روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثاني عشر 12 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثاني عشر 12 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني عشر

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الثاني عشر

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الثانية عشر

١٢– ” بقايا طفولة مجهولة ”
لم يكن من العسير عليه بمكان ، أن ينزوى بأحد أركان الصالة ، ليتجنب الدعس على الزجاج الذى ملأ الأرض متحطماً نتاج هياجه وغضبه المفرغ به ، غرز يده بين خصلاته البنية الداكنة ، وراح يعيث بها فساداً وشداً من حين لأخر ، فكأن عقله أنشطر نصفين ، يتصارعان فيما بينما ، على أى كفة ستكون هى الراجحة ، فبعد أن أدلى نصر بإقتراحه له ، بأن يتزوجها ويجنى من خلفها المال كتعويض عن خسارته لمال عرفان ، وهو كأنه يقف على مفترق طرق ، فهو لا ينكر أنه بعض الأحيان كان يستحب أن تصير حياء له زوجة ، فمن يمكن مقاومة براءة وجهها أو طيبتها وخاصة عندما كان يستحال بياض وجهها للون القانى ، فهو بالأخير رجل بإمكان أنثى أن تفتنه ، تجعله يضعها بتلك المنزلة والمكانة من قلوب الرجال
فصاح محتجاً على ما قاله شقيقه وهو يقول :
– لاء يا نصر لااااء والف لاء كمان لو مال الدنيا كله هاخده عن طريق حياء بالشكل ده مش عايزه
رفع نصر حاجبه الأيسر بغرابة من قول نادر ، فمنذ متى وشقيقه يميل بقلبه لأحد ، بعد إقترابه منه وضع يده على كتفه يشد عليه قليلاً
هز كتفه بخفه وهو يقول بنبرة أقرب للتشفى :
– أنت حبيتها يا نادر شكلك كده وقعت فيها بس غريبة من أمتى وأنت ليك فى الحب والكلام ده
نفض نادر يده عنه وهو يقول :
– حب إيه وبتاع ايه أنت كمان كل الحكاية أن حياء مش وش البهدلة دى أو أنها تقع فى المستنقع اللى عايزنى أرميها فيه ، دى زى الوردة اللى الهوا يستحى يقرب منها ، دى أنا مشفتش منها مرة أنها حتى رضيت تخلينى أمسك إيدها زى ما بتشوف أن فى ناس ساعات بيبقى مخطوبين بس ولا كأنهم متجوزين وبيحصل بينهم تجاوزات لكن هى محصلش منها كده
لمعة عينيه وهو ينشد بصفات وأخلاق حياء ، جعلت نصر يتيقن من أن شقيقه ربما وقع بحبائلها ، حتى لو حاول هو الإنكار
فسايره بالحديث وهو يومأ برأسه :
– أه باين عليك أوى مش بتحبها يا نادر ، وعينيك اللى هتخرج من مكانها وأنت بتتكلم عليها ، بس ما علينا هم كانوا عارضين عليا مليون دولار مقابل ٣ بنات جبت أتنين وفاضل واحدة ، ففكر يا نادر وأنا مستعد أديك نص المبلغ اللى هاخده وهسيبك تفكر
لم ينتظر نادر دقيقة أخرى ، بل خرج من منزل شقيقه وإستقل سيارته ليعود إلى بيته ، وطوال طريقه عقله يفتك به من كثرة التفكير ، حتى وصل لتلك البناية السكنية التي يقطن بها ، ترجل من السيارة ولج للمصعد الكهربائى ، ولكن قبل أن يضغط على الزر
رآى حارس البناية يهرول إليه وهو يقول :
– دكتور نادر دكتور نادر
تأفف نادر وأجابه بحدة :
– عايز إيه وبتنادى عليا ليه
أمال الحارس فمه يساراً قائلا ببرود :
– بفكر حضرتك بالايجار بتاع الشهر ده وكمان نسيت تدفع الشهر اللى فات لو كده سيب الشقة نأجرها لحد تانى مش قد إيجار الشقق فى المنطقة دى بتأجروها ليه مش عارف
مد نادر قدميه خارج المصعد ، وقبض على ياقة جلباب الحارس قائلاً من بين شفتيه بنزق :
– أحترم نفسك وأنت بتتكلم معايا أنت فاهم والفلوس هتاخدها على الجزمة
نفض الحارس يده عنه وهو يجيبه بحدة مماثلة :
– شيل إيدك يا دكتور واخد الفلوس على الجزمة ولا البلغة المهم تجيبها صاحب الشقة قالى لو مدفعتش خلال يومين تخلى الشقة وهيجيب مستأجر تانى
عاد الحارس ليجلس أمام البناية ، بينما ظل نادر واقفاً مكانه ، يفكر فى حل لدفع ثمن الايجار المتراكم عليه منذ الشهر الماضى ، فإيجار الشقة يقدر بألالاف الجنيهات ، خاصة أنها بمكان لا يسكنه سوى الصفوة ، وهو يعلم أن نصر لن يعطيه المال بدون مقابل سواء كان بإجراء جراحات غير مشروعة أو بجلب حياء من أجل أعمال منافية للأداب
______________
بعد مرور يومين …
حرصت حياء على الخروج مبكراً من المنزل ، قبل إستيقاظ أحد من ساكنيه الجدد المتمثلين بقسمت وزوجها وأبنائهما ، فهى منذ يومين تقريباً أى منذ ما علمت حقيقتها ، وهى لا يواتيها النوم إلا قليلا ، يسكن السهاد بفراشها ، تشعر كأنها تتمدد على أشواك تنغرز بلحمها وتنفذ لعظامها ، فبالأمس ذهبت لمكتب المحامى ، وأصرت عليه بأن يبوح لها بإسم دار رعاية الأطفال التى جلبها منها عرفان ، فبعد إلحاحها أعطاها العنوان وأيضاً ورقة التبنى إذا أرادت التأكد من الأمر
أخذت سيارتها من المرآب ، وقادتها حتى خرجت من المنزل ، عيناها جامدة وهى تنظر أمامها ، حريصة على الوصول لدار الرعاية بأمان ، متفادية وقوع حادث لها ، خاصة وأنها تقود السيارة بذهن شارد ، أو ربما لم يعد لديها وعياً كافياً لإستعاب كل ماحدث لها بالأونة الأخيرة
صفت السيارة أمام دار رعاية الأطفال ، قبضت على المقود تشعر بأن أصابعها من كثرة ضغطها صارت على وشك الإنكسار ، أغمضت عينيها وملأت رئتيها هواءً كأنه خناجر تمزق صدرها ، فأنسكبت دموعها رغماً عنها ، ولكن أسرعت بتجفيفها بالمحرمة الورقية فهى أصبحت لا تفارق يدها من كثرة بكاءها
ترجلت من السيارة ووضعت حقيبتها على ذراعها ، فهبت نسمة هواء قوية ، قادمة من البحر ، القريب من دار الرعاية ، ضاربة ثوبها كالسوط ، فابتلعت ريقها تستشعر ملوحة دموعها النازفة على خديها وصولاً لشفتيها ، طلبت الأذن بمقابلة مسئول الدار ، فأصطحبتها إمرأة إلى مكتب يقع بأحد تلك البنايات الثلاثة التى يحاوطهم سياج حديدى وحديقة واسعة ، فعلى ما يبدو أن دار الرعاية كانت فيما مضى قصراً وتم تحويله لمأوى للأطفال المشردين
طرقت حياء الباب بإستحياء ، وسمعت صوت أنثوى قادم من الداخل يأذن لها بالدخول ، فأدارت المقبض وولجت للداخل ، أول ما وقع بصرها عليه ، هو تلك المرأة العجوز الجالسة خلف مكتب خشبى أنيق ، خصيلاتها رمادية كالفضة الزاهية تنبأ بأنه كان شعر أشقر بصباها ، رفعت المرأة وجهها وعدلت من وضع نظارتها الطبية الكبيرة على عينيها ، عيناها باللون العسلى الفاتح ، ملامحها هادئة ببعض التجعيدات حول فمها وعينيها يرجع أثرها لسنوات عمرها الخامسة و الستون ولكن شفتيها نضرة مبتسمة بحنان
فاشارت لحياء بالجلوس قائلة ببشاشة :
– تعالى أتفضلى كنتى عيزانى فى إيه عايزة تتبنى طفل
أماءت حياء برأسها رفضاً على ما قالته وهى تتخذ مقعدها أمام المكتب ، حاولت أن تستجمع قوتها وشجاعتها وأخرجت من حقيبتها ورقة التبنى ، ووضعتها أمام المرأة وهى تقول :
– أنا جاية علشان أعرف أن الورقة دى فعلا من الدار هنا علشان مكتوب فيها إسم الدار والختم كمان
أخذت المرأة الورقة من يدها ورفعت نظارتها ، وضيقت عينيها تطالعها بتفحص وبعد أن أخذت وقتها بقراءتها وتذكر ما ورد بها أجابتها :
– أيوة فعلا الورقة دى من هنا والبنت اللى أتخدت من هنا أنا فكراها كويس علشان هى لما لقيناها على باب الدار تانى يوم فى ناس جت اتبنتها حتى ملحقناش نطلع ليها ورق بإسم خاص ليها فأصر الناس اللى اتبنوها انهم يسموها حياء ، أنا مبنساش أى طفل خرج من الدار هنا
– بس البنت كان عندها حوالى ٣ شهور لما أتبنوها هى مكانتش هنا من ساعة ما اتولدت ؟
قالتها حياء متسائلة ، فإن كانت متبناه من عمر ثلاثة أشهر ، فأين كانت منذ ميلادها ؟
وضعت المرأة الورقة أمامها ، فتلاحمت أصابعها ببعضهما البعض وهو تقول :
– لاء البنت لقيناها على باب الدار وهى بعمر ٣ شهور انا فاكرة كل طفل جه الدار هنا وكمان بنعمل سجلات ليهم ولحالات التبنى وكل الهدوم اللى جم بيها محتفظين بيها لحد دلوقتى تحسباً أن اى حد يسأل عليهم تسهيلاً أنهم أهلهم يلاقوهم بسرعة لو ظهر ليهم أهل
رمقت المرأة حياء قائلة بفضول :
– بس أنتى بتسألى على ورقة التبنى دى ليه
أنهمرت دموع حياء على وجنتيها وهى تكتم صوت شهقاتها المتلاحقة ، تقول بصوت خافت غير مفهوم لإختلاطه ببكاءها :
– علشان أنا أبقى البنت دى وعرفت ان الناس اللى اخدونى مش أهلى
أنكفأت حياء على طرف المكتب تضع رأسها على ذراعيها وأجهشت ببكاء مرير ، أشفقت المرأة عليها فتركت مقعدها ودارت حول المكتب ، تربت على ظهرها بحنان :
– إهدى يا بنتى وصلى على النبى وبلاش عياط مش هيفيد بحاجة أنك تموتى نفسك من العياط
رفعت حياء رأسها ترمقها بإستعطاف :
– هو أنا ليا هدوم هنا فى الدار ، هو حضرتك بتشتغلى هنا من زمان
أماءت المرأة برأسها وهى تجيبها :
– أيوة فى هنا مخزن فيه كل حاجة ، علشان الدار دى كانت قصر والدى الله يرحمه ، وكنت انا بنته الوحيدة بس محصلش نصيب واتجوزت ، فحولت القصر لدار رعاية أطفال ، وكل حاجة هنا بنظمها بنفسى حتى بعد ما كبرت كده زى ما أنتى شايفة تعالى معايا
بخطوات هادئة تبعت حياء المرأة ، حتى تركتا ذلك المبنى ، وذهبتا لمبنى أخر ، سارت خلفها عبر رواق طويل حتى وصلتا لغرفة بأخر الرواق ، فأخرجت المرأة سلسلة مفاتيح وأدارت أحدهما بمقبض الباب ، فأنفتح الباب وأضاءت الانارة ، رأت حياء عدة أرفف من الأرض لسقف الغرفة ، وأيضاً دمى وألعاب ، وكل رف من الأرفف يحمل تاريخ بعام معين بالترتيب اللازم لتسهيل البحث والتفتيش
وضعت المرأة يدها أسفل فكها بتفكير ، فرفعت ورقة التبنى تبحث عن التاريخ بالتحديد ، حتى تذكرت أين وضعت الأشياء الخاصة بها ، فأقتربت من أحد الأرفف وأخذت ملابس مطوية بعناية داخل كيساً بلاستيكياً
فقربته من حياء وهى قائلة بلطف :
– دى الهدوم بتاعتك أهى حتى كتبت ورقة عليها الاسم اللى سموكى بيه ” حياء ”
تناولته منها حياء ، وبدأت بفتحه لرؤية تلك الثياب ، وجدت فستاناً باللون الأبيض ، وحذاءاً قماشياً من اللون ذاته ، وثياب بيضاء داخلية ، ووجدت أيضاً سلسالاً ذهبياً معلق به خاتم رجالى يتوسطه ياقوتة حمراء براقة تشبه اللهيب
رفعت حياء السلسال أمام عينيها وهي تقول :
– إيه السلسلة والخاتم ده
أجابتها المرأة وهى تتناوله من يدها :
– ده لقيناه كان حوالين رقبتك لما جيتى ، أنتى يا بنتى الظاهر عليكى أنك بنت ناس ، بس الله أعلم ايه اللى حصل ووصلك هنا دا فى علم ربنا ، أو فين أهلك ومسألوش عنك ليه ، برضه العلم عند الله
ضمت حياء الثوب ، وأخفت وجهها بين طياته تشتم رائحة طفولتها ونسبها المجهول ، فعادت وضمت الثوب لصدرها وهى ترمق المرأة بما يشبه التوسل :
– ممكن أخد الحاجة دى لو سمحتى هو حضرتك إسمك إيه
تبسمت لها المرأة وهى تمسد على ذراعها برفق :
– إسمى عديلة واه يا حبيبتى ممكن تاخديها مفيش مشكلة لأنها فى الأول والآخر حاجة تخصك وجايز فى يوم تقدرى توصلى لأهلك وأنا تحت أمرك لو أحتاجنى أى حاجة
شكرتها حياء وهى تلملم الثياب تمهيداً لأخذها معها ، فسارت حياء برفقتها حتى وصلت للبوابة الرئيسية وشكرتها مرة أخرى ، وذهبت لسيارتها وأخذتها تنطلق بها ، فظلت من وقت لأخر تنظر للمقعد المجاور لها تلقى نظرة على ما جلبته من روائح وبقايا ماضيها ، الذى لا تعلم كيف بدأ ؟ ولا تعلم أى طريق تسلكه لمعرفته ؟ وصارت الآن لا تعلم كيف سينتهى بها المطاف بالأخير؟
____________
تلك المرة لم يذهب لها بالشقة ، بل فضل الذهاب لها بمتجرها ، فهو لن ينتظر ليحل المساء حتى تعود للبيت ، ولج حسان المتجر ينظر يميناً ويساراً ، حتى رأها قابعة خلف مكتبها ، لا يعلم ماذا تفعل ؟ سوى أنها تدون بدفتر أمامها ، ويبدو عليها أنها مستغرقة بعملها ، لدرجة عدم إنتباهها لمجيئه ، يراها تدون شيئاً وتعود تحتسى من كوب الشاى خاصتها ، فمازالت تحب إحتساء الشاى بكثرة ، كما أنها مازالت جميلة مثلما كانت بصباها ، ذلك الجمال الذى أورثته لإبنتيها ، وبالاخص الإبنة الصغرى
– إزيك يا إسعاد
قالها حسان فجأة ، لتنتفض إسعاد من صوته وترتجف أعضاءها
فوضعت يدها على صدرها تشهق بصوت عالى نسبياً :
– بسم الله الرحمن الرحيم خضتنى يا حسان
تبسم بمكر وهو ينحنى إليها بجزعه :
– ألف سلامة على الست إسعاد من الخضة ، بعد الشر على الجميل
انكمشت ملامحها بغرابة من إطراءه المفاجئ لها ، فمنذ متى وهو يتملقها :
– لا والله دا من أمتى ده يا حسان أنت عيان ولا ايه
مد يده يلاطف خدها وهو يهمس لها :
– لسه جميلة زى ما أنتى يا نبيلة ، كأنك البنت اللى أتجوزتها وكانت زى القطة المغمضة الوديعة
قرص بأصابعه وجنتها ، فشعرت بألم طفيف جعلها تزيح يده عن وجهها :
– عايز إيه يا حسان خلصى ما هو مش معقول يعنى كلامك ده كده من غير أنك عايز حاجة من أمتى الرومانسية دى كلها
أستقام حسان بوقفته واضعاً يديه بجيبى بنطاله ، وهو يقول ببرود :
– أنا غلطان يعنى ولما الراجل يسكت وميتكلمش تقولوا عليه رجل نكدى ستات دماغها فاضية ومبيعجبهاش العجب صحيح
نفخت إسعاد بقلة حيلة وضيق :
– هات من الاخر يا حسان وقول عايز إيه لو عايز فلوس لسه مجاش أخر الشهر علشان تيجى تاخد اللى حيلتى
جلس حسان على طرف مكتبها الصغير ، فحجب عنها الضوء القادم من الخارج ، وأخرج سيجارة من علبة سجائره ، وأشعلها ببرود جعلها تصل لحافة صبرها
نفث حسان دخان سيجارته بوجهها وهو يقول :
– فى عريس جاى لولاء وأنا وافقت
هبت من مجلسها تقف متصلبة الجسد وهى تقول بفزع :
– عريس إيه ده يا حسان اللى أنت جايبة لولاء زى اللى كنت جايبة لأشجان كده وخلتها أنتحرت عايز تموتلى التانية وترتاح
دفعها بيده ، جعلها تعود لمقعدها ثانية ، ومازال جسدها ينتفض بغضب شديد ، فهى لن تترك إبنتها الأخرى تلقى مصير شقيقتها ، فيكفى ما فعله بهن
هدر بها حسان تلك المرة بصوت مرتفع :
– إهمدى وأقعدى وإسمعينى وبطلى كلام ، ومتخافيش أوى كده المرة دى العريس شاب عنده حوالى ٣١ سنة وغنى وعايش هنا فى إسكندرية وإسمه فؤاد سالم وحيلته كتير يعنى بنتك هتعيش متهنية وتتجوز جوازة متحلمش بيها
صمتت إسعاد تفكر فيما أخبرها به ، فإن كان ما يخبرها به من صفات وسيمات ذلك الرجل الذى تقدم لخطبة إبنتها حقيقة ، فهى لن تبدى إعتراضاً ، ولكن لما لا تشعر بالراحة أو السعادة التى من المفترض لها الشعور بها بعد علمها أن ربما ترى إبنتها قريباً ببيت زوجها ، فذلك القلق الذى ملأ جنبيها لا تستطيع نكرانه ، وخاصة أن زوجها كان دائماً وأبداً منبع تعاستها وحزنها الذى لا ينضب
فعضت شفتها السفلى بتفكير ، وضيقت ما عينيها تحملق به بصمت ، ولكن قبل أن تقول شيئاً لف يده حول عنقها ، يقربها منه ، لكنها دفعته عنها قائلة بسخط :
– أنت بتعمل ايه يا حسان أنت أتجننت إحنا مش فى البيت هنا لعمايلك دى
تأفف من فعلتها ، فترك مكانه وهو يزفر بحنق :
– دا أنتى ولية فصيلة يلا ما علينا أنا همشى وقولى للمحروسة بنتك أن العريس هييجى معايا بكرة وأحسنلها توافق وإلا مش هيحصل طيب سلام يا ست إسعاد
خرج حسان من المتجر ، فإستندت بمرفقيها على طرف المكتب ، تضع رأسها بين كفيها ، فهى على يقين تام أنه إذا علمت ولاء أن والدها يريد تزويجها من رجل من طرفه هو ، ستصمم على رفضها ، وتخشى أن يصل الأمر لأكثر من الرفض ، فأرتجف جسدها وأرتعشت ساقيها وهى تتخيل أن ربما ولاء تقدم على فعل ما فعلته شقيقتها ، فما كان منها سوى أن تركت مكانها لتذهب لوفاء ، ولكن تقابلت مع ولاء التى عادت من دوامها بالعمل
تعجبت ولاء من ملامح القلق التى أعترت ملامح وجه أمها ، فعلى الرغم من أن الأيام الماضية ، نشب بينهما الجفاء ، إلا أنها لم تمنع خوفها من أن يكون اصابها مكروه
فهتفت بها بقلق وهى تتلمس ذراعيها :
– ماما فى إيه ومال لونك مخطوف كده حصل حاجة
لم يكن ردها عليها سوى إحتواءها بين ذراعيها ، فوسواسها بدأ بنخر عقلها ، فشدت إسعاد من إحتضان جسد ولاء ، حتى صار القلق بأوج مراحله بقلب ولاء
فأبتعدت عنها وهى ترمقها بتساؤل مستطردة :
– بجد فى إيه يا ماما قلقتينى
أخذت إسعاد يد ولاء ، وسحبتها معها لمتجر وفاء ، التى أنهت إعطاء الزبون ما يريده وأنصرف ، فأقتربت منهما تبدى قلقها هى الأخرى :
– مالكم فى إيه حصل حاجة ولا ايه
ضمت إسعاد شفتيها لتوقف إرتجافها الذى أحتل كل إنش بها ، فضغطت على يد ولاء الممسكة بها وهى تقول :
– حسان كان هنا من شوية جايب عريس لولاء بيقول انه غنى وإسمه فؤاد سالم بس أنا مش مرتاحة للموضوع
بسماع ولاء إسم فؤاد ، إتسعت مقلتيها بمحجرهما ، وفغرت فاها بدهشة ، كأنها أصبحت تمثال حجرى يتخذ وضع الصياح الصامت بعد أن نزعت منه الروح
فما كان من وفاء سوى أن اقتربت منها ، تربت على وجنتها لتجعلها تستعيد وعيها المسلوب ، فعلا صوتها بقلق وهى تناديها :
– ولاء بت يا ولاء مالك يابت تنحتى ليه كده فوقى
بصفعات وفاء الرقيقة على خدها ، أخذت ترفرف برموشها ، كمن تستعيد وعيها بعد الإغماء ، جاهدت على أن يخرج صوتها وهى تقول بصعوبة :
– بتقولى إيه فؤاد سالم مين ده كمان اللى أتجوزه
– هو أنتى تعرفيه يا ولاء ؟
نطقت بها وفاء بغرابة ، فى إنتظار أن تجيبها على ما سألتها إياه
فأماءت ولاء برأسها مراراً وهى تجيبها :
– إلا عرفاه ما هو ده يا طنط الراجل اللى جالى المحل وخلانى زعقت وأنتى جيتى وحكيتلك عنه الراجل الفلاتى بتاع النسوان ده
شهقت وفاء وهى تضرب صدرها بيدها :
– يا خبر أبيض الراجل اللى كان عايز يصاحبك ده كاته جنازة تاخده قبل ما يتجوزك
تقف إسعاد بالمنتصف لاتفقه شيئاً مما يقولونه ، فخاطبت وفاء قائلة بحيرة :
– أنتوا تعرفوه منين ده يا وفاء أنا مش فاهمة حاجة
ربتت وفاء على كتفها ، وبدأت بقص كل ماحدث بذلك اليوم ، الذى علمت به من يكون هذا الرجل المدعو فؤاد سالم ، غير متغافلة عن إخبارها بما اخبرتها به ولاء من سلوكه السيئ معها ومع غيرها من الفتيات ، وأنه لا يفرق كثيراً عن زوجها حسان من حيث ردائة أخلاقه ، ونمط معيشته العابث والفاسق
بإحتضان إسعاد لإبنتها كانت تعرب عن رفضها ، فهى لن تجعل إبنتها تعانى مثلما عانت هى سابقاً وما زالت ، ولكن كيف تنقذ ولاء من ذلك الفخ ، الذى ينصبه لها والدها بيديه ، فهى علمت الآن لما هو وافق على تلك الزيجة ، فهو لم يوافق إلا من أحل المال الذى سيجنيه من خلف تلك الزيحة ، التى لا يطلق عليها سوى زيجة مشينة حتى لو كان الرجل يملك من المال الكثير ، فيكفى فقط أخلاقه المتدنية ، لتصير حياتهما كالجحيم
_____________
أخذ كرم العلبة الصغيرة الملفوفة بورق لامع ، من على الكومود بجوار فراشه ، فأين ذهبت تلك السعادة التى تراقصت على وجهه وبقلبه ، وهو يستيقظ من نومه صباح اليوم ؟ فعلمه أن اليوم هو ذكرى مولد هند ، تغشت رماديته السعادة بأن سيذهب اليوم لمنزل خالته ، وحضور ذلك الحفل المقام به إحتفالاً بذكرى ميلادها
ولكن سرعان ما خبت تلك السعادة سريعاً ، كألسنة اللهب التى تلقت قطرات الماء فجأة فأخمدتها ، فهو يعلم كيف سينتهى اليوم ؟ سينتهى كالعادة بعدم إحاطتها له بشئ من إهتمامها ، فقبل أن يشتد الصراع بين عقله وقلبه ، حسم أمره وخرج من الشقة ، مسكين ذلك القلب الذى وقع بهوى من لا تريده
أمر سائق سيارة الأجرة ، بأن يقف أمام ذلك المنزل الذى أشار إليه ، فترجل من السيارة يدفع ما عليه من نقود للسائق ، توقف دقيقتين كاملتين أمام المنزل ، يحاول أن يلتقط أنفاسه ، التى زادت وتيرتها من شدة التوتر
دلف لداخل المنزل ومنه للحديقة ، رآى جمع من الشباب والشابات ورجال ونساء ، وأصوات موسيقى صاخبة ، فدار بعينيه يبحث أولاً عن خالته ، التى ما أن رأته حتى اقتربت منه تحتضنه وتقبله على وجنته مرحبة بقدومه :
– أهلا يا حبيبى أتفضل أتأخرت ليه كده إحنا كنا خلاص هنطفى الشمع
– معلش يا خالتو المواصلات بقى وأنتى عارفة ساكن فى أخر الدنيا
قالها كرم بتفكه ، وعيناه تبحث عنها ، حتى رآها جالسة برفقة أصدقاءها ، فسحبته خالته حتى أقترب منهم
فبإستحياء رفع يده بالهدية التى جلبها من أجلها ، وهو يعلم أنها لا تقارن بما ستحصل عليه من هدايا أخرى تلك الليلة
– كل سنة وأنتى طيبة يا هند عقبال ١٠٠ سنة
نطق بها كرم ، وأطرق برأسه أرضاً كأنه يخشى رؤيتها بتلك الثياب التى تفتن قلبه
أخذتها منه هند وهى تقول ببرود :
– ميرسى يا كرم وأنت طيب
ألقتها بجانبها ، وعادت لحديثها مع أصدقاءها ، ففضل الانسحاب من المكان وهو يعنف نفسه ويجلد ذاته على أنه خضع لوخزات قلبه وأتى إليها
ولكن قبل أن يبتعد أكثر سمع إحدى صديقاتها تقول بتأفف :
– هند إحنا مش هنطفى الشمع النهاردة ولا ايه الوقت أتأخر أنتى مستنية مين
وكزتها هند بكتفها وهى تقول بضيق :
– مستنية راسل عيزانى أطفى الشمع وهو مش موجود
ردت فتاة أخرى قائلة بضحكة عالية :
– راسل ! أبقى قابلينى لو جه يا هند هو أصلاً عمره حضرلك عيد ميلاد يا بنتى فكك منه بقى متتعلقيش فى أحبال دايبة
فعادت الفتاة الاولى قائلة بصوت منخفض :
– وماله إبن خالتك ده وسيم وقمور وباين عليه أنه واقع خالص يا عينى
ردت هند قائلة بإستنكار غافلة عن وجود كرم بمكان قريب من مجلسهن :
– إيييه كرم ! أنتى أتجننتى دا أنا بتكسف أقول عليه ابن خالتى عيزانى أحبه أنتى عبيطة ولا إيه دا تلاقيه حتى جايبلى هدية وحشة أستنى هفرجك عليها
أخذت الهدية وأزالت الورق المغلف وفتحتها ، وجدت علبة بداخلها سوار ذهبى رقيق ، فرفعته تشير بها أمام أصدقاءها وهى تقول بغرور :
– شايفة أنسيال ، الخدامة اللى عندها لابسة أغلى منه
ليته لم يأتى وتهدر كرامته ، وليته لم ينبض قلبه لها ، فماذا سينتظر أكثر من ذلك ؟ فأسرع بخطواته للذهاب ، ولكن نادته خالته ، فلم يجيبها وأكمل بطريقه ، حتى خرج من المنزل ، فهو أتى بقلب نابض ورحل بلا كبرياء وكرامة التى دعستها تلك الفتاة بحديثها ، فأقسم أنه إذا أتاحت له الفرصة سيرد لها كل كلمة قالتها بحقه ، وسيذيقها مرارة الرفض والإهانة ، فلا أحد يستهين بكسر قلوب الآخرين ، فهى كالزجاج الذى إذا تحطم لن يعود كسابق عهده ، فدائماً ما تتبقى الندوب جلية وواضحة على جدران وثنايا القلب
فبأثناء مروره من أمام المنزل ، لمح سيارة تقف أمام المنزل ،وترجل صاحبها منها ،فعرفه على الفور ، فكيف لا يعرفه ؟ وهو من سلب عقل تلك التى حطمت قلبه بإهانتها
رآى راسل كرم يقف متصنماً بوقفته فأبدى دهشته ، فهو يعلم أن هذا الشاب هو إبن خالة هند ، فهو قابله مرة من قبل
فأقترب راسل منه يصافحه :
– أهلا ازيك يا أستاذ كرم هو عيد الميلاد خلص ولا ايه
أمتنع كرم عن وضع يده بيد راسل ، فدس كفيه بجيبى بنطاله ، يرمقه بصمت أثار غرابة راسل ، فسحب يده بهدوء معقباً :
– هو فى حاجة ولا إيه مالك يا أستاذ كرم
لم ينبث كرم ببنت شفة ، فتعاظمت دهشة وغرابة راسل من أفعاله ، ولكن إستطاع قراءة الكره بعينيه ، فتلك النظرة يعلمها هو جيداً ، فكثيراً ما يراها بأعين المحيطين به
خرج كرم عن صمته قائلاً بجمود وصوت يشبه الهذيان :
– ليه هى مش شايفة حد غيرك وبتجرى وراك فيك إيه زيادة عن بقية الرجالة ، علشان دكتور ولا علشان غنى ولا علشان صيتك ، قولى هى مش شايفة غيرك ليه
– علشان هى غبية يا كرم ومش عايزة تفهم أن مش هيحصل اللى فى دماغها ده ابدا لا دلوقتى ولا بعدين
قالها راسل ببرود ، فهو فطن عن ماذا يتحدث ولما هو هكذا ؟ فهو علم الآن أن ذلك الشاب ماهو إلا أحد ضحايا العشق المستحيل
تبسم كرم قائلاً بسخرية :
– عايز تفهمنى أنك مش بتحبها
وضع راسل يده على صدر يربت عليه بحركات رتيبة وهو يجيبه بوضوح :
– لاء طبعاً لا بحبها ولا بحب غيرها وقولتلها الكلام ده كتير بس هى اللى مش عايزة تفهم ، أنا مجرد واحد يعرفها ويعرف أهلها كنوع من الصداقة والمعرفة أكتر من كده لاء ، ولو كنت بحبها ما كنت أتجوزتها من زمان حتى قبل ما أتجوز أم بنتى
أخذ راسل كرم من مرفقه ، وعوضاً عن الدلوف للداخل ، سارا حتى وصلا للشاطئ القريب من المنزل ، على أحد الصخور الجافة ، جلس راسل يدعوه للجلوس
فأستجاب كرم له ولا يعلم كيف إنساق خلفه ولمطلبه ؟ جلس بمكان قريب منه على تلك الصخرة الكبيرة ، فبادر راسل بالحديث تلك المرة وهو ينظر لإنعكاس ضوء القمر على سطح الماء
– أنا عارف يا كرم أنك بتحب هند وده باين عليك وعارف أنك حاسس بكره ليا علشان غيران عليها صح ولا أنا غلطان
إجتاح كرم دفء مفاجئ ، من فرط ذلك الخجل الذى شل أطرافه بعدما سمع حديث راسل له ، فالجميع يرى ذلك الحب ، عدا تلك المتعجرفة عمياء القلب والبصيرة
يشعر بلهيب فى أذنيه ، فضم ذراعيه أمام صدره كمن يشعر ببرودة شديدة خلاف ذلك الدم الحار الذى يسرى بعروقه
فحاول أن يقول شيئاً فخرج صوته مرتجفاً :
– لاء أنا مبحبهاش ولا حاجة دا بيتهيألك دى علشان بنت خالتى بس
تبسم راسل على كذبته الواضحة للعيان :
– واضح أوى أنك بتكذب ، إحنا رجالة ونفهم بعض كويس ومش هكذب عليك أنا صعبان عليا أنها مضيعة وقتها على واحد زيى مفيش منه أمل زى ما بيقولوا ، هى الوحيدة اللى مش عايزة تقتنع بده ، وأنا عارف أن ده كله هوس من هند مش حب ، مش بيقولك كل ممنوع مرغوب
زفر كرم انفاسه قائلاً بخفوت :
– وأنت بتقولى الكلام ده ليه
ألتقط راسل حصاة من جواره ورفع ذراعه يلقى بها فى الماء وهو يقول :
– كنت عايزك بس تعرف حقيقة مشاعرى من ناحية هند وعلشان متبطلش تحبها جايز أنت اللى تقدر تغيرلها تفكيرها وتشوف اللى هى عامية عينها عنه
صدرت عن كرم أهة سخرية ممزوجة بالقهر :
– هند تحب واحد زيك تحب أى راجل تانى تشوفه يناسب طموحها لكن تحب واحد زيى أنا ليه وهى حتى بتتكسف تقول عليا أن أنا ابن خالتها وعلشان مش من مستواها ، أنا اللى غبى من الأول علشان بصيت لفوق ومبصيتش على قدى
شعر راسل بالشفقة على ذلك الشاب ، الذى حوى حديثه شعوراً بالقهر والحزن ، فما كان منه سوى أن مد يده يربت على كتفه ويشد عليه قليلاً وهو قائلاً بهدوء :
– عمر ما كان الغنى والفقر مقياس للحب والا ما يبقاش إسمه حب من أصله ، كل الفوارق الاجتماعية دى متساويش حاجة قدام حب يكون صادق ويكون من القلب من غير أى أعتبار لحاجة تانية
نهض راسل من مكانه ينفض ذرات التراب العالقة بثيابه من الجلوس على الصخرة ، ورحل تاركاً كرم مازال جالساً مكانه يفكر فيما سمعه من راسل
فعندما عاد راسل لسيارته أستقلها مغادراً فهو يرى أنه من الأفضل أن لا يلج للداخل ، ويعطى تلك الفتاة أملاً زائفاً ، فهو أتى اليوم إكراماً لوالدها ، ولكن بعد ما حدث بينه وبين كرم ، فضل العودة لبيته ، فربما بذلك تتيقن من أنه لن يكون لها بيوماً من الأيام ، فتلك الحقيقة يجب أن تكون راسخة بعقلها
_____________
وضعت باقة الزهور التى تحملها أمام ذلك الشاهد الرخامى الذى يحمل إسم عائلة الطيب ، بعد أن فرغت من دعائها لهما ، جلست أمام القبر ، فتلمست جدران القبر بيدها بحنو بالغ ، تبسمت من بين دموعها ، عندما طاف بعقلها صورتهما عندما قابلتهما بالمطار بعد عودتها من الخارج بعد أن أنهت تحصيلها الدراسى ، فبذلك اليوم لم تكف مديحة عن البكاء وهى محتوية إياها بين ذراعيها ، كأنها تخشى هروبها ، حتى إستطاع عرفان تخليصها من بين ذراعيها بصعوبة وهو يهتف بمديحة أن تتركها فهى كانت على وشك خنقها بدون أن تدرى
أزدردت لعابها بألم وهى تقول :
– وحشتونى أوى أوى حتى بالرغم من أن عرفت ان انا مش بنتكم بس هتفضلوا بالنسبة ليا بابا وماما اللى معرفتش فى حياتى حد بحنيتهم وحبهم وخوفهم عليا وعمر الحقيقة ما هتغير مكانتكم وحبكم فى قلبى
أثناء حديثها سمعت صوت خطوات تدعس حصى الأرض وهى تقترب منها ، فألتفتت خلفها ورأت نادر قادماً إليها ، فتركت مكانها وهى تنفض يدها وثيابها ،ولكن شعرت بالقلق من ملامح وجهه المتجهمة
فهتفت بصوت منخفض:
– نادر أنت عرفت أن انا هنا ازاى حتى أنت مرنيتش عليا
غرز نادر يده بين خصيلاته مغمغماً:
– روحتلك البيت ملقتكيش قولت أكيد هلاقيكى هنا فجيت علشان كنت عايز أتكلم معاكى بس تعالى نشوف مكان نقعد فيه مش هنقعد نتكلم فى المقابر ، بس إزاى لسه قادرة تجيلهم هنا وهما يعتبر دمروا حياتك
عبست ملامحها وهى تقول بغرابة :
– دمروا حياتى ! دا لولا فضل ربنا ثم فضلهم كان ممكن أكون مشردة يا نادر بس أنا مسمحلكش تتكلم كده حتى لو هم مش اهلى الحقيقين بس مش هسمح لحد يقول عليهم كلمة مفهوم
رفع يده يشير لها أن تتقدمه بالسير وهى يهتف بغيظ :
– يلا يا حياء ووفرى كلامك ده هى فين عربيتك
رفعت وجهها بشعور غريب يتسلل إليها من تغيره بالحديث معها ، ولكن فضلت أن ترجئ ذلك الأمر لاحقاً لتعلم ماذا يريد منها ؟
أجابته بهدوء:
– مجتش بالعربية جيت فى تاكسى العربية فى البيت
فهى لم تخبره ، بأن قسمت بدأت بحرمانها إمتيازات دلالاها ، وبدأ الأمر بنهرها عن قيادة السيارة ، بعدما رأتها تعود بها من دار الرعاية ، فما كان من قسمت سوى أخذ المفتاح ، تشدد أوامرها لها بعدم قيادتها ثانية
وصلا للطريق الرئيسى ، وكل منهما بعالم أخر ، فهى تسير واضعة يديها بحيبى معطفها السميك ، تنظر للمارة وللسيارات ولكن ضيقت عينيها قليلاً بتفكير عندما لمحت رجل وإمرأة يقفان أمام أحد المتاجر على الطريق يتشاجران بصوت عالى
ولكن سرعان ماقالت بغرابة وذهول :
– نادر مش الراجل والست دول قرايبك اللى كانوا معاك يوم ما خطبتنى
تشنجت أطرافه بعد سماع قولها ، فهى لم تكتفى بذلك بل ركضت بخطوات سريعة تجاههما حتى وصلت إليهما ، فأستمعت لشجارهما ، ورأت أيضاً ثيابهما الرثة
فسحبت حياء المرأة من مرفقها بتساؤل :
– هو مش أنتى قريبة الدكتور نادر والمفروض أنكم عايشين فى الصعيد أنتى مش عرفانى
قطبت المرأة حاجبيها وهى تجيبها متشدقة بعلكتها :
– أه هو أنتى خطيبته ، أنتوا خلاص أتجوزتوا
– دا طلع نتن أكل علينا بقية المصلحة معندوش ضمير ، بقى يعنى يرضيكى يوعدنا ناخد ألفين جنية ونعمل أهله ولما مصلحته خلصت مدناش إلا ألف جنية بس ، دا الدكتور نادر ده ابن حرام مصفى
قالها الرجل بإشمئزاز واضح ، وسحب مرفق زوجته معقباً:
– يلا بينا يا ولية رمى لينا فتافيت وأخد الهبرة كلها لوحده يبقى يطفحها إن شاء الله
ظلت يدها معلقة بالهواء حتى بعد إنصرافهما من أمامها ، ماهذا الذى إستمعت له ؟ أدارت رأسها لنادر الواقف على بعد عدة أمتار منها ، فعادت إليه وهى ترى العالم كأنه يتساقط من حولها
خطواتها الراكضة خلفت لهاثاً قوياً ، فوضعت يدها على صدرها تحاول إلتقاط أنفاسها ، فرمقته قائلة بذهول :
– نادر الناس دى كنت مأجرها وكنت بتضحك عليا وهم مش أهلك الكلام ده بجد ايه اللى سمعته وعرفته ده
دلك نادر عنقه بتوتر وهو يقول :
– ناس مين يا حياء أنتى بيتهيألك ولا إيه أنتى من يوم الحادثة وأنتى تصرفاتك بقت غريبة أنتى لازم تروحى لدكتور نفسى مش هينفع كده ، أنا كنت عايز أتكلم معاكى بس الظاهر كده لازم تروحى ترتاحى ونبقى نتكلم بعدين
حاول إقناعها أن ما رأته وسمعته ماهو إلا أوهام ، ولكنها لم تأخذ بحديثه وخاصة بعد أن أصر عليها بالعودة للبيت ويتحدثان بوقت أخر ، فأستقلت سيارة أجرة وعادت للمنزل ، بعدما رأته يأخذ سيارته يفر هارباً من أمامها ، وصلت لوجهتها ومنها لغرفتها متفادية النقاش الحاد مع قسمت ، فهى صارت تضايقها بالغدوة والروحة ، فأتخذت من جدران الغرفة حصناً أميناً تتوارى خلفه عن أعين الجميع
فظلت ليلها بأكمله تفكر فيما حدث ، فهى يجب أن تعلم ما يخفيه نادر ، فهى أنتظرت بزوغ الشمس على أحر من الجمر ، فخرجت من المنزل ،تتجه صوب تلك البناية التى يقطنها نادر
وجدت حارس البناية جالساً على مقعد خشبى يتناول إفطاره ، فألقت عليه التحية وأسرعت بسؤاله عن نادر بلهفة :
– لو سمحت هو دكتور نادر ساكن هنا مش كده
إبتلع الرجل الطعام العالق بجوفه قائلاً :
– خلاص ساب الشقة أمبارح بالليل مبقاش ساكن هنا
– ليه هو باع شقته ومشى من هنا
خرج صوتها مهزوزاً ، تشعر أن الثوانى أصبحت دهوراً بإنتظاره أن يجيبها
نفض الرجل يده من الطعام العالق بها وهو يجيبها بهدوء :
– مكنتش شقته هو كان مأجرها مفروش حتى كمان كان متأخر فى دفع الايجار وكان منشف ريقى معاه والحمد لله أنه غار من هنا ، جه امبارح دفع الايجار واخد هدومه ومشى ومعرفش راح فين
بعد أن إستمعت لما قاله الحارس جرت قدميها بثقل ، فهل كل حياتها الوردية مبنية على الكذب وأساس واهى ومزيف ، حتى من ظنت أنه فارس أحلامها لم يكن سوى كاذب مخادع هو الآخر ، فهى بدأت الآن أن تفهم سبب تغير سلوكه معها ، فهو كان يريد الزواج منها ليأمن الثراء والمعيشة الرغيدة ، وبعدما أنجلت الحقيقة ، ظهر أيضاً ما كان يخفيه ، لا تعلم هل تبكى أم تضحك أو ماذا تفعل ؟ فولا شك أن هى الآن بأحد الأفلام الخرافية التى لا يعيها العقل
عادت للمنزل وولجت لغرفتها وأرتمت على الفراش ، دفنت وجهها بالوسادة تبكى على أحلام وردية نسجتها بقلب مغرم ، لتفيق بعد ذلك على واقع مرير ، نوبة بكاءها الحادة أسلمتها بعد ذلك لنعاس تمنت ألا تفيق منه ، فمرت ساعات النهار سريعاً وحل المساء وهى مازالت مستغرقة بنومها ، كمن فقدت الوعى فجأة ، لم تفيق سوى بسماع باب الغرفة يفتح ويرتطم بالجدار
سمعت صوت قسمت تصيح بها حتى أفزعتها :
– أنتى يا ست الحسن والجمال أصحى بقى كفياكى نوم
أنتفضت حياء من نومها وهى ترتجف قائلة بصوت خالطه النعاس :
– هو ايه اللى حصل فى ايه
وجدت هبة تلج الغرفة أيضاً ، تحسباً لأى مشادة كلامية بين والدتها وحياء ، فأقتربت جالسة بجانبها على الفراش تربت على كتفها باسمة :
– قومى يا حياء علشان تتعشى أنتى بقالك كتير نايمة قلقتينى عليكى
إستكانت حياء لعطف ولطف هبة تجاهها ، فحتى بعد علمها بأن ليست إبنة خالها فهى مازالت تعاملها بلين وحنان ، وكم من مرة أشفقت عليها من أن لها والدة مثل قسمت ، فهى بالأيام الماضية أستمعت لمناقشات حادة بينهما بسبب رفضها أن تذهب هبة لزوجها وخاصة بعدما صارت بمثل هذا الثراء ، تجعلها تقيم إقامة جبرية بالمنزل ولا تتركها تخرج منه أبداً ، ولكنها خشيت من التدخل بالأمر وتلقى مزيداً من كره قسمت لها
إنصاعت حياء لقول هبة وتركت الفراش و ذهبت للمرحاض ، وبعد إنتهاءها خرجت وجلست على المائدة تتناول طعامها بصمت ، وبعد الانتهاء أشارت عليها هبة بالجلوس فى حديقة المنزل يتسامران قبل النوم ، ولكنها لم تخبر أحد بشأن ما أكتشفته اليوم عن نادر ، فهى لا تريد المزيد من شماتة قسمت ، فجعلت الحسرة والحزن يأكلان قلبها ، خلاف تلك البسمة الباهتة على شفتيها
فأنتصف الليل وأشتدت برودة الجو ، فتثائبت هبة وهى تقول:
– أنا هقوم أنام بقى دا اللى فى البيت زمانه ناموا من بدرى ويلا ادخلى جوا الجو برد
نهضت حياء وسارت معها وذهبت كل منهما لغرفتها ، فقسمت جعلت أولادها يسكنون الطابق الثاني من المنزل ، بعدما قامت بإخلاء الغرف من الأثاث الذى أبتاعه نادر، ووضعته بأحد الغرف بالحديقة ، وأشترت هى أثاثاً أخر
ولجت الغرفة وضغطت زر الإنارة ، سحبت حجابها ووضعته حول عنقها ، متكاسلة عن أن تلقيه بأى مكان ، فشدت طرفيه بيديها حتى شعرت بألم خلف عنقها من إحتكاك قماش الحجاب بجلدها ، فساعات النوم التى غفتها بالنهار ، جعلت من المستحيل عليها النوم ثانية ، فبعد الجلوس أمام النافذة ، أخذت الهاتف تتصفحه ، فلم تجد أثراً لنادر على مواقع التواصل الاجتماعي ، كأنه أختفى فجأة ، حاولت مهاتفته ، وجدت الهاتف مغلق ، فكل تلك الدلائل تشير على أنها لن ترى ذلك المخادع
سمعت صوت إدارة مقبض الباب ، فأنكمشت بمكانها ، فهى غفلت عن إغلاقه بالمفتاح ككل ليلة ، قبل أن تقوم من مكانها ، وجدت شكرى يقتحم عليها الغرفة مغلقاً الباب خلفه بحرص ، فسحبت حجابها سريعاً تضعه على رأسها وهى تقول بتوتر :
– فى إيه يا أنكل شكرى وعايز إيه
رمقها شكرى من قدميها حتى رأسها ، فنظراته تتصاعد على محياها بشكل مفزع ، جعلها ترتد بخطواتها فقبل أن تفتح فمها صارخة ، وجدته يكمم فمها بيده يحاصرها بين أحد الجدران وبين جسده
شعرت بالغثيان وهى تراه يقترب منها هكذا ، فحاولت دفعه ولكنها لم تفلح بذلك فهو يكبل جسدها ويمنعها الحركة ، فجحظت عينيها وهى تستمع لما يقوله :
– هشش إهدى وأسكتى خالص يا حياء حتى لو صرختى محدش هيلحقك أنا حاطط لقسمت منوم ونايمة فى سابع نومة وهبة وأخواتها فالدور اللى فوق يعنى مش هيسمعوكى ، فأحسن ليكى تسمعى الكلام ، دا أنا بحبك يا حياء وشوفتك بتكبرى يوم عن يوم زى الوردة ، بس مش هسمح لحد يقطف الوردة دى قبل منى
أستماتت فى الدفاع عن نفسها ، وبإزاحة ثقل جسده عنها ،فما زادها الأمر سوى تعرقل خطواتها وسقوطها على الأرض وهى تستجديه :
– حرام عليك دا أنا زى بنتك حرااام
لم تفلح كلماتها فى زجر شيطانه الأعمى ، فما لبث أن عاد لإحكام قبضته عليها يعمل على تمزيق ثوبها من الأعلى ، فهى لم يعد لديها مفر أو مهرب من بين يديه
______________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى