رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الخامس والستون 65 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الخامس والستون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الخامس والستون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الخامسة والستون
ج٢–١٩– ” قارب بلا مرسى ”
انتابه دوار مصحوباً بدفقات من العرق البارد ،وكأن أحدهما سكب على رأسه دلو من الماء المثلج ، بأشد الأيام برودة ، وارتخت أطرافه وتكونت الدهشة على ركنى فمه ، الذى لم يعد يسيطر على إرتجافه ، كمن تلقى طعنة نجلاء أخترقت قلبه ، فرغم العلاقة الفاترة بينه وبين والدته ، والتى لم يفكر فى يوم بتحسينها أو أن تبدو لهما مقبولة منذ إنكشاف الحقائق وإخباره لها بحقيقة زوجها ، إلا أنه أحس بأن الأرض مادت تحت قدميه، ما أن تفوه حاتم بعبارته المجحفة والصادمة والتى لم يحاول إضفاء طابع الإحترام والتقدير عليها ، بل أخبره إياها مجردة من أى مظاهر للتملق ، ولم تكن فداحة عبارته بأنه تزوج والدته فقط ، بل أنه لم يخجل من نعته ووصفه لها بأنها سهلة المنال ولم يجد جهد فى إستمالتها له ووافقت على الفور للإقتران به ، وربما علم الآن لما صارت بالأيام الفائتة شديدة العناية بمظهرها الأنثوى ، والذى لم يضمحل بالكامل ، بل مازال لها جمالها حتى وإن لم يكن بالمقدار ذاته عندما كانت شابة صغيرة ، حتى إنها لم تعد تعترض طريقه مثلما كانت تفعل رغبة منها فى أن يلتقيا بنقطة تفاهم معينة بين الإبن و الوالدة ، وها هو علم الآن سبب فتورها من جانبه ، لأنها وجدت صيد أخر تمثل بشاب فى نفس عمره تقريباً
– أنت كذاب ، وبتقول كده علشان تحاول تستفزنى مش أكتر
أراد عمرو دحض أقواله ، على الرغم من شعوره بأنه ربما لم يكذب بما قاله ، لعلمه بطباع والدته ، ولم ينسى تردد بعض الشائعات حولها مع أحد أعضاء ذلك النادى الرياضى ، الذى كانت ترتاده يومياً ، مما جعله يلزمها البيت لفترة طويلة ، حتى ظن أنها لن تفكر فى فعلها مرة أخرى
بدا حاتم واثقاً من أن ما يقوله عمرو ما هو إلا أعذار واهية ، ليحاول إقناع ذاته بأن ذلك الأمر لم يقع ، وأنه صار حقاً زوجاً لوالدته ، فأراد له المزيد من الحيرة والحسرة ، فأخرج من جيبه عقد الزواج العرفى ، ومد يده له به قائلاً بشماتة :
– ده عقد الجواز العرفى لو مش مصدق ، خد إقراه مش هتقولى مبروك يا عمى
أخذ عمرو الورقة من يده وطافت عيناه بين سطورها التى جاء بها ما ينص على إتمام زواج حاتم من والدته ، ولكن حملت له دليل أخر على أن ذلك ليس فقط جريمة لزواج أمه من شاب فى نفس عمر ولدها ، ولكن هناك جريمة أخرى كون أن زوجها مازال حياً ولم يمت مثلما زعم هو من قبل وجعل هى والجميع يتوهمون أن زوجها توفى إثر حادث أليم
ألقى الورقة من يده وقبض على ياقة قميص حاتم صارخاً بصوت جهورى :
– إيه اللى أنت عملته ده ، أنت مجنون تتجوز واحدة قد أمك
حاول بذلك المبرر ، أن يخفى تكتمه على ذلك الإثم الذى وقع من أن والدته الآن زوجة لإثنين حتى وإن لم تكن تعلم بأن زوجها الأول مازال على قيد الحياة ، وما جعل الرعب يدب بقلبه هو خشيته من أن يكون حدث وصال الزوجين بين حاتم ووالدته ، فحينها سيقع اللوم والذنب على عاتقه وحده ، كونه دبر تلك المكيدة للإنتقام من زوج والدته ولم يضع بحسبانه أن شئ هكذا من الممكن أن يحدث ، لحرصه على وضع والدته تحت المراقبة الدائمة ، ولكن ربما غفلته عنها بالأيام الماضية لأنشغاله بتنظيم حفل عرُسه ، جعلها تفعل ما فعلت
دارت عينىّ حاتم حوله ، وتأكد من أن لا أحد يستمع لما يجرى بينهما ، فالموسيقى والأصوات الصاخبة بالقاعة ، لن تجعل بالإمكان أن ينتبه أحد لصياح عمرو بوجهه ، قبض حاتم على كفىّ ذلك الذى أراد زهق أنفاسه ، فنفضهما عنه وهو يقول ببرود :
– أصل أمك عجبتنى أوى الصراحة
لم يعد بإمكان عمرو سماع كلمة أخرى منه ، فبدأ بصفعه على وجهه ومن ثم لكمه بمنتصف بطنه ، ونشب بينهما عراك حامى ، فتم إغلاق الموسيقى ، وصرخت بعض النسوة من رؤية الشجار بين العريس وإبن عم العروس ، فتركت سهى مكانها وهرعت إليهما وحاولت جذب زوجها الجاثم فوق صدر إبن عمها
فصرخت به بصوت مرتجف :
– بس يا عمرو سيبه ، بتتخانقوا ليه ، سيبه بقولك
صاحت سهى بكلماتها حتى كادت تشعر بأن الدماء ستطفر من وجهها المحتقن بدهشتها وتعجبها مما يفعله زوجها ، فأرتجفت يداها ومن ثم أضافت برنة صوت مشوبة بالخوف من رؤيتها لملامح العنف والوحشية التى كست وجهه :
– أنت بتعمل فيه ليه كده ؟ ليه يا عمرو
كأن بلفظها لإسمه أعاده لواقعه ، فحدق إليها بوجه خلت منه معالم الحياة ، ليس فقط بمعرفته بتلك الكارثة ، بل أنها تنظر إليه كما لو أنها تنظر لوحش مفترس وتخشى إفتراسه لها فيما بعد ، وكم من مرة هى أخبرته بمخاوفها منه ومن طباعه وسلوكه ، التى أقسم هو لها بأنه لم يعد كما كانت تظنه ، بل صار أفضل من ذى قبل ، ولكن من بمثل مكانه ، لم يكن سيستطع أن يسيطر على إنفعاله بعد ما سمعه وخرج من فم حاتم ممزقاً لكبرياءه ، بعدما أصر بأكثر من موطن أن يذكر والدته بألفاظ مشينة ، أراد بها تعكير صفو مزاجه وأن يصل به لأقصى درجات الغضب
أخترق أذنيه صوت والد زوجته الغاضب وهو يتشدق بفمه الذى راحت تهتز عضلاته نتيجة لشعوره بالغضب والنقم الساخط لما فعله زوج إبنته بإبن شقيقه الوحيد :
– أنت إزاى تمد إيدك على أبن أخويا وتضربه ، هى دى بداية النسب يا عمرو ، ولا علشان فاكر إنك أتجوزت بنتى ، خلاص مش هحاسبك على اللى عملته ده
ترك عمرو ياقة قميص حاتم ونهض من فوق جسده المطروح أرضاً ، وشمله بنظرة ثاقبة ، بعدما وجده رغم تلك الدماء النازفة من وجهه يبتسم له بخبث وإنتصار ، كأنه أحرز تقدماً بمباراة ولا يعلم كيف يشعر بذلك وهو من لاق ما لم يسره كصفعه ولكمه له ، فإنتبه لما يجرى حوله من إلتفاف الضيوف حوله بدائرة مغلقة ، يقف هو بالمنتصف وبجواره والد زوجته وسهى ، التى غطت فمها بكفيها وتنظر إليه وهى تبكى ، وحاتم الذى مازال راقداً على الأرضية وصوت أنينه كاد يفقده صوابه ويفكر بأن يجهز عليه تلك المرة لكى لا يسمع له صوتاً
حاول عمرو فتح فمه ليقول شيئاً يحاول به تخفيف غضب والد زوجته وتسكين خوف سهى ، ولكنه لم يفه سوى بكلمة واحدة :
– عمى…
بلل طرف شفتيه لعله يستجمع شجاعته وأن ينطق بما يبرر عراكه مع حاتم ، إلا أنه لم يجد ما يقوله ، فكيف يخبرهما بما حدث وكل هؤلاء الناس مجتمعين ؟
مسح وجهه بكفيه قائلاً بسخط كاد يمزق شغاف قلبه الذى لم يبرأ بعد :
– مفيش حاجة يا عمى ، إحنا شدينا فى الكلام مع بعض والصراحة إبن أخوك مستفز فى كلامه فمحستش بنفسى وأنا بضربه
لاحت السخرية على جانبى فم والد سهى ورد قائلاً بعدم إقتناع بعدما جثى بجوار إبنه شقيقه :
– لا والله يعنى أى حد ينرفزك فى الكلام تقوم تضربه بالشكل ده على كده أنا مأمنش على بنتى معاك
ساعد إبن شقيقه بأن يستقيم بوقفته ، وفكر بأخذه للطبيب ولكن قبل ذهابهما نظر لعمرو مستطرداً:
– خلاص الفرح اعتبره خلص وأنا هاخد بنتى معايا يلا يا سهى
أنتشى حاتم مما سمعه من عمه ، وما أن مر بجوار عمرو ، حتى أدنى برأسه منه قليلاً قائلاً بهمس ورنة مشبعة بالخبث :
– وقعت فى الفخ وأنت مش حاسس أنا لا اتجوزت أمك ولا حاجة ، دا عقد عرفى مزور ، دا كان فيلم كده علشان أخليهم يشفوك على حقيقتك وأنت بتتهجم عليا ، كفاية عيون سهى اللى بتبصلك بخوف كأنها شايفة وحش ، دى بنت عمى وعارف كويس أنها بتخاف لما بتشوف خناقة وفى حد إتصاب
أدرك عمرو أنه كان ضيحة لذلك الفخ الذى إستدرجه إليه حاتم ، لسعيه المتكرر فى أن يظفر هو بسهى ، فكيف كان أحمقاً وإنساق خلفه أكذوبته ، بل أنه أخذها حقيقة مسلم بها وظن أن أمر زواج والدته منه وقع لا محالة ، ولأول مرة يشعر بسوء ظنه تجاه أمه ، ولكنها لمحة خاطفة لم تدم وقتاً طويلاً
فما أن وجد والد زوجته يجر سهى خلفه للخروج من القاعة ، أمسكها من مرفقها وحال دون سيرها خلف أبيها ، فكانت بالمنتصف بينهما ، أحدهما قابضاً على يدها والأخر على مرفقها ، تقف بين إثنان لهما كل الحقوق الواقعة عليها كإبنة وكزوجة
– كويس اللى عملته ده و فرحتنا اللى أنكسرت قبل ما تبدأ
غص حلقها وهى تتفوه بعبارتها ، التى رافقها سيل متدفق من عبراتها ، ولامته بعينيها وهى تحدق به تشعر بالحسرة على حلمها بيوم زفاف ستظل تتذكر تفاصيله الممتعة لأخر يوم بحياتها ، فحقاً تم تحقيق نصف أمنيتها وأنها لن تنسى هذا اليوم أبداً وكيف لها أن تنسى يوم زفافها الذى لم يدم ساعة حتى أنفض الأمر سريعاً وها هى ستعود لمنزل أبيها كما خرجت منه اليوم ، حاملة لقب زوجة بأوراق رسمية فقط
لانت قبضته على ذراعها ، فأقترب منها أكثر ورفع يده يمسح دموعها التى خربت زينتها قائلاً بأسف :
– أنا أسف والله مكنش قصدى ، غصب عنى
هز أبيها يدها لكى تسرع بإنهاء ذلك الأمر ، وهتف بها بخشونة :
– يلا بينا يا سهى
ترك عمرو ذراعها وأقترب من والدها محاولاً إستعطافه بأن يسمع له ، وأن لا يحاول هدم سعادتهما التى لم تبدأ بعد ، فعلى الرغم من أنه بإمكانه أخذها دون الحاجة لأن يلين والدها ، بحكم أنها صارت زوجته شرعاً وقانوناً ، إلا أنه لا يريد أن يثير عداء والدها ، ولكن تحالف معه إمام المسجد ، الذى أصر عليه عمرو بالحضور ، إذ راح يتحدث مع والد سهى بلين ولطف :
– إهدى بس ووحد الله ، مينفعش كده ، هتبوظ فرح بنتك علشان جايز حصل سوء تفاهم بيحصل عادى ، ودلوقتى عمرو بقى جوز بنتك يعنى زيه زى أبنك ، لو ابنك غلط مش هتسامحه يعنى ، وإن كان على اللى حصل لإبن أخوك ، فعمرو يعتذرله و خليهم يكملوا الفرح متكسرش فرحة بنتك
رغم إمتعاض عمرو بأن سيكون مضطراً إلى الإعتذار لحاتم ، إلا أنه لم يجد مفر من ذلك حتى تمر الليلة بسلام ومن ثم سيكون بإمكانه أن يلقنه درساً لن ينساه ، دون أن تثار جلبة مثلما حدث منذ قليل
هز عمرو رأسه قائلاً بخنوع غير مقنع لأحد خاصة حاتم :
– متزعلش منى يا حاتم إحنا بقينا دلوقتى عيلة واحدة ومعلش على اللى حصل
أراد إظهار نواياه الحسنة بإصلاح خطأه الفادح ، فجذب حاتم له واحتضنه وربت على ظهره بخشونة وهو يبتسم للواقفين حولهما ، إلا أن تلك الكلمات التى صبها فى أذن حاتم لا تمت بصلة لإبتسامته ونواياه الحسنة الظاهرة للعيان :
– وربنا ما هفوتهالك يا حاتم ، وهخليك تفكر ألف مرة قبل ما تفكر تعمل حاجة زى الحركة اللى مش تمام اللى أنت عملتها من شوية وكنت عايز تبوظ بيها الفرح
حاول حاتم دفعه عنه إلا أن عمرو أحكم ذراعيه وشد بهما على ظهره بقسوة جعلته يأن بصوت منخفض ، وبعد أن فرغ من تهديده له دفعه عنه برفق معقباً بإبتسامة وصوت مرتفع لكى يسمعه الجميع :
– دا إحنا هنبقى أكتر من الأخوات يا حاتم وحقك عليا فى اللى حصل ويلا بينا بقى نكمل الفرح
هدأت الأمور وعادت القاعة تضج بها أصوات الموسيقى ، ولم تخلو أحاديث الضيوف عما حدث وكل منهم يحاول إستنتاج أسباب الشجار والعراك ، ولكن لم يتخلى والد سهى عن صلابة وجمود ملامحه طوال الوقت الذى إستغرقه حفل الزفاف حتى أنتهى بعد منتصف الليل بما ينوف عن ساعة
أصر عمرو على قيادة سيارته حتى المنزل ، وربما يتاح له الوقت ليذيب تعنت سهى فى الحفاظ على صمتها منذ أن كانا بالقاعة ، فكلما كان يراها تبتسم وتتحدث مع أقاربها وصديقاتها ، كان يظن أن الأمر معه لن يختلف ، ولكنها طلبت منه ألا يحاول إثارة إنفعالها بحديثه حتى ينتهى الحفل ، ولكن باءت كل محاولاته بالفشل فهى عنيدة ويابسة الرأس ولا تتخلى عن عنادها بسهولة
وصلا المنزل ورافقته إلى تلك الغرفة التى ظنت أنها ستكون خاصة بها وحدها كما سبقا واتفقا فيما بينهما ، إلا أنها وجدته يتبعها وهو يحل رابطة عنقه وينزع عنه سترته ، فصاحت به :
– أنت بتعمل إيه هى مش دى أوضتى زى ما اتفقنا ولا تكونش رجعت فى كلامك
ألقى عمرو سترته على طرف الفراش قائلاً بهدوء :
– مرجعتش فى كلامى ولا حاجة ، بس مخنوق وكنت عايز أتكلم معاكى شوية بلاش
جلست سهى على أحد المقاعد وضمت كفيها ووضعتهما على ساقيها وأحست بنعومة قماش ثوب زفافها ، الذى ألتف حولها كباقة من الزهور البيضاء ، فرفعت وجهها له قائلة بجمود :
– خير كنت عايز تتكلم فى إيه يا عمرو بيه
لم تكن بداية مبشرة بأن يجدها تعود لطباعها القديمة أثناء حديثها معه ، فجلس على طرف الفراش وأرتكز بمرفقيه على ركبتيه وضم كفيه وحدق فى وجهها بتؤدة ونظراته تتصاعد بداية من طرف ثوبها الأبيض حتى وصل لعيناها المتقدتان بالحنق والخجل بعد رؤيتها له كيف ينظر إليها بتفحص ، كأنها دمية على وشك شراءها
حمحم عمرو ليجلى صوته ، أو ربما ليقمع ذلك التوق الذى قفز لعينيه ما أن إستحسن مرآها وتخيل كيف سيكون شعوره وهو يضمها بين ذراعيه ، فقال برنة صوت عذبة :
– سهى إحنا مش هنبتدى حياتنا مع بعض وأنتى بالشكل ده ، وإن كان على اللى حصل فخلاص اعتذرت لإبن عمك ، أنت أصلاً متعرفيش هو مستفز قد إيه وكان عايز يبوظ الجوازة بأى طريقة
عقدت سهى حاجبيها وتساءلت بجهل :
– وهو هيعمل ليه كده يعنى بينه وبينك إيه
رفع عمرو حاجبه ، مما جعلها تعى على سؤالها الأحمق ، فكأنها وعيت مؤخراً على أسباب إتهامه لإبن عمها ، فخفضت وجهها وقالت بعدما إبتلعت لعابها مراراً:
– الكلام ده كان زمان ثم من ساعة ما اتخطبنا وعمى اتوفى خلاص الموضوع اتنسى وحاتم مشوفتش منه حاجة تقول أنه يفكر يعمل كده
– علشان بيفكر يصطاد فى المية العكرة
صاح بها عمرو مما جعلها تنتفض بجلستها ، فقطع المسافة القصيرة الفاصلة بينهما وأخذ يديها بين كفيه مستطرداً بلين تلك المرة :
– سورى إن كنت خوفتك ، بس بجد ابن عمك ده فور دمى ، بس خلينا ننسى اللى حصل
جذبها إليه برفق وطوقها بذراعيه ، فراحت ترتجف بينهما كطائر أصابه البلل وكاد يشعر بالإعياء ، إلا أنه كلما زاد إرتجافها ، زاد من إحكام ساعديه حولها ، ففتنته بيديها اللتان علقت بكتفيه تتقاسم تلك الرجفات معه ، مما جعلت تلك المشاعر التى تزوره لأول مرة تزيد فى فورانها وثورانها بداخل شرايينه التى تدفق بها الدم حاراً ، فوزع أنفاسه الساخنة على وجهها وهو يشعر بالترقب مما يمكن أن يحدث بينهما الآن
ولكن أسرعت هى بقطع جسور أماله ، إذ أنسلت من بين ذراعيه قائلة بتوتر وإرتباك :
– أنا تعبانة وعايزة أنام ممكن وكمان أنت كنت قايلى هنسافر بكرة ، فعايزة أرتاح شوية
عادت تذكره بذلك الوعد والعهد الذى أخذته عليه ، ورغم أنه يتحرق شوقاً لأن يتذوق العناق الفطرى الأول فى حياته ، إلا أنه لم يشأ إفزاعها أو أن يبث بها الخوف منه ، فيكفى ما رآه بعينيها وهما كانا فى القاعة ، فأعاد ذراعيه بجانبه قائلاً بهدوء رغم إمتعاضه :
– تمام تصبحى على خير
دار على عقبيه وأنحنى لأخذ رابطة عنقه وسترته وما كاد يبلغ باب الحجرة حتى سمعها تقول بصوت خفيض :
– لو عايز تنام هنا مفيش مانع بس خليك مؤدب وإلتزم بكلامك ووعدك ليا
لم يصدق ما سمعه منها فإستدار إليها متسائلاً بدهشة :
– معقولة أنتى يا سهى اللى بتطلبى منى أنام هنا فى أوضتك ؟
أشاحت بوجهها عنه ورفعته عالياً كأنها تحملق بسقف الغرفة قائلة بحجة واهية :
– عادى يعنى وفيها إيه ، أنا فكرت إن لو كل واحد فى أوضة كده مش هنعرف بعض كويس ولا هفهمك ولا أنت تفهمنى
تمنت أن تنطلى عليه كذبتها وحجتها الغير مقنعة ، محاولة أن تدارى أسبابها الحقيقية لمطلبها هذا ، وهى أنها منذ أن ضمها بين ذراعيه ، وأختلج صوته بتلك النبرة الحانية ، طارت تلك الفراشات بمعدتها وسدت عليها مجرى الهواء
لاحت على شفتيه إبتسامة مشرقة وهو يقول مازحاً:
– لا يا شيخة واستنتجتى ده فى ثوانى كده
رمقته بنظرة مطولة مزجت بها التدقيق بوجهه والسخرية التى سبغت عبارتها التى تفوهت بها :
– مش عاجبك كلامى اعتبر نفسك مسمعتش حاجة وتصبح على خير
أقتربت منه وحاولت دفعه ليخرج من الغرفة ، كأنه أزعجها وتريد التخلص منه ، إلا أنه قبض على ذراعيها وثبتهما خلف ظهرها برفق وحزم لكى يضمن بقاءها ساكنة دون أن تحاول دفعه أو أن تتخلص من قيده لها ، فأحنى رأسه إليها وأسند جبينه لجبينها دون أن يحاول معانقتها ، ولكنه لم يستطع إحكام السيطرة على لسانه ، الذى راح يمطرها بوابل من عبارات الغزل ، الذى تعلم مؤخراً كيف يتغزل بزوجته غزلاً عفيفاً ، يقصد به فى المقام الأول أن تعلم مدى أهميتها لديه ، وليجعلها تأمن جانبه ويصرف عنها خوفها ورهبتها ، ولكن لم يضع بحسبانه أن يشعر هو بالرهبة من إقدامه على تلك الخطوة الهامة بحياته ، ولا يعلم لما ظلت تحذيرات طبيبه النفسى له تطن بأذنيه ، حتى منعت عليه الراحة والتفكير السليم ، فأسرع بالإبتعاد عنها معززاً الأمر ، أنه يريدها أن تأخذ وقتها الكافى بالتأقلم على معيشتهما قبل أن تفكر فى إتمام زواجهما بصورة فعلية ، ومنه تراه من منظور الملتزم بوعده وعهده لها ، رغم رؤيتها للمحة من عواطفه الثائرة تجاهها ، أجاد حيلته حتى أنه وجدها تنظر إليه نظرة شغوفة ملأها الفخر المبطن ، ورغم أن ليلتهما لن تسير على المنوال ذاته بين المتزوجين حديثاً ، إلا أنهما أدوا صلاتهما ولم يشعران برغبة فى تناول الطعام ، فأستلقت سهى على أحد جانبى الفراش واضعة وسادة بالمنتصف بينهما ، وسرعان ما غرقت بنومها الهادئ ، إلا أنه ظل هو مستيقظاً ينظر إليها يشعر بسخافة كذبته والتى يبدو أنها لن تكون الكذبة الأخيرة بينهما
❈-❈-❈
لم تكن حياء تعلم بأن ما أن تخبر زوجها بأنها ذاهبة لمنزل عائلتها من أجل زفاف إبنة عمها وتريد حضوره من أجل الحفاظ على المظاهر الإجتماعية أمام عائلة العريس ، أنه سيوافق مرحباً على إصطحابها لهناك ، بل وأنه رغب فى حضور ذلك الحفل العائلى الصغير ، الذى أقتصر على أفراد عائلة عبد الرحمن ، وبيرى وديفيد وحياء ، بعدما أبدت مارجريت إعتراضها على حضور الزفاف ، وستكتفى بالمكوث فى غرفتها ، مثلما فعلت يوم مجئ عبد الرحمن لخطبة بيرى ، ولكن تلك المرة أعلنتها صراحة أنها لا تريد رؤية حفيدة أخرى لاسكندر شمعون تقترن بزوج مسلم ، وأنه يكفيها أن حياء مسلمة ومتزوجة من رجل مسلم ، وهذا ما حاولت تقبله معززة الأمر أن حياء تربت ونشأت على تعاليم الدين الإسلامي منذ نعومة أظافرها ولا تعلم شئ عن عقيدتهما اليهودية كديفيد أو بيرى ، حتى وإن لم يكونا يمارسون شعائرها وطقوسها
وصلا إلى منزل عائلتها بسيارة زوجها ، التى قادها بتمهل كاد يجعل حياء تفقد صوابها من إبطاء حركة السيارة المتعمد منه ، ولكنها فضلت الصمت حتى لا تتشاجر معه ، خاصة أنها لا ترغب فى تعكير صفو مزاجها ، ولا تريد أن ترى إبتسامته على شفتيه المستبدتين والقادرتين على إشعال حنقها وتثيران شوقها بالوقت نفسه
فتحت باب السيارة من جانبها وترجلت منها ومن ثم صفعته بشدة قائلة بإمتعاض :
– الحمد لله إن وصلنا قبل الفجر ما يأذن
خرج راسل وأغلق باب سيارته قائلاً ببرود وإبتسامة :
– يعنى أنا غلطان يا حبيبتى إن ماشى بالراحة خايف عليكى يا روحى
أغمضت عينيها بيأس ومن ثم فتحتهما وأقتربت منه قائلة بهدوء قدر ما سمحت لها أعصابها الثائرة :
– بص يا راسل يا حبيبى أنا عايزة الليلة دى تعدى على خير ، علشان الجو متكهرب لوحده ها ، فخليك لطيف كده لحد ما نروح ماشى سمعتنى قولتلك إيه
تبعت حديثها بالربت على وجنته ، لعلها ترسخ بعقله أهمية أن يلتزم الهدوء واللطف ، ولكنها لم ترى على وجهه أى بوادر لإستماعه لما تفوهت به ، بل قال والهدوء والوله يكتنف محياه الوسيم :
– أنا والله ما سمعت حاجة من بعد كلمة راسل يا حبيبى ، صوتك كروان يا روحى
ظلت تلتقط أنفاسها تباعاً كأنها شعرت بنقص الهواء برئتيها ، ولم تفعل ذلك إلا محاولة منها فى أن تمارس الهدوء ، لئلا تفقد رشدها وتقبض على عنقه ، ولكن سمعته يعقب بتبجح :
– عيزانى أسكت ومحاولش أضايقك ، خليكى طول الوقت قاعدة جمبى ومفيش مانع تقوليلى يا حبيبى وتبقى لطيفة كده زى ما كنتى زمان
– خد عربيتك وأرجع البيت يا راسل يلا مع السلامة
قالت حياء عبارتها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها ، دليلاً على أنها ليست بحاجة لأن تخضع لما أملاه عليها من شروط ، ولكنها عادت وتذكرت أنها أخبرت عائلة عبد الرحمن من يكون زوجها وأنه سيرافقها لحفل الزفاف ، ولا تريد الظهور بمظهر الكاذبة أمامهم ، فإبتهلت بداخلها من أن لا يصر راسل على العودة إلى البيت حتى وإن كانت هى من طلبت منه ذلك
زفرت براحة ما أن وجدته يأخذ يدها جاعلاً إياها تتأبط ذراعه ، ومن ثم أكملا سيرهما للداخل ، وما أن وصلا لبهو المنزل تركته وذهبت إلى غرفة بيرى ، لترى هل إنتهت من زينتها وإرتداء ذلك الثوب الأبيض الذى أنتقته لها من أجل الليلة ، طرقت الباب وسمعت صوت بيرى يأذن لها بالدخول ، فولجت على الفور وأغلقت الباب خلفها
إستدارت بيرى برأسها وهى جالسة على مقعد طاولة الزينة ، فحدقت بها وتساءلت بوجه عابس :
– أنتى لسه فاكرة تيجى حضرتك ، دا فاضل شوية ويوصلوا
إبتسمت لها حياء وخطت بخطواتها الهادئة تجاهها ، فطوقت كتفيها وأنحنت إليها تقبلها من خدها قائلة بإعتذار :
– متزعليش منى ، بس مش أنا السبب دا راسل بيه اللى كان سايق العربية وماشى زى السلاحف ، كان هينقطنى ، كويس أن وصلت سليمة ، ثم مش إمبارح لما اتجوزتوا مدنى أنا كنت معاكى طول اليوم ومسبتكيش
رفعت بيرى يديها ووضعتهما على ذراعىّ حياء الملتفان حول كتفيها ، وردت إبتسامتها وقالت بصدق :
– بس حاسة إن النهاردة متوترة أوى ، وخصوصاً إن خلاص أنا وعبد الرحمن اتجوزنا ، وهروح معاه على بيته ، بس لسه لحد دلوقتى مشوفتش منه ترحيب بجوازنا ، بيتصرف زى الانسان الآلى ،أى نعم انا اللى ورطته فى الجوازة ، بس نفسى أشوف فرحته إن اتجوزنا أخيراً ، حتى ولو دقيقة واحدة
قبل أن يملأ العبوس محياها الجميل ، عملت حياء على جذب ذراعها حتى إستقامت بوقفتها ، فداعبت ذقنها قائلة بطرافة :
– هى فين روح المقاتلة اللى كانت عندك قلبتى بطة بلدى دلوقتى
ضحكت بيرى رغماً عنها بعد سماع نعت ووصف حياء لحالتها التى إنتقلت من الإصرار والعزيمة والمثابرة إلى التردد والحيرة والخوف ، ولكن بسماعهما الدقات المتتالية على باب الغرفة وولوج الخادمة تنبأهما بقدوم العريس وأسرته ، أسرعت بيرى بإنهاء زينتها وخرجت من غرفتها وهى تتأبط ذراع حياء ، حتى وصلتا للحديقة التى أقيم بها الحفل وحرص ديفيد على أن يكون لائقاً بتلك الشابة التى عاشت برغد وترف ودلال ، فنظرت إليه بيرى بصمت وإمتنان لما فعله حتى أنه أدى دوره للنهاية بأن أخذها من يدها ووضعها بيد عبد الرحمن وأوصاه بأن يعتنى بها ويحرص على تدليلها وأن يجعل السعادة حليفتها
رفع راسل شفته بسخرية وهو يستمع لحديث ديفيد مع عبد الرحمن ، فمال برأسه إلى زوجته قائلاً بعدم إقتناع للطافة ديفيد المفاجئة :
– هو من أمتى أخوكى بقى حكيم ورزين كده ، اللى يسمعه يقول أنه خايف على سعادة بيرى أوى ، لو بعد عنها هو بس أكيد حياتها هتبقى كويسة
فهمت حياء تلميح راسل وما حواه حديثه الساخر ، حتى وإن كانت تتفق معه فى أن ديفيد ربما ساهم بشكل أو أخر بإفساد حياتهما ، إلا أنه اظهر لها حسن نواياه بعد موت عمه وعلمت أنه تم خداعه مثلها ، لذلك عقدت ذراعيها وطالعته بهدوء قائلة بدفاع عن شقيقها الوحيد :
– على فكرة ديفيد أتغير كتير واللى أنت متعرفوش أنه كمان ناوى إن شاء الله يعلن إسلامه
لم يستطع راسل إحكام سيطرته على حس الدعابة الساخر ، الذى ملأه منذ مجيئه لمنزل عائلة زوجته ، إذ قال بنبرة ساخرة :
– ديفيد هيعلن اسلامه ليه ابليس قدم استقالته ومبقاش لاقى شغل ، أنتى تصدقى إن واحد زى أخوكى ده يبقى بنى أدم ويلتزم بدين الإسلام دا عشم إبليس فى الجنة
قفز الغضب لمقلتيها حتى إمتلئتا ببراكين كادت تطفر منهما ، مما تسمعه من إهانات بحق شقيقها ، فألتوى ثغرها وحاولت أن تجارى سخريته فقالت وهى تقيمه بنظراتها :
– ومصدقش ليه يا راسل ، ما أنت متختلفش عنه كتير ، استاذ فى كسر القلوب واللعب بيها وقت ما تحب ، حاول تستمتع بالحفلة يا دكتور راسل
تركت مكانها من جواره وذهبت لتقف بجوار شقيقها ، الذى إبتسم لها خلافاً لنظراته المتقدة التى راح يرشق بها راسل من بعيد ، رفع يديه ومسد على ذراعيها وقال بحنان :
– الجميل ماله كده شكله مضايق هو جوزك ده عملك حاجة تانى
رغم شعورها الخانق بالإمتعاض والإستياء من حديث زوجها ، إلا أنها هزت رأسها نفياً ، فإبتسمت بوجه شقيقها وقالت برقة :
– لاء مفيش حاجة بس أنا اللى عايزة أفكرك بكلامك أنك هتعلن إسلامك وكمان لازم تبدأ تتعلم عن الدين الإسلامى وتصلى ، أنا هجبلك كتب هتفيدك جداً وكمان تروح تعمل عمرة وأنا إن شاء الله هسافر معاك ، لازم تبدأ حياتك من جديد كأنك بيبى لسه مولود
أنكمشت ملامحه قليلاً بعدما أملت عليه الخطوات الواجب عليه إتباعها بعد إعتناقه الإسلام ، فهو لم يضع بباله أن يفعل كل هذا ، حيث أنه صب إهتمامه حول أن يصبح شاب مسلم بأوراق رسمية تمكنه الزواج من ياسمين ، لذلك رد قائلاً بتوتر محاولاً صرف تفكير شقيقته عن كل هذا بالوقت الحالى :
– أه تمام هنعمل كل ده ، بس قبل ما نسافر فى شوية شغل عايز أخلصه ، بس أكيد هعمل كل اللى قولتيلى عليه ، هروح أشوف أتأخروا ليه فى تقديم العشا
أنصرف من أمامها بسرعة البرق ، وتركها تفكر فى حديثه ، وحاولت أن تلتمس له العذر بأن يرجئ سفره لأداء العمرة ، لإنشغاله بأعماله ، ولكن كان بنيتها أنها ستظل بجواره وتعلمه كل ما يمكنه من أن يصبح شاباً مسلماً قولاً وفعلاً ، إستدارت على عقبيها وجدت زوجها جالساً بجوار عبد الرحمن ويبدو أنهما منهمكان بالحديث ، وبيرى تتحدث مع عم زوجها وشقيقته التى بدت أقل تصلباً بإلتزامها الصمت التام مثلما فعلت يوم مجيئهما لخطبة بيرى
أنتهى الحفل وإصطحب عبد الرحمن بيرى إلى تلك البناية التى تعود ملكيتها لعائلته ، تنهدت بيرى بصوت مسموع ، فمنذ مجيئه لمنزل عائلتها ولم يوجه لها كلمة واحدة ، وهذا مازاد فى غيظها منه ، ولكنها مارست الهدوء والصبر حتى تصل لشقتهما وربما تستطيع إذابة صقيع قلبه ، وتشعل به نيران عشقها من جديد
صعدا الدرج الرخامى ، حتى وصلا أمام الشقة ، وفتح عبد الرحمن الباب قائلاً بسخرية :
– أتفضلى يا عروسة ، معلش مش هقدر أشيلك وأدخلك الشقة أنتى شايفة اللى فيها
رفعت بيرى ثوبها قليلاً لكى لا تتعثر بالحركة ، فردت قائلة بدهاء أنثوى :
– لاء ولا يهمك يا حبيبى ، دا بقى بيتى ولازم رجلى تاخد على كل مكان فيه ، أنتوا بتقولوا ايه أول ما تدخلوا أى مكان اه أفتكرت سمعت حياء بتقولها ” بسم الله ”
وضعت قدمها اليمنى ومن ثم ولجت الشقة ، وعيناها تتفرس بكل ركن بها ، شقة عصرية بأثاث عصرى يناسب ذوقها وأحبت تلك الأريكة العريضة بقماشها الأسود المخملى الموضوعة أسفل النافذة العريضة ، والتى تمكنها من رؤية الشارع بوضوح ، كفت عن تأمل محتوى الصالة وما تبعها من مطبخ على الطراز الحديث لا يفصله عن الصالة سوى جدار قصير
ضمت كفيها تفركهما تحت بصره المتفحص وتساءلت بخفوت :
– هى فين أوضة النوم
رفع عبد الرحمن يده السليمة يشير لردهة قصيرة تؤدى للغرف الثلاثة ، وقال وهو يتجه صوب باب الشقة :
– عندك الأوض كلها فى الناحية دى ، أنا خارج وهتأخر شوية
ما كادت تفتح فمها لتسأله إلى أين سيذهب وويتركها هكذا بليلة عرسهما ، حتى وجدته يفتح باب الشقة ويخرج منه ، وأغلقه خلفه قبل أن تتمكن من سؤاله
زفرت بقنوط وجرت أذيال خيبتها وراحت تبحث عن غرفة نومهما ، وجدت الغرفة التى تم وضع ثيابها بها بعدما أرسلتها البارحة ، فخلعت عنها ثوبها الأبيض وأرتدت ثوب قصير باللون البنفسجى ، وجلست بعدما قررت أن تنتظره ، فمرت ساعتين وكادت تشعر باليأس وتخلد للنوم كون أن الوقت تأخر كثيراً ، إلا أنها سمعت صوت تكة مفتاح باب الشقة ، ومن ثم رآته يلج الغرفة ، فرماها بنظرة عابرة ومن ثم فتح خزانة الثياب الخشبية العريضة وأخرج منها ثياب بيتية له
ولكن قبل أن يبتعد أكثر ، كانت تاركة مكانها على الفراش مقتربة منه وعلى ثغرها تلوح إبتسامة تسلية ، فإن أراد ممارسة بروده معها ، فلتريه كيف يكون دهاء بنات حواء
حصارها له بأحد زوايا الغرفة ، جعل عقله يتوقف عن التفكير بخلق أعذار تجعله يزيحها من أمامه ، قبل أن يشعر بأن أنفاسه تكاد تذوب رويداً رويداً
إبتسمت بخبث طفيف ، وهى تراه يزدرد لعابه مرة تلو الأخرى ، تتحرك عظمة نحره صعوداً وهبوطاً بوتيرة سريعة ، فأرادت له المزيد من الحيرة والإرتباك ، فرفعت ذراعها واستندت بكفها على الحائط قريباً من كتفه ، وكفها الآخر أحتضن قدها الرشيق
فمالت برأسها إليه قليلاً وهى تقول برقة ونعومة :
– مالك يا حبيبى عرقان كده ليه ، دا حتى الجو برد من التكييف ، أنت تعبان ولا إيه
أنفرجت شفتيه اللتان ألتصقتا ببعضهما البعض ، نظراً لشعوره بجفاف شديد بهما منذ رؤيته لها بعد أن دلف للمنزل ، فممارستها لتلك الحيل الأنثوية ، أوشكت على زعزعة ثباته وأنهيار صموده
إلا أنه تسلح بعنفوانه الزائف ورد قائلاً:
– مش تعبان ولا حاجة وأبعدى عن طريقى
إبتسمت وهى تقترب بيدها من عنقه ، التى قامت بطلاء أظافرها بلون يتماشى مع ثوبها الناعم ، فقالت بصوت أختلج به الشوق :
– وأخرتها إيه هنفضل نلعب مع بعض لعبة الانتظار دى لحد أمتى
جذب خصيلاتها بلطف وأحنى رأسها للخلف قائلاً بهمس وأنفاسه تتصاعد على وجهها بهدوء خطر :
– تعبتى من الانتظار ؟ أنا بقى دوقت مرارته كتير ، لما بقت أيامى كلها مرار ، وأنتى كنتى أكتر حاجة مخليانى أحس بالمُر والوجع
يداها اللتان تسللتا حتى وصلت لصدره ، راحت تمسح بهما على موضع فؤاده ، الذى شعرت به ينبض بوتيرة سريعة ، وقالت بصدق أدمغته بكل حرف خرج من فمها :
– لو كنت فاكر أن كنت أعرف اللى حصلك من بابا تبقى غلطان ، أنا كنت بتعذب زيك بالظبط وكنت بحلم باليوم اللى أرجع أشوفك فيه تانى ، ولو لسه حاسس بالوجع سيبنى أداوى جرح قلبك يا حبيبى
– وجرح جسمى وإيدى اللى راحت هداويهم إزاى يا بيرى
هتف عبد الرحمن بنبرة خشنة حملت معها شعوره بالألم عن كيفية إستحالة معالجة جروحه الجسمانية ، أو أن يعود لما كان عليه ، فقبل أن تطغى مرارة الألم على حديثه ، كان قاطعاً كل أمل لديها بأنها ستبدأ من الليلة العمل على إعادة ذلك العشق الذى كان متقداً بقلبيهما ، فأخذ ثيابه وخرج من الغرفة وصفع الباب خلفه مما جعلها ترتعد بوقفتها وتهتز تلك العبرات بمقلتيها ، على الرغم من أنها كانت تهيئ نفسها لكل ما سيحدث منه ، إلا أنها كانت تأمل بأن يتخلى عن تصلبه قليلاً وينعمان بليلة دافئة ، وتروى شوقها إليه ، فيبدو أن طريقها سيكون مفروشاً بالأشواك ، ولن تجد السبيل ممهداً ، بل سيكون الدرب وعراً للوصول إليه ، ولكنها لن تيأس ولن تجعله يثبط من عزيمتها ، فلتحتسب أن الأيام القادمة مازالت بإنتظاره ، وإنهما لم يتقابلا بعد ، ولكنها عادت وعنفت نفسها على سخافتها ، كونهما صارا يعيشان تحت سقف واحد ، ولا يفصلهما سوى جدار وباب ، فإن كان بابها ستتركه مفتوحاً على مصراعيه مرحباً بقدومه إليها ، فعلى الأرجح أن بابه سيظل موصداً فى وجهها
❈-❈-❈
أقتحمت والدة ياسمين غرفتها تكاد تطير فرحاً وهى تحمل لها ذلك النبأ ، والذى حتماً سيجعل سعادة إبنتها تعود إليها ، بعدما غادرتها منذ ذلك الحادث الأليم ، وجدتها تستلقى على فراشها تغط بنوم عميق ، فالنوم هو ما تستطيع فعله عندما لا تجد ما تفعله .جلست بجوارها على طرف الفراش وراحت تمسد بيدها على ذراعها وتربت عليها برفق ، لعلها تفيق من نومها دون أن تتسبب فى إفزاعها ، فيكفيها ذلك الفرغ الذى ملأ حياتها منذ علمها بأنها فقدت بصرها . تململت ياسمين بنومها مغمغمة بكلمات غير مفهومة ولكن إستطاعت إضحكاك والدتها ، لأنها ذكرتها بأنها تفعل ذلك منذ أن كانت طفلة صغيرة ، تتحدث وهى نائمة وعندما تفيق من سباتها لا تتذكر شئ مما قالته ، فبعد تلك الإبتسامة التى كانت تزين محياها البشوش ، حل محلها علامات الحزن على ما صار إليه أمر إبنتها ، فخانتها إحدى العبرات ، التى ما أن إستطاعت الهرب من حاجز جفنيها ، حتى سقطت على وجه ياسمين وهى منحنية برأسها إليها ، ولكن ساهمت تلك الدمعة الحارة بأن جعلت جبين ياسمين يتغضن وسرعان ما هبت جالسة بالفراش لخوفها أن يكون صار شئ لأبويها
فتحت عينيها الخاليتين من الإبصار ويداها تبحث عن وجه والدتها وتساءلت بخوف لحوح :
– ماما فى إيه أنتى بتعيطى ولا إيه حصل حاجة؟ ردى عليا
أخذت والدتها يديها بين راحتيها الحانيتين وردت قائلة بحنان :
– أهدى يا حبيبتى مفيش حاجة ، دا أنا اللى جاية أقولك على خبر هيفرحك أوى
قطبت ياسمين حاجبيها ، بعد لمسها ذلك الحماس بنبرة صوت والدتها ، فعن أى شئ تتحدث والذى سيجعلها سعيدة ،وجدت أفكارها تجنح إلى ذلك الشاب ، الذى مازال صوته يؤرق مضجعها ما أن تتذكر كل ما تفوه به ، وكيف كان صوته ولهاً بنيران الحب وهو يخبرها بحبه الكبير لها ، فتدفق الدم حاراً بوجنتيها رغماً عنها وهى تخشى أن يكون عاد وطلبها للزواج ، إلا أنها حاولت ضبط أنفاسها وهى تسأل والدتها عن ذلك الخبر السعيد الذى حملته إليها :
– خير يا ماما خبر إيه ده
ربتت والدتها على يديها وقالت بحماس:
– باباكى كلمنى دلوقتى وقالى إن الدكتور اللى أنتى متابعة معاه كلمه وقاله إن فى دكتور أجنبى جراح عيون مشهور وشاطر أوى جه إسكندرية وهو كلمه عن حالتك وطلب يشوفك علشان لو فى أمل هيعملك العملية وهترجعى إن شاء الله تشوفى من تانى يا حبيبتى
لم تصدق ياسمين أذنيها بما سمعته من والدتها ، فطار صوابها فرحاً أملاً فى أن تعود وتبصر من جديد ، فشدت على يديىّ والدتها وتساءلت بلهفة :
– بجد يا ماما بتتكلمى جد ممكن ارجع أشوف تانى وأشوفكم
أكدت لها والدتها صدق حديثها معها ، بل وأحثتها على الاسراع فى النهوض لكى ترتدى ثيابها وتذهبان للمشفى حيث ينتظرهما والدها مع الطبيب ، فتركت ياسمين الفراش وساعدتها والدتها فى إرتداء ثيابها وحجابها وبعد إنتهاءهما خرجتا من المنزل ، تكاد أقدامهما تطير لكى تصلان للمشفى
وما أن وصلتا للمشفى وولجتا لغرفة الطبيب ، فنهض والدها وأقترب منها قائلة بدموع السعادة :
– خلاص يا ياسمين إن شاء الله هترجعى تشوفى تانى ، الحمد لله
أطبقت ياسمين جفونها لتمنع إنزلاق دموعها فعلى الرغم من ذلك الأمل الذى يحدوها بأن تخوض التجربة لتتخلص من ظلامها ، إلا أنها خشيت أن تخفق الجراحة وتظل تحيا بالظلام ، ولكن لم يكن لديها الوقت الكافى للتعبير عما يختلج بداخلها ، إذ بعد قليل ولج الطبيب الأجنبى الذى تبادل الحديث مع الطبيب الأخر ، وبدأ بفحص عيون ياسمين فحصاً شاملاً ، حتى قام من مكانة معلناً ، أنها ستخضع للجراحة فى الغد ، وستظل بالمشفى الليلة على أن يتم إعدادها من أجل الجراحة ، فلم يبدى أحد منهم اعتراضاً ، والتزمت ياسمين بأوامر الطبيب التى أملاها عليها ، يكاد يعيل صبرها فى إنتظار الغد ، وكأنه مازال بعيداً
قضت الليل بأكمله وأبيها جالساً بجوارها يتلو القرآن وتستمع هى لصوته الحسن فى تلاوته ، حتى أدركتها غفوة قصيرة ، ولكنها أصرت على والدتها بأن توقظها لصلاة الفجر ، وهذا ما كان ، فبعد أن توضأت وأدت صلاتها ظلت ساجدة وهى تبكى وتبتهل بالدعاء لأن يجيب الله دعوتها فى أن يعود إليها بصرها
وعندما حانت اللحظة الحاسمة ، أسلمت أمرها لله وطلبت من والديها وشقيقها بلال الذى وافهم بالمشفى أن يدعوا لها ، ولجت غرفة الجراحة مستلقية على سرير المشفى المتحرك ، وبعد تخديرها بدأ الطبيب فى عمله الذى إستغرقه عدة ساعات ، ولم تكن أسرتها فقط هى من تنتظر خروجها ، بل ذلك العاشق ، الذى حرص على الاختباء بعيداً عن أعين والديها ، كان ينتظر خروج الطبيب على أحر من الجمر ، وكم من مرة كاد يفقد صوابه ويلج غرفة الجراحة ، ليعلم كيف صارت أمور معشوقته
بعد أن إستهلكه الإنتظار وجعله يكاد يشعر بإرتخاء أطرافه التى كانت مشدودة كالوتر ، وجد الطبيبان يخرجان من غرفة الجراحة ، وهرع إليهما والديها وشقيقها ، فإستمع ديفيد لحديث الطبيب بوضح إذ قال :
– الحمد لله ، العملية تمت على خير ، وإن شاء الله بعد كام يوم هنشيل الشاش من على عينيها وتكون رجعت تشوف تانى بإذن الله
رفع والدها كفيه تضرعاً لله بأن يمن عليها بالشفاء العاجل ، بينما لمح الطبيب الأجنبى ديفيد وهو يقف متوارياً عن الأنظار ، فإبتسم له وهز رأسه بخفة ، كأنه يعلمه أن كل شئ سيكون على ما يرام ، بادله ديفيد نظراته بنظرات إمتنان على أنه فعل ما بوسعه ، فهو لم يرسل بطلبه إلا بعدما علم مدى مهارته فى جراحات العيون ، بل أنه دفع له مبلغاً باهظاً نظير مجيئه للإسكندرية وأن يجرى الجراحة لياسمين ، حتى أنه فكر إذا لم يكن سيوافق على المجئى بإرادته كان سيرغمه على ذلك ، فلاشئ كان سيعرقل من رغبته فى أن يعود لياسمين بصرها ، فمنذ أن علم بما أصابها تحدث مع طبيبها وعلم مدى حاجتها للسفر إلى الخارج من أجل أن تخضع الجراحة ، ولكن لعلمه بأن والدها سيرتاب من أمر سفرها ، فعمل هو على جلب أشهر طبيب عيون ذائع الصيت بعالم جراحات العيون ، وإستطاع حياكة كذبة أن الطبيب الأجنبى جاء الإسكندرية من قبيل الصدفة ، وساعده بنجاح كذبته الطبيب المصرى ، الذى إستطاع حبك الكذبة ليقتنع بها أبويها ، حتى أنه أخبرهما أن الطبيب سيجرى لها الجراحة دون مقابل مادى كسبيل لإحراز تقدماً جديداً له فى الشرق الأوسط ، وأنه سيكون سعيداً بتكليل مهمته بالنجاح نظراً لأن حالة ياسمين كانت معقدة ولن يفلح أى طبيب فى تنفيذ الجراحة ، وسيكون بذلك إنتصار طبى مذهل له كجراح عيون ، وعلى الأغلب أقتنع والديها بما قاله والا ما كانا سيقفان هنا بهذا الوقت ويبدوا على وجهيهما السعادة والأمل بعودة بصر إبنتهما
❈-❈-❈
راقبته من بين أهدابها التى لم تغلقها بالكامل ، بل تركتهما مفتوحتان بالقدر الكافي الذى يمكنها من رؤيته بوضوح ، ولا يجعله هو يشك بسهولة فى أمر إستياقظها ومراقبتها له وهو يتنقل فى الغرفة بعد خروجه من غرفة الثياب حاملاً قميصه على كتفه ويغلق طوق خصره على بنطاله الذى إلتصق بساقيه ، فسرعان ما أقحم ذراعيه بأكمام قميصه وأغلق أزراره بتؤدة ، كأنه يمنح ذاته الوقت الكافى لرؤية أنعكاس صورتها بالمرآة وهى مستلقية على الفراش ، تدثر نفسها بغطاء خفيف تاركة قدميها دون دثار ، فإبتسم لعلمه بأنها تهوى دائماً ترك قدميها الصغيرتين تستقبلان برودة مكيف الهواء ، مكتفية بأن تضع الغطاء على ما تبقى من جسدها ، وضع أطراف قميصه بداخل بنطاله وثنى أكمامه عن ساعديه ، ومن ثم نثر عطره الفواح ، الذى وصل لأنفها وإستطاعت إستنشاقه كأنه جالساً بجوارها على الفراش ، فأغمضت عينيها بعدما رآته يستدير إليها
جعدت جبينها ما أن بدأت تشعر بتلك الأنفاس التى لفحت جانب وجهها وعنقها ، فإلتفتت فجأة برأسها ، وجدته قريباً منها منحنياً إليها برأسه ، حتى رآت أدق تفاصيل وجهه ، كأنهما على وشك تبادل العناق ،فأزاحت جسدها قليلاً لكى تفصل أنفاسهما عن بعضها البعض ، وعقدت حاجبيها قائلة بإرتياب :
– فى إيه
أسند راسل مرفقه للوسائد ووضع رأسه على كف يده المضموم قائلاً بإبتسامة هادئة:
– مفيش حاجة أنا كنت هقولك إن خارج رايح المستشفى عايزة منى حاجة قبل ما أمشى
أولته ظهرها وردت قائلة بجفاء :
– مش عايزة منك حاجة وخد الباب فى إيدك
مد يده الحرة وجذب ذراعها مما جعلها تعود وتستلقى على ظهرها ، ومن ثم قبض على فكها قائلاً بمشاكسة :
– طب مفيش مع السلامة يا حبيبى ولا هاتلنا بطيخة معاك وأنت جاى ولا فينو ولا لانشون
إستلقت حياء على شقها الأيمن بحيث كانت بمواجهته ، ووضعت يدها أسفل رأسها ورمقته بعينان أرتسم بهما سخرية متناغمة مع حديثها :
– هو أنت مالك كده بقيت ظريف وبتحب تقلش ، فجأتنى الصراحة بحس الدعابة اللى عندك ، بس للأسف مبيضحكنيش ، فمش عيزاك تتعب نفسك وتحاول تضحكنى
حتى وإن كان يبدو لها ممازحاً بحديثه ، فلا تعلم أى شعور بدائى لديه الآن يجعله يرغب فى أن يأخذها عنوة من برودها وصلابتها التى وإن كان أشاد بها بالبداية منذ مجيئه ، الا أنه لم يعد يطيق بأن تكون بجواره وتسلبه أنفاسه وخفقاته وتمنعه حتى من أن يضع يده عليها كأى زوج تشتعل به نيران الشوق لزوجته ويريد وصالها ، لعلها تكتشف بعد ذلك عمق مشاعرها تجاهه وأن كل ما تفعله لم يكن سوى مقاومة هشة ، ولكنه يضبط أعصابه بقوة هائلة لكى لا تفزع منه ، كونه مازال متذكرا ً تلك الليلة على الشاطىء عندما أراد وصالها رغماً عنها فكانت بين يديه كقطعة من الجليد وأشبه بالجثة الهامدة وهذا ما يكرهه كثيراً ، أن يرى بعينيها أنها لا ترغب بوصاله ، رغم أنها بين يديه لم تمنعه أو تقاتله ، ولكن طريقتها تلك أشد قسوة من أن تحاربه أو تتقاتل معه بضراوة
ترك الفراش وإستقام بوقفته قائلاً بهدوء :
– سلام يا حياء
– مع ألف سلامة يا حبيبى
هتفت حياء بعبارتها وهى تريد أن تجعلها رداً ساخراً ، لعلها تساهم بفوران دماءه ، إلا أن العبارة خرجت منها بكل ما تكنه له بقلبها ، خاصة الكلمة الختامية بها ، والتى إشتاقت لقولها أشد الإشتياق ولكن هو الذى مازال مصراً على تجاهل فضولها حول أسباب وجود ساندرا والطفل
خرج راسل من الغرفة وهو يتنهد تنهيدات خرجت منه محمولة على أجنحة اليأس ونفاذ الصبر ، إلا أنه حاول صرف تفكيره عن كل هذا قبل أن يصل لمشفاه حتى لا يتشتت ذهنه
وصل للمشفى وبدأ بممارسة مهامه اليومية حتى تم إستدعاه من قبل إحدى الممرضات الجدد لأجل جراحة عاجلة لشخص مصاب بطلقات نارية تقدر بطلقتان إحداهما فى الكتف والأخرى فى الصدر ، فإستعد على الفور وطلب من الممرضة بأن تخبر ميس فور وصولها بأن تأتى لغرفة الجراحة
فلم يكد يمر عشر دقائق حتى رآت الممرضة ميس وهى بصدد الدخول لغرفة مكتب راسل ، فأقترب منها قائلة بتهذيب:
– دكتورة ميس ، دكتور راسل طالب حضرتك فى أوضة العمليات ، قالى أقولك أول ما توصلى علشان تساعديه فى العملية
هزت ميس رأسها وردت قائلة بهدوء:
– تمام هجهز نفسى وهروح ليه حالاً
بعد أن أنهت إستعدادها من حيث إرتداء الزى والقفازين والقناع الطبى ، ولجت غرفة الجراحة وهى تشد قفازيها قليلاً ، إلا أنها رآت راسل يحدق بها بعينان متسعتان ، كأنه لم يضع بباله أن تأتى الآن ، أو أنه لم يكن يريد رؤيتها بهذا الوقت ، فقطبت حاجبيها ، وقطعت المسافة القصيرة من باب الغرفة حتى السرير المستلقى عليه المريض ، ووقفت قبالة راسل على الجانب الأخر ، فنظرت إليه ومن ثم شخصت ببصرها لذلك الجرح الذى طفرت منه الدماء بغزارة جعلتها تجفل قليلاً ويعمل مبضع راسل على توسيعه ليستطع إخراج الرصاصة من ذلك المكان الدقيق بصدر المريض ، الذى يبدو عليه أنه ينازع على أن يبقى على قيد الحياة ، و بات الخطر يحدق به ، وربما ينفذ قضاء الله به ولن يستطع راسل إنقاذه ، فيبدو أن المصاب فى النزع الأخير له ، ومن ثم سترفع راية الفشل والاخفاق فى الإبقاء على حياته
فما كادت تمعن النظر فى وجه المريض ، حتى جفت كل قطرة دماء بعروقها ، ولم تعى إلا وهى تصرخ بإسمه بصوت عالى حتى كادت تشعر بتلف أحبالها الصوتية :
– عمراااااااااان
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)