روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الحادي عشر 11 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الحادي عشر 11 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الحادي عشر

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الحادي عشر

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الحادية عشر

١١–” إبتسامة من شفاه غليظة ”
استغرقها الأمر عشر دقائق كاملة ، لتستوعب ما ألقاه المحامى عليها ،ذلك القول الذى كان أشد وقعاً من الحجارة ، كمن تلقت صفعة قوية ، أو دلو من الماء المثلج بليلة شديدة البرودة ، تزاحمت أفكارها وتداخلت ببعضها البعض ، تحاول الخروج من تلك الحرب الطاحنة بعقلها ، تريد الخروج ظافرة بشئ ، تقنع به ذاتها ، من أنها لم تسمع شئ خاطئ ، كالذى ألقاه عليها ذلك الرجل الكهل.
طفرت شفتيها الباهتتين، بصيحة خافتة مذهولة وهى تعيد ما قاله المحامى :
– مم مش بنتهم إزاى يعنى حضرتك بتقول إيه
لم يكن شحوب وجهها ، وأصفرار لونها كافياً لإقناع ذلك الجالس بجانبها ، من أنها لم تكن تعلم بهذا الشأن ، يشعر كأنه طعن بخنجر الخيانة ، وذهبت كل أماله وأحلامه هباءاً منثورا ، لابد له من أنه يتخيل ما حدث ، أو أن ربما المحامى يمازحها قليلاً
فتبسم نادر إبتسامة مذهولة وهو يقول :
– هو حضرتك بتهزر معاها ولا إيه ، لو بتهزر كفاية كده هى أعصابها تعبانة لوحدها
بادرت قسمت بالرد عوضاً عن المحامى ، قائلة بلهجة المنتصر :
– لاء يا دكتور نادر اللى سمعتوه صح ، هى فعلاً مش بنت أخويا دول جايبنها من ملجأ ومنعرفلهاش أهل يعنى زى ما الناس بتقول كده ” بنت حرام ”
بوصفها ونعتها لها بهاتين الكلمتين ، كمن أستلت سكيناً حاداً ، وأخذت بتقطيع جسدها إرباً إرباً ، غير عابئة بها أو تشعر بالرأفة تجاهها ، فقسمت نصبت نفسها قاضياً وجلاداً ، لتصدر الحكم عليها بعدم أهليتها ومشروعيتها بأنها إبنة شقيقها ، لتعود وتنفذ بها الحكم ، من كلمات أشد قسوة من كل نعت وصفة يوصف بها إنسان
أول من خصها بنظرة مؤنبة ، كان ذلك الرجل الذي لا يملك حيلة ولا حلاً ، فهو كان المحامى الخاص بعرفان وصديقه أيضًا ، ويعلم غلاظة قلب شقيقته
فلم يستيطع كبح كلماته ، التى أنطلقت من فمه كالسهام :
– أظن يا ست قسمت ميصحش كده ، وراعى برضه أنها أتربت وعاشت عمرها كله وهى فاكرة أنهم أهلها فمتجيش دلوقتى وتقوليلها كلمة زى دى ، دى مش ذنبها حاجة
فعاد وحول بصره لحياء ، التى أنهمرت دموعها على وجهها ، كسماء أذنت للسحب المختزنة بإفراغ أمطارها ، فإلى متى ستظل تبكى ؟ ربما للباقية المتبقية من حياتها
حاول أن يواسيها ، ولكن لم يجد ما يقوله ، سوى كلمات يعلم أنها لا تسمن ولا تغنى من جوع ، ولكن لا يملك غيرها :
– هدى نفسك يا بنتى وبطلى عياط ، دا كله أمر ربنا
بظاهر يدها جففت حياء عينيها ، فأبتلعت لعابها قبل أن تقول بإصرار :
– أنا عايزة أعرف كل حاجة حصلت وأنا بقيت بنتهم إزاى ، عايزة أفهم ، لأن مش فاهمة أى حاجة خالص
خلع المحامى نظارته ، ووضعها على الأوراق ، ضم كفيه يفركهما ببعضهما البعض ، فأخذ أنفاسه قدر إستطاعته ، قبل أن يبدأ بتذكر أحداث الماضى ، وماحدث منذ أثنان وعشرون عاماً
عودة لوقت سابق
صيحات متألمة وصراخ يدوى بين أرجاء المشفى الخاصة بالولادة ، يقف عرفان وصديقه أمام إحدى الغرف ، يستمعان لصراخ زوجته ، التى تضع مولودهما الأول ، بعد سنوات طوال من الانتظار لذلك الحدث السعيد
ربت صديقه على كتفه ، يحاول تهدئته ليكف عن الذهاب والمجئ برواق المشفى :
– إهدى يا عرفان أن شاء الله خير ومراتك هتقوم بالسلامة
رفع عرفان أكف الضراعة ، يدعو لله بأن يمن عليه بسلامة زوجته ومولوده ، وماهى إلا دقائق ،حتى ساد الصمت ، وسمعا صوت بكاء مولود
تتابعت أنفاس عرفان بالسعادة ، بعد علمه بأن زوجته وضعت مولودها ، ولكن عندما رآى الطبيب يخرج إليه بوجه شاحب بعض الشئ ، كمن يحمل له نبأ سيئ
ولكن لم يدع الطبيب حيرته تدوم أكثر ، فأخبره بما سينتوى فعله :
– حضرتك مراتك ولدت بس للاسف حصل نزيف جامد وحصلها مضاعفات ومضطرين نشيلها الرحم ، فأنا قولت أبلغ حضرتك
لم يكن لديه الوقت الكافى للتفكير بالأمر ، فهو ما يعنيه أن يأمن سلامة زوجته ، فأجاب الطبيب بلهفة :
– المهم مراتى تبقى كويسة يا دكتور أعمل اللى فيه الصالح
لم ينتظر الطبيب أن يعيدها عرفان ثانية ، فعاد للداخل يعمل على إنقاذ حياة مديحة ، بعد أن أخذ الإذن من ما يعنيه الأمر ، فالخبر السيئ رافق فرحته بأن صار لديه مولود صغير ، ولكن تلك إرادة الله ومشيئته ، فلن يبدى إعتراضاً
جالساً على مقعد بجوار الفراش ، يراقب حركة زوجته المتململة ، فهى بدأت تفيق من تخديرها ، فتبسم بوجهها قائلاً بحنان :
– حمد الله على السلامة يا حبيبتى
ضمت مديحة شفتيها الجافتين ، فخرج صوتها من بينهما خافتاً وهى تسأل على الصغير :
– إبنى فين يا عرفان
نهض عرفان من مقعده ، وأقترب من مهد صغير ، فحمل تلك الصغيرة الجميلة النائمة ، وأقترب ثانية من فراش زوجته ، وضعها بين ذراعيها وهو يقول :
– قصدك بنتنا يا مديحة ربنا رزقنا ببنت زى القمر كلها أنتى
ضمت مديحة الصغيرة إليها ، وهى تقبل جبينها الغض ، فبدأت الصغيرة ، تلبط الهواء بيديها وقدميها ، يخرج صوتها مستاءاً ، كمن لديها إعتراض على إفاقتها من نعاسها
فإزدادت إبتسامة مديحة وهى تداعب وجهها :
– هنسميها حياء يا عرفان
سعد الأبوين بالصغيرة ، على الرغم من الحزن الذى أكتنف قلب مديحة ، بعد علمها بأنها لن تستطيع الإنجاب ثانية ، فأسرع عرفان بتقديم العطايا والهدايا والمنح للعاملين ، على ولادة صغيرته
ليمر شهران كاملان ، وتبدأ الصغيرة رحلة معاناة مع المرض ، بعد إكتشاف الأطباء ، إصابتها بأمراض بالقلب ، حاول عرفان مراراً أن ينقذ الصغيرة ، حتى أنه بدأ بالاستعداد لمغادرة البلاد ، والرحيل لبلاد الغرب لمعالجة الطفلة ، ولكن إرادة الله حالت بين ذلك ، فبيوم فجع عرفان ومديحة بخبر إعلان الطبيب عن وفاة إبنتهما
يأس وحزن ملأ حياتهما ، وأصيبت مديحة بوعكة صحية ونفسية ، جعلتها طريحة الفراش ، لم يجد عرفان حلا أو مخرجاً من ذلك الأمر
فتقدم له صديقه بنصيحة ، وهو جالساً برفقته :
– طب ما تشوفوا طفل يا عرفان تتكفلوا بيه وتربوه وأعتبروه أبنكم ويعوضكم
تغضن جبين عرفان بتفكير ، فهو يعلم أن لا يوجد بالدين الاسلامي ما يسمى بالتبنى ، فأجابه قائلاً بإستنكار :
– أنت عارف أن التبنى حرام شرعاً
ربت صديقه على ساقه ، وهو يحاول إفهامه مقصده :
– أنا مش قصدى تتبناه قصدى تكفلوه وتربوه
لقى إقتراح صديقه هوى بنفس عرفان ، فأخبر زوجته بما أقترحه صديقه ، فلم يلقى منها جواباً ، فهى تعيش مغيبة ، تتصرف بآلية وليست تلك هى زوجته ، التى كانت مفعمة بالحياة والنشاط
فأمام أحد ديار الرعاية للأطفال ، صف عرفان سيارته ، يصطحب زوجته وصديقه ، أخذ يد زوجته تسير بجانبه وعيناها جامدة وقسمات وجهها ، تنبأ بقدوم إحدى نوبات البكاء ، أثناء سيرهم بالحديقة ، تسمرت مديحة بوقفتها ، مما جعل زوجها يلتفت إليها ، ليعلم لما هى رافضة السير
فناداها بحنان وهو يقبض على كفها :
– مديحة مالك وقفتى ليه
رفعت مديحة يدها تشير بها ، تنسكب دموعها على وجهها وهى تلفظ حروفها بنحيب :
– بنتى أهى يا عرفان حياء أهى
نظر عرفان حيث تشير زوجته ، فرآى على مقربة منهم ، إمرأة يبدو عليها أنها تعمل بالدار ، تحمل رضيعة صغيرة تحاول أن تجعلها تكف عن بكاءها ، تهدهدها وهى تروح ذهاباً ومجيئاً بمكانها
قبل أن يفقه أحد منهم شيئاً ، كانت مديحة تقترب من تلك المرأة وأخذت الرضيعة منها ، فظلت تقبلها بلهفة ، حتى أثارت غرابة المرأة ، ولكن ظنت المرأة أن ربما تكون هى أم تلك الصغيرة
فتبسمت بوجهها وهى تقول :
– هو حضرتك أمها طب كويس أن أنتم جيتوا علشان تاخدوها
زرعت مديحة الصغيرة بين ذراعيها ، تأبى أن يقترب منها أحداً ، أو أن يأخذها منها ، فأستجابت الصغيرة لحنان ذراعيها وغفت بعد بكاءها
وكل هذا وعرفان وصديقه ينظران لها ولما تفعله ، فأقتربت منه مهللة الوجه ، وهى تصيح بصوت مملوء بالسعادة :
– بنتنا أهى يا عرفان حياء رجعت ، رجعت لحضنى تانى
لم يكن من العسير بمكان ، أن تصير تلك الفتاة بحوزتهما ، لتنفيذ رغبة زوجته فى أخذ الرضيعة ، التى شاء الله لها بأن تكون بعمر إبنتهما المتوفاة حديثها ، وهكذا صارت الرضيعة ، إبنة لعرفان ومديحة
مسح المحامى دمعة فرت من إحدى عينيه ، على تذكر صديقه ، وعاد من سرد ما حدث ماضياً ، على صوت نهنهة حياء
فأخرج ورقة أخرى من بين طيات الأوراق ،ورفعها أمام وجه حياء وهو يقول بشفقة :
– دى ورقة التبنى بتاعتك من الملجأ
أخذتها منه حياء بأصابع مرتجفة ، تجيل ببصرها على تلك الورقة التى شابها الاصفرار ، ربما بسبب أحتفاظه بها منذ سنوات طوال ، ولكن سؤال أخر ألح عليها ، تريد منه إجابة
بمحرمة ورقية مسحت عينيها وأنفها وهى تتساءل :
– طب طالما أنا مش بنتهم ، ليه سمانى على إسمه وبقى اسمى حياء عرفان الطيب
تذكر المحامى تلك الخدعة التى أستطاع هو وعرفان ممارستها ، خشية من ظهور ابويها الحقيقين ، فزفر بتعب وربما بعض الندم وهو يجيبها :
– لما عرفان بيه الله يرحمه ، شاف مراته اتعلقت بيكى ، وهو كمان حبك زى بنته ، خافوا يظهر ليكى أهل ويتحرموا منك ، فأنا وعرفان بيه دفعنا فلوس وخلينا شهادة ميلاد بنته الحقيقية ليكى أنتى ، وخفينا شهادة وفاتها ، فبقيتى أنتى عايشة بهوية بنتهم وبشهادة ميلادها علشان أنتوا الاتنين كنتوا تقريبا نفس السن ، فخفينا من السجلات شهادة الوفاة الحقيقية ، وبكده بقت حياء عرفان الطيب اللى مفروض انها ماتت بقت أنتى ، وشهادة الوفاة الوحيدة اللى فضلت معايا أهى
أخرج ورقة أخرى ، تثبت صحة قوله ، أن من كانت تحمل إسم ” حياء عرفان الطيب ” قد وافتها المنية منذ ما يقرب من أثنان وعشرون عاماً ، لتحيا هى بهوية مزيفة ، وبإسم فتاة أخرى
فعاد معقباً يبدى ندمه :
– أنا عارف أن اللى عملناه ده كان غلط ، بس حبهم ليكى خلاهم أتصرفوا كده ، وأنتوا كنتى عارفة هم بيحبوكى قد إيه ، لدرجة أن كان يوم كتب كتابك كان عرفان بيه طلب منى أن أجهز اوراق نقل نص أملاكه بإسمك ، وكان قايلى أجيبهم وأجى علشان يوقعها وكانوا ناويين يقولولك الحقيقة بس بعد ما يكون أمن مستقبلك ، بس أمر الله نافذ ،وحصلت الحادثة ، وأنتى عرفتى كل حاجة دلوقتى
سبقها نادر بالحديث تلك المرة ، وكأن قسمت وشكرى ماهما إلا مشاهدان فقط بدون أن يتحدثان أثناء محادثة حياء والمحامى
فكسا إحمرار طفيف وجهه وهو يقول بثقة :
– بس كده حياء على الأوراق الرسمية بنته وتورث منه كمان ولا إيه يا حضرة المحامى
صيحة محتجة خرجت من جوف قسمت ، وهى تهب من مجلسها ، فبتخيلها أن يشاركها أحد بهذا الإرث الضخم ، جعلها تشعر بالسخط ، على من سيفكر فقط ، فى أن يأخذ منها ولو قرشاً واحداً مما سيصبح بحوزتها
فبدون أن تعى ، كانت تقترب من نادر توكزه بكتفه بشئ من الجفاء والقسوة معاً :
– إسمع يا دكتور أنت اللى بتفكر فيه ده شيله من دماغك لو فكرت بس مجرد تفكير تعمل حركة كده ولا كده علشان تاخد مليم واحد بس ههد الدنيا على دماغك ، اه أنا أعملها أوى وبمنتهى البساطة هقدر أثبت أنها مش بنت أخويا ، إذا كان بورقة التبنى أو بشهادة وفاة بنت أخويا الحقيقية ، أو حتى لو صل الأمر أن هفتح على أخويا تربته ونعمل تحليل إثبات نسب ، وأظن جثته لسه يعنى فيها اللى يثبت حتى لو كان شعره
بتخيل حياء ما تنتوى تلك المرأة فعله ، من إنتهاك حرمة الموتى ، أنتفضت هى الأخرى وهى تقول برفض :
– لاء خلاص مش عايزة منك حاجة ، بس سيبى بابا وماما مرتاحين فى نومته ، أنا مش عايزة حاجة ،مش عايزة حاااجة
لم يعد يعنيها المال ، فما فائدته بعدما تركها من أخذوا قلبها معهما ، فبلعمها هويتها الحقيقية ، لم يتزعزع شيئ من حبها لهما ، بل ربما زاد الحب بقلبها ولكن ترافق معه إمتنان على حب أغدقاه عليها ، وتنشئتهما لها تلك النشئة السوية ، فمن كان يدرى ، ماذا كان سيحدث لها إذا ظلت بدار الرعاية ، ولم تحيا بكنف أبوين محبين مثلهما
أنصرف المحامى بعدما علمت كل شئ ، وظلت وجها لوجه أمام ثلاثة أزواج من العيون الراصدة لها ، عينان شامتة وعينان مقلقة وعينان باردة
حاولت فتح فمها لتقول شيئاً ، فسبقتها قسمت بذلك وهى تقول بنبرة أقرب للتهديد :
– بصى بقى دلوقتى أنتى عرفتى كل حاجة وخلاص مبقاش فى حاجة تستخبى فأنا هعمل بأصلى معاكى وأسيبك عايشة هنا فى البيت معانا لحد ما الدكتور ياخدك بالسلامة وياريت ميطولش ولا يماطل ولا يمكن يطفش مين عارف
هب نادر من مجلسه قائلاً بضيق :
– أنا همشى دلوقتى يا حياء لأن مش هستنى أسمع كلمة تانية من الست دى
– ههتروح فين وتسيبى يا نادر
نطقت بها حياء وعيناها تتوسلاه ، بألا يتركها بين براثن قسمت وزوجها ، فلو ابدى رغبته فى الزواج بها ويقطنان بشقته فهى لن تعترض
ولكن لم ترحم عيناه عينيها البريئتين ، فتلك الجذوة من نيران المدح والشوق ، التى كانت تشعل بها دفء غرامه ، حل محلها جبال من الجليد
أرتجفت أطرافها وهى ترتد بخطواتها ، كمن هى أمام ثلاثة من المردة ، على وشك إلقاءها بالجحيم
فتصنع نادر الابتسام يحاول أن يطمئنها :
– متقلقيش يا حياء أنا معاكى أنا هظبط أمورى وبعدين هاخدك من هنا مش عايزك تقلقى
حاولت أن تستمد القوة والطمأنينة ، من حديثه الواهى ، فهى تريد التشبث بأى شئ يحيى الأمل بداخلها من أنها لن تبقى بمفردها ، بعدما كانت تحيا مدللة بكنف عرفان ومديحة
رحل نادر وذهبت قسمت إلى الغرفة التى تقطنها ، فتسمرت قدميها وهى ترى شكرى مازال واقفاً ولا يفعل شيئاً سوى التحديق بها ، يشملها بنظراته التى جعلتها ، تفر هاربة إلى غرفتها
اغلقت الباب وأستندت عليه وهى تبكى وتنوح ، أنهارت قدميها شيئاً فشيئاً حتى سقطت جالسة خلف الباب
وضعت يدها على فمها تكتم بكاءها فظلت تتمتم :
– يارب يارب خليك معايا يارب أنا مليش غيرك
ضمت ساقيها بذراعيها ودفنت رأسها بينهما ، ومازالت عيناها تأبى الكف عن البكاء ، فماذا تفعل هى الآن ؟ وكيف ستكون حياتها ومعيشتها ؟ هل سيفى نادر بقوله ؟ أم أنه سيتركها بمهب الريح بمفردها ؟ أسئلة كثيرة لاتجد لها إجابات شافية ، فوعوده التى تركها قبل رحيله كانت أشد برودة من ليلة شتوية مطيرة ، فهو لم يزرع بقلبها الأمان ، بل ترك قلبها يرجف بخوف من بزوغ فجر اليوم التالى ، وتجد نفسها بلا مأوى
____________
خرج راسل للحديقة ، ذاهباً للملعب خاصته ، وجد سجود تركض حول ولاء الجالسة على أحد المقاعد ، واضعة يدها على وجنتها ، تحملق بالفراغ بشرود ، فمنذ علمها بسبب إقدام شقيقتها على الانتحار ، وهى كمن أصيبت بضربة قوية على رأسها ، ولم تنسى نصيبه ونصيب وفاء من إستياءها على إخفاؤهما الأمر عنها
– أنتى قاعدة كده ليه يا ولاء
قالها راسل وهو يسحب مقعد اخر ليجلس عليه ، فاتحاً ذراعيه ، لتستكين صغيرته بينهما
أزاحت ولاء يدها وأجابته بهدوء :
– هعمل ايه يعنى يا أبيه
وضع راسل قبلة على رأس سجود ، قبل أن يلقى ببصره على محياها الفاتر :
– أنا عارف أنك زعلانة منى ومن ماما بس أنا كمان مكنتش أعرف بخبر موت أشجان يا ولاء لأن فى الوقت ده كنت بخلص دراستى فى إنجلترا ، وماما خبت عليا ومرضيتش تقولى إلا لما رجعت ، بس لما سمعت الخبر أتوجعت زيك بالظبط ، لأنها كانت غالية عليا
توارت عيناها خلف كف يدها ، لتحجب عبراتها الحارة ، فأطرقت برأسها وهى مغمغمة ببكاء :
– أنا اللى وجعنى أنها عاشت تعانى من قسوته ، حتى فى موتها كان هو السبب ، أنا مش عارفة أب ايه ده اللى يعمل فى بناته كده ، هو إحنا مش بناته علشان كده بيعاملنا المعاملة الوحشة دى ها يا ابيه احنا مش بناته قولى ، شوف أنت بالرغم من اللى حصل من مراتك ، بس بتحب بنتك وبتخاف عليها إزاى
أدركت خطأها الفادح بالاتيان على ذكر زوجته ، فأزاحت كفها عن وجهها ، رمقته بحذر لترى رد فعله على ما قالته ، ولكن وجدت محياه هادئاً ، بل أنه شدد من إحتضان إبنته ، يقبلها على رأسها مراراً و تكراراً
فزفر راسل متنهداً :
– الحب والكره مش بإيدينا يا ولاء ، وأوقات كتير بيبقى الوجع قادر يخلى البنى أدم يكره كل اللى حواليه ، بس دايما فى حتة كده فى قلبه لسه على الفطرة اللى خلقنا بيها ربنا ، وأنها تفضل تحب رغم الكره
فركت ولاء يديها تهتف به بأسف :
– أنا أسفة يا ابيه لو كنت فكرتك بحاجة ، علشان عارفة أنك مبتحبش تسمع السيرة دى ، بس غصب عنى طلع الكلام منى ، لأنى مقهورة أن ما أخدتش حب الأب اللى كل بنت بتحسه من أبوها ، تعرف أن أوقات كتير بتمنى موته وأنه يختفى من حياتنا جايز نعيش كويس
قاطع حديثهما مجئ وفاء ، تحمل صينية تراصت عليها عدة أطباق ، وضعتها على الطاولة ، وجلست هى الأخرى ، فهى إستمعت لما قالته ولاء ، ولكنها لم ترغب فى مناقشتها ، لأنها لا تريد فتح باب النقاش ، وتصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه
فتبسمت وهى تناول كل منهم طبقاً وهى تقول :
– خدوا أنا عملالكم رز باللبن بالمكسرات حكاية ، عارفة أن بتموت فيه يا راسل
فرك راسل يديه قائلاً بحماس :
– رز بلبن يبقى مفيهاش لعب إسكواش النهاردة يا ماما ، وجيبالى طبق بس فين الحلة ، بحب أنا أكل منها على طول
افلتت ضحكة من فم ولاء على مزحة راسل ، فهى تعلم أنه يفعل ذلك من أجل الترفيه عنها ، وتغيير دفة الحديث ، فتناولت الطبق من يد وفاء ، وبدأت بتناوله بصمت
ظل راسل يطعم صغيرته وهى جالسة على ساقه ، رافضة الابتعاد أو الجلوس بجواره ، وكلما وجدته متأخراً بإطعامها ، تعقد ذراعيها وتمط شفتيها دليلاً على ضيقها
فتعود وتنهره بطفولية :
– بابى سجود ما أخدتش معلقة هنا
رفعت إصبعها تشير لفمها وهى فاغرة إياه ، فتبسم لها وقبلها على وجنتها المكتنزة ، ليعود ويطعمها ثانية ، حتى غفت بعد ذلك بين ذراعيه
بعد أن أنهت ولاء طبقها ، نظرت لهاتفها وهى تترك مقعدها إستعداداً لمغادرتها وهى تقول:
– أنا لازم أروح دلوقتى سلام
رفع راسل رأسه قائلاً :
– أستنى هطلع سجود تنام وأجى اوصلك علشان متروحيش فى المواصلات لوحدك أقعدى أستنينى هغير هدومى وراجع
حمل راسل سجود ، ولج للداخل وصعد لغرفة الصغيرة ووضعها بالفراش ، وذهب إلى غرفته وأرتدى ثياب ملائمة ، وأخذ مفاتيح سيارته وهبط الدرج ثانية ، يشير لولاء بالاقتراب من السيارة التى سرعان ما أنطلقت من المنزل فى طريقة لإيصالها لمنزلها
حاول طوال الطريق صرف غضبها وضيقها ، فهو يشعر بالمسئولية تجاهها ، فإن لم يكن بإستطاعته ماضياً أن يقدم يد المساعدة لأشجان ، فسيحرص على أن يكون سنداً وداعماً لولاء ، ولن يتركها تعانى مما عانت منه شقيقتها ، حتى لو تطلب الأمر أن يقف بوجه والداها
فالتفت إليها بلمحة خاطفة ، ليعود وينظر أمامه واضعاً تركيزه على الطريق أمامه :
– أنا بس عايزك تتأكدى يا ولاء أن أنا هفضل جمبك ومش هسمح لحد أنه يأذيكى حتى لو كان أبوكى ، لأن غلاوتك من غلاوة أشجان بالظبط
تبسمت ولاء بهدوء قائلة بإمتنان:
– تسلملى يا أبيه أنا عارفة ومتأكدة من الكلام ده
وصلا للحى الذى تقطن به ، فترجلت من السيارة وهى تلوح له بيدها ، وصعدت درج البناية السكنية ، بينما عاد راسل أدراجه بالسيارة ليعود لبيته ، ولكن رنين هاتفه يعلن عن وصول إشعار من موقع التواصل الاجتماعي ” الفيس بوك ”
جعله يخرجه من جيب سترته ، فتح الهاتف لتتسع مقلتيه وتتلبسه الشياطين ، عندما رآى ميس بوسط مجموعة من أصدقاءها ، أكثرهم من الشباب ، يقيمون حفلة بأحد المطاعم الفارهة ، إحتفالاً بإقتراب تخرجهم من الجامعة ، فهى أخبرته بشأن ذلك الحفل ، ولكنه أبدى إعتراضه على حضورها
وما جعله أكثر جنوناً ، ذلك الثوب القصير الذى ترتديه ، وليس هذا فقط ، بل بجوارها شاب يضع ذراعه حول كتفها ، علم أين يقيمون ذلك الحفل الذى رآه ماجناً بعض الشئ ، فأخذ سيارته وانطلق بها ذاهباً لهناك وهو يتوعدها أشد الوعيد
فخرجت حروفه من بين أسنانه تحمل غضباً :
– صبرك عليا يا ميس أما وريتك مبقاش أنا راسل
صف سيارته وترجل منها سريعاً ليلج للداخل ، ويرى تلك التى خالفت أمره وضربت بكلامه عرض الحائط ، جال بعينيه وسط ذلك الجمع ، فكانت هى الأسبق برؤيته ، فألقت كوب المشروب من يدها ، تحاول أن تتوارى عن عينيه ، فلعنت نفسها على أنها قامت بنشر صورها ومكان تواجدها على صفحتها الخاصة ، فكيف غفلت عن أنه سيراها لا محالة
أنحنت ميس بجزعها قليلاً ، تسير من خلف أصدقائها حتى لا يراها ، فهى خلعت حذاءها حتى لا يعرقل هروبها من المكان
تبسمت قليلاً من أنها إستطاعت الوصول للباب الخارجى ، قبل أن يصل إليها ، ولكنها لم تضع بحسبانها أنها عندما تلتفت للخلف لتطمأن لعدم رؤيته ، وتعود وتنظر أمامها ستصطدم به
فغرت فاها وهى تراه يقف أمامها عاقداً ذراعيه يبتسم بضيق :
– على فين يا أنسة ميس
– ماهو ماهو أصل يعنى افهمنى بس يا راسل
قالتها ميس برجاء ، ليقبض هو على ذراعها يجرها خلفه وهى تسير خلفه حافية القدمين
فتألمت من دعس قدميها للحصى على الأرض فهتفت به بألم :
– راسل أنا ماشية حافية
ألتفت إليها وترك ذراعها ، ليتسنى لها إنتعال حذاءها ، وبعد أن أنتهت شدها ثانية ، حتى وصل لسيارته صارخاً بوجهها :
– قولى لحد من الحرس بتوعك دول يسوق عربيتك علشان هتركبى معايا عربيتى
أسرعت بتنفيذ مطلبه ، فهى لا ترغب بمزيد من صراخه ، فعادت وجلست بالمقعد المجاور له بسيارته ، أنطلق بها وهى يأنبها على ما فعلته :
– هو أنا مش قايلك متخرجيش وتروحى الحفلة دى كلامى مبيتسمعش ليه ولا فستانك ده اللى أنتى لبساه هو أنتى مش سقعانة فى البرد ده
أنكمشت ميس بمقعدها تنزوى بجوار باب السيارة ، فتبسمت تحاول إلهاءه وهى تجيبه :
– الجو النهاردة كان دافئ مش ساقعة أوى يعنى
ضرب مقود السيارة بيده ، وهو يرفع يده الأخرى بتحذير لها :
– بلاش إستفزاز يا ميس أنتى فاهمة أنا على أخرى منك
مسدت على ذراعه قائلة بلين ولطف :
– طب إهدى بس يا حبيبى
نفض يدها عن ذراعه محذراً :
– شيلى إيدك وبلاش عمايلك دى علشان أنا مش هفوتهالك المرة دى خلاص فرصك خلصت خلاص
ألتزمت الصمت لما تبقى لهما من وقت للوصول لقصر النعمانى ، فتحت البوابة الكبيرة ، وعبرت منها سيارة راسل للداخل ، فترجل من السيارة ، ودار حولها يخرجها هى الأخرى قابضاً على كفها بأصابع قاسية
عبرا بهو القصر الفسيح ، حتى وصلا للصالة التى جلس بها رياض وعاصم وسوزانا ، التى أنتفضت من مكانها بعد رؤية راسل يجر ميس خلفه وهى على وشك البكاء
فأعترضت طريقه تصيح به :
– أنت إيه اللى عمله فيها ده سيبها
رفع راسل يده بوجهها يشير لها بإلتزام الصمت ، فعاد وأكمل طريقه وصعد الدرج وميس خلفه ، تاركاً ثلاثتهم ينظرون لبعضهم البعض بعدم فهم لما يفعله
وصلا لغرفة ميس ، ففتح راسل الباب وسارا حتى وقفا بمنتصف الغرفة ، فترك يدها وذهب لغرفة الثياب ، حمل كل الأثواب المرصوصة على الأرفف يلقيها على الأرض بغضب ، أقتربت ميس لترى ماذا يفعل
فوجدت غرفة الثياب رأساً على عقب ، فهتفت به وهى مشدوهة :
– أنت بتعمل إيه يا راسل أنت بهدلت الدنيا ليه كده
رمقها وعيناه تنذر بالخطر :
– الهدوم دى متتلبسش تانى مفهوم مش كفاية أن مش راضى أغصب عليكى تلبسى الحجاب ، علشان مش عايزك تلبسيه غصب وبعد كده تقعليه ، عمال أقول بكرة تعقل و تبطل لبسها ده بس شكلك أخدتى على كده ، وأنا اللى أتلهيت عنك
أنهمرت دموعها على وجنتيها فدمدمت ببكاء :
– أفتكرت دلوقتى أنك أنت اللى بعدت يا راسل سبتنى فى أكتر وقت كنت محتجالك فيه ، عايزنى أعمل ايه وأنا عايشة اللى أطلبه ألاقيه من غير نقاش ولا تعب ، عايشة بين حفلات وبين وسط كل اللى عايشين فيه كده ، لبست قصير لبست طويل محدش اتكلم ، عادى كلهم بيقولوا دى الموضة وكل البنات بتلبس كده ، حتى جدو بالرغم من حبه وخوفه عليا ، بس بحس أوقات كتير أن مفيش فى دماغه غيرك أنت يا راسل وان ازاى أنت تتسامحه
فعادت وتبسمت بألم :
–بابا ومات من وأنا صغيرة ملحقتش أعيش معاه ، وماما سيدة مجتمع من الطراز الأول ، شايفة أن كل ده عادى لأنها عاشت وأتربت كده هى كمان ، خالو عاصم وقته كل للشغل وبرضه لغرامياته اللى فاكرنا منعرفش بيها ، فى وسط ده كله عايزنى أطلع إزاى ، مسمعتش المثل اللى بيقول “من شب على شئ شاب عليه”
اقترب منها يقبض على كتفيها سرعان ما ضمها إليه يربت على ظهرها متأسفاً :
– عارف أن خذلتك فى وقت كنتى محتجانى فيه بس دلوقتى خلاص يا ميس ، أنا معاكى وجمبك
مسحت دموعها بكتفه وهى باسمة ، ولكن قبل أن تفه بكلمة أنفتح باب الغرفة ، فرأى راسل سوزانا تقف على الباب تطالعه بنظرات مقت وكره يعرفه هو جيداً
فأخرج ميس من بين ساعديه وهو يقول:
– أنا همشى دلوقتى واللى قولت عليه يتسمع مفهوم
هزت ميس رأسها بتأكيد وهى تجيبه :
– حاضر هعمل كل اللى أنت عايزه يا حبيبى
قبل أن يصل للباب مدت سوزانا يدها تمنعه من الخروج ، قبل أن تقول ما لديها ، فهتفت به بإستياء عارم:
– بص يا ابن بنت الساعى أنت بنتى ملكش دعوة بيها مفهوم وإياك مرة تانية أشوفك مجرجرها وراك بالشكل ده ماشى ، تربية الحوارى والشوارع دى متتعملش مع بنتى ولا فى بيت النعمانى أنت فاهم
ألتوى ثغره بإبتسامة هازئة :
– أنا عارف أنك خايفة ومرعوبة من ابن بنت الساعى ، علشان لو هو حطكم فى دماغه هينسف عيلة النعمانى والعز اللى أنتوا عايشين فيه بس علشان خاطرها هى أنا ساكت والأفضل برضه تسكتى أنتى وأخوكى سلام
قال راسل مالديه وخرج من الغرفة ، هبط الدرج فألقى نظرة خاطفة على رياض الذى تأهب جسده الهِرم ، ظناً منه أن ربما ذلك العنيد ، سيرأف بحاله قليلاً ، ولكن خاب أمله ككل مرة بالأعوام الماضية ، فهو خرج بسرعة البرق ، قبل أن ينبث رياض ببنت شفة
______________
ببحثه عن من يكون والدها ، إستطاع الوصول لتلك الشقة التى يعلم أنه يقضى بها معظم أوقاته ، فلم يجد جهداً يذكر ، بدخوله تلك الشقة معللاً ، أنه راغباً فى أن يقضى وقتاً بالتسلية ولعب القمار ، فهو أيضاً يهوى تلك اللعبة ، يبرز براعته فى لعبها ، إستقبلته تلك المرأة وهى فاتحة ذراعيها بترحيب انثوى ، غير متغافلة عن تقبيل وجنتيه بدلال
فبحة صوتها الذى شابه بعض الخشونة من كثرة إحتساءها الخمور ، رن بأذنيه كلحن نشاذ وهى تقول :
– منور يا فؤاد بيه دا الشقة زاد نورها بوجودك
أهداها إبتسامة مقتضبة لا تتجاوز شفتيه ، ولا تصل لعينيه وهو يجيبها :
– دا نورك أنتى يا ست سونيا
تأبطت ذراعه تصحبه بجولة من باب الشقة ، مروراً بجلسات السمر على الارائك بين رجال ونساء ، لا يجدوا رادعاً لهم بأن يكفوا عن تلك الأفعال المشينة ، وبين تلك الطاولة الخاصة بلعب القمار ، حتى أنتهى بهما المطاف بجوار أحد الأركان يشبه الحانة بتلك الأرفف المصفوف عليها زجاجات الخمور
فأستندت سونيا بأحد ذراعيها ، على حاجز زجاجى ، تميل بجسدها قليلاً وهى تلوى شفتيها بإبتسامة ماكرة :
– مقولتليش هواك فى إيه بقى شرب ولا لعب ولا…
أعتدلت بوقفتها ، تمد يدها تعبث برابطة عنقه وهى معقبة بدلال :
– ولا ليك شوق فى حاجة تالتة
لف خصلة من شعرها المتدلى حول إصبعه ، يشد عليه قليلاً ، جعلها تشعر بألم طفيف ، ولكنها لم تتأذى من فعلته ، بل لقى هوى بنفسها ، فدنا من أذنها يهمس بصوت أجش :
– الصراحة ليا شوق فى حاجات كتير أوى ، بس خلينا نأجل الكلام ده بعدين ، عايز بس ألعب دورين على التربيزة ، مين اللى هيلعب معايا
ألتف ذراعها حول عنقه ، وهى تهمس فى أذنه بدورها :
– دلوقتى ييجى حسان أحسن واحد بيلعب على تربيزات القمار ، بس ده ميمنعش أنه على ما ييجى ، نشرب كاسين مع بعض ونقعد نتكلم حوار على السريع كده
سحبته من رابطة عنقه ، تجره خلفها ذاهبة لإحدى الغرف التى شهدت على ليالٍ أرتكب فيها من الكبائر أفظعها ، ومن المحرمات مجملها ، ظنت هى أنها ستحظى بوقت ليس له مثيل ، تطلق العنان به لأفعالها المشينة ، ولكن أنقلب السحر على الساحر ، ولم تعد تدرى شيئاً سوى أن ذلك الرجل أشد فسقاً ودناءة منها
حرصت على تعديل هندامها المبعثر ، ووقفت أمام إحدى المرايا المثبتة على الحائط ، وجدت حمرة شفاهها قد خربت ، أو ربما زينتها بأكملها ، فعملت على إعادة طلاء شفتيها ، وتمشيط خصيلاتها المشعثة ، حريصة على الانتهاء قبل قدوم حسان ، فلو علم بفعلتها لن تفلت من يده ، فهو يشدد أوامره لها بأن لا يقربها أحداً غيره ، ولكنها من وقت لأخر ، تميل بهواها لرجل من الرجال الذين يرتادون شقتها
فتمتمت وهى تطلى شفتيها مبتسمة وترى أنعكاس صورة فؤاد بالمرآة وهو يغلق أزرار قميصه :
– هى الساعة كام دلوقتى أحسن حسان ييجى دلوقتى ويعمل مشاكل
أجابها فؤاد وهو ينظر بساعة معصمه :
– الساعة دلوقتى ١٠
فعاد و أرتدى سترته ورابطة عنقه ، وبعدما أنتهى سألها مستطرداً :
– هو أنتى متجوزة حسان يا سونيا
حركت سونيا رأسها سلباً وهى تجيبه :
– لاء مش متجوزاه حسان ايه ده كمان اللى اتجوزه ، أنا بس بخاف منه علشان هو بلطجى فى تصرفاته وإيده طويلة
– وبنته طلعاله بس وربنا لأوريها ، وإما مخلتهاش زيك يا سونيا مبقاش فؤاد ، بس أخد غرضى منها
هكذا تمتم فؤاد لنفسه ، عندما تذكر ولاء ، وتذكر أيضاً كل مقابلتهما سوياً ، التى تنتهى بخروجه منها مسلوب الكرامة ، ولا تتوانى عن الحط من شأنه وكبرياءه المعتد به كرجل وسيم ثرى ، يرى النساء يرغبن فى رفقته ، فدائما يرغب الفاسقين بجر الطيبين لأوحالهم
أعادت الأمور إلى نصابها ، وخرجت من الغرفة تتأبط ذراعه ، ولكن سرعان ما تركته بعدما رآت باب الشقة يفتح ويلج منه حسان
فأسرعت فى الاقتراب منه مبدية ترحيبها الحار المزيف :
– حسان يا حبيبى أتأخرت ليه كده دول مستنينك من بدرى علشان اللعب ، دا حتى فى زبون جديد بس ايه مليان فلوس ولا خزنة البنك أهو
رفعت يدها تشير لفؤاد ، الذى تقدم منهما باسماً يمد يده يصافح حسان وهو يقول :
– أهلا بيك دا أنا منتظرك من الصبح الست سونيا بتقول عليك أنك أحسن لاعب على التربيزة والصراحة أنا بحب ألعب مع المحترفين علشان اللعبة يبقى ليها طعم
شد حسان على يده ، وهو يرمقه من رأسه لأخمص قدميه بتقييم حاد ، فرد عليه بترفع :
– أه أهلا بيك باين عليك شاطر بس هنشوف ، سونيا قومى الناس من على التربيزة علشان هلعب انا وهو بس ونشوف مين الشاطر فينا
أسرعت سونيا فى إخلاء الطاولة ، وصرف الجالسين حولها ، جلس حسان فى المقعد المقابل لفؤاد ، وبدأت اللعبة بينهما ، أراد فؤاد كسب مودته بالبدء ، فتركه يفوز بالجولة الأولى والثانية ، وكلما زاد مكسب حسان زادت إبتسامته ظناً منه أن ذلك الرجل المدعو فؤاد ماهو إلا أبله لا يجيد لعب الورق ، ولكن بالجولة الثالثة ، أنقلبت موازين اللعبة كافة ، وبدأ فؤاد بحصاد المال ، الذى تم وضعه على الطاولة ، جولة وأخرى وأستطاع فؤاد إعادة ماله ثانية
فأكفهرت ملامح حسان يقول بصياح محتج :
– إيه ده أنت بتغش فى اللعب على فكرة
بإبتسامة على جانب ثغره الماكر ، كان فؤاد يجيبه بوداعة :
– دا بس حظ المبتدئين ، والمثل بيقول ما يوقع إلا الشاطر
لم يرغب حسان بإكمال خسارة ما تبقى من ماله ، فترك الطاولة وهو يهتف به :
– أنا خلاص كده شطبت شوف حد تانى تلعب معاه
ألقى فؤاد الورق من يده ليلحق به ، فجلس حسان ليأخذ حصته من إحتساء الخمور ، جلس فؤاد على مقعد مجاور له ، يحاول التودد إليه ، فأخرج علبة سجائر من جيب سترته ، يناوله إحداها وهو يقول :
– أنا مش عايزك تزعل منى علشان خسرتك فلوسك النهاردة اللعب يا غالب يا مغلوب وأنت شاطر أوى فى اللعب بس زى ما قولتلك دا حظ المبتدئين
بإصراره على مدحه وإظهار ندمه بأنه جعله يخسر ماله ، زرع الشك والغرابة بعقل حسان ، فتلك هى المرة الأولى التى يرى بها أحد متأسفاً لمكسبه بلعب الورق ، ويبدى إعتذاره لغريمه باللعب
فأراد حسان إنهاء الأمر ، فمال برأسه إليه متسائلاً :
– أنت إيه حكايتك بالظبط ، عمال ترغى ترغى وتعتذر على ايه ، قلبى بيقولى أن أنت عايز منى حاجة ، فهات اللى عندك علشان أنا مليش خلق ولا صبر لحد
– أنا عايز أتجوز بنتك اللى إسمها ولاء
قالها فؤاد فجأة ، ليقطب حسان حاجبيه وهو يجيبه :
– ولاء بنتى ! وأنت تعرفها منين أصلاً
وضع فؤاد سيجارته بفمه ، ليعود وينفث دخانها وهو يقول :
– أعرفها علشان أنا عميل فى البنك اللى هى بتشتغل فيه ، والصراحة هى عجبتنى بس مش مديانى ريق حلو ، ودايما لسانها سابقها ، فأنا دورت وعرفت أن أنت ابوها وبتسهر هنا يومياً ، فجيت علشان أتعرف عليك وأقولك جايز أنت تقدر تقنعها ، وصدقنى لو حصل هدفعلك مهر ليها متحلمش بيه فقولت إيه
أرتخت أصابعه التى تحمل السيجارة ، لتسقط على الأرض ، فأسرع فؤاد بدعسها قبل أن تنشب نيرانها بطرف السجادة ، فظل حسان صامتاً لبرهة وجيزة ، كأنه يزن تلك الكلمات التى ألقاها عليه فؤاد ، ولكن ما جعل لعابه يسيل على تلك الزيجة ، هو ذلك الوعد من فؤاد بأن يدفع له مهراً نظير زواجه من إبنته ، فهيئته تدل على الثراء ، ويرى إستماتته بالزواج من ولاء ، فلو طلب المبلغ الذى يريد ، سيدفعه راضياً بدون أن يعترض ، فربما الليلة خسر نقوده على طاولة الميسر ، ليأتيه الخير من مصدر أخر متمثلاً بزيجة إبنته من رجل ثرى
___________
كأس تلو الآخر يلقيه نادر على الأرض ليتحطم شر تحطيم ، فبعد عودته من منزل عرفان الطيب ، وعلمه بأن حياء ليست إبنته ، ذهب رأساً لمنزل شقيقه نصر ، الذى تركه ينفث جام سخطه ونقمه على الكؤوس ، لعله يهدأ بعد ذلك ، ولكن زاد بالأمر مما أصاب نصر بألالام بالرأس وخاصة صوت صيحاته المحتجة ، على ما سار إليه أمره
فقام من مكانه يقبض على مرفقه قائلاً بصياح مدوى :
– بس بقى أسكت وجعت دماغى يا أخى إيه ده كسرت كل الكاسات اللى كانت موجودة ، أهمد بقى وأسكت
تتابعت أنفاس نادر ، ونفض يد شقيقه عنه وهو يدفعه بصدره :
– أنت مش عارف ثروة عرفان الطيب كانت قد ايه دا البنك بس كان فى ٢٠٠ مليون جنية ، غير الاملاك وده كله أطلع من المولد بلا حمص ، وضيعت وقتى على الفاضى
شد نصر على أذنه كأنه طفل صغير :
– ماهو ده أخرة اللى ميسمعش كلام أخوه وبيحب يتصرف من دماغه ، كنت فاكر نفسك فالح يا نادر
أحمر وجهه ، وتحولت خضراوتيه للون أكثر قتامة ، يأخذ أنفاسه كمن يركض بطريق طويل ، فالمرة الأولى التى أراد بها نيل المال ، عوضاً عن تلك الجراحات المحفوفة بالمخاطر ، أدت بالنهاية للفشل
– أنا مش غايظنى إلا أن الست اللى إسمها قسمت دى هتكوش على كل حاجة لوحدها
نطق بها نادر بغيظ لم يفلح بكظمه ، وخاصة عندما تذكر وكزها له بتهديد ، فبتلك اللحظة كان يريد الانقضاض على عنقها ويزهق أنفاسها
مسح نصر وجهه بكفيه مغمغماً :
– وهتعمل ايه دلوقتى مع حياء
بإتيان شقيقه على ذكرها ، تصلبت حواسه ينظر بالفراغ ، كأنه يبحث عن إجابة ، فإتمامه زواجه منها لم يعد محط طلبه الآن ، فهو لا يملك المال الكافى مثلما تعتقد أو يعتقد كل من يراه
فكور قبضة يده يضرب باطن يده الأخرى مدمدماً :
– لو كانت بس الحادثة أتأخرت يوم واحد كان زمان حياء وارثة نص الأملاك بتاعة عرفان الطيب ، بس مش عارف ليه ده حصل أو مين اللى عمل كده
رمق نادر شقيقه بشك قائلاً بحذر :
– أوعى تكون أنت يا نصر اللى عملتها وقتلتهم
زوى نصر ما بين حاجبيه يجيبه بإستنكار :
– وأنا أقتلهم ليه وأنا مالى بيهم هو أنا اللى كنت هناسبهم ، أنا اه كنت بأمن على جوازتك بس مش لدرجة أقتلهم يعنى ، هو ممكن كنت عملت كده بعد ما تتجوز ، لكن ان اقتلهم يوم كتب الكتاب ، دى تبقى حركة خايبة أوى يا نادر
دار نادر حول نفسه ، يكاد يصاب بالجنون قائلاً بحيرة :
– طب إزاى ده حصل ، تحقيق النيابة أثبت أن الحادثة بفعل فاعل ، وأن فى عربية نقل خبطت العربية بتاعتهم والسواق هرب والعربية من غير نمر كمان ، يبقى مين اللى عملها مييييين
بصراخه الذى كان على وشك صم أذنيه ، وضع نصر يديه على جانبى رأسه ، ليمنع وصول صوت شقيقه الساخط
فنهرهه على فعل ذلك بقوله :
– أكتم بقى وبطل صراخ وجعت دماغى يا أخى ومتقرفنيش معاك واللى حصل حصل هتعمل ايه يعنى
– عايز تسافرنى يا نصر ، عايز أبعد عن هنا شوية
نطق بها نادر يناشد نصر بتنفيذ مطلبه ، فما كان منه سوى أن أماء برأسه إيجاباً ، فربما هذا أفضل
ربت على كتفه بهدوء :
– تمام يا نادر هغورك من هنا على الاقل أرتاح منك شوية ، بس برضه مقولتليش هتتصرف مع حياء إزاى
اتسع بؤبؤ عينيه ، وفرقع إصبعيه كأنه وجد حلا مناسباً فهتف به قائلاً :
– بس أنا لقيتها إيه رأيك دى تنفعنا فى شغلنا
فكر نادر وسأله بعدم فهم :
– تنفعنا فى شغلنا إزاى يعنى مش فاهم
تبسم نصر بمكر وهو يجيبه :
– يعنى طالما مبقاش ليها حد ، ولا معروف ليها أهل ، فنريحها من الدنيا وقرفها واللى هتشوفه هنا ، نسفرها برا أنت عارف أنهم طالبين كام بنت للشغل اللى بالك فيه ، وأهو تاخدها معاك وأنت مسافر بصفتها مراتك وهتقبض قرشين حلوين قولت إيه
______________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى