روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني والسبعون

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الثاني والسبعون

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الثانية والسبعون

ج٢-٢٦-” ثأر واجب النفاذ ”
خشى أن يسمع منها ما يفسد سعادتهما ، التى جاءت بعد عناء ، ورغم ذلك أرهف سمعه ليلتقط حروفها بدقة ، بل ضغط على ظهرها بحنان ليبقي عليها بين ذراعيه ، كأنها ما أن ستبتعد عنه سيصبح مزاجها أشد سوءاً كتلك الأيام التى قضاها معها فى معاناة محاولة منه أن يصرف عنها حزنها الشديد ، واليوم هو يومهما الأول خارج قصر النعمانى ، بعد محادثتهما فى مشفاه وإخبارها له بقرارها النهائى فى عدم تركه أو الإنفصال عنه ، وحرص على أن ينعمان بيومهما كتلك الأيام الخوالى عندما كانا عاشقان حديثى العهد بالزواج ، لذلك أعد لها مفاجأة أراد أن يخبرها إياها فى تلك الغرفة ، التى سبق لهما قضاء ليلة بها عندما أراد إخبارها بكل ماضيه ، وأراد اليوم أن تكون ليلة أكثر دفئاً ويخبرها بذلك الأمر الذى تمنى أن يساهم فى تحسين مزاجها
فسألها بحيرة :
– طلب إيه ده يا روحى؟
أبتعد عنها لكى ينظر إليها بوضوح ، ولكن ما طمئنه قليلاً أنها تبتسم وهادئة ولا يبدو عليها أنها ستطلب المحال
فأجابته باسمة :
– متخافش كده مش هطلب منك حاجة صعبة يعنى ولا مستحيلة
إستمتعت حياء بحيرته فى التكهن بما تريده منه ، مما جعله يحاول إستعطافها لعلها تكون رحيمة به وبمطلبها منه ، كما يفعل الآن من أنفاس دافئة سخية راح يوزعها على وجهها وهو يهمهم بأنه على إستعداد تام لتلبية كافة مطالبها ، التى سيفعل المستحيل من أجل تحقيقها ، فضحكت حياء بخفوت كون أن مطلبها لن يكون عسيراً ولن يطلب منه جهداً سوى أن يمنحها موافقته ويكون برفقتها
أطرب أذنيها بعبارته التى جاءتها همساً فى أذنها :
– عايزة إيه ياحبيبتي أنتى لو طلبتى روحى مش هأخرها عنك
أغمضت عينيها إستمتاعاً بحديثه ، ولم يقتصر إستمتاعها على عذب حديثه ، بل وقوفها بين يديه بعث بها الدفء خاصة أن ضآلة حجمها مقارنة به جعلته لا يجد جهداً فى إحتواءها ، فردت قائلة بعد لحظات وهى واضعة رأسها على كتفه :
– عايزة نسافر نعمل عمرة سوا ، إحنا شهر عسلنا مكملنهوش ، فعايزة نسافر السعودية وبعد كده نروح أى مكان تانى نقضى فيه يومين ، عايزة أسافر ، أنا لما كنت زعلانة منك كنت بفكر أسافر أنا وديفيد نعمل عمرة بما أنه أعلن اسلامه بس مش عارفة ليه أتهرب منى وقتها ، حتى دلوقتى من ساعة ما قالى انه مسافر معرفش حاجة عنه ولا حتى بيرد على رسايلى ليه ، وبجد أنا محتاجة العمرة دى جداً
زفر راسل براحة بعد سماع مطلبها ، فقال وهو يقبل رأسها :
– بس كده أنتى تؤمرى يا روحى ، هظبط شغلى وكل حاجة ونسافر ، لأن عندى جدول عمليات كتير الفترة الجاية ، يعنى ممكن نسافر على بداية الشهر الجاى ، وبالنسبة للمكان التانى اللى هنسافره انا هقولك نسافر فين ودى من ضمن المفاجئة اللى كنت هقولك عليها جوا
إستقرت قدميها أرضاً بعدما أرخى عنها ذراعيه ، وأخذ يدها ليجعلها تسير معه إلى تلك الغرفة بالحديقة ، فكأنما غادرتها بالأمس ، وجدت كل شئ بها كما تم تنظيمه بتلك الليلة ، التى لم تستطع نسيانها ، جذب نظرها تلك الطاولة التى تتوسط الغرفة وعلى سطحها شموع ملونة من ذلك النوع المفضل لديها دائماً ، أقتربت منها ولمستها بطرف سبابتها وبحثت عن قداحة لإشعالها، ولكن وجدت راسل يخرج من جيبه ورقة لإعلان عن إحدى المستشفيات فى لندن، فناولها إياها وأولته ظهرها لتضع حقيبتها على الطاولة وقلبتها بين يديها لتعلم سبب وجودها معه
فخطى راسل بخطواته تجاهها حتى صار ملاصقاً لها ، فوضع رأسه على كتفها قائلاً بإبتسامة :
– إيه رأيك فى المفاجئة دى
حركت حياء رأسها وإستدارت إليه وتساءلت :
– مش فاهمة ايه علاقة ورقة الإعلان ده بالمفاجئة ، مستشفى إيه دى ؟
أخذ راسل منها ورقة الإعلان ووضعها على الطاولة ، فدعاها أولاً للجلوس على ذلك المتكأ الموضوع قريباً من المدفأة ، وبعد جلوسهما أخذ يديها بين كفيه ورمقها بنظرة مطولة قبل أن يقول بهدوء :
– هى المفاجأة اللى قولتلك هقولك عليها إن فى مستشفى فى لندن وصاحبها دكتور كبير مختص فى مشاكل الإنجاب والعقم اتواصلت معاه وشرحتله حالتنا بالظبط ، فطلب إن احنا نروحله علشان ممكن يقدر يعالج السبب اللى ممكن يخلى الحمل ميكملش لو حصل ، بس العلاج هيتطلب منك أنتى يا حياء أن تكونى نفسياً مهيأة لأى حاجة ممكن تحصل ، وخصوصاً أن العلاج هيعتمد عليكى أنتى بالأكتر ، فقولت أقولك ونسافر لعل وعسى ربنا يكرمنا ونقدر نخلف بيبى ، وكمان علشان ميبقاش حرام عليا إن يكون فى فرصة تخليكى مبسوطة وأنا مقولكيش عليها ، فقولتى إيه مستعدة لكده ، والطب كل يوم فى جديد ، يعنى ممكن الفرصة من سنتين كانت شبه مستحيلة ، جايز دلوقتى تبقى الفرصة أحسن ، وفى الأول والآخر إرادة ربنا فوق كل شئ ، إحنا هناخد بالأسباب والباقى على ربنا
ظلت تحرك رأسها بعنف وعيناها دامعتان ، فهى الأخرى كانت على وشك إخباره بأنها تريد خوض تجربة العلاج اللازم لحدوث الحمل ، فوجدته هو يسبقها فى التفكير والتخطيط والتنفيذ ، ورغم علمها بأن ربما ستؤول الآمال لسراب فى النهاية ، إلا أنها تثق بقدرة الله العظيم من أنه سيرزقها ما تتمنى وتتكلل سعادتها مع زوجها بأن يكون لديها طفل منه
ألقت بنفسها بين ذراعيه قائلة بصوت خافت جاء نتيجة لتجمع دمعات التمنى والرجاء :
– أنا كنت هقولك أن إحنا نحاول فى موضوع الحمل ، وطالما قولت فى أمل أنا حابة اتمسك بيه ، حتى لو كان فى أخر الدنيا ، وأنا واثقة فى قدرة ربنا أن هيبقى عندى طفل منك يا حبيبى
مسد بيده على ظهرها ليهدئ من إنفعالها ، فحتى وإن كان لم يبخل عليها بالفرصة ، إلا أن من داخله مرتعباً من أن تخفق محاولاتهما وفى النهاية تكون هى الخاسرة لإستقرارها النفسى
رفع وجهها له ممرراً إبهاميه على وجنتيها قائلاً برجاء :
– بس أرجوكى يا حياء لو حسيتى بأنك نفسياً مش قادرة تكملى فى الموضوع قوليلى ومتضغطيش على أعصابك علشان خاطر نفسك مش علشان خاطر حد
هزت حياء رأسها ومن ثم عادت تضع رأسها على صدره ، فموجة الأمل التى ضربت أعماق قلبها ، جعلتها تشعر بإنتشاء من تخيلها أنها ربما ستعود وتحقق أمنيتها ، التى لن تستطيع تحقيقها إلا معه ، حتى أنها راحت تعرب عن سعادتها وتفاؤلها بما اخبرها به بأن وزعت عطاياها تارة على وجهه وتارة على جانب عنقه حتى افقدته صوابه وأنقلب السحر على الساحر ولم يدرك أى منهما كما قضيا من الوقت فى تلك الغرفة ، إلا بعدما سمعا رنين الهاتف فى الصباح ، يخبرهما أنهما قضيا ليلتهما خارج قصر النعمانى ، والذى لابد من أن ساكنيه سيتسألوا عن عدم وجودهما على مائدة الإفطار كعادتهما كل يوم
ضحكت حياء بنعاس ، بعدما رآت راسل مستلقياً على الأرضية بعيداً عن المتكأ ، فأقتربت منه ونادته وهى تربت على ظهره:
– راسل أصحى ، يلا ياحبيبى فوق
رفع راسل رأسه عن الأرض العارية من السجاد ، وتأوه بصوت منخفض :
– أه دا النوم على الأرض جابلى تشنجات ومفاصلى كلها اتيبست
عادت حياء تضحك من جديد وسألته :
– وأنت ايه اللى نيمك على الأرض كده ؟
جلس راسل مكانه وهو يتحسس عنقه الذى ربما أصابه إلتواء خفيف وأجابها متأوهاً :
– أنتى اخدتى المكان كله يا مفترية ورمتينى على الأرضية حتى مفيش سجادة نيمتينى على البلاط
شهقت حياء لنعته لها بصفة الافتراء ، فأخذت وسادة صغيرة وألقتها على وجهه قائلة بتبرم :
– هى مين اللى مفترية ، ما أنت اللى بتفرك كتير وأنت نايم ، كويس أن ملقتكش نايم جمب الخشب فى الدفاية
تبسم راسل ضاحكاً مما قالته ، فرد ممازحاً:
– كويس إن الدفاية مش شغالة وإلا كنت زمانى زى الفراخ المشوية دلوقتى
ألقت عليه وسادة أخرى واعادت الكرة ثلاثاً لتمازحه ، فنهض من مكانه بغتة مقترباً منها ولكن ذلك التيبس العضلى الذى أصابه فى ظهره جعله يجد صعوبة فى أن يستقيم بوقفته ، فعاد متأوهاً ، ولم تمنع حياء نفسها من أن تقول بتفكه :
– دا أنت عايز تروح للميكانيكى يردك على البارد
قبل أن تمتد إليها يده ، ولت هاربة من مكانها ، ولكن حظها السئ جعلها تتعثر بإحدى الوسائد التى كانت ألقتها على وجهه ، فسقطت على الأرض منبطحة على وجهها ، فأخذ دوره فى الضحك قائلاً وهو يعتدل فى جلسته :
– شوفتى من حفر حفرة لأخيه وقع فيها
لم تتأذى من سقوطها على وجهها ، إلا أنها وجدتها فرصة سانحة فى أن ترى مدى لهفته للإطمئنان عليها ، فتأوهت بصوت مسموع وكأن أصيبت بجرح فى جبهتها ، فترك راسل مكانه على الفور وأقترب منها متسائلاً بقلق :
– مالك يا حبيبتى أنتى اتعورتى ولا ايه ورينى وشك كده
– أهو وشى ، ايه اتعورت جامد
قالتها حياء وهى تقترب بوجهها أكثر منه ، ليتفحصه بعناية ، فما كان منه سوى أن احتضنه بكفيه مغمغماً بدهاء :
– لاء دا أنتى اللى اتهورتى لما جتيلى برجلك
إستطاع محو دهشتها التى ارتسمت علي شفتيها المنفرجتين ، اللتان كأنهما تحتويان على أكسير الحياة ، حسناء فى الصباح والمساء ، بصحوه وأحلامه ، فى أوقات حزنها وسعادتها ، ولم يخطئ قلبه فى دعوتها ” صبيته الحسناء” ، وما أن أنتهيا من عناقهما ، أخبرته أن يسرع حتى يعودا للمنزل ، خاصة أن سجود ربما لم تكف عن السؤال عنهما ، فلم تختلف رحلة العودة لقصر النعمانى عن رحلة مجيئهما لمنزلهما القديم ، إذ ظلت ساكنة برأسها على صدره وهو يقود السيارة ، وما أن رآت البيت على مشارف بضعة أمتار ، إبتعدت عنه وجلست فى مقعدها بهدوء ، وما أن مرت سيارة راسل فى حديقة المنزل ، رآت حياء سجود تمتطى جوادها الخاص ووالد زوجها يجلس فى مكانه المعتاد هو ورجاله يراقبها
ترجلا من السيارة ، فصاحت سجود قائلة بسعادة:
– بابى مامى
لوح لها راسل باسماً ومن ثم أقترب من مجلس والده وألقى عليه تحية الصباح وأقترب من السور الخشبى لحظيرة الخيول ، بينما جلست حياء على أحد المقاعد قريباً من والد زوجها
إبتسم لها رياض وهو يدب الأرض بعصاه متسائلاً بعفوية :
– أنتوا كنتوا فين ده كله ، سجود كانت بتسأل عليكم وكانت بتعيط
أجابته حياء بعدما أطرقت برأسها أرضاً لشعورها بالخجل:
– كنا فى بيت راسل القديم ، كنا بنتكلم والوقت سرقنا وإحنا مش حاسين
هز رياض رأسه مكتفياً بقولها ، ومن ثم نظر إليها قائلاً برصانة كعادته :
– أتمنى تكون الخلافات بينكم أنتهت ، وأبو دماغ ناشفة ده عرف غلطه وميحاولش يزعلك تانى
نظرت حياء لزوجها وهو يحمل سجود من على ظهر الجواد:
– إن شاء الله ميبقاش فى زعل بينا تانى يا عمى
أقترب منهما راسل وهو يحمل إبنته التى لم تنفك عن تقبيل وجنته مراراً ، كأنه لم تراه منذ عدة أيام وليس من بضع ساعات قضاها خارج المنزل ، ربت على ظهر سجود متسائلاً بحنان :
– أنتى فطرتى يا قلب بابى ، ولا تيجى تفطرى معايا أنا ومامى
ردت سجود قائلة وهى تلف ذراعيها حول عنقه:
– أكلت مع جدو وتيتة وفاء وكلهم ، بس أنتوا كنتوا فين يا بابى
وضعها راسل أرضاً ومن ثم داعب رأسها باسماً:
– خلاص إحنا جينا أهو يا سيجو والنهاردة باليل هوديكى الملاهى ماشى يا قلبى
بسماع سجود لعرض أبيها المغرى راحت تقفز فرحاً وسرورًا ، فهى تعشق إرتياد مدينة الألعاب ، وما أن رأى رياض حماسها اللامحدود نظر لراسل قائلاً بتمنى و عفوية :
– مش تشدوا حيلكم علشان تجيبوا أخ لسجود وتودوه الملاهى معاها ، أنا بفكرك بوعدك اللى قولته يوم فرحك أنت وحياء ، أن احفادى كلهم اللى هيشيلوا إسمى هتكون حياء أمهم ، فجه الوقت اللى تنفذ فيه وعدك ولا إيه يا دكتور ، وأنا مشتاق أشوف ولادكم
رغم ذلك الأمل الذى أفعم قلبها بالأمس ، إلا أنها ما أن سمعت قول والد زوجها قبضت بكفيها على حافتى مقعدها ، تخشى أن راسل لن يكون قادراً على الوفاء بذلك الوعد الذى ذكره والده
تلاقت أعينهما سوياً ومن ثم سمعت زوجها يقول بثقة ممزوجة بحدة لا تعلم لها سبباً :
– إن شاء الله يا رياض باشا دعواتك بقى ، وأنا عند وعدى إن حياء الوحيدة اللى هتبقى أم ولادى ، عن إذنك بقى علشان أنا جوعت وعايز أفطر يلا يا حياء
شعر رياض بنبرة راسل الحادة ، رغم أنه لم يقول شيئاً يستدعى أن يكون حاداً فى حديثه ، ولكنه لم يشأ أن يطيل فى الحديث بينهما ، نظراً لعلمه بوقاحة ولده التى تخرج أحياناً عن الحد اللازم
أخذ يد زوجته ودلفا للداخل ، بينما عادت سجود لتمتطى الجواد مرة أخرى ، وصلا لغرفتهما ، ولكنه شعر بأنها أبطأت فى خطواتها ، فإلتفت برأسه إليها متسائلاً بعدما أغلق باب الغرفة :
– مالك يا حياء ؟
حملقت فى وجهه قائلة بتيه :
– مش عارفة لما سمعت كلام باباك ، وحسيت قد ايه هو نفسه يكون له احفاد تانين ، خوفت يا راسل
جعد راسل جبينه قائلاً بإستغراب :
– خوفتى من إيه ، أو إيه اللى يخوفك فى كلامه ، هو بيتكلم عادى على فكرة
جلست حياء على حافة الفراش ورفعت وجهها له قائلة بخوف لم ينكره صوتها :
– ولو مقدرناش نحققله كلامه ده هيبقى ايه الوضع ساعتها
رد قائلاً وهو يجلس بجوارها:
– هيحصل إيه يعنى عادى يا حبيبتى ، ربنا ما أرادش
– يعنى مش هتفكر تتجوز عليا علشان تخلف ولد يشيل اسم العيلة
قالت حياء وهى تتفرس فى وجهه لتدرس انفعالاته ، فوجدته هادئ وسرعان ما راح يضحك قائلاً بمرح :
– يشيل إسم العيلة ! هو أنتى مفكرة إن أنا مهتم أوى بإسم العيلة ، مكنتش عشت سنين الناس تعرفى براسل صفى الدين ، وايه اتجوز عليكى علشان اخلف دى ، دا على اساس أن العيب منك علشان اعمل كده ، متفكريش بالطريقة دى تانى يا حياء ، وقومى غيرى هدومك علشان نفطر ، أنا بجد جعان
وضع قبلة على رأسها ومن ثم غادر مكانه وذهب لغرفة الثياب ، بينما ظلت هى جالسة مكانها وتنظر أمامها بشرود ، ورغم أن حديثه بعث بنفسها الطمأنينة ، إلا أن هناك جزء من عقلها لا ينفك عن التفكير فى إحتمالات الإخفاق الواردة بشأن الإنجاب ، فإن كانت هى أخذت قرارها بعدم تركه وستحيا معه هو وإبنته أيا كان الوضع ، إلا أنها لم تمنع نفسها من وضع بعض الفرضيات ، كأن تجبره الظروف على الزواج من أخرى لإنجاب وريث أخر لتلك العائلة العريقة إذا لم تفلح هى فى إنجابه ، وعند تلك الخاطرة اتسعت مقلتيها وظلت تنفض رأسها من تلك الوساوس التى بدأت تنخر فى عقلها دون رحمة أو شفقة ، رغم أنها تعلم خير العلم أن زوجها غير مكترث بإسم عائلته ، حتى وإن كان يقيم هنا فى المنزل ، فالروابط الأسرية بينه وبين باقى أفراد العائلة تحمل فى الغالب طابع الفتور وعدم الإكتراث
لم يقطع سيل أفكارها السلبية إلا خروج راسل من غرفة الثياب ، وجذبها من يدها لتنهض ، كأنه علم بما يدور فى عقلها أو أنه إستطاع قراءة أفكارها ، فقرص وجنتها قائلاً بمداعبة :
– أظن الفيلم اللى كان شغال فى دماغك زمانه خلص ، يلا يا حياء خلينا نروح ناكل
هو الوحيد الذى يستطيع كشف أفكارها بسهولة ، ويستطع أيضاً تهدئة فورانها وثوارنها ، التى لن تفضى فى النهاية إلا لمزيد من الحيرة وتزدحم رأسها بالعديد من التخيلات ، ولا تعلم لما صارت هكذا منذ سماع ما قاله والد زوجها بعفوية بل على النقيض ذكر أنها هى من ستكون أم أحفاده ، وتعلم مكانتها لديه وأنه يكن لها كل الحب والتقدير الذى يكنه لأفراد العائلة ، بل وبأكثر من موطن ذكر أنها ستظل ” حياء النعمانى ” سواء كانت زوجة لولده أم لا ، ولكن هل سيكون هذا تفكيره إذا علم بأنها هى وراسل يواجهان مشكلة فى الإنجاب ، وأن ربما حلها سيستلزم وقتاً لا يستطيع أحد أن يجزم بأنه لن يكون وقت طويل ، فزوجها أخبرها بأن ذلك الأمر يقتصر عليهما فقط ، وأن حياتهما الزوجية بما يدور فيها سواء من مشكلات أو ماشابه تخصهما هما فى المقام الأول ولا يحق لأحد التدخل بشؤنهما الخاصة ، حتى أنه لم يفكر فى أن يخبر خالته وفاء رغم مكانتها لديه وحبه الوافر لها ، فالشئ الوحيد الذى تملكه الآن هو الدعاء لله وأن تتحلى بالصبر وتشحذ قوتها من أجل خوض تلك المعركة المصيرية متسلحة بحب زوجها لها
❈-❈-❈
بعدما تأكد من أن زوجته خلدت للنوم ، أزاح عنه الغطاء الخفيف المتدثران به من برودة مكيف الهواء ، وقبل أن يترك الفراش ، أنحنى إليها وطبع قبلة محبة على جبينها ومن ثم نهض من مكانه واتجه صوب غرفة الثياب ، فخلع عنه ثيابه البيتية وأرتدى قميصاً وبنطالاً وسترة ومن ثم عاد لغرفة النوم وفتح أحد الأدراج وأخذ سلاحه النارى ووضعه فى ذلك الغمد الموضوع أسفل سترته ،وأخذ عمران حريته بالتجول فى غرفته لعلمه بأن زوجته لن تفيق من نومها خاصة بعدما وضع لها فى مشروبها أحد العقاقير المسببة للنوم ، حتى لا تعلم بشأن خروجه أو عودته ، فحرصها على أن يلتزم الراحة ، جعلها لا تسمح له بالخروج إلا إذا جلسا فى حديقة المنزل ، وغير ذلك يجلس فى غرفتهما ولا تدعه يرى أحد سوى شقيقه معتصم ، أو أفراد عائلتها وغير ذلك غير مسموح له حتى بالذهاب إلى عمله ، فإبتسم لتذكره أنها صارت تشبه الأم التى رأت طفلها أصيب بجراح بالغة ، فألزمته المنزل حتى لا يعود ويحدث له ما حدث ، ولا ينكر أنه مستمتعاً لأقصى الحدود بإهتمامها وعنايتها المفرطة به
رآى إنه إذا استمر فى النظر إليها هكذا لن يتحرك قيد أنملة وسيترك شقيقه معتصم ينتظره الليل بأكمله وهو جالساً فى سيارته ، فخرج من الغرفة ومن ثم هبط الدرج حتى وصل للحديقة ووجد معتصم فى انتظاره ، فصعد للسيارة بجواره قائلاً بهدوء :
– يلا بينا يا معتصم
وضع معتصم يده على المقود ولكنه تردد فى قيادة السيارة ، فنظر لعمران قائلاً بإرتياب نابع من خوفه :
– عمران أنت متأكد من المشوار اللى احنا رايحينه ده ما تسيب البوليس يتصرف وبلاش تعرض نفسك للخطر تانى
ربت عمران على ذراع معتصم قائلاً بثقة :
– متقلقش يا معتصم كل خطوة انا حاسبها كويس ، وأنت عارف أنا موتى وسمى حد يستغفلنى ، وده مكنش استغفال ده أنا كنت هروح فيها ، ولازم اعلم ولاد الكلب دول درس عمرهم ما ينسوه ، المهم أنت بلغت الرجالة باللى قولتلك عليه
حرك معتصم رأسه بالايجاب ومن داخله يشعر بالخوف من تهور شقيقه الذى ربما فاق الحد تلك المرة ، فلولا علمه بأن عمران يابس الرأس ولا يترك ثأره من أحد ، لكان فعل المستحيل ومنعه من الخروج والذهاب لذلك المكان حيث يوجد ذلك الرجل الذى حاول قتله
ولكن للمرة الأخيرة قبل أن يعود لقيادة السيارة نظر لشقيقه قائلاً برجاء :
– عمران أرجوك بلاها المشوار ده ، أنا ما صدقت أنك رجعت البيت بالسلامة ليه عايز تجيب المشاكل لنفسك تانى
– لو أنت خايف يا معتصم أنزل من العربية ، أنت برضه عندك مراتك وابنك واللى جاى فى السكة
قال عمران وهو يشير له بالترجل من السيارة ، فنظر إليه معتصم عاقداً حاجبيه قائلاً بتبرم :
– دا على أساس أن حضرتك مش عندك مراتك اللى مصدقت أنها رجعتلك ، مش عارف إيه سبب أنك تجر شكل ناس زى دى دلوقتى وأنت يادوب لسه شامم نفسك بعد اللى جرالك
أسند عمران رأسه لطرف مقعده قائلاً بإصرار :
– حقى ومش هسيبه ، ولازم اتاكد أنهم اختفوا خالص ، انا مش ضامن المرة الجاية مين فيكم اللى يبقى ضحية الناس دى ، فعلشان نرجع نعيش فى أمان يبقى لازم اقطع جدر الشر خالص ومتخافش عليا انا واخد احتياطاتى كلها وكله برضه هيبقى بالقانون
هتف بعبارته الأخيرة غامزًا لشقيقه بعينيه ، فلا أحد قادر على فهم ما يدور بعقله ، ورغم تهوره وجرأته إلا أنه حاد الذكاء وماكرًا وأشاد هو بمكره ودهاءه العديد من المرات خاصة فى العمل
قاد معتصم السيارة بحذر تتبعه تلك السيارة الخاصة بالحرس ، فوصلا على مقربة من ذلك المكان المقصود ، وخرج عمران من سيارة معتصم وأقترب من رجاله بعدما خرجوا من سيارتهم واثنان منهما يمسكان بذلك الرجل الذى يلتفت حوله بذعر ويبدو على وجهه أثار ضرب مبرح ، فعمران لم يهدأ له بال إلا بعدما عثر على أحد الرجلان اللذان حاولا قتله ، وما أن عثر عليه رجاله نال منهم ما لا يرضيه من ضرب وتعذيب مع الحرص على عدم قتله و أن يبقى على قيد الحياة
قبض عمران على مؤخرة عنق ذلك الرجل وهز رأسه بشئ من العنف قائلاً بتهديد :
– هو ده المكان اللى قولتلنا عليه صح ، عارف إنت لو طلعت بتكذب عليا المرة دى قول على نفسك يا رحمن يا رحيم
بكى الرجل وتوسله طويلاً بأن يخلى سبيله :
– أبوس إيدك يا باشا سيبنى أنا عندى عيال
صاح عمران فى وجهه قائلاً بسخط :
– ومفكرتش وأنت بتحاول تقتلنى إن أنا كمان ليا أهل وعيلة ، يلا قدامى من غير كلام
سحب عمران سلاحه النارى ووضعه على أحد جانبى رأس الرجل تهديداً له على إن حاول الهرب سيجد طلقات السلاح أسرع من ركضه
وصلوا أمام ذلك المبنى المؤلف من طابق واحد ، وأمر عمران رجاله بتطويق المكان وتأمينه ، ومن ثم أطلق عدة طلقات نارية على الباب تبعها بركله حتى أنفتح على مصراعيه ، وجد بالداخل ذلك الرجل المكلف بحراسة ليالى ، ويبدو أن الأمر لم يقتصر على حراسته لها ، بل بتلك الآثار الواضحة عليها من ثياب ممزقة وشعر أشعث ووجه غطته علامات زرقاء من كثرة الصفع والضرب
لم يكن الحارس المكلف بحراستها سريع البديهة فى إلتقاط سلاحه الموضوع على الطاولة فى أحد أركان الغرفة ، فأطلق عمران طلقة على كف يده جعلته يصرخ ويتأوه بصوت عالى ، وتولى رجاله بعد ذلك أمره
– ليالى ليالى أنتى سمعانى
نادها بإلحاح لعلها تفتح عينيها المتورمتين وتنظر إليه ، ولكنها وجدت صعوبة فى فتح عيناها ، إلا أنها إبتسمت بوهن ما أن رآته وهتفت بإسمه :
– عمران
أبتلعت لعابها ومن ثم أضافت ودمعاتها تغرق وجهها كالسيل :
– الحمد لله إنك بقيت كويس ، لأن فداك أى حاجة
حاولت أن ترفع جزعها العلوى ولكنها لم تقوى على فعل ذلك ، فأثار الاعتداء الوحشى عليها من ذلك الرجل ، جعلتها عاجزة عن القيام بأى حركة ، فرغم أن ذلك الوغد الذى أمر بإختطافها أفشت له بمكان وجود الألماس مقابل تركها وترك عمران بحاله ، إلا أنه ما أن حصل على مبتغاه أوصى الحارس بأن يزيد فى أفعاله معها حتى تعجز عن الحركة عقاباً لها أنها حاولت خداعه
أخذته الشفقة على حالها المزرى فقال بعطف:
– متخافيش يا ليالى أنا هوديكى المستشفى وهتبقى كويسة إن شاء الله ، بس قوليلى مين هو الراجل اللى اتسبب ليكى فى ده كله
إبتسمت من وسط غمامة الدموع قائلة بعاطفة لم تكنها لأحد غيره :
– ياريت الناس كلها كانت زيك كده ، مكنش فى ست ولا بنت هتتهان ، وهو يبقى راجل بيدير شبكة منافية للأداب وبيشغل البنات فى الشغل الشمال وكل حاجة تخطر على بالك ، بس مبقاش ليالى إلا لو وديته فى داهية ، بس خرجنى من هنا
خلع عمران سترته ووضعها على جسدها لعله يستره خاصة أن ثيابها ممزقة ولا تكفى لسترها ، وناد أحد رجاله وأمره بحملها ليذهبوا بها إلى المشفى ويتم تسليم الرجلان الآخران للشرطة ، حتى تستطيع ليالى الإدلاء بكل المعلومات التى تعلمها عن ذلك الرجل الذى فعل بها كل هذا وحاول قتله ، ورغم إمتعاضه وإستياءه منها ، إلا أنه لم يملك سوى أن يشفق على حالتها التى تجزم أنها كإمرأة عانت من إعتداء وحشى أهدر كرامتها وإستحل جسدها بأبشع الطرق وأسوءها ، فهو إن كان فعل بزوجته ذلك مرة من قبل إلا أن الأمر لم يصل لتلك الحالة التى تعانى منها ليالى وربما ستجعلها تلقى حتفها فى القريب العاجل ، وما أن عاد لسيارة شقيقه وجد الحارس واضعاً ليالى فى المقعد الخلفى ، فأخبر معتصم أن يذهب بهم فوراً إلى مشفى راسل ، فليالى هى التى ستشى بمن يكون ذلك الرجل ، الذى لن يهدأ له بال قبل أن يعثر عليه وينال عقابه بالقانون مثلما خطط هو ، فأولى خطوات خطته كانت إيجاد ليالى ومن ثم تدلى هى بكل ما يتعلق به ، خاصة أن الرجل الأول الذى وقع فى قبضته أقسم له أنه لا يعلم من يكون وربما الحارس الآخر يكون على علم بهويته ، ولكن ليالى هى مفتاح ذلك اللغز ، كونها هى التى كانت بينها وبينه أمور كثيرة لا يعلمها الحارس خاصة ذلك الأمر المتعلق بالألماس ، الذى لا يعلم عمران شيئاً عن سبب إصرار ذلك الرجل أن يحصل عليه
❈-❈-❈
ما أن سمعت بيرى صوت أقدام خارج غرفتها ، وضعت هاتفها أسفل الوسادة ومن ثم تمددت على الفراش لتوهم القادم بأنها نائمة ، فالجميع صاروا يعتنون بها أشد العناية ، وشقيقة زوجها منذ عودتها للمنزل وهى لا تدخر جهداً فى الحرص على راحتها ، بل تعد لها الطعام وتحرص على أن تتناوله بأكمله كما أخبرهما الطبيب بأنها فى حاجة للراحة والاعتناء بها ، ورغم وخز ضميرها لها فى ممارسة تلك الخدعة عليهم ، إلا أنها تطمح فى جنى ثمار خديعتها المتمثلة فى تلك الغنيمة المسماة زوجها ذو القلب القاسى ، الذى كان على وشك قتلها بجهل منه ، ولكنها قررت الاقتصاص منه بدهاء بنات حواء ، وتجعله يشعر بالندم ، بل وستحصل على ما تريده منه ، خرجت من شرودها على وضع شقيقة زوجها تلك المنضدة الصغيرة الموضوع عليها طبق من الحساء الدافئ و طعام صحي من أجل أن تتناولهما قبل أن تأخذ دواءها الذى أوصاها الطبيب أن تتناوله بصورة منتظمة
فرفعت بيرى وجهها لها ونظرت لها بصمت ، بينما وضعت هى الطعام أمامها قائلة بحنان :
– يلا يا بيرى علشان تاكلى ، عبد الرحمن موصينى أنك تاكلى الاكل كله
حركت بيرى رأسها بالرفض ، ولم تفعل شئ سوى أنها راحت تحدق بها تارة وتحدق بالفراغ تارة أخرى ، فإتقانها لدورها بتلك اللعبة والتى تتلخص فى ادعاءها بأنها تعانى من أثار نفسية سيئة أدت لعدم رغبتها فى أن تتحدث مع أحد كأنها فقدت النطق ، جعل الجميع يصدقونها وخاصة زوجها لعلمه بطباعها التى تميل للحزن الشديد إذا واجهت أمراً محزناً
ربتت شقيقة زوجها على ساقها قائلة بإشفاق على حالتها التى تراها :
– إن شاء الله هتبقى كويسة يا حبيبتى ، يلا خلصى أكلك وخدى دواكى وإرتاحى ، وعلى ما تصحى من النوم اشوف ابنى وجوزى واعملهم الأكل ، وأشوف الأكل اللى عملته لعبد الرحمن هو على النار دلوقتى ، وهجيلك تانى
ظلت شقيقة زوجها تلح عليها بهدوء أن تتناول طعامها ، وما أن اطمئنت على أنها أنهت الحساء وأخذت دوائها ، أخذت الاطباق الفارغة للمطبخ لتجليها قبل أن تعود لشقتها ولم تنسى أن تطهو طعام لشقيقها ، إذ أن زوجته لن يكون فى مقدورها أن تعده له
ما أن أنتهت وهمت بالخروج من الشقة تقابلت مع حياء ، التى يبدو عليها أنها كانت على وشك دق الباب ، فإبتسمت لها وأخبرتها بأن بيرى فى غرفتها ، فولجت حياء لداخل الشقة وذهبت هى لشقتها
دلفت حياء لغرفة نوم بيرى ، فضحكت بصوت عالى قائلة بتفكه :
– أنتى استحليتى الموضوع ولا إيه يا ست إنتى ، وأخرتها إيه بقى فى حوارك ده ، معقولة جوزك لسه مكتشفش الملعوب بتاعك ده
جلست بيرى فى فراشها ففركت يديها وقالت بحماس:
–ياااه لو اعرف أن الموضوع ده هيخليه كده ، كنت عملت كده من أول يوم فى جوازنا ، اسكتى يا حياء دا عبد الرحمن دلوقتى مش عارف يعملى ايه ولا ايه ، شايلنى على كفوف الراحة
جلست حياء قبالتها على الفراش ولوت ثغرها قائلة بصراحة :
– ولو عرف اللى بتعمليه فيه هيشيلك على نقالة يا حلوة
حكت بيرى جانب وجهها وقالت كأنها تفكر :
– تصدقى ممكن يعملها ، وخصوصاً أنه بيقلب زى العاصفة ، بس مش مهم ، المهم اشوفلى معاه يومين حلوين قبل ما أموت
ضحكت بصوت عالى ما أن أنتهت من قولها ، وشاركتها حياء الضحك وظلتا تتسامران حتى سمعتا صوت حمحمة قوية قادمة من الصالة ويبدو أن عبد الرحمن قد عاد
فنهضت حياء عن الفراش وقالت بصوت منخفض ضاحك وهى تضع حقيبتها على كتفها :
– شكل جوزك جه برا أنا همشى دلوقتى ، بس متقليش العيار أوى للمرة دى يتصلوا عليا من المشرحة ويقلولى تعالى استلمى الجثة ، مصيبة ليكون سمعك وأنتى بتتكلمى وبتضحكى دلوقتى
لم تمنع بيرى نفسها من أن تبتسم على قول حياء ، وما أن خرجت من الشقة ، وجدت زوجها يلج الغرفة وينظر لها بهدوء وقسمات وجهه لا تنم على شئ ، فجلس قبالتها متسائلاً:
– عاملة إيه دلوقتى يا حبيبتى كويسة ؟ نفسى تردى عليا وأسمع صوتك تانى وحشنى
تبع قوله بأن راحت أنامله تداعب وجنتها ، حتى أعجزتها عن إلتقاط أنفاسها بإنتظام بعد سريان تلك الرجفة بها من مداعبته الغير منتظرة ، فإزدردت لعابها وتعالت وتيرة أنفاسها اللاهثة ، وألجمت لسانها حتى لا تفسد خطتها أمام مداعبة لطيفة جاءتها فى غير وقتها
قبل جبينها وإستأنف حديثه :
– أنا اخدتلك حقك من الكلب اللى اتسبب فى ده كله
أقترب أكثر وراح يعانقها بحنان ، وبادلته عناقه بلهفة متناسية خطتها ، حتى قطع هو العناق بينهما قائلاً بأسف :
– أنا أسف يا بيرى ، شكلى نسيت إنك تعبانة وفى حالتك دى ممكن تخافى منى
أسرعت بيرى بالرد قائلة بشوق :
– لاء أنا مش خايفة منك ، أنت جوزى وحبيبى يا عبد الرحمن
أدركت حماقتها ما أن أنتهت من قول عبارتها ، فقطب زوجها جبينه قائلاً :
– بيرى أنتى رجعتى تتكلمى تانى
ابتلعت لعابها وفركت يديها وردت قائلة بتوتر :
– أنا مكنتش حابة اتكلم مع أى حد ولا معاك لأن أنت خلاص باين عليك أنك مش عايزنى فى حياتك ، وأنت عارف لما نفسيتى بتتأثر وبزعل بعتزل كل اللى حواليا
أدنى عبد الرحمن برأسه منها وهمس فى أذنها :
– أنا عمرى ما اتمنيت حاجة فى حياتى قد ما اتمنيتك أنتى يا بيرى ، بس الوجع صعب
هزت رأسها بقوة ، كأنها على ثقة ويقين بما يقوله ، فرفعت يديها وحطت بهما على ظهره وقالت بغصة :
– عارفة إن وجعك صعب بس أنا مليش ذنب
– عارف والله أنه مش ذنبك ولا ذنبى ، بس شعور العجز وحش أوى أوى ، حتى مش قادر أطلب منك دلوقتى إن إحنا نبدأ حياتنا من جديد ، أنا فعلاً عايزك حبيبتى ومراتى ودنيتى كلها ، وإن…
بدا حائراً ومتردداً فى قول ما لديه ، كأنه يخشى أن يقدم على الأمر ويعود عليها بمردود سلبى
إلا أنها فطنت لما يريده و قطعت حيرته بأن وهبته موافقتها الكاملة والتامة على ما يمكن أن يحدث بينهما ، وأنها تريد خوض التجربة ، فهما لن يخسران شيئاً كونهما زوجان فى الأصل وهذا أمر فطرى وطبيعى بينهما ، ولكنها أرادت أن يكون وصالهما الأول مميزاً ، فطلبت منه أن يمنحها عدة دقائق حتى تكون فى أبهى زينة لها ، وما أن خرج من الغرفة ليمنحها حريتها فى إرتداء ما تشتهى من الثياب ، أخرجت ذلك الثوب الذى أبقت عليه من أجل تلك اللحظة ، وبعد أن أرتدته وضعت عطرها على معصميها وخلف أذنيها
ترددت قليلاً فى مناداته ، إلا أنها حسمت أمرها ونادت بصوت مرتفع قليلاً:
– عبد الرحمن
ولج الغرفة قائلاً بإبتسامة :
– نعم يا حبيبتى
خفق قلبها بشدة ولم تجرأ على أن تفه بكلمة أخرى ، فتركت لحدسه تخمين ما تريد قوله ، فراحت ترتجف دون إرادة ، ولكنه سار نحوها كأنه منوم مغناطيسياً ، ولكن إزداد وجهها شحوباً ما أن تشابكت أيديهما سوياً ،
إلتعمت عينا عبد الرحمن ببريق أخاذ وهو يقول بصوت متهدج من كثرة إختلاج الشوق بقلبه :
– أه لو تعرفى يا بيرى تأثيرك عليا عامل إزاى ، من أول مرة شوفتك فيها وأنتى أسرتينى ومتمنتش حاجة غير أنك تكونى ليا ، أنا بحبك يا بيرى
طار صوابها ما أن سمعت منه عبارة الحب ، التى لم تسمعها منه منذ أخر مرة تقابلا بها قبل فراقهما أعواماً ، فأغمضت عينيها وتهدج صوتها وهى تقول بهمس قادر على إشعال قلبه :
– لو بتحبنى أوى كده متسبنيش ولا تتخلى عنى يا حبيبى
قال وهو يتنهد بعمق :
– أنا مش بحبك بس يا بيرى أنا بعشقك
حدقت فيه بعينين غائمتين ساحرتين :
– وإيه كمان يا عبد الرحمن قول وأنا سمعاك
لم يستطع الإجابة على الفور ، بل شعر بغصة خانقة فى حنجرته منعت عليه حتى التنفس ، ثم قال بعد لحظات :
– عارف إن قسيت عليكى ، وكمان إنتى اتأذيتى ووصلتى للحالة اللى كنتى فيها بسببى ، بس غصب عنى يا حبيبتى سامحينى
ردت بيرى بلطف ونبرة خافتة هامسة :
– مسمحاك يا حبيبى ، أنت اللى المفروض تسامحنى
ألتقت عينيها بعيناه فى عناق حار يحمل فى طياته كل معانى الحب ، كأنها نسيت مخططها ويبدو أنه هو الآخر لم ينتبه على عبارتها التى توحى بمدى شعورها بالذنب ، ولكن يبدو أن صوت القلوب علا على أى صوت أخر ، وبدأت الحياة بينهما جميلة ومليئة بالعواطف والمشاعر الرائعة ، وعندما إستيقظت بيرى متأخرة فى صباح اليوم التالى ، وجدت نفسها وحيدة فى الفراش ، وأحست بالوحدة والفراغ لغياب زوجها ، وراحت تتساءل عن السبب الذى جعله يتركها وحدها ، إنها مشتاقة إليه وها هى تتحسس الوسادة والغطاء حيث كان يرقد قبل قليل ،وكأن مكانه مازال دافئاً ، نادته ولكن ليس هناك من مجيب على نداءها ، ففكرت أن تتصل به هاتفياً على الفور ، وتعترف له بإشتياقها ، فالعواطف كانت تجتاحها وتدفعها إلى التفكير فى تلك اللحظات الرائعة التى قضاها معاً ، تمطت فى سريرها بإرتياح وهى تتذكر تفاصيل الليلة الماضية ، ورغم تحفظه معها فى البداية ، إلا أنه تحول إلى اللطف والحنان فور سقوط الحواجز بينهما ، وهى الآن تريده معها بإستمرار وستظل تريده حتى يتوقف قلبها عن الخفقان ، فهما لم يعودا شخصين غريبين بل صارا روحاً وقلباً واحداً ، وتريد أن تخبره أنها تحبه وأنها سعيدة بأن صارت له زوجة وقد تجلت سعادتها فى تلك الابتسامات المشرقة التى لم تفارق شفتيها منذ إستيقاظها من نومها ، وباتت نفسها مطمئنة إلى حب زوجها وتعلقه بها ومدى سعادته بأن ظفر بها زوجة
❈-❈-❈
ساور حياء القلق حول عدم اتصال شقيقها بها منذ أن رآته أخر مرة ، فربما انشغالها بالاحداث التى حدثت مؤخراً بينها وبين زوجها ، جعلها تغفل عن أن ديفيد لم يكلف نفسه عناء الاتصال بها مرة واحدة منذ أخبرها بشأن سفره الذى إمتدد الآن لما يقرب من شهر ، ولكن رغبتها فى رؤيته قبل سفرها للأراضى المقدسة ، جعلها تقود سيارتها فى اتجاه منزل عائلتها ، وأخبرت راسل بأنها ستقوم بزيارة شقيقها لعله عاد من سفره وتريد وداعه قبل سفرهما ، ورغم علمها بإستياء زوجها من ديفيد ، إلا أنه لم يمنعها من أن تقوم بواجبها تجاه شقيقها ، فذلك أحد الأسباب التى تجعلها تعشقه حد النخاع ، من أنه رغم ما لقاه من بعض الأفراد حوله ، إلا أنه لا يحمل أحد أخر ذنب لم يقترفه وخير دليل على ذلك إبنته سجود والتى لم يفكر مطلقاً فى أن تحمل وزر والدتها اللعينة ، حاولت الإتصال بديفيد قبل وصولها للمنزل ، إلا أنها لم تحصل على رد منه ، وهذا ما زاد فى قلقها وخوفها من أن يكون حدث له مكروه ، فرغم اختلافاتهما فى بعض الأمور ، إلا أنه يظل شقيقها فى النهاية
ضربت بيدها على مقود السيارة قائلة بتبرم :
– رد بقى يا ديفيد قلقتنى
ولكن لا من مجيب ، وما أن وجدت نفسها أمام المنزل ، ضغط زمور السيارة ليفتح لها الحارس ، وما أن علم بهويتها فتح لها البوابة الكبيرة ، فنظرت إليه حياء من نافذة السيارة وتساءلت:
– هو ديفيد جوا ولا لسه مسافر
اجابها الحارس بعفوية وهو يشير للبيت :
– ديفيد بيه رجع من كام اسبوع يا هانم
عقدت حياء حاجبيها بدهشة ، إلا أنها لم تحاول سؤال الحارس مرة أخرى ، بل أكملت طريقها حتى وصلت للباب الداخلى للمنزل
خرجت من السيارة وبعد استقبال احدى الخادمات لها تساءلت حياء وهى تتجه صوب غرفة المكتب :
– هو ديفيد فى مكتبه ولا فين
توترت الخادمة من سؤال حياء لتشديد ديفيد على ألا يتفوه أحد بكلمة حول عودته مصطحباً فتاة يقول عنها أنها زوجته ، ولا يعلم احد عنها شئ سوى مارجريت ، فتنفست الخادمة براحة وهى تراه يهبط الدرج ، قبل أن تعطى جواباً لحياء على سؤالها
رغم ما يلاقيه بتلك الأونة إلا أنه ابتهج برؤية شقيقته ، وأقترب منها مقبلاً لرأسها قائلاً بحنان :
– حبيبتى أنتى هنا من أمتى
حدقت به حياء بتركيز وقالت بإستياء طفيف :
– لسه جاية دلوقتى وحضرتك مش بترد عليا وبقالك فترة مختفى ومعرفش عنك حاجة ، هو ايه اللى حصل مخليك كده زى ما تكون بتتهرب منى
أبتلع ديفيد لعابه قائلاً بمرح زائف :
– هتهرب منك ليه يا حياء ، كان عندى شغل كتير وأنا قولتلك مسافر علشان أصفى شغلى واستقر هنا فى اسكندرية ، فطبيعى أن أتأخر على ما أرجع
– مش عارفة ليه مش مرتحالك وحاسة أن وراك مصيبة
قالت حياء دون مواربة ، فذلك الشعور المتزايد بداخلها من أن شقيقها يخفى عنها أمرًا ، بدأ يجعلها تشعر بالانزعاج خشية أن يكون هناك شئ ليس بالهين وهذا ما يجعله يتصرف على هذا النحو الغريب
إطمئنانه بأنه أودع ياسمين فى غرفة بذلك الجزء المغلق من المنزل والذى لم يكن يسكنه أحد سوى مارجريت عندما كان ادريانو على قيد الحياة ، جعله يشعر بخطر أقل من أن شقيقته بإمكانها إكتشاف ما يخفيه عنها
فأخذها معه لغرفة المعيشة وحاول التصرف بهدوء حتى تمر جلستهما بسلام ، وما أن اخبرته بأنها على وشك السفر للأراضى المقدسة وتريده أن يتخذ تلك الخطوة الجدية خاصة بعد أن أعلن إسلامه ، فأعطاها وعد بأنه سيفكر فى الأمر
تنفس الصعداء ما أن سمع رنين هاتفها ويبدو أن زوجها يريدها فى المنزل ، لذلك أسرعت فى الذهاب وقام بتوصيلها لسيارتها ، وما أن غادرت ذهب لزوجته حبيسة الغرفة المقيمة بها
وجد الخادمة بصدد الدخول إليها بالطعام ، فأخذه منها وصرفها على الفور وهو يقول بأمر:
– روحى أنتى وأنا هدخلها الأكل ، وخلى حد من الحرس يخرج العربية من الجراچ علشان أنا خارج
أماءت الخادمة برأسها احتراماً لرب عملها ومن ثم ذهبت لتنفيذ ما طلبه منها
فتح ديفيد الباب بالمفتاح الذى بحوزته دائماً وولج للداخل ، وجدها تقف أمام النافذة عاقدة ذراعيها وتنظر للسماء ، كأنها فى إنتظار الخلاص الذى سيأتيها من العدم
أحست بخطواته ووضعه لصينية الطعام على المنضدة ، إلا أنها لم تفكر فى أن تستدير إليه ، فسمعته يناديها بلطف:
– ياسمين تعالى علشان تاكلى
كزت على أسنانها وقالت دون أن تنظر إليه :
– خد أكلك وأخرج من الأوضة ، لأن مش طايقة النفس اللى بتنفسه معاك فى مكان واحد
رغم أنها لم تكف عن أقوالها تلك منذ ما حدث ، إلا أنه يمارس أقصى درجات ضبط النفس حتى لا يتصرف وفق لميوله الجنونية والتى تتسم بنفاذ الصبر ، فأقترب منها ووضع يديه على كتفيها قائلاً بهدوء :
– مش هيفيدك بحاجة أنك أوقات بتعملى اضراب عن الأكل ، كده غلط على صحتك ، أنتى عايزة الدكتورة تجيلك تانى وتعلقلك محاليل من قلة أكلك
إنكمشت إثر لمسته فقالت بيأس وبكاء :
– ياريتنى أموت علشان أرتاح ومشوفش وشك تانى
جعلها تستدير إليه فهز جسدها بشئ من العنف والقسوة وهو يقول بغضب شديد :
– أنتى مش هتموتى فاهمة مش هتموتى وتسيبينى مش هسمحلك
نفضت يديه عنها ولا تعلم من أين جاءتها تلك القوة التى جعلتها تدفعه عنها حتى كاد يترنح فى وقفته فصاحت فى وجهه بجماع صوتها :
– أنت ميييين أنت علشان تسمح ولا متسمحش ، صفتك ايه أصلا ً بالنسبة ليا ، جوزى اللى معرفهوش ، ولا شبح الشاب اللى حسيت فى وقت أن قلبى مال ليه ، اخرج برا براااااا
ظلت تصرخ وتصيح لعله يخرج ويتركها بحالها ، خاصة أنها كلما تتذكر تلك العواطف التى ساهم بإحياءها داخل قلبها عندما أدعى أنه ” تميم ” تشعر بأنها أثمة لإعجابها به
– خلاص إهدى أنا خارج
قالها ديفيد وخرج من الغرفة ولكن يبدو عليه أنه لم ينتبه على إعترافها الذى قالته بسخط عارم بشأن إعجابها به عندما كانت تظنه شخص أخر غير ذلك الذى تراه أمامها الآن
بعد مرور بضعة أيام نهضت ياسمين من فراشها وركضت للمرحاض ، بعد أن شعرت بتلك الحالة من الغثيان التى داهمتها هذا الصباح ، وظلت تفرغ ما بمعدتها حتى صارت تتأوه بصوت منخفض من شعورها بالألم الناتج عن كثرة تقيئها ، ولا تعلم ما الذى دهاها اليوم ، ففتحت صنبور الماء وهى مازالت منحنية الظهر ، كأن أمر إستقامتها بوقتها سيتسبب لها فى مزيد من الألم ، ظلت ترشق وجهها بالماء ، لعلها تدرء عنها ذلك الدوار ، الذى بدأ يعيث فى رأسها وربما ستسقط مغشياً عليها بين فينة وأخرى ، ولكن لم تكن الماء ذات فائدة ، إذ لم تستطع تفادى تلك الحالة من فقدان الوعى ، فسقطت وهى لا حول لها ولا قوة دون حراك ، وديفيد الذى ولج الغرفة حاملاً لها الطعام الذى تمتنع أحياناً عن تناوله ، سكنه الخوف ما أن وجد الفراش خالى من وجودها ، فوضع الصينية من يده وبحث عنها أولاً فى الشرفة وغرفة الثياب ومن ثم ذهب للمرحاض ، فوجدها متسطحة أرضاً ولا تأتى بأى حركة ، فقبض الخوف على فؤاده من أن يكون أصابها مكروه من عدم تناولها للكميات الكافية من الطعام
حملها من على الأرض وخرج من المرحاض ثم وضعها فى الفراش وخرج مهرولاً يصيح فى رجاله بأن يأتوا له بطبيبة على وجه السرعة ، وما أن أسرع الرجال فى تنفيذ أمره ، عاد للغرفة وحاول إفاقتها لحين مجئ الطبيبة ، وأول ما تبادر لذهنه بأن يجعلها تستنشق عطراً لعله يساهم فى إعادة وعيها المسلوب
وضع العطر على باطن يده ومن ثم قربه من أنفها وهو يقول بخوف شديد:
– ياسمين ياسمين يا حبيبتى فوقى مالك
ربت على وجنتها برفق وحاول تدليك كفيها الخاليان من الدفء وتمتلكهما حالة من البرودة كأن دماءها لم تعد تضخ فى جسدها ، وكلما تبوء محاولته فى إفاقتها بالفشل ، يعود ويصرخ بجنون :
– ياسمين فوووقى ردى عليا
كاد يفقد عقله وهو فى إنتظار مجئ الطبيبة ، فلولا خشيته من أن يذهب بها للمشفى ، لكان فعل على الفور دون تردد ، ولكن خروجها من هنا ، ربما سيكون الخطوة الأولى لعدم عودتها ثانية لمنزله ، فهو حرص على جعل المنزل كالقلعة الحصينة حيث لا يدخل أحد أو يخرج دون علمه ، ولم يتخذ تلك الإجراءات المشددة إلا بعد علمه بأن عمرو حاول إقتحام المنزل من أجل أخذها وإعادتها لأسرتها
أخذ هاتفه واجرى اتصاله بأحد رجاله وصرخ بجنون :
– فين الدكتورة اللى قولتلك تجيبها بسرعة ، حالاً تكونوا عندى انتوا فاهمين وإلا هخلص عليكم كلكم
لم يكد يمر خمسة عشر دقيقة أخرى ، حتى وجد طبيبة شابة تلج الغرفة وهى تنظر حولها بفزع وذعر ، بعد أن جلبها الرجال بطريقة أشبه بالخطف ، فجذبها ديفيد من ذراعها وقربها من الفراش قائلاً بأمر :
– شوفيها هى مغمى عليها ليه ومش بتفوق
جحظت عينىّ الطبيبة وهى تحملق فى وجهه تشعر بالخوف ، فإرتعدت ما أن صرخ فى وجهها وهو يقول بنفاذ صبر:
– هو أنتى لسه هتبصيلى شوفى شغلك
بدأت الطبيبة فى فحص ياسمين ، وما أن أنتهت من فحصها نظرت لديفيد قائلة بمهنية :
– هى المدام حامل بس لازم تروح المستشفى دى باين عليها عندها ضعف شديد هى مكنتش بتاكل كويس
لم يستمع ديفيد إلا لشق عبارتها الأول والذى حمل له نبأ بأن زوجته صارت حاملة لطفله ، فغر فاه إذ لم يضع بباله أن يحدث ذلك من ليلة واحدة قضتها معه كزوجة له ، فرمق الطبيبة قائلاً بما يشبه الذهول:
– حامل ! ياسمين حامل ، أنتى متأكدة من كلامك ده
هزت الطبيبة رأسها وهى متعجبة من رد فعله ، كأنه لا يصدقها ، إلا أنها عادت لتتلو عليه قولها مرة أخرى :
– أيوة حضرتك المدام حامل وفعلاً لازم تروح المستشفى وإلا كده هيبقى فى خطر على حياتها وحياة الجنين
رفع ديفيد سبابته قائلاً بتحذير :
– هى مش لازم يحصلها حاجة ولازم هى وابنى يبقوا كويسين ، شوفى محتاجة ايه وانا هجبلها كل حاجة فى البيت هنا ، حتى لو حولتلها البيت مستشفى
بعدما زفرت الطبيبة بيأس من إقناع بضرورة ذهاب زوجته إلى المشفى ، قامت بتدوين ما تحتاجه من عقاقير طبية وأخبرته بضرورة إحضارها ، فأسرع فى إرسال رجاله لجلبها على الفور
بعد مرور بعض الوقت ، أنتهت الطبيبة من وضع المحلول المغذى لها ، وأوصته بأن يجعل من يقيم معها بشكل دائم حتى تستعيد عافيتها ، لأنها بحاجة للمساعدة وللرفقة أيضاً
– بابا ، ماما
بدأت ياسمين فى إستعادة وعيها ، وظلت تحرك رأسها ببطئ على الوسادة وشفتيها الجافتين لا تنفك عن مناداة والديها ، فنظرت إليه الطبيبة بشك ، خاصة أن حالتها توحى بأنه ربما قام بإختطافها عنوة ، لذلك ما أن أنتهى المحلول واستعادت ياسمين وعيها بشكل كامل ، أمرها بالرحيل ولم ينسى تهديدها إنها إذا حاولت أن تبوح لأحد بالأمر سيقتلها على الفور ، فلملمت الطبيبة أدواتها ومن ثم غادرت وهى تشعر بالشفقة على تلك المسكينة والتى يبدو عليها أنها فى حاجة ماسة إلى والديها
ما أن صارا بمفردهما فى الغرفة ، ووجدته ياسمين يجلس بجوارها على طرف الفراش ، نأت بجسدها عنه وظلت تنظر إليه بمقت شديد ، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يأخذ أحد كفيها بين راحتيه يقبلها بلهفة عاشق قائلاً بسعادة لم يستطيع إخفاءها بنبرة صوته :
– مبروك يا حبيبتى هنبقى بابى ومامى بعد كام شهر ، أنتى حامل يا ياسمين ، يعنى هيبقى عندى إبن منك يا حبيبتى ، دا أجمل خبر سمعته فى حياتى
وكأنه ألقى عليها نبأ وفاة وليس أنه أخبرها بأنها تحمل طفلاً فى أحشاءها الآن ، فظلت تصرخ وتبكى رغم وهنها البادى على وجهها وجسدها :
– دا أسوء خبر أنا سمعته ، إزاى ده حصل ، وازاى اشيل طفل منك أنت إزااااااى
ربما صار الحراس فى الخارج يسمعون صوت صراخها ، فحاول ديفيد أن يجعلها تكف عن الصراخ ، الذى لن يكون ذو فائدة بل على النقيض سيجعلها تشعر بالتعب والإرهاق ، فهتف بها برجاء وتوسل :
– إهدى يا حبيبتى أبوس إيدك ، كده غلط عليكى أنتى والبيبى ، أنتى تعبانة ولازم ترتاحى يا ياسمين
أغمضت ياسمين عينيها وزخات من الدموع تفر من بين أجفانها فقالت بصوت نائح :
– عايزنى أهدى وأرتاح وأنا دلوقتى بقيت شايلة بذرة من شيطان زيك ، يعنى هخلف شيطان شيطاااان فاهم يعنى إيه ، أنا لازم أخلص منه ، مش ممكن أكون أم لطفل منك أنت
– للدرجة دى أنتى شيفانى شيطان
قال ديفيد بدهشة رغم أنه سمع صفة ونعت الشيطان له من أفواه كُثر ، إلا أنها منها مزقت شيئاً بداخله
فردت ياسمين بتوكيد على صحة ما سمعه منها :
– معقولة أنت مش عارف نفسك وأن كل تصرفاتك دى تصرفات شياطين لما تضحك عليا وتتجوزنى ودلوقتى بقيت حامل فى طفل يعتبر جه من الحرام
ترك يدها على الفور ، وهب واقفاً كأنه ممسوس ، ولم يفعل شئ سوى أنه راح يحدق فى وجهها بصمت ونظرات زائغة ، ودون أن يفه بكلمة ترك الغرفة وخرج ، وذهب لغرفة مكتبه وظل بها وقتاً طويلاً
حاولت ياسمين أن تعتدل فى فراشها بصعوبة ، ولكنها نجحت فى الأخير بأن تجلس مستندة على الوسائد خلفها وهى باكية وتفكر فى مستقبل طفلها الذى لم يرى النور بعد ، ولكن وجدت باب الغرفة يُفتح وتلج منه مارجريت بمشيتها البطيئة ووجهها المجعد من أثر المشيب ، ولم يستطع جسدها إيقاف تلك الرجفات ما أن رآتها ، فمنذ أن أتى بها ديفيد لهنا ورآتها فى المرة الأولى خافت من نظراتها التى كأنها سهام تكاد تنفذ إلى أعماقها
خطت خطواتها المتمهلة حتى وصلت إلى جوار الفراش ، وإبتسمت على نحو غريب قائلة وعيناها تنظر لبطن ياسمين :
– عرفت إنك حامل يا ياسمين يعنى هتجيبى حفيد جديد لعيلة إسكندر شمعون
ما أن سمعت ياسمين كنية تلك العائلة التى من المفترض أن يحملها إبنها فى المستقبل عادت تبكى وتنوح ، فجلست مارجريت على المقعد القريب من السرير وهى تقول بحزم :
– بطلى عياط ، لأن عياطك مش هيفيدك بحاجة ، أنا كان نفسى ديفيد يتجوز واحدة مننا وهى اللى تخلف له وريثه ، بس قلبه حبك أنتى ولعنة عشقك استولت عليه ، أكيد مكنتش حابة أن الوريث الجديد للعيلة تكون أمه مسلمة ، بس مش مهم لأن الولد هيشيل إسم أبوه وعيلته ، فأحسن ليكى أنك تتقبلى الأمر الواقع ، لأن مهما عملتى ديفيد مش هسيبك ولا يسيب إبنه
– وأنا مستحيل إبنى يبقى منكم
وضعت ياسمين يداها تلقائياً على بطنها كأنها تحمى طفلها من سموم أقوال تلك المرأة والتى يبدو عليها أنها لا تكن لها أى محبة بل أنها مستاءة أشد الاستياء من كونها زوجة لديفيد
ضحكت مارجريت وقالت بلهجة المنتصرة :
– بس هيبقى مننا يا ياسمين ومش بمزاجك لاء غصب عنك ومش هتقدرى تعملى حاجة
صرخت ياسمين ووجهها صار محتقناً بدماء غضبها :
– مش هيحصل مستحيل ، حتى لو هيكون أخر يوم فى عمرى ابنى مش هيبقى يهودى فاهمة مش هيبقى يهودى
عاد ديفيد للغرفة للإطمئنان عليها يصطحب معه الخادمة التى تحمل الطعام لزوجته واوصاها بالإعتناء بها ، فسمع صوت صراخها وأخبر الخادمة بأن تنتظره قليلاً فى الخارج
فولج على الفور متسائلاً عن سبب صياحها وصراخها :
– فى إيه بتصرخى ليه كده ؟
نظر لمارجريت مستأنفاً حديثه:
– حصل إيه يا مارجريت ؟
هزت كتفيها كأنها لا تعلم ما أصابها ، فقالت وهى تقترب منه ويبدو أن بنيتها الخروج من الغرفة :
– مش عارفة مراتك مالها عصبية ليه كده ده كله علشان جيت اباركلها على الحمل ، أنا هروح أوضتى أرتاح
خرجت مارجريت ، وأقترب منها محاولاً الإستفسار عن ذلك الحديث الذى دار بينهما ، فوجدها تحدق فى وجهه قائلة بسخط ودموع :
– الست دى مش عايزة أشوفها تانى ، ولا عايزة أشوف وشك أنت كمان ، أنا بكرهك بكرهك منك لله ، وزى ما قولتلك الطفل ده أنا هخلص منه ، هعمل المستحيل علشان ميبقاش ليا ابن ولا بنت منك
إنحنى إليها وقبض على ذراعها قائلاً بإصرار :
– مش هخليكى تخلصى منه يا ياسمين ، ابنى هيعيش فاهمة يعنى إيه ، هيعيش غصب عنك
نظرت إليه دامعة العينين وتمتمت :
– أنا بكرهك يا ديفيد
فإن كان غضبها وحديثها الساخط معه منذ علمها حقيقته لم يؤثر به ، إلا أنها ما أن نطقت بكلمة الكراهية ، وجد قدميه تبتعد لا إرادياً عن الفراش ، وفكر أن من الأفضل له ولها أن يترك المنزل لبضعة أيام ، لعلها تهدأ وتكون أكثر حكمة فى نطق كلماتها التى صارت أشد وقعاً من وابل الطلقات النارية ، وجاء تفكيره هذا أيضاً بعد تلقيه الأوامر بشأن إجتماع ضرورى يجب أن يكون أحد اعضاءه ، وبالفعل فى اليوم التالى كان مغادراً على متن تلك الطائرة التى كانت وجهتها إيطاليا حيث عودته دائماً عندما يضيق الخناق عليه ، ولكن كل مرة كان يفعل ذلك كان يجد السلوى بين أذرع الحسناوات اللواتى كان يتناوب على إصطحابهن لمتعته الخاصة ، ولكن تلك المرة لم يستطع أن ينظر فى وجه أى إمرأة ، وما أن أنتهى عمله واجتماعه أشترى بعض الهدايا ولم ينتظر يوماً أخر ، بل عاد إلى الاسكندرية على جناح السرعة
عاد إلى المنزل بعد غياب قرابة خمسة أيام ، تسوقه قدميه بلهفة وشوق لأن يصل لغرفتها ليراها ، فلولا سفره المفاجئ لما كان تركها وهى تعانى تلك الوحدة والغربة حتى وإن كان قريباً منها ، وكلما يتذكر شحوبها وضعف بنيتها الذى يزداد يوماً عن أخر ، لإمتناعها أحياناً عن تناول الطعام ، يزداد معه شعوره بتأنيب ضميره لكونه يآسرها بمنزله ولا يتركها ترى شيئاً خارج نطاق ذلك المنزل العتيق
تحسس جيب بنطاله ليتأكد من وجود ذلك السوار الماسى الذى إبتاعه من أجلها ، لعلها تبتهج بهديته لها ، أو ربما يرى بعينيها ما يدفع عمره ثمناً ويراه وهى أن تكون إشتاقته وإفتقدته خلال تلك الأيام التى غاب بها عنها وعن المنزل
فتح باب الغرفة وجالت عيناه بأرجاءها كافة ولكنه لم يجد لها آثراً فدب القلق بقلبه وناداها بلهفة :
– ياسمين ياسمين أنتى فين
إنتفضت من مكانها ما أن سمعت صوته وهى جالسة فى الشرفة ، وتمنت لو كانت الخادمة هنا لعلها تساهم فى صرف خوفها ، ولكنها ذهبت لقضاء بعض حوائجها ، فراح جسدها يرتجف وعيناها تدمعان رغماً عنها كأن جلادها قد عاد ، رغم أنه لم يسئ إليها يوماً ولكن يكفيها أنه خدعها وعلمت أنه يهودى الديانة
تراجعت بخطواتها حتى إصطدمت بسور الشرفة الذى لم يكن مرتفعاً كفاية لأن تستند عليه بظهرها ، فبديهياً نظرت للأسفل ، وهى تتخيل أن حدوث أى خطأ منها ستقع ويدق عنقها على الفور
فآثناء إلتصاقها بسور الشرفة وإنحناءها وهى تنظر للأسفل ظن ديفيد أنها بصدد التفكير بالإنتحار ، فصرخ وهو يقترب منها جاذباً إياها إليه قائلاً بخوف :
– ياسمين إنتى بتعملى إيه أنتى عايزة تنتحرى
صار شعورها بالغثيان لا يطاق خاصة بعدما عبق بأنفها رائحة عطره المختلطة برائحة الخمر والتى علمت أنه يحتسيها بشراهة ، فدفعته عنها قائلة بإشمئزاز :
– أبعد عنى ريحتك مقرفة ، وأنا مش غبية علشان أنتحر وأغضب ربنا ، كفاية غضبه عليا أن بقت مراتك يا ديفيد
أمسكها من ذراعيها وكز على أسنانه قائلاً بإبتسامة صفراء ماكرة :
– حتى لو كنتى بتكرهينى يا ياسمين ، بس أكيد هتحبى أبننا ولا بنتنا اللى فى بطنك ، يعنى البيبى ده هو اللى هيربطنا ببعض أكتر
تبع حديثه بأن ترك ذراعها وراح يمسد بيده على بطنها ، كأنه يتأكد من وجود ذلك الرابط الذى لن يجعلها تتخلص منه بسهولة كونه لن يتركها ويترك طفله منها
إلا أنها أزاحت يده عنها وأنهمرت دموعها وهى تقول بغصة و صوت متحشرج :
– خلاص مبقاش فى بيبى يا ديفيد ، علشان أنا أجهضته ، لأن مستحيل يبقى ليا إبن ولا بنت منك ، وأنا قولتلك إن هخلص منه ، لأن مكنتش هسيب خطيئتك تكبر جوايا
،❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى