روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السادس عشر 16 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السادس عشر 16 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء السادس عشر

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت السادس عشر

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة السادسة عشر

١٦ – ” من أجلك أنتِ ”
كممت ولاء فمها بيدها ، تكتم صوت ضحكتها ، وهى تستمع لصوت صراخه القادم من المرحاض ، فهو قضى ما يقرب الخمسة عشرة دقيقة ، يصرخ بصوت جهورى ، يستغيث من ذلك الألم الذى يعتصر أحشاءه ، يطلب العون والمساعدة ، لعل أحد لديه حلاً لما لحق به ، أزاحت ولاء يدها من على فمها ، عندما رآت أبيها يلتفت إليها ، فهو يحاول الإستفسار من فؤاد ، عن تلك الحالة التى أصابته ، يقف أمام باب المرحاض ، يطرق عليه بإلحاح
فخرج صوت حسان قلقاً وهو يقول :
– أستاذ فؤاد يا فؤاد بيه مالك فى إيه وعمال تصرخ ليه كده
بالداخل ..عملت يد فؤاد على مسح حبات العرق التى اغرقت جبينه ووجهه ، كأنه بيوم شديد الحرارة ، فماذا فعلت به تلك الفتاة ؟ هكذا ظل يسأل نفسه ، ولكن لم تهدأ تلك الآلام إلا بعدما قضى حاجته ، التى ألحت عليه كسبيل للراحة
فظل يلتقط أنفاسه ، تتسع شفتيه بإبتسامة أقرب للإنتشاء ، وهو يشعر بالتحسن الذى زاره ، بعد قضاء وقته السابق بمعاناة أقرب للإحتضار
فحمحم قائلاً بصوت متحشرج :
– أنا تمام وخلاص خارج أهو
أقتربت إسعاد من ولاء الجالسة بعدم إكتراث ، تهز ساقها بإستمتاع لإفساد تلك الجلسة التى فرضها أبيها عليها قسراً ، فجذبت مرفقها وجعلتها تقف أمامها
فأدنت برأسها منها تهتف بها متسائلة :
– ولاء هو أنتى عملتى فيه إيه وكان ماله كده زى ما يكون بينازع وهيموت
عادت ولاء لضحكتها الخافتة ثانية ، فأجابت والدتها بنبرة أقرب للإنتصار :
– دى بودرة جبتها من المحل عند طنط وفاء ، بودرة لعلاج حالات الإمساك ، بس أنا زودتله الجرعة شوية وعملتله مغص جامد ، وضحكت عليه وقولتله أنه سم علشان أخوفه
رفعت إسعاد حاجبيها من تفكير إبنتها ، ولكنها لم تمنع ضحكتها هى الأخرى ، ذلك الأمر الذى زاد من حنق حسان ، فأقترب منهما صارخاً بوجهيهما :
– أنتوا عملتوا فى الراجل ايه أنطقى أنتى وهى
أنكمشت إسعاد بجانب إبنتها ، التى لم يرف لها جفن ، فهى معتادة منه على تلك الأفعال ، ولم تعد تعنيها بشئ
فزفرت قائلة بملل :
– هنكون عملناله إيه هو اللى من ساعة ما جيه عمال يعمل عمايله دى الله أعلم مبلبع إيه قبل ما ييجى يقرفنا
قبض حسان على ذراعها بقسوة هاتفاً بها :
– والله يعنى مش أنتى حطاله حاجة فى العصير
نفضت ولاء يده عن ذراعها ، وهى تقول بتحدى :
– هحطله إيه يعنى فى العصير ثم هجيب لنفسى مصيبة وأودى نفسى فى داهية علشان خاطر واحد زى ده
قالت جملتها الأخيرة بإشمئزاز وكره ظاهر ، فأنقطع الحديث بينها وبين والدها ، بعدما خرج فؤاد من المرحاض ، يجفف وجهه بمحرمة ورقية ، ولكن عندما ألقى ببصره على ولاء ، ود لو كان بيده أن يحرقها حية ، على فعلتها به ، فإن كان بالبداية أخذ الأمر تحدياً ، فالأن سيأخذ منحنى أخر ، فهو سيعمل على رد ما فعلته به الصاع صاعين ، ولن يتراجع عن زواجه منها
فتبسم إبتسامة ماكرة وهو يقول :
– خلاص يا عمى الظاهر كده كلت حاجة مش كويسة عملتلى مغص ، بس أنا دلوقتى تمام نقرأ الفاتحة بقى قولت إيه يا عروسة ونعمل حفلة الخطوبة كمان أسبوعين علشان عندى سفرية وهرجع منها بعد أسبوعين حتى أجيب للعروسة فستان الخطوبة معايا وأكيد هيعجبها
فتحت ولاء فمها لكى تعترض ، فسبقها والدها وفؤاد بقراءة الفاتحة والاتفاق على كل الأمور الخاصة بالزواج ، تجلس هى كمن تلقت صاعقة كهربائية ، أفقدتها النطق وأصابت حواسها بالشلل ، فهى ظنت بفعلتها ، أنه سيرهب جانبها ، وربما يتغاضى عن زواجه منها ، فى سبيل النجاة من أفعالها الجنونية ، ولكن ربما هو لم يأبه لما فعلته ، فتلك النظرة بعينيه ، جعلتها تتيقن من أن نواياه لن تكون مبشرة بالخير ، ولكن هو الذى لا يعلم مع من سيعبث
______________
وضعت حياء رأسها ، على ساق صالحة الجالسة بجانبها ، فتلك الأريكة العريضة ، أتخذتها حياء مخدعاً وأتخذت من ساق صالحة وسادة ،تنظر للهرة التى تروح ذهاباً وإياباً بالصالة ، فهى بعد تأكدها من خلوها من أى مرض أو داء ، بعدما ذهبت بها للطبيب البيطرى ، جعلتها تحيا معها بالشقة ، وأحياناً كم يحلو لها اللهو معها ، كأنها بذلك تحاول أن تنسى تلك المأساة ، التى غرقت بها من رأسها لقدميها ، ولكن بدأت الأمور بالأخذ فى طور التحسن ، فهى تعمل الآن بإحدى أكبر الشركات ، ومربيتها بجانبها ، و….. ، ظلت تمسد صالحة على شعيراتها ، التى تركتها مهملة ، تتنهد من وقت لأخر ، حتى أصابت صالحة بالقلق
فهتفت بها بتساؤل :
– مالك يا حبيبتى عمالة تتنهدى ليه كده حصل حاجة فى الشغل النهاردة
تذكرت حياء أنها اليوم ، أنغمست فى العمل بتلك الشركة ، وقضت يومها ، وبلال وعاصم يعملان على تعريفها بالمهام المطلوبة منها ، وأيضاً تم التعارف بينها وبين العاملين بالشركة
فحركت حياء رأسها بضعف :
– لاء محصلش حاجة بالعكس كان يوم كويس وكمان الاستاذ بلال مقصرش معايا ، باين عليه شهم أوى
أفتر ثغر صالحة عن إبتسامة هادئة وهى تقول :
– علشان كده بتتنهدى علشان شوفتى بلال
هبت حياء جالسة ، وهى عاقدة حاجبيها وقالت :
– أنتى تقصدى إيه يا دادة وأنا أتنهد ليه علشان بلال ولا غيره ثم أنا لسه خارجة من تجربة كسرت كل حاجة حلوة جوايا
سحبتها صالحة وأدنتها منها ، وهى تربت عليها بحنان :
– حبيبتى أنتى لسه فى بداية حياتك ومش علشان تجربة وعدت يبقى خلاص حياتك هتنتهى على كده ، دا الحياة مليانة حاجات تفرح وحاجات تزعل وعمر ما فى حاجة بتدوم ولا بتفضل على حالها ، الدوام لله وحده ، فمتخليش أى حاجة تعدى فى حياتك تكسرك بسهولة ، أتعلمى من كل موقف يقابلك وأعرفى أن تدابير ربنا مفيش أحسن منها ، مش جايز لو كنتى اتجوزتى الدكتور نادر كنتى أكتشفتى حقيقته وتبقى كسرتك أكبر وخصوصاً أنك كنتى هتبقى مراته ، لكن ربنا حب يشكفهولك قبل ما تتورطى معاه
بإتيانها على ذكر نادر ، تصلبت ملامحها ، فهى كانت تظن أنها عندما تستمع لإسمه ، ستبكى على أطلال الحب ، ولكن كأن عينيها جفت فجأة ، فحتى لو حاولت أن تستجلب تلك الدموع لن تفلح فى فعل ذلك ، فهل برأت سريعاً من هذا الوهم ، أم ماذا ؟ ولكنها مازالت تشعر بتلك الوخزة الخفيفة ، التى تعود لشعورها بأنها كانت فتاة حمقاء ، ستقع فريسة بين براثن طبيب وسيم ، لم يكن يعنيه سوى أموال ونقود أبيها ، فمن ظنته فارسها ، لم يكن سوى وغداً ، ومن ظنت أنه صاحب خلق سيئ ، لم يكن سوى رجل يتحلى بصفات لطالما تمنتها بفارس أحلامها
توهجت وجنتيها فجأة من حماقة أفكارها ، فأتسع بؤبؤ عينيها ، عندما فطنت هى لأسباب تلك النهدة العميقة التى أطلقتها منذ قليل ، فقبل أن تنجرف أكثر خلف تفسيرها لما أعتراها ، سمعت صوت جرس الباب ، فأسرعت بالركض لغرفتها بتلك المنامة البيتية ، التى ترتديها ولن يصح لها أن ترى من القادم ، بينما تركت لصالحة مهمة فتح الباب
فتبسمت صالحة لذلك الزائر ، الذى لم تعرف من يكون فقالت بتساؤل :
– أيوة مين حضرتك وعايز مين
– الأنسة حياء موجودة
سمعت حياء صوت الزائر من الداخل ، فتمتمت بشئ من الذهول ، وهى تردد ذلك الاسم بخفوت ، بعدما أكتشفت هويته :
– راسل
بحثت حياء عن ثوب ملائم ، فأرتدته سريعاً وخرجت من الغرفة ، وصلت لباب الشقة ، فتحققت ظنونها ، فها هو يقف على عتبة الباب ، ينتظر الإذن بالدخول ، الذى لم تكن تمنحه له صالحة ، وهى لا تعرف من يكون أو ماذا يريد من حياء ؟
– دكتور راسل خير فى حاجة
قالتها حياء بغرابة ، فى إنتظار سماع تفسيره لقدومه بذلك الوقت
شعر راسل بحرج طفيف وهو يقول :
– أنا كنت عايز اتكلم معاكى شوية ، بس أنا مطلعتش إلا لما عرفت أن الدادة بتاعتك موجودة معاكى ، وإلا مكنتش جيت
تنقلت صالحة ببصرها بين حياء وراسل ، وهى لا تفقه شيئاً ، ولكنها سمعت صوت حياء تقول :
– أتفضل يا دكتور راسل
ولج راسل للداخل ، فنظرت صالحة لحياء متسائلة :
– هو مين دكتور راسل ده أنا أول مرة أشوفه ، هو ده الدكتور اللى حكتيلى عنه وساعدك
مسدت حياء على ذراعها وقالت :
– أيوة هو ده يا دادة
أماءت صالحة برأسها إيجاباً وهى تقول :
– ماشى هروح أعمله حاجة يشربها
دلفت صالحة للمطبخ ، بينما تركت حياء باب الشقة مفتوح على مصراعيه ، فأولاً وأخيراً لايوجد رجل بالمنزل ، فمن حقها إتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة ، حتى وإن توسمت به الخير
جلست على مقعد مقابل لمقعده ، فظلت تفرك يدها بتوتر وقلق ، فكيف هذا ؟ تفكر به وتجده أمام الباب ، فلو طلبت ذلك من مارد الجن ، كان سيستغرق وقتاً بتحقيق أمنيتها
أمنية !
مامعنى هذا ؟ لا فهى لم تتمنى رؤيته ، هكذا ظلت تقنع عقلها ، لينعتها قلبها بالكذب ، فهى لم تعد تشعر بالأمان إلا برؤيته ، حتى وإن كان قلبها يشعر الآن بالخواء ، بعد تلك الطعنة التى تلقتها من نادر ، فكل ما بالأمر أنها صارت تربط بينه وبين سبيل نجاتها من مصيبة كانت ستحل بها ، كمريضة ترى بطبيبها حبل النجاة
فحاولت رسم الجدية على وجهها وهى تقول بهدوء :
– خير يا دكتور راسل كنت عايز تتكلم معايا فى إيه
تشابكت أصابعه ببعضها ، وأستند بمرفقيه على ركبتيه ، وأنحنى قليلاً للأمام يقول بإهتمام :
– كنت عايز أعرف أنتى عايشة إزاى بعد اللى حصلك ده ، أنا عارف أن مليش حق بأن أسألك ، بس مقدرتش أمنع نفسى أن أجيلك علشان أقولك لو أنتى محتاجة أى حاجة أنا موجود
فقبل أن يراها ثائرة ، فمن بمكانها ستشعر بأن كبرياءها الذى طالما حاوطها من نشأتها بطبقة الأثرياء ، على وشك الهدر عندما تسمع من أحد أنه جاء لتقديم المساعدة لها لتتجاوز تلك المحنة
فحمحم معقباً :
– أنا طبعاً مش قصدى أن أجرح كبرياءك وكرامتك يا حياء ، بس أنتى دلوقتى يعنى..
حاول يجد ما يسعفه بذلك الموقف ، فلو رآه أحد لن يصدق أنه هو راسل ، الذى لم يلجم لسانه يوماً عن قول حق أو رد إهانة ، ولكن ذلك الجالس ، يخشى التفوه بكلمة ، ربما تتسبب لها بأذى نفسى ، وهو لا يريد إيذاءها ، بل على النقيض مما كان يفعله معها سابقاً ، فهو الآن يريد حمايتها ، بل أن يقيها نوبات الدهر ، يتخذ من نفسه حارساً أميناً لها
كسا وجهها إحمرار طفيف ، من شعورها بالحرج الذى أكتسح خلاياها ، ولكن لم يكن بإمكانها الرد بإجحاف ، فهو لم يأتى الا من أجل مساعدتها
فقالت بهدوء :
– متشكرة جدا لموقفك يا دكتور راسل بس انا الحمد لله تمام وكمان دلوقتى بشتغل وأمورى بقت أحسن وشكراً على اهتمامك
بعد سماعه قولها ، ربما شعر براحة أمتزجت بإعجابه ، إنها أستطاعت تجاوز تلك المحنة ، ولكن سيكون بالجوار دائماً لتفقد أحوالها ، حتى وإن لم تكن هى تعلم بذلك
هب واقفاً يستعد للرحيل وهو يقول :
– كويس أن أطمنت عليكى ، أنا لازم أمشى
تركت حياء مقعدها وقالت :
– أنت مشربتش حاجة يا دكتور راسل
– لاء متشكر سلام عليكم
قالها راسل واتجه صوب باب الشقة المفتوح ، وهبط الدرج بخطوات سريعة ، بينما أغلقت حياء الباب ، وأستندت عليه ، وسحبت حجابها ، كمن شعرت بالاختناق فجأة ، ولا تعلم تلك الدموع التى ألحت عليها ، بالرغم من ان لاشئ يستدعى بكاءها ، ولكنها لم تفهم تلك الرغبة بالبكاء ، التى انتابتها بعد رحيله ، فربما هى صارت مرهفة الإحساس ، بسبب تلك الاحداث التى عاثت بحياتها الفوضى ، وجعلتها تبكى لأى سبب كان ، سواء سعيداً أو حزيناً
_____________
عدة أوراق خاصة بالعمل ، تناثرت على سطح مكتبها الأنيق بالغرفة الخاصة بمدير ذلك الفندق ، رفعت إحدى الأوراق وطافت عينيها بين تلك الأرقام المدونة بها ، فسرعان ما أعادتها مكانها لتأخذ أخرى تطابق صحة تلك المعلومات ، التى تواردت عن حسن إدارة تلك المجموعة من الفنادق ، التى أبتاعتها مؤخراً
بعد تأكدها من أن تلك الفنادق ، كانت تدر دخلاً مالياً وفيراً وأنها لم تخطأ بشراءها بعد عرض مالكها الأصلى لها للبيع ، لرغبته فى الهجرة خارج البلاد ، لملمت الأوراق و وضعتها بالملف الخاص بها
طرقة خفيفة مهذبة ، ولج على أثرها معتصم وهو يصيح بصوته الرجولى مبتسماً:
– إيه يا غزل مش هنتغدا أنا هموت من الجوع يلا بقى يا قمر
بادلته غزل الابتسام وهى تجيبه بصوتها الرقيق العذب :
– حاضر يا سى معتصم هخلص بس الورق اللى فى ايدى ده
عادت تنظر للأوراق ثانية ، فأنحنى إليها معتصم وجذب الورق من يدها ينهرها بلطف :
– غزل كفاية كده بقالك حوالى أكتر من ٤ ساعات قاعدة نفس القاعدة دى وباصة فى الأوراق عينيكى الجميلة دى توجعك كده
حركت غزل رأسها بيأس من إلحاح إبن شقيقها ، فتركت مكانها ، ودارت حول المكتب ، وعقدت ذراعيها وهى تتدعى الحزم :
– أنت وبعدين معاك يا واد أنت سيبنى بقى أشتغل وأتأكد أن مرميتش فلوسنا فى الأرض ، معتصم إحنا الدفعة الأولى اللى دفعناها لصاحب الفنادق بالملايين ، ولسه الباقى مش عايزين زى اللى بيشترى سمك فى ماية
صدرت عن معتصم ضحكة عالية ثم قال :
– غزل أنتى بتهزرى دا عمران هو اللى تمم صفقة شراء الفنادق دى وأنتى عرفاه موسوس إزاى يعنى ميشتريش حاجة إلا إذا كان هاريها دراسة وبحث وتفتيش ، حتى لو كان صاحب الفنادق ضحك علينا كان زمانه …
ألتفت معتصم برأسه يميناً ويساراً ، فقال بصوت خافت:
– كان زمانه عمران عامل منه كباب حلة
لم تفلح غزل فى كبت ضحكتها على ما قاله ، فهو الوحيد القادر على رسم الابتسامة على شفتيها ، فبعد أن أنتهت من الضحك على مزحة معتصم
تغشى عينيها الحنين وهى تقول :
– تصدق عمران وحشنى الكام يوم دول يا معتصم مش عارفة …
قبل أن تكمل عبارتها ، وجدت باب غرفة المكتب يفتح ويلج منه شاب مليح الوجه ، يصيح ببحة صوته المفعمة بالرجولة :
– وأنتى وحشتينى أوى أوى يا غزل
– عمراااان
صاحت بها غزل ، وهى تهرول إليه ، فتلقاها بين ذراعيه القويتين يرفعها عن الأرض ، وهو يدور بها بسعادة ، فتلك العلاقة بينهما ، لم تكن علاقة بين عمة وإبن شقيقها أكثر من كونها علاقة أشقاء ، فالفارق بالعمر بينهما لم يكن كبيراً ، لذلك كانت تتخذ منه شقيق وصديق ، فحتى هو لم يناديها يوماً ” بالعمة” بل دائماً ما يناديها بإسمها
ألتفت ذراعيها حول عنقه وقبلته على وجنته وقالت :
– وحشتنى أوى يا حبيبى ليه مقولتش أنك راجع النهاردة
ساعدها بأن تطأ قدميها الأرض ، بعدما حررها من بين ساعديه ، فأتسعت شفتيه بإبتسامة لا يراها أحد سواها هى وشقيقه معتصم ، فتقدم معتصم هو الأخر ليأخذ دوره بالترحيب بشقيقه العائد
فتجاوزهما يستلقى على الأريكة الجلدية وهو يتمتم بإرهاق :
– حبيت أعملهالكم مفاجأة طلعت من اليونان على هولاندا وبعدين جيت على هنا لما حاسس أن هموت من التعب
تمدد بقامته الطويلة ، فتأملته غزل بإشفاق على حالته ، فهو دؤب بعمله ، أو ربما لا يعلم شئ بحياته سواه ، فإن كان ورث عن جده ملامحه فهو ورث أيضاً جديته وعشقه للعمل ، بتذكرها لأبيها ، أحرقت الدموع أجفانها ، ولكنها خشيت أن ينتبه عليها أحد من أبناء شقيقها
فحمحمت بصوتها الرقيق وهى تقول:
– طب يلا تعال نتغدا وروح البيت وأرتاحلك شوية
بعدما كان مغمض العينين ، صار بؤبؤ عينيه يزداد إتساعاً ، وتلك الذكريات تتدفق بداخل عقله ، فعلمت غزل أن تلك الرجفة التى تراها جلية بأطرافه ، ماهى إلا خوف من مداهمة الماضى له
فأقتربت منه ، وجلست القرفصاء بجانب الأريكة ، فربتت بيدها على صدره ، كأنها تبث به الأمان وقالت :
– عمران لو مش عايز ترجع البيت خليك هنا فى الفندق
– لاء يا غزل مش هقعد هنا ، هرجع البيت
أحتج عمران على ما أبدته غزل من إقتراح ، فهو كان ينتهز تلك الفرصة بالعودة ، فإن كان لم يسعه فعل شئ بتلك الكارثة التى حلت على رؤوسهم ، منذ سنوات طوال ، فالأن بيده أن يفعل الكثير ، لذلك سيعود إلى ذلك القصر ، الذى شهد على فاجعة مزقت قلوبهم ، ولكن سيعمل هو على أن يداوى تلك الجروح ، حتى وإن كانت بتمزيق قلوب من فعلوا بهم ذلك ، فرغبة الانتقام تغذت سنوات على ذلك اللهيب ، الذى أشتعل بقلب صبى لم يكن له من العمر سوى أثنى عشر عاماً
ترك مكانه وهو يعدل هندامه قائلاً بجدية :
– يلا بينا علشان نأكل علشان فعلا جعان أوى
نظر له معتصم بريبة ، فهو يعلم أن شقيقه يحاول الظهور بمظهر عادى ، ولكن ربما من داخله أشتعل بركان قادر على حرق الأخضر واليابس
فإبتسم معتصم إبتسامة متوترة وهو يربت على كتف شقيقه الأكبر فقال بحذر :
– عمران إنت رجعت مصر علشانا مش كده يعنى عايزين نعيش فى هدوء وبلاش مشاكل
إلتوى ثغر عمران بإبتسامة جانبية وهو يقول :
– أنت شفتنى عملت حاجة ما أنا ساكت أهو ثم متخافش أوى كده أبقى غبى لو أنفعلت وخليت عصبيتى هى اللى تحركنى مسمعتش عن الحرب الباردة ، لازم تعرف نقاط ضعف عدوك علشان تعرف تضربه فين
لم تستحب غزل ما قاله عمران ، فشدت على ذراعه برجاء :
– عمران لا حرب باردة ولا غيره زى ما قال معتصم عايزين نعيش فى هدوء واللى حصل حصل خلاص ، مش بايدنا نصلح اللى حصل فى الماضى ، خلينا دلوقتى فى المستقبل لأن أنا مش هفرح لو حد فيكم راح منى زى كل اللى راحوا قدام عينيا
لم تكن تريد له أن تتلوث يداه بالدماء ، فهى أقسمت على نفسها أنها هى من ستنهى هذا الأمر وليس هما ، فأرادت صرف تفكيره عن الأمر ، و أنسابت دموعها التى لم تفلح في إلجامها بالفرار من مقلتيها ، رأى الدموع بعينيها ، التى لم تنفك عن ذرفها من وقت لأخر ، بتذكرها لما حدث ماضياً
فحاول أن يجد ما يطمأنها به ، ليجعلها تكف عن البكاء ، حتى وإن كان سيقدم على الكذب كما سيفعل الآن :
– خلاص يا غزل إهدى خلاص مبحبش أشوف دموعك ، هعمل اللى أنتى عيزاه
مد يده وسحب محرمة ورقية وناولها إياها ، عملت على تجفيف وجنتيها وعيناها ، وبعد إنتهاءها سحبت كل منهما إليها ، فطوقتهما بذراعيها ، كما أعتادت أن تفعل منذ صغرهما
فشدت بذراعيها حولهما وهى تتمتم بحب :
– أنا مبقاش ليا حد فى الدنيا دى بعد ربنا غيركم أنتم ومش عيزاكم يا حبايبى تتأذوا ، لأن لو حد فيكم حصله حاجة أنا اللى المرة دى هموت
أحاطها عمران ومعتصم ، وكل منهما ينحنى إليها ، واضعاً رأسه على كتف من كتفيها ، فهمس كل منهما بأذنيها :
– ربنا ما يحرمنا منك أبدا
ظلوا هكذا بعض الوقت ، كمن يجد كل منهم حاجته للإطمئنان ، فحتى وإن كانت شعرت بالإطمئنان بصوت معتصم ، فهى حرصت على أن ينشأ بقلب نقى ولا يجعل الحقد ينال منه ، وربما ساهم بذلك صغر سنه وعدم رؤيته لما حدث بذلك اليوم الدموى ، أما عمران فهى تعلم أنه لن يستطيع نزع تلك الذكريات الدموية من قلبه وعقله ، حتى وإن حاول إيهامها بأنه سيستمع لما تقوله ، فهى تعلم أنه لن يهدأ ولن يرفع راية الإستسلام بسهولة ، فحتى وإن رفعها ستكون ملطخة بالدماء أولاً
فى المطعم الخاص بالفندق ، أوصت غزل بتحضير طاولة الطعام ،حريصة على أن يكون الطعام نباتياً وصحياً ، مثلما أعتاد عمران أن يتناول طعامه ، جلسوا ثلاثتهم على الطاولة ، وبدأو بتناول الطعام ، وعمران يستقصى أخبارهما بالأيام الماضية ، فأخبرته غزل بشأن مقابلتها لفواز ، وأيضاً عن التحقق من الأوراق الخاصة بالفنادق
ابتلع عمران ما بجوفه ثم قال :
– يعنى أتأكدتى أن كل شئ تمام علشان ندفع الدفعة الأخيرة للبايع
أماءت غزل برأسها وهى تقول :
– أه كله تمام وكام يوم كده هخلى معتصم يروح البنك مع البايع ويحوله الدفعة الأخيرة ونكتب العقد النهائى وكده يبقى كل شئ تمام
تناول معتصم كوب الماء وقال متسائلاً:
– أنت خلاص أتفقت مع المزرعة فى هولندا اللى هتوردلنا اللحمة ؟
حرك عمران رأساً بالايجاب وهو يقول :
– أيوة كله تمام وكده يبقى فاضل بس شركة المواد الغذائية اللى هنتعامل معاها هنا فى إسكندرية
دار الحديث بينهم ودياً ، فطافت عين عمران بالمطعم ، كأنه يقيمه ، ولكن تلك الضحكة الخلابة ، التى رنت بأذنه ، جعلته يبحث بعيناه عن من تكون صاحبة الصوت ، فأنتبه على إحدى الطاولات ، لم تكن تبعد كثيراً عن طاولتهم ، يجلس حولها ثلاث فتيات ، ولكن فتاة واحدة هى من تضحك وتصفق بيدها بحماس
فسمعها تقول بحماس شديد :
– لاء إحنا نخلص أكل ونروح بسرعة على المول شوقتونى أشوف الموديلات الجديدة
وضع الملعقة من يده ، فثار فضوله لمعرفة من تكون تلك الشقراء الجميلة ، ذات العينان الخضراوتان كأوراق الشجر ببداية موسم الربيع الفاتن ، فضوء الشمس ألقى بنوره على وجهها ، فزاد جمالاً وبهاءاً ، فأسنانها كم تبدو بيضاء وهى تضحك وتبتسم ، ووجهها كأن الشمس طبعت عليه قبلات ذهبية تناثرت على وجنتيها ، فأنفها صغير ودقيق ، يعلو شفتين يخجل منهما الورد ، وربما قادرتان على إغواء قديس
قطب عمران حاجبيه تعجباً من أمره هامساً لذاته :
– إيه يا عمران أنت عمرك ما شوفت بنات
كلما أمر عيناه بالكف عن النظر إليها ، تعود عيناه وتخالف أوامره ، فكم أصبحتا متمردتان عليه الآن ، فهو لا يرى ولا يسمع شئ حوله ، كأن المكان أصبح خالياً إلا من وجودها
رفع يده يشير للنادل بالإقتراب ، فأسرع ملبياً :
– أؤمرنى يا أفندم
حرص عمران على ألا ينتبه أحد عليه ، فأشار للنادل بالاقتراب منه أكثر ، فأنحنى الرجل بجزعه له ليسمع ما سيقوله:
– هى البنت الشقرا اللى قاعدة على الترابيزة اللى هناك دى تعرف هى مين ؟
نظر النادل حيث أشار ، فعاود النظر إليه ثانية وهو يقول :
– طبعاً يا افندم دى زبونة هنا هى وأصحابها دى تبقى الأنسة ميس النعمانى حفيدة رياض النعمانى
ارتجفت يد عمران قليلاً ، فلم ينتبه للكوب الزجاجى بجوار يده ، فبإصطدام كفه به ، سقط متهشماً على الأرض ، فسمع صوته كل من كان حاضراً بالمطعم ، فساد الصمت ، ينظر كل من كان جالساً ، لتلك الطاولة التى جلس حولها من صاروا يمتلكون هذا المكان
– حفيدة رياض النعمانى
قالها عمران مغمغماً بصوت هامس و بسرعة البرق ، كان يترك الطاولة ، بل أنه ترك المكان بأكمله ، فهو لم يضع بمخططه أن تكون هى أول فرد يقابله من عائلة النعمانى ، فربما هو كان بحاجة لمزيد من الوقت ، قبل أن يبدأ بمخططه ، ولكن تبسم بهدوء ، فلما لا تكون هى البداية لإسقاط أحد أعمدة عائلة النعمانى ، فكم ستحلو له اللعبة الآن ، خاصة أن الغنيمة ليست بالهينة ، بل ستصيبه بالتخمة إذا وقعت بين يديه
_____________
بالممر المؤدى لفنار الإسكندرية ، كانت ولاء تنظر لأسفل ، لتلك المياه التى تموج بهدير وصل لأذنيها ، فتساقطت دموعها وهى تحنى رأسها ، لتجرفها الأمواج معها ، فكم تمنت لو بإمكان تلك الأمواج أن تجرفها هى أيضاً ، ولكنها لن تقدم على فعل ما فعلته شقيقتها ، ولكن صوت تلك الأنفاس الغاضبة بجانبها ، هو من جعلها تلتف برأسها لذلك الواقف بجوارها ، يشد على خصيلاته بعنف ، فأشفقت على حاله
فراسل بعد علمه بالاتفاق بين والدها وفؤاد على إقامة الخطبة بوقت قريب ، زاد جنونه أكثر ، وأصر عليها بأن تأخذه لوالدها ، فعثرت على ذلك المقهى الذى يديره بنهاره ، على أن يعمل على صرف ما يكسبه بيومه بلعب الميسر بالمساء
تذكرت محاولة راسل أن يثنيه عن الأمر ، وبدأ معه باللين ، حتى أنه أقترح دفع مبلغ مالى كبير نظير رفضه لتلك الزيجة ، لكن حسان قابل الأمر كله بالرفض ، فنشبت بينهما مشادة كلامية كانت ستنتهى بعراك ،ولا يعلم راسل سر ذلك الاصرار المميت ، ولكن إستطاعت ولاء التكهن ، بأن أبيها بإمكانه إخذ النقود من فؤاد كلما اراد ، وليس مبلغاً سيدفعه راسل له مرة واحدة
– إهدى يا أبيه كترت العصبية مش هتفيد بحاجة
قالتها ولاء رغبة منها فى أن يكف عن حركته المتململة
فتوقفت قدماه عن الحركة ، وطالعها بعينان عاصفتان وهو يصيح بإنفعال :
– أنا مش عارف أبوكى ده منشف دماغه ليه عايز يوصل لإيه بالظبط ما قولتله اللى انت عايزه هدفعه
ضمت ولاء شفتيها ، لتوقف إرتجافها ، فخرج صوتها متحشرجاً بألم:
– أنا قولتلك أن هو مش هيوافق ولا هيسمعلك هو مش هيرتاح إلا لما يخلينى أموت و أجاور أشجان فى تربتها
– لاء يا ولاء لاء مش هسمحله
تعالت صيحته عن ذى قبل ، فهو لا يريد تخيل ذلك المصير ، الذى سيؤل إليه أمرها ، فهو مازال حزيناً على شقيقتها ، فكيف سيكون الحال إذا فقدها هى الأخرى ؟
أشار إليها بالعودة إلى سيارته ، فتبعته وهى صامتة ، تنظر للسماء من حين لأخر ، تناجى الله بصوت هامس ، وصلا للسيارة ، فأتخذت مكانها بالمقعد المجاور له ، فقاد سيارته بهدوء ، وعقله يدور بكل إتجاه لحل تلك المشكلة ، حريص على أن ينزع تلك الومضة التى لم تبرح عقله منذ خروجه من مقهى حسان ، وهى أن يرضح بالأخير ويذهب لطلب المساعدة من رياض النعمانى ، ولكن كيف له بالذهاب وأن يستجديه؟
ظل شارداً فأستمع لصوت زمور سيارة قوى ، فنظر بالمرآة الجانبية لسيارته ، فوجد سائق تلك السيارة التى تتبعه من الخلف ، يلوح له بذراعه من نافذة تلك السيارة السوداء ، كإشارة له على أنه يريده بأمر هام
قطب راسل حاجبيه ، وصف السيارة جانباً ، فترجل سائق السيارة الأخرى ، يتبعه عدة رجال مدججين بالسلاح ، فعرف على الفور من هم ، فزفر بخفوت وجز على أنيابه
إلا أنه أستمع لولاء وهى تقول بخوف :
– أبيه هم مين دول هو فى إيه
أشار إليها راسل بيده لكى تهدأ فقال :
– إهدى يا ولاء ومتخافيش دول رجالة رياض النعمانى
أنحنى أحد الرجال إليه وهو يقول بإبتسامة خشنة :
– متأسفين يا دكتور راسل بس الباشا عايزك ضرورى
نفخ راسل قائلاً بضيق :
– هى إيه الحكاية مرة أنتوا ومرة رجالة عاصم النعمانى وتطلعولى فى نص الطريق زى العفاريت
– أصل عارفين لو جينالك البيت ولا المستشفى مش هترضى تيجى معانا
قالها الرجل بسرعة وعاد معقباً:
– وياريت حضرتك متعارضش ولو حابب ممكن أسوقلك أنا العربية
قال راسل وهو يشمله بنظراته الباردة :
– شكراً أنا هسوقها وأتفضلوا حصلونى إما أشوف أخرتها إيه مع اللى مشغلكم
لم ينتظر راسل وصول الرجال لسيارتهم ، فعاد وأدار محرك سيارته ، فى طريق ذهابه لمنزل رياض النعمانى ، ظلت ولاء صامتة طوال الطريق ، تفكر فى تلك الصدفة التى حدثت لهما اليوم ، غير غافلة عن ملامح الضجر التى إحتلت قسمات وجه راسل
فتحت البوابة الرئيسية لقصر النعمانى ، وعبرت من خلالها سيارة راسل ، مر بالحديقة التى ملأتها الأضواء والأصوات كأنها مقام بها حفل ، فذلك الأمر يعتاده سكان ذلك البيت ، وجد رجالاً ونساءاً عدة يلتفون حول طاولات ، يعمل فريق كامل من الشباب والشابات على تلبية مطالب الحضور ، ولكنه لم يرى لرياض أثراً حتى الآن
تقدم منه أحد الرجال يشير إليهما بأن يتبعاه ، تلفتت ولاء حولها كطفلة ، تستطلع المكان وذلك الحفل ، الذى لاترى مثيله سوى بالتلفاز ، وصل الرجل بهما إلى صالة داخلية ، كان يجلس بها رياض وميس ، التى ما أن رأت راسل حتى تركت مكانها تقترب منه
فتبسمت بوجهه وهى تقول :
– إيه المفاجأة الحلوة دى مبسوطة أنك جيت النهاردة
لوى راسل شفتيه قائلاً بتهكم :
– لاء دا الباشا جدك جابنى بالأمر كويس انه مخلاش رجالته يجرجرونى لحد هنا وانا مش عارف أخرتها إيه العمايل دى ولا عايز منى إيه
تبسم رياض بخفوت على نبرة الاحتجاج بصوته ، فظل يحرك عصاه بين يده الهرمة ، كمن يريد زيادة غضبه ، فنادى حفيدته بصوته الأمر :
– ميس أخرجى الحفلة شوفى الضيوف على ما أتكلم مع راسل شوية
لم تخالف له ميس أمراً من قبل ، وحتى الآن فهى خرجت بعد أخذها وعداً من راسل بأنه لن يرحل قبل أن تراه
كل هذا وولاء لا تفقه شئ مما يدور حولها ، ولكنها انتبهت على صوت رياض وهو يشير لها بالجلوس ، فأتخذت مكانها بالمقعد المجاور لراسل ، كمن تستمد القوة منه ، فهى وإن كانت تسمع عن مدى هيبة وثراء رياض النعمانى ، لم تضع ببالها أن يكون كل هذا حقيقياً ، فهى ظنت أنهم يبالغون بالأمر ، ولكن ما تراه الآن لم يبلغ معشار ما سمعته
خيم الصمت عليهم لمدة دقيقتين ، فلم يجد رياض فائدة منه ، فنظر لولاء قائلاً بهدوء :
– أنا عرفت أن فى مشكلة عندك وكنتى عيزاكى أحلها خير قولى
نظر كل منهما للأخر ، فمن أخبره بهذا الشأن ، فتساءل راسل بشئ من الفضول :
– وأنت عرفت إزاى يا رياض باشا ولا تكونش العفاريت هى اللى قالتلك ولا شفتنا فى فنجان القهوة بتاعك
– قليل الأدب
غمغم بها رياض ، بعد أن دب الأرض بعصاه بخفة فعاد معقباً بصوت رصين :
– ميس هى اللى قالتلى على الموضوع
نظر لولاء يحثها على الحديث :
– قولى يا بنتى إيه مشكلتك
بالبداية فركت ولاء يديها ببعضهما البعض ، فما لبثت أن بدأت حديثها معه ، فأخبرته كل شئ ، بداية من مضايقات فؤاد لها ، حتى مجيئه لمنزلها من أجل خطبتها ، وذلك الإتفاق بينه وبين والدها على أن يكون الزفاف بالقريب العاجل ، ورفضها القاطع لذلك الرجل نظراً لسلوكه السيئ
إستمع لها رياض بإنتباه ، فبعد إنتهاءها ، تبسم بوجهها بإطمئنان وهو يقول :
_ خلاص متحمليش هم وأعتبرى أنك مشوفتيش اللى إسمه فؤاد سالم ده من أصله
بسماعها قوله ، لم تحجم يديها عن التصفيق بحماس وسعادة ، سرعان ما شعرت بالخجل والإحراج بعد رؤية راسل ينظر لها رافعاً حاجبيه
تبسم رياض على فعلتها ، فبالأخير هو لديه حفيدة ، ويعلم كيف تكون حالة الفتاة عند الحصول على مبتغاها ؟
فهتف بها بصوت شابه الحنان :
_ أنتى ممكن تخرجى الحفلة لميس وتنبسطى شوية على ما أتكلم مع راسل
نظرت لراسل كأنها تريد معرفة رأيه بما سمعاه ، فما كان منه سوى أن أماء برأسه بهدوء ، يحثها على الإستماع لما قاله رياض
فخرجت ولاء يتبعها حارس آمره رياض بإيصالها لميس بالحديقة ، فبعد إبتعاد ولاء وإطمئنانه أنه الآن برفقة راسل بمفردهما
إستند بظهره للخلف ، وذراعه ممدودة يمسك بها عصاه ، أنتظر راسل أن يقول ما يريد ، ولكنه ظل يحدق به بصمت
فتأفف راسل من تلك الحالة فقال :
– ما تقول عايز منى إيه علشان أروح لأن مش هقضى الليل كله وأنا قاعد قدامك كده وساكت ومبحلقين فى بعض
حاول رياض إكساب صوته نبرة هادئة ، عوضاً عن ذلك الحنق الذى يثيره راسل به دائماً :
– كنت عايز أديك الفلوس اللى عاصم جبهالك وأنت رفضتها ومعاها فلوس زيادة كمان
– مش عايز منك حاجة وقولتهالك ١٠٠ مرة أنا مش محتاج منك حاجة لو أنت اخر واحد فى الدنيا
صاح راسل بعبارته بإنفعال حاد
فما كان من رياض سوى أن ضرب الأرض بعصاه ، فتحامل على جسده الواهن بفعل الكبر ، فوجهه شديد الاحمرار من غضبه الذى ملأه من مجابهته له ، ورفضه المتكرر لما يقوله ، فوضع كفيه يستند بهما على عصاه يرمقه بشموخ
فهتف به قائلاً بنبرة محذرة:
– راسل أنا مش عايز بس أفكرك أن لولا أن لحقتك ورجعتك من إيطاليا كان زمانك ميت دلوقتى
تصاعدت أنفاسه بغضب ، فكور قبضة يده ،كأنه يتأهب لعراك ففح من بين أسنانه :
– ياريتك كنت سبتينى أموت كان أهون لأن أنا مش هطاوعك ولا أعمل اللى فدماغك فريح نفسك بقى يا رياض باشا سلام
بعد أن أنهى حديثه ، ترك مكانه وخرج للحديقة ، ليبحث عن ولاء ليعيدها لمنزلها ، ومن ثم يعود هو الآخر لمنزله ، ولكن عيناه التى طافت بوجوه الحاضرين ، رمقتها من بين الحضور ، فما الذى أتى بها لهنا ؟ تعاظمت دهشته عندما رآها تتحدث مع عاصم ، فمن أين تعرفه ؟
فإن كان راغباً بالذهاب منذ دقائق ، صار الآن يتحرق للحصول على أجابات لتلك الأسئلة الكثيرة ، التى ما فتأ يطرحها على ذاته بعد رؤيته لحياء هنا وبمنزل رياض النعمانى
تجاهل نداء ولاء له ، وتقدم منهما يحدوه الغضب ، ولا يعلم علام غضبه الآن ، هل لرؤيتها هنا ؟ أم لرؤية عاصم منجذب بالحديث معها
– أنسة حياء بتعملى إيه هنا
قالها راسل فجأة ، فأنتفضت حياء التى لم تراه قادماً ، نظراً لإنشغالها بالحديث مع رب عملها ” عاصم النعمانى ”
لا تعلم ذلك الشعور بالخجل ، الذى ملأها بعد رؤيته ، فخرج صوتها ضعيفاً وهى تقول :
– دكتور راسل
تجرع عاصم من الكوب بيده ، وحدق براسل ملياً قبل أن يقول :
– غريبة أنك هنا دا أنا معرفش
– أحسن أنك متعرفش ، ثم أنا بكلمها هى مش أنت
قالها راسل بفظاظة ، فحول بصره عنه ، وعاد ينظر لتلك التى خفضت وجهها أرضاً ، كأنها قزمة بين عملاقين ، وما زاد بإمتقاع لونها أكثر ، هو إقتراب بلال منهم ، ولا تعلم لما شعرت بأن كل منهم يحمل بعينه إتهام لها ، ولكن لما هذا الشعور بداخلها ؟
فبلال يشعر بالإستياء لإستئثار عاصم بالحديث معها ، وعاصم يشعر بالضيق من راسل ، وراسل يشعر بشعور كاسح من الغيرة
الغيرة !
ضم حاجبيه بغرابة ، عندما أتضح له سبب ضيقه لرؤيتها مع عاصم ، خاصة أنها اليوم كأنها هى حياء بذاتها ، التى قابلها أول مرة ، مع تغيير طفيف تمثل بإحمرار وتوهج وجنتيها ، فهل كانت سعيدة بالحديث مع عاصم ؟
حمحمت حياء لتجلى صوتها وقالت :
– أنا أبقى المساعدة الجديدة لعاصم بيه والحفلة عملها احتفال بصفقة لجديدة لشركة من شركاته
تبسم راسل بسخرية :
– شركاته ، أنعم وأكرم يا عاصم بيه
انتفخت أوداج عاصم من حديث راسل ، فاقترب منه قائلاً بصوت منخفض :
– ياريت تحترم نفسك شوية فى ناس كتير حوالينا ماشى
قبل أن يفه بكلمة ، وجد ميس تقترب منه وجذبته من ذراعه وهى تقول :
– حبيبى تعال عيزاك فى حاجة ضرورى
سحبته ميس معها ، فظلت حياء تتبعهما ووجهها ملأه العبوس ، فتلك هى المرة الثانية ، التى تتمكن تلك الشقراء من أخذه قبل أن يكملا حديثهما ، ولكن قبل أن يبتعدا أكثر ، كانت ميس أسرعت بوضع يديها على كتفيه ، تدعوه ليراقصها ، بعد أن أوصت بموسيقى هادئة من أجل الحضور ، إذا رغبوا بالرقص
– يلا أرقص معايا ولا عايزنى أرقص مع حد تانى
قالتها ميس رغبة منها فى مشاكسته ، فما كان منه سوى أن وضع كفيه على خصرها ، فتمايل معها برفق ولكن عيناه ترصد تحركات حياء من بعيد ، حتى أختفت عن ناظريه ، فظل يبحث عنها بعيناه ، فهو لا يأمن صُحبة عاصم لها ، فهو ذائع الصيت بالعلاقات الغرامية ، وما هى إلا فتاة صغيرة بالنسبة له ، فهل حقاً هذا ما يخشاه ؟
فخفض وجهه ونظر لميس قائلا ً بغيظ :
– أنتى عارفة لو شوفت حد حاطط إيده عليكى هكسر رقبتك يا ميس فاهمة اه نسيت اسألك أنتى عرفتى إزاى بالموضوع اللى بينى وبين ولاء
رفعت يدها الناعمة وربتت على وجنته وقالت بحب :
– حاضر يا حبيبي مش هرقص مع حد غيرك أنت وخالو عاصم تمام كده وبالنسبة للموضوع اللى بتحكى عنه فأنا يوم ما مشيت أخدت بالى أن الأنسيال اللى كنت لبساه مش موجود فرجعت علشان ادور عليه فى مكتبك فلقيت الباب مفتوح ووقفت اسمع بتقولوا ايه وكنت متأكدة أنك مش هترضى تيجى لجده ، فأنا اللى قولتله
– ماشى هى ولاء راحت فين
قالها راسل وهو يدير رأسه ليبحث عن ولاء ، فوجدها تجلس برفقة حياء ، فزفر بإرتياح ، ولكن سرعان ما عاد إليه العبوس مرة ثانية ، وهو يرى ذلك الشاب الذى رآه منذ دقائق جالس معهما
ترك ميس وذهب إليهم ، سحب مقعد أخر من مقاعد الطاولة ، وجلس مقابل لها ، حل الصمت عليهم ، كأن على رؤوسهم الطير ، فهى تعبث بطرف حقيبتها ولا تلقى له بالاً ، وهو يود أن لا يحجم لسانه عن سؤالها لما هى مازالت هنا ؟
قال بلال وهو ينظر بساعة معصمه :
– حياء إحنا أتأخرنا يلا نروح
– نعم يا أخويا تروحوا على فين
صاح بها راسل بإنفعال ، فرفعت حياء رأسها ، التى كانت تنكسها خجلاً وضيقاً
فضيقت عينيها وهى تقول بغرابة :
– مالك يا دكتور راسل وتقصد إيه بكلامك ده
ترك راسل مقعده وهو يقول بصوت عالى :
– بلا دكتور راسل بلا زفت أنا عايز أعرف مين ده وهتروحى معاه على فين
تركت هى الأخرى مقعدها ، ووقفت مقابل له فرمقته بضيق من فحوى حديثه فأجابته بتحدٍ :
– وأنت مالك وبتسأل ليه يلا بينا يا بلال
أخذت حقيبتها وهمت بالرحيل فأولته ظهرها ، ولكن نهرها عن أن تخطو خطوة أخرى وهو يقول بتحذير :
– خطوة كمان يا حياء ومش هتعرفى اللى ممكن أعمله
مما لا شك فيه أنه أصيب بالجنون تلك الليلة ، إستدارت إليه وهى متعجبة من أفعاله ، فماذا يريد منها ؟ ألا يكفيه تلك الشقراء أو تلك الفاتنة المسماة هند ، ألا تكفيه صحبة هاتان الفتاتان ، فبطواف وجوههما بمخيلتها ، زادت حرارة إنفعالها
فرفعت سبابتها وهى تقول بتحذير هى الأخرى :
– دكتور راسل أظن أنا مخصكش علشان تتحكم فيا وكفاية أنك فرجت الناس علينا وأنا مش هسمحلك أنك تكلمنى بالأسلوب ده
قبل أن تخونها تلك العبرات ، التى أحرقت جفنيها ، كانت تهرول بخطواتها للخارج ، فهى لن تنتظر مجئ بلال ، فمثلما أتت اليوم بمفردها ، بعد رفضها أن يصطحبها خشية إثارة الأقاويل حولهما ، ستعود للمنزل ، وليس هذا وحسب ، بل ستعود باكية بسبب ذلك الراسل ، الذى لم يعث أحد تغييراً بفصول حياتها ، مثلما يفعل هو ، فهو يجلب لها حرارة الصيف متمثلة بإلتهاب وجنتيها ، وغيث الشتاء متمثلاً بعبرات عينيها ، وجفاف الخريف متمثلاً بمجابهتها وتحديها له ، ولكن موسم واحد لم تذقه بعد وهو موسم الربيع ، ولكن كيف لها بنكران تلك النسمات ، التى مست قلبها متمثلة بتلك القشعريرة والرجفة اللتان تسريان بحواسها من رؤيته وسماع صوته
عملت على تجفيف عينيها بالمحرمة الورقية ، فلم تنتبه سوى على يد قابضة على ذراعها ، فألتفتت فجأة وجدت ولاء تقف بجوارها وهى تبتسم
فسحب ولاء يدها وهى تقول :
– شكلى كده مكتوب عليا اعتذر لك بالنيابة عنه
نظرت حياء خلف ولاء ، وجدته يقف على بعد عدة خطوات منهما ، فذلك البارد لم يكلف نفسه عناء تقديم الاعتذار ، بل أرسل تلك الفتاة عوضاً عنه
ولكن لا تعلم لما ثارت ثائرتها وبلغ حنقها منه ذروته ، فردت قائلة بإستياء :
– وتعتذرى بالنيابة عنه ليه ملوش لسان يعتذر بيه ، دا بسم الله ماشاء الله مفيهوش غير لسان زى الكرباج يوجع بيه كل اللى حواليه ، عايزنى أقبل الاعتذار أسمعه منه هو مش من حد تانى
أقترب منهما ووضع يده بجيبه قائلاً بوداعة غير مألوفة :
– عندك حق يا حياء فى اللى قولتيله ومقدرش أقول غير كده والا أبقى فعلاً معنديش دم وبارد
تبسمت بداخلها على أنها سترى أخيراً رضوخه ، ولكن سمعته يقول معقباً ببرود:
– بس المصيبة أن أنا فعلاً معنديش دم وبارد ومبعتذرش لحد حتى لو كنت غلطان
تهدل فمها من قوله ، فهى كانت تتحين تلك اللحظة ، التى تسمعه بها يقدم لها إعتذاره ، ولكنه يخبرها الآن صراحة عن أنها لن تنال تلك الأمنية
بل وجدته يقترب من سيارته يفتح الباب الخلفى قائلاً:
– تعالى نوصلك بدل ما تروحى لوحدك فى وقت زى ده لأن حتى مش هسمحلك تمشى مع اللى إسمه بلال ده
فما ظنه بها ، هل هى دمية سيحركها كيف يشاء وعليها هى القبول بذلك ؟ أسرعت ولاء بتلطيف الأجواء ، وهى تربت على ذراعها برفق:
– تعالى متخافيش أنا معاكى وأبيه راسل معاه حق بلاش تروحى لوحدك إحنا فى زمن مبقاش فيه أمان
سحبتها ولاء من يدها ، حتى وصلا للسيارة فتنحى جانباً ، ليسمح لهما بالجلوس فى المقعد الخلفى ، ودار هو حول السيارة وأدار محركها ينطلق بها ، يشعر بشعور المنتصر أنه لم يدعها تعود للمنزل بمفردها أو برفقة ذلك الشاب المدعو بلال
فكلما ألتقت عيناه بعينيها فى المرآة ، ترمقه بغيظ ، فكم يشعر هو بالسعادة الآن ، وهو يراها تعود من جديد ،لتلك الفتاة ، التى كانت كلما قابلته يشتد النقاش بينهما ويصبح أكثر حدة خاصة بإظهارها تحديها له
ولكنه عاد وتذكر من يكون ، وتذكر ذلك العهد الذى آخذه على نفسه ، من أن لا يجعل تلك المشاعر تزوره ثانية ، فكيف غفل عن كل هذا ؟ أو بالأدق لما سمح لقلبه بنفض ثرى الذكريات المُرة عنه ، ويرغب فى منحه فرصة أخرى من أن يتذوق حلاوة الشعور بكون أنثى تسكنه وتملكه ، ولكنه لايريد أى أنثى سوى تلك التى مُسماها حياء
______________
صوت جرس الباب المُلح ، جعلها تفيق من سباتها ، وهى تجاهد على فتح عينيها ، فربما هى نائمة منذ ساعات ، فركت عينيها وألقت ببصرها على زوجها النائم هو الآخر يغط بنوم عميق ، فشقت إبتسامة عاشقة شفتيها ، وهى تتأمل قسمات وجهه المسترخية ، فتذكرت كيف كان سعيداً ، عندما هاتفته وأخبرته أنها بإنتظاره أمام تلك الشقة ، التى من المفترض أن تكون عش الزوجية الهادئ الخاص بهما ، فبدقائق معدودة وجدته يترك عمله ويهرول عائداً إليها
رنين الجرس ثانية ، جعلها تكف عن تأملها وتذكرها لأحداث الأيام القليلة الفائتة ، والتى لم تعى كيف صمت والدايها بعد رحليها ، وتركها تلك الرسالة الورقية لهما ، بأنهما إذا أعترضا طريقها ، ستتخذ أقرب وسيلة لها للخروج من المنزل ، ولن يراها ثانية
وضعت رداء على ثوبها البيتى ، وشدت رباطه على خصرها ، ووضعت حجاب على رأسها ، خرجت من غرفة النوم وأقتربت من باب الشقة
فتحته بحرص على ظهور رأسها فقط ، فهى لا تعلم من يكون زائرهما بهذا الوقت :
– أيوة مين
– أنا يا روح ماما
قالتها قسمت وهى تظهر أمام عينان إبنتها ، كأنها ظهرت من العدم فجأة
أزدردت هبة لعابها ، وهى ترى والدتها تقف أمامها ، كأنها جلاد جاء لتنفيذ حكم قاسٍ بها ، فتلعثمت بجوابها :
– مما ماما أتفضلى
تنحت هبة جانباً ، لتسمح بمرور والدتها للداخل ، فولجت قسمت وهى تجيل ببصرها فى أرجاء الشقة كافة ، ولكن نظراتها تحوى إحتقار وإشمئزاز ، فأتخذت مجلساً لها من أقرب مقعد قابلها بالصالة
وضعت ساق على الأخرى ، ترمق إبنتها بإنزعاج لم تستطيع إخفاءه عنها فهتفت بصوت يحمل بين طياته الوعيد :
– يعنى ينفع اللى عملتيه ده يا هبة تسيبى البيت وتهربى هى دى أخرة تربيتنا فيكى عايزة تحطى راسنا فى الطين وسط الناس وتعملينا فضيحة
حملقت بها هبة بغرابة وهى فاغرة فاها من حديثها ، فعن أى فضيحة هى تتحدث ، فهى لم تفعل شئ خاطئ بل ذهبت لزوجها ، فهى من كانت ترفض إرتباطها به
فقالت هبة بغرابة :
– فضيحة إيه يا ماما هو لاسمح الله هربت مع حد أنا جيت لجوزى يعنى لا عيب ولا حرام وكان ممكن اخرج من البيت زى اى بنت بفستانها الأبيض بس أنتى اللى كنتى عايزة تبعدينى عنه وتطلقينى منه وده ميرضيش ربنا ولا يرضى حد وأنا خلاص مبقتش حابة أعيش فى بيتكم اكتر من كده قصدى بيت خالى عرفان الله يرحمه اللى أنتوا سكنتوه بعد خرابه وموت أصحابه ، حتى حياء مرحمتوهاش
بإتيانها على ذكر أن ما تملكه الآن ، ويجعلها تتخذ دورها الصارم معها ، كان بالماضى ملكاً لأخيها ، جعلها تنتفض من مكانها ، فاقتربت منها تقبض على خصيلاتها بقوة ، جعلت هبة تشعر بألم شديد برأسها
فصاحت هبة بتألم :
– ماما حرام عليكى سيبى شعرى
وجدت هبة وحيد ، يسرع بخطواته إليهما ، وعمل على تخليص شعر زوجته من يد والدتها ، فغامت عيناه بسحابة من الغضب
فهدر وحيد بصوت عاصف :
– فى إيه بتضربيها ليه ملكيش دعوة بيها تانى
إستكانت هبة بين ذراعى زوجها ، وهو يضمها إليه يربت عليها بحنان ، فوضعت رأسها على صدره ، تمسح بيدها عيناها الباكية بسبب قسوة والدتها
ولكن لم يكن تحذير وحيد لقسمت ، سوى وقود لنيران الحقد بقلبها ، فعوضاً عن صمتها ، قامت بدفعه هو الآخر ، حتى كاد يسقط أرضاً هو وهبة
فأتسعت طاقتى أنفها ، تزفر بضيق فصاحت بوجهيهما :
– أنتوا مفكرين أن أنا هسيبكم فى حالكم لاااء أنتوا غلطانين ، وأنا مش هخليك تفرح أنك أخدتها مننا ، أنا سبتهالك كام يوم علشان كنت بحضر الورق ده
أخرجت من حقيبتها عدة أوراق ، ومدت يدها بها له ، فأخذها من يدها وطافت عيناه بها وهو لا يفقه شئ
فتحول ببصره عن الأوراق ، ونظر لوجه والدة زوجته المحتقن بدماء الغضب ، فقال بتساؤل :
– أوراق إيه دى
– دى أوراق إتفاقية خليت المحامى يعملها ، أنك تطلق هبة مقابل ان هديك ٢ مليون جنية وشقة فى أفخم مكان فيكى يا إسكندرية
قالت قسمت عبارتها ، وهى تنظر لوجه إبنتها ، الذى أيقنت أنه نضبت منه الدماء ، فألتوى ثغرها بإبتسامة من تخيلها أن وحيد سيوافق على عرضها المغرى ، فمن بإمكانه أن يرفض مبلغاً كهذا
أرتعدت فرائصه بعد حديث قسمت ، فأرتخت ذراعه الملتفة حول كتف هبة ، فأعتدلت هبة بعدما كانت منحنية الرأس على صدره ، خوف وترقب سكن خلايا جسدها ، فما دليل صمته ، هل سيوافق ؟ هل سيتركها بعدما يأخذ ثمن فراقه عنها ؟
تعالت دقات قلبها ، حتى شعرت به كاد ينفذ من بين أضلعها ، فعندما همت بفتح فمها لتسأله عن سبب صمته ، وجدت يشق الأوراق لقطع صغيرة ، يلقيها على الأرض
فقال بصوت هادر :
– هو أنتى مفكرانى أن أنا هفرح بعرضك ده وأسيب هبة،

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى