعرها ، فظل يقطر ماء على ثيابها ووجهها ، فسحبت المنشفة تجففه ، ووقفت أمام المرآة تطالع شبحها المخيف ، جفنيها حمراوين ، ووجهها أصابه الشحوب ، وخسرت بعض من وزنها جعلها تبدو أكثر نحافة عن ذى قبل ، فتلك التى تراها أمامها لاتمت بصلة لتلك الفتاة بذلك اليوم الذى كانت تنتظره لعقد قرانها
بعد أنتهاءها خرجت للحديقة ، فالطقس مشمس يشوبه نسمات رقيقة ، تهتز لها أوراق الأشجار ، جلست بجوار تلك الرقعة من الورود الحمراء ، تتذكر أنها كانت بصغرها تقطفها يومياً لتقديمها لوالديها ، كأنها ترى تلك الفتاة الصغيرة التى تركض بالحديقة تلهو وتركض خلفها مديحة تحاول إمساكها
فأنسكبت دموعها رغماً عنها ، ولكن وقع الأقدام القادمة ، جعلتها تسرع بمحوها عن وجنتها ، إستدارت برأسها لترى من القادم ، فوجدت قسمت وزوجها شكرى
اقتربا منها يتخذ كل منهما مقعد حول تلك الطاولة التى تجلس حياء على أحد مقاعدها ، عقدت ذراعيها كمن تحاول إستجلاب الدفء لجسدها الذى إجتاحه برودة مفاجئة ،وخاصة بمجئ شقيقة والدها وزوجها ، فهى لم ترى أحد منهما منذ أنتهاء أيام العزاء ، ولكنها كانت تتيقن من أسباب مجيئهما الآن ، فعرفان ترك إرثاً كبيراً ، ولابد أن تتشاركها قسمت به ، فهى لن يكون لديها إعتراض على شئ ، طالما كل منهما ستأخذ حقوقها طبقاً للشرع والقانون
فبدأ شكرى حديثه متنحنحاً بلطافة :
– أزيك يا حياء عاملة إيه دلوقتى معلش كنا أنشغلنا عنك اليومين اللى فاتوا غصب عننا أنتى عارفة غلاوتك عندنا
كتم شكرى صيحة متألمة بعد أن أصابته قسمت بقدمها بمنتصف ساقه من أسفل الطاولة ، فألتصق حاجبى حياء ببعضهما البعض ، وهى تراقب وجهه الذى شابه حمرة خفيفة
فأجابته بهدوء :
– الحمد لله نحمد ربنا على كل حال
– الحمد لله المهم كنا جايين نقول أن خلاص الأربعين بعد عشر أيام وهييجى المحامى علشان كل حى يعرف اللى له
قالتها قسمت ببرودها المعتاد ، فلم يكن من حياء سوى أن أماءت برأسها موافقة
ولكن لا تعلم لما شعرت بعدم الراحة بعدما رأت إبتسامة عريضة تزين ثغر قسمت ، فمن بمكانها لابد لها أن تشعر بالحزن لرحيل شقيقها الوحيد ، ولكن ربما قسمت إستطاعت تجاوز تلك المحنة بسهولة ، حسدتها عليها حياء بتلك اللحظة
وضعت قسمت حقيبتها على الطاولة ، ونهضت من مكانها وهى تقول :
– أنا هروح الحمام وجاية
تركت قسمت الحديقة ، وعبرت من الباب الفاصل بينها وبين المنزل ، ظلت تتأمل المنزل ملياً ، كأنها تراه لأول مرة ، أخذتها قدميها حتى صعدت للطابق الثانى ، فتحت الغرف كلها تنظر بداخلها ، فالطابق بأكمله تم تجهيزه لحياء و نادر ، فظلت تبتسم على ما تراه
ولم تقول سوى جملة واحدة وهى مبتسمة :
– خلاص هانت مش فاضل غير ١٠ أيام
هبطت الدرج وذهبت للمرحاض بالطابق الأول ، وهى تفكر فيما سيحدث قريباً
فبالحديقة .. لم يحيد شكرى بناظريه عن وجه حياء ، التى عملت على صرف بصرها عنه ، تتأمل المكان من حولها ، وهى تتمنى أن تسرع قسمت بالعودة ، وتلك هى المرة الأولى التى تتمنى وجودها بمكان ، فالانزعاج بداخلها بدأ يأخذ منها كل مأخذ ، فلم هو يحدق بها هكذا
_____________
بإنغماسه فى مطالعة تلك الأوراق الموضوعة أمامه ، الخاصة بالمعدات الطبية الجديدة التى إستقدمها من أجل المشفى ، لم يستمع لصوت طرقات الباب ، إلا بعدما ألح الطارق بدق الباب ، فأذن له بالدخول ،ومازالت عيناه تجول بين السطور ، سمع صوت حمحمة خفيفة ، جعلته يترك ما بيده وينظر للقادم
رآى راسل نادر يقف على عتبة الباب بيده ورقة ، فأشار إليه بالجلوس ، فتقدم نادر وأتخذ مقعده أمام المكتب ، فشبك راسل كفيه ببعضهما وهو يقول بهدوءه المعتاد :
– خير يا نادر فى إيه
وضع نادر الورقة التى يحملها معه أمام راسل قائلاً بإبتسامة خفيفة :
– حضرتك دى إستقالتى من الشغل فى المستشفى أنت عارف أن خطيبتى أهلها أتوفوا وأحنا خلاص هنتجوز قريب فطبعاً محتجانى أساعدها بخصوص شغل باباها ومينفعش أسيبها لوحدها
أخذ راسل الورقة يطالعها بصمت ، ولكن سرعان ماخط توقيعه عليها وهو يقول :
– تمام يا نادر ربنا يوفقك أنا مضيتلك على الإستقالة ولو ليك أى مستلزمات أو مستحقات هنا فى المستشفى اتفضل خدها قبل ما تمشى
قام نادر من مكانه وهو يمد يده يصافحه :
– متشكر جدا يا دكتور راسل أشوف وشك بخير سلام
– مع ألف سلامة
قالها راسل وهو يرى نادر يغادر غرفة مكتبه ، فعاد لمطالعة أوراقه ثانية ، حتى أنتهى منها بصورة نهائية ، وبإستدعاءه له لإجراء جراحة عاجلة ، ترك مكتبه يتهيأ لدخوله غرفة الجراحة
وبعد أنتهاء دوامه بالعمل ، عاد لبيته ولصغيرته ، وطوال طريقه للمنزل ، يتذكر ما قالته له حياء بأخر مرة ألتقاها بها ، وإتهامها له بأنه سعيد بفقدانها لأبويها ، كمن كانت بإنتظاره لصب جام حزنها ويأسها عليه
_______________
قبل إنتهاء العشرة أيام المتبقية على إتمام أربعون يوماً على وفاة عرفان ومديحة ، حضرت قسمت وزوجها كالمعتاد بالأيام المنصرمة ، أصر نادر على حضور تلك الجلسة ، بحكم خطبته لحياء وبأنه سيكون الزوج المستقبلى لها بالقريب العاجل
فهو فكر بأن يتمم تلك الزيجة قريباً ، فلا داعى للإنتظار ، حتى وإن كان سيجعلها تتخلى عن إقامة حفل زفاف مثلما كانت تريد ، فالأن لن يجد منها إعتراضاً على أن يعقدا قرانهما وينتقل للعيش معها هنا بالمنزل
وضعت صالحة صينية المشروبات ، وأنصرفت سريعاً عائدة للمطبخ ، ولكنها تشعر بالشفقة على حياء ، فتلك الأمور الخاصة بالإرث ربما تجلب العديد من المشكلات ، فدعت الله أن يجعل الأمور تسير بخير
ولكن قبل أن تصل للمطبخ وجدت قسمت خلفها ، تقبض على ذراعها بشئ من القسوة ، فألتفتت لها صالحة وهى تقول:
– فى حاجة يا ست قسمت أنتى مسكانى ليه كده
تنحت بها قسمت جانباً وهى تهتف بها :
– صالحة لمى هدومك وخلاص عيشك هنا خلص لحد كده
حاولت صالحة إستعاب ما قالته ، ولكن قبل أن تفه بكلمة ،وجدت حياء تقترب منها بعدما سمعت ما قالته قسمت عن طريق الخطأ أثناء ذهابها للمرحاض
– أنتى عيزاها تمشى ليه يا عمتو هى عملت إيه دادة هنا من وأنا صغيرة وأنتى بتطرديها ليه
قالتها وهى تقترب من صالحة تمسد على ذراعها ، فما كان من قسمت سوى أنها صاحت بهما :
– الكلمة اللى أقولها تتسمع أنتى فاهمة يا حياء ، وأتعودى من هنا ورايح تسمعى كلامى أنتى فاهمة وصالحة هتمشى دلوقتى وإلا مش هيحصل طيب وأنتى عرفانى
خشيت صالحة من هجوم تلك المرأة ، أو أن تتاذى حياء بسبب دفاعها عنها ، فما كان منها سوى الطاعة وهى تقول :
– خلاص يا ست قسمت همشى بس وحياة ولادك ما تزعلى الست حياء إكراماً للمرحوم أخوكى
طالعتها قسمت وهى ترفع حاجبها الأيسر ببرود ، فأسرعت صالحة بلم أغراضها لتذهب من المنزل ، وكل هذا وحياء تقف متصنمة بوقفتها ، لا تصدق أن قسمت بدأت هجومها هكذا بوقت مبكر
أثناء خروج صالحة من المنزل ، ركضت إليها حياء وهى تبكى بأن كل عزيز لديها يتركها بهذا الوقت ، بكت حياء على كتف صالحة تحاول هى تهدأتها ، ولكن عيناها خانتها هى الأخرى ، فشاركتها البكاء
رفعت حياء وجهها لها وهى تقول بنهنهة :
– دادة خليكى متمشيش ، خليكى معايا أنا كل اللى بحبه بيسبونى لوحدى ليييه
حاولت صالحة الابتسام :
– متخافيش يا ست حياء أنا هاجى أزورك على طول وأطمن عليكى ، وأنا مش عايزة أعملك مشاكل مع عمتك يا حبيبتى
سحبت صالحة يدها بصعوبة من بين كفى حياء المتشبثان بها ، أرادت حياء الصراخ بملأ فاها ، فليس من المنصف ما تفعله معها قسمت ، فبأى حق هى تفعل ذلك ، فهى ستنتظر تقسيم الإرث وتجعل صالحة تعود للمنزل مرة أخرى فلم يتبقى سوى يومان فقط
مر اليومان كأنهما دهراً بأكمله ، وخاصة بعد رفض قسمت العودة لشقتها باليومين الماضيين ، وسكنت غرفة شقيقها وزوجته برغم إحتجاج حياء على ذلك ، ولكنها غضت الطرف عن مناشدة حياء لها بأن تترك الغرفة مغلقة لتنعم برائحتهما كلما اشتد بها الشوق إليهما ، ولكن لم ترأف قسمت بمطلبها البسيط ، مفضلة الإقامة فى غرفة شقيقها وزوجته
جلست حياء على مقربة من نادر ، الذى ربما أمتنت لحضوره حتى لايتركها بمفردها مع قسمت أو زوجها ، الذى لم تعد تشعر بالراحة من نظراته لها ، على الرغم من أنه لم يقدم على فعل شئ يجعل الخوف يسكنها
وضع ذلك المحامى الكهل ، حقيبته الجلدية على الطاولة أمامه ، وأخذ نظارته من جيب سترته يضعها على عينيه ، تضيف له وقاراً ، عمل بعد ذلك على إخراج عدة أوراق من حقيبته
تهلل وجه نادر وسبقه لسانه فى الإعراب عن سعادته المتوارية خلف هدوءه وهو يقول :
– أظن يا أستاذ الآنسة حياء خطيبتى لها النصيب الأكبر فى الورث بحكم أنها البنت الوحيدة لعرفان بيه الله يرحمه مش كده
بتلك اللحظة ، تعالت صوت ضحكة قوية من فم قسمت على ما سمعته من نادر فتمتمت :
– بنت عرفان الوحيدة شكلك واثق من نفسك أوى يا دكتور نادر
تجهمت ملامح وجه حياء بعد سماع قول قسمت ، فألقت نظرة على وجه نادر الممتقع بغيظ ، فعادت وحولت بصرها لوجه قسمت وهى تقول بجفاء :
– بتضحكى على إيه يا عمتو هو قال حاجة غلط ، نادر معاه حق فى كل اللى قاله ومتنسيش أنه خطيبى وقريب هنتجوز
أفتر ثغر شكرى عن إبتسامة هازئة وهو يعبث بمسبحته :
– متستعجليش أوى كده يا حياء فى الرد ، دلوقتى هتشوفى رد فعل دكتور نادر على اللى هيسمعه من المحامى
إحساسها بوجود شئ مبهم يكتنف حديثهما ، جعل الريبة تسكنها ، فماذا يقصدان بقولهما أو تلك التلميحات ، فأرادت هى أن يسرع المحامى بقول ما لديه ، حتى تنتهى تلك الجلسة سريعاً
فرفعت يدها تشير للمحامى للبدأ :
– أتفضل حضرتك قول اللى عندك
رآت حياء نظرة مقلقة بعينى المحامى أو ربما نظرة شفقة ، فتململت بجلستها لا تشعر بالراحة ، فقبضت بيديها على طرفى مقعدها حتى أبيضت مفاصل يدها
حمحم المحامى يجلى صوته ليقول وعيناه منصبة على الورق الممسك به :
– المرحوم عرفان الطيب ، كان بيملك الفيلا دى وكمان فيلتين فى الساحل و المصنع والشركة وخمس محلات لبيع القماش وبعض العقارات السكنية ومبالغ نقدية بالبنك تقدر بس بحوالى ٢٠٠ مليون جنية
ساد الصمت أثناء إخبار المحامى لهم بما كان يملكه عرفان بحياته ، تهلل وجه قسمت بسماع ذلك ، فهى لم تكن تضع ببالها أن شقيقها يملك كل هذا ، فبأقصى طوحها قدرت ما يملكه لم يكن سوى المنزل والمصنع ، ولكن بالمصرف فقط ثروة أخرى بالعملات النقدية
تراقصت السعادة بعينى نادر ، وهو يستمع لكل ما يقال ، ولكن أدعى الجدية وعدم الاكتراث ، عندما رآى حياء تنظر إليه
خرجت حياء عن صمتها وهى تقول بهدوء :
– طب حضرتك عمتو هتاخد نصيبها و انا هاخد نصيبى بس ده كله هيتوزع إزاى او هيتقسم إزاى بنا
خلع المحامى نظارته يرمقها قائلاً بأسف :
– للأسف يا أنسة حياء أنتى مش هتورثى فى عرفان بيه
لوهلة ظنت أنها لم تسمع جيداً ما قاله ، إلا أنها رفرفت بأهدابها عدة مرات قبل أن تقول بتساؤل :
– مش هورث إزاى يعنى مش فاهمة هو مش أنا بنته الوحيدة وليا حق فى الورث
أجابها المحامى وهو يضع الأوراق من يده :
– الورث ده كله هيبقى من حق الست قسمت أخت عرفان بيه الله يرحمه لأنها أخته الوحيدة وأنتى ملكيش حق فالورث علشان أنتى يا أنسة حياء مش بنت عرفان بيه ومديحة هانم أصلاً أنتى بنتهم بالتبنى
________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)